الاثنين، سبتمبر 25، 2006

سينما المقاومة عند ايليا سليمان تبدأ من سؤال الهوية . صلاح هاشم



سينما المقاومة عند ايليا سليمان
باريس- صلاح هاشم
من أجمل الافلام التي عرضها مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 22، فيلم " يد الهية " للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان، الذي حصل به علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان " كان السينمائي الدولي، وكان المهرجان نظم خلال دورته المنصرمة في الفترة من 5 الي 10 سبتمبر، تظاهرة خاصة ب " سينما المقاومة " ، عرض فيها الي جانب الفيلم المذكور مجموعة كبيرة من الافلام التي تحمل طابع المقاومة : مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ومقاومة الاستبداد بكافة اشكاله وأساليبه، من ضمنها فيلم " كفر قاسم " للبناني برهان علوية ، و " المخدوعون " للمصري توفيق صالح ، وفيلم " عرس الجليل " للفلسطيني ميشيل خليفي وغيرها، كمانظم المهرجان ايضا ندوة "حول سينما المقاومة " حضرها المخرج اللبناني المتميز جان شمعون الذي عرض له المهرجان فيلمه التسجيلي الطويل " أرض النساء "، وبمشاركة مجموعة من كتاب ونقاد السينما، وربما كانت هذه الندوة، بالجمهور الواعي الذي استقطبته، والمحاور والقضايا التي ناقشتها، من أهم أحداث المهرجان في دورته 22
في هذا الحوار الذي اجرته مجلة " تليراما " الاسبوعية الفرنسية، التي تعد الاكثر توزيعا في فرنسا، يتحدث المخرج الفلسطيني ايليا سليمان، وبمناسبة اختياره عضوا في لجنة تحكيم مهرجان " كان " الثامن والخمسين، يتحدث عن سينما المقاومة، ويوضح مايعنيه عندما يقول ان الفلسطيني يمكن ان يكون اي انسان، في اي بلد، ولايعني بالضرورة ان يكون من مواليد فلسطين او حاملا للجنسية الفلسطينية،كما يتحدث عن مفهومه لسينما المقاومة التي لاشك عنده تبدأ من طرح سؤال الهوية ، ولقد ارتأيت أن اترجمه عن الفرنسية لأهميته في الكشف عن الطريقة التي يفكر بها ذلك المخرج الفلسطيني " المقاوم " المتميز ، ومنهاجه في صنع الافلام، و" رؤيته " لبعض القضايا المطروحة علي الساحة السينمائية الدولية في الوقت الراهن، وهي جميعها اشياء تدعو الي التأمل والتفكير، في عصر حضارات الاستهلاك الكبري، و تدمير كل تلك القيم والفضائل التي كان يفاخر بها الانسان، ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر ومع انتهاء الثورة الصناعية، ووفقا لمخطط أو نظام " كوني " جديد، كما ينوه ايليا سليمان في حواره الشيق.. في بداية الحوار الذي نشرته تليراما
في عددها2940 الصادر في 17 مايو 2006 يسأل الناقد لوران ريجوليه ايليا سليمان : في نهاية تصوير فيلم " يد الهية " قلت انك وجدت ان مهنة المخرج السينمائي مهنة جد عسيرة ، لأنها تخلق توازنا صعبا للغاية بين لحظات المتعة والشغف ولحظات التعب والعذاب والألم. كيف يكون الحال اذن عندما لاتعمل، وكيف تجد الحياة ؟
لا افكر في هذه المسألة الآن الا قليلا، لأني مشغول بكتابة سيناريو فيلمي الجديد في شقتي في باريس وعلي وشك الانتهاء منه، لكني افكر فيها طول الوقت عندما لايكون هناك ما يشغلني. افكر كيف يستطيع المرء ان ينجو بجلده من هذا العبث الذي صارت اليه حياتنا، والخروج من الارض الخراب. افكر كيف استطيع الخروج من حالة يأس واحباطات مابعد الميلاد ( ميلاد الفيلم ) التي تأتي في اعقاب الانتهاء من عمل الفيلم وخروجه للعرض. وصدقني لقد عشت تلك الحالة بعدما عرض " يد الهية " في " كان " وحصل علي الجائزة الخاصة للجنة التحكيم، ووقع ذلك " الانفجار " الذي لم اكن اتوقعه او احسب له حسابا وكانت له تأثيراته المدمرة وأضراره " السعيدة " علي وجودي. كنت انتهيت من الفيلم قبل ان يبدأ مهرجان " كان " بقليل،ولم أحسب حسابا لأي شيء، واذا بي فجأة أجد الجميع يتدافعون لشرائه والاستفادة من الضجة الاعلامية التي احيطت به بعد حصوله علي تلك الجائزة لعرضه علي الناس وتحقيق اكبر مكاسب مالية في الحالة وقبل ان تتلاشي تلك الضجة وتختفي. فجأة صار الفيلم مثل موجات متتابعة متلاحقة تبحر فوق بحر السينما والافلام في العالم ، بل لقد عرض في بلدان لم اتوقع ابدا ان يكون له فيها جمهور، وطلب مني بسبب الفيلم أن اسافر الي جميع أنحاء العالم وأن أتنقل مابين مطاراته للدعاية للفيلم في كل مكان فأخذت أسافر لمدة عام ونصف العام من دون توقف. وكان يبدو لي من الاهمية بمكان ان اتنقل مع الفيلم في رحلاته عبر العالم وكانت سعيد جدا بالنجاج " النقدي " المهم الذي حققه، لكن كان الشيء الاساسي لحظة التقاء الجمهور بالفيلم، اللحظة التي يغادر فيها المتفرج بيته كي يتوجه لمشاهدة لفيلم، حيث اعتبر ان عمل المخرج السينمائي لاينتهي الا بالمشاهد عند تلك اللحظة. ولو ان المتفرج ادار ظهره للفيلم وعاد الي بيته فكأنك لحظتئذ لم تحقق شيئا علي الاطلاق. والحقيقة انني اتعلم الكثير الكثير من خلال لقاءاتي مع الجمهور وأتبين من خلال مناقشاتهم معي ما كنت اسعي ومن دون وعي او ادراك مني ، ما كنت أسعي الي تحقيقه وما كنت احاول اظهاره في " يد الهية "... والكشف عنه
هل شعرت في لحظة ما بالضياع اثناء تجوالك مع فيلمك ؟
بعد فترة سوف تشعر بأنك قد افرغت كل ما في جعبتك وانك ضائع وقد تاه منك السبيل ولاتعرف الي أين ستكون وجهتك، عندما تبدأ مضيفة الطائرة تنادي علي ايليا سليمان فتتساءل من هو هذا الايليا سليمان الذي تزعجنا المضيفة بالنداء عليه مرارا وتكرارا وأين يكون. اللعنة. ولا تعد تتذكر حتي أسمك أو الجهة التي تقصدها وتميل علي جارك وتسأله، وتروح تراجع خريطة الطريق التي حملتها معك وتنتابك حالة توهان فظيع عندما تصل الي المطار وتري احدهم يحمل يافطة عليها اسمك وتصحبك المسئولة الصحفية التي حضرت لاستقبالك وتجلس الي جوارك في التاكسي الذي يحملك بسرعة الي الفندق ومنه الي مؤتمر صحفي تروح تجيب فيه علي ذات الاسئلة التي وجهت اليك من قبل مئات المرات، ثم يصحبك موزع الفيلم بعدها الي الغداء في مطعم ولو انك سألتني اليوم ان كنت مازلت اتذكر واقعة ما او حدثا لاكتشفت ان الامور والذكريات والاحداث اختلطت بعضها ببعض ولم اعد استطيع ان اتذكر بدقة شيئا محددا
هل تعتبر انها فترة صالحة للكتابة ايضا ؟
لقد دونت بعض الملاحظات الصغيرة هنا وهناك اثناء سفري وتجوالي مع الفيلم ، غير ان سعادتي الحقيقية تحققت من خلال لقاءاتي مع الجمهور، التي تحرك فيك ذلك الدافع الخلاق الغامض المبهم وتعززه وتقويه: أنت مثلا تواجه بالعديد من التحديات مثل كيف تحافظ علي لياقتك وطزاجتك عندما تكون هي المرة الالف التي تجيب فيها علي ذات السؤال الذي يطرح عليك في أماكن متباعدة ومختلفة علي سطح كوكبنا،. انها ليست قضية التزام اخلاقي تجاه الجمهور فقط ، بل هي قضية التزام تجاه جسدك ونفسك وروحك ايضا. احاول اثناء مداخلاتي وحواراتي مع الجمهور والحوارات التي تجري معي، أحاول أن اخترع وابتكر وأعيد اختراح عباراتي وجملي من جديد، من أجل استكشاف مناطق جديدة، وهي عملية متعبة وشاقة للغاية، لكنها تمنحني قدرا كبيرا من السعادة حين تصبح تلك المداخلات اقرب ماتكون الي ابداع الشعر، أوالانزلاق عبر جدران اللغة من اجل الامساك بتجليات اللحظة وبكل مافيها من طاقة توليد علي طبخ مصطلحات وعبارات وجمل جديدة شفافة لاعطاء اجابات مغايرة ومتجددة في كل مرة يطرح فيها ذات السؤال..ولسوف تكتتشف حينئذ كيف تستطيع ان تخلق حلما وتجعل الآخرين يحلمون معك وهي عملية شبيهة في رأيي بعملية صنع الافلام، عملية خلق مستمرة. فلو انك وصلت موقع التصوير في صحبة سيناريو مكتوب منذ سنة مضت وأردت تصويرالكلام المكتوب بحذافيره لاكتشفت انك لا تتكلم بصيغة الحاضر المضارع بل بصيغة الماضي الذي عفي عليه الزمن وانقضي ولا تستطيع بالتالي ان تخلق جديدا ولسوف تفقد عندئذ كل امكانيات التعبير في الزمن الحاضر.يجب ومن دون توقف ان تخترع كل شيء من جديد. انا احاول ذلك في كل مرحلة من مراحل صنع الفيلم، حتي يحس و يشعر المتفرج بأن هناك شيئا ما يحدث له هو ايضا في الخفاء لكنه لايدري كنهه في صلب الفيلم
..
تري هل يتعلم المخرج شيئا يجهله عن عمله اثناء لقاءاته مع الجمور ؟
ان لقاءاتي مع الجمهور تضعني في مواجهة تناقضاتي وتحيلني كثيراالي قضية الوطنية او القومية كمخرج فلسطيني، في الوقت الذي اعتقد اني احارب فيه كمخرج كل النزعات القومية الضيقة واني ضد الحدود بكافة انواعها وكل مايمت بصلة من قريب او بعيد الي القبلية، واظن ان امامي مسافة طويلة مازال علي ان اقطعها قبل ان اتخلص من تلك الانتماءات التي تشدني اليها واجدها ماثلة في كل مداخلاتي. علي كمخرج ان اطرح تساؤلات مستمرة علي طبيعة وهوية ذلك الانتماء وبخاصة عندما التقي ب " اخوتي " الفلسطينيين. وعندما اقول فلسطيني، فاقصد بها ان تكون صورة استعارية ليس الا، اذ يمكنك ان تكون فلسطينيا وانت في البلاد الاسكندنافية او في امريكا الجنوبية، لأن الفلسطينيين عندي تجمعهم وحدة تضامن ومبدأ مقاومة النظام " الكوني " الجديد.. وفي خلال تلك اللقاءات يكتشف المخرج اخطءئه وعثراته لكن لابد من الثقة بالنفس قبل ان تشرع في نقد الذات. وذات مرة في امريكا وجدت ان الجمهور لم يجد في الفيلم مايبعث علي الانتقاد فسارعت انا نفسي الي انتقاد الفيلم فحكيت لهم عن الاخطاء الفنية الصغيرة التي يجهلونها وعن المشاهد التي لاتصلح وعن ومشاكل الايقاع في الفيلم واخذت اهاجم ايليا سليمان المخرج اهاجم نفسي.وكنت علي حق في الهجوم علي الفيلم لاني في النهاية معذور، حيث اني لا استطيع بحكم شروط الانتاج التي خضعت لها ان اصنع السينما التي احب، وربما لو توافرت مستقبلا شروط انتاج اخري لكنت صنعت فيلما مغايرا وبه مشهد تأمل في لوحة جميلة يستغرق عرضه نصف ساعة ، لكن الي ان يأتي زمن تلك الظروف سوف نستمر في صنع افلام ليست معصومة ابدا من الخطأ، وعلي في كل وقت اثناء صنع الفيلم ان افكر في الجمهور وان اخلق " روابط " و" جسور " و " تنقلات " مابين اللقطات والمشاهد والفصول وانا اكتب سيناريو الفيلم واكتشف انني لن استطيع ابدا ان اصل الي ما اريد التعبير عنه تماما ومهما كانت محاولاتي.. علي الرغم من الحروب والدمار نستطيع ان نحكي عن فرح الحياة في قصيدة
ما هو موضوع السيناريو الذي تكتبه حاليا ؟
بعد تصويري لغربة الفلسطينيين وضياعهم في وطنهم اكتب حاليا سيناريو فيلم يعبر عن حيرتي وغربتي وضياعي في هذا العالم الواسع ولكن ليس لدي طاقة او بنزين بالبلدي كفاية. لا اعرف اين اعيش ولا اعرف اين اذهب ولقد كنت ابحث طوال الوقت عن مكان اشعر فيه اني في بيتي, ولفترة اثناء تسويق الفيلم عشت في باريس ثم انتقلت للعيش في لبنان وفكرت انني استطيع ان اجعل منه وطنا فهو قريب من مدينة الناصرة حيث ولدت في فلسطين وله ذات العبق وفيه استنشق ذات الهواء ثم ان هناك ايضا البحر والطعام والاصدقاء لكني لم انجح، فبمجرد الاستقرار في اي مكان يضيع مني الوحي والالهام في التو ولا اعد قادرا علي الكتابة, وتبينت ان هناك تناقضا بين الصور التي اريد ان اكتبها وبين الرغبة في الاستقرار في مكان ما وهي مشكلة تؤرقني.. اعتقد اننا نعيش فترة غريبة عصيبة حرجة في تاريخنا ولا نستطيع الا ان نطرح العديد من التساؤلات علي انفسنا كمخرجين مثل ماهو مكاننا في العالم ، وما هي قيمة الافلام التي نصنعها وهل لهذه الافلام اي تأثير او سلطة وهل تستطيع ان تغير استقرار الانظمة الثابتة المستقرة ثم كيف نساهم في تغيير تلك الاوضاع الراهنة التي نعيشها اليوم ومن دون ان نقع في المصيدة و تلك الشراك المنصوبة من حولنا، وهي تساؤلات جد مهمة وخطيرة والحقيقة اني احسد كثيرا المخرجين الذين يخرجون علينا كل سنة بفيلم جديد وأتساءل كيف يتسني لهم صنع تلك الافلام وكيف يجدون دوما مايقولون لنا في افلامهم. عجيب. من النظر في ملاحظاتي اكتشفت اني اريد ان اكتب شيئا عن عالم اليوم عن السياسة العالمية عن السرعة الرهيبة التي تتراجع بها الاشياءفي عصرنا الحالي وبالنظر الي حقب وعصور أخري، حيث اني اعتبر اننا نعيش في قلب برنامج أطلق منذ القرن 18 برنامج اسمه كيف ندمر العوالم التي نعيش فيها ونمحوها من الوجود، وقد بدأنا بالفعل في عملية التدمير منذ نهاية عصر الثورة الصناعية: دمرنا مناطق السكن المأهولة بالعمران، ثم أتينا من بعدها علي الطبيعة ودمرناها ثم اننا رأينا عملية التطور التاريخي هذه تتسارع بشكل مذهل منذ الحادي عشر من شبتمبر 2001 بحيث ان التساؤل حول صنع فيلم لتغيير العالم في اطار تلك الظروف بات تافها، غير اني علي يقين بأننا في وسط الدمار واليأس نستطيع أن نحول أشد كوابسنا قتامة وحزنا دمارا ووحشية الي براعم من الامل. نستطيع أن نكتب وسط كل هذا الدمار وبربرية الحروب، نستطيع ان نكتب قصيدة ونحكي عن فرح الحياة في فيلم..
ايليا سليمان: من مواليد مدينة الناصرة فلسطين في 28 يوليو 1960. في عام 1998 حصل بفيلمه " وقائع اختفاء " علي جائزة العمل الاول في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وفي عام 2001 عرض له فيلم " سيبر فلسطين " في تظاهرة " نصف شهر المخرجين " في مهرجان " كان " السينمائي الدولي وفي عام 2002 حصل بفيلمه " يد الهية " الذي كان اول فيلم روائي فلسطيني طويل يشارك في مسابقة مهرجان " كان " الرسمية ومنذ تأسيسه، حصل علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة
عن جريدة القاهرة بتاريخ 19 سبتمبر 2006
انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس

الاثنين، سبتمبر 11، 2006

فوصي المهرجانات السينمائية في مصر بقلم سلامة عبد الحميد


فوضي المهرجانات

السينمائية في مصر


بقلم سلامة عبد الحميد


تزامن المهرجانات المصرية يضعفها ويحرمها من التغطية الاعلامية



منذ فترة ليست بالقصيرة أبحث مع أصدقاء وزملاء فكرة اقامة مهرجان سينمائي خاص بنا نسعى لتمويله بشكل جاد باعتبار التمويل هو العائق الاساسي أمامنا وكل ما بعده يهون، فنحن بحسب خبراتنا ومعارفنا قادرون على جلب أعمال متنوعة الأفكار والجنسيات بما يسمح لنا باطلاق مسمى "الدولي" على مهرجاننا هذا الذي لا يمكن أن يعتبره منصف إلا مهرجان شخصي أو ملاكي.
كيف لا نفكر في ذلك ونحن نرى من حولنا مهرجانات "بالكوم" بحسب التعبير المصري الدارج الذي يعبر بوضوح عن مدى سهولة اقامة المهرجانات والطريقة التي يتعامل بها القائمون على المهرجانات مع التنظيم والإعداد الذي قد لا يستغرق في بعض الحالات إلا أسابيع ولا يتجاوز في حالات معروفة أياما معدودة.
ورغم ايماني الشديد بأهمية المهرجانات الفنية وضرورة الإكثار منها إلا أنني في الوقت نفسه أصر على أن تكون تلك المهرجانات ذات أهداف واضحة وخطط مدروسة وأليات محددة في التعامل مع المشاركين والأعمال والتنظيم، حتى لا تتحول إلى "كمالة عدد".
لكن ظاهرة جديدة ومثيرة استوقفتني قبل أيام خلال اعدادي لأجندة مواعيدي نصف الشهرية حسب ما اعتدت في عملي حتى لا يضيع وقتي أو أجد أنني فقدت حدثا مهما لانشغالي بحدث أقل أهمية فقد وجدت أن مصر تشهد خلال الايام العشرين القادمة بدءا من الثلاثاء 5 سبتمبر/ ايلول فعاليات خمسة مهرجانات فنية متنوعة تتزامن عروضها ومنافساتها جميعا فيما يشكل حالة صارخة من عدم التنسيق الواضح بين ادارات تلك المهرجانات "المصرية" التي تنظم وزارة الثقافة المصرية ثلاثة منها بنفسها أو عن طريق اداراتها المختلفة وتشرف على تنظيم المهرجانين الاخرين.
تضم المهرجانات الخمس التي تم الاستقرار على عقدها في الفترة من 5 وحتى 22 سبتمبر/ ايلول ثلاثة مهرجانات سينمائية احدها للافلام التسجيلية والقصيرة وأخر للأفلام الروائية والثالث لأفلام حوار الثقافات اضافة إلى مهرجان مسرحي واخر للغناء والفيديو كليب وتتوزع المهرجانات الخمس بين اربعة مدن مصرية من أقصى الغرب إلى أقصى الشمال الشرقي حيث يعقد اثنان منها بالاسكندرية شمالا وثالث بالقاهرة في الوسط والاخران بمدينتي الاسماعيلية وشرم الشيخ غربا.
أما تداخل المواعيد بينها فهو أمر محير فبينما يبدأ مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي الثاني والعشرون لأفلام دول البحر المتوسط فعالياته 5 سبتمبر/ ايلول ويستمر حتى العاشر من الشهر نفسه فان مهرجان اوسكار الفيديو كليب الدولي السابع يقام بمدينة شرم الشيخ في الفترة نفسها بدءا من الثامن وحتى الحادي عشر من نفس الشهر.
في حين يقام مهرجان المسرح التجريبي الدولي الخامس عشر بالقاهرة في نفس التوقيت حيث تبدأ فعالياته يوم 10 سبتمبر/ ايلول ولمدة عشرة ايام متصلة تبدأ خلالها أيضا فعاليات مهرجانيين سينمائيين أخرين هما مهرجان أفلام حوار الثقافات الدولي الأول الذي يقام بمدينة الاسكندرية في الفترة من 11 وحتى 22 سبتمبر/ ايلول (وله قصة منفصلة قد نتحدث عنها لاحقا)، ومهرجان الاسماعيلية الدولي للافلام التسجيلية والقصيرة الذي تبدا دورته العاشرة يوم 15 وتستمر حتى 22 سبتمبر/ ايلول.
وتعاني المهرجانات المصرية الخمسة بلاشك من تضارب المواعيد الذي يقلل من حجم الاهتمام الاعلامي بها ويمنع النجوم المصريين من حضورها فيما يشكل ظاهرة متكررة سنويا لاشك انها ستكون اوضح هذا العام بسبب التزامن الذي لا يعطي ايا من تلك المهرجانات فرصة للتميز كما يقضى على فرصها الضئيلة أساسا في الوصول إلى الجمهور العادي الذي انصرف عن المهرجانات منذ أعوام حتى انطلقت تسمية كارثية يروج لها السينمائيين أنفسهم تصف أفلاما جادة أو ملتزمة بأنها "أفلام مهرجانات"

كانت الدورة الاخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي قد شهدت نقاشا طويلا حول فكرة تزامن المهرجانات وضرورة التنسيق بين اداراتها حتى لا يحدث تضارب بعدما عقد مهرجان دبي السينمائي في نفس موعد مهرجان القاهرة وتاثر كل منهما بالاخر وهو الامر الذي سيكون اوضح بالنسبة للمهرجانات المصرية الخمسة المقامة هذا الشهر، وصدرت عقب ذلك الكثير من التصريحات الوردية جدا التي أكدت التنسيق بين المهرجانات العربيةلكن ما سبق من التزامن المعيب للمهرجانات المصرية يعد تكذيبا واضحا وعمليا لتلك التصريحات، فكيف ينسق المصريون مع العرب مواعيد مهرجاناتهم إذا كانوا لا يستطيعون التنسيق فيما بينهم


سلامة عبد الحميد

صحفي مصري


الثلاثاء، سبتمبر 05، 2006

سينما ايزيس في مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 22


سينما ايزيس في مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 22
يوميات
تسافر سينما ايزيس اليوم من موقع عملها في باريس الي مهرجان الاسكندرية السينمائي 22 ، المخصص لبلدان البحر الابيض المتوسط، وتعود الي وطنها المحبوب مصر لكي تلتقي اهله، وتضمهم بالفتهم وغبطتهم وانسهم وتسامحهم في عناق ابدي، وهي تتواصل في ذات الوقت مع المياه والطيور والشجر، وتعانق السحب الراحلة وتود أن تكون سحابة تطفو فوق مياه البحر الكبير
تعود ايزيس الي مصر، وتدلف من بوابة القاهرة المدينة العريقة، الي باب البحر في مدينة الثغر الجميل، وهي تدندن بلحن للشيخ سيد درويش في كوم الدكة، وتحلم بلقاء زفة في الانفوشي، وحضور عرس من اعراس يوم الخميس عند المنارة، كي تسعد بلقاء الحشد الانساني الذي يسهر هناك حتي الصباح الباكر كل ليلة، باطفاله وعياله وناسه، وتعانقهم جميعا
وستقدم " سينما ايزيس " متابعات يومية عن افلام واحداث وفعاليات المهرجان في الفترة من 5 الي 10 سبتمبربعنوان يوميات ايزيس في مهرجان الاسكندرية
وترحب ايزيس بمقالات وكتابات الزملاء الصحفيين والنقاد في المهرجان
وترسل علي العنوان التالي

الاثنين، سبتمبر 04، 2006

شاشة باريس 2006 : الريح التي تهز الشعير لكين لوش. بقلم صلاح هاشم

لقطة من فيلم " الريح التي تهز الشعير " للبريطاني كين لوش الحاصل علي سعفة " كان " الذهبية


شاشة باريس 2006

الريح التي تهز الشعير وسينما المقاومة عند كين لوش

بقلم : صلاح هاشم

من أجمل وأرقي الأفلام التي خرجت للعرض حديثا في باريس ونرشحها للمشاهدة عن جدارة فيلم " الريح التي تهز الشعير " الحاصل علي جائزة " السعفة الذهبية " في مهرجان " كان " ومن إخراج البريطاني كين لوش، ونعتبره من أحسن وانضج أفلامه ولحد الآن. ويحكي الفيلم الذي تبدأ أحداثه عام 1920 ، عن حركة المقاومة الايرلندية ضد الاستعمار البريطاني ، من خلال تراجيديا تاريخية إنسانية سياسية، يضطلع ببطولتها شقيقان ايرلنديان، ينخرط احدهما في جيش حركة التحرير، في أعماق الريف الايرلندي ، في الوقت الذي يستعد فيه شقيقه - أنبه وأذكي صبي في تلك الأسرة الايرلندية كبيرة العدد، مثل العائلات الريفية في الريف المصري - يستعد للذهاب الي العاصمة ليستكمل دراسته العليا، ويصبح طبيبا. إلا انه يفاجئ وهو يقف علي رصيف محطة القطار، بهجمة تفتيش عسكرية بريطانية متوحشة، يهان فيها ناظر المحطة وسائق القطار، ويضربهما العسكري البريطاني بكعب البندقية، فيقرر البقاء والانخراط في سلك المقاومة. وكان كين لوش الذي افتتح فيلمه بمشهد رائع في قلب الريف الايرلندي ، لأناس ريفيين طيبين مسالمين يلعبون في المزارع، ثم يعودون إلي بيوتهم الريفية الوديعة، فإذا بجنود الاحتلال يهجمون علي بيت من تلك البيوت، في حملة تفتيش عسكرية عنترية وحشية، ويطلبون من الشباب ومن ضمنهم بطل الفيلم أن يعلنوا عن أسمائهم وهويتهم، وينكدون عليهم عيشتهم، وعندما يرفض احد الشبان أن ينصاع لأوامر القائد العسكري الذي فقد صوابه من الغضب، يقتاده الجنود إلي داخل البيت، ثم يطعنونه في مقتل بالسونكي، حربة البندقية
ويكشف كين لوش من خلال هذا المشهد المرعب في أول الفيلم، عن طبيعة الاحتلال البريطاني الغاشم، بكل عنفه وجبروته ووحشيته الدموية، كما يكشف أيضا عن نفسية بطل الفيلم المتردد، بين البقاء والانخراط في المقاومة، او السفر لتكملة دراسته الطبية. وتتطور أحداث الفيلم في الجزء الأول، لتقدم بانوراما تاريخية "موثقة " لحركة المقاومة في الريف في الجنوب الايرلندي في تلك الفترة، ويصور كين لوش هنا أحداث فيلمه في الأماكن الحقيقية التي وقعت فيها تلك الأحداث، كاشفا عن سمة أساسية من سمات أسلوب هذا المخرج البريطاني العملاق، ألا وهي تجنب التصوير داخل البلاتوهات والاستوديوهات، وتصوير أحداث أفلامه علي رصيف الشارع البريطاني، وسط الناس، ليحكي عن ضياع البشر الهامشيين المعذبين، في مجتمعات الاستهلاك البريطانية المادية ألكبري وهمومهم، ويتعاطف معهم ويحكي عن مشاكلهم كما في فيلمه العذب الاثير " انها تمطر حجارة

الفيلم السياسي يحكي بالضرورة عن تناقضات اجتماعية


ولذلك نجد أن أفلام كين لوش، هي أفلام سياسية بالدرجة الأولي ،لا لأنها تحكي عن اغتيال زعيم سياسي، أو صعود حزب من الأحزاب السياسية إلي سدة الحكم ، بل لأنها تحكي بالدرجة الأولي عن تناقضات المجتمع الرأسمالي البريطاني المادي الأناني، وتعريها وتفضحها، أي أنها لا تكتفي بالإعلان والكشف عن الواجهة البراقة اللامعة السياحية، التي تزغلل العيون، في تلك الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس، بل يتجاوزها ليغوص أكثر في الداخل، وينبش في ذاكرتها، ويمسك بأحشائها الباطنية الخفية عن العيون الناعسة، ويوقظها من غفلتها
وكما فعل كين لوش في فيلم " حياة عائلية " Family Lifeا وفي جل أفلامه، يصور في " الريح التي تهز الشعير " وهي جملة في أغنية شعبية لحركة المقاومة، تعلن علي لسان امرأة عجوز ان تلك الريح التي تهز الشعير، ما هي هي إلا نذير لصاعقة قادمة، تتشكل في الأفق، وستأتي علي كل شيء، يصور كين لوش أحداث فيلمه في أماكنها الطبيعية الحقيقية، ويكشف كيف صارت ايرلندا تحت السيطرة البريطانية، أرضا بلقعا خربة طاردة، تئن من مشاكل البطالة، وسياسات التجويع التي تدفع إلي الهجرة ومغادرة البلاد، لكي تصبح منجما من ذهب للأيدي العاملة الايرلندية النازحة إلي انجلترا، فيمنح كين لوش فيلمه مصداقية تسجيلية توثيقية، إن صح التعبير، تضيف إلي، وتغني الخيط الدرامي المتصاعد في الفيلم
ذلك الخيط المؤسس علي حكاية الشقيقين، والذي يتطور من خلال الصراع بينهما في الجزء الثاني، إذ يكشف كين لوش، بعد أن مهد في الجزء الأول للجغرافيا السياسية وحركة النضال ومقاومة الاستعمار البريطاني الايرلندية وانتصاراتها ( هدنة 1921 )، يكشف عن الانقسام الذي حدث داخل حركة المقاومة ذاتها، بعد أن وقع رجال السياسة في الحركة معاهدة، تصبح ايرلندا بمقتضاها حرة مستقلة، لكن تظل تحت وصاية التاج البريطاني،وتدين له بالخضوع والولاء ، فيظن البعض من رجالات المقاومة أن المعاهدة ما هي خطوة أولي، في سبيل الحصول علي استقلال حقيقي لايرلندا ، في حين يعتقد بل يجزم البعض الآخر، بان بريطانيا ضحكت علي عقول رجال السياسة الايرلنديين السذج، وأكلت عقولهم بموائد الأكل الحافلة في لندن، والسهرات والاحتفالات والدعوات، وجعلتهم يوقعون علي تلك المعاهدة التي لم تكن إلا خدعة، لبقاء ايرلندا تحت سيطرة وهيمنة التاج البريطاني والي الأبد
وهنا يحدث الانقسام داخل صفوف المقاومة، بل وينضم بعض رجالاتها إلي جيش الاحتلال البريطاني ومن ضمنهم شقيق بطل الفيلم، وبسبب تلك المعاهدة التي باركتها الكنيسة الايرلندية، كما يكشف كين لوش في فيلمه، تشب نار الحرب الأهلية، ويصبح شقيق الأمس.. عدو اليوم، ويتقاتل الشقيقان
وينهي كين لوش فيلمه " الأسود " الذي يذكرك برواية " الأخوة الأعداء " للروائي اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس عن الحرب الأهلية في اليونان ، ينهيه بمشهد سوف يظل محفورا في ذاكرتنا الي الأبد، الا وهو مشهد الإعدام في نهاية الفيلم، الذي تتأسي وتحزن له اقسي القلوب غلظة، ولن نحكي عنه، حتي نقطع عليكم الاستمتاع بمشاهدة الفيلم
فيلم " الريح التي تهز الشعير " الذي يحكي أيضا في ما يحكي عن قصة حب، وتضامن وحرب وألم ومشاركة، هو فيلم أسود أيضا بلون الحزن المقيت، ورداء الحداد الأسود الكالح علي عزيز، وتلك السحب السوداء المظلمة المهينة التي تنذر بالرعد والمطر، والتي تعبر سماوات حياتنا أحيانا ونحن نتطلع إليها في الأفق مرعوبين، ونتمنى أن تذهب والي غير رجعة. حزن أسود في " الريح التي تهز الشعير " لكن ليس كمثله حزن يطهرنا، كما في كل التراجيديات اليونانية العظيمة، لسوفوكل واسخاليس، ويغسلنا من كل سوءاتنا ، لكي يجعلنا في النهاية نتأمل ونفكر، ونتصالح مع أنفسنا والعالم
يصالح كين لوش في فيلمه مابين السياسي والاجتماعي, مابين المنظر الطبيعي المضيء المنور في الخارج، وبين ظلام وعتمة المشاهد الداخلية، ويغلب علي الفيلم الأجواء المعتمة عموما، فيصالح في فيلمه مابين الكراهية والحب، ومابين الحرب والسلام, ويمزج كل هذه عناصر في بوتقة فنه، لكي يشير في ذات الوقت الذي يحكي فيه عن الحرب الأهلية في ايرلندا ، يشير إلي تلك الحروب، التي مازالت دائرة في أماكن أخري من العالم : في العراق وفلسطين ولبنان، ومازالت كما قال في حوار معه ، مازالت قوات الاحتلال البريطاني تشارك في احتلال العراق، مع الجيش الأمريكي الغازي. إني لم اصنع فيلمي – يقول كين لوش-لانتقد الشعب البريطاني، بل لانتقد الحكومة البريطانية التي مازالت تسير ذليلة، من خلال سياسات بلير، في طابور الأمريكي بوش، وتركع تحت إقدامه
فيلم " الريح التي تهز الشعير "، يتوهج بفنه وإنسانيته، وإيقاعه وحبكته، ويقدم لنا درسا في السينما العظيمة، ولذلك لم يكن غريبا أن تمنحه لجنة التحكيم في مهرجان" كان " الماضي جائزتها ألكبري " السعفة الذهبية " ، لكي تكون تلك الجائزة، بمثابة شهادة اعتزاز وتقدير وتكريم لكين لوش ، واعترافا منها بالإضافات المهمة التي حققها بأفلامه، لتطوير فن السينما في العالم كمؤلف ، والاقتراب به أكثر من تناقضات وهموم عصرنا، ومشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا، وهي تضع الإنسان في مركز العالم، و تقدم نموذجا يحتذي من سينما المقاومة ، كاشفة عن ماسي وأهوال تلك الحروب، التي ما تزال تروعنا بدمارها ومذابحها، وبشاعتها في كل وقت ، وهو يقينا يستحق المشاهدة أكثر من مرة عن جدارة

صلاح هاشم

عن ايلاف

salahashem@yahoo.com

انظرالموقع الرسمي لسينما ايزيس تحت التأسيس

www.cinemaisis.com



السبت، سبتمبر 02، 2006

عمارة يعقوبيان : مصر المهترئة تحتضر بقلم محمود الغيطاني

لقطة من فيلم " عمارة يعقوبيان : للمصري مروان حامد

عمارة يعقوبيان : مصر المهترئة تحتضر
بقلم محمود الغيطاني

هل من الممكن أن يتوقف دور السيناريست- حينما يحاول النقل من أصل روائي أدبي- عند حدود النقل فقط دو الإضافة أو الحذف؟ و هل حينما يتم النقل بهذا الشكل الأمين نستطيع القول أن السيناريست قد قام بدور يحمد عليه و لا بد أن نتوجه له بالتحية؟ و هل السيناريست له دور-ايجابي أو سلبي- حينما يقوم بالنقل من الأصل الروائي أم لا؟
علّ هذه الأسئلة الجوهرية-و غيرها الكثير- كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ و من ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، و بالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة و التي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم
بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية و هو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه و خبرته و تقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي و الصورة المرئية- المختلفة تماما مع السياق الروائي- إلى روح الأصل الروائي أم لا؟
كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا و ما زال ماثلا في أذهاننا، و بالتالي كانت حالة المقارنة و استعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا و ما قرأناه من قبل
و بالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة- المقارنة- ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا و من ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع و الخبرة و الحرفية في مجال السيناريو- يستطيع استخدام تقنياته الخاصة و روحه و لمسته السحرية- في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟
علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل،- و الذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي- ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية و قدرة على الإمساك و من ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون- من خلال ترمومتر خاص- بدرجة غليان المجتمع و من ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى- و لكن إحساسه و عينه اللاقطة تنتبه إليه- و ليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال- لا الحصر- "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984 ، "البرئ" أيضا "لعاطف الطيب" 1986 ، "الإرهاب و الكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992 ، و غيرها من الأفلام الهامة؛ و لذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط و الدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة- ليست مطلوبة- في نقل تفاصيل الرواية، بل و الأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" و نقله كما هو إلى الشاشة
رأينا جميعا أن "علاء الأسواني" التزم في روايته بتقنية القطع المتوازي
حيث كان يروي قصة كل فرد على حدة ثم ينتقل إلى قصة شخص آخر قبل إكمال الأولى، ثم ثالث و هكذا كي يعود مرة أخرى من حيث انتهى إلى قصة سابقة كي يكملها، و هذا ما رأيناه تماما عند "وحيد حامد" حتى أني تخيلته- وحيد حامد- قد وجد أمامه الكثير من الأحداث و الشخصيات و القصص فلم يستطع أن يفعل حيالها إلا أن يكتب قصة كل واحد على حدة حتى إذا ما انتهى منها جعلها جميعا تسير في مسارات متوازية/منفصلة- لا رابط بينها على الإطلاق سوى وجود عمارة لم تضفي أي دور أو ايجابيات على الأحداث سوى تجاور أصحاب هذه القصص في هذا البناء- نقول أنه فعل ذلك طوال الفيلم إلى أن قام في النهاية بمحاولة جعل هذه الخطوط المتوازية تتقاطع كي يستطيع إنهاء الفيلم
و لذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم و هو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟
من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي و قانونه الخاص؛ و لذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية و التي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي- لصالح السينما- في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه و ما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/العريضة في النصين
على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم و بداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، و ثورة يوليو، و حرب1956 ، وصولا إلى الانفتاح و الوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" و نقل نقوشها و رسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع- بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه- بما فيهم اليهود، و هنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي و من ثم هذا التسامح في مصر؟
علّ هذا السؤال سيبقى معلقا و بحاجة إلى إجابة عنه لاسيما و أن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت)
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان"
يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا و نفسيا و التي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ- مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات- حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية و التربص و الكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة و القهر و العوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟
في مشهد شديد التعبيرية و إثارة للدهشة و التأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها و في سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد( هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم و فقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن( الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد( كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) و هنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها( انتي كنتي فين و بتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة( أهو بيقعد يتلمس و يتحك لحد ما يترعش و هو عامل كدا زي دكر البط، و أهو كله من فوق الهدوم)
و لذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع و الصادق للفنانة( هند صبري)- التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة و مدى قدرتها على التشبع و من ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها- حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب و الهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها و كأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية و ليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا( خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق و التأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، و بذلك تثبت لنا(هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني و أداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها
و لعل هذا السقوط و الفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية و عدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، و أن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة و إقناع شديد( هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل و يتحول ردها إلى صفعة حينما يقول( اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان( يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها)
و لعل هذا الفقر و العوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي"( محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة- لأن والده بواب" حارس عقار" و من ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات- يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه و مكتب التنسيق، و هناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح و من ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، و هنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، و بالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي و من ثم الهروب و التغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، و نتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار و البارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين
و هنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق" لطه الشاذلي"(محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي و من ثم يتم تعذيبه و إهانته بل و الاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل و رغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، و لعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام- نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي- و السلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له
إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان(محمد إمام) و الذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج و من ثم إظهار المساحات السيكولوجية و من ثم إقناعنا بمدى القهر و الظلم الذي يتعرض له، و نأمل أن يظل على مثل هذا المستوى
و لكن لأن مسلسل الفقر و الإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، و لكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع و سياسات الحكومة نرى الحاج "عزام"(نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع و غير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل و يمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح و السرقات و الفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، و لذلك نراه يؤمن بأن كل شئ قابل للبيع و الشراء، فنراه حينما يرى "سعاد"(سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا و من ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، و حينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل انه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي" ، و "العطار و بناته السبعة" و ما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا و التي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل و أنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان(نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته و العمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى و من ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها و السيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا
إلا أن مسلسل الفقر و التهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه"(باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم"(خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، و من ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة و عملا مضمونا، و على الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة و شئ من التدين لدى "عبد ربه"(باسم سمرة)- الذي يجعله دائم الرفض و التفكير في هذه العلاقة المثلية- إلا أن "حاتم"(خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية و عادية جدا و من ثم يبرر له ذلك- مستغلا جهله- قائلا( فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) و كأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا ترى "عبد ربه"(باسم سمرة) غير مقتنع بذلك و لذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) و الفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم"(خالد الصاوي)- ليلا- بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية و التأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه و من ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية و صدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم"(خالد الصاوي) حينما هجره عشيق (باسم سمرة) و فر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد و الهجر الصادقة و من ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل و انعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، و هنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، و الذي كان كقنبلة مفاجئة- لم نكن ننتظرها- تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية و التمثيلية الذي قدم لنا دورا- على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له- شديد الإنسانية و من ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه
إلا أنه بعيدا عن الفقر الشديد و العوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء و التأزم و من ثم الشعور الدائم بالوحدة و الاغتراب، و هي شخصية "زكي الدسوقي"(عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، و ربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم و عدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، و لذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات- حتى و لو كانت نادلة البار- لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب و من ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما و أن شقيقته الوحيدة "دولت"(إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما و من ثم طرده منها، و لذا نراها دائما في حالة شجار معه و من ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، و بالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل"كريستين"(يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد و طمع شقيقته فيه
إلا أن الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني و حيوية- افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة- و قدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل و مشرف، و لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة و الحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، و بالتالي كانت تلك سقطة حزننا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا و يعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة و من ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، و هو بهذا يبدو و كأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا و أداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح و بالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، و لعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته
و من خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" و المخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه و تقديمه الصورة الحية و الصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) و تلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ و من ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، و مشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس و بالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" و معه المخرج "مروان حامد"- بما أن المخرج هو المسئول الأول و الأخير عن الفيلم السينمائي- فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية و بالتالي ساد الفيلم بعض الترهل و الإملال
كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل و المؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي"(محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق و أمر بالاعتداء عليه جنسيا، و لقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" و بين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه و الذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط و من ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط و الإطالة التي لا طائل من ورائها، و بالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي"(عادل إمام) من "بثينة"(هند صبري) و هذا لم يخدم السيناريو في شئ
إلا أننا قد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البرئ" للراحل "عاطف الطيب"1986 و المجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل"(أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ و بالتالي رفضته الرقابة و لم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة و ما تمارسه من قمع و إرهاب و فساد على المواطنين، و ربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة
إلا أن ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، و بالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها- بذكاء فني- مفتوحة و لم يغلقها بشكل عمدي، ألا و هي حكاية "الحاج عزام"(نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي"(خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر و الذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو و لن ينتهي و كأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد
أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" و التي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا و إيحاءا مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث
يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة"(هند صبري) (لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها و إلا هنطق من الحسرة) و لكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له- وما زالوا- من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟
محمود الغيطاني
انظر الموقع الرسمي تحت التأسيس لسينما ايزيس

مختارات ايزيس: في رثاء القاهرة: هكذا تتشعبل المدن وهكذا تموت بقلم نبيل شرف الدين

عبد الحليم حافظ أيقونة من زمن القاهرة الجميل وعصر أنقضي



ايقونات أيام زمان مثل عبد الحليم حافظ ورشدي أباظة وشكري سرحان أين ذهبت

في رثاء القاهرة: هكذا تتشعبل المدن.. هكذا تموت
بقلم
نبيل شرف الدين
مدننا لا تشبه النساء كما يحلو للشعراء أن يصفوا المدن، لكنها تشبه سلاطيننا، إذ يقف وراء كليهما ـ المدن والسلاطين ـ تراث مشترك، فبقدر ترهل السلطة أو نضارتها تتشكل ملامح المدن، هذا بعض مما كنت أفكر به وأنا أزور قبر عزيز اعتدت زيارته كلما سنحت لي الظروف، حينها تناهى إلى سمعي ـ ربما من سكان مقبرة مجاورة ـ صوت شعبان عبد الرحيم. ولا أدري لماذا ظلت صورة "شعبولا" تلاحقني طيلة طريق العودة من المقابر، التي لم تعد مثوى للأموات وحدهم، بل زاحمهم فيها الأحياء منذ عقود، حتى استقرت الأوضاع، وتمت عملية "تطبيع" بين الأحياء والأموات، وأصبح هناك جيل كامل من مواليد المقابر، الذين نشأوا وترعرعوا فيها مدشنين "ثقافة القرافات".حين داهمني وجه "شعبولا" راودتني نفسي الأمارة بالسوء لمقارنته بنجوم مثل أحمد مظهر وعبدالحليم حافظ، ورشدي أباظة، وشكري سرحان، وتساءلت: لماذا توقفت القاهرة عن إنتاج هذا الطراز من الأيقونات النبيلة، بينما تُباهي بنموذج "شعبولا" في التلفزيون والسينما والمسرح والحفلات الخاصة والعامة، وفي الصحف والسيارات والمتاجر وحتى المقابر.باختصار. جرت عملية "شعبلة كاملة" للقاهرة، فالناس على هوى مطربيهم، لهذا صار هناك شباب "شعبولات"، وصحفيون "شعبولات". ومطربون وممثلون وأطباء وحتى وزراء "شعبولات". وتشعبلت الشوارع والحارات، والنساء والحدائق. باختصار صارت "الشعبلة" قانوناً وسلوكاً وفناً وصحافة وسياسة وأسلوب حياة كامل.والدرس الأول في "الشعبلة"، أن يتمتع "المتشعبل" بقدر من التبجح يضاهي ذلك الذي يبديه شعبولا في حوارته الصحفية والمتلفزة، فالرجل يفاخر بذوقه الفج في الملابس ذات الألوان الصارخة ولا يشعر بالخجل لأنه أميّ، ومع ذلك صار نموذجاً يقلده أبناء الطبقة الجديدة.بهذه التضاريس النفسية وتلك الذائقة، يكون المرء خطا خطوته الأولى صوب "الشعبلة"، وليس عليه بعد ذلك، سوى أن يتفاعل بتلقائية مع مظاهر "الشعبلة"، التي باتت تحاصر المصريين وعليه ألا يكترث بالمنطق. أي منطق، فمن سمات "الشعبلة" التعايش مع العبث.زارني في القاهرة مؤخراً صديق عربي مهاجر في أوروبا منذ عقود. تعلم بالقاهرة أيام صباها وتألقها، وسار في مظاهرات جامعاتها ودخل سجونها وأدمن مقاهيها، واكتوى بحب صبية من بنات حاراتها، وهاهو يعود إلى المدينة التي شهدت أجمل سنوات شبابه. متوقعاً رؤية شوارعها مزدحمة بنساء يتبخترن بجرأة تحية كاريوكا، ودلال هند رستم وفتنة كاميليا، وضحكات شمس البارودي المشروقة قبل أن تصبح "تائبة".لكن ظنه خاب لحد الصدمة، فبعد هذه السنوات على رحيله، عاد ليجد سلسلة من المشاهد الكئيبة، فلا نساء في الخارج سوى ربّات بيوت يزددن ترهلاً وقهراً ولا أحد يحترم أي قانون بدءاً بقوانين النظافة. وليس انتهاء بقواعد المرور، وبينما كنا نجلس في مقهى "جروبي" بناء على تصوره التاريخي للمكان، لمحنا ثلاث فتيات صامتات ينصتن برهبة لحديث الرجال الجالسين معهم، سألني الضيف عما جرى للقاهرة فتزاحمت في رأسي الأفكار والكلمات، وكنت متعباً من فرط الحديث، ففضلت الجواب باختصار قائلاً إنها "تشعبلت".يتحرك سكان القاهرة بمهارة لاعبي السيرك وسط طوفان من السيارات المتدفقة والحافلات المكدسة. والمتناقضات الدراماتيكية التي بلغت من العبثية حد "الشعبلة". فالانتقال بين أثنين من أحياء القاهرة قد يأخذ المرء من عالم إلى آخر، في رحلة فوق الكباري العلوية، وتحت الأنفاق السفلية، وبين أبراج سكنية ضخمة بلا ملامح. ومقاه عشوائية تحمل أسماء أجنبية، وديسكوهات يرقص فيها شباب "روش طحن" وآخرون "بيئة" على إيقاعات صاخبة، بينما هناك آخرون ملتحون يرتدون جلاليب غريبة، ويسيرون أمام سيدات محجبات أو منتقبات في طريقهن إلى "درس" بمسجد يبثه عبر مكبرات صوت يسمعها الحي كله بالإكراه.يُجبر المرء على الخوض وسط أكوام القمامة، بينما ينهمك المارة في الحديث عبر الهواتف النقالة، ووسط فوضى المرور العارمة، يبدو "أطفال المرور" من المجندين عاجزين لحد يثير الشفقة، فالأرصفة تحتلها السيارات وأكشاك الباعة، والمشاة لا يجدون أماكن للسير، وإذا وجدوها فان أحداً لا يوليها أدنى اهتمام، فيما أضواء السيارات المبهرة المفزعة تُستخدم بشكل "شعبولائي" فج، وسائقو الحافلات العامة مرهقون محبطون مستفزون، يضيقون بالركاب لحد الكراهية ويشتمون المارة بسبب ودون سبب ويلعنون الحياة، ويستعينون عليها بالمخدرات وأشرطة "شعبولا".في طريق عودتي كان محمد قنديل يشدو عبر مذياع السيارة:هاتوا لجميل الأوصاف حلق بدلايهفوق الخدود رفاف يحكي الهوا معايهاستدعت هذه الكلمات صور نعيمة عاكف وتحية كاريوكا وشادية. فلامست نعومة "الملاية اللف" واستنشقت رائحة "ماء الورد"، واشتهيت صحناً من "القطايف" وكوب شاي أخضر.أعادتني هذه الأجواء لأفلام الخمسينات والستينات وحفلات ثومة وحليم، وتساءلت: لماذا كانت تظهر المصرية حينذاك بكامل زينتها مزهوة برشاقتها وانوثتها، بينما تسير المرأة اليوم متعثرة مضطربة تستند على أقرب جدار، تنّز عرقاً من الحرارة والرطوبة الخانقة تحت وطأة ملابس تستر أجساداً نفخها طعام سيئ، وترهلت بفعل إنجاب متكرر، وإيقاع منهك، وحياة تحفل بصنوف شتى من الأمراض والمرارت، تمضي سنوات منها على مقعد أمام شاشات تحتفي باستضافة الدعاة الجدد من فصيلة "عمرو خالد" وصحبه الغر الميامين، الذين يشكلون ظاهرة "شعبولية" في أوساط الدعوة والدعاة ربما تستحق مرثية أخرى
نبيل شرف الدين
عن ايلاف
انظر موقع ايزيس تحت التأسيس

الجمعة، سبتمبر 01، 2006

مهرجان سينمائي جديد يدعو الي حوار الثقافات. أمل الجمل

المخرج السينمائي البريطاني الكبير كين لوش اثناء تصوير فيلمه " الريح التي تهز الشعير " الحاصل علي سعفة " كان " الذهبية


"كادر" ترفع أصوات أنصار السلام في زمن الحرب
و تهدي مهرجان "حوار الثقافات" إلى " إيمامورا

القاهرة.سينما ايزيس. من أمل الجمل

تحت شعار" إذا لم ترتفع أصوات أنصار السلام في زمن الحرب فمتى ترتفع يُقام مهرجان "حوار الثقافات" الذي تُنظمه مؤسسة تنمية الوسائل السمعية البصرية "كادر", تحت التأسيس". "كادر" هى أحدث مؤسسة سينمائية مصرية لا تهدف للربح, والتي يرأسها الناقد والمؤرخ السينمائي "سمير فريد", ويشارك في عضويتها وتأسيسها أجيال متنوعة من السينمائيين منهم الناقد السينمائي "كمال رمزي, ود/ ناجي شاكر " والمخرج "منير راضي", إلى جانب عدد من السينمائيين الشباب "تامر السعيد" , و"إبراهيم البطوط" و"عمرو بيومي". تعمل المؤسسة على تأكيد الهوية الثقافية وديمقراطية الثقافة, وحرية التعبير, والتنوع الثقافي والتسامح عن طريق: حماية التراث الفوتوغرافي والسينمائي والتليفزيوني, مساندة وترويج الأعمال الفنية والتجارية السينمائية والتلفزيونية, تطوير ودعم البنية الإقتصادية لصناعة السينما والوسائل السمعية البصرية, تنظيم المهرجانات والمعارض وورش العمل وحلقات البحث والمحاضرات والبرامج التدريبية وإصدار المطبوعات
مهرجان "حوار الثقافات" هو مهرجان سنوي ثابت الموعد تبدأ عروض دورته الأولى بالقاهرة والأسكندرية في 11 سبتمبر من كل عام ويستمر حتى 21 سبتمبر. وعنه يقول مدير المهرجان "سمير فريد" لعل قضية حوار الثقافات هي أهم قضايا الإنسانية على مدى تاريخها, وربما لم تكن الإنسانية في حاجة إلى ذلك الحوار كما هي اليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين الميلادي, وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية, والتي جسدت تلك الحاجة على نحو غير مسبوق في عصرنا, وأشعلت أول حرب عالمية في التاريخ بالمعنى الحرفي لكلمة العالم. فعندما يطلق على أكبر حربين في القرن العشرين العالمية الأولى والعالمية الثانية يقصد تأثيرهما الذي شمل العالم, ولكن الحرب التي بدأت في 11 سبتمبر ولا تزال ميدانها العالم كله, وليس فقط التأثير عليه, وذلك بحكم الثورة التكنولوجية التي غيرت كل المفاهيم والوسائل والغايات
.ويصف "فريد" المهرجان بأنه الأول من نوعه في العالم الذي يختص بعرض الأفلام التي تعبر عن حوار الثقافات, وتدعو إليه, وتحذر من مخاطر غيابه. كما أنه المهرجان الأول في العالم الذي يُفتتح ويُختتم سنوياً في يومين محددين, فالافتتاح يوم 11 سبتمبر, والختام يوم 21 سبتمبر, وهو يوم السلام العالمي الذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 7 سبتمبر 2001, أي قبل ثلاثة أيام فقط من أحداث 11 سبتمبر. وبين 11 و21 سبتمبر يعرض المهرجان 11 فيلماً, وتنعقد الدورة الأولى في ذكرى مرور 5 سنوات على أحداث 11 سبتمبر 2001والأفلام الـ 11 في الدورة الأولى من 8 دول من أوروبا وأسيا وأمريكا الجنوبية (3 أفلام من بريطانيا وفيلمين من فرنسا في الافتتاح والختام, وفيلم واحد من كل من روسيا والدانمرك وإيطاليا والنمسا والهند وشيللي) ومنها 9 أفلام روائية وفيلمين تسجيليين, وكلها أفلام طويلة والافتتاح يوم 11 سبتمبر 2006 بالفيلم الفرنسي "11-9-01" الذي يعبر فيه 11 مخرجاً يمثلون 11 ثقافة عن رؤيتهم لأحداث 11 سبتمبر 2001 منهم المصري يوسف شاهين والإسرائيلي آموس جيتاي, وكلاهما من المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني, والبريطاني كين لوش, والفرنسي كلود ليلوش, والبوسني دانيس تانوفيك, والهندية ميرا ناير, والأمريكي شون بين, والمكسيكي أليخاندرو إيناريتيو, والياباني شيوهي إيمامورا. وقد توفي إيمامورا يوم 29 مايو 2006, ولذلك تُهدي الدورة الأولى من المهرجان إلى اسمه

والختام يوم 21 سبتمبر 2006 بالفيلم الفرنسي "عيد ميلاد سعيد" إخراج كريستيان كاريون, والذي يعتبر من أهم الأفلام التي تدعو للسلام, لذلك تم اختياره للعرض في يوم السلام العالمي. بين فيلمي الافتتاح والختام يتم عرض 9 أفلام مرتبة من حيث موضوعاتها. فالأفلام الخمسة الأولى عن جذور الأزمة التي أدت إلى 11 سبتمبر: جذور التطرف في الفيلم البريطاني "قوة الكوابيس" إخراج آدم كورتيس, وجذور الصراع بين الهند وباكستان وقضية كشمير في الفيلم الهندي "الحرب والسلام" إخراج أناند بتواردام, وكلاهما تسجيلي طويل, وجذور قضية فلسطين في الفيلم الشيللي "القمر الأخير" إخراج ميجيل ليتين, وجذور حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وقضية الشيشان في الفيلم الروسي "الفرقة التاسعة" إخراج فيدور بوندارتشوك.
ويصل المهرجان إلى ذروته بعرض الفيلم البريطاني "الطريق إلى جوانتانامو" إخراج "مايكل ونتربوتوم" و"مات ويتكروس" عن المعتقل السياسي في القاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا, والذي أصبح أوضح تعبير عن الأخطار التي تهدد الديمقراطية والحرية في أمريكا والعالم

كما يعرض المهرجان الفيلم الدانمركي "أخوة" إخراج سوزان بير والفيلم البريطاني "ياسمين" إخراج كيني جلينان , وكلا الفيلمين يعبران عن تصادم الثقافات, ويدعوان إلى الحوار بدلاً من الصدام. بعدها يُعرض تحفة فنان السينما الإيطالي روبرتو بينيني "النمر والجليد" عن الحرب في العراق, والذي ينتصر للحب والحياة والشعر والجمال والسلام ضد الكراهية والحقد وسموم العنصرية وقبح الحرب والعنف. وقبل الختام يعرض الفيلم النمسوي "جربافيكا" للمخرجة البوسنية ياسمين زبانيك, والذي يعبر بعبقرية درامية عن حرب البوسنة بعد 12 عاماً
يُقام مهرجان "حوار الثقافات" بالتعاون مع مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية, والمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة, وبميزانية محدودة لا تتجاوز تبرعات قليلة من أعضاء وأصدقاء مؤسسة "كادر", ومن دون أي دعم مالي من أي جهة مصرية أو أجنبية

أمل الجمل

انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس تحت التأسيس

www.cinemaisis.com