الثلاثاء، يوليو 31، 2007

وداعا برجمان. صلاح هاشم



انجمار برجمان. بستان الروح



وداعا برجمان
رحلة في بستان الروح

بقلم صلاح هاشم
توفي أمس المخرج السويدي العملاق انجمار برجمان عن 89 عاما. اخرج برجمان أكثر من أربعين فيلما، من ضمنها رائعته" التوت البري " وغيرها من الأفلام، التي صارت " اوديسة "اي رحلة في بستان الروح، وقطعة مهمةمن ذاكرة العالم السينمائية، مع اعمال المخرجين الكبار : شابلن واكيرا كيروساو وكوبريك وبونويل وفيلليني وغيرهم، ولم تعد تلك الاعمال ومنذ زمن ملكا للسويد وحدها، بل للانسانية جمعاء. وكنا تعرفنا علي برجمان واعماله السينمائية الرائعة من خلال "نادي السينما" العظيم في مصر وأزعم انه قد تأثر بها جيل الستينيات في مصرعلي مستوي الكتابة. أعمال برجمان السينمائية شمخت بفنها، كما لوكانت اعمالا ادبية او مسرحية لكتاب عالميين من امثال الروسي ديستيوفسكي " الجريمة والعقاب " وبيرانديللو" 6 شخصيات تبحث عن مؤلف " وتشيكوف " النورس " وديكنز " دافيد كوبرفيلد " وملفيل " موبي ديك "، وجعلت السينما ينظر الي افلامها، كمثل الاعمال الادبية الابداعيةالكلاسيكية الشوامخ.ولم تكن اعمال برجمان تحكي عن شخصيات وافراد في المجتمع السويدي، بل كانت تحكي عن ألم الإنسان في مواجهة الوجود والموت والفناء والعدم، اي كانت تحكي ايضا عن حياتنا، ومن هنا اكتسبت شهرتها وانسانيتها وعالميتها. ولذلك تأثر بها العديد من المخرجين المحدثين، من امثال الامريكي وودي آلان والفرنسي اوليفييه السايس، ولا يمكن ان توجد قائمة لاحسن عشرة افلام في العالم، من دون ان تضع فيها بسهولة فيلما من افلام انجمار برجمان مثل " صرخات وهمسات " او " التوت البري " او " فاني والكسندر "الذي حصل علي 4 جوائز أوسكار،الخ. لقد اخترع برجمان وسائل واساليب سينمائية جديدة، منذ ان اخرج فيلمه الاول عام 1944 ، واستطاع علي مدار اكثر من ستين عاما من العمل في السينما، ان ينوع في تشكيل تلك الوسائل، لاستكشاف باطن الانسان و ذلك "الداخل" الخفي السري، حتي يحكي عن تلك المشاعراوالمخاوف التي تجعلنا نحن البشر سويديين ومصريين ومن كل ارض، نتعاطف مع ابطال افلامه،ونحس بحيرتهم وقلقهم وعذابهم وضياعهم،ونحبهم. لم تكن افلام برجمان ولاتزال مثل اي افلام . كانت السينما عند برجمان اداة ووسيلة، لفهم الحياة والافراد الذين يشكلون مجتمعاتنا الانسانية، كانت "محاولة" اصيلة ورائدة لفلسفة الحياة والوجود، واكتشاف لغز الموت "الصمت الكبير" كما يطلق عليه طاغور الشاعر الهندي العظيم، ووحدتنا وعجزنا. ولذلك كان اكثر مايجذبنا الي افلام برجمان التي لاتشبع منها ومن شخصياتها،هو تصوفها ان جاز التعبير أو "روحانيتها" الشفافة، والتساؤلات الوجودية العميقة التي كانت ومازالت تطرحها. وربما كان السؤال الرئيسي الذي طرحه برجمان من خلال كل افلامه هو : هل الحياة جديرة بأن تعاش - بضم التاء- حسنا ماذا بعد ؟.. فقد كانت كانت المسألةالاساسية، والشغل الشاغل في كل افلامه هي مسألة " الروح "، وحياة او حيوات الروح المتعددة مع الذكريات والماضي والحاضر والموت والالم،وفقط في مرآة الروح، كنا نتعرف علي انفسنا في افلامه ،ولذلك سوف تبقي تلك الافلام وتعمر طويلا، بعدما صارت " ايقونات " فنية سينمائية ، ومصابيح نستضيء بها في حياتنا. وداعا برجمان، الله ما احلي مذاق التوت البري في بستانك، أنت ايها البحار الذي زرع حديقة، فلما اثمرت، وماتت فجأة زوجته، واحس بانه بات وحيدا في جزيرته، كان عليه الآن ان ينام، لكي يرحل في سلام ، باتجاه الابدية


ليست هناك تعليقات: