الخميس، مارس 09، 2006

أفلام في طريقها اليك : " دردمات " للمخرج العراقي سعد سلمان



مثل قصيدة عن " الأرض الخراب "

فيلم " دردمات " للمخرج العراقي سعد سلمان : الحزن مثل برميل بارود

باريس: كتب صلاح هاشم

من أجمل الأفلام العربية التي شاهدتها حديثا في عرض خاص، فيلم " دردمات ", وتعني باللهجة العراقية" همسات"، للمخرج العراقي المتميز سعد سلمان، فيلمه الروائي الطويل الأول, الذي اعتبره " فاتحة " في السينما العراقية الجديدة. " فاتحة " تمثل " نقلة " فنية ونوعية مهمة، و" قطيعة " مع السينما الروائية العربية التي هلكتنا بأفلامها الركيكة التافهة،وثرثراتها المملة المكررة المعادة، وهو من هذا المنظور، يطرح بعض سمات سينما المستقبل الرقمية الجديدة، في صنع صورة تشبهنا، ويحفر لمسارات سينمائية جديدة..
يحكي " دردمات " عن ثنائية الموت والحياة ، الخير والشر، السكون والحركة ، الظلام والنور ، الفعل واللافعل، ويضعنا بموضوعه وتوهجه الفني في قلب محنة الإنسان العراقي اليوم، ومأساة شعب وأمة، ومن خلال " دردمات " التي هي تمتمات، ووشوشات، ووسوسات ايضااقرب ما تكون الى همس الجنون, ينسج " مرثية " للحاضر المشوش، وذاكرة وماضي العراق، وكل تلك الأشياء التي احترقت في وضح النهار. مرثية تطرح من خلال الفيلم العديد من التساؤلات الفلسفية والوجودية المهمة. مرثية للكيانات المنسلخة التي لا تجد لها ذكرا، لا في سجلات الأحياء والموتى والمفقودين, وتدعونا إلي قراءة متمهلة علي ركام أنقاض الحاضر العراقي، وعبثيته...
يصدمنا "دردمات " للوهلة الأولي بفكرة موضوعه، التي يوظف لها سعد سلمان فترة الحبس الطويلة التي قضاها في سجون بلده العراق, ويكرس للفيلم كل تلك الخبرات الفنية والسينمائية العديدة التي اكتسبها في غربته ( أكثر من ربع قرن في المنفي الباريسي ) ، وبدلا كما في جل الأفلام الأولى ، بدلا من أن يحكي لنا عن ذكريات طفولته، وحنينه إلى سعادة تلك الأيام التي انقضت، يقدم لنا فيلما لا يقول فيه من فضلكم أحبوني، بل يقول فقط من فضلكم افهموني، أي يكرس فيلمه، ومنذ أول لقطة في الفيلم، لأن يكون " أداة تفكير " في مشاكل الواقع العراقي الآن وتناقضاته، بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق، ويتساءل عن حال بغداد وأناسها، ويجعلنا نأسى معه علي عراقه، الذي اختفي فجأة من الوجود، والحاضر المجهول..
يحكي سعد سلمان في فيلمه ذاك الأثير, ويدردن، فيرسم صورة للإنسان العراقي تحت وفوق الأرض، الجلاد والضحية ، ثم يخرجهما من تحت الأرض, ويسير معهما في شوارع المدينة ويتفرج علي ذاكرة الخراب ويدردن علي إطلاله بحزن واسي تنفطر لهما اعتي القلوب غلظة..
يحكي سعد سلمان عن عراق اليوم، العراق الذي نجهله، ولا يرحم أحدا في انتقاداته، ولا من سخريته التهكمية, ولا يقبل أن يساوم أو حتى يرحم نفسه.فيرسم صورة بالغة القسوة للعراق، كما في مسرحية لبيكيت او بانجيه أو يونسكو من كتاب مسرح العبث، تصدمنا برعبها، تحت وفوق الأرض. صورة للعراق الجديد الوليد، تحت جسر حجري يعبر نهر دجلة, ويقينا سوف تجد سعد سلمان هناك علي حافة النهر ، وقد راح يدندن أغنية حزينة مع النهر عن أناس بلا أوطان في الوطن, من غربتهم حتى تحت جلودهم في الوطن الأصلي، ويشكو لحبيب..

العراق : مقبرة الإحياء

يبدأ الفيلم تحت الأرض، داخل قبو مظلم، داخل سجن اقرب ما يكون " مقبرة " للأحياء، ونتعرف علي السجان " جبار "، جلاد برتبة عريف، يمارس طقوس التعذيب اليومية العادية والترهيب والقتل، كما نتعرف علي الأستاذ زهير الضحية، المعلم المثقف العراقي، ضمن مئات الألوف من المثقفين والمعارضين لنظام صدام حسين ،الذين القي بهم في الحبس لسنوات طويلة، وعاشوا أهوال الرعب الذي لا يوصف، واعتي أشكال التعذيب والتنكيل في سجون العراق..
ونتعرف علي جبار ومحنته، بعد أن انقطع التيار الكهربائي الموصل بالقيادة, فيروح جبار يفتش عنه بين الأسلاك الهائجة، ويصرخ في الميكروفون ملتاعا، وإذا به حين يتفقد غرف الضباط الكبار الممنوع دخولها علي حثالة الجلادين المتواضعين من أمثاله، يجدها خاوية علي عروشها داخل ذلك السرداب المرعب تحت الأرض، فيروح يركض بين طرقاته مثل عفريت، ويضحك كالمجانين، ويرعبنا..
ويكتشف جبار إن قيادة السجن لاذت بالفرار، بعد دخول القوات الأمريكية العراق، وسقوط نظام صدام حسينن، وتركته وحده مع ذلك السجين في عهدته، الأستاذ زهير، ولا يدري ماذا يفعل به. مستحيل أن يتركوه وحده مع هذا الأستاذ الذي كان يتحدث دوما لنفسه في السجن، ويدردندن لحاله ولا من يسمع. ظل المسكين يدردندن لنفسه في الحبس أكثر من ثلاثين عاما، ولم يلتفت إليه أو يسمعه احد..
يصرخ جبار ملتاعا هل يسمعني احد ؟ ، ويروح كمن دفن حيا، يزعق من داخل السرداب أو بالا حري من داخل ذلك" التابوت " المخيف الذي يضمه والأستاذ زهير في محنتهما، يزعق أن ألحقونا..
ويبرع هنا سعد سلمان في رسم أجواء الرعب الذي يعيشه المسجونين والذي خبره هو سعد سلمان بنفسه، ما بين حال الجلاد وحال الضحية ، وينهل من تجربته الشخصية، ويوظفها باقتدار في فيلمه،
بل يتلبس دور الأستاذ زهير، ويمثل الدور بنفسه، لكي يحكي عن رعب وعذابات الحبس في ظل حكم صدام حسين، والأهوال التي عاشها..
يحاول جبار الاتصال بالقيادة لأنها الوحيدة التي تستطيع أن تخلصه من ورطته..
ويحاول أيضا التفتيش في أسلاك الكهرباء عن السلك السر، الذي يوصله بها.. لكنه يفشل في كل محاولاته، ويتهكم علي تلك العبارة المكتوبة علي الجدران، من إن الاتصال سوف يظل بحمد الله باقيا مع القيادة، علي الرغم من كافة المؤامرات الصهيونية..
ويخبط جبار ذلك المذياع الذي لا ينطق في الليل، فلا تخرج منه إلا تلك الأغنيات والترهات التي غربتنا في حياتنا، وتنادي جميعا بحب الوطن، ويستمع إلي أغنية للمطرب الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم، يعلن فيها عن حبه لعمرو موسي، وإعجابه بمبارك، وكراهيته لإسرائيل وشارون..
ثم إذا به يعي فجأة، من خلال البيانات العسكرية المذاعة، أن نظام صدام سقط،، وان العراقيين يضربون تمثال صدام حسين بالأحذية و القباقيب والشباشب في الشوارع، وان القائد الملهم اختفي فجأة، بعد دخول القوات الأمريكية العراق، وهي حيلة إستراتيجية عبقرية كما يقول المذيع العراقي، أراد بها صدام سحب القوات الأمريكية إلى داخل العراق، ثم تحويطها قبل القضاء عليها..
يصحو الجلاد علي حقيقة مرعبة: إن القيادة تركته هو والأستاذ زهير في الحبس تحت الأرض، وهربت بجلدها, ولا يخطر علي باله أبدا إطلاق سراحه..
لكن إن أطلقه ، فبشرط أن يكون مثل سيف تحت رقبة الأستاذ زهير، وكابوس يطارده في صحوه ومنامه، وأينما راح يتفقد عراق اليوم في الشوارع والميادين، وهو يرطب حلقه بكأس من عصير الرمان، ويحمل دوما جلاده في أعماقه، تحت الجلد ، والي آخر الزمن، في غربتنا..
وهنا تتحقق " ثنائية " الجلاد والضحية، ومعها الثنائيات الفرعية الفنية المتشابكة في النسيج الروائي للفيلم، وعبر مساره وتطور أحداثه، لكي تجعل من بطلي الفيلم " ذاتا " واحدة و" كيانا" مشتركا، مثل حبة أو فولة انقسمت إلى نصفين. يصبح فيها الجلاد جبار هو الأذكى، مثل ذلك الوحش الذي يسكن داخلنا، ويحتال علي الحياة بأية طريقة، لكنه يحبسه في قمقم، فلا يصبح فقط مجرد شبح يظهر للأستاذ زهير ويختفي، بل قطعة من كيانه ودمه ولحمه..
يصبح طرفا لا يمكن بتره، أو الاستغناء عنه، وكابوسا ينام معه في الفراش..
ويخرج الاثنان – الذات الواحدة- الجلاد والضحية إلى النور ويظهران فوق الأرض
حانت لحظة الخروج والالتقاء بحاضر العراق اليوم، والتفاعل مع ذلك الواقع الجديد بدماره وضياعه، بمأساته وعبثيته..
يتكيف الجلاد جبار بسرعة مع واقع العراق الجديد، فيخرج بعربة كارو يجرها حمار غلبان، ينهال عليه ضربا، لكي يبيع " غاز " العراق في السوق السوداء في الشوارع، وفي آخر النهار ، يروح يعد النقود التي كسبها، علي أصوات وفرقعات الرصاص،ويتمني أن تقع ل" كهرب " كما يطلق علي حماره حادثة، فينال عنه اكبر تعويض، كما يظهر جبار للأستاذ زهير في الخارج ويبدل من مظهره..
نراه تارة في ثوب عربي من علية القوم، وتارة أخري يصبح أصما أبكما يجادل بالإشارات، ويتغير مع متطلبات الواقع الجديد في عراق اليوم..
يحتال علي الجميع ، ويسرق كل شيء، أي شيء، ويتبدل مثل الحرباء، ويظهر في احد مشاهد الفيلم في هيئة سائق تاكسي، يحمل الضحية الأستاذ زهير إلي مكان مجهول،وهو يردد علي مسامعها إن كل أيام العراقيين صارت كربلاء ، ومأتما من الحزن. طقس اليوم العادي.

جلادون في كل مكان ووقت

علي الرغم من إن شخصية الجلاد التي رسمها سعد باقتدار في " دردمات " ترعبنا، وبخاصة في المشاهد الأولى من الفيلم، داخل ذلك السرداب المظلم المرعب، إلا أنها مع تطور أحداث الفيلم تجعلنا نعجب بذكاء جبار وفطنته، ونفهم من كلامه إن الجلادين سوف يكونون في كل مكان وكل وقت، وعلينا إلا نقع في وهم، انه لو سقط جلاد فلن يظهر جلاد آخر, وهذا هو أول درس سياسي في الفيلم، من منظور انه يجب النظر إلى العراق اليوم، من زاوية أن بلدا أنجب جلادا مثل صدام حسين، يستطيع أن ينجب جلادا آخر في أي لحظة..
ونترك جبار وحماره وقد راحا يستمتعان سويا بأكل البطيخ تحت شجرة، ويتبادلان الرفس والحكايات ،ونعود إلى الأستاذ زهير، وما فعله بعد إطلاق سراحه، وخروجه من ظلام القبو..
يبحث الأستاذ زهير عن ذلك العراق الذي تركه، والمدينة التي أحبها، تحت ركام الدمار والدم والأنقاض،.. ويسأل أين الحدائق والدور والزهور،..ويروح يهيم علي وجهه كالمجنون..
يكتشف إن لا اسما له في سجلات الأحياء والموتى والمفقودين، ولا يستطيع موظف الأحوال الشخصية العراقي أن " يخترعه " من جديد..
يسأل أين مدرستي الجميلة التي كان شباكها يطل علي النهر, ولماذا أغلقوا بالمتاريس بيت جدتي، وكيف تصير بلدية بغداد أنقاضا، وتذهب أوراقها الضائعة بماضي الناس الجميل، وسجلات حياتهم وتاريخهم وذاكرتهم..
أين سينما الخيام ،ورياض بغداد, ومن أين أتت كل هذه السيارات التي تزدحم بها الشوارع، وتصيبك بدوار الرعب والعبث..
يتجول الأستاذ زهير في أنحاء المدينة المهانة المعذبة، ويسأل أين الحكومة والنظام والدولة ، ويجيبه احدهم إن الحكومة ما شاء الله، ربما كانت تقف عند ناصية أول شارع علي اليمين..
لكن أحدا في بغداد لا يعرف بالضبط أين الحكومة، و لماذا يجري الحزن مثل شلال في طرقات المدينة..
من أين يأتي كل هذا الحزن، يسأل الاستاذ زهير، ولماذا يتطلع الناس هكذا مذهولين، وقد فقدوا طاقتهم علي الحراك، في أجواء الصخب داخل الشوارع، والطرق فيها علي الصفيح يكون موجعا مثل الخبط علي الدماغ، ومازالت تلك الرؤؤس الذبيحة يجري منها الدم.ألا يستطيع المرء أن يدردن بهمس الجنون في تلك الأرض الخراب ، من دون أن يزعجه احد؟. ماذا وقع للعراقيين، ومن أين يأتي كل هذا الحزن؟
يجعلنا زهير في تساؤلاته نتفرج على العراق اليوم، ونتألم لحال الحزن في الشوارع، ونتأسى لغربتنا نحن أيضا.غربتنا داخل مسام الجلد، في حضرة نساء مثل نساء بغداد اللواتي يتلفعن بالسواد والحزن والأسى..
حزن اسود من نوع آخر. ليس مثل الحزن الذي يطهر الروح، بل حزن سام، يسري داخل الدم، وينخر في أرواحنا، إلى أن ينفجر مثل برميل البارود في وجوهنا ، في آخر لقطة يختم بها سعد سلمان فيلمه.
بعدما يكون الأستاذ زهير تفقد تلك الأحياء المنكوبة في بغداد، بالقرب من دجلة الخير, اكتشف إن كل شيء تغير في المدينة، ولا توجد بها امرأة واحدة جميلة، فيذهب الى قبر حبيب، ويدردن مع نفسه هناك.
ويصل الفيلم إلى ذروته- لحظة التنوير النهائية، عندما يلتقي الاثنان الجلاد والضحية في محل مرطبات، ويتعرفان لأول مرة علي ذاتهما المشتركة, ذات الإنسان العراقي في المرآة..
وتتحقق هنا قمة الفيلم، عبر تلك المواجهة، وتنفجر حقيقتها في وجوهنا مثل برميل بارود, ويلمع هنا الفيلم ويتوهج بسحر الفن مثل ماسة، حين لا يصبح أمام الأستاذ زهير، بعد أن فقد كل شيء، لايصبح أمامه إلا تأمل مياه النهر الذي أحبه في الليل ،لكي يسمعنا أغنية العراق الجديد الحزينة،ويسأل متي باترى ينتهي الليل ؟مات العراق. عاش العراق الجديد..

يحقق " دردمات " إضافة جديدة علي سكة السينما العربية الجادة، التي تحاول أن تبلور مشروعا ومنهجا وترسم خطة عمل، لصنع صورة تشبهنا، من خلال السينما.ويؤسس ربما لتيار سينمائي يحمل هو بذاته نموذجا وموديلا له، في صنع سينما تنهل من مصدرين أساسيين: تاريخنا وذاكرتنا، وتحكي من خلال " دردمات" أو الأعمال السينمائية المماثلة، تحكي عن تجارب حقيقية واقعية، ومغامرات خضناها، وتاريخ عشناه، وهي تجرب وتبتكر، ولا تحكي عن تجارب مفبركة ووهمية، بمتبلات الفيلم الروائي العربي المعتادة المتهالكة التي عفي عليها الزمن..
تجارب تمزج الشخصي بالعام، وتستفيد من تجربة العمل بالفيلم التسجيلي وإضافاته، وتشحنها وتوظفها لخدمة الروائي، مثل الأفلام المذكرات الشخصية التي يصنعها ناني موريتي في ايطاليا، وعباس كيارستمي في إيران، وتمزج الشخصي باللا شخصي، وتأخذ من التسجيلي لتغذي الروائي..
تجارب مثل " دردمات " تعصر همومها في أفلامها، وتجعلها تساؤلات عن الروح الحقيقية، و ما هو ابعد من المظهر والسطحي والعام..
أفلام تذهب إلى ما هو ابعد من الواجهة, وتواجه الواقع بقوة ، وتؤسس ل" ذاكرة " ما. ذاكرتنا نحن الشخصية ( سؤال الهوية الإنسانية " الآن في اللحظة) لنتعرف على ذواتنا ، والأشياء التي تجعل الحياة جديرة بان تعاش..
أفلام كما في " درمات " تخرجنا من تحت الأرض، لكي تقذف بنا في الطريق العام، وتضعنا في مواجهة الحاضر، ولا تخشي محاسبته، و محاسبتنا من دون شفقة ولا رحمة..
وكما في " دردمات " تمثل قطيعة مع سينما مهيمنة وسائدة، وتتصدي بقوة لمواجهة الهراء العام والمشاركة في كنسه..
سينما كما في دردمات لا ترأف بحال احد، ولا حتى صانع الفيلم.
يوظف سعد بحبكة وحنكة، السؤال الشخصي في النسيج العام، ويشبك التسجيلي بالروائي فيصير " دردمات " تكملة بشكل آخر لفيلمه الوثائقي الأثير " بغداد أون أوف " إذا يرحل في الفيلم الأول إلى العراق بعد ثلاثين سنة من المنفي في فرنسا، لكنه لا يصل إلى بغداد، وفي " درمات " يصل عبر الروائي إلى بغداد، ويطلع علي حالها..
ويؤكد بفيلمه الجديد، إن الأفلام الديجيتالية الرقمية الصغيرة، لا تحتاج إلى ميزانيات كبيرة لصنعها وتحقيقها، لان حجر الأساس والمهم في الفيلم، هو القضية التي يتبناها، والأشياء التي يحكي عنها،
ويأتي بعد ذلك سؤال كيف توفر المخرج علي صنعها, لكي نحمل في ما بعد الفيلم داخل وجداننا ونتجول به ، وقد صار قطعة منا..
في " دردمات " نري أشياء كثيرة من ذلك. نري كيف استطاع سعد سلمان أن يصنع فيلما كبيرا بإمكانيات متواضعة،وفي ورشة العمل والصياغة الفنية حقق عدة انجازات وابتكارات تكشف عن مخيلة سينمائية مبدعة.يظهر ذلك من خلال " الحلول " الفنية التي ابتكرها علي مستوي جماليات الشكل، في محاولته الإجابة علي سؤال فني عويص : كيف يتوفر لأحد صناعة وإخراج فيلم روائي داخل سرداب, وكيف يحل مشكلة المكان داخل زنزانة الحبس ؟. تكون الإجابة بابتكارات الفن المدهشة، ومن ضمنها اشتغال سعد في " دردمات " على شريط الصوت ، واعتماده على ممثلين غير محترفين في الفيلم..
وكلها ابتكارات تمثل " قطيعة "، مع منجزات السينما القديمة التقليدية التجارية وأساليبها..
تحية إلى سعد سلمان على فيلمه الجميلن ولعله يكون " فاتحة " سينما عراقية روائية جديدة
تنهض من قلب الدمار والنار واللهب مثل العنقاء وتولد من جديد.سينما مهمة وضرورية، إذ تستلهم من تاريخنا وذاكرتنا, وتوظف السينما كأداة تساؤل، واستكشاف متجدد دوما للحاضر.
سينما لا تكتفي بان تكتب علي الجداران.... عاش العراق الجديد، بل تقوم تنهض وتساهم في بنائه..
وعندئذ فقط سوف ينتهي ليل العراق الطويل، بضياعه.. ومأساته.. وحزنه.
" دردمات " فيلم شهي.
عن " ايلاف
elaph.com