السبت، يوليو 15، 2006

مهرجان الاسكندرية 22 يشهد انتعاشة. بقلم سمير مجلي




مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 21 يشهد انتعاشة
علي يد الرئيسة الجديدة الناقدة ايريس نظمي
باريس.كتب سمير مجلي
سوف يشهد مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 21 الذي تقام دورته القادمة في الفترة من 5 الي 22 سبتمبر انتعاشة مالية وفنية، تعيد اليه ألقه القديم، فقد حصل المهرجان علي دعم مالي كبير من الحكومة المصرية، سوف يساعد علي انجاز عدة مشروعات سينمائية فنية جديدة، من ضمنها عودة " بانوراما السينما المصرية " التي تتنافس فيها مجموعة كبيرة من الافلام المصرية الجديدة علي جوائز، وبحضور نجومها ومخرجيها، ليلتقوا بجمهور الاسكندرية في حضن النسيم علي البحر. ذلك الجمهور، الذي يطمح المهرجان برئاسة جديدة للناقدة السينمائية المعروفة المخضرمة ايريس نظمي، الناقدة السينمائية لمجلة "آخر ساعة "العريقة، يطمح الي اجتذابه والتواصل معه من خلال " احتفالية فرح" بالسينما
احتفالية تعكس توهج الحياة في مصر ،بمواهب فنانيها ومبدعيها، من المخرجين والممثلين.. وعشاق السينما الفن
حتفالية تجعله يقينا يتواصل من جديد مع جمهور الثغر الجميل، وتحوله بقوة وسحر السينما، كي يصبح لائقا بقامة وسمعة وشهرة مدينة الاسكندرية العريقة
الاسكندرية باب البحر، التي تندلق فيه أفلام الحياة ، في حواري المنشية وكوم الدكة وسيدي ابو العباس وقايتباي، لتجعلها أجمل المدن الساحلية المتوسطية قاطبة، والرئة التي تتنفس بها مصرنسيم الحياة وهي تدندن لحنا لسيد درويش عند المنارة، وربما لم تعرف مدينة متوسطية اعلي وأسمي قيم التعايش والتسامح، بين جميع الجاليات من مختلف الاعراق والجنسيات والديانات ، كما عرفتها الاسكندرية
هنا انطلقت السينما لاول مرة في مصر، وشهدت المدينة عروض الافلام الاولي للوميير، وكانت الاسكندرية مهدا من خلال افلام الرائد المخرج محمد بيومي، لتأسيس صناعة سينما في مصر، وكان من الطبيعي أن يكون لهذه المدينة مهرجانها، الذي يحتفل بها وبتاريخها، حاضرها وذاكرتها، وينفتح من علي أرض الاسكندرية، علي أفلام الدنيا كلها ، وفي ماوراء حدود المتوسط الكبير
تريد الناقدة السينمائية الرئيسة الجديدة للمهرجان ايريس نظمي ، ان تعيد للمهرجان ألقه القديم وبهجته، وتوهجه كاحتفالية بالناس والافلام والبحر، والقيم الفنية والانسانية الاصيلة . للخروج بالسينما من عزلتنا، وتقوقعنا علي أنفسنا
وتدعو الجميع مخرجين ونجوم وممثلين وجمهور الي المشاركة في الاحتفال القادم
ومن ضمن مشروعات المهرجان الاخري، تقديم عروض سينمائية في الهواء الطلق، بحضور النجوم ،أسوة بعروض احتفالية " سينما البلاج " في مهرجان "كان " السينمائي العالمي، التي تعرض فيها الافلام السينمائية علي الشاطيء وكذلك عروض مهرجان لوكارنو.سويسرا السينمائية الليلية في اكبر ميدان في لوكارنو
وعلمت ايزيس ان مجموعة من الافلام الفرنسية الجديدة المتميزة، التي لم تعرض من قبل في مصر، سوف تشارك في الدورة 21 القادمة، من ضمنها فيلم " شاهدت مقتل بن بركة " ، الذي يعرض لقضية الاغتيال السياسي ، علي نحو ما حدث للمناضل العربي المغربي بن بركة، ومايحدث الآن مازال من عمليات اغتيال مستمرة لقيادات وزعماء المقاومة في العالم، وقد دعت ايريس نظمي مخرجه الناقد السينمائي والاستاذ الجامعي الفرنسي سيرج لو بيرون، للمشاركة في لجنة تحكيم مسابقة المهرجان الرسمية، وقد يعرض الفيلم في حفل الافتتاح
وستتابع ايزيس اعمال وافلام مهرجان الاسكندرية برسالة يومية من المهرجان في الفترة من 5 الي 10 سبتمبر 2006
سمير مجلي
انظر الموقع الرسمي لايزيس

الأربعاء، يوليو 12، 2006

مهرجان القاهرة السينمائي: من الموظفين ألي أنصاف النجوم بقلم أمير العمري



الناقد السينمائي أمير العمري

وزير الثقافة المصري فاروق حسني
علي أبو شادي







مهرجان القاهرة السينمائي
من الموظفين إلى أنصاف النجوم
بقلم : أمير العمري
وزير الثقافة المصري يمارس هواياته المعروفة بالتجريب في مجال الثقافة المصرية طوال ما يقرب من 20 عاما.
فقد فاجأنا قبل 3 سنوات بتعيين الصحفي شريف الشوباشي الذي لم تعرف له أي اهتمامات سينمائية من قبل، رئيسا لما يعد المهرجان الأول للسينما في مصر أي مهرجان القاهرة السينمائي.
الشوباشي عين أولا وكيلا أول لوزارة الثقافة لشؤون العلاقات الخارجية، وهو جهاز مبتدع يدور نشاطه في دائرة رمادية بين المخابرات والثقافة والخارجية، والترجمة الحرفية لنشاطه هي "تشهيلات رسمية تستتر بالثقافة".
وقد دافع فاروق حسني طويلا عن قراره باختيار الشوباشي رئيسا للمهرجان رغم ما أثاره من اعتراضات الكثيرين. وقال الوزير (الذي يهيم بكلمة الفنان تلحق الصفة الوزارية!) إن من الضروري أن يكون رؤساء المهرجانات السينمائية في مصر من موظفي وزارته، ضمانا لتحملهم المسؤولية المباشرة الإدارية (أو الأمنية بالأحرى)!
وطبقا لهذا المنطق لم يجد الوزير – الفنان جدا- غير علي أبو شادي لإسناد رئاسة غير ذلك من المهرجانات السينمائية الأخرى التي تنظم في مصر: القومي والاسماعيلية، والإشراف على مهرجان الاسكندرية، بالإضافة إلى مسؤوليته في الرقابة على المصنفات الفنية وغير ذلك، فابو شادي موظف قديم أثبتت "تقاريره" القديمة منذ السبعينيات، فعاليتها، بل وأكدت ولاء كاتبها الذي كان في ذلك الوقت – أي قبل 30 عاما- يبحث لنفسه عن دور.
وضع أبو شادي داخل الوزارة وتأثيره في الرأي العام داخل مصر تكفل بوصفه باقتضاب، صحفي وموظف سابق لدى فاروق حسني شخصيا هو محمد عبد الواحد (الذي عمل 15 عاما مستشارا إعلاميا لفاروق حسني) عندما قال في كتابه ذائع الصيت "مثقفون تحت الطلب" إن المثقفين في مصر لا يعتبرون أبو شادي واحدا منهم بل يرونه موظفا إداريا وبالتالي لم يكن من الممكن تنظيم حملة لمساندته عندما استغنى الوزير عن خدماته في أوائل عام 2001 في ضوء أزمة الروايات الثلاث الشهيرة.
أما الشوباشي فقد ظل يكافح منفردا داخل "غابة" المهرجان مع أفراد "الحرس الحديدي القديم" وعلى رأسهم "السيدة الحديدية" التي وجدت نفسها في غفلة من الزمن مقربة من السيدة المقيمة عند رأس السلطة في البلاد.
وبعد أن كان الشوباشي قد وصل إلى الوزارة والمهرجان برضى "الست الكبيرة" عنه، وجد نفسه أيضا خارج الضوء بقرار منها إرضاء للحديدية التي بدأت مساعدة إدارية ثم قفزت بطموحاتها لتصبح نائبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي (وقوته الضاربة- ضد الثقافة بالطبع) ورئيسة مهرجان سينما الأطفال الدولي.
ولا يهم المستوى الثقافي والفكري أو الرؤية السينمائية التي تستند إليها السيدة الحديدية في سيطرتها على شلل المنتفعين من المهرجانين، بل الأهم هو في قدرتها على إرضاء "الكبار" بالافتتاحات اللامعة والأضواء الزائفة والحفلات الصاخبة التي تقام على هامش القاهرة السينمائي.
تستند "الحديدية" في ترسيخ نفوذها أيضا على مجموعة من العاملين داخل المهرجان من زمن الراحل سعد الدين وهبة (الذي كان قد استأثر لنفسه بالمهرجان، وقت أن كان رئيسا لما يسمى باتحاد الفنانين العرب، بعد أن انتزعه انتزاعا من "الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما" التي أسسته وأدارته طوال عهد رئيسها الاول كمال الملاخ.
هذه الجماعة تقاوم وتناضل ضد أي تغيير قد يكشف ضحالتها وتهافتها وانتهازيتها. ولا شك لدينا في أن الشوباشي – رغم ضآلة خبرته السينمائية- حاول إلى حد ما أن يدخل بعض التحديث ويضفي بعض "الثقافة" على بعض تظاهرات المهرجان، وأن ينفتح به على السينما الأوروبية والآسيوية، دون اهتمام كبير باستقدام النجوم.
وكانت تلك النقطة تحديدا مبرر اغتياله من داخل القصر، وانحياز الوزير (لا تنسى "الفنان" من فضلك) للحديدية على حسابه.
أما الجانب الآخر المضحك في الموضوع فهو أن الأخ فاروق حسني (على الطريقة الليبية الأثيرة) فكر ونجم كثيرا، وتأمل حوله طويلا، فتمخض جبله في النهاية لكي يلد فأرا.
فالوزير حول الدفة 180 درجة. فبعد أن كان يؤمن بالموظفين، أعلن كفره بهم وإيمانه الكبير بالفنانين العاملين في السينما، علما بأن هذه الظاهرة هي مصرية خالصة، فلم يعرف مهرجان كان مثلا – أشهر مهرجانات السينما في العالم- رئاسة نجوم السينما من الممثلين والممثلات، والأمر كذلك في فينيسيا وبرلين وموسكو وكارلو فيفاري وغير ذلك من المهرجانات التي تحترم نفسها.
فتنظيم المهرجانات السينمائية صناعة وثقافة وعلم وليس "همبكة وحداقة" حسب تعبير رشدي أباظة الشهير في الستينيات، في وصفه للسينما!
وبعد أن دار الوزير و"فاتح" – كما عرفنا من الأخبار المنشورة، أسماء نجوم مثل ليلى علوي ويسرا واسعاد يونس، ناشد الوزير عمر الشريف قبول أن يصبح رئيسا شرفيا للدورة القادمة فقط (التي اقتربت بشكل مرعب) حتى يمكن انقاذ ما يمكن انقاذه!
ويافرحتي: فعمر الشريف سيجلب لنا – كما يقول الوزير "الفنان" في تصريحاته المتعددة- النجوم العالميين بفضل اتصالاته وعلاقاته بهم. وهذا بالطبع تصور "برئ" يفترض أن العلاقات الشخصية كفيلة بأن تهزم المصالح!
وهو تصور شبيه بتصور الرئيس السادات الذي كان يؤمن بأنه إذا تكلم مع الرئيس كارتر "كلام فلاح لفلاح" – على حد تعبيره- فسوف يفهم كارتر على الفور ما يريد ويحققه له، فلا يمكن أن يخذل الفلاح فلاحا مثله.. أليس كذلك!
سنرى بالطبع أن الأمر ليس على هذا النحو من "البراءة"- حتى لا نستخدم كلمة أخرى قد يعتبرها بعض الثوريين السابقين المنتحرين في أحضان النظام (خروجا عن الأدب!).
فالحقيقة أن حضور النجوم يرتبط أصلا وأساسا – ليس بالزفة التي ستقام لهم على ضفاف النيل ولا بالسجادة الحمراء أمام قصر محمد علي ولا غير ذلك- بل بمستوى المهرجان وأهميته في فتح نافذة على السوق في الشرق الأوسط. وأساسا بالطبع، على سمعة السينما المصرية نفسها، وأهميتها على خريطة المنطقة التي يقام فيها المهرجان.
ان مهرجان دبي السينمائي الذي يضرب به الشوباشي المثل على التفوق بالمال، ويقول فاروق حسني إننا لن نتمكن من منافسته أبدا بسبب المال، لم يستطع في الدورة الماضية رغم انفاق ملايين الدولارات إلا جلب ممثل هوليوودي واحد (نصف مشهور) هو مايكل فريمان!
وفي الدورة القادمة سيحضر بطائرة خاصة وفرها له رعاة المهرجان – كما علمنا- جاك نيكلسون (بعد أن أفلس سينمائيا وخرج تقريبا من المنافسة في هوليوود) مقابل أن يقبض 100 ألف دولار (مقابل ساعتين من الظهور في حفل الافتتاح وربما حديث تليفزيوني يشكر فيه الشيوخ الذين وجهوا له الدعوة ودفعوا له أجره)!
اتساقا مع الفكرة الراسخة لدى فاروق حسني أي فكرة خصخصة الثقافة، أو تصوره الخاص بشأن ضرورة اشراك رجال الأعمال (الذين أصبحنا نخشى أن نطلق عليهم الرأسماليين المصريين!)، "نجح" الوزير في إقناع نجيب ساويرس بأن يصبح الراعي المالي للمهرجان.
وأتمنى أن يتكرم من يشرح لنا كيف يمكن أن يصبح رأسمالي يبحث عن الربح "راعيا ماليا" لمهرجان سينمائي لا يحقق ربحا له!
فهل من المتصور مثلا أن ينفق ساويرس عدة ملايين من الدولارات من جيبه الخاص إكراما لعيون وزير الثقافة، أو لكي يرد الجميل لمصر – على طريقة السادات أيضا، الذي قال للمهرب رشاد عثمان ذات يوم أمام كاميرات التليفزيون "خللي بالك من اسكندرية يارشاد"!؟
أما الأمر الآخر والأخير الذي أثار ضحك الجميع، داخل مصر (بل وخارجها حيث نكتب ما نكتبه من الخارج) فهو أن اختيار الوزير وقع أخيرا وبعد بحث طويل ومجهد، على الممثل عزت أبو عوف لكي يرأس مهرجان القاهرة السينمائي.
هذه هي المفاجأة الكبرى التي أعلن الوزير أنه سيفجرها في مؤتمر صحفي خاص، وقد فعل.
أما عزت أبو عوف – الممثل نصف المعروف (تلفزيونيا أساسا)- فلم يتم اختياره لمعرفة خاصة لديه بفن وصناعة المهرجانات السينمائية فقد اختير – حسب تصريحات الوزير- لأنه يتقن اللغات الأجنبية.
فهل هناك "نكتة" أكثر فظاظة من هذه النكتة الحراقة
سيكون من المنظقي بكل تأكيد أن يرد أحدهم بنكتة أخرى لا تقل "فظاظة" فيقول: ولماذا لا نسند رئاسة المهرجان إلى أحد خريجي كلية الألسن!
لن نزيد.. فالأيام القادمة وحدها ستتكفل بالإجابة على عشرات الأسئلة الحائرة المعلقة في الهواء.
أمير العمري
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس

سمير فريد يكتب : " عمارة يعقوبيان " الرواية والفيلم والحدث

الناقد السينمائي الكبير سمير فريد

ملصق فيلم عمارة يعقوبيان



سمير فريد يكتب


"عمارة يعقوبيان"
الرواية والفيلم والحدث


رواية الغضب على الماضي والحاضر
وفيلم بداية سينما الإصلاح
الذي تقوده لجنة السياسات

من عمارة حكام مصر في الثلاثينيات
إلى أثرياء مصر داخل الشقق وفقراء
فوق السطح في التسعينيات

الرواية تسخط على الواقع
ونقاد الأدب يسخطون عليها
من أقصى اليسار وأقصى اليمين

الفيلم نقطة تحول في تاريخ
السينما المصرية يعري كل
أنواع الشذوذ الجنسي وغير الجنسي

مخرج كبير في أول أفلامه ولكنه
لم يخرج من عباءة سينما

وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام
إذا كان عادل إمام قد وصل إلى
كل هذا النضج في التمثيل
لماذا يبدد طاقته في منافسة بوحه


عمارة يعقوبيان
رواية الغضب وسينما الإصلاح

سمير فريد


كتب علاء الأسواني رواية "عمارة يعقوبيان" التي صدرت عن دار ميريت عام 2002, ليعبر عن نفسه, وعن رفضه للواقع الذي يعيشه, والذي هو مثل كل واقع نتيجة لتاريخ سبقه, ومن أجل تغيير هذا الواقع. وقد جاءت الرواية شديدة الحدة, تماماً مثل مقالاته السياسية التي ينشرها بين الحين والآخر.
هذه هي الرواية الأولى لطبيب أسنان يهوى الأدب أصدر قبلها مجموعتين من القصص القصيرة, وهو من جيل عصر حسني مبارك حيث كان طفلاً عندما تولى الرئيس مبارك الحكم. والرواية صادرة عن دار نشر صغيرة أنشأها الأديب محمد هاشم لينشر كتبه, والكتب التي لا يمكن أن تصدر عن دور النشر الكبيرة.
وتنتمي هذه الرواية إلى ما يمكن أن نطلق عليه الأدب الصحفي, أي المكتوب بلغة الصحافة التي تتوخى البساطة لتصل إلى أكبر عدد من القراء من المستويات الثقافية المختلفة, والبساطة لا تعني التبسيط بالطبع. وكون علاء الأسواني هاوياً للأدب, وكون روايته من الأدب الصحفي وصفان لا يتعلقان بالقيمة التي تستمد من داخل العمل.
"عمارة يعقوبيان" صرخة جيل وجد القرن العشرين الميلادي ينتهي, ولا تزال أصداء وعود الأجيال التي تحكم بلاده التي سمعها في طفولته تتردد: انتظروا عام 2000, والواقع يزداد سوءاً, والفساد يستشري, والجمود يسيطر على الحياة السياسية. وكانت نهاية القرن مدعاة لتأمل ما حدث فيه منذ بدايته, وفي الوسط منه ثورة يوليو 1952, وفي القلب منها هزيمة يونيو 1967.
حققت الرواية رواجاً كبيراً لم يعرفه عالم الأدب منذ روايات إحسان عبد القدوس (1991-1990) في ذروة تألقه, وترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية, وفاز ناشرها بجائزة أمريكية مخصصة لدور النشر الصغيرة. لقد أصبحت في تاريخ الرواية المصرية مثل مسرحية جون أوزبورن "أنظر إلى الماضي في غضب" عام 1956والتي عبرت عن نهاية الإمبراطورية البريطانية بعد حرب السويس.
أثرياء وفقراء
تتكون الرواية من فصلين كبيرين كل منهما أكثر من مائة وخمسين صفحة حيث يقدم المؤلف في الفصل الأول الشخصيات التي تجمعها "عمارة يعقوبيان" في القاهرة في نهاية النصف الأول من تسعينيات القرن الميلادي الماضي. وربما يرتبط شكل الفصلين برؤية الكاتب للواقع المصري زمن الرواية حيث توارت الطبقة الوسطى, ولم يعد هناك سوى أثرياء في شقق العمارة, وفقراء على سطحها يسكنون الغرف التي كانت مخصصة للكلاب المتوحشة أو غسيل الملابس عند بناءها عام 1934. والسرد من وجهة نظر الراوي-المؤلف, ولذلك لا تلتقي كل الشخصيات مع كل الشخصيات رغم أنهم في عمارة واحدة. والعمارة حقيقية يسرد المؤلف تاريخها منذ بناءها حتى زمن الرواية, ويستخدمها للتعبير عن رؤيته لحركة المجتمع المصري في أكثر من نصف قرن.
تأخذ الرواية شكل "الأوتشرك" الذي ابتدعه الكاتب الروسي مكسيم جوركي (1868-1936) في مسرحية "الحضيض", ولذلك فالأوتشرك كلمة روسية, وتعني أن تكون الوحدة الدرامية هي المكان, وأن تتصاعد الأحداث أفقياً بين عدد كبير من الشخصيات على نحو متواز, وليس تصاعداً رأسياً بين عدد محدود من الشخصيات كما هو معتاد. وقد تأثر نعمان عاشور (1918-1987) بهذا الشكل في مسرحية "الناس اللي تحت", ومن هنا تصور البعض أن علاء الأسواني في روايته تأثر بهذه المسرحية (الأهرام 24 أبريل 2006).
نحن في القاهرة بعد حرب تحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين في العراق, وسقوط النظام العالمي الذي استقر بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945), وبداية نظام عالمي جديد. وبعد أن عاد "الأفغان العرب" أي الذين حاربوا ضد النظام الشيوعي السوفيتي في أفغانستان, ومنهم "الأفغان المصريون", وبدأت أولى العمليات الإرهابية للجماعات الإسلامية في مصر. ونحن داخل "عمارة يعقوبيان" الفاخرة في وسط القاهرة الأوروبية التي أسسها الخديوي إسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي, ولذلك كان يسكنها الباشوات وغيرهم من حكام مصر قبل ثورة يوليو, وحل محل العديد منهم ضباط الجيش بعد الثورة.
داخل العمارة
يركز المؤلف على ثلاثة من سكان الشقق وثلاثة من سكان السطح. أما ساكنو الشقق فهم زكي (65 سنة) الأعزب ابن الباشا الوفدي الذي يعيش من ريع ما تبقى من أرض والده, ويستخدم الشقة رسمياً كمكتب, وفعلياً لممارسة الجنس مع النساء من الخادمات إلى العاهرات. والحاج عزام (60 سنة) الذي يستخدم الشقة لممارسة الجنس مع زوجته الثانية سعاد التي ذهب زوجها إلى العراق ولم يعد. وحاتم (40 سنة) سليل الأرستقراطية المصرية, ورئيس تحرير صحيفة تصدر بالفرنسية, والمثلي جنسياً الذي يعيش وحيداً في شقته.
وأما ساكنو السطح فهم طه (18 سنة) ابن البواب الذي حصل على الثانوية العامة, وفشل في تحقيق حلمه بدخول كلية الشرطة لأنه ابن بواب وليس لديه 20 ألف جنية يدفعها كرشوة, وأرسل شكوى إلى رئاسة الجمهورية, وجاءه الرد سلبياً, فالتحق بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة, وانضم إلى إحدى الجماعات الإسلامية. وبثينة (18 سنة) حبيبته التي عملت في محلات بيع الأزياء في وسط القاهرة بعد وفاة والدها, واستسلمت لتحرشات أصحاب المحلات الجنسية. وعبد ربه (25 سنة) المجند الذي يرتبط بعلاقة جنسية مع حاتم, والذي يؤجر له حاتم غرفة فوق السطح يعيش فيها مع زوجته وابنهما الرضيع, وفي نفس الوقت يؤجر له كشكاً لبيع السجائر والمشروبات ليعيش منه بعد التجنيد.
وبمساعدة أبسخرون (خادم زكي) يتمكن أخوه ملاك ترزي القمصان من تحويل إحدى غرف السطح إلى مصنع صغير للقمصان عن طريق رشوة وكيل العمارة المحامي المخضرم فكري عبد الشهيد, وهو محامي زكي في نفس الوقت. وفي العودة الوحيدة إلى الماضي يتذكر حاتم كيف مارس خادم الأسرة إدريس الجنس معه في صباه, مما تسبب في مثليته, وهو تفسير ساذج ولم تكن له ضرورة.
خارج العمارة
وبالقرب من العمارة في ممر بهلر يقيم زكي مع شقيقته دولت الأرملة التي لا تطيق تصرفاته. وبعيداً عن العمارة يلتقي الحاج عزام مع الوزير كمال الفولي ليساعده في انتخابات مجلس الشعب, ويعده الوزير بالنجاح مقابل رشوة مليون جنية. وبالفعل يصبح عزام نائباً في البرلمان, وهو الذي بدأ حياته منظفاً للأحذية في وسط القاهرة, أو وسط البلد كما اعتاد أن يسميها القاهريون, قبل أن يمتلك العديد من محلاتها, ويصبح من كبار الأثرياء الجدد.
وفي الفصل الثاني من الرواية تقوم دولت بطرد زكي من الشقة, وتجعله يقيم في مكتبه بعمارة يعقوبيان, وتعلن عليه حرباً لا هوادة فيها. ويجد زكي بعض السلوى عند كريستين صاحبة مطعم مكسيم وحبيبته القديمة أيام الشباب, ولكنه يجد كل السلوى مع بثينة عندما يأتي بها أبسخرون لتعمل كسكرتيرة للمكتب, وتصبح عشيقة زكي بعد أن قطعت علاقتها مع طه. أما سعاد فتحمل من الحاج عزام رغم أنه اشترط عليها قبل الزواج ألا تحمل, وعندما ترفض الإجهاض, ولا تقبل وساطة "الشيخ" الذي يستخدمه الحاج عزام لتبرير كل أفعاله لتتفق مع الشريعة الإسلامية حتى تجارة المخدرات, يعمل الحاج عزام على إجهاضها بالقوة, ويطلقها.
يدخل الحاج عزام صفقة كبرى مع إحدى الشركات اليابانية, ويطلب الوزير كمال الفولي ربع الأرباح قائلاً أنه لا يعمل وحده, وإنما مع سلسلة طويلة تنتهي بالرجل الكبير. وهنا يطلب الحاج عزام مقابلة ذلك الرجل الكبير لإقناعه بخفض النسبة, وبالفعل يذهب إلى مقابلته في قصره بالمريوطية بجوار الأهرامات, وهناك لا يراه, وإنما يسمع صوته فقط يهدده إذا لم يرضخ, فلا يملك إلا الرضوخ.
يموت الطفل ابن عبد ربه فيصدم, ويشعر أن هذا عقاب إلهي على ممارسته اللواط, ويبتعد عن حاتم, ولكن هذا يطارده بإلحاح, فيمارس عبد ربه الجنس معه لآخر مرة بوحشية ويقتله. أما طه فيتعرض للاعتقال السياسي بعد أن يقود إحدى مظاهرات الجماعات الإسلامية ضد أمريكا وإسرائيل في الجامعة, وفي المعتقل يتم اغتصابه, فيترك الجامعة, ويلتحق بأحد المعسكرات السرية للجماعات حيث يتزوج رضوى أرملة أحد شهداء الجماعة, ويتدرب على السلاح ليقتل الضابط الذي أمر باغتصابه. وينفذ طه حلمه بالانتقام, ولكنه يلقى مصرعه في المعركة مع رجال الشرطة. وبالتدريج تصبح العلاقة بين زكي وبثينة أقرب إلى الحب الحقيقي, ويبدو ذلك عندما ترفض عرض ملاك لكي تخدع زكي وتدفعه لتوقيع عقد بيع شقته له مقابل خمسة آلاف جنية يدفعها لها. وإزاء تدبير دولت للقبض على زكي متلبساً مع بثينة في الفراش, يقرر زكي الزواج منها.
انهيار شامل
وقد تبدو هذه نهاية سعيدة بالمصالحة بين الأجيال والطبقات, ولكنها على العكس تماماً تعبر عن انهيار كل الأجيال وكل الطبقات. زواج زكي وبثينة مثل زواج الحاج عزام وسعاد وزواج طه ورضوى كلها زيجات غير حقيقية وإن كانت شرعية على الورق. ولا فرق بين العلاقات الزوجية في هذه الأحوال والعلاقة المثلية بين حاتم وعبد ربه, فكلها علاقات جنسية بحتة في عالم يختفي فيه الحب, ويسيطر على شخصياته الجشع والتملك والقسوة والأنانية.
التقابل مفزع بين ابنة الباشا التي تطرد أخيها من شقة والدهما لتستولي عليها, وبين ملاك الذي يسعى للحصول على مكتب زكي بالخداع, وبين حاتم الذي يسعده اغتصاب عبد ربه له حتى يلقى حتفه على يديه, ويودي بعبد ربه إلى المشنقة, وبين طه الذي ينتقم من اغتصابه فيقتل الضابط الذي أمر بذلك, ويلقى حتفه بدوره. ويتجلى بؤس الحياة السياسية حيث نرى خيوط الحكم بين يدي وزير فاسد يعمل لصالح عصابة, ونرى الوفد على لسان زكي لا يرى في عبد الناصر إلا رئيس عصابة, واليسار يدافع عن الفقراء على لسان حاتم المتفرنس, واليمين يصل إلى تكفير الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي منذ قرنين على لسان شيخ الجماعات الإسلامية, والسلطة تقوم باغتصاب طلبة الجامعات في المعتقلات.
سخط اليسار واليمين
تبدو الرواية وكأنها حديث عفوي من القلب على لسان الراوي-المؤلف, ومن دون أي حسابات. ولكنها رواية محسوبة بدقة من الناحية الأدبية, وإن لم تدخل في حسابات الكاتب إرضاء أو إغضاب الأيديولوجيات المختلفة على الساحة السياسية والساحة الأدبية. إنها رواية تعبر عن رؤية كاتب ليبرالي, أي لا يحتكر الحقيقة, ولذلك لم ترض أغلب كتاب السياسة ونقاد الأدب من أغلب الأيديولوجيات, وزاد رواجها, ثم ترجمتها إلى لغات أجنبية من سخطهم عليها. لقد جمع السخط على رواية "عمارة يعقوبيان" اليمين واليسار معاً.
نشرت صافيناز كاظم (المصور 30 يونيو 2006) أنها تقززت من الرواية, وأنها من أقبح ما قرأت مكتوباً على ورق, وأن مؤلفها بذل جهداً في شرح الممارسات الشاذة والزانية, ولم يستطع لقصور قدراته الفنية أن يمررها من دون خدش حياء القارئ. ونشر طلعت رضوان (أدب ونقد التي يصدرها حزب التجمع عدد فبراير 2005) أنها رواية تتعاطف مع التيار الأصولي الإسلامي. وفي نفس العدد المشار إليه نشر إبراهيم العشري أنها رواية مزيفة للوعي, معادية لثورة يوليو, اللوطي فيها هو صوت الوعي, وابن الباشا الوفدي هو صوت الانتماء.
وبينما نشر الناقد الفلسطيني فيصل دراج (الحياة 25 أبريل 2006) أن الرواية تشوه الواقع المصري, ولا تندد بالسلطة كما توحي, وأنها رواية وعظية تستهدف إشاعة الطمأنينة والرضى عند القارئ, نشر الروائي والناقد الكويتي طالب الرفاعي (الحياة 18 مايو 2006) أن الرواية يسيطر عليها هاجس الجنس, وتقدم خلطة تقوم على الجنس والدين والسياسة بلغة عادية بعيدة عن أي ابتكار أو فنية, وأن إقبال المترجمين عليها لأنها تعري الفساد والتخلف اللذان يعششان في جوانب أكبر مجتمع عربي, وتؤكد لدى الآخر صدق فكرته بوجود مجموعات إسلامية إرهابية. وربما لم يناصرها من مصر إلا الدكتور جلال أمين وهو أستاذ في الاقتصاد وفي العلوم الاجتماعية, وجمال الغيطاني وهو من الأدباء وليس من النقاد. واختار بعض نقاد الأدب تجاهلها تماماً.
ولست أدري كيف تكون "عمارة يعقوبيان" تشويهاً للواقع المصري, وكيف يمكن اعتبارها لا تندد بالسلطة, وتشيع الطمأنينة والرضى عند القارئ. وما هو الخطأ في أن يسيطر على الرواية هاجس الجنس, أو أن تقدم خلطة من الجنس والدين والسياسة, وما الذي يجعل اللغة العادية بعيدة عن الابتكار والفنية. وهل يؤخذ على عمل أدبي أنه يعري الفساد والتخلف. ثم أليست هناك مجموعات إسلامية إرهابية, أم ترى كل ما حدث من 2004 من نيويورك وواشنطون إلى مدريد ولندن, ومن الدار البيضاء إلى الرياض مروراً بطابا وشرم الشيخ والعاصمة الأردنية عمان من نسج الخيال.
وفي كتابه "شرفات ونوافذ" (2006) ينشر فاروق عبد القادر أن علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" كاتب كاره للوطن والمواطنين, بل وكاره للبشر. ومن البديهي كما يعلم ناقدنا الكبير أن الكراهية هنا تعبر عن ذروة الحب. قامت الرواية بتعرية الواقع, وقام نقادها بتعرية النقد الأيديولوجي من أقصى اليسار الشيوعي إلى أقصى اليمين الديني, وأصبح علاء الأسواني في مواجهة السلطات السياسية والسلطات النقدية في نفس الوقت إلا من بضع أصوات قليلة, وعبر عن حال الليبرالي الحقيقي في مصر والعالم العربي, والهامش الضعيف الذي يتحرك فيه.
الغضب والإصلاح
وإذا كانت الرواية تعبر عن الغضب, فالفيلم الذي كتبه وحيد حامد وأنتجه عماد أديب وأخرجه مروان حامد يعبر عن سينما الإصلاح السياسي الذي تقوده لجنة السياسات في الحزب الحاكم برئاسة جمال مبارك, والتي تواجه شبكة مركبة وراسخة من أعداء الإصلاح التي قررت وراثة مصر أيا كان رأس الدولة. وربما هي التي تثير قضية وراثة جمال مبارك حتى تعوق الإصلاح, وحتى تخفي قرارها متجاهلة تأكيد الرئيس مبارك على أن مصر ليست مثل سوريا, ومتجاهلة تأكيد جمال مبارك استحالة توريث الحكم في مصر.
لا يمكن تجاهل أنه في نفس الوقت الذي كان يصور فيه فيلم "عمارة يعقوبيان" كان عماد أديب يشترك في الحملة الانتخابية للرئيس مبارك عام 2005 بإجراء حديثه التلفزيوني المطول معه, وأن مروان حامد مخرج الفيلم الرسمي للانتخابات, وأن وحيد حامد أعلن في مقالاته السياسية وأحاديثه للصحافة والتلفزيون أنه يؤيد ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية طالما هناك انتخابات.
سينما وحيد حامد
وحيد حامد من بين عدد محدود من كتاب السيناريو في مصر والعالم العربي الذين يمكن أن نقول أن لهم سينما. بمعنى أن لهم عالمهم الفني الذي يصنع سينما خالصة أيا كان المخرج وراء الكاميرا, والنجوم أمامها, والمنتج الذي يصنع الفيلم. وقد وصل وحيد حامد إلى هذه المرحلة الأعلى بالنسبة لأي كاتب سيناريو في التسعينيات من القرن الميلادي الماضي بعد مرحلتين في السبعينيات والثمانينيات. ففي السبعينيات بدأ بداية متواضعة وصل فيها إلى حد كتابة "المقدمة المنطقية" على الشاشة في نهاية الفيلم, وهو تعبير أحد المراجع المدرسية في الدراما. وفي الثمانينيات تطور تطوراً ملحوظاً مع حركة الواقعية الجديدة, وخاصة في أفلامه التي أخرجها عاطف الطيب (1947-1995) ومنها "البريء" 1986 أحد تحف السينما المصرية.
في المراحل الثلاث تميز وحيد حامد بشجاعة استثنائية في إطار عمله في السينما السائدة من حيث نقد الواقع, والعمل على تغييره. وكان "اللعب مع الكبار" إخراج شريف عرفة وتمثيل عادل إمام عام 1991 بداية مرحلة سينما وحيد حامد حيث قدم مع المخرج الموهوب ونجم النجوم أهم الأفلام التي ناقشت علاقة المواطن بالسلطة, ونددت بإرهاب الجماعات الإسلامية الذي بدأ في هذه الفترة, وربطت بين الفساد والإرهاب, وأهمها "طيور الظلام" 1995, وأحدثها "دم الغزال" إخراج محمد ياسين 2006.
ولا يمكن هنا أيضاً تجاهل أن شريف عرفة هو مخرج حديث عماد أديب مع الرئيس مبارك, وأن عادل إمام أعلن بدوره أنه يؤيد ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية طالما هناك انتخابات. فهذه المجموعة من الفنانين تعمل في السينما السائدة, وفي إطار النظام السياسي, وحتى موقفها من الجماعات الإسلامية الإرهابية يرتبط بموقف النظام منها, فكيف تم تطويع رواية علاء الأسواني لتصبح رواية الغضب المعادية للنظام السياسي بداية سينما الإصلاح.
استبعد وحيد حامد رشوة الـ 20 ألف جنية التي كان يمكن أن يدفعها طه لدخول كلية الشرطة رغم أنه ابن البواب, واستبعد الشكوى التي أرسلها إلى رئاسة الجمهورية, والرد السلبي على هذه الشكوى, واستبعد حديث شيخ الجماعات السياسي عن قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت, وهجومه على مشايخ السلاطين, واستبعد الشعارات السياسية من مظاهرات طلبة الجماعات حيث أصبحت تطالب بالدولة الدينية فقط, واستبعد لقاء الحاج عزام مع الرجل الكبير رئيس العصابة التي يعمل لحسابها الوزير الفاسد, رغم أن شخصية الرجل الكبير دارجة في كل الأفلام البوليسية المصرية.
ومن أجل نجومية عادل إمام الذي قام بدور زكي الدسوقي استبعد وحيد حامد وصفه لعبد الناصر بأنه رئيس عصابة, وجعله يتبادل الحب بحق مع بثينة, ويبدو ملاكاً مظلوماً رغم كل نزواته الحمقاء, وركز على فحولته الجنسية رغم تقدمه في السن, وهي الصورة التي يعنى بها عادل إمام في أفلامه منذ فترة مثل "التجربة الدانمركية" و"السفارة في العمارة" وغيرهما. ومن أجل نجومية يسرا حاول أن يجعل من أدائها لشخصية كريستين دوراً, ولكن من دون جدوى. ونفس الأمر بالنسبة إلى دور دولت الذي قامت به إسعاد يونس وهي رئيسة الشركة التي توزع الفيلم. وهذا لا ينفي أن الثلاثة كانوا في ذروة التألق, بل إنني خرجت من العرض الأول للفيلم في مهرجان برلين, وكان انطباعي أن الفيلم يعلن عن مولد مخرج كبير, وأن عادل إمام يصل إلى مرحلة عالية من النضج لا أدري لماذا يبددها في أفلامه التي تنافس "بوحه".
وعلى الصعيد الفني يقدم وحيد حامد في "عمارة يعقوبيان" درساً في كيفية تحويل رواية متعددة الخطوط إلى فيلم في نحو ثلاث ساعات. استبعد وحيد حامد تفاصيل لا تغني الفيلم مثل الصراع على مصنع ملاك على سطح العمارة, والصراع بين الحاج عزام ومنافسه الحاج أبو حميدة صاحب محلات "الرضا والنور", وتفاصيل الكشك الذي يؤجره حاتم ليعيش منه عبد ربه, وتفاصيل إقناع شيخ الحاج عزام لسعاد حتى تقبل الإجهاض طوعاً, وتفاصيل زواج طه ورضوى. ومن ناحية أخرى جعل زوج سعاد يقتل في العراق, بدلاً من انقطاع أخباره, وجعل القبض على طه في الشارع بعد المظاهرة, وليس في الغرفة التي يقيم فيها مع والده فوق السطح, وجعل بثينة تمزق العقد الذي حاول ملاك أن يجعلها تخدع زكي ليوقعه, وليس أن تعيده إلى ملاك.
نقطة تحول
ومع الأسف احتفظ وحيد حامد بالعودة الوحيدة إلى الماضي, والتي تفسر مثلية حاتم, وغير تماماً قتله على يد عبد ربه, وجعل حاتم يلتقط صعلوكاً من الشارع يقتله ليسرقه, رغم أن مصرع حاتم على يد عبد ربه في الرواية أكثر منطقية من الناحية الدرامية. ولكن هذا التغيير لم يؤثر بالسلب على الفيلم. والتعبير عن المثلية الجنسية في "عمارة يعقوبيان" يجعله نقطة تحول في تاريخ السينما المصرية السائدة من حيث الحديث عن المسكوت عنه, وأكثر ما يؤكد أن الفيلم ينتمي إلى سينما الإصلاح السياسي الذي يقوم أساساً على إطلاق الحريات وعلى رأسها حرية التعبير, فلم نشاهد من قبل تعرية للفساد, ولم نشاهد إدانة للشذوذ, من الشذوذ السياسي إلى الشذوذ الجنسي المثلي وغير المثلي كما في هذا الفيلم.
يأتي مروان حامد الذي تخرج في المعهد العالي للسينما إلى عالم الأفلام الطويلة وهو دون الثلاثين بفيلم عن رواية علاء الأسواني بعد فيلمين قصيرين عن قصتين من قصص يوسف إدريس (1929-1991). وهناك عنصر مشترك بين إدريس في خمسينيات القرن الميلادي الماضي, والأسواني في مطلع القرن الجديد, وهو التمرد والثورة على الواقع, وعلى الأدب التقليدي في نفس الوقت. ومن الملاحظ أن إدريس هو أكثر الكتاب الذين أعدت عن قصصهم أفلام طلبة معهد السينما, والأفلام المستقلة أيضاً. وهذا منطقي تماماً, فإذا لم يكن الشباب هم الذين يتمردون على واقع المجتمع وواقع الفنون, فمن الذي يتمرد.
الموهبة والطموح
ولكن اعتماد مروان حامد على الأدب من ناحية أخرى يعني أنه أقرب إلى الإصلاح منه إلى الثورة التي تقوم على سينما المؤلف. ولا شك أن تمكنه من إخراج أول أفلامه الطويلة وهو دون الثلاثين, وهو أمر عادي في العالم, بل وكان عادياً في مصر في العصر الذهبي للسينما المصرية (أنظر يوسف شاهين), ولكنه لم يعد عادياً, يرجع إلى عمله منذ أن كان طالباً في سينما وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام. ومن الابتذال القول بأنه يرجع إلى كونه ابن وحيد حامد, فالموهبة لا تورث, وهذا مخرج موهوب بكل وأي المقاييس, ويبدو ذلك من فيلم تخرجه في معهد السينما. ولكنه أساساً تخرج من مدرسة الثلاثي المذكور, وتأثر بها بوضوح كأفضل مستويات السينما السائدة في مصر. وكان عماد أديب منتجاً فناناً وشجاعاً بحق عندما أسند إليه إخراج "عمارة يعقوبيان", وكان هو على مستوى المسئولية فأخرج فيلماً غير عادي, وأثبت أنه مخرج صغير السن كبير الطموح.
وأهم ما يجعلنا نرى مروان حامد مخرجاً كبيراً في أول أفلامه إدارته لهذا العدد الهائل من الممثلين والممثلات الذي جعل الفيلم استعراضاً عالمياً لفن التمثيل في مصر, وهو فن عريق يقترب تاريخه من مائة عام. فإلى جانب الأدوار الرئيسية لكبار النجوم مثل عادل إمام ويسرا ونور الشريف في دور الحاج عزام وهند صبري في دور بثينة حيث تثبت من جديد براعتها وتميزها عن كل ممثلات جيلها, قدم خالد الصاوي في دور حاتم الذي سار على خيط رفيع واحتفظ بتوازنه في كل مشاهده, وباسم سمره في دور عبد ربه, وقد أصبح ذو خبرة قوية في علاقته مع الكاميرا, وخالد صالح في دور الوزير الفاسد كمال الفولي, والذي أداه ببساطة وعمق ومن دون نمطية, والممثلين الكبيرين أحمد راتب وأحمد بدير في دور أبسخرون الذي أصبح اسمه فانوس ودور أخيه ملاك ترزي القمصان.
ولكل هؤلاء خبرات سابقة ما عدا محمد إمام في دور طه, والذي أثبت بدوره أنه لا يمثل لأنه ابن عادل إمام, وإنما لأنه يملك الموهبة التي قدمها مروان حامد, وخاصة في المشاهد التي لم تعتمد على الحوار, وإنما على التعبير الصامت بالعينين. لم يكن الانكسار قوياً في مشهد رفضه في كلية الشرطة, ربما لأن المشهد بأكمله كان أسرع من اللازم, ولكن انكساره بعد الاغتصاب كان رهيباً, واندفاعه للانتقام وكأنه دمية تتحرك بأزرار من دون إدراك العواقب كان مقنعاً إلى أبعد الحدود. لقد اختار مروان حامد بعناية جميع الممثلين والممثلات في أدوارهم المناسبة, وأدارهم بحنكة حتى من قاموا بأصغر الأدوار مثل سمية الخشاب وتامر عبد المنعم ومحمد الدفراوي ويوسف داود وسعيد طرابيك وعباس أبو الحسن الذي قام بدور الضابط.
وتتكامل المجموعة الفنية وراء الكاميرا مع المجموعة التي تمثل أمامها, المصور سامح سليم ومصمم الديكور فوزي العوامري ومصممة الملابس ناهد نصر الله, والخالدان (المونتير خالد مرعي والموسيقي خالد حماد). ولكن الملاحظ أن سامح سليم بسط أسلوب التصوير (رواية سوداوية تصور في الظلام), ولم يستطع المونتاج, وهذه مسئولية المخرج أيضاً وبالطبع, أن يربط بين سكان الشقق وبعضهم البعض, وهي وحدة الفيلم كمكان, وبينهم وبين سكان السطح من ناحية أخرى. إننا بالكاد نتبين أن شقة الحاج عزام وسعاد في نفس العمارة, وندرك بعد فترة ليست بالقصيرة أن زكي يقيم مع دولت في شقة والدهما, وأن له حجرة نوم أخرى في المكتب. والموسيقى جيدة, وساعد استخدام المخرج الحذر لها على إبراز جودتها.
واقعية متطورة
يبدأ الفيلم بداية قوية بمشاهد تسجيلية عن تاريخ العمارة مع تعليق بصوت الفنان الكبير يحيى الفخراني, وهي مشاهد تكثف رؤية الأسواني لعلاقة الواقع بالتاريخ الذي سبقه, وتبني مروان حامد لها رغم أن كل منهما من جيل مختلف, ولكن الغضب يجمع بين كل أجيال الشباب. وأسلوب مروان حامد واقعي متطور, فهو في إطار السينما السائدة, ولكن بروح جديدة تدرك الفرق بين السينما والتلفزيون. فقد كان من شأن تعدد الشخصيات, والتصاعد الأفقي للأحداث, أن يجعل الفيلم وكأنه مسلسل تلفزيوني يعرض مختصراً, غير أن مخرجنا سينمائي حتى النخاع. ويبدو التأثير السلبي للسينما السائدة في العودة الثانية إلى الماضي التي يضيفها المخرج عندما يقوم طه بقتل الضابط فنرى لقطات من مشهد الاغتصاب ثانية, فهذا شرح للمشروح وتوضيح للواضح, ويعكس عدم ثقة صناع السينما السائدة بذكاء الجمهور.
وأكثر ما يؤثر بالسلب على أسلوب مروان حامد عدم تمكنه من الخروج من سينما الثلاثي وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام, وخاصة فيما يتعلق باختزال الجماعات الإسلامية في جلابيب بيضاء وذقون سوداء ووجوه مكفهرة ونظرات صارخة, وتحويل رغبة طه في قتل الضابط إلى حكاية انتقام شخصي بحت, بينما القضية صراع سياسي له أبعاده المركبة المحلية والدولية. لم يغير مروان حامد استبعاد وحيد حامد للبعد السياسي للجماعات الإسلامية من الرواية, ولم يقاوم نجومية عادل إمام بما يكفي, وخاصة في النهاية التي بدت أقرب إلى النهاية السعيدة بالفعل, ولم يتخلص من تأثير أسلوب شريف عرفة, والذي كان واضحاً في العديد من المشاهد, وخاصة في استخدام حركة الكاميرا والعدسات والمزج والحركة البطيئة.
مشهد عادل إمام في ميدان طلعت حرب كأنه منقول من "اللعب مع الكبار", ومشهد جنود الأمن المركزي كأنه منقول من "الإرهاب والكباب", والمزج في مشهد تمشيط زكي شعر بثينة, والحركة البطيئة في مشهد مصرع طه والضابط, واللقطات الكبيرة لزجاجات وكئوس الخمر بأسلوب الإعلانات الذي يتأثر به شريف عرفة, ينتقل إلى تلميذه مروان حامد. فضلاً عن بعض الأخطاء المعتادة في ميكساج الصوت كما في مشهد لقاء طه مع الشيخ في مقهى حيث يتساوى مستوى الصوت من داخل المقهى ومن الخارج عبر الزجاج.
ولكن هذه الملاحظات وغيرها لا تغير من حقيقة أننا أمام فيلم/حدث على أكثر من صعيد, وإعلان عن مولد مخرج كبير في أول أفلامه الطويلة, وقادر على أن يكون له أسلوبه الخاص وعالمه الفني المتميز
سمير فريد
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس
www.cinemaisis.com

الاثنين، يوليو 10، 2006

أشهر دورية في الفن السابع الي العربية . بقلم ناجح حسن


غلاف كاييه دو سينما: نظرة جديدة الي حرب الجزائر

مجلة " لي كاييه دو سينما " أشهر دورية عالمية في الفن السابع الي العربية

عمان- ناجح حسن - قررت مجلة دفاتر السينما /لي كاييه ديو سينما/ الصادرة في فرنسا منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، والتي تعد من اعرق الدوريات السينمائية بالعالم اصدار نسخة من اصدارها الدوري الشهري باللغة العربية، لتضاف الى اللغات الاخرى التي تصدر عنها بالانجليزية ،الاسبانية ، والايطالية فضلا عن لغتها الاصل الفرنسية.وقد اسندت ادارة المجلة التي طالما قدمت الى عشاق السينما العديد من القامات السينمائية الرفيعة، الى الناقد والباحث السينمائي المصري صلاح هاشم المقيم بباريس مهمة الاشراف على النسخة العربية، الى جانب قيامه من خلال موقعه الالكتروني /سينما ـ ايزيس/ بترجمة الكتب السينمائية، التي تصدر عن دار نشر» لي زيتوال« التي تصدر عنها دفاتر السينما، من الفرنسية الي العربية، بالتعاون مع مؤسسة الدار للنشر في مصر. وبذلك يصبح صلاح هاشم رئيس تحرير النسخة العربية ل «دفاتر السينما» الفرنسية ، مما يحقق انجازا مهما، بادخال اللغة العربية، إلى قلب أشهر مجلة سينمائية في العالم . كما تؤسس لعلاقة تعاون وثيقة مع تلك المؤسسة السينمائية النقدية الفرنسية الشهيرة التي حملت راية الموجة الجديدة الى العالم.والمعروف ان معظم مخرجي «الموجة الجديدة» في فرنسا، في فترة الخمسينيات، من امثال: جان لوك جودار، وفرانسوا تروفو ،وكلود شابرول ،وغيرهم، كتبوا في «دفاتر السينما» كنقاد ومنظرين، قبل ان يتحولوا في ما بعد الى مخرجين مشهورين، وأثروا بكتاباتهم في تيارات ومدارس السينما في العالم آنذاك. ومازالت المجلة التي تأسست منذ اكثر من خمسين عاما، محافظة على مكانتها النقدية كأشهر وأقدم مجلة سينمائية متخصصة في فرنسا والعالم وكمؤسسة سينمائية راسخة ..يشار ان مشروع « سينما ايزيس » الالكتروني الذي اشتغل عليه الناقد هاشم منذ ما يزيد على عام، كان يقتصر في البداية على اصدار مجلة سينمائية فصلية مطبوعة باسم « نظرية الفيلم »، تعنى بشؤون السينما المعاصرة، والتعريف باتجاهات السينما في العالم، والاشارة الى الكتب والاصدارات والنظريات والابحاث الجديدة، وتكون منبرا للكتابات النقدية الرصينة، واستكشاف حدود واقاليم السينما في قارات العالم ،و في علاقتها بالتكنولوجياالمتطورة،وعصرالعولمة، ودعم التجارب السينمائية العربية، والمشاركة في اصدار بعض الكتب السينمائية المهمة، وجاء العمل علي اصدار تلك الفصلية السينمائية المتخصصة ، من منطلق غياب تلك الدوريات في السوق، او من جهة عدم انتظام صدور اغلبها. غير ان مشروع المطبوعة، تحول تدريجيا الي مجلة سينمائية صغيرة على الانترنت باسم « سينما ايزيس» مستمد من اسم دار عرض سينما ايزيس في حي السيدة زينب التي امضى فيها الناقد هاشم سنواته الاولى ، التي تحولت الآن الى مصنع لاحد انواع الحلويات الشعبية وهي الدار التي شاهد فيها الناقد هاشم كمية لا باس بها من الافلام الاجنبية، في فترة الخمسينيات، مثل فيلم « كوفاديس » و فيلم «القرصان الاحمر » وفيلم «الاخوة الشجعان » وفيلم « فيراكروز» وافلام طرزان وغيرها من الافلام العالمية والمصرية التي قادته لاحقا الى الكتابة عن الافلام. ثم انبثق عن «سينما ايزيس » والملتفين حولها من النقاد والسينمائيين العرب ، «مشروع» سينمائي طموح. مشروع سينمائي أكبر من مجرد اصدار مطبوعة على الانترنت، بمفاهيم وتصورات حديثة عن السينما وعلى اي شكل يمكن ان تكون، والبحث في علاقاتها بالتاريخ والهوية والذاكرة.ولاشك ان مشروع اصدار طبعة من /دفاتر السينما/ باللغة العربية، سوف يعمل على متابعة ورصد دقيقين، لكل ما يحدث على خريطة السينما في العالم منذ زمن، وسيساهم في اطلاع القارىء العربي علي التجارب السينمائية الجديدة، وعلاقتها بالواقع، ويشير الى ازمات ومشاكل العصر، والتناقضات الاجتماعية والانسانية كما تبرزها الشاشة البيضاء في ارجاء المعمورة. ولذلك سوف يعمل المشروع من خلال مجموعة الافكار والتصورات التي يمتلكها هاشم في ايصال المجلة الى عشاق السينما ، وسائر المهتمين بادبيات النقد السينمائي في بلدان الوطن العربي وتعريفهم بالحراك السينمائي العالمي وتياراته الجديدة ، مما سيؤسس لجسر من التواصل بين اوروبا والعالم العربي وباقي دول العالم سواء على صعيد اللغة السينمائية وعناصرها الجمالية او من ناحية اتجاهات خطابها الفكري اعتمادا على متابعات المجلة الرصينة لقضايا الابداع السينمائي وحضوره المتزايد في ما اصطلح على تسميته بسينما البلدان الفقيرة ، عدا عن مناقشة مسائل ملحة مثل الانتاج والتمويل المشترك الى جانب التغطية المكثفة لمجموعة ليست بالقليلة من التظاهرات والمهرجانات ونشاطات النوادي السينمائية المعنية في بلاد العالم الثالث والعالم عموما
بقلم ناجح حسن
عن جريدة " الرأي " الاردنية بتاريخ10 يوليو 2006
الموقع الرسمي لسينما ايزيس
انظر النسخة العربية في " لي كاييه دو سينما " . كراسات السينما الفرنسية

الاثنين، يوليو 03، 2006

زيدان.بورتريه للقرن 21. عن مجلة كراسات السينما.CAHIERS DU CINEMA.




فيلم " زيدان.بورتريه للقرن 21. " اخراج : دوجلاس جوردون وفيليب بارينو
أحلام أنسان منفرد

بقلم: سيريل نيرات.ترجمة: صلاح هاشم.سينما ايزيس


دعونا ننسي الخبطة الاعلامية المفترضة، ونتجاوز شكاوي هؤلاء، من عشاق كرة القدم، وحراس معبد السينما الفن، وعشاق جودار، الذين كانوا يحبذون ان يكون هذا الفيلم فيلما آخر، ولنعد الي المشروع المعلن عنه في عنوان الفيلم بدقة. لم تكن المسألة هي في " تصوير رياضة كرة القدم بشكل آخر" أو " اظهار حقيقة ما تعنيه مباراة بالفعل "، بل تقديم " بورتريه" من انجاز فنانين، بورتريه لشخصية عامة في اطار ظروف الدعاية، وبالوسائل الجمالية المتاحة في عصرهما. ان نقد هذا الفيلم لايعني أن نندم علي الفيلم الذي كنا نحب ونرغب في مشاهدته، بل بعني وصف النتيجة او المحصلة النهائية لتلك المحاولة الفنية التي تمخض عنها ذلك المشروع.، وبدلا من محاسبتهما علي دخولهما وبشكل انتهازي مجالا خارج كفاءتهما ولايمتان اليه بصلة، من الافضل ان نسأل كيف كان ذلك المشروع وثيق الصلة بابحاثهما الشخصية، فالفنانان فيليب بارينو ودوجلاس جودون هم بالكاد اكبرسنا من زيدان، وثلاثتهما شهدوا تعاظم تأثير وحضور الصور بشكل متسارع في مجتمعات الاستهلاك الجماهيرية، ومجييء التلفزيون كمرشح، وكأداة اعلامية مهيمنة. ان مايجمع محاولاتهم الفنية رفض اي نقد من خارج الصور، من خارج المجتمع، والنفاذ داخل هذا النقد، لتعديل آليته ووظيفيته, واختراع ممارسات أخري جديدة له، وادخال تجارب جديدة عليه، تجارب في الزمان وتجارب في المكان او الفضاء، وأشكال جديدة في السرد، والكشف عن الروابط التي تصل مابين البشر وعلاقتهم بالاشياء التي تنتمي اليهم.
لم يتم التفكير في فيلم " زيدان " كفيلم مناهض أو ضد التلفزيون، بل كفيلم " مع – ومغايرتماما " للتلفزيون كما يقول المخرج السينمائي جودار. ولم يكن مشروع الفيلم معنيا أيضا ب " تفكيك " صورة زيدان، بل كان معنيا بفتح هذه الصورة مثل زهرة، وتفتيحها وتوليدها لصور وحكايات، اي تحويل شييء استهلاكي، الي مادة للحلم الجماعي. وهنا يمكننا ان نقرأ عنوان الفيلم بشكل مختلف, اذ يصبح " البورتريه " او تصبح الصورة صورة قرن، بما تعنيه من خاصية القدرة المميزة علي الحلم مع الصور. الدخول في الصور. ويكشف احد العناوين الفرعية في الفيلم عن الاصل البيوغرافي للتخيلات الفانتازية، حيث يظهر طفل تجذبه أصوات و ضوضاء كرة القدم المنبعثة من التلفزيون ف " يمكث قريبا جدا أمام الشاشة لأطول مدة ممكنة " . وهذه العبارات من المفترض انها تأتي علي لسان زيدان في الفيلم، غير ان غياب توقيع زيدان يجعلنا نستحوذ بأنفسنا من جديد، بواسطة الفنانين جوردون وبارينوبالطبع، علي تلك الصور، تجعل المتفرج يستحوذ عليها.تصبح هذه الصور ملكا له، ملكنا.تتبني اللقطات الاولي في الفيلم أسلوب الصورة ، والبعد الذي يفصل بيننا وبين تلفزيون طفولتنا، فتظهر علي شكل لقطات كبيرة ولقطات من أسفل الي أعلي، كما ان عدم وضوح الصورة، تمنح هذه اللقطات خاصية الذكريات، التي تعاني من أجل الظهور و الخروج الي السطح، ثم فجأة يحدث " قطع " عنيف يحدد في مابعد ماسوف يكون عليه الاسلوب السائد في الفيلم : اقتراب اللقطة اكثر من زيدان، ومثولها او حضورها في مستوي قامته، والغوص في أجواء الملعب الاستاد الرياضي الكبير. ولن يكون هذا عبورا من التلفزيون الي السينما، بل الدخول مباشرة في " لحم " الصورة، والاستسلام الكامل للحلم. ويبقي علينا أن نعرف هنا من يحلم ؟ وأين يحلم ؟ ومنذ كم من الوقت؟ أو بشكل آخر علينا أن نسأل ماهو أصل هذه الصور ؟..
أصلها ثلاثي: تلفزيوني وفلكي وتصويري. فالمكان والزمان التلفزيوني ينعكس في تجربة التسجيل المباشرللواقعة التي يحكي عنها الفيلم ، اثناء حدوثها في الزمن الواقعي، وتحكي عن رجل يقوم بعمله، أي تحكي عن زيدان الذي يشارك في مباراة يخوضها فريقه ريال مدريد في البطولة الاسبانية يوم 23 أبريل 2005 ، وتهبط عناوين علي الشاشة تصف تجربته علي أرض الملعب، وتقول لنا انه مستغرق في المباراة، الا انه لا يسمع هدير الحشد الانساني في الملعب، وأنه يستطيع أن يختار من بين ألاصوات، علي سبيل المثال، صوت انسان يتحرك في مقعده في المدرجات . وتبدو القوة التسجيلية للفيلم، في طريقة لعب زيدان، التي تبدو كما لوكانت رقصات غريبة ، تتراوح مابين السير اوالركض، وتظهر لنا زيدان هائما، وكأنه قد استسلم بنفسه لاحلام شخصية منفردة، تقطعها فترات من الركض السريع فجأة، او تبادل – في النادر - بعض الكلمات، مع لاعب زميل في الفرقة.
وهناك اذن أصلان يناقضان هذا الزمن الواقعي في الفيلم، ويتعارضان معه. حيث ان بعض التفاصيل توحي بمكان-زمن من نوع آخر فلكي، اذ ان بارينو المخرج يتبني في أغلب الأحيان وجهة نظر "الغريب " أو الشخص الآخر، لكي يغير من تصوراتنا عن العالم، ويحقن هذا العالم بالغرابة، ويضع هذه " الغرابة " في قلب العادي والمألوف.وهنا ومهما كان حجم اللقطة ، فان " العرض " يبدو لنا كما لو أنه " يشاهد " من علي بعد، وتظهر هنا اللقطات الكبيرة الواسعة باحجام غير محددة، كما لو أنها صورت من قمر اصطناعي، أو لقطات مكبرة مهزوزة لزيدان ،لابد أنها صورت بالفعل بكاميرا من كاميرات وكالة الفضاء الامريكية" الناسا " التي تتمتع بعسات زووم قوية جدا. ومن بين الاخبار التي نستمع اليها في فترة الاستراحةمابين شوطي المباراة ،اخبار فلكية تحكي عما يحدث فوق كوكبنا، فهناك " مزاد " لبيع سفينة نجوم، من جملة السفن التي استخدمت في فيلم " حرب النجوم "، وهناك استقبال لموجات بلازما، ثم يظهر عنوان يحكي عن حدث لاحق، ويؤكد علي أن التجربة المعيوشة ليست تجربة معايشة الزمن الواقعي، ولا نعد نتذكر اننا نشاهد في الاصل مباراة، الا حين نشاهد " شذرات " من تلك المباراة بين الحين والحين، وهكذا يعترض زمن التلفزيون أصل من نوع آخر. أصل بعيد، مستقبلي ، يزود الفيلم بمعامل جبري من الماضي، فاذا به يصبغ الاحلام بلون الذاكرة. هناك مخلوقات من كوكب آخر تشاهد انسانا تختلف طريقته في اللعب عن الآخرين، وهو يمارس هنا لعبة، يجهلون هم أنفسهم القواعد التي تحكمها. ان اجيالا من الخلف، سوف تتذكر بعدنا زيدان، وسوف تتذكر أيضا افلام الوسترن حين تعبر قطعان الابقار الوحشية أول لقطة من الفيلم في سحابة من الدخان، ونحن نسمع صوت حوافرتلك القطعان وهي تدور حول الفارس الكاوبوي، كما سوف نري زيدان في بعض الاحلام بالمصادفة وقد ظهر كما لوكان احد رعاة البقر الكاوبوي، فنراه وهو يسير تارة بمنأي عن القطيع الوحشي ، وتارة نراه يقود ذلك القطيع،اما باشارة من يده، أو بصرخة مخنوقة.
اما الاصل الثالث فهو تصويري ويشكل مكان-زمان البورتريه، وطريقة انتاجه بواسطة الفنانين بارينو وجوردون، حيث قاما بدعوة طاقم الفيلم التقني في اول يوم تصوير في الفيلم الي متحف البرادو في مدريد، للاطلاع علي لوحات الرسامين فلاسكيز وجويا، ويعطي الفيلم تصورا عن حلمهما الخاص، كرسامي بورتريه ، اذ يعيدان هنا ترتيب وتنظيم الصورة، كما يرتب فنان البورتريه لمسات الطلاء والفرشاة في اللوحة، للتعبير عن فكرته وفهمه للموديل.ان رسم بورتريه سينمائي في القرن العشرين، يعني ان تضع زمن التسجيل في محل زمن الوضع الثابت، حيث يتم تعليق العلاقة الشخصية المتبادلة بين الموديل والفنان، بواسطة تلقائية وآلية الكاميرا، باعتبارها أداة تخلص مزدوجة بحدين. فعندما ينتزع من الفنان وقت الوضع او الثبات، لايعد بقدوره التحكم في اشاراته او تعبيراته، فاذا به يضع في متناول عين الكاميرا الميكانيكية المادة الخام لعمله الاعتيادي، فنري زيدان عندئذ وهو يتنفس، ويبصق ويلعن، ثم فجأة يركض لا لشييء، وهنا يخضع رسام البورتريه لضغطين، حيث يكون ملزما من جهة بتقديم شذرات من مادة غير مكتملة، وهو يتظاهر بأنه يلعب لعبة زمن المباراة الاصلي.وعندما يسرع زيدان ويرواغ كل لاعبي الدفاع، لكي بمنح رونالدو الكرة التي سجل بها هدفه الثاني، يجد جوردون وبارينو نفسيهما امام معضلة: فاما التمسك بالبورتريه، ورفض "وضحية" او عيانية الفعل، او تعليق البورتريه عن طريق اعادة تقديم الحدث في شكل ريبورتاج، والواقع انهما قررا العمل في الاتجاهين، اي بالخروج من الصورة، للسماح باعادة البث التلفزيوني للحدث. وفي هذا الفارق يظهر المعني الاخلاقي اللااستعراضي لمحاولتهما، اذ انها تعتبرالمرة الاولي التي لاتهدف فيها المغالاة التكنولوجية الي تقديم عرض استعراضي لنفسها، بل تشتغل في صمت. ويظهر هنا كيف يتحكم عنصر الصوت، اكثر من عنصر الصورة ، في قواعد لعب الاصول الثلاثة، ويشكل حالة الحلم، من خلال تنوع الابعاد المكانية والزمنية. لقد كان امام جودون وبارينو مايفعلانه ليكون افضل بكثير من تثوير عملية تصوير كرة القدم في افلام. لقد اخترعا بالفعل صورة القرن 21 وجعلاها عملية حلم بالصور
..
فيلم : زيدان صورة للقرن 21
انتاج فرنسا. ايسلندا.2006
سيناريو واخراج: دوجلاس جوردون وفيليب بارينو
تصوير: داريوس خوندجي
مونتاج: هيرفيه شنيد
مكساج : توم جونسون
موسيقي اصلية : موجوال
انتاج: افلام آنا لينا ونافلاسترنجر
توزيع : يونايتد انترناشونال بكتشرز
مدة العرض : ساعة و30 دقيقة
تاريخ الخروج للعرض : 24 مايو 2006
عن مجلة " كاييه دو سينما " كراسات السينما الفرنسية الشهيرة
وباتفاق خاص بين مجلة " سينما ايزيس " والكراسات
انظر(النسخة العربية) في مجلة
كراسات السينما
CAHIERS DU CINEMA

ورش عمل أثناء العيد. عن مجلة كاييه دوسينما.كراسات السينما الفرنسية.CAHIERS DU CINEMA



الممثلة الفرنسية الجميلة اودري توتو.صحة السينما الفرنسية تحت الميكروسكوب


بمناسبة انعقاد مهرجان " كان " السينمائي 59 قدم المركز القومي للسينما في فرنسا كشف حسابه السنوي.خلف الصحة الطيبة التي يتمتع بها الحساب، هناك 4 ملفات ساخنة ، سوف تثير الكثير من الجدل،علي مدار نصف السنة المقبلة..


ورش عمل اثناء العيد

بقلم تيري لوناس.ترجمة صلاح هاشم.سينما ايزيس


يعتبر مهرجان " كان " السينمائي، اضافة الي كونه الموعد السنوي للاعمال السينمائية، نقطة التقاء للفاعلين الاقتصاديين والمؤسساتيين في العالم بأكمله، وفي هذا الاطار، طرح كشف الحساب السنوي للسينما الفرنسية، فأعلن المركز القومي للسينما في فرنسا عن المعطيات الخاصة، بمجموع القطاعات السينمائية، من انتاج وتوزيع ومعدلات الاقبال علي دور العرض، وكذلك مايخص قطاع القاعات،والمساعدات الحكومية ودور التلفزيونات وسوق الفيديو، ويمكن الاطلاع علي بيانات الحساب،في موقع المركز الاليكتروني. والملاحظ بشكل عام ان المعدلات في ازدياد، ومن حق المركز ان يبتهج بتلك النتائج، التي تكشف عن صحة طيبة، غير ان تلك النتائج تخفي في الواقع، بعض المشاكل الواقعية، التي نخشي ان تتطور وتتأزم، بمرور الوقت. ومن ضمن ورش العمل التي سوف تقام في " كان " ، علي هامش العروض، 4 ورش تناقش وتبحث في القضايا التالية : قضية تهميش انتاج أفلام روائية طويلة معينة، في حين ان معدلات الانتاج في فرنسا، حطمت كل الارقام القياسية، وقضية ترتيب الوسائط الاعلامية حسب الاهمية، بعدما صار يمكن الطعن في كرونولوجية الاعلام، وبخاصة بعد ظهور أساليب توزيع جديدة، و قضيةعروض " فيديو بالطلب " علي الانترنت، وماسوف يترتب عليها من نتائج، وقضية " الفن والتجربة " التي تعاني من عدم تحديد للمفهوم ذاته..
.
حقوق المؤلف.سيجولين تدهشنا
تري ماذا يتبقي من " كان " 2006؟ .سوف يتبقي اولا ،الموقف الغريب الذي تبنته السيدة سيجولين رويال، تجاه قضية حقوق المؤلف، الذي ادهش ، بل صعق له مجموع العاملين في مهنة السينما، والمجال السمعي البصري، ففي حين كان تم التصويت بالفعل، علي قانون لحماية حقوق المؤلف، وبدا في عيون الجميع محترما والي حد ما، اذا بالسيدة سيجولين، التي يمكن ان ترشح نفسها لرئاسة الجمهورية الفرنسية عن الاشتراكيين، تعلن في وقت متأخر، انها مع الرخصة الشاملة، اي ضد التيار،وعلي العكس تماما مع الموقف الرسمي للحزب الاشتراكي الذي تنتمي اليه. وهنا كان رد فعل الحزب فوريا، حيث قامت آن هيدالجو، المسئولة عن قطاع الثقافة في الحزب، بالدفاع عن الابداع الحر المستقل، الذي يواجه خطر المجانية. والواقع ان سيجولين كانت تدعو الي ان نكون عمليين أكثر، والي المزيد من الديمقراطية الثقافية علي الانترنت،التي تسمح بوجود شكلين لتحديد الاجور، اما بشكل مباشر، واما عن طريق مؤسسات الضمان التي ينتمي اليها المؤلفون.وقد أغلق الآن هذا الملف رسميا ، غير انه يمكن أن يفتح ،ويثير الجدل من جديد، اذا لم يستطع القانون الجديد لحماية حقوق المؤلفين، أن يعطل من حركة الاستهلاك غير القانوني للافلام، علي الانترنت..
2. لقد شعرنا في " كان " سواء كانت هناك رخصة شاملة أم لا ، بأن التحالف بين الصناعة السينمائيةن وشركات خدمات الانترنت يبدو ضعيفا، ويظهر هنا خطر تقديم عرض قانوني ما، حيث ان النجاح في الكفاح ضد قرصنة الفيديو علي الانترنت ، سوف يعتمد كليا علي مقدار جاذبية ذلك العرض. ويبدو لنا أن فيديو بالطلب VOD ، قد اندمج بشكل طبيعي الآن في كرونولوجية ، وعلي خارطة الوسائط الاعلامية، واثناء فترة انعقاد المهرجان، تم الوصول الي اتفاق مع شركات خدمات الانترنت، بحيث تعلن عن " خدمة فيديو بالطلب " بعد مرور 33 اسبوعا علي خروج اي فيلم في القاعات. ويري برونو تيبودو مدير التنمية في شركة كنال بلوس ان المهم ان لانرخص من سعر الافلام ويضيف : " ان المحطة التلفزيونية كمجمع للوسائط الاعلامية تدافع عن الابداع السينمائي من خلال عرضها لخدمات فيديو بالطلب، علي قناة " كنال بلاي " ، وليس في نيتها ان تقدم تلك الخدمة، ضمن حزمة الخدمات المعتادة الشاملة, التي تضم عادة خدمات الانترنت والتليفون والفيديو مجتمعة " . غير انه لايعتقد بأن شركات خدمات الانترنت الاخري مثل فرانس تيليكوم، او تي اف آن اي القناة الاولي الفرنسية الخاصة، او شركة جوجل ، يمكن ان تقف عند هذا الحد، وتكتفي بذلك. والمتظر مهما حدث، ان تشتعل حرب الاسعار، فتتمخض عنها نتائج مماثلة، للنتائج المنبثقتة عن الرخصة الشاملة، وتؤدي الي: فقر المؤلفين.. وفقر السينما. ويضيف تيبودو : " اننا نلزم الحظر بخصوص هذه النقطة، لكني مندهش من الاسعار المعلنة عن خدمات فيديو بالطلب الموجودة حاليا وعلي المنظمات المهنية ان تساعدنا وتظل محافظة علي حركيتها. ان الخطر الثاني الاساسي الذي يهددنا، هو تطور السوق الامريكي، الذي لاتهتم ممارساته بان تحدث انقلابا في المبدأ الفرنسي الملعون، الخاص بكرونولوجية الاعلام، ونحن نتساءل هنا تري هل يستطيع هذا المبدأ، أن يصمد مستقبلا امام التغييرات الهائلة التي تحدث علي مستوي التكنولوجيا الجديدة ( من ضمنها تجهيز القاعات بمعدات رقمية وتحرير الوسائط الاعلامية) ،وعلي مستوي تطور السوق( انخفاض مدة عروض الافلام في القاعات وانخفاض عدد الشاشات ) ؟. ان اكثر التجمعات المهنية رقة، تحبذ اجراء بعض التعديلات، في حين تدافع اكثرها عدوانية وهجوما، تدافع عن فكرة أن يستطيع المتفرج ان يختار " الوسيط " الذي يريد ان يشاهد عن طريقه الفيلم، في يوم خروج الفيلم للعرض..
.
عدد الافلام : التابو المالتوسياني
هناك قلة من المحترفين تستطيع أن تجهر علانية، بان ثمة افلاما كثيرة تنتج في فرنسا، لأن الحديث عن مسألة النمو الثقافي، تعتبر من التابوهات المحرمة، ومن يجرؤ علي الاعلان عن ذلك ، تلصق به فورا تهمة المالتوسيانية، ورغم ذلك نجد ان الانتاج السينمائي في فرنسا لعام 2005 وصل الي 240 فيلما بمبادرات فرنسية، وهو رقم قياسي تاريخي، بزيادة 37 فيلما عن انتاج العام السابق، وقد صرح وزير الثقافة الفرنسي في المهرجان، انه لن يقول ابدا بأن فرنسا تنتج افلاما بكثرة، علي العكس مما قالته مديرة المركز القومي للسينما، قبلها ببضع أيام في المهرجان، حيث هاجمت السياسة السينمائية، كونها سياسية أموية تكاثرية ، تحض علي انتاج المزيد من الافلام، ويلخص هنا مارك نيكولاس مدير معهد " الفيميس " السينمائي أبعاد القضية، فيقول : " نعم فرنسا تنتج افلاما بكثرة، بسبب وجود المنطق الصناعي التضخمي السائد، ويجب اعادة التفكير في المكانة التي يتمتع بها جزء من الابداع السينمائي الفرنسي، في فضاء انتاجي وتوزيعي مغاير، أي لايخضع لمقتضيات وحسابات التجارة، بدلا من أن نضع كل رغبات السينما علي كاهل اقتصاديات السينما.أعني أننا لابد أن نأخذ في الاعتبار ممارسات الهواة السينمائية التي اجد أنها ضرورية، بل وعلينا اختراعها. ويتساءل ميشيل جوميز المندوب العام لمؤسسة أ .ار.ب تري هل ننتج افلاما اكثر من اللازم في فرنسا؟ ويجيب بقوله : " من الخطورة ان نصيغ السؤال بهذه الطريقة.، فمن الواضح اننا لوساعدنا المنتجين، علي تطوير مشروعاتهم بشكل افضل، فسوف ينتجون افلاما أقل، وبما يكفي لبقائهم علي قيد الحياة. لايمكن التفكير في ان هناك شركات انتاج كثيرة في فرنسا. لاتوجد شركات انتاج كثيرة. لكن علي النقيض من ذلك، نجد ان الاجراءات الاخيرة الخاصة بدعم السينما ، مثل القرض الضريبي وسياسات التعاون القائمة بين الدولة والاقاليم الفرنسية، مسئولة ايضا ولو جزئيا عن اتهام السينما الفرنسية ب " شراهة " الانتاج. لأنها تسمح بانتاج الافلام الفرنسية، لكنها لاتسمح لتلك الافلام بأن تنتج في أطار افضل الشروط الممكنة. وكما يؤكد ايمانويل بورشير مدير مركز الصور، يلاحظ كما يقول أن " متوسط دعم الاقاليم – باستثناء اقليم ايل دو فرانس واقليم رون آلب – يكون عادة في حدود مبلغ يصل الي 80 ألف يورو، ولابد من رفع قيمة هذا الدعم، ليكون مؤثرا بشكل فاعل. ونحن نجد في اقليم الوسط مثلا، اننا نحتل المركز الثاني كممولين للافلام عموما، في حين ان المساعدة الماليةالتي نقدمها، ما هي الاجزء مكمل فقط من ميزانية انتاج وتمويل الافلام " . وتنبه ميلينا بويولو المنتجة في شركة تي.اس.برودكسيون الي نفس الشيء فتقول " يجب ان نعثر في كل مشروع علي الصيغة التي تمنحه " عالميته "، فبعد انتهاء احتكار شركة قنال بلوس التنويري للانتاج السينمائي، صارت القروض مفتتة، ومشتتة، ولم تعد الافلام تحصل بمجرد حصولها علي دعم المركز – بنظام "الافانس سور ريسيت " اي سلفة الانتاج التي تخصم لاحقا من ايرادات الفيلم او لاتخصم- لم تعد تحصل تلقائيا علي الدعم التمويلي الانتاجي، الذي تقدمه المحطات التلفزيونية وشركة سوفيكا. وصارت الافلام كمشروعات فنية واقتصادية، تعيش في عزلة، كما ان لجان دعم الافلام المنبثقة عن المركز او عن الاقاليم، ساهمت ايضا في استشراء حالةالتشتت والضياع العام. ولربما كانت الوفرة التي نعيشها في فرنسا، علي مستوي الوسائل المتاحة، قد أوقعتنا في شراكها . ويخلص سباستيان لو مرسييه، وهو منتج في شركة واي نوت الفرنسية الي أن : " هناك في فرنسا بدون شك اموالا ناعمة كثيرة- يقصد مساعدات سهلة ومتوفرة بكثرة – تجعل الافلام تدخل حيز الانتاج العملي بسرعة، لكن في ظروف جد متزعزعة، ولذلك اعتقد ان انتاج الافلام بكثرة هائلة يخلق نوعا من الجيتو، ويحدد مشكلة كوميونة السينما في فرنسا، وهي مشكلة صناع هذه الافلام، ومشكلة المتفرجين الذين يشاهدونها ايضا.
. قضية سينما " الفن والتجربة " : مجلس مراجعة..
ومن ضمن القضايا الملحة الجوهرية التي طرحت في المهرجان، قضية سينما " الفن والتجربة "، التي نوقشت في اطار ينبه الي ضرورة اعادة النظر من جديد في ذلك المفهوم، علي ضوء المعايير التي حددها المركز القومي للسينما، وهنا يقول برنار فافييه، مدير المجموعة الوطنية لسينما البحث " : " بالنسبة للقاعات، لاتوجد مشكلة افلام كثيرة. هناك فقط مشكلة برمجة الافلام، بشكل أفضل، واتاحة الوسائل الممكنة لحلها.وقد أعلن المركز اثناء انعقاد المهرجان، أعلن عن استعداده لاعادة النظر في التوصيات المقدمة من سينما " الفن والتجربة "، والعودة الي نظام يسمح بتقييم أفضل للقاعات، التي تتميز ببرمجة أصلية و فريدة من نوعها. وهو خبر جد سار، تسعد به تلك القاعات، والسينما عموما. " . دعونا نراهن علي أن ذلك سوف يسمح، بمشاهدة افضل لتلك الافلام، التي هي في أشد الحاجة الي ذلك، حتي تصبح احاديثنا تدور في نهاية المطاف، ليس حول عدد الافلام، وكثرتها، بل تدور حول تلك الافلام ذاتها..
عن مجلة كراسات السينما
CAHIERS DU CINEMA

قراءة في كتاب " نور الشريف الانسان والفنان " لعماد النويري. بقلم عواطف الزين

الاحتفال بنور الشريف الفنان الانسان في مهرجان الفيلم العربي في روتردام







قراءة في كتاب " نور الشريف الانسان والفنان" لعماد النويري
-------------
إطلالة بانورامية مهمة على مسيرة الفنان نور الشريف خلال اربعة عقود
بقلم : عواطف الزين

الفنان نور الشريف، يستحق ان نسلط الضوء على شخصيته الفنية والإنسانية , لان الفنان لديه، لاينفصل عن الإنسان , وتلك الحالة من الانصهار بين الحالتين، ميزت شخصية هذا الفنان ، سواء على صعيد العطاء الفني او الانساني ، فهو فنان محب لفنه يعطي بصدق، ويبحث عن الأدوار الغنية انسانيا ، والتي تحمل فكرة او قضية، او تدافع عن راي او مقولة، ومن هنا اكتسب الفنان تميزه، ليصبح نجما ساطعا في عالم السينما، له جمهوره الكبير، وحضوره الاكبر، وهو الفنان المثقف الذي يحظى باحترام الجميع
نور الشريف الانسان والفنان ، هو عنوان الكتاب الذي صدر مؤخرا عن نادي الكويت للسينما، للناقد السينمائي عماد النويري، وهو كتاب من النوع التوثيقي -التحليلي لمسيرة واعمال الفنان نور الشريف في السينما والمسرح والتليفزيون
ضم الكتاب بين دفتيه مجموعة من الأبواب، ضمنها الكاتب كل ما له علاقة بمسيرة نور الشريف الفنية الثرية
البداية
نقرأ في "صور من مخزون الذاكرة"مقاطع من بعض حوارات أجريت مع الفنان الى جانب ملامح من ذكرياته في مهرجان القاهرة السينمائي الثاني وكذلك في مهرجان مانيلا السينمائي وبعض لقطات من بداية نور والعقبات التي تعرض لها وكذلك النقد القاسي الذي واجهه في أول أفلامه والذي كان سيدفعه الى التخلي عن التمثيل نهائيا لولا تشجيع الفنانين حسن يوسف ونبيل الحلفاوي ثم تخطى نور هذه المرحلة وبدأت رحلة النجومية الحقيقية نحو الشهرة والمجد
ويستعرض الناقد عماد النويري في هذا الباب بإيجاز محطات رئيسية وأساسية من مشوار نور مع السينما من خلال عدد من الأفلام التي شكلت شخصية نور المميزة فيما بعد ويتحدث نور عن نفسه كممثل ردا على سؤال فيقول :
انا كممثل اقدم جهدي وعملي من خلال تبعية لبعض العناصر الأخرى ’على مستوى الاحتراف هناك حسابات كثيرة كي يحافظ الممثل على وجوده فترة طويلة هناك الالتزام الاجتماعي ليس مطلوبا مني ولا انا ارغب في تمثيل أي عمل يتناقض وقيم المجتمع الذي اعيش فيه
اما عن سر نجاح نور كممثل فيقول الكاتب ان الفنان ابتعد عن القوالب التقليدية واهتم كثيرا بدراسة الشخصية من كل النواحي
أهم أدواره
ثم ننتقل الى متابعة بعض ما كتبه النويري عن نخبة من أفلام نورمنها كتيبة الإعدام وهو من اخراج عاطف الطيب وقطة على نار" بيت القاضي "و ايام الغضب وجميع تلك المقالات سبق نشرها في جريدة القبس
وتحت عنوان ملامح البطل في سينما نور الشريف
يتحدث الكاتب عن انطلاقة نور الأولى في فيلم قصر الشوق حيث جسد الشخصية المحورية في ثلاثية نجيب محفوظ ثم دور البطولة المطلقة في فيلم "السراب "عام 70 وجسد فيه شخصية الشاب المدلل وتوالت أدوار نور المميزة عبر أفلام مثل زوجتي والكلب والكرنك ومع سبق الإصرار وحبيبي دائما" أهل القمة" والحب وحده لا يكفي" وغيرها من الأفلام التي بلورت شخصية نور السينمائية أكدت قدرته على التنوع في الأداء والتعامل مع كل شخصية على حدة وتقمصها بما يخدم السيناريو ويوصل الفكرة
مرحلة النضج
اما مرحلة الثمانينات فقد شهدت نضجا سينمائيا برز في مجموعة من الأدوار مثل فيلم العار" و ثم حدوتة مصرية" ليوسف شاهين والفيلم الرائع" سواق الأتوبيس "وهو من إخراج المخرج المبدع الراحل عاطف الطيب "واخر الرجال المحترمين "والصعاليك" والزمار"وزمن حاتم زهران ".

*اما مرحلة التسعينات ففيها نخبة من الأفلام التي تحاكي قضايا اكثر جرأة مما سبقها مثل فيلم" قلب الليل" والبحث عن سيد مرزوق" ودماء على الأسفل" اما الفيلم الذي اثار الكثير من الجدل والنقاش والرفض أيضا من بعض النقاد فهو فيلم "ناجي العلي " الفنان الكاريكاتوري الفلسطيني الذي اغتيل في لندن عام 87 ومن خلال هذه الأفلام وغيرها تنقل نور الشريف بين عدة مراحل وجسد عبر أدواره ملامح خاصة لادوار البطولة ويضم الكتاب أيضا بعض المقالات التي كتبها الفنان نور الشريف بنفسه في جريدة الأنباء الكويتية والتي تحاكي بمجملها الواقع السينمائي وطموحات الفنان على هذا الصعيد كما يضم الكتاب بعض آراء الفنان في كثير من القضايا السينمائية والحياتية
قالوا عنه
وفي باب "قالوا عنه" نقرأ مقالات لعدد من النقاد أمثال سمير فريد ,واحمد صالح ,ومحمد تبارك ,وعصام بصيلة, وحسن شاه, وفتحي العشري, وايريس نظمي ,وقصي صالح الدرويش, ولويس جريس,ونشير هنا الى الأديب العالمي نجيب محفوظ الذي قال لنور لدى قيامه بتجسيد شخصية كمال عبد الجواد في قصر الشوق "تعجبت جدا حين رايتك تمثل روايات ثانية ابعد ما تكون عن شخصية كمال او الشاب الذي يبحث عن أصوله وجذوره نجاحك في دور زعتر النوري في اهل القمة" ثم دورك" في الشيطان يعظ "كان ملفتا لنظري جدا لانها كانت بعيدة جدا عن مكوناتك الاساسية وحين اخبروني انك ستمثل اهل القمة فرحت وقلقت فرحت لانك نجم كبير وقلقت لان الدور بعيد عن مكوناتك لكن نجاحك دل على مرونة فنية وامتحان لقدراتك .
أعماله الفنية
كما يضم الكتاب "فيلموجرافيا" لكل افلام نور التي تبلغ 170 فيلما على مدى اربعة عقود بالإضافة الى اعماله المسرحية والتليفزيونية نذكر منها مسرحيات بعد ان يموت الملك "من تأليف صلاح عبد الصبور" العيال الطيبين" ست الملك" الفارس والأسيرة "كاليجولا "إخراج سعد اردش "الأميرة والصعلوك "من إخراجه ومسرحيات اخرى ,ومن اشهر مسلسلاته التليفزيونية القاهرة والناس, ابن خلدون, عمر بن عبد العزيز ,الحاج متولي, وعمر بن العاص ,وغيره
جوائز وأوسمة
وهناك قائمة طويلة من الجوائز التي حصل عليها الفنان نور الشريف بالإضافة الى الأوسمة وشهادات التقدير التي استحقها بجدارة ونذكر منها وسام الجمهورية في مجال الإبداع الوسام الثقافي التونسي الدكتوراه الفخرية من جامعة مديل بري في اميركا "وحصل أيضا على جائزة احسن ممثل مرات عديدة من مختلف الجمعيات السينمائية والمؤسسات الخاصة والمهرجانات العربية والدولية.
مرجع فني
لا بد من الاشارة أخيرا الى ان كتاب نور الشريف الإنسان والفنان يمكن ان يشكل مرجعا شاملا لمسيرة الفنان لدى من يهمهم الآمر من فنانين ونقاد وجمهور وقد صدرالكتاب بمناسبة الورشة السينمائية التي أقامها نادي الكويت للسينما في شهر ابريل الماضي والتي اشرف عيها أدارها الفنان نور الشريف ,

عواطف الزين