الثلاثاء، يوليو 28، 2009

مختارات ايزيس: مستقبل مصر بقلم فرانسوا باسيلي



مختارات ايزيس

من الهوس الديني إلى التردى الحضاري: ما مستقبل مصر؟

بقلم فرانسوا باسيلي

مصر بلد شديد الخصوصية لا يشبه أي بلد آخر على الأرض ولا أي بلد عربي مجاور، والمصريون شعب فريد مدهش تذهلك خصائصه وأحواله وتصرفاته حتى أنني أصبحت واثقا أن المصريين هم أعجب شعب في العالم، فهناك أحوال وتصرفات لا تصدر إلا عن المصريين وحدهم، وهي أحوال وتصرفات غريبة مدهشة، تجمع بين الطرافة وخفة الدم والحكمة الجماعية المخزونة واللامعقول، ومتناقضات أخرى تتعايش في طبيعة المصريين وفي سلوكياتهم جنبا إلى جنب في سلام ووئام، معطية في النهاية شخصية مصرية مميزة تجذب إليها الآخرين بما تشعه من دفء وعاطفة إنسانية صادقة وساحرة، تتوهج محبة للناس وعشقا للحياة وللمرح والسخرية، لا تتعجل أي شئ، الصبر مفتاح أساسي من مفاتيحها السحرية سبكته القرون الطويلة التي شهدت مجدها الباهر في مفتتح التاريخ الحضاري وإنكسارها البائس في الألفيتين الأخيرتين. والذي يعين المصري على أحواله الصعبة خاصتان أساسيتان من خصائص طبيعته النفسية- التاريخية هما التدين والمرح.
أشد شعوب العالم تديناً

أظهر إستطلاع للرأي قامت به مؤسسة جوبل العالمية أن المصريين هم أكثر شعوب الأرض تدينا. وسيتأكد لديك هذا بسهولة إذا ما مشيت في أي شارع بأي حي شعبي بأية مدينة في مصر ، إذ ستجد المظاهر الدينية حولك في كل مكان من الآيات القرآنية المكتوبة على الحوائط في المحلات التجارية والمكاتب، والمسموعة من المذياع والميكروفات من عشرات المساجد والزوايا في كل حين، إلى ملابس المصريين أنفسهم من الرجال المجلببين الملتحين إلى النساء المحجبات والمنقبات، إلى كلام المصريين الذي تتخلله عبارات إن شاء الله، وكله على الله، وغيرها بين كل جملة وأخرى، والأقلية القبطية في مصر لا تقل تدينا في المسلك والمظهر، واهتمام الأقباط بالجانب الديني في حياتهم، وخاصة ما يتعلق منه بالايمان بالمعجزات التي أصبح البعض يراها ويتوقعها بشكل يومي في حياتهم، هو إهتمام لا يضاهيه إهتمام أية طائفة أو جماعة مسيحية أخرى في العالم من المذاهب المعروفة، وبهذا يمكننا أن نقول أن المصريين اليوم- وهكذا كانوا منذ فجر التاريخ - هم اشد شعوب الأرض تدينا وانشغالا واشتغالا بالدين في كافة مناحي حياتهم، والمصريون هم من ابتكروا الأبدية وقالوا بالحياة بعد الموت وبالروح والخلود والحساب والعقاب قبل ظهور هذه كلها في الأديان السماوية بعد ذلك بقرون عديدة. كما أن المصريين هم أول من أعطوا الكهنة اي رجال الدين- منزلة عالية تناطح منزلة الفرعون نفسه الذي إضطر إلى أن يعلن نفسه نصف إله حتى يعلو قليلا على منزلة الكهنة، لكن المصريين كانوا دائما يعطون الكهنة منزلة أعلى من الملوك لأنهم آمنوا بأن في أيدي الكهنة مفاتيح الروح في الدنيا والآخرة معا. وإلى يومنا هذا نرى المصريين- مسلمين وأقباطا- يلجأون إلى رجال الدين طالبين عندهم إجابات لكل كبيرة وصغيرة في حياتهم اليومية بشكل لا يفعله شعب آخر على الأرض، بل وبشكل يكاد أن يشي بنوع من الطفولة الجماعية وعدم النضج .

واكثر شعوب الارض فساداً

في إحصائيات عديدة في السنوات الأخيرة تأتي مصر في مؤخرة دول العالم في الكثير من مؤشرات الحضارة مثل الجامعات (لم تعد الجامعات المصرية بين أفضل مائة جامعة في العالم كما كانت جامعة القاهرة من قبل) ومستويات الصحة والنظافة والانتاجية، وفي دراسة حديثة أخرى نجد أن المجتمع المصري يتصدر مجتمعات الأرض في مدى استفحال الفساد والمحسوبية والرشوة في كافة مناحيه. أما أعجب استطلاعات الرأي مؤخرا فكانت تلك التي أعلنتها الحكومة المصرية والتي تقول أن المصريين هم من أكثر شعوب الأرض سعادة!! فإذا بدا لنا كل هذا متناقضا فعلينا أن نعرف أن المصريين هم أغرب شعوب الأرض وأن لديهم القدرة الفائقة على التعايش مع حزمة من المتناقضات التي تقيم بداخل ذواتهم ومجتمعاتهم بلا قلق أو مساءلة أو رفض.ولنا أن نتساءل أمام هذا: كيف يكون المجتمع المصري اليوم على درجة عالية من التدين (الأعلى في العالم) وفي نفس الوقت على درجة عالية من الفساد (الأسوأ في العالم)؟ أليس المفروض في التدين الشديد أن يؤدي إلى انعدام الفساد؟ وكيف مع كل هذا الفساد وكل هذا الفقر والبؤس والجهل وانعدام أبسط مستويات الحياة الإنسانية السليمة الصحية الجميلة الكريمة أن يكون المصريون أسعد خلق الله؟
هذه التي تبدو على السطح متناقضات لا تتلازم هي في الواقع من طبيعة الأشياء إذا ما كان لدينا بعض الادراك لسيكلوجيات الشعوب. وقد أكتشف علماء النفس منذ زمن أن الإفراط في تصرف معين كثيرا ما يكون نوعا من التعويض عن نقيصة يستشعرها الإنسان. فالإفراط في مظاهر التدين السطحية من شعائر وعبادات إحتفالية يراها الجميع هو تعويض عن نقص في الإلتزام بجوهر الدين من صدق ونظافة روحية ومعاملة إنسانية والتزام بالشرف والخلق القويم في كل تصرف. فالفقر والعوز والقهر الذي يدفع الكثيرين إلى قبول الرشوة أو الظلم أو السرقة أو الكذب والنفاق وعدم الامانة بشكل يومي يضطر صاحبه إلى البحث عن تعويض كل ذلك بالافراط في التدين المظهري لعل الله يغفر له ما يفعله من إثم من ناحية ولكى يرمم- فى نظر نفسه وفى نظر الناس ما تصدع من شخصيته التي انهار احترامها ومكانتها تحت ضغط الحاجة اليومية إلى قبول الانغماس فيما يهين النفس لتأمين لقمة العيش للأولاد.
لذلك اعتبر كثير من المفكرين والمصلحين أن الفقر هو أعظم الآثام الاجتماعية لأنه اساس كافة الشرور الأخرى. وكلما اشتد الفقر وضغطت الحاجة إندفع البعض إلى الجريمة العلنية كالسرقة والقتل- واندفع الكثيرون إلى الجريمة المقنعة- كالرشوة والتحايل والكذب والنفاق وارتكاب الظلم وقبوله والصمت عليه. وفي نفس الوقت اندفع الجميع إلى الافراط في التمسك بمظاهر التدين العلنية في محاولة لتضميد النفوس الجريحة والضمائر النازفة واستراداد الكرامة المحطمة. إلا أن الافراط في التدين لا يحل أيا من المشاكل التي يعانيها الفرد أو المجتمع، إنه يمنح نوعا من التعويض المؤقت و الضماد اليومي، لكن الجرح يظل ينزف باستمرار من تحت الضماد، فالتدين لا يحل مشاكل الفقر وضرورات المعيشة، والأدهى أن الافراط في التدين يزيد من المشكلة- إذ أن مظاهر التدين والعبادات ومنظوماتها من شعائر ومتطلبات تخلق عالما كاملا من الاشتغال وإلانشغال بالتدين ومحاولات تفسير كل شئ تفسيرا دينيا والإضطرار إلى اللجوء إلى رجال الدين (وهم رجال فقط بالطبع وليس بينهم نساء في احتكار ذكوري فاضح لمفاتيح السماء!) لاستفتائهم في كل كبيرة وصغيرة في أمور الدنيا، وهكذا يقضي المصري مسلما كان أو قبطيا- جزءا لا يستهان به من وقته منشغلا بتساؤلات وإجابات وتفسيرات ومحاضرات ومناظرات ومحاورات تدور كلها حول قضايا دينية بحتة كان يجب أن تكون هي شغل رجال الدين والباحثين والأكاديميين وحدهم وليس كافة الناس. وهكذا ينشغل المجتمع المصري عن بكرة أبيه بقضايا بيزنطية لا تفيد المجتمع ولا الإنسان في شئ على الأطلاق، وبدلا من الإنخراط في عمل جاد مفيد مثل الإنتاج أو تحسين الأوضاع التعليمية أو الصحية أو السكانية أو الثقافية في البلاد يشتغل المصريون بقضايا وهمية تلبس مسوح الدين فتبدو بالغة الأهمية وهي في الواقع غير قادرة على رد خطر بعوضة عن الناس.

هروب نحو عالم الغيب والغيبوبة
ولكي أعطي مثالا على ذلك أحدثكم عن جماعة الكترونية تقول عن نفسها إنها لشباب إحدى جامعات مصر كلية العلوم شعبة الفيزياء أو الكيمياء، وعندما دخلت إلى موقعهم متوقعا أن أقرأ آخر أبحاث وأفكار شباب مصر في هذا المجال صدمت عندما لم أجد سوى مناقشات فقهية سطحية في شؤون إسلامية!! وقضايا وهمية محزنة على شاكلة بأي قدم المفروض أن يدخل المؤمن الحمام؟! هؤلاء شباب جامعيون هم ثروة مصر الحقيقية لصنع المستقبل- لا ينشغلون بصنع أي مستقبل ويهربون هروبا فاضحا نحو عالم الغيب والغيبوبة. مثال أخر أشد بؤسا ما شاهدته في برنامج البيت بيتك مؤخرا، حيث جاء أستاذ مصري قال أنه حاصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية (على ما أذكر) من إحدى جامعات أمريكا، لكنه ترك العمل في التدريس الجامعي و البحث العلمي وتفرغ للحديث عن الإعجاز العلمي للقرآن، وقال أن دراساته العلمية العليا تجعله مؤهلا لكي يتخصص في هذا المجال بعد أن أخذ شهادة أخرى من كاليفورنيا في الدراسات الإسلامية، وجاء ابلغ رد على هذا من الشيخ خالد الجندي الذي حضر اللقاء مع محمود سعد- إذ قال للضيف العالم النووي ما معناه إننا نحتاج إليه في مجال الأبحاث الكيماوية والنووية أكثر بكثير من حاجتنا إليه محدثا عن الإعجاز العلمي في القرآن وقال أن للفقه دعاته ولدينا منهم الكثير- ولكن ليس لدينا كثيرون في الأبحاث النووية، ودعا الضيف أن يفيد أمته الإسلامية أكثر بالأبحاث العلمية وليس بخلط الدين بالعلم.
الإنشغال إلى حد الهوس بالأمور الدينية الثانوية الذي يحدث في المجتمع المصري اليوم يشغل الإنسان المصري عن العمل الجاد والإنتاج والتعليم والتطور والدفع بعجلة الحضارة والإبداع في كل مكان. إن الايمان الديني يعتمد على الاتباع اتباع السلف الصالح واتباع أوامر الدين ورجاله- وهذا ينقلب إلى ضد المطلوب منه إذا ما زاد وطغى على كل شئ آخر، إذ أنه يخمد في الإنسان طاقة الابداع، أي ابتكار كل ما هو جديد لضمان تطوير النفس والمجتمع والمسيرة الحضارية. وفي مصر قد طغى الاتباع على الأبداع ووأده، وهكذا يزداد المجتمع الفقير البائس فقرا وبؤسا، وينحدر إلى قاع الأمم في مستوياته الحضارية والإنسانية والإخلاقية .
أكتب هذا في اليوم الذي مات فيه الإعلامي الأمريكي الشهير والتر كرونكايت الذي كان ملقبا بأنه الإنسان الأكثر مصداقية في أمريكا، ومن مآثره أنه خلال حرب فيتنام وبعد جولة له هناك عاد ليقول في نشرته الإخبارية أن هذه حرب لا يمكن الانتصار فيها وأن الاشرف لأمريكا أن تنهج منهج المفاوضات لتترك فيتنام لأهلها، وقال الرئيس جونسون يومها :'ما دمت قد خسرت تأييد والتر كرونكايت، فقد خسرت تأييد أمريكا كلها'. وهو ما حدث فعلا حين تحول الرأي العام الأمريكي ليصبح ضد تلك الحرب العبثية. وهكذا استطاع إعلامي مسؤول أن يقول ما يجب أن يقال للشعب الأمريكي وللحكومة الأمريكية في وقت كانت تخوض فيه حربا عنيفة. وما يحتاجه الشعب المصري هو رجال ونساء في مواقع المسؤولية الثقافية والسياسية يقولون للشعب المصري أن حالة الهوس الديني التي تعتريه اليوم هي نوع من المرض النفسي والمجتمعي الخطير الذي عليه أن ينفض نفسه منها ليدخل إلى مصاف المجتمعات العصرية الجادة المنتجة للحضارة في العالم كله.
النظام فقد دور القيادة

إن النظام الحاكم في مصر اليوم قد كف عن قيادة البلد والمجتمع وأصبح تابعا- لا قائدا- لمجتمعه، يقوم برد الفعل فقط كلما أفرزت الحالة السرطانية للمجتمع المصري بعض البثور هنا أو الإنفجارات والتقيحات هناك، فيقوم بالقبض على بعض الأفراد، وإطلاق سراح البعض الآخر، في عمليات أمنية لا تنتهي ولا تقدم علاجا ناجحا للورم السرطاني المتفشي في جسد المجتمع المصري، لقد فقد النظام دور القيادة وأكــــتفي بشعارات مضحكة عن الريادة، ولم يعد لمصر دور قيادي في المنطقة في أي مجال، سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو علميا أو حضاريا أو فنيا، أنظر إلى حال مصر اليوم لكي تبكي حزنا على بلد كان حتى الستينات من القرن الماضي يقود المنطقة بسياسة وثقافة متوهجة محلقة رائدة فعلا، وفي كافة المجالات.
إن النظام المصري الحاكم يلعب لعبة السير على الحبل، محاربا كل محاولة للتغيير الحقيقي ومطاردا كل موهبة جديدة تمثل خطرا على الأمنيات البائسة في توريث الحكم، محبطا بذلك قوى الشباب الصاعدة الراغبة في مستقبل أفضل لها ولبلدها. إن النظام الحالي مسؤول عن التردي الحضاري الذي يعانيه المجتمع المصري والإنسان المصري اليوم، وعليه أن يفسح المجال لغيره لإنقاذ مصر الكنانة من أمراض الهوس الديني والفساد الاجتماعي والسياسي والعشوائية السلوكية التي أوصلت المصريين إلى قاع الأمم.
بدون تغيير أساسي- سياسي وفكري معا- لا أمل في مستقبل مزهر قريب لمصر.

' كاتب مصري

عن جريدة " القدس العربي " بتاريخ 28 يوليو 2009

الاثنين، يوليو 20، 2009

شكل جديد لمهرجان الفيلم العربي بروتردام

لقطة من فيلم " بصرة " للمصري احمد رشوان الذي شارك في الدورة الاخيرة لمهرجان الفيلم العربي بروتردام


اخبار ايزيس



شكل جديد لمهرجان الفيلم العربي بروتردام




قرر مجلس إدارة مؤسسة المنتدى العربي في هولندا، خلال اجتماعه يوم 19 يوليو 2009، استعادة الإشراف المباشر على التخطيط وتنظيم مهرجان الفيلم العربي في روتردام، منهيا بذلك التفويض الذي منحه للمؤسسة الشقيقة "فيلم من الجوار" بتنظيم هذه التظاهرة الثقافية والفنية العربية الرائدة في أوربا طيلة السنوات الخمس الماضية.
و قد جاء القرار بناء على تقييم قام به المنتدى المالك لحقوق الملكية الفكرية للمهرجان، للدورات الخمس الماضية، ورغبة مجلس إدارة المنتدى العربي في تحويل المهرجان خلال السنوات القادمة إلى تظاهرة فنية أكبر، تكون السينما قاعدتها الأساسية مع إتاحة الفرصة على هامش الفعاليات لعرض فنون عربية أخرى، موسيقية ومسرحية وتشكيلية.
ويأمل المنتدى العربي من خلال استعادة الإشراف المباشرة على مهرجان الفيلم العربي في أن يساعد ذلك على ربط المهرجان أكثر بالمؤسسات السينمائية والإعلامية العربية، وتخفيض الاعتماد على مؤسسات الدعم الهولندية، بما يحقق استقلالية أكبر على صعيد الاختيارات الفنية و مواضيع البرامج الخاصة، فضلا عن التطلع إلى التواصل أكثر مع أصحاب الأفكار المبتكرة.
و يتواكب هذا التغيير مع تغييرات أخرى طالت الهيئة التنظيمية للمهرجان، حيث سيجري تعزيز الموارد البشرية للمؤسسة بطاقات جديدة وشابة، ستعمل على إعطاء الإضافة وتحقيق التغيير المطلوب.
وكان مجلس قرر مجلس إدارة مهرجان الفيلم العربي بروتردام إدخال تغييرات على هيئة الإدارة الفنية للمهرجان حيث تقرر في هذا الإطار تكوين لجنة جماعية ستتكون من عدة مبرمجين عرب وهولنديين، سيلقى على عاتقها مسؤولية اختيار الأفلام واقتراح البرامج الخاصة، وذلك بدل الصيغة القديمة التي تضع المسؤولية كاملة في أيدي المدير الفني انتشال التميمي، الذي تقرر الاستغناء عن خدماته.

مع توجيه رسالة شكر وتقدير للمدير الفني السابق نظير الخدمات التي قدمها طيلة السنوات الماضية لهذه التظاهرة الفنية العربية الرائدة خارج العالم العربي.

الجمعة، يوليو 17، 2009

فيلم حياة ما بعد السقوط يعرض يوم 21 يوليو علي القناة 4 بريطانيا

لقطة من فيلم حياة ما بعد السقوط لقاسم عبد.تحفة سينمائية لاتدع مشاهدتها تفتك باي ثمن.صلاح هاشم



فيلم

حياة ما بعد السقوط للمخرج العراقي قاسم عبد


على قناة More4 ( مور فور )




تحفة قاسم عبد لاتدع مشاهدتها تفتك بأي ثمن

صلاح هاشم




العزيز قاسم
تعرف اني احببت فيلمك كثيرا جدا ، ومنذ فترة لم يستطع اي فيلم ان يبكيني، لكني بكيت الكثير في فيلملك " الساحر " ، فقد منحتنا اهلك ليكونوا اهلنا لنا عبر هذا الفيلم، الذي يقربنا من انسانيتنا ، ويقدم صورة تشبهنا ،انه " درس " في السينما التسجيلية، بل لقد تمنيت ان يطول الفيلم اكثر واكثر، والا ينتهي ابدا. فيلم "حياة ما بعد السقوط" اعتبره تحفة سينمائية، ودعك من توصيفها بالروائية او التسجيلية ، فالفيلم يتوهج سينمائيا بايقاعه ونفسه وتصويره وشخصياته ، ويشرف حقيقة السينما العربية وغير العربية ، يشرف السينما التي لاتعرف حدودا او هوية او جنسية كما نحبها باختصار، ويكرس لاصالتها و" عالميتها " - علي الرغم من ان الموضوع "محلي" ويدور في محيط أسرة عراقية صغيرة ، ذاكرتها وتاريخها وحاضرها- وقدرتها علي المخاطبة والتواصل مع كل البشر ، ومبروك عرضه في قناة مور فور البريطانية، فدعني اهنئك الآن ، واعانقك بحرارة..
محبات
صلاح هاشم
باريس.فرنسا




فيلم حياة ما بعد السقوط للمخرج العراقي قاسم عبد والحائز على أربع جوائز عالميه سيُعرض في تمام العاشرة مساءً يوم الثلاثاء الموافق 21-7-2009 على القناة الرابعه البريطانيه "مورفور" كما سيُعرض يوم 25-7-2009 على قاعة المسرح البولوني وسط العاصمه لندن في الساعه السابعه لقطة من فيلم حياة ما بعد السقوط مساء. الفيلم يدور حول قصة عائله عراقيه كبيره (2003 -2007 ) تسعى جاهدة للتعامل مع التغيرات الهائله في حياتها الخاصه وفي المجتمع الذي تعيش فيه بعد احتلال العراق من قبل قوات التحالف.

تجري الأحداث في الفيلم بتتابع منطقي يتداخل فيها تفاصيل الحياة اليوميه مع التغيرات التاريخيه لهذه المرحلة. إنه صورة صادقة وحميمية للحياة والتغير في مدينة بغداد بعد السقوط. عائله المخرج قاسم عبد تقع في قلب الأحداث, ثلاثه أجيال من التجارب والقصص الشخصيه تشكل رمز لتجربه العراق الحديث.والى جانب الشابتين زينب وفاطمه هناك الآباء والإخوان والأعمام, كل له حكايته ومصيره المختلف. مع استمرار الأحداث في الفيلم يتغير المزاج من الفرح والأمل الى الخيبه واليأس بعد أن تعّم الفوضى ويخيِّم العنف على المدينه لنصل في النهايه الى تمزّق وحده العائله ما بين هجره الوطن والقتل . ومرفق رابط المحطة

http://www.channel4.com/programmes/life-after-the-fall






الثلاثاء، يوليو 14، 2009

امير العمري في باريس


الكاتب والناقد السينمائي المصري الكبير أمير العمري اثناء زيارته لباريس




زار الكاتب والناقد السينمائي المصري الكبير أمير العمري باريس حديثا في اجازة قصيرة، لتجديد علاقته بمدينة النور ، ولكي ينهل من سرها وسحرها، وقد التقت به " سينما ايزيس " ، وحاورته طويلا ، ودارت معه في انحاء المدينة ، وسارت معه في متحف السينما بالسينماتيك الفرنسي علي الافلام . كيف ؟ هذه حكايةأخري، قد يقصها عليكم الكاتب والناقد السينمائي الكبير في مذكراته التي يكتبها في مدونته " حياة في السينما " قريبا

الجمعة، يوليو 10، 2009

قراءة نقدية في فيلم " بصرة " للمصري أحمد رشوان بقلم نعمة السوداني


الكاتب والناقد العراقي نعمة السوداني


ملصق فيلم بصرة لاحمد رشوان


احمد رشوان الثاني من علي اليمين في مهرجان روتردام

لقطة من فيلم بصرة لاحمد رشوان

باسم سمرة فاز بجائزة احسن ممثل بفيلم بصرة لاحمد رشوان


فيلم بصرة Basra :

اخراج وسيناريو: الفنان المبدع احمد رشوان

تمثيل : باسم سمره , فاطمة عادل , يارا جبرا,اياد نصار, ناهد السيا,محمد الاحمدي,كريستيان سليمان...

الفلم من انتاج الفنان السوري المعروف هيثم حقي .....

قراءة نقدية بقلم نعمة السوداني :

تتولد العناصر الجمالية في فن الفيلم من طبيعة الفن نفسه.. وحين نتابع اي شريط سينمائي ذات قيمة فنية جيدة نجد انفسنا فيه من دون ان نتوقف وبشكل مستمر مع احداثه او وسطها لانه يخاطب حواسنا ومشاعرنا وافكارنا عبر الاماكن المتعددة والاحوال السلوكيات والتصرفات للشخصيات التي نراها تتحرك امامنا ويجعلنا في الحدث وبالتالي وفي لحظة معينه نتوحد مع مايدور امامنا على الشاشة الكبيرة .. لذلك يعتبر فن السينما من الفنون المهمة جدا لانه يخاطب الجمهور ويؤثر عليه بشكل فعلي - بسبب حضور الجمهور - الى قاعة السينما باعداد كبيرة ضمن مكان واحد.. وبالتالي ان هذا التجمع الكبير المشاهد للفيلم لابد وان يحسب له المخرج الف حساب لانه يخضع لملاحظات تؤشر على الفيلم بالايجاب وايضا بالسلب ... لذلك يحاول المخرج المبدع ان يهتم بالمعالجة الموضوعية و الفنية بشكل يتناسب مع العقلية التي يعمل على صناعتها في ( المتفرج جيد ) لما يقدم من احداث تتفاعل بشكل مقنع على الشريط من دون ان يتجاوز على مشاعر الجمهور وان يسئ له, وايضا هذا يتعلق بشئ مهم كما هو في وجود نجم في الاخراج او في التمثيل وبالتالي يصبح صانع لنجوم من المخرجين والممثلين كذا هو الحال في ايجاد (المتفرج السوبر) .... وهذه هي العلاقة الحقيقية بين السينما بكل تفاصيلها والمتفرج .

ان فيلم (بصرة ) الذي تدور احداثه عبر يوميات مصور كان قد درس الحقوق في مصر وذهب الى فرنسا لاكمال دراسة الدكتوراه فيها , لكنه وبملاحظات احد الاساتذة هناك الذي رأى فيه ان ميله وحبه للتصوير هو ابلغ من ان يكمل دراسة الدكتوراه في باريس لذلك عاد الى مصر وهو المتمرد على الحياة وعلى قوانينها الوضعية بكل تفاصيلها ...كان هذا عام 2003 اثناء سقوط نظام صدام حسين في العراق ودخول الاحتلال الامريكي ... يبحث هذا المصور عبر الة التصوير عن اجوبة مفقودة لاسئلة معقدة في فلسفة الحياة والموت والجنس والمنطق وسط التحولات الدراماتيكية التي تعصف بما يدور حوله من احداث ... كذلك يبحث عن الحرية السياسية الناقصة والتناقضات العامة في المجتمع العربي والاسلامي ويتناول القوانين الوضعية التي درسها بشكل ساخر ..هكذا هو بعبثية مثقف وفنان يفكر ويحس ويتنفس ويصور ضمن مخاض الوضعية العامة .

هكذا بدء لنا الفلم ... هناك اجندة واضحة ومخطط عام للمخرج يعطي فيه مايسمى بخارطة الطريق للمتفرج من خلال حبكة مليئة بمشاهد جميلة متواصله ومترابطة بنسيج فني رائع باتجاه بوصلة الاحداث المتقدة , السريعة , وبشكل فني يدفع المخرج بالحكاية ومضامينها الى الامام من دون ان يكون هناك حسابا مقصودا لقطع الفعل الدرامي المتسلسل ضمن شروط وقواعد اللعبة السينمائية .. لان علم اللقطة هو كل ماتشاهده او تراه الكاميرا كما يقول ( فيلد ) ... لذلك فان اي قطع في المشاهد غير مبرر لا وجوب له .. و قد بدا ذلك واضحا في اشتغال المخرج على لقطات اعتراضية لخطابات صدام حسين المهزوم من الشعب العراقي وامريكا لمدة دقائق وبالتالي تشكل هذه اللقطات الاعتراضية حالة من الاستفزاز للمشاهد الذي يتابع وبلهفه حول ما يحدث هنا في الصالة وفي محتوى الشريط الفني السينمائي .. وهي حالة من الاسترخاء الجميل لمتابعة الاحداث على الشريط وفجأة ... واذا بصدام يظهر على الشاشة من دون اي مسوغ فني او اعتباري للمتفرج .. وايضا حينما يذهب بنا الفيلم لعلاقات المصور الغرامية المتعددة والاختلاء بالكاميرا لفترة زمنية جميلة وايضا يفاجئنا كالعادة بالانتقال السريع من دون تمهيد , فنراه ينتقل بنا الى لقطات ليس لها علاقة بالاحتلال الامريكي – واقول ربما هو خلل في عملية المونتاج التي صاحبت هذه اللقطات الخارجة عن سياق الفيلم - ومثال اخر هو كيف لنا ان نتابع احداث طويله في زمن واحد عن رجل الاعلان والدعاية في الفيلم وهو له حياته الخاصة بتعاطي المخدرات وعلاقاته النسائية الكثيرة وبعيد عن اي قضية سياسية او انسانية وبالتالي يدخل علينا المخرج بلقطة اخرى لسنا بحاجة اليها وفق تساوق الاحداث التي في الشريط حينما يقدم لنا الصحفي العراقي طارق كيف يموت ؟؟؟ في العراق !!!!لقطات اعترضت الشريط السينمائي من دون مبرر وليس لها علاقة بالرجل الاخر الاعلاني او من يعمل في هذا الجانب ...هل هي مقارنة ؟؟ ولماذا يقارن هذا بذاك ؟؟ بصراحة نقول ان مثل هذه اللقطات تصب خارج نطاق تغطية الفيلم.

و كما في مشهد المقاومة الاخير والذي حاول ان يعالجه في ثواني وفي عدد من الكلمات على لسان البطلة من دون اي مقدمات انما هي مقاومة فقط كيف ؟ ولمن تقاوم ؟ واين ؟ .اذن على اية مقاومة يتكلم الفيلم وهي بين الانفتاح والانسلاخ !!!!وقتل لابناء الشعب ؟؟

ان التتابع في بناء الفيلم يعني هناك سلسلة من المشاهد ترتبط ببعضها البعض او متصلة عبرفكرة واحدة لكن الذي حصل انه اثناء هذا التتابع يدخل وبشكل مفاجئ قطع غير مبرر في وحدة الفعل الدرامي في وقت نرى الفيلم يتجه بقصته الى البحث عن الموت والحياة والجنس بعلاقات متحررة والمنطق فيخرج الفيلم من سياقه ويذهب لخطاب صدام مرة ثانية وثالثة او لحركة دبابة امريكية او موت صحفي عراقي من دون اي تمهيد اوربط بذلك اي ليس له علاقة في وحدة الفعل...

ولاننا نعرف ان التتابع يعتبر العمود الفقري للسيناريو لانه يضع كل شئ في مكانه لذلك يستوجب الربط الصحيح او التنظيم الصحيح لسلسلة المشاهد التي تترابط مع الفعل الدرامي لخلق حالة من التراص وبالتالي تخلق لنا اجزاء واضحة من المعالم عن الفعل الدرامي حسب ما جاء في القصة واحداثها وعلى اعتبار ان السيناريو يمثل نظام يحتوي على اجزاء يربطها ويوحدها ( الشخصيات والافعال والاحداث ) لذلك يكون السيناريو وفق الكيفية والمعالجة الموضوعية الفنية التي تحدث باتجاه الحدث وكما اسلفنا سابقا , لاننا نرى في

حالات التمهيد للحدث القادم يخفق في ادخال لقطة لخطابات صدام حسين التي ليس لها علاقة بواقع الحال في الفيلم نفسه الذي يتجه باتجاه اخر مغاير تماما وعندما تتم المجابهة في التمهيد الدرامي نراه يكسر هذا التصعيد بادخال مشاهد اخرى ايضا ليس لها معنى بسياق الفيلم وهكذا لم يعطي لنا حلا لافي اسم ( البصرة العراقية ) والتي ليس لها علاقة على الاطلاق بالفلم لامن قريب ولا من بعيد ولا في( الاحتلال ) ولا في (المقاومة ) واني ارى هنا --- هناك نوع من التورط في هذا الجانب --- او ربما هو حشو -- -والحالتين هما اضعاف لجمالية الفيلم ...

ولا نغفل ما عمل عليه المخرج من حركة فنية جميلة تحسب له عندما قدم لنا وبمعالجة فنية راقية وهو يقوم برمي اوراق ( الكوتشينه ) وهي في حالة( بصرى ) في البحر وعلى وجهها صور لعدد من المطلوبين في النظام السابق وعلى رأسهم صورة صدام حسين للمثول امام العدالة العراقية وهذا هو المقصود _بالبصرى هذه ) وان كل ماياتي به من زبد البحر هو ( اوساخ وزبالة ) ...وهنا نجح المخرج امام عيون المشاهدين في هذه المعالجة الفنية .

ومن المؤاخذات على الفيلم هو انه مر بشكل سريع على الاحداث والواقع المتناول بالعراق اولا ... وركز على زاوية صدام حسين دون الرجوع او الانتقال الى زوايا اخرى مهمة اثناء دخول الاحتلال الامريكي للعراق ثانيا ....

ان الصعوبة البالغة في كتابة السيناريو تكمن في هو ان السيناريست عليه ان يعرف ماذا يكتب وان يعرف اين هي وجهته اي لديه اتجاه وخط من التطور الفكري يقوده الى حل ثم النهاية ... واذا اخفق في ذلك فانه سيقع في مازق وسيضيع في متاهة هو بغنى عنها...اذن لابد من ان تكون هناك اجندة يعمل بها المخرج وبموجبها يسير العمل...وهنا لسنا نضع المخرج امام اتهام .. لا ابدا .. انما لابد من نافل القول ان نقول ان خلفية المخرج تعتمد على كونه ايضا دارس للقانون اي -- خريج حقوق -- وهواليوم مخرج سينمائي يرى العالم من عيون فنان وحقوقي وهذا ما يجعلنا ان نؤكد على طريقة طرحه للفيلم عندما يتعلق بواقع العراق ذات الخصوصية الصعبة منذ سقوط نظام صدام حسين ومجئ جيش الاحتلال الامريكي السافر و لحد كتابة هذه السطور...

وعلى العموم فقد نجح المخرج السيناريست في رسم الاجواء العامة والخاصة في المجتمع وايضا في رسم الشخصيات التي عبرت عن طبيعتها كل حسب مكانته ... رسم لنا علاقات حياتية مختلفة التفكير والطباع وبالتالي فقد تحررالمخرج في جماليات الاخراج السينمائي وتقنياته واشتغل بحرفية سليمة في اختيارات التصوير والممثلين والاضاءة والالوان والموسيقى وهذا نصفه موهبة والنصف الاخر موهبة الفنان المخرج احمد رشوان..

اما في الجانب الموسيقي ... هنا لنا وقفة صغيرة اراها مهمة و جميلة لابد من التطرق اليها وهي : اول مرة اسمع الفنانة فيروز تطربنا بنغمات تتناسب تناسبا طرديا مع ايقاعات -- فيلم مصري جاد -- يتحدث عن مواضيع ساخنة نسمعها في كل انتقالة من مشهد الى اخر ومن لقطة الى اخرى .. وهذا غير معمول به سابقا في السينما المصرية الجادة ... وعلى ما اعتقد جاء هذا التطور من قبل تاثيرات المنتج الفنان السوري هيثم حقي على طبيعة العمل لكونه المنتج لهذا الفيلم وما تربطه من علاقه حميمة بينه وبين المخرج .. وعلى كل حال فان الافكار الجديدة واللمسات الجميلة بالتاكيد هي محسوبة للمخرج المبدع احمد رشوان ..

يعتبر الفيلم من الناحية الفنية مشوقا .. فيه متعة جمالية متعددة فالوجوه الجميلة التي تسيدت العرض و الملابس و الاداء و المكياج كله هذا يمثل جملة فنية سليمة واضحة ... الا الحالة التي ذكرتها في بداية الحديث وهي تتعلق ( بمونتاج ) بعض اللقطات .....

اما من الناحية النفسية التي كانت تمثل الجانب المهم في سرد العلاقات العاطفية وغيرها التي تربط بين الممثلين او الشخصيات وهي تحمل معنى عميقا في داخلها وتحمل منحى دلاليا وانها تفسر العلاقة بين الجانب الواقعي في الفيلم وبين القصة وبالتالي فهي علاقات فيها نموذج يعبر عن نفسه عبر الصدق والاخلاق الرفيعة والحب والحنان ...

ان الذي يجرب تحليل مواقف الفيلم وتطوراته منذ بداية الاحداث كصور متحركة

وشريط فيه من الاحداث القيمة ولقطات صامته وحوارات ساخنة وايضا استخدام الفلاش باك بالعودة للماضي يجد ويدرك ان هذا الفن –فن السينما - يشير الى الحد الواضح والكبير للجماليات التي تعاطاها الفيلم من تاثيرات في الصوت والحوارات او القصة عبر السيناريوالجميل والجهود الجبارة لهذا المخرج الفتي الرائع الذي اتحفنا في فيلمه هذا من ناحية , ومن ناحية اخرى يتمتع الفيلم بايقاع حيوي ناتج عن التعاقب السريع في المشاهد وقد كان جليا وواضحا انه هناك اهتمام في التفاصيل والحركة داخل المشاهد من الناحية الاخراجية ولا نتوقف ونحن نقول هناك قيمة عالية في التمثيل والاداء البارعين للمثل بسام سمره ومن عمل معه و الذي يعتمد على مهارة في الاداء وحركة خاصة في فن التمثيل ...اخيرا لابد وان نقول ان المخرج صنع فيلما ناجحا بمواظبته وعزمه على اخراجه للنور بعد مشقة كبيرة في العمل.

نعمة السوداني

كاتب وناقد

هولندا

تأملات وتحولات في فكر السينما المعاصرة(2 من 2 ) صلاح هاشم

الكاتب والناقد والمخرج السينمائي المصري صلاح هاشم

لقطة من فيلم عطش الكوري

ملصق الدورة62

ترانتينو مع ابطال فيلم انجلوريس باسترد

لارس فون تراير اعظم مخرج في الدانمرك


ملصق فيلم النبي لجاك اوديار

لقطة من فيلم " النبي "

لقطة من فيلم ترانتينو

بطلة فيلم ترانتينو

لحظة ارتطام الهلب بالقاع في فيلم المسيح الدجال


شارلوت جانسبورج اجصدت جائزة احسن ممثلة

دانيال دوفو بطل فيلم المسيح الدجال




تأملات في " فكر " السينما المعاصرة

بسحر الضوء الذي يشجينا

مهرجان " كان " 62

بقلم صلاح هاشم

تري ماذا حقق مهرجان " كان " السينمائي الدولي في دورته 62 المنصرمة، وكيف نستطيع ان نحدد من خلالها تيارات واتجاهات السينما في العالم من واقع المهرجان الاشهر والاضخم في العالم ، والذي يعتبر الحدث الاعلامي الدولي الثالث في العالم بعد " الدورة الاوليمبية " و " نهائيات كأس العالم في كرة القدم " وأعظم " استعراض " سينمائي علي وجه البسيطة.عاد الينا " كان " هذه المرة ، ليحط بجوار البحر مثل سفينة عملاقة، كما في فيلم " اماركورد " فيللينى،عاد بعطاء سينمائي جد وفيرة، فحمل الينا عبر مسابقته الرسمية اكثر من عشرين فيلما ،من ضمن قائمة الاختيار الرسمي ، التي اشتملت علي اكثر من خمسين فيلما روائيا من أصل أكثر من مائة فيلم جديد ، عرضها المهرجان في المسابقة وفي التظاهرات الموازية لها مثل " نظرة خاصة " و " كلاسيكيات كان " و غيرها. وكان المهرجان خصص قسما لعرض الافلام التي تم ترميمها من قبل مؤسسة السينما العالمية التي يترأسها المخرج السينمائي الامريكي الكبيرمارتين سكورسيزي، ومن ضمنها فيلم " المومياء " للمخرج المصري العملاق شادي عبد السلام، وفيلم " بييرو المجنون " للمخرج والمفكر السينمائي جان لوك جودار..

برجمان في " كان "

كما عرض المهرجان ايضا في تظاهرة خاصة فيلما جميلا عن حياة المخرج السويدي الكبير انجمار برجمان صاحب " التوت البري " و " برسونا " و" صرخات وهمسات " قدم صورة لما كان يجري وراء الكواليس وهو يخرج افلامه ، وعلاقته بالممثلين وطاقم العمل ، في محاولة لكشف " اسرار " بصمة المخرج السويدي في كل افلامه..

تللك البصمة التي تنطبع مثل " الختم علي " نظرة " وطريقة وأسلوب برجمان، في تأمل معاني الحياة من خلال الملاحم السينمائية العظيمة التي كان يصنعها لنا في افلامه..

تللك " النظرة "الحياتية الفلسفية "التي تجعل أفلامه مميزة ، وتستطيع ان تلتقط فيلما لبرجمان بسنارة من بين عشرات الافلام، وتقول ان برجمان صانعه . كما تستطيع ذات الشييء مع " حكواتية " السينما العظام - كتابها كما نحب ان نسميهم وروائييها- ، مثل الفرنسي روبير بريسون ، واليوناني ثيوانجلو بولوس، والايطالي روبرتو روسوليني، والمصري صلاح ابو سيف وغيرهم..

بل لقد تفوقت اعمالهم السينمائية احيانا ، علي الروايات التي اقتبست منها، وصار في مقدورنا الآن ان نتحدث عن مثلا عن افلام برجمان او الامريكي فرنسيس فورد كوبولا ، كما نتحدث عن اعمال الروائي الكولومبي جارثيا ماركيز ،او الروائي الروسي تولستوي، او الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس ، وذلك من خلال " سينما المؤلف "، اي السينما التي تحمل وجهة نظر المخرج صانع الفيلم فقط، ، ومن ان يتدخل الانتاج في اية مرحلة من مراحل صنع الفيلم ، ولو بشعرة..

اذ تكشف افلام سينما المؤلف عن " رؤية " او " نظرة " المخرج للعالم، لكي تضع السينما في قلب " العالم "، وتوظفها ك " اداة تفكير " ، في مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا الانسانية ، وهي تمتعنا وتثقفنا في آن ..

سحر الضوء في السينما الذي يشجينا

ومن هنا ، تتأكد ونفهم القيمة الكبري لهذا المهرجان العرمرم ، ودورته الجديدة 62 ، في الكشف عن محاولات السينما ، في ان تكون فنا أصيلا ، معتمدا ومحترما ، وليس مجرد اداة للتسلية و للترفيه..

تكون مثل " رواية "، من الروايات الادبية الروائع التي صنعتنا مثل " الارض " لعبد الرحمن الشرقاوي و " الايام " لطه حسين، و " اولاد حارتنا " لنجيب محفوظ . والفرق هنا ان الرواية تكتب بالحبر ، في حين ان السينما " كيف كيف " - وهي كلمة عربية التقطها الفرنسيون من أفواه المغاربة، وضموها الي قاموس لغة الحياة اليومية بالبلدي ، وصارت تعني " ذات الشييء بالمثل "- ..

فالسينما هي " كتابة" ايضا ، لكن كتابة " مغايرة كتابة من نوع آخر، لكن ليس بالحبر ، كتابة أجل، لكن ب " الضوء " ، ولذلك فان شرط عرضها في قاعة مظلمة ، هو وحده الذي يسحرنا...

يريد مهرجان " كان " في دورته 62 وكما في كل دورة جديدة ، ونحن نتابع اعماله منذ عام 1983 أن يعيد في كل مرة الاعتبار الي السينما " الفن " ، خارج دوائر الحسابات التجارية، وهيمنة السينما الهوليوودية علي أسواق الفيلم في العالم، وفرضها ل " نوع " و " نمط " واحد – استاندر - يسير علي وتيرة انتاج واحدة بالجملة.يريد " كان " ان يعلي من " قيمة " السينما الفن عبر محاولات سينما المؤلف ، لكي يكبر معها ، ويعلو بها خطوة ، علي سكة التقدم والتطور والرقي ، و كأنه يريد من كل تلك " المحاولات السينمائية الجديدة "التي يعرضها، ويكرس لها ساحته، أن يصعد بالسينما الي السماء، حيث تكون النجوم المتألقة الزاهرة، ولكي يحتفل بها هناك في " الجنة " ..

وهو " معني " تللك المقدمة الفيلمية، التي تعرض قبل عرض الافلام في مهرجان " كان " وتسحرنا ونحن نتهيأ لمشاهدة الفيلم ، وكأنها نوع من " التدليك " الذهني البصري ، فتأخذنا لنصعد مع موسيقي الفرنسي سان صان سلما الي النجوم، ثم اذا بها فجأة نطير ، نطير مثل العصافير الي ما بعد السلالم، لكي نلحق بسعفة " كان " الذهبية المحلقة في السماء، كما لو ان مهرجان" كان "وكما يفعل في كل دورة، يريد ان يقول لنا ان السينما التي تجعلنا نحلم، خليقة بأن يحتفل باعمالها من " سينما المؤلف " التي تسير علي سكة تطوير السينما الفن من خلال الابتكار والاكتشاف والدهشة..في تلك سموات صافية ، وجميلة ، ومرصعة بالنجوم ..

فتجعل "المقدمة " البعض في قاعة عرض قصر المهرجان، التي تتسع لاكثر من الفي مشاهد مثل البواخر الكبري العملاقة، وتضج بالتصفيق والفرح ، يروح يلتقط لها الصور، لتذكره بسحر ذلك المهرجان الذي يصعد بنا الي جنة عدن السينما في السماء ، ويجعلنا نتأمل في نجومها..

" كان " 62 . بانوراما لعمليات تحول " ميتامورفوز "

ليس مهرجان " كان " مجرد " شاشة " . ابدا . مهرجان " كان " هو احتفال ب " فن " السينما واحتفال ب " بسينما المؤلف " وهو يوظف جانبه " الاستعراضي " بالزفة والهيصة والزمبليطة ، وحفلات النجوم الساهرة وسهراتهم الصاخبة لكي يتقدم – علي الطرف الآخر - بسينما المؤلف خطوة ، علي سكة تطوير السينما الفن..بكل اختراعات وابتكارات الفن المدهشة وهو بالضبط ما فعله المخرج الايطالي العملاق فيلليني في فيلمه " الحياة الحلوة "- لا دولشي فيتا - باستعراضه لحياة الطبقة الارستقراطية الايطالية الحلوة اللذيذة، لكي يقدم لنا علي الطرف الآخر، مأساة صحفي يجد نفسه يغرق ، ويبتلعه اليم والعدم ، بعد ان انتحر صديقه، وهجرته صديقته، واظلمت الدنيا في وجهه، وصارت " العبث " بعينه ، وغابت شمس كل القيم النبيلة الاصيلة في حياته .وهو يقينا من أروع أفلام فيلليني التي تؤرخ لتحولات المجتمع الايطالي. وقد كان " كان " شاهدا عبر مرآة الافلام علي التحولات التي شهدتها مجتمعاتنا علي مستوي الواقع وعلي مستوي السينما ذاته اي علي مستوي اختراع " النظرة " بابتكارات الفن المدهشة..

وقد ظهر ذلك المنحي من خلال أفلام المسابقة الرسمية، ضمن قائمة الاختيار الرسمي، التي حملت زخما سينمائيا مهما، وصورت في معظمها " حالات تحول " ، في عالم يسير نحو " فوضي " CHAOS الدمار الشامل، ويسطر عليه العنف بشكل دموي مروع. حتي اننا يمكن ان نعتبر ان معظم افلام المسابقة الرسمية قدمت " بانوراما لحالات " تحول " ميتامورفوز "- في قلب تناقضات مجتمعاتنا الانسانية التي تعيش الآن اخطر مرحلة في تاريخ البشرية. مرحلة الافول والسقوط في العدم، فقد استهلكنا علي ما يبدو كل شييء، ولم يعد متبقيا اي شييء للاجيال القادمة، وصارت الكوارث – كوارث البيئة وانفلونزا الخنازير والمجاعات والازمات المالية والحروب تطاردنا في كل مكان، حتي لم يعد مع تغير الطقس بسبب ثقوب الاوزون اي مكان آمن في العالم، وليس هناك اي شييء ينتظرنا عند نهاية الافق سوي صورة المستقبل القاتمة..

وقد عبرت السينما في مهرجان " كان " من خلال افلام المسابقة - أكثر من عشرين فيلما – ومن خلال عمليات التحول METAMORPHOSE المذكورة في تللك الافلام ، عن تشاؤمها وخوفها من ان تكون هذه هي نهاية الطريق، ونكاد نكون بعد ان فقنا " البوصلة " وصلنا الي " المحطة النهائية " أي القيامة الآن..وقرعت نواقيس الخطر. و تظهر عملية " التحول " الميتامورفوز هذه التي تمر بها الشخصيات في معظم افلام المسابقة ، كما لاحظنا.

قسيس يتحول الي مصاص دماء في " عطش " لبارك شان ووك

تظهر في الفيلم الكوري " عطش " لبارك شان ووك الذي شارك في المسابقة، اذ يتحول قسيس تدريجيا في الفيلم الي مصاص دماء، ويذكرنا الفيلم بفيلم " طارد الارواح " للامريكي وليام فريدكين، وكيف تحولت طفلة وديعة في الفيلم الي شيطان رجيم ، واعتبر " عطش " من اجمل الافلام التي شاهدتها في المهرجان ، وعلي الرغم من تحفظاتنا علي طول الفيلم ، الا انك لن تحس اثناء مشاهدته بأي ملل ، وقد اعجبت بمحاولته في تطوير وتجديد " النوع " نوع افلام دراكيولا ومصاصي الدماء ، التي تسمح في ورشة " النوع " بالاختراع والابتكار والتجديد، وتجعل الفيلم ، يلقي بظلاله علي "الحاضر" المعاصر ومشكلاته..

كما اعجبت ايضا بعملية " التحول " التي تمر بها شخصيات فيلم " INGLOURIOUS BASTERDS للامريكي كوينتين ترانتينو ، فالبطلة الطفلة التي ظهرت في اول الفيلم في بيت في الريف الفرنسي ، اثناء الاحتلال النازي لفرنسا ، والتي شهدت عملية ذبح افراد اسرتها اليهودية كاملة – وكان احد المزارعين الفرنسيين خبأهم ، وحضرت فرقة من العسكر النازي لتفتيش البيت فعثرت عليهم.تتحول هذه الطفلة التي استطاعت الهرب الي صاحبة قاعة عرض سينمائي في باريس وتقوم بالانتقام منهم والثأر لاسرتها . بل ان ترانتينو في الواقع كرس فيلمه كله ( من نوع الوسترن علي خلفية نوع افلام الحرب ) للانتقام من هلاك اليهود علي يد النازية معلنا عن سقوط " الرايخ الثالث " علي يد السينما، فالسينما وحدها هي التي تستطيع ان تنتقم من النازية حتي لو اضطرت الي تغيير الوقائع التاريخية، ولذلك يصير الفيلم الي مذبحة للنازي في آخر مشهد ويموت فيها الزعيم النازي ادولف هتلر..وينتقم تارنتينو هكذامن الرايخ الثالث ويفجره ويدمرة بقوة قنبلة السينما، وقد ذكرني هنا بفيلم " يد الهية " للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان الذي يفجر فيه ايليا دبابة بنواة مشمش ، الامر الذي لا يمكن ان يتحقق الا .. في السينما ..

والجميل ان الفيلم الذي يغير فيه ترانتينو من الوقائع التاريخية، ويحكي ايضا عن فرقة من الجنود اليهود الامريكان متخصصة في الانتقام لليهود ، وتروح تتعقب قادة النازي العسكريين وتذبحهم، ثم تقوم كما كان يفعل الهنود الحمر في افلام الوسترن التي يظهرون فيها كمتوحشين بقطع فروة رأس القائد العسكري النازي، والاحتفاظ بها، كما يحتفظ مصارع الثيران باذن الثور بعد ذبحه، ويتفاخر بانجازه..

الجميل في فيلم ترانتينو انه يتحول ايضا او يجعل فن السينما يمر ايضا بعملية " تحول" اذا يستخدم ترانتينو ساحة الفيلم لممارسة كل انواع واشكال التجريب، وينهل فيه من اضافات افلام الوسترن والكونج فو وافلام التهكم والفكاهة والسخرية وافلام الترسو من الدرجة الثانية الرخيصة بحواراتها واجوائها ، بل انه يكاد يجعل من كل مشهد في الفيلم فيلما تجريببيا داخل الفيلم، ولذلك بدت لنا بعض المشاهد طويلة اكثر من اللازم ، من ذلك المشهد الحواري في الحانة الفرنسية، الذي يصور فيه ترانتينو قعدة أو جلسة كلام يستغرق عرضها اكثر من 25 دقيقة في الفيلم، لرغبته ربما في ان تكون هذه محاولة لتقديم " الكوميديا ديلارتي " في السينما. .

ويحتشد فيلم ترانتينو كالعادة في كل افلامه، لأنه عاشق مهووس بالسينما، يحتشد بالاشارات والاحالات الي الافلام التي شاهدها واعجب بها و تأثر بها ترانتينو في حياته، بل نكاد نقول ان كل فيلم صنعه ترانتينو هوعلي الطرف الآخر من موضوعه او ثيمته او حكايته، يمكن اعتباره بمثابة " تحية " اي TRIBUTE الي " نوع " معين من الانواع السينمائية..

ومن هذا المنظور يمكن اعتبار فيلمه هذا بمثابة تحية الي افلام الحرب،فهو يذكرك بافضل افلام النوع مثل فيلم " مدافع نافارون " وفيلم " دستة اشرار "، وهو ايضا تحية الي افلام الوسترن، ومنذ اول مشهد في الفيلم ، فالمنظر الطبيعي في الريف في فيلم ترانتينو، يذكرك علي الفور بالمنظر الطبيعي من براري وجبال ووديان في افلام الغرب..

كما ان ترانتينو يستخدم شريط صوت موسيقي يجعلك تتذكر في التو افلام الوسترن الاسباجيتي الايطالية ، التي كان يصنعها المخرج الايطالي العملاق سرجيو ليوني، وهكذا يصالح ترانتينو المبتكر المخترع السينمائي المدهش في فيلمه، بين افلام الوسترن الاسباجيتي وسينما الحرب ، وينحني وهو يطور من احداث الفيلم الي الامام ، باتجاه الذروة، ينحني تحية لكل الاختراعات والابتكارات السينمائية المثيرة ، في كل افلام النوع، FILMS DE GENREويضرب لاصحابها باشاراته الخبيثة الجميلة تعظيم سلام..

وعربي يتحول من سجين امي الي " نبي " في فيلم أوديار

كما تظهر ايضا هذه التحولات في فيلم " النبي " الفرنسي لجاك، الذي يتحول فيه سجين فرنسي من اصل عربي من انسان أمي ساذج، الي قاتل ونبي ، وزعيما لعصابة تستقبله عند خروجه من السجن بالافراح والزغاريد ، بعد ان يكون " ولد من جديد " في السجن . والفيلم كله هو عبارة عن تصوير ومراقبة ومتابعة دقيقة لعملية " التحول " المذهلة المثيرة المرعبة التي يمر بها ، وكان يستحق الحصول علي جائزة في التمثيل والتصوير والاخراج والمونتاج لانه يجعلنا ومنذ اول لحظة نغطس في سحر الفيلم، ونتابع تفاصيل تطور احداثه ونحن مشدوين الي مقاعدنا، وكأننا نشاهد فيلما بوليسيا من افلام هيتشكوك ملك الرعب في السينما. وقد اعتبرناه اقوي افلام المهرجان قاطبة ورشحناه للحصول علي سعفة " كان " الذهبية ( – انظر مقالنا عن المهرجان في رسالة باريس في باب " رسائل وتقارير " في " الكلمة " عدد شهر يونيو - ) ..

فيلم " ضد المسيح " يحكي أيضا عن عملية " تحول " تمر بها شابة تلعب دورها في الفيلم الممثلة شارلوت جانسبورغ، تفقد طفلها الذي يقفز من نافذة الدار وهي تمارس الحب مع زوجها ويسقط من علي ارتفاع شاهق ويموت، فتحزن لموته حزنا مروعا، وتدريجيا تتحول في الفيلم الي مصااصة دماء كافرة يحركها الشيطان ويتلبسها، وعلي الزوج في نهاية الفيلم ان يخلص الناس منها ومن شرها حتي يصعدوا علي شكل جماعات في نهاية الفيلم وهم يتسلقون التلال لكي يحييونه ويشكرونه بعدا صار " المخلص " مثل المسيح الذي حارب الشياطين والشر وكان صاحب معجزات مثل صاحبنا في الفيلم

وامتلأْ الفيلم الذي اشعلها مخرجه حربا علي " الجنس الثاني اللطيف المخيف الناعم " واعتبر ان كل بناته من السحرة ولابد من حرقهن كما كان يحدث في العصور الوسطي ، امتلأ بصور العنف الدموية المذهلة مثال ذلك : يظهر في الفيلم ثعلب مخيف قبيح منهوش لحمه، ليصرج فجأة في وجهنا بصوت بشري مثل البنت التي ركبها الشيطان وصارت تتحدث بلسانه في فيلم " طارد الارواح " يصرخ ان العالم تتحكم فيه الفوضي.. وفي مشهد آخر تقوم الزوجة بعملية استمناء لقضيب زوجها المنتصب ثم اذا به حين يقذف دما ، ويتناثر الدم علي الشاشة ، تركب علي القضيب.. وتريد زوجها ان ينكحها في كل وقت ولا تشبع ابدا..

" حرب الجنس " عند لارس فون تراير

ونري عملية جماع ونكاح ملتهب في اول لقطة في الفيلم، تستغرق اكثر من 10 دقائق بحركة الكاميرا البطيئة جدا جدا ، ابطأ من ايقاع البطء العادي المعهود في اللقطة، وينقل مخرج الفيلم الدنمركي لارس فون تراير علي لقطة للطفل الذي يستيقظ في ذات الوقت ، ويشاهد عملية النكاح، بل ان امه تلحظه بطرف عينيها وهو يستدير، ويتجه الي النافذة ويسقط منها الي الشارع..

لقد كانت الام تعرف اذن وياللرعب انه سيسقط وسيموت،لكنها لم تتحرك ، وانشغلت فقط بشهوتها التي لا تشبع ابدا. ولذلك حق عقابها. اما الزوج، فهو يا عيني محلل نفساني غلبان، ولا يستطيع ومهما بلغ طول قضيبه وفعل، ان يشبع شهوتها. اي ان لارس مخرج الفيلم عنده " عقدة " من النسوان ، ويخاف مثل بعض الرجال المعقدين منهن ، وقد اراد بعد ان اصابته حالة اكتئاب وانهيار عصبي ، ظل يبكي معها في الفراش طيلة شهور..

اراد المسكين ان يعالج نفسه بصنع هذا الفيلم ، حتي يشفي ويبرأ من عقدته ، لكن السؤال هنا ماهو ذنبنا لكي يقصفنا بكل ذلك العنف الدموي النسائي علي الشاشة، وتجسده شارلوت بتمثيلها القوي، حتي تكاد من فرط الاستغراق في تمثيل الدور، تنسي في الدور نفسها ، وتتحول بالفعل في الفيلم الي سفاح ووحش حقيقي ، وساحرة من ساحرات العصور الوسطي ، ومصاصة دماء تستحق لوحشيتها الحرق..

فيلم " ضد المسيح " ، افضل عليها اسم " المسيح الدجال " ، الذي يتجسد في صورة " المرأة " كما يتمثلها لارس ، وكان له في كل افلامه مشاكل مع كل النساء من الممثلات اللواتي لعبن ادور البطولة في أفلامه، مثل الفرنسية كاترين دينوف و الايسلندية المغنية بورك، هو فيلم " ترف " بين افلام المخرج الدانمركي الرائع المريض بمرض " جنون العظمة " وعادة ما يقدم نفسه كأعظم 20 مخرج في العالم، وهو فيلم " ترف " كما احب ان اسمي هذا النوع من الافلام، لأنه لا يحمل قضية او يعكس هما ، علي العكس من كل افلامه الرائعة مثل فيلم " تكسير الامواج " مثلا..

قضية الفيلم ان كان له قضية ، هي تصوير والكشف عن " عقدة " مخرج من النسوان، وكان لابد ان يصنع لكي يحل لارس مشكلته هو معهن، ويمرمط بهن الارض، من خلال فيلم ينتمي الي نوع "افلام الرعب وأمنا الغولة GORE " ومصاصي الدماء والجن والعفاريت. فيلم بتصريحات غريبة مثال ذلك ان الفوضي صارت تتحكم في العالم . والله ؟ طيب ما احنا عارفين يا صاحبي وغارقين فيها لشوشتنا ؟.

ويتبقي السؤال: تري لو كانت اتيحت لنا الفرصة لعمل فيلم للاساءة الي المرأة واعلان " حرب الجنس " SEX WAR كما فعل لارس فون تراير، كنا عملناه وصنعناه ؟ ..

كلا. تأتي الاجابة علي السؤال المطروح بعد برهة تفكير، علي الرغم من المحاولة الفنية الجديرة بالتأمل والاعجاب في الفيلم وعناصره الفنية من تكوين وتصوير واداء للمثلين، وادارة وتحريك لهم، لكنها وحدها لاتكفي لعمل فيلم.وعندما اقول جديرة بالتأمل، اعني ان من حق اي انسان ان يصنع الفيلم الذي يريد، ولذلك يستحق فيلم " ضد المسيح " المشاهدة، حتي لو كان يكفر بكل تللك الفضائل التي يفاخر بها الانسان ..