الخميس، يوليو 05، 2007

حوار مع سعد سلمان. أكثر قربا من الجحيم

المخرج العراقي سعد سلمان



لقطة من فيلم شهي.دردمات لسعد سلمان

في حوار لا يخلو من الصراحة عن فيلمه (دردمات ) وواقع السينما العراقية

المخرج العراقي سعد سلمان : فيلمي يعالج العلاقة التكاملية

بين الضحية والجلاد

فترى ضحايا تحولوا الى جلادين وجلادين لبسوا جلد الضحية


حاوره في باريس : عبد العليم البناء


المخرج الفنان سعد سلمان من ابرز المخرجين العراقيين الذين اكدوا حضورهم في المشهد السينمائي العراقي في عالم الغربة والمنفى، حيث ادى قمع واضطهاد العهد البائد الى مغادرته العراق هربا بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة عمل سعد مخرجا في التلفزيون العراقي، وعاش في بيروت وعمل في عالم الصحافة والسينما ودفعته مناخات الحرب الاهلية اللبنانية الى الرحيل الى باريس ..وفي هذه المدينة وحيث الابداعات السينمائية المتواصلة المتراكمة بدأت مسيرته السينمائية فأنجز الافلام الاتية : (بسبب الظروف) 1982 و (كان يا مكان ,بيروت) عام 1984(رامبو ,ساعة الهروب) 1990 و (من على شرفة رامبو)1991و(حكى لي شيبام )1992و (الطريق)1993و (تنويعات على الحجاب )1994 و (فيزا الى الفردوس )1996 و(الحكمة:عمر رداد)1999و(بغداد اون/اوف)2002 و(رسالة حب الى ابنة الرئيس جورج دبليو بوش )2004 واخيرا (دردمات ) 2006الذي كان الفيلم الوحيد الذي استطاع ان يصوره داخل بغداد، مع مراحل المونتاج الاولى مع كتابة السيناريو، وكان يستشرف افاق الوجع العراقي بدقائقه.سعد سلمان اذا لم يغادر العراق الا جسدا، اما روحه و عقله فكان مع العراق، يتألم لالمه ويفرح لفرحه، وفي هذا الفيلم حقق اكثر من هدف واكثر من مغزى، ونتمنى ان يأتي اليوم الذي يعرض فيه في بغداد اسوة بالافلام الاخرى التي انجزت بعد سقوط النظام البائد.حاورناه في باريس حيث يقيم ،وكان حوارا لا يخلو من الصراحة التامة،ومؤشرا لكل عوامل السلب والايجاب في مسيرة السينما العراقية .
توقفنا معه ابتداء عن اخر اعماله السينمائية (دردمات ) الذي عبر فيه عن مكنوناته وؤيته السينمائة الجديدة حيث اكد قائلا: أن
أن ثيمة فيلم(دردمات ) ترتكز على الضحية والجلاد وعلاقة الضحية بالجلاد ..هذه العلاقة مبهمة وهي علاقة تكاملية وليست اعتباطية لانه لا يمكن للجلاد ان يكون جلادا الا بوجود الضحية ،والضحية لا تكتمل شخصيتها الا بوجود الجلاد ..وعلى مستوى فهمي للواقع العراقي فأن هذا الفيلم ولد في مرحلة متقدمة على الواقع العراقي، وبالتالي فهي متخلفة بمعنى انها لا تسير بنفس الايقاع السياسي والذهني الذي يجري في العراق الان ...ولربما تكون هذه الثيمة في الواقع العراقي هي نوع من الترف الفكري ،لان تبادل الادوار وتعدد الاقنعة ضيع او غيب الملامح الاساسية التي تفرق بين الجلاد والضحية فنرى ضحايا تحولوا الى جلادين، وجلادين لبسوا جلد الضحية ..فضاعت علينا
المعروف ان الاوضاع الامنية في العراق كانت مضطربة اثناء تصويرك وانتاجك للفيلم ..كيف اجتزت الصعوبات او المعوقات التي واجهتك ؟
احب ان اؤكد على مسألة غاية في الاهمية انني لو كنت وحدي لما استطعت انجاز هذا الفيلم ولكن حظي - اذا صح التعبير - انني التقيت بشخص كان بالنسبة لي مساعدا او دليلا وكذلك ممثلا ...ولولاه لما قام هذا الفيلم وهو الاخ محمد المعموري الذي كان العمود الفقري للفيلم ومن خلال التسهيلات التي وفرها كان التصوير وحتى التحضيرات للمونتاج التي كانت تجري بصعوبة ولكن وجود مساعدين حرفيين كانوا مؤمنين بالفيلم واعطوا احسن ما لديهم من امكانيات هو الذي اسهم في انجاح الفيلم الذي هو - في الحقيقة - نتاج جماعي ولو انه كان يحمل الرؤية الشخصية ولكنني اعتبره نتاج الكل وكل من اشترك في الفيلم هو جزء من الفيلم وعامل مساعد لايصاله الى نقطة النهاية .

ولكنك لم تذكر بعضا من هذه الصعوبات التي عانى غيرك من المخرجين منها؟

أثناء تصويرنا تحت جسر السنك وبالقرب من معهد الدراسات الموسيقية اطلق علينا احد حرس حماية فندق المنصور النار من الجهة المقابلة فقام بحمايتنا حرس المعهد ..وهذه واحدة من صعوبات فضلا عن صعوبات ادارية ..لكنني اعتقد انها لا علاقة لها بالفيلم بقدر علاقتها بالمواطن العراقي شخصيا ..وعلى اية حال ليس من حقي ان اشتكي من الوضع العراقي واتباكى على الوضع بالقياس الى معركة البقاء على قيد الحياة التي يخوضها هذا المواطن..



واين تضع فيلمك (دردمات ) في سياق تجربتك السينمائية ؟-


هو اخر اعمالي وانا اتعامل معه كما اتعامل مع الطفل الوليد الاخير ..فهو قد اتى في سياق اجتماعي وثقافي معين ولا اعتقد انه سيجد جمهورا يستوعب الاشكالية التي يطرحها الفيلم لان المشاهد - عموما- مشغول بأعتبارات اخرى وثيمة الضحية والجلاد يعيشها يوميا وهو جزء منها ...وعملية اجبار الشخص على رؤية وجهه في المرآة هي عملية لا يستحقها كثير من الناس فكيف اذا كانت على مستوى شعب ووطن وأمة... انافي اعتقادي ان (دردمات) كتب في مرحلة معينة وكان شاهدا على مجتمع معين..وقد تكون اشكالية المعاش اليومي هي الطاغية في العراق ولكن هذا لا يمنع من ان هناك وعيا ومعالجة لاشكالية وجودية لربما كما سبق ان ذكرت انها نوع من الترف الفكري ان نتحدث عن الضحية والجلاد لان المجتمع العراقي تجاوز او بالاحرى ليس معنيا بهذه المعادلة ..ولهذا انا لا استطيع تقييم فيلمي بموضوعية لانه فيلمي...! وهذه هي مهمة النتقاد الذين اشاروا خاصة الذين كتبوا عن الفيلم ويعرفون مسيرتي السينمائية الذين اعتبروه تطويراوتكريسا لبحثي عن لغتي الفنية المتفردة



وهل هذا يعني انك تجاوزت عبر فيلم (دردمات) ما حققته وانجزته في فيلمك السابق ( بغداد - اون - اوف)..؟



- ليس هنالك مجال للمقارنة برغم ان الفيلمين هما من حصيلة تجربتي الذهنية لكن لكل واحد منهما ثيمة وشكل معين يطرح هذه الثيمة ..فبحثي الدائم عن لغة فيلمية يكون فيها الشكل والمضمون متلازمين ومتحدين بحيث لا يمكن فصل الشكل عن المضمون هو الذي يهمني وفي هذا الاطار هنالك نوع من الاستمرارية في مسيرتي ولكن هل يشبه فيلم دردمات فيلم ( بغدد - اون - اوف) الجواب لا..لانني لست اسير الاسلوب الواحد..


وكيف تنظر الى واقع السينما العراقية الان..؟



ليس هنالك شيء اسمه ( السينما العراقية ) بل هنالك افلام صنعت من قبل عراقيين في الداخل والخارج ..ولكن هل مجموع هذه الافلام يشكل ملامح وسمات موحدة بحيث نستطيع ان نسميها ( السينما العراقية ) كما تسمى السينما الايرانية او الاميركية او الفرنسية او اليابانية..وحتى على المستوى العربي-عموما- ليس هنالك سينما عربية ..اذا واقع السينما العراقية واقع بائس ولم تحسن سلطة البعث لاكثر من ثلاثين سنة اي شيء في هذا الاتجاه حيث كانت هذه السلطة لا تثق بالسينمائيين العراقيين وكلما كان لديها مشروع سينمائي ضخم تستعين بمخرجين مصريين واكبر دليل على فشل السينما العراقية خلال الاربعين سنةالماضية نأخذ مثالا محمد شكري جميل الذي انجز في اواسط السبعينيات فيلما جميلا جدا .هو ( الظامئون)وكان متقدما من ناحية اللغة السينمائية والايقاع والمونتاج ويتناول قضية انسانية … تصور نفس هذا الشخص عمل فيلما بعد حوالي عشرين سنة لا يرقى الى مستوى اردأ الافلام لمستوى طلبة المعاهد السينمائية ..لقد عمل فيلما ( فضيحة ) هو ( الملك غازي) فهذا الفيلم كأنه معمول من قبل شخص لا يفقه من السينما شيئا وليس من قبل مخرج له مكانته وله اعماله التي تفصح امكانياته الجيدة!

وما هو السبيل اذا لا يجاد قاعدة سينمائية عراقية حقيقية...؟

ليس هناك من سبيل مادامت النخب الثقافية والسياسية مؤمنة بهيمنة مؤسسات الدولة على مرافق الثقافة ..وهناك شعور لدى جميع المثقفين العراقيين ان الدولة هي التي تبني الثقافة ومن خلال تعضيد الدولة للثقافة تنبني الثقافة بينما النتاج الثقافي هو من حق المجتمع واذا لم يستطع المجتمع ان ينتج ثقافة نابعة من حس ووجدان الشعب فأنها - اي الثقافة _ تبقى لعبة سياسية خاضعة لمساومات السياسةواخلاقها ..وهناك فرق كبير بين اخلاق السياسي واخلاق الفنان بينما نحن تربينا على المزج بين الفنان والسياسي وكل الفنانين سياسيين وكل السياسيين يدعون معرفتهم للفن ويدلون بآرائهم كنقاد وخير دليل على ذلك فأن المسؤولين يقدمون خطبا توجيهية للمثقفين بصيغة اوامر لتحديد مسارتحركهم وهذا الخطأ وهذا المسار ليس السياسيين لوحدهم مسؤولون عنه فقط ولكن المثقفين بطلبهم الرعاية وتبعيتهم العقائدية واضيفت لهاا لان المذهبية والعرقية اضاعوا امتيازاتهم واصبحوا ابواقا لهذا الحاكم او لهذا الحزب او لهذه الطائفة ..اذا كيف تريدني ان احدد المسار المستقبلي لوضع مأساوي بهذا الشكل..

ما هو جديد المخرج الفنان سعد سلمان ..وهل سيصب في اطار الهم والوجع العراقي ايضا..؟


لدي مشروع فيلم جديد اعكف على كتابته الان...وهو يمثل رحلة شابين داخل العراق للهروب منه ..وعنوانه ( اكثر قربا من الجحيم ) واود ان يكون شاهدا اخر على عبثية الوضع العراقي الذي تجاوز كثيرا مخيلة الفنان واشكاليتنا نحن السينمائيين انه كلما توغلنا في الاسلوب السريالي والعبثي كلما اقتربنا من الوضع العراقي..!؟ *كلمة اخيرة... - اود ان احيي الانسان العراقي لان ما يعانيه يتجاوز حدود القدرة البشرية
-------------
حوار عبد العليم البناء
--------------
انظر الموقع الجديد لسينما ايزيس تحت التأسيس

ليست هناك تعليقات: