التفكير المعاصر في "السينما " و " مشكلات " الانسان علي الشاشة
يقدم الناقد السينمائي اللبناني هوفيك حبشيان هنا قراءة مهمة في واقع السينما في لبنان، تطرح في ماهو ابعد من حدود المجتمع اللبناني بكل متناقضاته، اشكاليات السينما العربية بشكل عام ، السينما الاخري التي نريد ان نصنع، لتكون " صورة " بالفعل تشبهنا، في مواجهة البضاعة التلفزيونية، ببرامجها ومسلسلاتها التافهة العقيمة -كلام في كلام ، وافلام السينما التجارية " الزبالة " التي تعمل علي ثبات الاوضاع والحكومات والانظمة، وتروج للهراء العام. ذلك الهراء الذي صار في مجتمعاتنا العربية، السمة الغالبة في جل انتاجات الصورة العربية.انها قراءة تحدد ايضا خطوات الطريق الي المستقبل انطلاقا من الحاضر، لصنع سينما جديدة بالفعل وليس بالكلام، وحتي من دون تصوير وكاميرات. انها دعوة الي ان نكف عن دوار الكلام، ونصنع ب " الفعل " السينما التي تشبهنا - كما نصنع نحن " سينما ايزيس " - بما تيسر
صلاح هاشم.سينما ايزيس
بيت بمنازل كثيرة
بقلم : هوفيك حبشيان
أن نصوّر في لبنان
نعجز حالياً، كلبنانيين، عن انجاز الافلام التي ترضي ذائقتنا. بات بلوغ هذه السينما في ظلّ الاوضاع الراهنة، من المستحيلات، لأن ذلك خاضع لارادة السلطات ولمصالح جهات متعددة يتنازع بعضها مع البعض، في بلد حافل بالتناقضات. اذا أضفتم الرقابة البدائية التي تمارسها الدولة على الإنتاج الفني، وتعجرف المشاهدين الذين لا يروقهم أي شيء، فضلاً عن اصابة الفنان بالارتباك جراء تحايله على القيود وتعرّضه للإهانات المتكررة، فإن إنتاج شريط عن المعضلة اللبنانية أشبه تالياً بالمستحيل، حتى إشعار آخر. تماماً كحال الوضع اللبناني الذي تستحيل إدارته بالتي هي أحسن.برغم الثوب الغنائي الذي يكتسيه هذا التشبيه، بات من الواضح أن السينما سلاح دمار شامل لا يروق الطبقة الإجتماعية المهيمنة، لأن هذا السلاح سيشهر في وجهها وسيكشف النقاب عن حماقتها. وهذا ينسحب على غالبية البلدان العربية التي تتبع أنظمة شمولية، ويفوز رؤساؤها في الإنتخابات بنسبة 99 في المئة من أصوات الناخبين.لكن الكلّ يعلم أن الموضوعات الصالحة لانتاج الأفلام، متوافرة في لبنان ولا سيما بعد خضوعه للهيمنة السورية طوال ثلاثة عقود من الزمن، والتي أمتهنت كرامة شعبه بأكمله. لكن هل هذا كله يعني انه ينبغي لنا أن نمتنع عن التصوير وأن نحوّل اهتمامنا إلى ميادين أخرى؟ لا أستطيع الرد مباشرة على هذا السؤال كوني عاجزاً عن تحليل الحوادث المحيطة بي تحليلاً حياديّاً، وخصوصاً أننا نعيش في حال من البارانويا، وان كل حكي عن السينما يدخل في خانة العبثية، في حين لا يسعنا السير في الشوارع من دون التعرض للتفتيش والخضوع للمراقبة. فهل في إمكان مشتبه فيه يخضع للاستجواب والمراقبة والملاحقة أن ينتج أفلاماً؟ لطالما ظننت أن الناس الشرق أوسطيين أمثالنا الذين يضيقون بأعمال العنف والحماقات المرتكبة، لا يحتاجون بعد الآن إلى الخيالات الواسعة لأن الواقع المرير يشكل مرتعاً خصباً لأعمالهم الفنية. أصبحنا في الوقت عينه ممثلين ومخرجين ومشاهدين لهذا الفيلم الوثائقي الطويل الذي يغيب عن ذهني أسماء منتجيه. هل ينبغي طلب المزيد؟ على المفكّرين الكثيري التساؤل أن يطرحوا السؤال الآتي على أنفسهم: هل السينما أكثر أهمية من الحياة؟ هذا السؤال شغل تروفو طوال حياته، وهو يكتسي طابعاً بالغ الأهمية في هذا السياق، وينبغي لي أن أجيب عنه بثلاثة أجوبة متتالية ومتشابهة: نعم، نعم، نعم! أمام عدسة الكاميرا، في وسعنا أن نضفي طابعاً من ذاتنا وأن نصوّر الحياة اليومية، لا كما نراها، بل كما نحلم بها! أظن أن السينما هي المجال الوحيد الذي لا يزال يمكّننا من تعديل الحقيقة. تذكروا أن "السينما أكذوبة تقول الحقيقة"، لكن انتبهوا: ينبغي ألا يتحول المخرجون منافقين ومؤلفين للأساطير، بل ينبغي أن يحموا الاقليات من الاكثرية. اذاً، يكمن التحدي الأكبر اليوم في عدم تلفيق الأكاذيب، وإن كنا نلجأ إلى هذه الوسيلة من فرط حبنا للسينما. ينبغي ألا نلفّق الأكاذيب التي ألّفها الآخرون، أو بالأحرى، ينبغي ألا نلفق الأكاذيب على أنفسنا. علينا ألا نكون خبثاء أو منفصمي الشخصية، لكن ينبغي ألا نعقد الآمال الكبيرة على هذه السينما، لأنها ليست في تقاليد المجتمع اللبناني. ينبغي أيضاً ألا نخدع أنفسنا. نحن لا نعرف كل أسرار السينما، إذ لطالما كنا منهمكين في اكتساب مهارات أخرى. تعلمنا كيفية استخدام أسلحة أخرى. لنكن صريحين: الصورة هي وليدة فعل، أما الكلمات فما هي إلا وعود. لسوء الحظ، تعوّد الناس في المجتمع اللبناني مشاهدة البرامج ذات الثقافة المتدنية، وأن لا تقترن الأقوال بالأفعال. لكن كيف يمكن إعادة المجتمع اللبناني إلى الجذور؟ كيف يمكن إقناعه بأنه في البدء كانت الصورة، وان كل كلمة هي نتيجة صورة؟في انتظار حدوث تغييرات جذرية، ينبغي للمخرجين المهمشين في بلادنا أن يتدبروا شؤونهم بما يتيسر، وأن يكفّ بعضهم عن السعي جاهداً إلى تسلق السلالم والسجادة الحمراء في "مهرجان كانّ". بل عليهم تصوير الأفلام حتى من دون اللجوء إلى كاميرات التصوير، إذا استدعت الضرورة ذلك،. لا شيء يناسب الخيال المبدع إلا الأفلام التي يتم إخراجها وتُكتَب السيناريوات الخاصة بها في الأذهان! ليت المخرجين يتنافسون لإظهار أوجه الشبه، لا أوجه الاختلاف فحسب، بين الشرق والغرب! ليتهم يحاولون القضاء على الاستبداد ويتطرقون إلى الممنوعات (السياسة والدين والجنس) كي لا يصبحوا عديمي الجدوى، على غرار الأموال التي تأتي إلينا من بلدان الخليج، وتشوه الحقائق وتسلب اللبنانيين انسانيتهم!لكن ألا ينبغي لنا أن نعرف ماذا نصوّر؟ منذ نهاية الحرب اللبنانية التي بدأت عام 1975، انقسم المخرجون فئتين حيال هذه الحرب، فالبعض رغب في عدم استحضار ذكريات الماضي، أما البعض الآخر فحاول إستعادتها مراراً وتكراراً، معتبراً أنها حافلة بالروايات المثيرة. على أي أساس يمكننا إلقاء اللوم على البعض وعدم إلقاء اللوم على البعض الآخر؟ أليست الأعمال الفنية وليدة خيارات وقرارات؟ في معرض الحديث عن الأزمنة الحاضرة، ألا نأتي أيضاً على ذكر الأزمنة الغابرة، والعكس صحيح؟ تبقى مسألة العلاقة بالآخر. يجب أن تساهم الأفلام في إذاعة صيتنا في أنحاء العالم، وفي تعريف المجتمع العالمي الينا. عليها أن تعمد إلى محو الصورة الراسخة في أذهان الغربيين القليلي الانفتاح جراء مشاهدتهم اليومية للبرامج المبثوثة على قنوات التلفزة. تكمن أهمية السينما في أنها تعيد إلى المواطن الصوت الذي خسره خلال الإنتخابات، وترفعه إلى مكانة المواطنين خلافاً لوسائل التعبير الاخرى التي تضعف مكانته. فحين تبوح السينما بما يجول في خاطرنا سراً، بنبرة غير تعليمية وغير مثيرة للملل، ومن دون تعصب وطني، في إمكانها حينئذ الإدعاء بأنها ذات دور بارز. وفي حال عدم حصول ذلك، ستظل الأفكار المتعلقة بالسينما في أذهان الأقلية من الفنانين، من دون جدوى أو أهمية
عن جريدة " النهار " اللبنانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق