الجمعة، أكتوبر 07، 2005

رينوار . الاب والابن في السينماتيك الفرنسي : موعد مع السعادة

أ أوغست رينوار الاب مصور السعادة الذي جعل اللون الاحمر في لوحاته جرسا يقرع

لقطة من فيلم " رقصة الكان كان الفرنسية " لجان رينوار الابن
جان رينوار الابن عبر في افلامه عن الانسانية المشتركة بين جميع الناس
لوحة حفل لامولان دولا جاليت لاوغست رينوار
ملصق المعرض ويظهر علي اليمين لقطة بالابيض والاسود من فيلم لجان ريوار وعلي اليسار لوحة للاب اوغست
معرض " رينوار " في السينماتيك الفرنسي : موعد مع السعادة

باريس- صلاح هاشم

كيف يمكن للمرء ان يحكي عن فنان ,كان يرسم كما تغرد البلابل والعصافير, ويتمني ان يصبح اللون الاحمر في لوحاته، لا لونا يري فحسب، بل ايضا جرسا يقرع، وصوتا بل نغمة تسمع، ويهتز لها الجسد بالطرب العميق ، و قد ظل هذا الفنان يرسم حتي بعد ان بلغ من الكبر عتيا، وراح وهو يعاني من مرض التهاب المفاصل، الذي اقعده عن الحركة، وأصاب بالشلل اطرافه، راح وحتي نهاية حياته، وبعدما صار شيخا،يرسم من علي كرسييه المتحرك ، ولم يكف ابدا عن الرسم، حتي وافته المنية في محترفه بعد ان سجل بلوحاته، او بالاحري خلد بلوحاته ، مجد الحياة في فرنسا ، وزهوها وتألقها، بألوان تنطق بالحبور والبهجة، وعشق الحياة، والانوثة ، والطفولة، في قلب الطبيعة ، والشمس، والضوء ، في محاولة للامساك بتوهج الحياة ذاتها ، ..وفرح الوجود ؟.
انه الفنان الفرنسي الرسام العظيم بييراوغست رينوار ( من مواليد ليموج في عام 1841 وتوفي عام 1919 ) الذي يقيم له حاليا السينماتيك الفرنسي- ارشيف او دار الافلام- معرضا رائعا حقا بكل المقاييس.معرض مفتوح حتي9 يناير 2006 و يعد الآن بمثابة الحدث الثقافي الفني الاول الآن في باريس وفرنسا، وقد اقيم بمناسبة انتقال السينماتيك من منطقة التروكاديرو ومتحف الانسان الي مبني جديد في حي بيرسي ( باريس 12 ) بجوار مكتبة فرنسا الكبري، في محاولة للكشف من خلال المعرض بعد ان انتقلت رئاسة السينماتيك الي المخرج والمنتج الفرنسي الكبير كلود بيري، (والمعروف انه من هواة اقتناء اللوحات الفنية ومولع بالفن التشكيلي )، الكشف عن العلاقة بين السينما والفنون التشكيلية, وكنوع من التكريم، لا لاوغست رينوار وحده، الذي يعتبر مع الفنان كلود مونيه رائد الحركة الانطباعية او التأثرية IMPRESSIONISME في الفن، وهي الحركة التي ثارت علي تقاليد الرسم الاكاديمية الكلاسيكية الجامدة المحنطة، وخرجت بفن الرسم الي حضن الطبيعة..
بل كنوع من التكريم لاسرة " رينوار " التي عملت بالرسم والنقش علي السيراميك وزخرفة الاطباق والاواني والتصوير والتمثيل و الموسيقي والاخراج السينمائي, بل والتأليف ايضا، فالمعروف ان جان رينوار( 1894 الي 1976 ) كتب عدة روايات ومسرحيات الي جانب اخراجه لاكثر من 20 فيلما..
تكريم لايخص اوغست رينوار اذن فقط، بل يخص ايضا اولا ابنه جان رينوار ،الذي يعتبر اعظم مخرج سينمائي انجبته فرنسا بشهادة المخرج الفرنسي الكبير فرانسوا تروفو ، ومن معطفه، من معطف جان رينوار ، مخرج " طوني " و" مدام بوفاري " و" قواعد اللعب " و يعتبر الفيلم الاخير من احسن 10 افلام في تاريخ السينما العالمية،خرجت الموجة الجديدة في السينما الفرنسية في فترة الخمسينيات علي يد فرانسوا تروفو وجان لوك جودار وايريك رومر وغيرهم, وانطلقت تصور افلامها في حضن الطبيعة وقلب الحياة علي الرصيف، كما فعل رينوار في فيلمه " بودو الذي نجا من الغرق " بطولة الممثل الفرنسي العبقري ميشيل سيمون، وحفر بذلك سكة جديدة ومنهجا في صتع الافلام، اطلقها من جمود الاستوديوهات الي حيوية وديناميكية الحياة في الشارع , وكان لمخرجي الموجة الجديدة قدوة تحتذي، حتي اطلق عيه تروفو الباترون أي معلم السينما الفرنسية, واعتبره من اعظم، ان لم يكن اعظم مخرج عرفته السينما العالمية..
كما جاء المعرض تكريما للابن الثاني كلود رينوار الذي عمل بحرفة النقش علي السيراميك، والابن الثالث بيير رينوار، الذي عمل بمهنة التمثيل، ومثل في 4 افلام من ضمنها فيلم " نشيد المارسييز " من اخراج شقيقه جان رينوار ( لعب دور الملك لويس 16 في الفيلم )..
و رابعا الحفيد كلود رينوار الصغير ( ابن بيير رينوار ) الذي عمل كمدير تصوير في السينما واشتغل مع عمه جان رينوار في الفترة من عام 1932 الي عام 1956 وصور له فيلمه " النهر " الذي صوره في الهند , وبذلك يكون المعرض تكريما لجميع افراد أسرة " رينوار " الفنية الفرنسية العبقرية، والروابط الحياتية والفنية المشتركة التي صنعت وصاغت رؤيتهم للفن والعالم, وتكريما ايضا للنساء اللواتي تعهدن افرادها بالحدب والحب والرعاية، واغدقن عليهم من عطفهن وحنانهن: مدام رينوار زوجة اوغست التي انجبت له ابنائه الثلاثة ، والنساء الموديلات اللواتي اشتغلن مع الاب، ورسمهن وخلدهن في لوحاته, وكان جان الصغير, بفضل احداهن تعرف علي الافلام الصامتة حيث كانت تصطحبه معها في جولاتها في باريس وتأخذه الي السينما، وكان من الطبيعي بعد ان نشأ وكبر في ذلك الوسط الفني ان يهيم غراما في بداية حياته باحدي الموديلات الحسناوات اللواتي عملن مع والده, ولذلك سارع بعد وفاة الاب، الي عقد قرانه عليها ، ثم جعلها في مابعد، بطلة لافلامه الاولي الصامتة..

رينوار .. مصور السعادة

ولاشك ان اجمل ما في المعرض، الذي يمكن اعتباره ايضا بمثابة تكريم الي المرأة ، وجمال النساء وانوثتهن المتفجرة، (لم ينقطع رينوارعن رسم العاريات في حضن الطبيعة حتي آخر لحظة في حياته ) وتمجيدا للحب بكافة اشكاله ( حب الطبيعة.الامومة. الطفولة.الحياة علي الفطرة.البراءة.العفويةوالتلقائية المحببة حين تصبح الحياة علي الفطرة مغامرة في البر والبحر ، وعليك ان تغرف من متعها قبل فوات الاوان، وتمسك بتلك السعادة التي تتفجر الآن في اللحظة، وقبل أن تختفي فجأة والي الابد )..اجمل مافي المعرض لرينوار مصور السعادة الذي كان يردد انه يرسم للمتعة ولايهتم بالنظريات, وتذكرك لوحاته بقصائد عمر الخيام، انه يجعلنا من جانب ندخل الي ألفة وصفاء وحميمية الاسرة، كما لو كان دعوة شخصية للغداء مع افرادها علي العشب( اسم لوحة شهيرة للاب اوغست رينوار ) لأنك بمجرد ان تدلف الي المعرض في الدور الخامس في مبني السينماتيك الجديد ،سوف تقف في طابور طويل يمر اولا علي فاترينة ممتدة بامتداد القاعة تعرض صورا شخصية لافراد الاسرة، وتجعلنا نتعرف عليهم من الصور التذكارية التي التقطت لهم ، وتحكي عن ذكرياتهم ، وايام السعادة التي مضت ولن تعود ابدا..

مجد الحياة في مانفعله الآن

وهو بذلك يوقظ فينا حين نروح نتأمل في الصور ، الحنين الي مجد تلك الايام في فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ايام السعادة التي ولت، عندما كان كل شييء يسير علي مايرام، وتمضي الايام في هناء وسرور، و في بساطة ووفرة، ويجعلنا نطوف في تلك الاماكن التي عاش فيها افراد اسرة رينوار , ثم خلدوها فيما بعد في لوحاتهم وافلامهم , فاذا بنا نتخيل انفسنا نهبط الي ضفاف نهر السين معهم , ونصطحبهم الي غابة فونتان بلو علي مقربة من باريس ، حيث ولدت الحركة الانطباعية، و نسعد بالمشاركة في حفلاتهم في الهواء الطلق, ونكاد نستمع الي افراد الفرقة الموسيقية التي تعزف هناك علي مقربة من طاحونة في قلب الريف الفرنسي الطازج, ونكاد من فرط سعادتنا نشارك في الرقص مثل زوربا اليوناني، قبل ان نخلع ملابسنا، و ندخل الي مياه نهر " السين " ، التي يرسمونها بفرشاتهم، ويلتقطونها مناظرا ومشاهدا في افلامهم ، كي نسبح مع الطيور والبط ، ونحن نردد ، ان مجد الحياة في ما نفعله الآن..
بل ان المعرض ايضا ومن جانب آخر يرينا كيف خرج استوديو الابن جان رينوار ، خرج من محترف او مرسم الاب اوجست رينوار . وكيف كان الابن جان رينوار امتدادا في افلامه، لذلك الاب المصور الفنان الرسام اوغست في لوحاته, بل لقد نجح جان رينوار ان يخلد ذكري الاب اوغست ، من خلال تحويل لوحات اوغست الساكنة الجامدة الي لوحات سينمائية حية، تنطق بعشق الحياة وجمال المنظر الطبيعي في فرنسا ،وهي تعلي ايضا من شأن الحب وقيمة الحب، وعشق الجمال، وعناق الوجود ، وتتسامي بارواحنا.. وتصبح بمرور الوقت قطعة منا
وكان جان رينوار كثيرا مايردد انه كان يحاول دوما في افلامه ان يكشف كيف تأثر بوالده الفنان الرسام العبقري, وكان اوغست كثيرا مايردد اني احب اللوحات التي نجعلك ترغب في ان تدلف الي داخل اللوحة وتتجول فيها..
ولذلك يناقش المعرض الذي يمتد علي مساحة 600 متر مربع عدة موضوعات اوثيمات مشتركة بين الاب والابن، من ضمنها موضوع البورترية الشخصي، والبورتريهات العائلية( كان اوغست يرسم نفسه ويضع زوجته واطفاله في لوحاته كما صور الابن نفسه في السينما من خلال التمثيل في بعض افلامه ) و كيفية تقديم وتمثيل " الموديل " في التصوير ( الرسم ) والسينما، وتأثير " الطبيعة " في اعمال الاب اوغست المصور الانطباعي، وفي العديد من افلام الابن جان المخرج السينمائي، واهتمام الاثنان معا ب" التكوين " في اعمالهما ، وهذه هي المرة الاولي التي يناقش فيها معرض في فرنسا العلاقة بين مذهب الانطباعية في الفن التشكيلي وفن السينما.. ويشرح كيف عكست اعمال الاب والابن بشكل ما صورة لطبيعة الحياة الاجتماعية والتقاليد الفنية الجمالية في اواخر القرن 19 وبداية القرن 20..

التأثرية ثورة علي التقاليد الاكاديمية

في مدينة ليموج الفرنسية ولد بيير اوغست رينوار عام 1841 لاب ترزي خياط انجب 7 اطفال مات منهما اثنان في الصغر، وعندما بلغ اوغست الثالثة من عمره انتقلت الاسرة الي باريس، حيث تردد علي المدرسة لفترة 6 سنوات فقط، وفي سن العاشرة انضم الي محترف رسام سيراميك كي يتعلم حرفة النقش والرسم علي الاطباق الصيني وتزيينها، وبسبب امتهانه لهذه الحرفة وعنايته الفائقة بالصنعة الجيدة, ظل اوغست طوال حياته ، حتي بعد أن اشتهر كفنان رسام, ظل يردد انه يعتبر نفسه " صانع يدوي وحرفي رسم " اكثر منه فنان ومصور رسام, ولم يكن يأبه بالحديث والمغالات في الاحاديث الذهنية التي اشتهر بها الفرنسبون حول النظريات الفنية، ويعتبر ذلك لغوا. كان يرسم رينوار لمتعته الخاصة ويقول ان اللوحة يجب اولا ان تكون جميلة، وتستمتع بها العين , ولذلك كانت لوحاته تعبيرا عن الحرية وبهجة للعيون. واهتم اوغست منذ حداثته بالرسم ولما لم يكن يجد قلما يرسم به كان يستخدم طباشير والده الخياط ويروح يخطط بالطباشير علي الابواب والجدران, وكان يتقاضي ثلاث مليمات نظير رسم ماري انطوانيت علي اطباق الطعام، ثم انضم الي محترف الرسام جلير ليتعلم اصول الرسم ومن بعدها التحق بكلية الفنون الجميلة, وعلي عكس الفنانين الانطباعيين مثل مونيه وبازيل كان رينوار لايستطيع مثلهما الاعتماد علي اسرته في الانفاق علي دراسته, وكان عليه ان يكدح ويشقي كي يدفع بنفسه مصروفات الدراسة. وكان رينوار يتردد كثيرا علي متحف اللوفر ليتعلم الرسم وينقل عن لوحات كبار الفنانين ويقلد اساليبهم، وفي محترف جلير تعرف اوغست علي مونيه وبازيل وارتبط معهما بصداقة وثيقة وكان ثلاثتهم يقضون عطلة نهاية الاسبوع في غابة فونتان بلو علي مقربة من باريس في حضن الطبيعة , وكان رينوار يتفوق عليهما في الرسم بسبب المهارة التي اكتسبها في مهنته السابقة كرسام علي الاواني الخزفية ، ومن خلال تلك اللقاءات ولدت الحركة الانطباعية في الفن..
في عام 1866 شارك اوغست رينوار ياولي لوحاته في " صالون باريس " حيث كان متأثرا بالاسلوب الواقعي وباعمال فناني القرن الثامن عشر، ولكنه في عام 1768 رسم أول لوحة تتضمن مميزاته الفنية التي عرف بها ، وميزت شخصيته في الرسم بعد ذلك. كانت جماعة الانطباعيين او التأثريين التي اقامت أول معارضها الجماعية عام 1874 تمثل ثورة علي الفن الرسمي الذي فرضه رجال " اكاديمية الفنون الجميلة " علي الحياة الفنية الفرنسية. عارض التأثريون فكرة اعتماد فن التصوير الزيتي علي الرسم بالخطوط الواضحة المؤكدة والمحددة للعناصر المرسومة، وفضلوا عليها استخدام اللمسات اللونية الصافية غير الممزوجة والموضوعة علي قماش اللوحة بحرية دون اخفاء هذه اللمسات او دمجها ، في محاولة لنقل تأثرهم بالاضواءالمنعكسة عن العناصر التي يرسمونها، دون تحديد للخط الخارجي المحدد لهذه العناصر, بحيث يتعرف المشاهد علي الاشكال من خلال الوانها واضوائها وانعكاسات لون كل عنصر علي العناصر المجاورة لهن هذا دون الاهتمام بموضوع اللوحة ، فقد اعتبروا ان كل شييء في الكبيعة يمكن ان يكون موضوعا لفن التصوير. وقد تميز رينوار عن غيره من الفنانين التأثريين بميله الي تصوير الاشخاص, بينما كرس معظم زملائه لوحاتهم لرسم المناظر الطبيعية، كما كان أشد اهتماما باشاعة البهجة غي لوحاتهن فالالوان الصافية وتلألؤ الاضواء عنده ليس غاية في ذاتها، وانما هو وسيلة لبناء الشكل الذي يتميز في لوحاته بالليونة والغبطة واللطف، بينما لم تعد المناظر الطبيعية عنده الا حاشية بهيجة تحيط بما يرسمه من نساء واطفال, اطفاله واطفال اصدقائه. وعندما بدأ يشتهر كمصور للحياة الباريسية عن جدارة، ويكسب من لوحاته ، سافر الي الجزائر وايطاليا واسبانيا، ولم يكف عن تثقيف نفسه , وكان يعتبر ان كل لوحة يرسمها هي لوحته الاخيرة ومن ثم فهي " تمرين " سوف يمنحه فرصة للتدقيق من جديد في اسلوبه، والتأكيد علي بصمته الرينوارية- ان صح التعبير- و النورانية الفريدة في اللوحة التي سوف تحمل توقيعه. ولذلك كان رينوار بمجمل لوحاته واعماله الفنية، استطاع ان يخلق نمطا من السعادة، مثل الشخصيات النمطية في السينما، بالرسم. وكان علي الابن جان رينوار ان يأخذ هذا النمط " الساكن " المتمثل في لوحات واعمال الاب , هذا " النمط " من اشكال السعادة المتعددة في لوحاته، التي تلهج بالثناء علي حب الحياة واغتنام المسرات، لكي ينفخ فيه الحياة ويجعله " متحركا " وناطقا أي يعيد تصويره وخلقه من جديد بالصورة المتحركة أي بالسينما. ويكفي ان نتأمل في ملصق المعرض الذي يضم صورتين صورة للوحة للاب رينوار علي اليمين, ولقطة من فيلم " غداء علي العشب " للابن جان رينوار علي اليسار لكي ندرك كيف ولد – بضم الواو- استوديو الابن من مرسم الاب , وكيف نجح جان رينوار في ان ينفخ في لوحات اوغست الاب الحياة ويجعلها من خلال افلامه قطعة من تراث هذه الاسرة الفنية الفرنسية العبقرية وقطعة من تراثنا الانساني السينمائي الفني لكل العصور ..
والواقع انه لاغرابة في ان تخرج افلام جان رينوار من رحم مرسم الاب, فقد كان اوغست رينوار تأثر أكثر من غيره بالتصوير الفوتوغرافين فكانت بعض لوحاته عبارة عن مناظر مقتطعة بواسطة اطار اللوحة من منظر اكثر اتساعا، تماما كالصورة الفوتوغرافية التي تلتقط جزءا من المشهد يحدده الاطار اعتباطا، ولكن معظم لوحاته ذات تكوين متماسك..
لقد استطاع رينوار كما يقول عنه الناقد الامريكي برنارد مايرز, حتي بعد ان اقعده الشلل نتيجة مرض التهاب المفاصل منذ عام 1899 وكان يضطر الي ربط فرشاة الالوان بين اصابعه العاجزة عندما كان يرسم من فوق مقعده المتحرك ، استطاع ان يجمع كل الرسامين العظام ويجعلهم ينطقون عبر لوحاته. جمع رينوار عظمتهم وحيويتهم واحساسهم بالاتساعات الهائلة من خلال احساسه العميق بالحياة, واستطاع ان يعبر عنها بألوان مدرسة التأثرية الجديدة..

التعبير عن " الانسانية المشتركة " لجميع الناس

في عام 1924 وكان جان رينوار- ابن اوغست رينوار - بلغ الثلاثين من عمره شرع في اخراج اول افلامه، فكان بداية لمسيرة سينمائية رائعة في عالم الاخراج السينمائي امتدت من عام 1924 الي عام 1969 أي لفترة تزيد علي الخمسة والاربعين عاما ، استطاع خلالها جان رينوار وعبر اكثر من 20فيلما ان يضع بصمته علي تاريخ السينما في فرنسا والعالم ، كما فعل والده في عالم الفن التشكيلي والرسم ، وكانت الافلام التي اخرجها فرصة اتاحت له ان يؤكد علي رؤية والده الفنية والفلسفية تجاه الوجود والحياة ويمنحها من روحه وتجربته الفنية الفذة , ويكفي كمثال علي ذلك ان تلك الحياة الباريسية التي عبر عنها الاب في لوحاته , بفرحها وتألقها ورقصها وبهجتها, في نهاية القرن 19, استطاع جان ان ينقلها لوحة لوحة الي فيلم " رقصة الكان كان الفرنسية FRENCH CANCAN" من انتاج 1954 ويحكي فيه عن ملهي المولان روج في باريس وحياة الراقصين والراقصات والجو العام في حي المونمارتر في ذلك الوقت,ويقول رينوار عن هذا الفيلم : " حاولت منذ اكثر من ثلاثين عاما ان اعثر علي وسيلة استطيع بها ان اعبر عن ذلك الحب الحسي الجسماني للاشياء والاشخاص البشر في لوحات ابي, واخيرا استطعت ان احقق ذلك في فيلم " رقصة الكان كان الفرنسية " من خلال جمال الممثلة سيلفيا باتاي, بالاضافة الي الالوان التي استخدمتها في الفيلم, والموسيقي التي وضعت له, وكنت سعيدا بالنتيجة التي توصلت اليها، بعدما نجحت في التذكير بلوحات ابي وفنه من خلال مشاهد الفيلم ولقطاته وشخصياته وتمثيل جان جابان...
" والواقع ان جان رينوار الذي يعتبره فرانسوا تروفو اعظم مخرج في تاريخ السينما الفرنسية , ومن معطفه كما ذكرنا خرجت الموجة الجديدة الفرنسية السينمائية في الخمسينيات, جرب كل انواع الفيلم في السينما ونجح او كاد. جرب الميلودراما في فيلم " الكلبة " ، والدراما او المأساة الاجتماعية في فيلم " توني " وجرب الفيلم التاريخي في " نشيد المارسيييز " والتراجيكوميديا في " قواعد العبة " الذي يعتبر احد اعظم 10 افلام في تاريخ السينما العالمية ،كما سافر الي هوليوود وحقق عدة افلام هناك من ضمنها فيلم " مذكرات خادمة " تمثيل جان مورو ثم عاد الي فرنسا واخرج عدة افلام من بينها " الفرنش كان كان " و" نزهة في الريف " و" غداء علي العشب " عام 1959, غير ان الشييء الاساسي الذي يحسب له كمخرج عظيم مثل مخرجناالعظيم المصري العربي صلاح ابو سيف, انه ارتبط بمذهب الواقعية او فلنقل الواقعية الشعرية ، ومنذ اول افلامه " فتاة الماء " عام 1924 ,.. وذلك لان افلامه الواقعية تأنف ان تكون اسيرة للواقع، بل تتسامي لتصل به الي مصاف الشعر, وتصبح مثل القصائد السينمائية ، بمعالجات رينوار الفريدة, التي تعتمد في جزء كبير منها علي فن الارتجال، كما في موسيقي الجاز، وتنهل من فن الممثل. ولذلك فهو امتداد ايضا لرؤية والده الفنية الذي كان يعتمد علي الارتجال ايضا في لوحاته ويهتم برسم الشخصيات, اكثر من اهتمامه بالمنظر الطبيعي في الخلفية, والمهم في عمل الاثنين وبؤرة الاهتمام هو الانسان, ولم يكن جان رينوار يعبأ ببيع بعض ممتلكاته من لوحات ابيه لكي يصرف علي افلامه و ينتجها وبخرجها بنفسه كما يشاء..وكانت تجربة الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها كمجند في سلاح الطيران وشاهد مآسي الحرب وهو يقود طائرة استطلاع تركت تأثيرات كبيرة علي نفسه ومعتقداته وقناعاته, وجعلته يقترب اكثر بافلامه من الواقع، يقترب اكثر من انسانيتنا، ويجعلنا لانمل ابدا من افلامه ومن مشاهداتها عشرات المرات, ومن ضمنها فيلم "قواعد اللعبة " الذي يعتبر " تحفة " سينمائية و يدرس هنا في مدارس ومعاهد السينما الفرنسية والعالمية كأحد اعظم الافلام " الانسانية " التراجيكوميدية في تاريخ السينما العالمية..
في عام 1979 نشر المخرج الامريكي العملاق أورسون ويلز مقالا بعنوان " جان رينوار اعظم المخرجين جميعا "، مؤكدا بكلامه علي شهادة فرانسوا تروفوبأن رينوار هو اعظم مخرج في العالم ، وأن فن رينوار يتمثل علي الخصوص قي طريقته التي لامثيل لها في ادارة او بالاحري " قيادة " الممثلين بل واكثر من ذلك في " استخدامهم " لذلك فان قوله بأن الفيلم هو حكاية قصة وايجاد الوسائل العملية لكي نحكيها، تعني بالنسبة اليه انه يعرف كيف يستخدم الممثلين الذين سيجسدون تلك القصة, ويستفيد منهم، اكثر مما يستفيد بالتقنيات ، أي بزاويا الكاميرا, وأساليب المونتاج..
ان الانسان كما يقول جان رينوار يعتمد علي الارض التي تطعمه, وظروف الحياة التي تشكل قلبه وعقله, والمنظر الطبيعي الذي يمر امام عينيه كل يوم, اكثر من اعتماده علي ابناء جلدته، والجنس الذي ينتمي اليه..
ويضيف رينوار " " ان الانسان الفرنسي الذي يعيش في فرنسا, ويشرب النبيذ الاحمر ، ويأكل الجبن الفرنسي الطري، يستطيع امام المشهد الباريسي الرمادي أن يبدع عملا جيدا ، حين يعتمد فقط علي التقاليد التي ابدعها اناس مثله عاشوا في ذات المكان.. "...
هكذا كان جان رينوار المخرج الانساني العظيم الذي كتب في سيرته الذاتية يقول : " ظل هدفي الرئيسي منذ ان قررت ان اصبح مخرجا, التعبير عن " الانسانية المشتركة " بين جميع الناس "..
زائرا كنت الي باريس أو مقيما ، لاتدع فرصة مشاهدة هذا المعرض الفذ الذي يضع لوحة من عمل الاب الي جوار لقطة من فيلم من اخراج الابن ويدعك تتأمل وتدرك وتعجب بفكرة المقارنة ، والتشابه بين الاثنين، والعناصر المشتركة بينهما ، ويرينا كيف خرج استوديو الابن المخرج من محترف الاب الرسام، بالوثائق والافلام واللوحات والصور, لاتدع فرصة مشاهدة هذا المعرض الرائع في السينماتيك الفرنسي, محطة "بيرسي " في الحي 12 باريس ، والمفتوح حتي 6 يناير 2006 تفتك بأي ثمن,والجدير بالذكر ان السينماتيك الفرنسي ( دار الافلام ) يعرض في نفس الوقت الاعمال السينمائية الكاملة لجان رينوار في نسخ جديدة للافلام ، حتي نهاية ديسمبر 2005، كما ينظم العديد من المحاضرات التي يتحدث فيها المختصون عن فن التصوير عند اوغست وفن الاخراج السينمائي عند الابن المخرج السينمائي العملاق جان رينوار..

الخميس، أكتوبر 06، 2005

عدسة ايزيس : أرشيف صور

صلاح هاشم مع المخرج الامريكي الكبير سيدني لوميه الذي تنشر " سينما ايزيس " حوارا معه قريبا .انظر محور المقابلات

لقطة للسينمائيين العراقيين مع الفنانة مديحة يسري في مهرجان الفيلم العربي " البينالي " الفائت من تنظيم معهد العالم العربي في باريس
تصوير الفنان المصور ممدوح انور

مواقع سينمائية عربية وأجنبيةRECOMMENDED SITES




*الموقع الشخصيّ للناقد (حسن حداد:
http://www.cinematechhaddad.com/
*موقع الفيل السينمائيّ اشراف حسن بلاسم:
alfilfilm.blogspot.com
*
* موقع إيلاف
http://www.elaph.com/
موقع مسابقة افلام من الامارات
www.efilmc.com
موقع فراديس
www.faradees.com
موقع كلاكيت
www.clacket.com
موقع جماعة السينما الفلسطينية
www.cinemagroup.ps
موقع المخرجة السعودية هيفاء المنصور
www.haifaa.com
مهرجان الفيلم العربي في روتردام
www.arabfilmfestival.nl
مهرجان " كان " السينمائي الدولي
www.festival-cannes.fr
فوروم دي زيماج " فيديوتيك باريس سابقا
www.forumdesimages.net
موقع دليل المهرجانات السينمائية
www.filmfestivals.net

موقع مهرجان القاراث الثلاث.افريقيا.آسيا.أمريكا اللاتينية.في نانت
www.3continents.com
موقع جريد لوموند دبلوماتيك
www.monde-diplomatique.fr
موقع السينماتيك.دار الافلام.الفرنسي
www.cinemathque.fr
موقع الثقافات الافريقية افري كولتور
www.africultures.com
موقع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
www.cairofilmfest.com
موقع اسبوع النقاد.اقدم تظاهرة سينمائية موازية في مهرجان " كان " السينمائي
www.semainedelacritique.com
موقع المعلومات الاساسية عن الافلام
www.imdb.com

موقع المركز القومي للسينما في فرنسا
www.cnc.fr

للاتصال بايزيس
salahashem@yahoo.com

حصاد الاسكندرية السينمائي 22 بقلم صلاح هاشم



ملصق فيلم " تحيا الجزائر " الحاصل علي جائزة العمل الاول او الثاني في المهرجان



محمد خان في مأزق

الأسباني "عاشق البحر" يحصد جوائز مهرجان الثغر الجميل
و المصري "ملك وكتابة" يخرج من المولد بلاشي
ء

القاهرة (مصر) كتب صلاح هاشم: حفل مهرجان ألا سكندرية السينمائي الدولي 21 الذي أقيم في الفترة من 7 إلى 13 سبتمبر في مدينة ألا سكندرية / مصر، حفل بالعديد من المفاجآت، علي كافة المستويات السينمائية والتنظيمية والحياتية، فقد تزامن موعد انعقاد المهرجان في 21 سبتمبر مع مؤتمر ويقال احتفال حكومي، حجزت له مسبقا غرف الفندق الذي يعقد فيه المهرجان، فاضطرت إدارته إلي زحزحة الميعاد إلي وقت آخر، وعلي أساس أن يعقد في السابع من سبتمبر، غير أن سوء الحظ لازم هذه الدورة بشكل بدا غريبا ومتعمدا وقدريا، إذ تزامن الميعاد مرة أخري مع انعقاد الانتخابات الرئاسية في ذات اليوم، فاضطرت الإدارة إلي إلغاء حفل الافتتاح، مع استئناف عرض ألا فلام، التي كان مقررا لها أن تعرض حسب البرنامج الموضوع، وبحضور لجنة التحكيم فقط، التي كان يترأسها المخرج المصري محمد خان وبمشاركة المخرج المغربي محمد عسلي " الملائكة لا تحلق في الدار البيضاء " والفنانة الممثلة القديرة " لبلبة ". وعرضت أفلام بالفعل علي شاشات المهرجان المحاصر المطوق من دون أن يشاهدها الجمهور، الذي كان منشغلا آنذاك بالطبع بالانتخابات والتجربة الديمقراطية الجديدة..



ملك وكتابة..

وكانت السينما المصرية حضرت في المهرجان الذي عرض أكثر من خمسين فيلما من 32 دولة، حضرت من خلال فيلم "ملك وكتابة" لكاملة أبو ذكري الذي شارك في المسابقة الرسمية، ولم يعجبنا، رغم انه حاز علي إعجاب وتصفيق العديد من الصحفيين المصريين الذين حضروا الفيلم، ولم يكن إعجابهم وتصفيقهم – حسب ظني- في اغلبه إلا مجاملة في المحل الأول للممثل القدير الفنان محمود حميدة، ولولا تمثيله، حسب رأيي، لكان الفيلم سقط سقوطا مدويا، وذلك لغياب السينما في ذلك الفيلم ومصر بالكامل،.. ولو أن "ملك وكتابة" كان أيضا من تمثيل وبطولة ممثل آخر غير محمود، ..ما كان احد قد شاهده ..أو التفت إليه، لأنه لا يحمل هما، ولا يعالج قضية تهم الناس الحقيقيين في مصر، وقد تراكمت مشاكلهم وهمومهم وتدهورت أوضاعهم، ثم جاءت كارثة أو حادثة بني سويف التراجيدية المؤسفة التي ضاعت فيها أرواح العديد من كتاب ونقاد المسرح المصري( أكثر من 42 كاتبا وناقدا) لتشيع روح التشاؤم وحياة العبث والإهمال التي نعيشها في الوطن، وقد قام محمود حميدة بدورين في ذلك الفيلم " ملك وكتابة " ولا توجد به أية " كتابة " سينمائية بالمرة بل "تفصيل" سينمائي علي مقاس ذلك الممثل محمود حميدة، وتلك الممثلة التي تشاركه البطولة ونعني بها التونسية هند صبري . إذ بدا لنا " ملك وكتابة " مصنوعاومفبركا وعلي مقاس محمود حميدة، "المنتج المنفذ" ايضا للفيلم، ليكون امتدادا لدوره في فيلم "باحب السيما" لاسامة فوزي. مثل حميدة دورين، دور دكتور جيكل الذي يدرس في الجامعة علوم التمثيل والمسرح وهو لايفقه شيئا لا في المسرح ولا في التمثيل ودور مستر هايد الذي يخشي ويخاف ويرتعب من مغامرة الحياة، ويدفن رأسه في الرمال مثل النعامة، وكدنا من الثرثرات والتفسيرات المكررة المعادة في الفيلم، نموت من البؤس والملل في مثل تلك افلام تبدو لك كما لوكانت "قصة هوليوودية" وتقع احداثها في المكسيك، وخسارة ان تذهب اموال الشعب المصري في تمويل مثل تلك افلام . افلام صحيح "جميلة" من حيث الصورة، و"نظيفة" من حيث الموضوع، واكثر من "جيدة" من حيث التمثيل، ..لكن يغيب فيها فن السينما بالمرة، كما يغيب فيها.. توهج الحياة بمشاكلها وهمومها في بر مصر العامرة بالتلوث والخلق والبشر، واتحدي ان يكون احدكم عرف اناسا مثل هؤلاء الاشخاص في فيلم كاملة و لانها ببساطة شخصيات هلامية من ورق ومصنوعة من الوهم وليس اهل مصر كما يقدمهم الفيلم ولابد ان هؤلاء البشر الذين يعرض لمشاكلهم – قلت لنفسي – يعيشون في فنزويلا ربما او في المكسيك يجوز، ولذلك لم اتعاطف معهم ولا همومهم ولم استطع ان اتبين كذلك "المكان" الذي فيه يعيشون، اذ بدا لي مجرد يكور جميل اجوف ومأخوذ من اقرب محل للاثاث بجوار استوديو التصوير، ولانعرف ماذا حدث لكاملة ابو ذكري، تلك المخرجة لشابة الواعدة التي تحمسنا لافلامها الاولي، حين قدمت لنا في بداية عملها بالاخراج بضع ماسات سينمائية مثل "قطار الساعة السادسة" و"نظرة للسماء" ثم اذا بها في فيلمها الروائي الثاني تغسل يديها هكذا من كل فن، وتكاد تتبرأ من اعمالها السينمائية القصيرة التي اعلنت عن مخرجة متميزة ومتأملة، مما يدعو الي التساؤل حقا: نري هل سيكون هذا هو مصير كل مخرج سينمائي مصري شاب واعد، السير علي الخط بعد فيلم اوفيلمين جيدين، ثم الانخراط في صنع افلام "السوق" المنحطة الغثة التافهة الحقيرة المصنوعة للاستهلاك السريع، وصنع افلام لانري فيها مصر الحقيقية وهمومها، كما في فيلم "كليفتي " الرائع للمخرج المصري الكبير محمد خان الذي كرمه المهرجان في دورته 21 هذه.؟ ومااوسع المسافة بين "ملك وكتابة" و"كليفتي" . الفرق بين "الاصل" و"الظل الوهم" بين "الفن" و"البضاعة" المفبركة الملفوفة –اجل- في ورق سوليفان مثل عروسة المولد، و تري هل يكفي ان يكون الفيلم مجرد "نمرة" في التمثيل، ليس الا، مثل رقصة قام بها محمود حميدة فابدع، في حين سقطت الممثلة التونسية هند صبري واختفت تلك الممثلة التي ادهشتنا في "صمت القصور" لمفيدة تلاتلي و"مخبر وحرامي" لداود عبد السيد، وظهرت في محلها "نجمة" يطاردها الصحفيون من اجل حديث معاد ومكرر ومنشور في كل المجلات اللامعة المصقولة، ولاتقول به شيئا، وراحت تلك النجمة في " ملك وكتابة " تظهر لاتمثل.. تظهر لتلقي علينا درسا في الالقاء والانشاء بل دم ولا روح ولا حياة في فيلم لانحتاجه وغير ضروري بالمرة، وانا اتعجب واندهش اذا كان منتجنا المنفذ قد دفع لتلك الممثلة التي لم يظهر علي وجهها أي احساس او انفعال او تعبير مقنع وهي تمثل، دفع لها اجرا..جاء فيلم " ملك وكتابة " لكاملة أبو ذكري كما نوهنا محبطا ومخيبا للآمال، وكان الفيلم المصري الوحيد الذي شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، التي دخلتها أفلام سينمائية عملاقة وعالية الجودة الفنية مثل الفيلم الفرنسي "ملك وملكة" لارنو دلبشان والفيلم الاسباني " عاشق البحر " ولذلك كان حظه وحظ بقية الأفلام العربية المشاركة مثل "باب البحر" لداود اولاد سيد (الذي سبق له الفوز بجائزة النقاد في مهرجان تطوان وجائزة السينما الفرانكفونية في مهرجان باريس) حظهم في الفوز بجائزة ضئيلا للغاية، ان لم نقل مستحيلا. غير ان المهرجان، الذي اختفي من ساحته الجمهور، بسبب ضعف الدعاية لاعماله وافلامه وفعالياته، او غيابها شبه الكامل، قبل وبعد واثناء الانتخابات الرئاسية التي هيمنت عليها دعايات التأييد للمرشحين، وإعلانات الولاء بالكامل للمرشح الذي يعرفه الناس، وهو علي اية حال افضل ممن لايعرفونهم، ومازالوا صغارا في كار السياسة والمهنة، كانت تسد عليك الطريق في كل مكان،.. واكتسحت الدعاية للرئيس مبارك كل شييء في طريقها، وطغت علي كل شييء، الا بحر الثغر الجميل،..حتي لم يعد هناك أي حضور لمهرجان الاسكندرية، الا في هامش مكاني ضئيل للغاية، ..هامش لايتعدي المسافة بين فندق شيراتون المنتزه في آخر كورنيش الاسكندرية الذي يمتد علي مسافة تزيد علي العشرين كيلومترا، وسينما فاميليا في حي جاناكليس، وهي السينما التي كان يؤمها الصحفيون وحدهم في الصباح الباكر، يتقدمهم احمد الحضري دينامو والرئيس الشرفي للمهرجان، مع قلة تضم الناقد الكبير والسيناريست رفيق الصبان، قلة تعد علي اصابع اليد الواحدة لمشاهدة افلام المسابقة ..
فاذا هبط المساء وجاءت عروض الجمهور، اذا بالصالة خاوية علي عروشها كما " خرابة "، واذا بمدير القاعة يضطر الي استبدال افلام المهرجان، بافلام اخري مصرية من افلام الصيف الحراقة الشبابية، ويكفي ان تعرف موضوع الفيلم من الملصق، و اسماء الفيلم الشاذة العشوائية الغريبة، ..واسماء افلام كهذه لم نسمع من قبل في حياتنا مثل "عوكل" و"انا وخالتي" و"حرب اطاليا" وتكشف عن التدهور المريع الذي وقع، حتي صارت الافلام "الجميلة" و"النظيفة" و"المفهومة" من جنس "ملك وكتابة" الذي لم يعجبنا، بمثابة ديناصورات سينمائية عملاقة من عصر مضي، عند بعض الناس، و" روائع" سينمائية باهرة، بمقارنتها بالافلام الرائجة في السوق، في منتهي الاسفاف والانحطاط وافساد الذوق العام، وقلة الادب، ومن العبث الكتابة عن هذه اعمال والالتفات الي اشياء اخري مفيدة من اجل الصالح العام بعد ان تدهورت صحتنا..
وهو مناخ يكشف كما ذكر الناقد السينمائي والسيناريست رءوف توفيق رئيس المهرجان في ندوة "الفيديو كليب" التي عقدها المهرجان، يكشف عن السياسات الاعلامية الخاطئة التي انتهجتها الحكومة لسنوات طويلة ماضية، وفشلها الذريع، بحيث يمكن ان نقول انه من المستحيل ان تستقيم هذه السياسات، وحال السينما، الا بعد زمن طويل، وان كنس كل هذا الهراء العام قد بات مستحيلا، في ظل هيمنة جهاز الفرجة العجيب التلفزيون علي عقول الناس، واستحواذ السلطة السياسية في مصر عليه بالكامل، وتأميم اية محاولات او مبادرات لتغييره، وإقصاء أصحابها فورا عن مواقعهم…

تكريم كفافي في داره

ولدت إذن دورة مهرجان الاسكندرية 21هذا العام هادئة جدا او بالاحري ميتة، بفعل الظروف السياسية والاجتماعية والسينمائية التي ذكرناها، ولم تسمح المساعدات المالية الضئيلة جدا التي حصل عليها المهرجان ووصلت الي 250 الف جنيه او اكثر من ذلك قليلا، بأن يحقق طموحاته في التطوير و التواصل مع جمهور الثغر، وتقديم وجبة دسمة من الافلام الجيدة القيمة الجميلة في دورته الحادية والعشرين، غير ان المهرجان استطاع، ..في ماوراء الافلام.. وعروض الافلام، استطاع أن يبسط ساحة الاسكندرية المكان.. للتعرف علي الانسان، وتأسيس علاقات صداقة متينة بين السينمائيين والصحفيين والمخرجين، .. واتاح في غياب عروض الافلام فرصة اللقاء مع البحر، ..والاختلاط بالناس- الشعب المصري- السكندري في الزحام، والتعرف الي حياتهم واحلامهم ومشاكلهم عن قرب، ..وكانوا قد هبطوا الي شواطيء الاسكندرية العريقة الجميلة بحشود بشرية هائلة تفوق الوصف، وتسد عين الشمس، وكانت جلسات التعارف وتبادل الافكار، والتخطيط لمشروعات وافلام سينمائية جديدة، كانت تمتد حتي الساعات الاولي من الصباح عند بوابة الشيراتون وعلي بعد خطوات من البحر.. اتاح المهرجان مثلا للمخرج العراقي عدي رشيد مخرج فيلم " غير صالح " ان يزور بيت الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي في الاسكندرية، وكان عدي اختفي فجأة بمجرد وصوله الي الفندق، وراحت ادارة المهرجان تبحث عنه في كل مكان لكي يشارك في الندوة التي تقام يعد عرض " غير صالح " وبحضور مخرجه، من دون جدوي، الي ان ظهر مرة اخري فجأة ..ولكي يبلغنا بأنه ذهب اولا بمجرد وصوله لتحية الشاعر اليوناني العظيم صاحب قصيدة " ايثاكا " قسطنطين كفافي، في حين كان المخرج المغربي داود اولاد سيد في صحبة صعلوك فنان، يتجول في " زنفة الستات " وسوق السمك الشهير، ويروح يبحث عن قماش قطن، ويشرب عصير قصب، ويشتري حفنة من روائع السينما المصرية الكلاسيكية، ويلتقي مصادفة في عربة ترام بأناس تعرفوا عليه بعد ان رأوه في التلفزيون في الليلة الفائتة، ..وفي مكان آخر كان المخرج المصري الكبير محمد خان " زوجة رجل مهم " يلتقي بالمخرج المغربي محمد عسلي " الملائكة لاتحلق في الدار البيضاء " لكي يتفقا علي انجاز مشروع سينمائي مستقبلي، وغير صحيح بالمرة ان دورة هذا العام كانت او ولدت ميتة، ..فاذا كانت الدورة 21 لم تنجح في تطوير الإنجازات التي تحققت للمهرجان في العام الماضي، و صحيح انها استطاعت الحصول علي افلام جد قيمة هذا العام، لكنها لم تنجح في عرضها، واجتذاب الجمهور اليها للاسباب التي ذكرناها، بالاضافة الي استقطاب التلفزيون لجمهور السينما بافلامه ومسلسلاته مع انتشار القنوات العامة والخاصة والمتخصصة وغير المتخصصة، وقصفه يوميا بعشرات الافلام المصرية والاجنبية الجيدة التي تجعله يمكث في البيت، ولايخرج هذا اذا خرج الا للتريض والنزهة علي كورنيش البحر بحثا عن نسمة هواء..



السينما حضارة السلوك

نقول اذا كانت هذه الدورة لم تنجح في استقطاب الجمهور، فانها بالمقابل نجحت اكثر من أي دورة ماضية في الحصول علي أفلام قيمة ورفيعة المستوي واكثر من ممتازة من أسبانيا وفرنسا وكازاخستان والبرازيل وغيرها، كما أكدت من جديد علي أهمية وضرورة المهرجانات، كشاشات بديلة لقاعات العرض السينمائية، التي تكرس الآن في مصر لعرض كل ما هو تافه وفاسد ولايمت الي السينما او الثقافة السينمائية الحقيقة من بعيد اوقريب بصلة، كما نجح المهرجان في تأسيس ارضية لصداقات جديدة وحميمية منفتحة اكثر علي الانسان والمكان، والامساك بالروح الكيري لحضارة السلوك، التي تؤسس لها السينما، وتدعمها بافلامها، لكي تكون اداة تفكير في مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا الانسانية وتفلسف وجودنا الحي ذاته، وتشيد لنا بيتا وعشا وعنوانا للقاءات الصفاء والالفة والغبطة المتصلة، في عناق الحياة والوجود، والتشرد والصعلكة، والسفر والمغامرة.كما نجحت الدورة 21 في عقد سلسلة من الندوات والتكريمات المهمة، مثل ندوة سيطرة افلام الفيديو كليب علي الواقع السينمائي المصري، وتحكمها في افلامه، وتكريم عدة شخصيات سينمائية مصرية كان لها حضورها وشمخت في تاريخ السينما المصرية باعمالها وانجازاتها مثل المخرج الكبير محمد خان والفنانة الممثلة لبلبة والممثل القدير حسين فهمي، وربما كان عرض فيلم " كليفتي " لمحمد خان، قبل الندوة الخاصة بتكريم مخرجه، من اهم الانجازات التي حققها المهرجان هذا العام، لكشفه عن تجربة سينما الديدجيتال الرقمية الاولي الطليعية في مصر، تلك التجربة التي سبقت في رأينا افلام السينما الحالية بعشرات السنين، وصارت كما عودنا محمد خان في اعماله السينمائية التاريخية الفذة، صارت في المقدمة، واكدت علي ان السينما الحقيقية سوف تكون اولا واخيرا بلورة لانجازات ورشة نجارة في الفن، ورشة ابداع ورؤي لصنع صور تشبهنا بحرية ومفهومية واستقلالية، ومن دون الخضوع لسلطة ما، أي سلطة تبني وتؤسس للتخلف، وتغييب الاذهان، وافساد الضمائر والعقول، حتي صرنا مسخا في بلادنا ولم نعد نتعرف الي ذواتنا. سينما تقول ان من حقنا ان نصنع افلاما كما نشاء – سينما او ديجيتال او جن ازرق- المهم ان تعبر هذه الاعمال وسمها ماتشاء، تعبر عن واقعنا، وتكشف عن مشاكلنا، وهي تنظر الي المستقبل في تفاؤل وامل، علي الرغم من قسوة وبشاعة وظلم الحاضر ..و تتقدم بنا علي سكة الحياة الحقيقية..


محمد خان في مأزق


وحول انطباعاته عن الدورة 21 يقول المخرج المصري الكبير محمد خان: " اسعدني وشرفني اختياري رئيسا للجنة التحكيم في الدورة21، ومن المؤكد انها صدفة، أن يكون أحدث أفلامي " بنات وسط البلد " هو ايضا فيلمي الحادي والعشرين، وربما ايضا الدعابة هي أن الرقم 21 كعرف عندنا ويفسره القانون بأنه سن الرشد، وكنت كسينمائي في اول طريقه قد عاشرت هذا المهرجان، في هذه المدينة الجميلة في مهده، مرورا بمراهقته، عبر السنوات، وأجد نفسي اليوم علي الرغم من تجاربي السابقة والعديدة كعضو في لجان تحكيم بمهرجانات في الداخل والخارج، في مأزق شخصي، لتحيزي الدائم والطبيعي والمتوقع مني للمنتج المحلي، خاصة خارج البلاد، فقيود رئاسة لجنة التحكيم تلزمني احترام حرية الرأي والتذوق لبقية أعضاء اللجنة وبخاصة الاجانب منهم،وقد حرمني ذلك من حق التعصب التلقائي ومما زاد من الامر صعوبة، اختيارات لجان المهرجان لبعض الافلام المشاركة في المسابقةالرسمية، فعلي سبيل المثال الفيلم الاسباني "البحر الداخلي" او عاشق البحر حاصل علي جائزة الاوسكار كأحسن فيلم أجنبي، الي جانب ترشيح بطله كأحسن ممثل، وبالمثل نجد ان الفيلم الفرنسي "ملك وملكة" جاء رفيع المستوي، بالشكل الذي يرشحه لدخول مسابقات المهرجانات العالمية الكبري مثل "كان" و"فينيسيا" و"برلين" العريقة وقد اثير التساؤل حول وجود هذين الفيلمين في مسابقة المهرجان، ومن الصعب تجاهل مزاياهم العديدة، وانا اتساءل لماذا لم تعرض هذه الافلام في البانوراما مثلا، او اختيار احداها للعرض في حفل افتتاح المهرجان، وحتي لايحرم جمهور الاسكندرية من مشاهدتهما مع افلام اخري جد قيمة في المسابقة؟ .. واذا قلنا بامكانية تواجد فيلم قدير وقادر علي منافستهما، فان هذا الفيلم للأسف لم يكن موجودا ضمن قائمة الافلام المشاركة، ولذلك ذهبت اغلب الجوائز الي الفيلم الاسباني والفيلم الفرنسي، وخرجت مصر بفيلم "ملك وكتابة" من مولد مهرجان الاسكندرية بلا شييء..".لكن علي من يقع اللوم ؟..
يرد محمد خان علي السؤال قائلا: "يقع بالاساس علي لجنة اختيار الافلام، التي لم تضع هذه الافلام المتميزة في خانة لوحدها، وجعلتها تتنافس مع افلام لاتتحقق لها نفس ظروف وشروط الانتاجات السينمائية الاوروبية المتوسطية المتميزة، وحرام ومن غير اللائق في ظني ان نضع فيلما ك " ملك وكتابة " الفرنسي امام فيلم " ملك وملكة " او " فيلم " عاشق البحر " الاسباني، امام " باب لبحر " المغربي، واحب هنا ان انتهز الفرصة واشكر لجنة التحكيم: الفنانة لبلبة والمخرج المغربي محمد عسلي والمنتجة التركية بيكيت الهان والناقد الفرنسي باتريس كاريه والمخرج الالباني ميلفان شاناي ..اشكرهم علي نزاهتهم في الوصول الي النتائج التي توصلنا اليها.. "



جوائز المسابقة الرسمية لسينما البحر المتوسط

مهرجان الأسكندرية السينمائي الدولي 21


*احسن فيلم: "عاشق البحر". اسبانيا
*احسن اخراج ك أرنو دلبشان عن فيلم "ملك وملكة" فرنسا
*احسن سيناريو: ماتيو جيل و اليخاندرو أمينابار عن فيلم " عاشق البحر " اسبانيا
*احسن ممثل: جافير بارديم عن فيلم "عاشق البحر". اسيانيا
*احسن ممثلة ك ناديا كاسي عن فيلم "تحيا الجزائر" . الجزائر
*احسن انجاز فني: لورانس بريود عن مونتاج فيلم ط ملك وملكة " . فرنسا، ويورجوس أرفانيتيس عن تصوير فيلم "عرائس". اليونان
*احسن اول او ثان عمل: نادر مكنيش عن فيلم "تحيا الجزائر"
عن ايلاف
اقرأ " فضيحة في مهرجان الاسكندرية " في محور اخبار

الثلاثاء، أكتوبر 04، 2005

فضيحة في الاسكندرية

السينما في متحف اللوفر.معرض لرينوارالاب والابن في السينماتيك الفرنسي.مهرجان سينما الجيب في باريس واخبار اخري


وصلت " ايزيس " الرسالة التالية من اسامة رزق ونحن ننشرها هنا من دون تعليق

فضيحة في مهرجان الاسكندرية لمصلحة الليثي
تهدد سمعة مصر وجمعية نقاد السينما المصريين


لم يعد مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي مريضا ميئوسا من شفائه ينتظر رصاصة الرحمة‏,‏ بل أصبح جثة هامدة تنهشها ديدان التربح والمصالح الشخصية‏,‏ وتجاوزت فضائحه الحد المعقول لتدخل في إطار الإضرار بسمعة مصر الثقافية والسينمائية‏..‏ كنا نسكت حين كان الأمر يتعلق بالتصييف علي حساب الجمعية المصرية للكتاب ونقاد السينما أو جمع أردأ الأفلام من علي أرصفة أوروبا للايحاء بوجود مهرجان أو تسكين الأحباب والمحاسيب والشغالات في الفنادق ذات الخمسة نجوم بدلا من الفنانين والصحفيين‏,‏ لكن التزوير والنصب لا يمكن السكوت عليهما‏!.‏
الفضيحة هذه المرة بجلاجل وتضعنا في صدام مباشر مع الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية‏(‏ فيبريسي‏)..‏ والحكاية أن مسئولي المهرجان اكتشفوا فجأة أن كل مهرجانات الدنيا بها لجنة تحكيم تابعة للفيبريسي تختار الفيلم الفائز بجائزة النقاد إلا مهرجان الإسكندرية لأنه لا أحد يعرضه ولا أحد يهتم به‏..‏ فاتفقوا مع الدكتور حسن عطية‏,‏ رئيس جمعية نقاد السينما المصريين الجمعية المصرية الوحيدة العضو في الفيبريسي علي تشكيل لجنة تحكيم محلية مضروبة من النقاد المحظوظين المدعوين لمهرجان الإسكندرية والإعلان زورا وبهتانا أنها دولية رغم أن الفيبريسي لا يعلم عنها شيئا‏!‏
وهكذا نشطت اللجنة الإعلامية في المهرجان لتعلن في كل الصحف عن استحداث لجنة تحكيم النقاد الدولية لأول مرة دون حتي أن تذكر اعضاءها‏,‏ ثم أعلنت في ختام المهرجان عن فوز فيلم عاشق البحر الإسباني بالجائزة وفوز الفيلم المصري ملك وكتابة بشهادة تقدير تسلمها بطله محمود حميده‏..‏ وهذه في حد ذاتها نكتة لأن لجنة الفيبريسي في العالم كله لا تمنح سوي جائزة أحسن فيلم‏!.‏
وبدأت تتكشف خيوط المؤامرة‏,‏ لتفجر أزمة خطيرة في جمعية نقاد السينما المصريين تهدد بانهيار مجلس إدارتها‏..‏ ونفي اعضاء المجلس أي علاقة لهم بالفضيحة قائلين‏:‏ إن الدكتور عطية تصرف دون الرجوع اليهم وأراد مجاملة ممدوح الليثي‏,‏ رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما التي تنظم مهرجان الإسكندرية‏,‏ لأنه يشركه في أعمال جهاز السينما الذي يرأسه أيضا بمدينة الانتاج الإعلامي مثل قراءة السيناريوهات‏.‏
واذا عرفنا أن ملك وكتابة من انتاج جهاز السينما يتضح كل شيء‏,‏ فقد أصر الليثي علي أن يحصل الفيلم علي أي جائزة بعد أن تجاهلته لجنة التحكيم الرسمية لضعف مستواه الفني رغم وجود عضوين مصريين فيها هما المخرج الكبير محمد خان والفنانة الكبيرة لبلبة‏..‏ وهكذا ثم اختراع شهادة التقدير النكتة التي تورط في تسلمها الفنان محمود حميده‏,‏ ويبدو أنه أراد هو الآخر مجاملة الليثي الذي منحه بطولة الفيلم بعد أن أدارت له السينما ظهرها‏,‏ بدليل أنه النجم الوحيد الذي حضر فاعليات المهرجان وبانكشاف الفضيحة تفجر الصراع‏ داخل مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين‏,‏ حيث ثار أعضاؤه علي رئيسه الدكتور عطية الذي تجاهلهم وورط الجمعية مع الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية‏..‏ وشهد المجلس اجتماعا عاصفا طالب خلاله الأعضاء بإصدار بيان يعلن الحقيقة‏,‏ ويؤكد أن اللجنة محلية‏,‏ إلا أن عطية رفض وحاول التهرب‏,‏ طالبا مناقشة بند آخر‏..‏ وهنا طالب ضياء حسني‏,‏ سكرتير عام الجمعية‏,‏ حسن عطية بالاستقالة لأنه المسئول الأول والأخير عن المشكلة‏,‏ فهاج رئيس الجمعية وماج‏,‏ ووقعت مشادة حامية بين رئيس واعضاء المجلس وانتهت بمغادرة حسن عطية القاعة غاضبا قائلا إنه مستقيل‏,‏ إلا أنه لم يقدم استقالة مكتوبة‏.‏
واتفق باقي أعضاء مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين علي إصدار بيان لتوضيح الموقف والإعلان بوضوح أن لجنة التحكيم التي شكلت في مهرجان الإسكندرية مصرية‏,‏ وليست من قبل الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية‏,‏ ووقع علي البيان النقاد أحمد الحضري نائب رئيس الجمعية‏,‏ وضياء حسني السكرتير العام‏,‏ وصفاء الليثي أمين الصندوق‏,‏ والدكتور صبحي شفيق‏,‏ وفريدة مرعي عضوا مجلس الإدارة‏.‏

ومن المتوقع أن تتصاعد الأزمة خلال الأيام القليلة المقبلة سواء أصر عطية علي الاستقالة أو تراجع عنها‏,‏ بما يهدد فرص مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين في استكمال دورته الحالية‏.‏

الاثنين، أكتوبر 03، 2005

دراسة : مشروع تخريب السينما مازال مستمرا بقلم أمير العمري

النص الكامل لمقال امير العمري الذي نشرته احدي صحف المعارضة المصرية ناقصا ومشوها
مشروع تخريب السينما مازال مستمرا
مهرجانات سينمائية لمن يدفع

كان المشروع السينمائي في مصر دائما جزءا من المشروع الثقافي عموما، في صعود الثقافي يصعد السينمائي، وفي هبوطه يهبط بل
وينحدر انحدارا مما يجعله مشروعا يشبه "الكباريه" الكبير الذي يتردد عليه كل من هب ودب من المغامرين وأصحاب "الحسابات المصرفية" العامرة، لتوزيع "النقوط" وتشجيع "الرقصة الحلوة"!
السقوط رغم "النقوط" لا يزال مستمرا بجدارة في نظام فاروق حسني الثقافي هموما، والسينمائي بوجه خاص.
فاروق حسني المسؤول الأول عن "هولوكوست" المثقفين والمسرحيين في قصر ثقافة بني سويف الذي اندثر فيه نحو خمسين مثقفا ومسرحياً، وضع استقالته تحت تصرف الرئيس مبارك كما ذكرت الأنباء. وكأن لسان حاله يقول: الأمر متروك في قبول الاستقالة أو رفضها للرئيس مبارك، المسؤول بدوره عن إبادة ستة ملايين مصري على الأقل من جراء الفقر والمرض والجوع طوال 25 سنة حكم فيها مصر. وكان من الطبيعي بالتالي أن يرفض مبارك استقالة فاروق حسني، فمصير حسني أصبح منذ زمن، مرتبط بمصير العائلة الحاكمة وبالأخص، السيدة الأولى!
فاروق حسني جثم على صدر وزارة الثقافة التي كان يفترض أن تندثر منذ زمن بعد أن تحولت إلى وزارة قطاع خاص لحسابه الشخصي وحساب بعض أعضاء شلة المنتفعين الذين يجد فاروق متعة خاصة في إذلالهم والتلاعب بهم ويعرف قبل غيره، مستواهم الحقيقي، وهو ما يكشفه بشكل فضائحي مخيف محمد عبد الواحد في كتابه ذائع الصيت "مثقفون تحت الطلب"، وهو- أي عبد الواحد- الذي ظل يعمل مستشارا إعلاميا لفاروق حسني لنحو خمسة عشر عاما.
مهرجان الإسماعيلية السينمائي- وهو على حد علمي المهرجان السينمائي الوحيد الذي تقيمه الوزارة من الألف إلى الياء ويرأسه رئيس المركز القومي للسينما علي أبو شادي، ارتضى رئيسه أن تمنح مجلة سينمائية تصدر في باريس، جائزة خاصة باسمها قدرها ألف يورو للفيلم الذي يختاره صاحب المجلة في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ المهرجانات السينمائية في مصر، بل ولا أتذكر أنه "سمح" لأي مجلة سينمائية مصرية أو غير مصرية بمنح جوائز باسمها في مهرجانات تقيمها الدولة في مصر!
لقد اصبحت كل الأنشطة الثقافية وغير الثقافية الرسمية في مصر مثل مهرجاناتنا وتظاهراتنا الثقافية من نوع "القطاع الخاص جدا"، أي أصبحت تدار لحساب المسؤول أو المشرف عليها. ويكفي فقط تأمل قائمة المدعوين في كل ما يقام من تظاهرات ومؤتمرات في ما يسمى بـ "المجلس الأعلى للثقافة" (الذي يضحكني اسمه لما فيه من تشابه مع مجلس السوفيت الأعلى أو المجلس الكنسي الأعلى أو ما شابه، أي أنه يوحي بكهنوت أعلى مفروض على الثقافة والمثقفين!).
والغريب أن لا أحد يعرف من يمول هذه المجلة التي تصدر منذ سنوات في طبعة شديدة الفخامة وتتميز بالصور اللامعة وتدفع لبعض أصحاب الحظ السعيد بالعملة الصعبة جدا، ولا أحد يعرف من يمول صاحبها - رجل الأعمال والصحفي السابق - الذي يصدر إلى جانبها مجلة أخرى سياسية حولها علامات استفهام كثيرة!
مهرجان القاهرة السينمائي
أما النكتة الأخرى المضحكة فقد جاءت – كما هو متوقع – من طرف ما يسمى بمهرجان القاهرة السينمائي الذي تحول منذ عقود إلى عزبة خاصة لمن يديره ويرأسه، يدعو لحضوره كل من يعتبرهم من أهل الثقة أي المداحين والمطبلين والمزمرين في الصحافة العربية في الخارج (التي خبرناها ونعرف دروبها والقائمين عليها جيدا على مدى أكثر من 20 عاما).
الاتحاد الدولي لنقاد السينما والصحافة السينمائية (فيبريسي) قرر قبل فترة تشكيل لجنة تحكيم للنقاد في مهرجان القاهرة السينمائي، تمنح جائزة لأحسن فيلم تختاره لجنة تحكيم يشكلها الاتحاد.
قرار "الفيبريسي" جاء عقب تقرير رفعه الناقد الانجليزي رونالد بيرجان – الذي حضر بصفة مراقب في الدورة الماضية من المهرجان – أوصى فيه بتشكيل لجنة تحكيم "تجريبية" – أي على سبيل التجريب، في المهرجان رغم انتقاداته الشديدة له، للأسباب التي ذكرها وهي بالحرف الواحد (وأنا أنقل من تقريره الموجود أمامي):
الحاجة إلى التواجد في العالم العربي للتعرف على نوعية ما ينتج من أفلام هناك.
القاهرة مدينة مثيرة تستحق الزيارة.
اللجنة ستلقى ترحيبا حارا الحار وستعامل معاملة خاصة.
عرض رئيس المهرجان شريف الشوباشي توفير إقامة كاملة ودفع تذاكر السفر من أوروبا.
شريف الشوباشي إذن يرحب بالنقاد الدوليين من الخارج وعلى استعداد لتوفير كل ما يريدونه بدون شروط. إلا أن "المشكلة" هي أن هذه اللجنة يجب أن تضم عضوا من مصر كما هو العرف السائد في "الفيبريسي" منذ تأسيسه، فماذا اشترط شريف الشوباشي؟!
اشترط – حسب الخطاب الذي أرسله الأمين العام للاتحاد الدولي كلاوس إيدير إلى جمعية نقاد السينما المصريين (العضو الوحيد من مصر في الاتحاد الدولي) أن يكون العضو المصري في اللجنة من الصحفيين العاملين في إحدى الصحف اليومية المصرية أو المجلات الأسبوعية الكبرى وأن يكون عضوا في نقابة الصحفيين المصريين!
ويبدو أنه نسى أن يشترط موافقة الأجهزة الأمنية الرفيعة السامية التي يمر عبرها كل من يتبوأ موقعا من مواقع المسؤولية في الصحافة والإعلام في بلدنا العزيزة، وآخرهم الشوباشي نفسه!
ولأنني عضو في هذه الجمعية منذ 31 سنة، ورأست مجلس إدارتها في فترة من الفترات، وجدت لزاما أن أكتب لكي أقول إن من حق الشوباشي أن يسمح بوجود لجنة من الاتحاد الدولي أو لا يسمح، حسب قانون الإقطاعيات الخاصة غير المكتوب في مصر الذي يسمح له ولغيره من المسؤولين بتقرير من يعيش ومن يموت في مصر الحرة المستقلة!
إلا أنه ليس من حق الشوباشي ولا غيره، أن يحدد لجمعية النقاد من يمثلها وشروط هذا التمثيل. ولو كان مؤسس الجمعية الناقد والمخرج الراحل الكبير أحمد كامل مرسى- وقد عاصرته رئيسا للجمعية – على قيد الحياة، لوجد تلك الشروط مدعاة للضحك والسخرية، فمن الذي قال إن الناقد يجب أن يكون موظفا في صحف السلطة أو عضوا في نقابة الصحفيين – وليس مثلا السينمائيين!
إن هذه الشروط المضحكة تعكس جهلا كاملا ليس فقط بجمعية نقاد السينما التي لا يطيقها الشوباشي ولا غيره، بسبب استقلاليتها عن السلطة والدولاب الحكومي طوال تاريخها (وأرجو أن تظل كذلك في عهدها الحالي)، بل وبالتقاليد الخاصة بلجان التحكيم المحترمة بشكل عام، فالشوباشي فيما يبدو، يرغب في تشكيل لجنة تحكيم خصوصي أي على مقاس مهرجانه سيئ الصيت عالميا منذ نشأته.
وعندما انتقدنا في مقال شريف الشوباشي وغيره من الذين يتولون بدون سابق إنذار – مسوؤليات في إدارة المؤسسات السينمائية في مصر، لفت البعض نظرنا إلى أن المسؤول عن مثل هذه الأخطاء ليس الشوباشي ورفاقه الطيبون، بل من أتى به ومنحه مناصبه أي وزير الثقافة فاروق حسني. وهو أمر غير صحيح تماما، ففاروق حسني ليس"سيد قراره" كما يتصور البعض فهناك من يملكون- ضمن إقطاعية نظام العائلة الحاكمة – إصدار التعليمات لفاروق حسني وغيره بتعيين هذا أو ذاك من المعروفين بتقديم "خدمات خاصة" للعائلة أو لأجهزتها داخل وخارج مصر، والقائمة تطول في هذا المجال.
غير أن المشكلة ليست في الذين تم تدريبهم منذ صباهم، على طاعة السلطات والإخلاص لها، بل في أولئك الثوريين "السابقين" الذين فاض بها التمرد والغضب والثورة الأمر الذي أدى بهم إلى الارتماء طواعية أو انتحارا، في أحضان سلطة المؤسسة: ثقافية وغير ثقافية، وهو موضوع آخر بالتأكيد.