الأربعاء، يونيو 27، 2007

فيلم " ليلة ساخنة " رحلة كابوسية في ليل القاهرة


الفيلم الذي اعاد الي لبلبلة اعتبارها كممثلة قديرة وسلط علي موهيتها الضوء من جديد.سينما ايزيس





ليلة ساخنة...رحلة كابوسية في ليل القاهرة








بقلم محمود الغيطاني




في الأربعينيات من القرن الماضي أطلق المخرج الإيطالي "روبيرتو روسلليني" مقولته السينمائية الشهيرة (قبل كل شئ علينا أن نعرف الناس كما هم، يجب أن نحمل الكاميرا و ننطلق إلى الشوارع و الطرقات و ندخل البيوت، إذ يكفي أن نخرج إلى أي منعطف و نقف في أي مكان، و نلاحظ ما يدور بعيون يقظة لكي نخرج فيلما سينمائيا ايطاليا حقيقيا).
ربما كانت هذه المقولة السينمائية الهامة التي أطلقها "روبيرتو روسلليني" معبرة عن وجهة نظر تحمل قدرا ما من الأيدلوجية بعد اندحار الفاشية؛ و لذلك رغب في الخروج إلى الشارع و التعرف على الناس واتجاهاتهم و رغباتهم و أحلامهم و آمالهم في مقابل المد الفاشي المنصرم، إلا أنها في ذات الوقت كانت بداية حقيقية لسينما الواقعية التي بدأت تسود العالم منذ ذلك الحين، حينما خرجت الكاميرا المحمولة إلى الشارع، و لعل فيلمه الهام "روما مدينة مفتوحة"1944 (الذي عبر عن معاناة سكان مدينة روما تحت الاحتلال الألماني، المدينة التي ما زالت تعاني أهوال و خراب الحرب، و الذي قدمه عام 1945 كمانفيستو للمدرسة الجديدة التي أطلق عليها اسم الواقعية الجديدة)
[1]بعد اندحار الفاشية خير دليل على ذلك.
و لكن، لعل السبب الأساس الذي أدى لبداية ظهور السينما الواقعية في ايطاليا و من ثم انتشارها فيما بعد في جميع أرجاء العالم، هو تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مر بها العالم و على وجه الخصوص أوروبا إبان الحروب العالمية في ثلاثينيات و أربعينيات القرن المنصرم؛ مما أدى إلى إفلاس الكثير من المصارف المالية التي كان يلجأ إليها جميع صنّاع السينما تقريبا للصرف على البلاتوهات و استوديوهات السينما، و ما تحتاجه تلك البلاتوهات من أدوات و كاميرات و روافع و ما إلى ذلك، و هنا وقع جميع صناع السينما الإيطالية في مأزق عدم وجود الموارد المالية التي لابد من توافرها من أجل إنتاج أفلامهم المزمع صناعتها، إلا أنهم للخروج من تلك الأزمة الطاحنة المهددة لصناعة السينما عندهم بالموت فكروا في الخروج إلى الشارع و التصوير في المنازل بدلا من البلاتوه؛ فحملوا الكاميرا على أكتافهم، و كان خروجهم إلى الشارع إيذانا بمولد موجة جديدة في السينما العالمية أطلقنا عليها اسم الواقعية الجديدة التي تمتح مادتها الخام من البشر العاديين الذين دخلوا لأول مرة داخل الكادر كخلفية بشرية- حقيقية و حية- للممثلين الحقيقيين- سواء كان هذا الدخول بأصواتهم فقط أم بأجسامهم أيضا-؛ و بالتالي اكتسبت صناعة الأفلام السينمائية المزيد من الصدق و الموضوعية و الواقعية لأنها تعاملت مع الطبيعة التي يعرفها الناس- لا الطبيعة المصنوعة داخل البلاتوه-.
و لكننا نلاحظ أن هذا الاتجاه على الرغم من أهميته في تاريخ السينما العالمية، إلا أنه كان وليد المصادفة البحتة- بمعنى أنه لم يكن مرتبا له أو مبنيا على نسق فكري معين في بدايته- نتيجة الظروف الاقتصادية التي مرت بها صناعة السينما في ذلك الوقت، إلا أن هذا الاتجاه بدأ ينتشر في العالم كله و يلاقي الكثير من القبول و الإعجاب فيما بعد.
و في أواخر السبعينيات من القرن الماضي و بداية الثمانينيات كانت السينما المصرية تسبح في لجة مظلمة بسبب الكثير من الأفلام التي لا تمت للسينما بصلة، و البعيدة عن عالمها الحقيقي كل البعد، تلك الحقبة التي أطلقنا عليها ما أسميناه بأفلام سينما المقاولات التي اتخذت من السينما وسيلة هامة من وسائل التربح فقط دون الاهتمام بصناعة السينما كصناعة جادة، و بالتالي كان الكثيرون من المنتجين و المخرجين يهتمون بصناعة أفلام و القيام بتعليبها في شرائط فيديو دون الاهتمام بالعرض السينمائي من أجل تصديرها و بيعها لدول الخليج التي تغدق عليهم الكثير من أموال النفط- التي لن تأتيهم من السوق السينمائي المصري إذا ما اهتموا بصناعة سينما جادة- إلا أنه في تلك الآونة بدأت بعض الأصوات السينمائية الجديدة، و الجادة في تعاملها مع ذلك الفن البصري في الظهور على السطح الآسن لثقافتنا السينمائية، و لقد كانت تلك الأصوات تحمل الكثير من الهموم و الآمال و الطموحات و الثقافة البصرية ما يؤهلها لإحداث ثورة من حيث المضمون و الشكل في صناعة السينما المصرية آنذاك، لاسيما أنهم كانوا يعملون في مجال السينما منذ فترة ليست بالقصيرة، إما من خلال صناعة الأفلام التسجيلية مثل "خيري بشارة" الذي قدم "صائد الدبابات"1974 و غيرها من الأفلام التسجيلية التي كان آخرها- قبل بدء مرحلة السينما الروائية- "حديث الحجر"1979 ، "داود عبد السيد" الذي قدم كذلك العديد من الأفلام التسجيلية الهامة منها "وصية رجل حكيم في شئون القرية و التعليم"1976 ، كذلك فيلمه "العمل في الحقل"1979 و غيرها من الأفلام الهامة، و "محمد خان" أيضا الذي خرج من كنف السينما التسجيلية، أو العمل بكتابة السيناريو مثل المخرج "رأفت الميهي" منذ بدايته عام1967 بسيناريو فيلم "جفت الأمطار" للمخرج "سيد عيسى"، حتى آخر سيناريو كتبه لغيره من المخرجين عام1975 "على من نطلق الرصاص" للمخرج "كمال الشيخ".
و هنا رأينا فيلم "ضربة شمس" أولى أفلام المخرج "محمد خان" الروائية الطويلة عام1980 الذي كان إيذانا بميلاد موجة جديدة في السينما المصرية أطلقنا عليها اسم الواقعية الجديدة أو السينما الجديدة- كما يفضل الناقد أحمد يوسف أن يطلق عليها- التي اهتمت اهتماما خاصا بالخروج إلى الشارع و تصوير الناس و الحياة الطبيعية و معاناتهم من خلال الكاميرا المحمولة- تماما كما كان الأمر في السينما الواقعية الإيطالية- و من ثم تتالت علينا في فترة قصيرة العديد من الأفلام التي تهتم بهذه الروح الجديدة للعديد من الأسماء التي انحصرت في "رأفت الميهي" و فيلمه "عيون لا تنام"1981 ، "خيري بشارة" و فيلميه "العوامة70 "، "الأقدار الدامية"1982 ، "عاطف الطيب" و فيلمه "الغيرة القاتلة"1982 ، "داود عبد السيد" و فيلمه "الصعاليك"1985 بالإضافة إلى "محمد خان".
إلا أننا نلاحظ أن ظهور الواقعية الجديدة في السينما المصرية لم يكن وليد المصادفة كما حدث في السينما الإيطالية؛ فلقد كانت ظروف صناعة السينما المنهارة تماما في ذلك الوقت، و انهيار الكثير من الأحلام و الآمال الكبرى الممثلة في الحلم القومي و المد الناصري و انتكاسة1967 بهزيمتنا القصوى، هذا فضلا عن إطلاع جميع هؤلاء المخرجين على جميع التيارات و المدارس السينمائية و منها بالضرورة الواقعية الإيطالية، و غير ذلك الكثير، إرهاصا لبداية تخلّق اتجاه جديد لابد أن يعلن عن نفسه في السينما المصرية.
و لعلنا نلاحظ أن المخرج "عاطف الطيب" كان من أكثر مخرجي الواقعية الجديدة ظهورا و انتشارا و تميزا، لا لأنه أجودهم فنيا؛ و لكن لأنه كان أكثرهم التصاقا بالجماهير و تعبيرا عن الطبقات الكادحة من الشعب المصري و التعبير عن آمالهم و آلامهم و طموحاتهم و معاناتهم الشديدة التي استطاع نقلها إلى شاشة السينما بصدق، و لعل فيلمه الثاني "سواق الأتوبيس"1983 يعد من أكثر أفلامه واقعية و ميلودرامية أيضا و اقترابا من الناس و معاناتهم حينما قدم سائق الأتوبيس الذي يحاول باستماتة إنقاذ ورشة والده من البيع في المزاد العلني في حين أن الجميع غير مهتمين بذلك و ما صاحب هذا من أخلاقيات الأنا التي ابتعدت عن الاهتمام بالغير، تلك الأخلاق الجديدة التي صاحبت فترة الانفتاح الاقتصادي و ما صاحبها من تغير قيمي و أخلاقي و سلوكي، ثم تتالت أفلام المخرج "عاطف الطيب" فيما بعد فقدم عام1984 فيلمه "الزمار" الذي منعته الرقابة منعا باتا من العرض الجماهيري، و إن كان قد شارك في مهرجانات موسكو، برلين، القاهرة- نظرا لما يحمله من رسالة ثورية تحث الناس على المطالبة بحقوقهم- على الرغم من تجريدية الفيلم و ابتعاده التام عن السياق الواقعي الذي يميز سينما "عاطف الطيب" و اعتماده أكثر على الفكرة- إلا أنه سمح له بالتداول على أشرطة فيديو فقط- ثم رأينا عام1986 ثلاثة أفلام هامة دفعة واحدة و هي "الحب فوق هضبة الهرم"، "ملف في الآداب"، "البرئ" و هنا نلاحظ أنه اقترب في فيلميه الأوليين كثيرا من معاناة الطبقات الكادحة و البرجوازية في المجتمع المصري، فنراه في الفيلم الأول يصور معاناة شابين تزوجا و لا يستطيعا إيجاد شقة يمارسا من خلالها حياتهما الطبيعية، إلى أن يندمجا- في لحظة عاطفية و في مفارقة واضحة تحت سفح الهرم- في ممارسة حبهما فيتم القبض عليهما بدعوى الفعل الفاضح و اتهامهما بدلا من اتهام المجتمع و السلطة اللذين يتحملان العبء الأكبر مما حدث، بينما نراه في الثاني يقدم فتاة يعرض عليها أحد الشباب الزواج و بالتالي فلم تكن تتخيل أن ذهابها معه هي و صديقيها و رئيسها في العمل لرؤية شقته التي يمتلكها في وسط البلد ستكون سببا لاتهامهم جميعا بالدعارة من قبل أحد الضباط المصابين بالبارانويا- و ما أكثرهم، و كأن وزارة الداخلية حريصة على اختيار المرضى النفسيين ليكونوا ضباطا أو أنهم يتعلمون مثل هذه الأمراض داخل كلية الشرطة-، إلا أنه في فيلمه الثالث يكاد يكون تخطى الخطوط الحمراء رقابيا و سياسيا بحديثه عن بطش السلطة و ما يدور في المعتقلات من تعذيب و قتل و إهانة؛ و بالتالي حدثت لهذا الفيلم مجزرة رقابية و تم منعه من العرض و لم يتم الإفراج عنه إلا بعد حذف مشهد النهاية الذي يعد أهم ما في الفيلم لاكتمال رسالته الثورية التي يرغب في قولها.
و من هنا نلاحظ ملاحظة هامة مفادها أن اهتمام "عاطف الطيب" بالتعبير عن الطبقات الكادحة و البرجوازية و معاناة القسم الأكبر من المجتمع المصري كان هو شغله الشاغل و هاجسه الذي يؤرقه دائما، و لقد كان يرجع دائما السبب في مثل هذا الاهتمام إلى بطش السلطة و اختلال النظام السياسي الذي نعيش في ظله، نلاحظ ذلك في قوله (مشكلات الطبقة المتوسطة التي أعبر عنها سينمائيا ناتجة في أغلبها عن قهر سياسي.. انه القهر الذي تواجهه إذا دخلت أي قسم بوليس في مصر.. فلن تعامل معاملة كريمة إلا لو كنت رئيس جمهورية.. إحساس المواطن بالقهر يجعله في حالة كمون مرعب.. و أرى أن مهمتي كمخرج هي تحضير هذا المواطن و تجهيزه للحظة الانقضاض، و إقناعه أن الكلام في السياسة ليس تطاولا)
[2] و لهذا بدت جميع أفلامه تقريبا و كأنها رسالة تحريضية للمواطن المهضوم حقه، الذي يعاني ليل نهار من تلك السلطة الغاشمة التي تنتهكه ساعة بعد أخرى.
و لذلك لم يكن غريبا على "عاطف الطيب" أن يقدم لنا فيلمه "ليلة ساخنة" الذي نراه أكثر أفلامه على الإطلاق اكتمالا فنيا سواء من ناحية السرد السينمائي أو من ناحية المضمون- على الرغم من يقيننا التام أن فكرة الكمال الفني هي فكرة منتفية دائما لأنه لا يمكن لها أن تحدث- و لعل هذا الاكتمال الفني له من العوامل المساعدة "لعاطف الطيب" الكثير الذي أدى إلى خروج فيلمه في النهاية بمثل هذا الشكل الفني الناضج، و قد يكون من أهم هذه العوامل أن كاتب السيناريو هو السيناريست المخضرم "رفيق الصبان" بينما كتب الحوار "محمد أشرف"، و قد شارك السيناريست المميز "بشير الديك" كليهما في كتابة السيناريو و الحوار.
و بالرغم من إيماننا بأن المخرج الجيد لا يمكنه صناعة فيلم سينمائي محترم فنيا إلا إذا كان بين يديه ورقا مكتوبا بشكل جيد، ففي المقابل أيضا نرى أن الورق الجيد لا يمكن أن يصنع مخرجا جيدا، و من هنا فقد اجتمع عاملان هامان لصناعة هذا الفيلم- الورق الجيد، و المخرج الواعي الجاد- بالإضافة إلى عامل آخر أكثر أهمية و هو النضج الفني و الخبرة التي اكتسبها "عاطف الطيب" منذ بدايته عام1982 حتى قام بإخراج هذا الفيلم الذي خرج بهذا الشكل المكتمل.
و لذلك رأينا "عاطف الطيب" في هذا الفيلم أكثر روية، و أكثر بعدا عن الميلودرامية، بل و أكثر اهتماما بمعاناة الطبقة البسيطة- العريضة- من المجتمع المصري، تلك الطبقة التي لا يهتم بها الكثير من صناع السينما على الرغم من أن معاناتهم تكاد تكون فانتازية بشكل عبثي و كأنها خارجة من مسرح اللامعقول لدى "يوجين يونسكو"، "صمويل بيكيت"، فرأيناه يعبر عنها و يتحدث بلسانهم و إحساسهم حتى لقد بدا الفيلم و كأنه نقلا تاما و كاملا لحياة كاملة من المعاناة و القهر لأناس تحاول نسيان قهرها و أزماتها و معاناتها من أجل محاولة الحياة، و من هنا كان الفيلم حياة حقيقية شديدة الواقعية و التأثير و ليس فيلما يؤديه مجموعة من الممثلين.
و ربما كان أهم ما يميز "ليلة ساخنة" أنه قد اتخذ تيمة الرحلة أو الطريق مسارا لهذا الفيلم العميق الذي يدور في ليلة واحدة داخل أعماق ليل القاهرة و هي ليلة رأس السنة (الكريسماس) لنكتشف من خلال هذه الليلة/الرحلة مجتمعا يمور بالكثير جدا من التناقضات التي بدت لنا على الرغم من إحساسنا بها و حياتنا داخلها يوميا و كأنها غريبة علينا لم نرها من قبل و لم نعرفها- و هذا هو سمة الإبداع الجيد الصادق الذي ينقل لنا العادي المألوف و كأنه غريب علينا لأول مرة نلمسه و نعيشه، فيؤثر فينا و نتأثر به، و من ثم لابد أن نتساءل في نهاية الأمر (لما يحدث كل ذلك للملايين من المصريين الذين أهينت كرامتهم بمثل هذا الشكل؟ و لما تفعل بنا السلطة كل ذلك؟)-.
و لعل تيمة الرحلة أو الطريق ليست بجديدة على سينما "عاطف الطيب" الذي قدمها من قبل في بداياته الأولى من خلال فيلمه الهام "سواق الأتوبيس"1983 ، كذلك نستطيع ملاحظة تيمة الرحلة في فيلمه "دماء على الإسفلت"1992 حينما عاد الأخ الأكبر (نور الشريف) من الخارج ليجد أسرته شديدة التفكك، كل شخص في طريق، فيبدأ رحلة البحث و التحري عن كل من شقيقه و شقيقته خاصة بعد اتهام والده بالسرقة لأحد ملفات القضايا الهامة فيفاجأ في النهاية بأن شقيقته قد تحولت إلى فتاة ليل و تتعاطى الهيروين هي و شقيقها الآخر، كذلك فيلمه الهام "كشف المستور"1994 الذي يصور "سلوى"( نبيلة عبيد) التي حاولت تماما نسيان ماضيها في العمل المخابراتي- كداعرة تخدم الوطن على السرير- و فضلت أن تعيش كسيدة مجتمع مرموقة، إلا أن بعض رجال المخابرات لا يتركونها و شأنها و من ثم يطالبونها بعملية جديدة على فراش أحد الدبلوماسيين العرب، و هنا تبدأ رحلة البحث عن رئيسها المخابراتي السابق (يوسف شعبان) الذي أكد لها هي و زميلاتها حينما قررن ترك هذا العمل أن جميع الملفات و الصور و الشرائط الخاصة بهم قد تم إحراقها، إلا أنها اكتشفت الآن بأنها مهددة بفضحها من خلال هذه الصور و الشرائط إذا لم ترضخ لمثل هذه العملية، و من خلال رحلة بحث طويلة لمحاولة التأكد من ذلك يدور الفيلم، كي يكتشف رئيسها السابق-معها- أن الجميع و هو منهم قد تم خداعه تحت ستار خدمة الوطن في حين كان الأمر في حقيقته لا يعدو أكثر من دعارة و قوادة تقوم بها الدولة و السلطة نفسها، و لقد تم حذف دور "يوسف شعبان" بالكامل تقريبا كضابط مخابرات سابق في هذا الفيلم بأيدي السيد الرقيب، و لعل هذا ليس بالغريب على سينما "عاطف الطيب" الذي تعرضت جل أفلامه للبتر و الحذف و المنع، بل و اتهامه أيضا هو و جميع طاقم العمل معه في فيلم "ناجي العلي"1992 بالخيانة و العمالة نظرا لأنه في جميع أفلامه تجاوز الخطوط الحمراء في مهاجمة السلطة و كشف زيفها.
نقول أن تيمة الرحلة/الطريق في أفلام "عاطف الطيب" لم تكن بغريبة عنه، إلا أنها لم تكن واضحة تماما بالمعنى المألوف لدى العامة إلا من خلال فيلميه "سواق الأتوبيس" الذي دارت معظم أحداثه في الأتوبيس، و فيلمه "ليلة ساخنة" الذي دارت أحداثه كلها تقريبا في التاكسي.
و لذلك نرى "حورية" (لبلبة) الفتاة الفقيرة التي تحاول الحياة بشرف بعد أن تناست تماما ماضيها كفتاة ليل و فضلت العمل كفرّاشة و خادمة كي تنفق و تربي شقيقتها الصغيرة الطالبة، إلا أن "عاطف الطيب" يحرص منذ بداية الفيلم على الإفصاح عن أزمتها المالية القصوى، فهي في حاجة ماسة لمبلغ قد نراه نحن شديد البساطة بينما هو بالنسبة لها ضخما ضخامة الجبال، و هو مبلغ ثلاثمائة جنيه كي تشارك في ترميم البيت الذي تسكن فيه، و الذي نجا من الزلزال و إلا سيتم طردها إلى الشارع بلا مأوى؛ و لذلك نراها تفكر في بيع السلسلة الذهبية المزينة لعنقها كي تدفع المبلغ بدلا من التشرد في الشارع، إلا أن جارها و زميلها في العمل "لمعي" (محمد شرف) يطلب منها التخديم على مجموعة من السهارى الذين سيقضون ليلة رأس السنة في إحدى العوامات، و حينما تعترض على ذلك رافضة و مؤكدة أنها تركت حياتها الماضية تماما و ترغب الحياة بشرف نراه يؤكد لها أنها ستقوم بخدمتهم فقط و تقديم المشروبات و الثلج و أن أقصى ما يمكن حدوثه هو القيام بالرقص لهم إذا اقتضى الأمر في مقابل مبلغ خمسمائة جنيه؛ و لأنها في حاجة قصوى للمال و إلا تم طردها من منزلها توافق على مضض مؤكدة عليه أنها لن تقوم بأكثر من الخدمة و الرقص إذا تطلب الأمر ذلك، لكنها تفاجأ بسائق (الرجل الكبير) صاحب السهرة يهددها مستخدما مطواته إذا لم تدخل الغرفة مع سيده لمضاجعته، و بالتالي تضطر إلى الاستسلام تحت ضغط التهديد و حاجتها للمال، في حين أن الرجل لا يفعل أكثر من وضع رأسه على صدرها و البكاء ثم يعطيها المال بسخاء مما يجعلنا نظن أن أزمتها قد انتهت، إلا أن سائقه "زقزوق" (حسن الأسمر) يدخل عليها الغرفة ليأخذ منها المال عنوة، بل و يستولي على سلسلتها الذهبية التي كانت هي الحل الوحيد للخروج من أزمتها، ثم يقوم بضربها و طردها من العوامة و إلقائها في الشارع.
و لعلنا نلاحظ هنا ملاحظة هامة ساقها المخرج "عاطف الطيب" بذكاء في طيات فيلمه، و هي أن جميع أفراد هذا المجتمع- الهش و المتفسخ على الرغم من بساطتهم و معاناتهم جميعا إلا أن الجميع- يسطو على الجميع بقسوة غير مألوفة و كأننا في مجتمع يأكل فيه القوي الضعيف حتى الموت، فنرى حارس العوامة المعدم حينما يلمح "حورية" (لبلبة) داخلة للعوامة يستوقفها مستفسرا و لا يسمح لها بالمرور إلا بعد جباية مبلغ خمسة جنيهات (كتذكرة) أو رسم دخول، كذلك السائق "زقزوق" (حسن الأسمر) يتعدى عليها بالضرب و سرقة أموالها و سلسلتها الذهبية و طردها للشارع و غير ذلك من المواقف الكثيرة في الفيلم، و لكن بالرغم من تلك القسوة التي يتعامل بها هؤلاء البسطاء مع بعضهم البعض لا نستطيع امتلاك دليل إدانة واحد ضدهم أو مبرر واحد لكراهيتهم؛ نتيجة لأن "عاطف الطيب" قدمهم كشخصيات مطحونة راغبة في لقمة العيش بأي سبيل نتيجة السياسات السلطوية و الاقتصادية المنهارة التي يمر بها المجتمع المصري على أيدي حاكميه منذ فترة ليست بالقصيرة، هذا فضلا عن سياسات القهر السلطوي، فيبدو لنا الأمر دائما و كأنه تفريغ لطاقات القهر المخزونة داخل هؤلاء الأشخاص على بعضهم البعض بما أنهم غير قادرين على توجيه هذه الطاقة في اتجاه السلطة؛ فالسلطة تقهر الجميع من الفقراء، و الفقراء يقهرون من هم أضعف منهم في متوالية دائمة حتى نصل إلى الحلقة الأضعف التي لا خيار أمامها سوى الاستسلام أو الانهيار بترك مجتمع القهر الفوضوي بالموت.
و بالتالي نرى "حورية"(لبلبة) تحاول الهروب و الاستغاثة بأية سيارة مارة، و من ثم تتوقف في عرض الطريق أمام التاكسي الذي يقوده "سيد" (نور الشريف) و الذي يمر بأزمة اقتصادية طاحنة هو الآخر نتيجة لإصابة حماته- التي تقوم برعاية ولده المعاق ذهنيا بعد وفاة زوجته- بجلطة في أول الليل، و حينما يسرع بأخذها إلى المستشفى يفاجأ بضرورة دخولها العمليات في الصباح الباكر، و لكي يتم ذلك تطلب منه الممرضة العديد من الطلبات المستحيلة بالنسبة له قائلة (عايزين أنبوبة أكسجين دلوقتي حالا، وواحدة تانية عشان العملية بكرة، و دوا، و شاش و بنج لزوم العملية) و حينما يسألها (عدم المؤاخذة، هي دي مش مستشفى حكومي؟) ترد ساخرة (آه، بس ما فيهاش الحاجات دي، كفاية انك مش حتدفع للدكتور أجرة ايده، و لا حتدفع فتح أوضة عمليات، و لا أجرة دكتور بنج) في نقل قوي و صريح وواضح لما يدور في مستشفيات مصر من إهمال و فوضى و استهانة بأرواح المرضى من الفقراء على الرغم من ادعاء النظام الحاكم ليل نهار أن هذه المستشفيات مجهزة لخدمة المواطنين و إنقاذ أرواحهم، و كأنهم يتحدثون إلينا من بلاد (واق الواق) و لابد منا نحن البسطاء تصديق أكاذيبهم التي يختلقونها كي يصدقونها هم باعتبارنا نعيش في كوكب المريخ، و بالتالي يقع "سيد" (نور الشريف) في مأزق الحصول على مبلغ ثلاثمائة جنيه خلال هذه الليلة و إلا لن يقوم الطبيب بإجراء العملية لحماته في الصباح، فنراه يعد الممرضة بالإتيان بالمبلغ في الصباح معتمدا على أن الليلة رأس السنة و ربما يرزقه الله بهذا المبلغ أثناء قيادته الليلية.
و لكن لابد من ملاحظة أن "عاطف الطيب" قد استطاع بمهارة و حذق فني و ذكاء بالغ إدخالنا إلى عالمه الذي يرغب في تقديمه دون افتعال أو اختلاق للأحداث لتبدأ رحلة ليلية شديدة الكابوسية لكل من "حورية" (لبلبة)، "سيد"(نور الشريف) طوال الليل القاهري الساهر في ليلة رأس السنة، فتتمثل كابوسيتها بالنسبة "لحورية" في البحث عن "زقزوق" (حسن الأسمر) الذي سرق مالها و سلسلتها الذهبية- أملها الوحيد في عدم التشرد- و بالنسبة "لسيد" في الحصول على المبلغ- أمله الوحيد في إجراء العملية لحماته التي ترعى ولده الوحيد- و من هنا تتلاقى أزمتيهما في طريق واحد، و لأنها تحكي ظروفها "لسيد"(نور الشريف) و تتوسل إليه مساعدتها في العودة إلى العوامة باعتباره قريبها- لأنهم إذا وجدوا معها رجلا ربما يخشونه و يعيدون إليها أموالها- يوافق بشهامة و يذهب معها ليجدهم قد خرجوا للسهر في أحد كباريهات شارع الهرم، و هنا تتوسل إليه أخذها هناك للبحث عنهم قائلة أن الخمسمائة جنيه في كل الأحوال كانت ضائعة فإذا ما ذهب معها ستعطيه نصفهم و تأخذ هي النصف الآخر، و لأنه لم يستطع ترك فتاة ضعيفة وحدها في مثل هذا المأزق، و لأن الظروف كانت دائما في غير صالحه منذ بداية الليل و كأن القدر يصر على إحكام أزمته، فنراه بعد أن يتفق مع أحد الزبائن على عشرة جنيهات مقابل توصيله من وسط البلد إلى عين شمس يخل الرجل باتفاقه معه حينما يصل إلى منزله و يصر على إعطائه خمسة جنيهات فقط بل و الادعاء بأنه- سيد- حاول الاعتداء عليه و بالتالي يتم تحرير مخالفة له و سحب رخصة قيادته من قبل أمين الشرطة المتواجد، و مرة أخرى حينما يطلب منه أحد الزبائن إيصاله إلى الإسكندرية في مقابل مائتين من الجنيهات و يوافق على ذلك، يقابل ذلك الزبون أحد أصدقاءه الذي يقود سيارته الخاصة في بداية الطريق فيفضل النزول من التاكسي للعودة إلى الإسكندرية مع صديقه و بالتالي تضيع عليه المائتين جنيه، و لذلك يوافق "سيد"(نور الشريف) على الذهاب معها في رحلة البحث عن هؤلاء الذين سطوا عليها لتصبح رحلة أشبه بالبحث عن المستحيل.
و لقد لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أنضج حالاته الفنية في هذا الفيلم؛ فرأينا على وجهه ملامح الحيرة و الانكسار و قلة الحيلة طوال مشاهد الفيلم و لعل السبب في ذلك عمله مع مخرج متمكن من أدواته الفنية مثل (عاطف الطيب) الذي استطاع بذكاء تقديم (لبلبة) ربما هي للمرة الأولى في هذا الشكل الناضج فنيا الذي لم نرها فيه من قبل، بل واكتشاف الكثير من قدراتها الفنية التمثيلية، فنراها تقول بصدق مؤثر (اللي زينا ينزل يشتغل و يطلع عين اللي خلفوه على ما يجيب الجنيه) فيرد عليها بائسا (و يا ريته بيروّح بيه).
و لعل هذا الذكاء لدى "عاطف الطيب" الذي جعله يلمح تلك المقدرة الفنية عند (لبلبة) هو ما جعله أيضا يلتقط بذكاء فني الكثير من تحولات المجتمع الجديدة الظاهرة في المجتمع المصري؛ فنرى "سيد"(نور الشريف) حينما يحاول المرور بسيارته (التاكسي) من أحد الشوارع الرئيسية يجده مغلقا بمجموعة ضخمة من الملتحين الواقفين للاستماع إلى شيخهم الواعظ لهم و المعترض على الاحتفال بالكريسماس، و الراغب في ذات الوقت بتطبيق حد الزنا، و حينما يرغب "سيد"(نور الشريف) في المرور يقوم أحد الملتحين بضرب مقدمة سيارته بعصا غليظة في يده قبل السماح له بالمرور مما يؤدي إلى إتلافها.
و هكذا نرى العديد من العوامل الكابوسية و المعطلة لهما في طريقهما/رحلتيهما للبحث عن أموالهما، فتارة يطارده مجموعة من الشباب العابث الذين يلمحون "حورية"(لبلبة) معه في التاكسي و يصرون على أخذها منه لقضاء الليلة معها، و تارة يجد تاكسي قد اضطرمت فيه النيران فيضطر إلى الهبوط لمحاولة الاشتراك في إطفائه، و تارة ثالثة يعود إليه مجموعة الشباب الذين يختلقون معه عراكا لأخذ "حورية" بالقوة و حينما يدافع عنها يضربونه على رأسه بعصا غليظة و يهربون مما يؤدي إلى جرح رأسه و نزيفه، و هكذا تتحول رحلة البحث طوال الليل إلى كابوس طويل لا ينتهي.
إلى أن يركب معه "البنهاوي"(سيد زيان) للتوجه إلى المطار، ثم يطلب منه الذهاب إلى أحد الأماكن قبل الاستمرار في طريقهما، و هناك تحدث مشادة بينه و بين(عزت أبو عوف) لأن "البنهاوي"(سيد زيان)- الذي يقوم بتهريب الشباب إلى اليمن و منها إلى أفغانستان لتفريخ المزيد من الإرهابيين، بالإضافة إلى متاجرته في المخدرات- يرفض إعطاؤه كل المبلغ المتفق عليه، و هنا تحدث مطاردة دامية بين التاكسي الذي يقوده "سيد"(نور الشريف) و بداخله "البنهاوي"(سيد زيان) و بين (عزت أبو عوف) و من معه، لتنتهي المطاردة بمقتل "البنهاوي" على يد مطارديه؛ فيضطر كل من "سيد"، "حورية" للهروب، إلا أنهما يكتشفا أن حقيبة "البنهاوي" التي كانت بيده فيها الكثير من الأموال التي تقرب من المليون، و هنا يقعا في أزمة شديدة الحيرة و لذلك نراهما في بيت "حورية"(لبلبة) بينما الأموال على المنضدة و قد وقفا ينظران إليها بحيرة و خوف، و حينما تحاول "حورية" إقناعه بأن الأموال من حقهما يصر على عدم أخذها و من ثم تسليمها للشرطة مكتفيا بنصيبهما القانوني منها و هو نسبة الـ10% ، فتوافق "حورية" على مضض، و لأنها تخاف القبض عليه بالإضافة إلى رغبتها في المال تطلب منه ترك الحقيبة معها في السيارة كي يدخل هو قسم الشرطة و يرى كيف ستصير الأمر معه، و هناك يفتشونه تفتيشا ذاتيا دقيقا معاملين إياه بإهانة و غلظة، و حينما يجدون معه الكارت الشخصي "للبنهاوي"(سيد زيان) و الذي كان قد أعطاه له بعد إيهامه بأنه يقوم بالتسفير إلى الدول العربية يتهمونه بقتله، و كان دليلهم على ذلك الدماء التي تغطي ملابسه و ذلك الجرح الذي في رأسه الحادث بفعل عراكه مع مجموعة الشباب الراغبين في "حورية"، فيقول له ضابط الشرطة (دا مسجل أمن دولة و مخدرات و أموال عامة... أنت تبع أي فرع فيهم؟) و هنا ينقلب الأمر إلى كابوس حقيقي بالنسبة "لسيد"(نور الشريف) الذي رغب في عدم أخذ أموال ليست من حقه و ذهب لتسليمها و التبليغ عن جريمة قتل فووجه بالقتل و الكثير من التهم الموجهة إليه، و بالتالي يحجم عن إخبارهم بالمال الذي في السيارة مكتفيا بإعطائهم حقيبة السفر الأخرى التي كانت على سقف التاكسي، لنرى "حورية"(لبلبة) تسير وحيدة في الشارع المظلم و قد قزمتها الكاميرا بينما تحمل حقيبة المال على كتفها في انتظار أمل خروج "سيد"(نور الشريف) من أزمته التي وقع فيها.
علّنا نلاحظ هنا أن أمانة الشرفاء حينما تضحى كابوسا لابد لنا أن نتساءل لماذا يحدث كل ذلك في حق هؤلاء المطحونين الذين ليس لهم ذنب في هذه الدنيا سوى الحياة في مجتمع متمزق يحكمه مجموعة من اللصوص من خلال سياسات سلطوية مهترئة من أجل المزيد من تجويعهم و قمعهم يساعدهم في ذلك الكثيرين من الأفاقين و رجال الأعمال الذين يأكلون حقوق هؤلاء المظلومين؟ و لماذا نرى مستشفياتنا التي من المفترض الحفاظ على أرواحنا بمثل هذا الشكل من الإهمال و الفوضى؟ و لماذا يضطر مجموعة من الشباب خريجي كليات الهندسة و العلوم للعمل كحارسي سيارات أمام الكباريهات و حينما يسألهم "سيد" مندهشا عن السبب في ذلك يردون عليه (مش أحسن ما نستنى المصروف؟) و لماذا كل هذا الكابوس الطويل الذي يعيشه المجتمع المصري بسبب حكامه؟
لعل تلك هي الرسالة التي حرص المخرج على إيصالها بإلحاح من خلال جميع أفلامه السينمائية التي قدمها، إلا أنها بدت في ذلك الفيلم- و من خلال هذه الرحلة الطويلة التي انتهت بمأساة صارخة- في شكل طاغ، و لكن هل من الممكن أن يجد المصريون بارقة أمل لالتقاط أنفاسهم من السلطة الغاشمة التي تنهشهم ليل نهار؟
علّ تلك الرحلة الطويلة التي رأيناها و التي أثارت داخلنا الكثير من الألم مما يحدث تكون دافعا للتحرك ضد ما يتم في حقنا بدلا من الانسحاق و الصمت و ثقافة الاستكانة التي بدت واضحة بشكل صارخ في قول "حورية(لبلبة) حينما قال لها "سيد" بعد أن اعتدى أحد الملتحين على سيارته (شوية ماعندهمش خشا و لا دين، و شوية عايزين يخنقونا و يحرّموا علينا حتى الهوا اللي بنتنفسه) فترد عليه بانسحاق ( يا خويا... إحنا مالنا و مال السياسة؟ المهم نشوف شغلنا

من كتاب " سينما الطريق " نماذج من السينما العربية





[1] أنظر كتاب "الموجة الثالثة في السينما الواقعية الإيطالية" لمؤلفه "موسى الخميسي" / سلسلة الفن السابع / العدد87 / منشورات وزارة الثقافة السورية/ المؤسسة العامة للسينما / دمشق2005
[2] أنظر مجلة سينما أون لاين و الموضوع الهام الذي كتبه وائل حمدي بعنوان "الطيب و السلطة"/ العدد11 / يناير2003

الاثنين، يونيو 25، 2007

وداعا سمبان عثمان.رينوار السينما الافريقية ؟

لقطة من فيلم " الحوالة " لسمبان عثمان. رينوار السينما الافريقية ؟


بمناسبة وفاة سمبان عثمان، تعيد سينما ايزيس نشر المقال الذي كتبه صلاح هاشم لجريدة " ايلاف " علي الانترنت، بتاريخ الأول من مايو عام 2005 اثناء تكريم سمبان عثمان في تظاهرة "نصف شهر المخرجين " في مهرجان " كان " وذلك للتذكير بالموقع الذي يحتله سمبان علي خريطة السينما الافريقية، والتنويه بأفضاله، والاضافات التي حققها بأفلامه، لتطوير فن السينما ذاته






يترافق مع الاحتفال بذكري تحرير العبيد في فرنسا


نصف شهر المخرجين يكرم سمبان عثمان



بقلم


صلاح هاشم


تحتفل تظاهرة "نصف شهر المخرجين" التي أعلنت في مؤتمر صحفي عقد حديثا عن برنامجها، ويشتمل علي عرض واحد وعشرين فيلما جديدا، تحتفل بمنح جائزتها السينمائية "العربة الذهبية" لعميد المخرجين الأفارقة السنغالي سمبان عثمان، ضمن العديد من الاحتفالات الاخري بالسينما الأفريقية، رسمية وغير رسمية في المهرجان، حتى انك تتساءل، إن كان ثمة علاقة بين هذه الاحتفالات، وبين الاحتفال بذكري تحير العبيد في فرنسا، وان كانت "السينما الإفريقية" ستصبح، "درة" تاج المهرجان خلال هذه الدورة المقبلة 58 في الفترة من 11 الي 22 مايو، بمناسبة مرور خمسين عاما علي صنع وإخراج أول فيلم إفريقي اسود قصير. وكان الفيلم بعنوان "أفريقيا علي ضفاف نهر السين" وأخرجه عام 1955 مجموعة من الطلبة الأفارقة، الذين كانوا يدرسون في معهد "الايديك" الشهير، تحت إشراف الطالب السنغالي بولان سومانو فييرا. ثم أعقبه إخراج أول فيلم روائي افريقي قصير عام 1963 بعنوان "بوروم ساريت" صاحب العربة، علي يد المخرج السنغالي الكبير، عميد المخرجين الأفارقة، سمبان عثمان. وكان أول عمل سينمائي يخرجه ذلك الشاب العصامي، الذي علم نفسه بنفسه، ولم يعرف له تاريخ ميلاد، واشتهر أولا ككاتب في وطنه..

"رينوار" الأفريقي

وكان سمبان، من مواليد زيجينشور في جنوب السنغال دلف إلي عالم الكتابة، من باب التشرد والصعلكة،وعراك الحياة علي أرصفة المدن في القارة السوداء، واشتغل في فرنسا بجميع المهن، من حمّال في ميناء مارسيليا، الي مسئول نقابي، الي صياد،الي ميكانيكي سيارات، إلي سائق تاكسي، ثم سافر وهو في سن الاربعين، ليدرس السينما في روسيا الاتحاد السوفياتي، في " استوديو جوركي " الشهير علي يد مارك دونوسكوي وسيرجي جيراسوموف، ثم عاد الي وطنه، وبعدما أصبح كاتبا وروائيا معروفا، بدأ منذ عام 1962 في إخراج الأفلام القصيرة، إلي أن حقق فيلمه الروائي الطويل الأول " سوداء من " عام1966، الذي وضع النقّاد مخرجه علي الفور، في خانة المخرجين الملتزمين اجتماعيا وسياسيا في السينما العالمية. لذلك تشمخ سينما سمبان في القارة، بمصداقيتها وواقعيتها، وأبطالها الفقراء البسطاء المعدمين، الذين يتعلق مصيرهم أحيانا بحوالة، وأحيانا بورقة يانصيب، كما في رائعة المصري توفيق صالح و فيلمه الأثير" درب المهابيل"، وتضع سمبان في مصاف المخرجين الإنسانيين الواقعيين العمالقة، من أمثال المصري صلاح أبو سيف، والفرنسي جان رينوار، والإيطالي روسوليني، إذ يخيل إليك أن الكادر، طالع عند سمبان من رحم التراب في القارة، ومعجون بشقائها وهمها، ليطرح تساؤل حياتنا: كيف نحافظ علي إنسانيتنا، في عالم قائم علي الظلم، ولا نتمرد، ولا نصير وحوشا ؟، وكل أبطال أفلامه هم ضحايا مجتمعات افريقية ظالمة، وسلطات قمعية غاشمة متوحشة، والبديع في سينما سمبان أنها تفكر، أي انه لا يصنع أفلامه، لتكون بضاعة مثل أفلام السوق، بل لتكون عملا فنيا، يشدنا بمتعته، مثل الأعمال الروائية العظيمة، للهندي رابندرانات طاغور، أو اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، أو الإنجليزية فرجينيا وولف، فيروينا فكريا، ويجعلنا نتأمل في حياتنا، ومن دون أن نفقد متعة النظر والمشاهدة. ولأنه ليست وظيفة السينما، أن توسع من مداركنا بالعالم، وتكون بنكا للمعلومات، ومخزنا للمعارف، بل وظيفتها ان تقربنا من إنسانيتنا، وتسمو بها. أنها دعوة إلي "سلوك" أكثر تحضرا، والتحكم في ذلك الوحش، الذي يسكن داخلنا، واكتشاف لغز الحياة ذاتها كما كان يقول المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك..وكنت دائما تسأل، مع الكثيرين " لماذا نصنع أفلاما، علي شاكلة تلك الأفلام التي يصنعها سمبان في القارة، بتوهج الحياة هذه علي الأرصفة، في أفلام تشبهنا، برخص التراب؟. الم يقل عنه شيخ النقاد الفرنسيين جورج سادول، انه بفضل سمبان أصبح للقارة السوداء موقعا ومحلا علي خريطة السينما العالمية ؟.كان سمبان، الذي يعتبر أول مخرج إفريقي يتم تكريمه بشكل رسمي في مهرجان " كان " عام 1992، كان كثيرا ما يردد أن أفريقيا لها صحيح مشاكلها، لكن أفريقيا أيضا طاقة، وكرة نار متدحرجة، وأمل ممثل في شباب جديد، علامته انه لا يستسلم. و هذا النضال اليومي الذي تخوضه أفريقيا، هو ما يصنع لها حراكها وديناميكيتها، ويجعلها دوما مستبشرة، وينصح عثمان المهمومين من الغربيين والمستشرقين، بان يتركوها في حالها، سعيدة، وليست بحاجة الي وصاية. وهناك تاريخ ثالث مهم في عالم السينما الأفريقية ، إضافة إلي التاريخيين المذكورين، ونعني به تاريخ تأسيس مهرجان قرطاج السينمائي علي يد الناقد التونسي الكبير الطاهر شريعة عام 1966، والجدير بالذكر أن الجائزة ألكبري " التانيت الذهبي " لأول دورة من "أيام قرطاج السينمائية" المهرجان عام 1966 ذهبت إلي فيلم " سوداء من " LA NOIRE DE لسمبان عثمان..
الدرس الإفريقي

ويتوزع الاحتفال بالسينما الأفريقية في " كان " 58، الذي يترافق مع الاحتفال بذكري تحرير العبيد في فرنسا، وتفكير حكومة رافاران اليمينية جديا، في تخصيص يوم كل سنة للاحتفال بتلك المناسبة، يتوزع علي عدة محاور، إذ يتركز المحور الأول في " درس السينما " الذي يلقيه المخرج الإفريقي السنغالي الكبير سمبان عثمان، في إطار احتفالات المهرجان الرسمية، ويعتبر "حدثا" من أحداثه المهمة، حيث يلتقي سمبان، الذي عرض فيلمه " مولاديه " عن ختان البنات في إفريقيا، والتمرد والخروج علي التقاليد التي عفي عليها الزمن ( ومازالت عملية ختان البنات هذه، كما هو معروف، تمارس في 38 دولة من الدول الأعضاء ال 54 في الاتحاد الأفريقي)عرض ضمن عروض المهرجان الرسمية في العام الماضي، ونال سمبان عنه جائزة " نظرة خاصة ". يلتقي سمبان عثمان تحت خيمة ضخمة عملاقة، تقام إلي جوار شاطيء البحر، داخل " القرية العالمية "، بجمهور المهرجان والمدينة، في دعوة عامة مفتوحة، كي يتحدث عن تجربته، ومشواره السينمائي، ويجيب علي تساؤلات الجمهور. وكان القي "درس السينما" - في كان 51 - المصري يوسف شاهين" الأرض "، وكان قبلها بعام، حصل بفيلم "المصير" ومجمل أعماله، علي جائزة " كان " الخمسيني "، وهي جائزة استثنائية، استحدثت بمناسبة مرور خمسين عاما علي تأسيس المهرجان. كما القي درس السينما أيضا في دورات سابقة مجموعة من كبار المخرجين في العالم، من ضمنهم الأمريكي من اصل تشيكي ميلوش فورمان" وطار فوق عش الواقواق"، والأمريكي العملاق فرانسيس فورد كوبولا "القيامة الآن"، وغيرهم..
العربة الذهبية
ويتمثل المحور الثاني في تلك الاحتفالية التي تقيمها تظاهرة " نصف شهر المخرجين" من تنظيم جمعية المخرجين الفرنسيين وتسليم سمبان جائزتها "العربة الذهبية في الدورة 37 للتظاهرة. تلكم الجائزة التي تمنحها كل سنة لمخرج عالمي في احتفال بسيط، كنوع من التقدير لإنجازاته السينمائية المهمة، وإضافاته من اجل تطوير فن السينما في العالم.وتظهر هذه الاحتفالات السينمائية جليا، الفارق الشاسع الذي يفصل مابين الاحتفال بالنجوم من ممثلين ومخرجين وسينمائيين، الجاد والمفيد والبسيط هنا في "كان"، وبين الاحتفالات السينمائية التي تقام في بلادنا، وطريقة احتفالاتنا بالسينما التي أصبحت مسخرة، ونوعا من مسرحيات " الفارس" الهابطة التي تحط بالسينما الفن. بعدما تحولت بعض هذه الاحتفالات إلي أشبه ما يكون بمظاهرات "عسكرية" حربية، واستعراضات غنائية ساذجة مضحكة، لا تصب في صالح الثقافة والسينما، وتنوير الأذهان بهما، بل تصب في صالح البروباجندا.فرق شاسع يفصل مابين بين هذه الاحتفالات السينمائية البسيطة التي تعقد هنا في " كان "، فتعرض لبعض أفلام المخرج، وتتيح فرصة اللقاء والحوار والنقاش معه، وتكون تفتيحا لسمو الفن السابع، ابن قرننا وزمننا، واستكشافا لأعمال سمبان عثمان، وبين زفة الاحتفالات "الرسمية"، بتلك الاستعراضات العقيمة التافهة السخيفة في الوطن، وماهي إلا احتفالات ب "هزيمة" الثقافة، وانحدارها، وإقصائها أكثر وأبعد عن حياتنا، مع كل احتفال. وتكون النتيجة، لعلك لاحظت، أننا نركض أسرع باتجاه التخلف والتعصب والتقوقع، سينمائيا وفكريا، وننعزل عن العالم الذي يتقدم، ويتغير من حولنا، ونحن مازلنا محلك سر، وخلفا در. وثالثا : يشارك " أسبوع النقاد " الرابع والأربعون، كما سبق ان نوهنا، في الاحتفال في " كان " 58 بالسينما الأفريقية، إذ ينظم الاسبوع في الفترة من 12 إلي 20 مايو، احتفالية كبري للسينما الأفريقية، بعنوان " أفريقيا 50 سنة سينما " وذلك يوم السبت الموافق 14 مايو، ويعرض فيها فيلم " طبول " من جنوب أفريقيا لزولا ماسيكو، ثم تعقد ندوة مع بعض المخرجين الأفارقة المتواجدين في المهرجان، ومن ضمنهم العميد سمبان عثمان..

أفريقيا في "سينمات الجنوب"

ورابعا:يشمل الاحتفال بالسينما الأفريقية في "كان" 58، الاحتفاء بعيون التراث السينمائي المغربي وعرض أهم أفلامه، في تظاهرة جديدة استحدثت هذا العام للمرة الأولي بعنوان " كل سينمات العالم " تشمل تقديم نماذج من أعمال 7 دول في السينما، ويخصص اليوم الأول للسينما المغربية. في حين يقتصر الحضور المصري في " كان " علي مشاركة المخرج يسري نصر الله في لجنة تحكيم "السيني فونداسيون" ومسابقة الأفلام القصيرة، ولاشك ان اختياره عضوا في لجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير، وبعد أن عرض له المهرجان بنجاح فيلمه المتميز" باب الشمس " في العام الماضي، يعتبر تكريما لمصر والسينما العربية والأفريقية، واعترافا بمواهبها، حتى لو اقتصر الحضور السينمائي المصري هذه المرة، علي جناح صندوق التنمية الثقافية، وهو مغلق دائما، ولن تجد فيه أحدا، وعرض بعض الأفلام المصرية الجديدة في " سوق الفيلم "..كمل يدخل أكيد في بند الاحتفالات بالسينما الأفريقية في " كان " اختيار الروائية الزنجية الأمريكية طوني موريسون، الحاصلة علي جائزة نوبل في الأدب، والتي تعني في رواياتها بموضوع علاقة العبد الأمريكي الأسود، بالقارة السوداء أفريقيا ألام، وتنشغل بتفاصيل تلك العلاقة كما في روايتها " جاز" في لجنة التحكيم الرسمية التي يترأسها المخرج المسلم الصربي أمير كوستوريكا، وهو لوحده حكاية، سنحكيها لكم من بعد. ألا يعد اختيار هذه الروائية الامريكية السوداء العملاقة، وللاسباب التي ذكرناها، نوعا من التكريم لإفريقيا والسينما الأفريقية؟.. وخامسا تحتفل مؤسسة " سينمات الجنوب " الفرنسية الحكومية التي ترعي السينما الأفريقية وسينمات العالم الثالث، وترأستها لفترة المخرجة التونسية مفيدة تلا تلي " موسم الرجال " وكانت المؤسسة ساهمت في تمويل و إنتاج العديد من الأفلام العربية والأفريقية، مثل " المدينة " ليسري نصر الله و" الأبواب المغلقة " لعاطف حتاتة من مصر، و" حلفاوين " لفريد بو غدير، و" صمت القصور " لمفيدة تلاتلي من تونس وغيرها، وما تزال. تحتفل أيضا " سينمات الجنوب " بالسينما الأفريقية، فتكرس جناحها في " القرية العالمية " ليكون أرضية تعارف ولقاء بالمخرجين الأفارقة في المهرجان، وعرض مجموعة كبيرة من الأفلام الأفريقية الجديدة( تعرض في قاعة خاصة ب" سوق الفيلم " ) وإقامة العديد من الندوات المهمة، التي تناقش قضايا السينما الأفريقية، في الجناح المذكور، مثل ندوة " خمسين سنة سينما في أفريقيا " التي تناقش لغة وجماليات السينمات الأفريقية بعد مرور نصف قرن علي إنتاج أول فيلم إفريقي، ويدير الندوة الناقد السينمائي بجريدة "اللوموند" جان ميشيل فرودون رئيس تحرير مجلة " كراسات السينما"، وندوة " المحافظة علي تراث الجنوب السينمائي، باعتباره واجبا في إطار مفهوم " التنوع الثقافي "، كما تعقد ندوة مع المنتجين الأفارقة، للتعرف علي اقتصاديات السينما الأفريقية، والمشاكل والعقبات التي تصادفهم، علي سكة إنتاج سينما مغايرة، باتجاه الجنوب. ولاشك أن هذه الندوات مجتمعة، تقدم في إطار مهرجان " كان "، اكبر تجمع للسينمائيين في العالم، والحدث الإعلامي الثالث بعد الدورة الاوليمبية، وكأس العالم في كرة القدم، تقدم كشف حساب للسينما الأفريقية، خلال الخمسين سنة الماضية، وربما كانت تمهد أيضا، لانطلاقة سينمائية افريقية اقوي، واشد رسوخا، لصالح الأفلام التي تحاول الإمساك بنبض الواقع في القارة السوداء، وهي تسأل إن أفريقيا كيف حالك والألم


السبت، يونيو 23، 2007

مختارات ايزيس: الدين والابداع هل يلتقيان؟

الابداع هو بروميثيوس طليقا

مختارات ايزيس




الدين والإبداع... هل يلتقيان؟



الدين أن نجد الله في كل نصلة عشب أما الابداع فهو بروميثيوس طليقا




سلوى اللوباني من القاهرة: يقول فاروق جويدة في أحد مقالاته: "إن الربط بين الإبداع والدين جناية كبرى، لأن الإبداع ساحة خيال وشطط وتمرد، والدين ساحة عبادة وخضوع وسكينة. وللدين قواعد تحكمه ولكن الإبداع بلا قواعد إلا ما يقرره ضمير الإنسان نفسه". وذكر الكاتب السعودي "تركي الحمد" في أحد لقاءاته التلفزيونية أن الدين والإبداع لا يلتقيان فعنوان الإبداع هو الحرية وعنوان المؤسسة الدينية القيد. أما الداعية "يوسف القرضاوي" إعتبر أن الخطر يكمن في التوسع في عملية الرقابة من قبل المؤسسة الدينية –الازهر والكنيسة- اكثر من اللازم. فهناك بعض المتشددين من المشايخ والعلماء يمنعون ما لاينبغي ان يمنع. ولكنه أكد انه لا بد من قدر من الرقابة التي يوجد بها خطر على عقيدة الانسان وعلى فكره، وأضاف أن الازهر ليس سلطة كهنوتية، ولكن القانون أعطاه الحق. وهذا القانون قد صدر عام 1921 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي أعطى مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر حق الرقابة على الامور التي تمس العقيدة الدينية، بإعتبار العقيدة ثابتة من ثوابت الأمة التي يجب حمايتها. طرحت ايلاف موضوع "هل يلتقي الدين والابداع" على عدد من المثقفين العرب، وذلك في ظل تنامي دور المؤسسات الدينية في عملية الرقابة على الأعمال الفكرية والإبداعية. وكان من اللافت للنظر الحماس الشديد من قبل بعضهم للمشاركة بالاستطلاع، وغضب بعض من المشاركين لمجرد طرح الفكرة أو السؤال، وكأننا قد كفرنا بدين الاسلام، على الرغم من اننا لم نحدد دينًا معينًا! شارك في الاستطلاع من مصر المفكر محمود أمين العالم ، الكاتب جميل عطية ابراهيم ، الكاتب علاء الاسواني، ومديرة موقع منتدى الكتاب د.اماني امين، و صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس، ورئيس تحرير مجلة سينما ايزيس على الانترنت. ومن تونس الباحثة د. رجاء بن سلامة. ومن الجزائر الكاتبة فضيلة الفاروق، والاعلامي شبوب ابو طالب. والكاتبة خالدة السبيعي من الكويت. ومن السعودية الكاتبة مرام مكاوي ، والكاتب نور الدين الحارثي




محمود أمين العالم: ارضاع زميل العمل لا يساعد على التقدم .توقف إلتقاء الدين والإبداع على مفهوم الدين للشخص. فابن رشد أضاف إضافة حقيقية إلى الدين الاسلامي فكان مبدعًا. ألم يقل الرسول محمد "سيأتي على أمتي رجل يجدد في الدين". الفقه الاسلامي يختلف باختلاف المكان والزمان والاحوال وهذه هي حقيقة التقدم. الفكر الديني الصحيح هو الذي يخلق الابداع ويساعد على التقدم وليس ارضاع زميل العمل والتبرك ببول الرسول فهنا الدين يتحول الى عقيدة جامدة. الدين مرتبط بعصره ويتطور بتطور الزمان والمكان والاحوال. هل تعلمين.. في عام 1921 كان عدد كبير من اعضاء الحزب الشيوعي من رجالات الازهر؟؟ علاء الاسواني: الفهم المستنير للدين يلتقيان طبعًا حسب المفهوم للدين. فمصر والشام والعراق والمغرب كان لديهم فهم للدين مستنير جدًا وقد تكون هذا الفهم المستنير في القرن 19. لذلك كانت هذه الدول مبدعة وبالتالي لم يكن الفهم الديني في هذه الدول عبئًا على الابداع. اما الان الفهم الديني السلفي الوهابي هو اصبح عبئًا على الابداع فهو ضد كل شيء وأي شيء. اهم فنانة في القرن العشرين ام كلثوم كانت متدينة جدا ولكن مفهومها للدين كان منفتحًا. إذن الدين والابداع يلتقيان إذا كان هناك فهم مستنير منفتح للدين.
جميل عطية ابراهيم: الفن متعة والدين قداسةبالنسبة إلى موضوع الدين والإبداع، فهناك دائمًا علاقات ملتبسة نظرًا لأن الدين له مكانة مقدسة خاصة عندما نشير إلى الديانات المقدسة ــ اليهودية والمسيحية والإسلام ــ كما أن الفن له تاريخ طويل في ذاكرة البشرية وضميرها الجمعى قبل ظهور الأديان المقدسة. فعصور ما قبل التاريخ مثلاً كان فيها البشر يخلقون الآلهة بالنحت والرسم وفقًا لحاجاتهم الوقتية ويتعبدون لها ثم يتركونها. ومع تقدم البشرية والعلم وضعت قواعد للفنون نابعة من الفن وقيمه الجمالية فالفن في الأساس متعة جمالية وطالب الفنانون بدراسة الفنون والآداب بعيدًا عن القواعد الدينية، فالقواعد الفنية موقتة. اما الدينية فهي مطلقة لكل زمان ومكان غير أن هذه الأقوال لا تروق عادة رجال الدين، وهنا تبدأ مشاكل بسيطة أو معقدة قد تصل إلى المنع والمصادرة والتكفير والقتل والحرق وقد عرفت البشرية جرائم بشعة بزعم الدفاع عن القيم الدينية المقدسة في أوروبا في العصور الوسطى.
صلاح هاشم: الدين هو أن نجد الله في كل نصلة عشب. الدين هو مؤسسة عقائدية ايديولوجية، غير انه في الأصل يؤسس لعلاقة فردية ذاتية ،بين العبد والرب، تجعل العبد يتسامى بفرديته، وينزع عنه انانيته، لكي يتواصل مع كل الكائنات والموجودات، حتى يجد الله في كل نصلة عشب، ولنذكر هنا بأن المتصوفة العرب كانوا السبب في نشر الاسلام في شبه القارة الهندية بافعالهم، وليس عن طريق الاكراه. فكانوا أولاً مثالاً وقدوة دفعت الناس في شبه القارة الى الاحتذاء بهم ،والدخول في دين الاسلام ،دين التسامح والسلام، اذ ليس الهدف من الدين الوصول الى سدة الحكم والسيطرة على البشر، ودفعهم باسم الدين، للترويج لافكار المؤسسة العقائدية، التي تعمل لمصلحتها والمهيمنين على شؤونها. وثمة تيار ديني عقائدي سلفي متشدد ومتطرف ومتخلف، يتحكم الآن في الاعلام العربي على مستوى الصحافة والتلفزيون، ويقف ضد الابداع والمبدعين ويعمل على تكفيرهم، والظاهر ان كل الحكومات العربية تحت العديد من الضغوطات استسلمت له، فاصبحت له السيطرة، وهو الان من خلال المؤسسات الاعلامية الممولة من طرفه، يتحكم في تشكيل وتوجيه العقل العربي، باتجاه الخرافة والخرابة، والثأر والعنف والدم، والسؤال عما هو حلال وحرام، والدوران في حلقة جهنمية مفرغة، وذلك من خلال التلفزيون والبرامج الحوارية والمسلسلات، والترويج لما احب ان اطلق عليه الهراء العام، وهو المسؤول عن الغيبوبة التي نعيشها على كل المستويات في العالم العربي، وهنا يوظف الدين الابداع للترويج لافكاره، حيث ان اغلب فنون عصر النهضة مثلا، كانت كرست أصلا لتمجيد العقيدة المسيحية والكنيسة. في حين ان الابداع او الخلق الفني هو الحرية - حرية الاختيار والانطلاق والسفر علي جناح المخيلة - في اسمي اشكالها ومعانيها، وحرية الابتكار والخلق، وحرية التفكير والحلم بمجتمعات انسانية جديدة مثل اليوتوبيا المفقودة، مجتمعات اكثر محبة وعدالة وتسامحا. ولذلك يكون الابداع محرما من قبل المؤسسة الدينية، لأنه يستطيع ان يطعن من خلال اشكال التعبير والابداع الفنية -في قصيدة او مسرحية او رواية او فيلم- يطعن في اصنامها ومقدساتها، ويسارع كما فعل الازهر الى رجم وتحريم نشر رواية اولاد حارتنا لنجيب محفوظ. ولذلك فان الدين والابداع لايلتقيان ابدا. الدين هو مقدسات ومحرمات كما ترى المؤسسة، وبالتالي فهو تقييد وانغلاق على الذات، اما الابداع فهو حرية الخلق والتفكير والابتكار بلا حدود، ضد كل المقدسات والمحرمات، ولذلك فهو انفتاح على الآخر، من دون تمييز بسبب الدين او لون البشرة اوالجنسية. الابداع هو بروميثيوس طليقا، بعد ان سرق النار - الابداع - من الآلهة واهداها الى البشر، وكان له ان يعاقب على فعلته، فيصعد الجبل وهو يدفع صخرة امامه، وحين يصل الى القمة تتتدحرج الصخرة الى السفح، فيهبط ويصعد بها من جديد، وياله من عذاب. اما الابداع فهو وحده - اي عن طريق الخلق الفني - هو وحده الذي يستطيع ان يمنح الدين انسانيته، ويطور من روحانيتنا، حين يمنحنا "النظرة " التي ننظر بها الى العقيدة لكي نعتبرها ونتأملها ونفكر فيها من جديد، كما فعل المخرج الايطالي بازوليني، حين قدم رؤية أو " نظرة " جديدة للعقيدة المسيحية من خلال فيلم "انجيل متي"، في حين ما زال " الازهر " يحرم عرض فيلم الرسالة للمخرج السوري مصطفي العقاد. واود ان احيل هنا - للتذكير بأن الدين والابداع لا يلتقيان- الى تجربة الكاتب اليوناني العظيم المبدع نيكوس كازانتزاكيس، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، الذي رحل في شبابه الى جبل آتوس في اليونان، واقام في تلك الاديرة للنساك المتعبدين من الرهبان عدة سنوات، لكنه سرعان ما عاد الى الحياة العادية اليومية مع البشر، بعد أن تأكد بنفسه من ان حرية التنسك والزهد والتعبد لم تعد تصلح لعالمنا، وكشف في كتاباته عن تلك الموبقات التي ترتكب هناك بين الرهبان الشواذ الاوغاد باسم التعبد والدين، وعاد كازانتزاكيس لكي يكتب عن كل ذلك ويقول ان الحياة الحقيقية، ليست في ان تنقطع يا صاحبي للعبادة، بل هي ان تناضل وسط الناس ومع الناس، وان تشاركهم حياتهم، لا ان تتفرغ للعبادة داخل معبد او كنيسة او دير للرهبان. وعاد كازانتزاكيس الى الحياة الحقيقية لكي يبدع لنا فيها روائعه الروائية مثل "الاخوة الاعداء" و "المسيح يصلب من جديد" و "زوربا اليوناني" و " تقرير الى الجريكو " وهي اعمال تتسامى مثل الكتب المقدسة بانسانيتنا، وتحثنا اكثر على التفكير في مصلحة البشرية جمعاء ضد الدمار والخراب والحرب، وتتواصل مع روح الدين، في الدعوة الى التفاهم والمحبة والتسامح بين البشر.
شبوب أبو طالب: انا ضد ربكم لا ضد ربييبدو الدين والإبداع في الجزائر أسرى لفكرة أن لا رباط بينهما، فكل الأسماء الأدبية الكبرى بعيدة عن التدين الشخصي، و بعضها يستلذ الهجوم على الدين، باعتباره قيدًا شخصيًا وفكريًا، الملاحظة الثانية أن الأسماء التي تعادي الدين وتجاهر بإلحادها (الروائي رشيد بوجدرة نموذجا) تعرف الطبعة الجزائرية من الدين الإسلامي وقد تكون ثورتها ضد "الطبعة" التي إلتقت بها في المحيط الأقرب، لا ضد "الدين" كنموذج فكري وحياتي لم تتضح صورته بعد ولم تستقر على شكل واضح جزائريًا، النقطة الثالثة أن هناك مبدعين جنى عليهم تدينهم، وربما "الاتجاه السياسي" الذي عبروا به عن التدين، ومن هؤلاء الدكتور عيسى لحيلح الذي كان مفتيا لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" وهو أكبر الجماعات المسلحة في الجزائر، فالدكتور لحيلح مبدع كبير، وهو شاعر فحل وروائيق كبير لكن اتجاهه الديني السياسي رمى به في أعالي الجبال مع المسلحين ولو أنه عاد للحياة المدنية مؤخرا، ويمكن أن نضيف عليه كلا من الشعراء نور الدين درويش وسويعد صالح و زبير دردوخ (الحائز جائزة الباطين). توجد أيضا طبقة جديدة لا تعادي الدين وإن اشارت إلى الممارسات الخاطئة (الروائي الشاب الخير شوار، الشاعر عبد الرزاق بوكبة). رأيي الشخصي أن "الدين" كمسمى إجتماعي هو ضد الإبداع، لكنه كـ"واقع " و"نص" لا يعارض الإبداع بل يحفزه، بدليل أن عمالقة الأدب كانوا من كبار العارفين بالله من عمر الخيام، ابن عربي، ابن الفارض، ابن رشد، إلى القرن المنصرم مع مصطفى صادق الرافعي وعباس العقاد وحتى مع نزار قباني الذي كتب قصائد تنضح حبا للحرمين و للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. المعضلة برأيي هو أن الأداء ضد "الطبعة الرديئة من الدين" التي تمارسها مجتمعاتنا لا ضد الدين نفسه. وكما قال الشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة " أنا ضد ربكم... لا ضد ربي".
نور الدين الحارثي: الدين قمة الابداعكيف لا يلتقي الدين والابداع؟ الخوض في مواضيع ذات علاقة بكلمة “دين” لا يجني منه المغامر، في الغالب، سوى لا مبالاة بعضهم وعداوة الباقي… لكن بما أن المحصول نفسه يبدو محتمًا علينا أيًا كان الموضوع الذي نخوض فيه، قررت أن أدلي بمدلوي في المسألة آملاً أن لا أحـَـِرّمَ حلالاً إن أخطأت وألا أحلل حراماً إن أصبت، والعكس صحيح… أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال يكمن في سؤال آخر:كيف لا يلتقي الدين والإبداع علمًا أن الدين قمة الإبداع وأن الإبداع قمة الدين؟ ولإيصال فكرتي أكثر يا أخت سلوى شخصيًا أعتقد أن مبدع أي عصر يحمل في طياته نبيـّي ومتنبـّـيّـي العصور التي خلت من قبله… قد يتساءل بعضهم “ما دخل المتنبيين في الموضوع ما دمنا نتحدث عن الإبداع؟ أضن أنها مسألة تصنيف السماسرة للسلعة التي قرر سوقهم ترويجها: بمعنى أن كل من أتى بدين كان عرضة لمساومة القوى (أشخصا أو مؤسسات) المهيمنة في زمانه ومكانه حتى إذا ضعفت إرادة صاحب دين و خضع للمساومة، توّجوه بتاج “نبي” أما إذا استعصى عليهم أو أتى بسلعته بعدما فض القوم من التجارة أو أغلقت الأسواق، وصموه بعار “متنبي” ليكفوا مدمنيهم شر إغراء بضاعته!على الرغم من أن النبيين أبدعوا في هدم طابوهات (مقدسات) قومهم و بناء مجتمعات تحكمها معايير قد تتناقض مع المعايير التي كانت سائدة قبلهم وطقوس قد تتوافق مع الطقوس التي تربوا عليها هم أنفسهم حتى استحال عليهم الطعن فيها، يشهد الخبراء في شأن محمد أن إلهه كان يسرع في تلبية هواه وهوى بعض “أصحابه” … و يشهد العامة أن عيسى صلب حافي القدمين وملتوي البطن وبارز الأضلع بعكس ثراء رجال الكنيسة النتن… وقد يستحيل وجود ديانة تخلو من هذه المفارقة.
رجاء بن سلامة: التنافر بينهما مستمر الى اليومهناك تنافر جوهريّ بين الدّين والإبداع وإن التقيا وتقاطعا. لأنّ الدّين في حالته المؤسّسيّة تنتج الأوهام المطمئنة وتقدّم الأجوبة والحلول الجادّة، والإبداع شبيه بلعب الأطفال وبالأحلام، ينتج ما لا يدّعي أنّه الحقيقة. ولكنّه لعب جادّ لأنّه يعيد طرح الأسئلة، ويشكّك في الحلول التي قدّمتها الأديان عن الموت والحبّ والمجهول. والأديان تقسّم العالم إلى خير وشرّ، والإبداع يبيّن خروج الشّر من الخير أو العكس، ويبيّن وجود نوع من الخطإ الذي تحدّث عنه أرسطو في "الشّعريّة"، وهو خطأ يكون مقترفه غير آثم وغير بريء في الوقت نفسه، كأوديب الملك الذي تزوّج أمّه وهو لا يعرف أنّها أمّه، فساد الطّاعون المدينة، وهو في غفلة من كلّ ذلك.عندما يخترق التدّين الأدب على نحو ما يمكن أن ينتج نصوصا بديعة كزهديّات أبي العتاهية أو الكتابات الصّوفيّة، وعندما يهيمن الدّين المؤسّس فإنّه ينتج أدبًا ركيكًا سمجًا كالمواعظ وما يسمّونه اليوم بـ"الفنّ الإسلاميّ". التّنافر بين الإبداع والدّين الإسلاميّ قديم قدم اعتبار القرآن الشّعراء كاذبين وهائمين في كلّ الأودية. والتّنافر مستمرّ إلى اليوم، مع فارق يتمثّل في أنّ المبدعين القدامى كانوا أكثر حصانة من مبدعي اليوم. المؤسسات الدّينية اليوم تحاصر الشّعراء والمبدعين بقانون الحسبة وحكم الرّدّة لأنّ الدّولة لم تخلق فضاء علمانيًّا ومدنيًّا يحمي الإبداع والمبدعين، بل تركت المثقّفين والمبدعين عرضة لنهش أصحاب فتاوى البول والرضاع والغائط. العلمانيّة أيضًا هي حماية الإبداع من العبوس الدّينيّ، حماية لجنون الإبداع الجميل من جنون الهوس الدّينيّ المرضيّ. أماني أمين: ما هو الابداع ؟سوف افترض انه التعريف العام وأن المقصود بالمبدع هو الفنان والكاتب والشاعر والعالم والطبيب والفيلسوف الخ... ممن يأتون بالجديد كل في مجاله. هل نستطيع الفصل بين الشخص المبدع ومكوناته الثقافية والبيئية والنفسية والاجتماعية المختلفة والتي من بينها الدين او العقيدة؟ لا أظن. ولا يوجد في رأيي اي تناقض بين الدين والابداع. بل على العكس هناك ترابط كبير بين الاثنين على مر العصور . فلننظر مثلا الى الحضارة المصرية القديمة بكل ما بها من روائع وفنون ارتبطت كلها ارتباطًا وثيقًا بالمعتقدات الدينية السائدة في ذلك الوقت الشيء نفسه ينطبق على العصر الروماني فالقبطي فالاسلامي. واذا تكلمنا عن الدين الاسلامي تحديدا فأثر الثقافة الاسلامية على الحضارة الغربية خير دليل على أن الدين لا يمكن أن ينظر له كمعوق للتقدم والابداع وحين نرى تعارضا بين الدين والابداع كما حدث في العصور الوسطى من قبل الكنيسة او كما يحدث اليوم في بعض مجتمعاتنا الاسلامية فالدين برىء منها وسببها هؤلاء الأفراد الذين ينصبون انفسهم حماة للدين و يحاولوا فرض وصايتهم على المجتمع. والدين على عكس ما يروج له هؤلاء منح الانسان المساواة والحرية وشجع على حرية التفكير وإعلاء العقل.
خالدة السبيعي: الدين انطلاقة الابداعالدين هو الانطلاقة الاولى للابداع، الابداع الادبي في اللغة العربية مصدره مفردات القران، وفي الابداع العلمي، الدين يحثنا على مواصلة العلم.."اطلب العلم ولو بالصين... وما اكثر براءات الاختراع والانجازات العلمية، وفي المجال التطبيقى او العملي يقول الرسول الكريم " إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف "فعمارة الارض تكليف من الله اساسها ليس فقط بالعلم و العمل انما في الابداع بهما.
فضيلة الفاروق: الابداع الفالسوإن الله هو المبدع الأكبر. لقد أبدع في خلق الكون وخلق ملكوته وخلق الإنسان من هذا المنطلق. أنا أقول دائما أن الإنسان لم يصل لدرجة الخلق والابداع وانما هو يفكك ويعيد التركيب. فكل شيئ موجود من حولنا ونحن لا نخترع أي جديد سوى أننا نملك أدوات لنصنع اشياء جميلة مما أوجد الله وفي هذه الحالة الإبداع حسب المفهوم العام مرتبط إرتباطا وثيقا بالله. نحن نكتب لأننا نحمل رسالة في قلوبنا و ضمائرنا من أجل الخير وهذا يعني أننا نمشي في الصف النقي الذي يريده الله. لست أرى الفن بكل أنواعه سوى نوعًا من العبادة لنقول لله شكرًا على هذه النعم التي تحيط بنا أو التي حبانا بها. حين أكتب وأجد فكرة جميلة جدًا أحتار من اين لي بهذه الفكرة من اين قفزت إلى رأسي و كيف ترجمتها إلى لغة أتساءل دوما هل العقل هو الذي يوجد كل هذه الفنون ؟ ثم اقول لنفسي مادام العقل أيضا ينتهي و يموت إذن الأرجح أنها الروح و الروح من " أمر ربي" سبحانه تعالى في عظمته. يا سيدتي الإبداع الذي ينبع من قلوب متعجرفة تمشي على الأرض غرورا ليس إبداعا إنه قشرة فالسو.
مرام مكّاوي: الاصل ان يلتقيا
بل يلتقيان... والأصل هو أن يلتقيا... لأن الله خلق الإنسان وأعطاه كل هذه الملكات وأرشده إلى أن يستخدمها بأقصى ما يستطيع لمنفعته ولمنفعة الآخرين، فإذا كنا نتحدث عن الدين الإسلامي، فمنذ البداية كان من الواضح أن الهدف منه أمران: عبادة الله، وعمارة الأرض، وهذه الاخيرة تتحقق كنتيجة حتمية للإبداع الإنساني. ولو عدنا للعصور الإسلامية الزاهية لرأينا كيف أن الإبداع ظهر في كافة مناحي الحياة الأدبية والفكرية والفنية والعلمية والعمرانية وفي كل ما يخطر على بال. وعرف المسلمون ولا يزالون الكثير من المبدعين والفنانين والأدباء الذين سار إبداعهم جنبًا إلى جنب مع معتقداتهم الدينية. فلو أخذنا الأدب مثالاً، فإن كل قصة أو قصيدة أو رواية، تحمل معانيًا سامية، أو تهدف إلى خير واصلاح حتى لو من خلال إبراز العيوب، ولكن دون فحش القول، ودون فجاجة وإباحية، هي أدبٌ متوافق مع الدين، أو أدب إسلامي، حتى وإن لم تظهر هذه الاكليشة بوضوح عليه. وعلى هذا فإنني أستطيع ان اعتبر روايات عالمية رائعة كرواية (جين إير) لشارلوت برونتي، تقع في هذا الإطار. واللبس الذي حصل والذي أدى إلى ظهور مثل هذا السؤال، هو حين تولى زمام أمور الدين عصبة من الجهلة هنا أو هناك، ممن حصروا الدين على الغلاف الخارجي فقط، وخلطوا بين التدين الحقيقي ومظاهره. وهؤلاء القوم يتميزون بأن أفقهم ضيق، وثقافتهم محدودة، ومعارفهم شبه معدومة، وبالتالي فهموا بأن الأصل في الأمور التحريم، والمباح استثناء بينما العكس صحيح. فالمشكلة لم تكن يومًا في الدين، وأعني هنا الدين الاسلامي، وإنما في بعض من ظنوا أنهم وحدهم خلفاء الله في أرضه


سلوي اللوباني



عن جريدة " ايلاف " بتاريخ 21 يونيو 2007

الجمعة، يونيو 22، 2007

فيلم " قص ولزق " يفوز بالجائزة الكبري في روتردام

تهنئة من شريف منير للمخرجة المصرية هالة خليل بعد اعلان فوزها بالجائزة الكبري للمهرجان في دورته السابعة
انتشال التميمي والمخرجة هالة خليل ومدير المهرجان خالد شوكات في لقطة تذكارية


جانب من الحضور في حفل الختام


الفنان نصير شمة في حفل ختام المهرجان



الكاتب السيناريست محفوظ عبد الرحمن ومحمد ابو الليل رئيس المهرجان





المخرج الجزائري ناصر بختي يتسلم جائزة الصقر الفضي عن فيلم ظلال الليل
الصور بعدسة الفنان العراقي المصور: باسم العزاوي


لجنة تحكيم مهرجان الفيلم العربي تمنح جائزتها الكبري لفيلم




قص ولزق لهالة خليل من مصر

و " اتمني " العذب " يحصل علي جائزة لفلسطين


روتردام . سينما ايزيس
شهدت مدينة روتردام في هولندا نهاية عرس مهرجان الفيلم العربي الذي عقد دورته السابعة في الفترة من 13 الي 17 يونيو 2007برئاسة الناشاط محمد ابو الليل، وادارة الدكتور خالد شوكات، وتحمل عبء البرمجة والادارة الفنية انتشال التميمي ،وجاءت جوائزمسابقة الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة كما يلي
تنويه خاص بفيلم "صابة فلوس" للمخرج أنيس الأسود من تونس وذهبت جائزة الصقر الفضي لأفضل فيلم روائي قصيرالي فيلم "أتمنى" للمخرجة شيرين دعيبس من فلسطين، اما جائزة الصقر الذهبي لأفضل فيلم روائي قصير فقد حصل عليها "أحمر أزرق" للمخرج محمود سليمان من مصر
اما جوائز الأفلام الروائية الطويلة فحملت تنويه خاص بأداء الفنانة "حنان ترك" في فيلم "قص و لزق" . بينما فازت جائزة أفضل ممثلة السويسرية "مادلين بيجيه" عن دورها في فيلم "ظلال الليل" للمخرج الناصر بختي الجزائري.وذهبت جائزة أفضل ممثل: "لشريف منير" عن دوره في فيلم "قص و لزق" للمخرجة هالة خليل. وحصل علي جائزة العمل الأول وتقدمها شبكة راديو وتلفزيون العرب "إي أر تي" المخرج اللبناني ميشيل كمون عن فيلمه "فلافل"وحصل علي جائزة الصقر الفضي للمخرج الجزائري الناصر بختي عن فيلمه "ظلال الليل" اماجائزة الصقر الذهبي فذهبت للمخرجة المصرية هالة خليل عن فيلمها "قص و لزق وتكونت لجنة تحكيم هذه المسابقة من يوسف شريف رزق الله المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي ناقدا و أندريه كوتوريك الناقد ومدير مهرجان أفلام الحب في مونس ببلجيكا، و نصير شمة الفنان والموسيقي العراقي و ابراهيم العريس الناقد اللبناني الكبيررئيس اللجنة
كما اجتمعت لجنة الأفلام الوثائقية المكونة من: مسعود أمر الله العلي، مخرجاو ريموند فان در كاي، منتجا و ماريان خوري رئيسا ومنتجا، وقررت ما يلي:بخصوص الأفلام الوثائقية القصيرة: شهادة تقدير: لفيلم "عالم على بعد 15 دقيقة"، لإيناس مظفر من فلسطين. الصقر الفضي: فيلم "ليالي هبوط الغجر" لهادي ماهود من العراق. الصقر الذهبي: فيلم "صمت"، لرامي عبد الجبار من سوريا. بخصوص الأفلام الوثائقية الطويلة: شهادة تقدير: فيلم "في اتش أس كحلوشة"، لنجيب بلقاضي من تونس. الصقر الفضي: فيلم "دبليو دبليو دبليو. غلغامش"، لطارق هاشم من العراق. الصقر الذهبي: فيلم "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها"، لهالة العبدالله وعمار البيك من سوريا.













































عرس روتردام بعدسة باسم العزاوي


ملصق الدورة السابعة






شريف منير يقبل يد المخرجة هالة خليل







عرس مهرجان الفيلم العربي السابع في روتردام بعدسة باسم العزاوي



روتردام. سينما ايزيس




كاميرا الفنان العراقي باسم العزاوي، صالت وجالت في مهرجان الفيلم العربي في
روتردام واستطاعت بكفاءة وحب ان تنقل بعدستها وقائع الحدث الفني الذكي، بل وأن
تمسك بتوهج الحياة ذاتها في " عرس " روتردام
وسينما ايزيس تشكرباسم العزاوي علي محبته وتعاونه، وتتمني له التوفيق
والنجاح في كل أعماله المقبلة







تكريم محفوظ عبد الرحمن الذي تألق في المهرجان بأنسانيته وفنه وعلمه وتواضعه


انتشال التميمي المدير الفني وخالد شوكات مدير المهرجان يهنئان هالة خليل بجائزتهاكبري



كلحوشة التونسي سعيد بجائزته





لقطة لحفل افتتاح المهرجان




سينما ايزيس تهنيء هالة خليل بعد عرض فيلمها " قص ولزق " ويظهر في خلفية الصورة رئيس المهرجان محمدابو الليل






تصفيق حاد لاستلام محفوظ عبد الرحمن جائزته بمناسبة تكريمه في المهرجان






الفنانة المنتجة ماريان خوري تلقي كلمة بمناسبة تكريمها ومشاركتها في لجنة تحكيم الافلام التسجيلية









في قاعة العرض





لقطة لاحدي الندوات التي عقدت خلال الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام



عدسة : باسم العزاوي

تمسك بتوهج الحياة في عرس روتردام














مهرجان الفيلم العربي7: انعطافة من ذهب ؟

لقطة من مهرجان الفيلم العربي في دورته السابعة في روتردام من 13 الي 17 يونيو 2007



مهرجان الفيلم العربي 7 في روتردام


الدورة السابعة انعطافة من ذهب


بقلم المخرج العراقي باز شمعون الباز



شاركت في جميع دورات مهرجان الفلم العربي في روتردام ، وكان غيابي فقط عند ولادة هذا المهرجان اي الدورة الاولى ، حينها قلت بأننا علينا انتظار انعقاد دورته السابعة، حتى نكون مطمأنيين بأن هذا المهرجان سيستمر في عطائه، ولن يتوقف ،لان سياسة المهرجانات ايا كانت ، العالمية منها ام المتواضعة والمحلية ، يتطلب اعدادها الكثير من الجهد والمثابرة والجدية في رؤية مستقبل حركتها وتكوينها وصلابة موقعها ، وبهذا يكون هدف منظميها هو عمليا عبور رقم سبعة .هذا العبور هو اساس انتصار اي مهرجان ،الا في حالات الكوارث والزلازل الكونية ، وتبديل حكومات وسياسات مؤسسات يجعلها تهتز وتسقط، لان رقم سبعة هو من اخطر الارقام فتكا للاستمرارية والوجود حسب "علوم الكون" ، بمعني انه لاخوف و لامخاوف بعد اليوم من عدم استمرارية انعقاد مهرجان الفلم العربي ودوراته اللاحقة ،فقد كتب له النجاح على الصعيد المحلي - الاوربي وحتى العربي، يعني استثمار المؤسسات الهولندية والاوربية والعربية في مهرجان الفلم العربي في روتردام لن يكون خسارة، بل سيكون ربحا ثقافيا وفكريا لمن يريد بالطبع النظر لهذا الفكر الثقافي السينمائي بشكله الايجابي،بل ان المهرجان خلق انعطافة من ذهب في دورته السابعة في اختياره للافلام وسهره على ضيوفه ومشاهدي افلامه ، بالرغم من كل السلبيات والايجابيات التي واجهت منظميه والساهريين على اعداده وتقديمه خلال هذه السنوات السبعة الطويلة، ولايسعني هنا الا تقديم التهنئة ألف مبروك لدورتكم السابعة، والى جميع من يرى او لا يرى فيه النور مستقبلا، و قررت الكتابة عن هذه الدورة ، أعني الدورة السابعة، ليس لان هناك انعطافة في استمراريته فقط ، بل لان هذه الدورة كانت بالنسبة الي ايضا من اهم الدورات ، وكانت عبارة عن عملية اكتشاف لشخصي بخصوص الافلام التي تم اختيارها وعرضها اثناء فترة انعقاد المهرجان، وان كان هذا الاكتشاف قد توقف عند فلم كحلوشة ، و فيلم دبليو دبيليو كم الحياة سعيدة ، وفلم اثناء العاصفة ، وفيلم ليل ونهار
و ايضا آخر فيلم ، وقد احتشدت دورة المهرجان السابعة التي انقضت بنجاح، احتشدت بأفلام اخرى قصيرة رائجة واخرى روائية تستحق كل النجاح، وسأتحدث هنا عن في وقفة قادمة عن مشاهدآتي واكتشافاتي عبر تلك الافلام فالي لقاء


باز شمعون الباز

مخرج فيلم أين العراق


مهرجان الفيلم العربي 7 :كيف نحرص علي طاقة نور ؟

salahashem@yahoo.com

مهرجان الفيلم العربي روتردام : كيف نحرص علي " طاقة " نور ؟










صلاح هاشم يكتب عن مهرجان " الفيلم العربي " السابع في روتردام



في ظلال الليل


كيف نحرص علي " طاقة " نور؟








بقلم صلاح هاشم



مذهب
عرس روتردام

مايمنح مهرجان الفيلم العربي في روتردام اهميته، محاولته التواصل مع الجمهور الهولندي والمهاجرين العرب في روتردام من خلال تقديم ابرز انتاجات السينما العربية ، وهو يتيح بذلك فرصة التعرف علي هذه الاعمال، والنقاش حول هموم وتناقضات وازمات وحروب عالمنا العربي المعاصر، وعلاقته بالسياسات القائمة، مثل العولمة وهيمنة الروح الاستهلاكية التجارية ، ومكاننا في الصراع او الصدام الحضاري الدائر المعلن جهارا بين الشرق والغرب ، بين الشمال والجنوب
ولذلك اعتبر ان المهرجان هو منبر سينمائي في المحل الاول، ولايجب استغلاله للدفاع عن خط سياسي معين في العراق او فلسطين فلن تتحرر فلسطين والعراق بالسينما، حيث ان مهمة السينما بالدرجة الاولي، خارج نطاق الافلام الكفاحية التي كانت تنتج في فترة ما لتكون وجهة نظر سينمائية لهذه المنظمة مثل منظمة التحرير، او لتلك الجبهة مثل الجبهة الديمقراطية في فلسطين الخ وسينمائيا لم يخرج منها شييء
مهمة السينما هي الوقوف في وجه الظلم ، و التعرف علي الحقيقة : حقيقة مايجري في مكان ما من خلال تعدد الزوايا ووجهات النظر، والامعان في احد وجوه هذه الحقيقة بنظر ثاقب
مهمة السينما بالدرجة الاولي هي اختراع تلك النظرة، اي تطوير فن السينما ذاته من داخله ، بابتكارات واختراعات كل فنان ، لأن السينما هي في فن الابتكار والاختراع والدهشة والاكتشاف ، وليست مهمة السينما ان تطرح موضوعا وتصوره ، لكنها في النقش علي الموضوع، كما النقش علي الحجر ، او الحفر او الرسم فوق طبق زهور صيني، ومايهمني في السينما سواء طرحت موضوع العنف او الحب في حياتنا ، هو الطريقة التي يشتغل بها المخرج علي الموضوع في ورشة الفن السينمائي
وفي كل مرة لاحظت ان مهرجان روتردام يتقدم، وبخاصة علي مستوي اختياراته السينمائية المحكمة ودلالاتها ومغزاها وفحواها ، وقد كانت الدورة السابعة للمهرجان اكثر احكاما من ناحية الادارة والتنظيم ، وخلق مناخات حميميية حقيقية للتحاور والنقاش والجدل ،كما ان وجبة الافلام الدسمة التي قدمتها لنا علي طبق المهرجان، جعلتنا نلهث وراء الافلام من قاعة الي قاعة، ونقطع الوقت القليل المتبقي، وحتي الثالثة صباحا احيانا، بالابتهاج بالحياة، وحب الحياة، والعب منها علي طريقتنا

قرار
طاقة نور

فجأة انتهي مهرجان الفيلم العربي السابع في روتردام الذي اقيم في الفترة من 13 الي 17 يونيو 2007 كما نقول في مصر ب " صنعة لطافة وحلاوة " اي انتهي بسرعة استغرقتنا ،اذ انشغلنا بمشاهدة افلام المهرجان، ثم مناقشتها وحتي الثالثة صباحا في دوائر المكان الفسيح: امام قاعة السينما علي الرصيف في روتردام ، ونحن ندخن اللفائف ، وفي صحبة حشد من الاصدقاء من شعراء وكتاب وممثلين وفنانين ، وعلي موائدالطعام التي اصطفت خارج المطعم اليوناني، حيث تختلط الندءات بالاحاديث الهامسة، والضحكات المجلجلة بالحوار النافع المفيد، والنقاش في السينما الفن والالتفاف حول ، والاتفاق علي تنفيذ مشروعات سينمائية جديدة، مشروعات تقربنا بذلك الفن من انسانيتنا، بعدمااتاحت لنا افلام المهرجان فرصا عديدة للتنقل والسفر، و من دون مغادرة المكان، للذهاب الي مصر وتونس والعراق ولبنان وفلسطين وغيرها
وتوهجت اعمال المهرجان السينمائية مثل الالعاب النارية، لتحكي لنا قصة الارض، بألوان قوس قزح، اشي ازرق واشي احمر، واشي بنفسجي واصفر مزركش بالذهب والدانتيلا لتطلع منه سينما قطيفة ومن حرير ، لكي نجول مع غجر العراق وسعد اليتيم في حقول الرب، ونتواصل مع كل نصلة عشب ، تحت المطر، فاذا بالمهرجان المتواضع الصغير ومن دون حفلات وبهرجةيصبح في التو طقوس محبة: بهجة اللقاء مع الاحباب ، ونشوة لاتعادلها الانشوة الرحيق ، وعبق ذلك المسحوق السينمائي الماسي : "جوهر" الحديث عن السينما مع " باسم " المصورالذي لايكترث كثيرا مثلنا بأن يركز، و "باز " المخرج الذي يريد أن ينتهي من فيلمه الروائي الاول الجديد، ويكاد من مجهود التفكير في الفيلم ، وحك الرأس الكبير، يكاد ينزف دما، و "زيزو" الناقد الذي يتذكر بكل الحب الايام التي عملنا فيها سويا في دار الصحافة العربية في لندن، وقتيبة الذي يبحث عنك ليهديك كتابه ، وقبلهم جميعا الاستاذ الكاتب الفنان الاديب والصديق محفوظ عبد الرحمن، صاحب مسلسلسلات وافلام " أم كلثوم " و" ناصر 56 " و الذي اردت اولا من حضوري الي المهرجان ان التقيه واعانقه في روتردام، بمناسبة تكريمه في المهرجان
فهو حكواتي انساني وابن بلد وطني أصيل من طراز نادر، وقد حكي لنا في روتردام علي جنب حكاية فيلمه ناصر 56 الذي عرضه المسئولون في التلفزيون المصري علي انه فيلم تسجيلي، ومازالوا وحتي هذا الوقت يعاتبون محفوظ علي انه "استكردهم " بفطنته وذكائه، وضحك عليهم وتحايل حتي عرض الفيلم، وفي اليوم التالي قامت الدنيا ولم تقعد
اكتشفوا انه فيلم روائي ، ويكفي بعد لقاء محفوظ عبد الرحمن ،الذي وجد ابو الليل رئيس المهرجان انه وحد العرب أكثر من البطل الأسطوري صلاح الدين، واعتبر محفوظ عبد الرحمن المغرم بأكل البلح بتواضعه وادبه الجم نموذجا يحتذي و" ثروة قومية " في مصر وبلاد العرب ثروة من جمال الفن في مواجهة قبح مسلسلات الترويج في كل لحظة للهراء العام، ولذلك يختفي الناس في شوارع تونس والمغرب ومصر عندما يعرض في التلفزيون عملا من اعماله
يكفي أن المهرجان اتاح لنا مشاهدة مجموعة افلام عربية روائيةوتسجيلية متميزة سنعرض لها ولفنها وانجازاتها في نظرة خاصة " لاحقا ان سنحت الفرصة
من ضمنها "الفيلم الاخير " لنوري بوزيد الذي نعتبره فتحا سينمائيا جديدا للسينما التي يصنع ، من زاوية قضية " الهوية " التي يناقشها الفيلم، في حين يتطرق الي و يعالج موضوع الارهاب
وفيلم " قص ولزق " للمصرية هالة خليل، الذي يحكي عن شظف العيش وغربتناجميعا في مكان اسمه الوطن، ويدعو بدلا من الثرثرات العقيمة عن الزواج والحب، أن نجرب ان نحب أولا ، وبما في ذلك من معاشرة الجسد للجسد، وكفانا حكي فاضي، فدعونا نقطف ثمار جنتنا هنا ، في نفس هذا المكان، او اي مكان آخر فوق السطح او تحت بير السلم من منظور فلسفة الزن، التي تفلسف وجودنا الحي
وعلي الرغم من تحفظاتي تجاه الفيلمين المذكورين اري انهما مع فيلم "فلافل" لمشيل كمون - الذي اعتبره جوهرة علي مستوي شريط الصوت وحده في الفيلم، ومن دون الحديث عن العناصر الاخري الفنية
قدما وجبة سينمائية روائية دسمة جدا، في حين كرس فوزي بن سعيد فيلمه " ياله من عالم رائع " ، الذي اظن انه اهم انجاز سينمائي في المهرجان، ولو كانت لجنة التحكيم منصفة حقا للسينما الفن، وليس لبضاعة الافلام وموضوعاتها ، لكانت منحته جائزتها الكبري التي يستحقها عن جدارة
كرس لسؤال السينما، والنوع، والعولمة، من خلال قصة حب ، حين راح يحكي عن التفكير في سينما المستقبل علي أي شكل سوف تكون، ويطرح تساؤلات مهمة في فيلمه للتعديل في مسار ثقافة المشاهدة ، فلماذا يكون الفيلم في كل مرة عن قصة لها وسط وبداية ونهاية؟ ولماذا لايكون بدلا من الحكاية القديمة، والدوران في حلقة مفرغة، طريقة لسرد حكاية جديدة هي الحكاية الاصلية التي تتفرع منها كل الحكايات، لكي تكون مدخلا للتأمل في موضوع السينما ذاته ؟
فيلم " ياله من عالم رائع " فيلم سابق لعصره، حيث مازلنا نهتم بالقضية وموضوع الفيلم ، اكثر من اهتمامنا بالطريقة التي تطرح بها السينما نفسها في الفيلم لتكون ، او لتطمح الي ان تكون : طريقة تفكير جديدة في التشكيل والكادر والموسيقي والايقاع والتون واللون والحركة ،اي عجن وخبز الفيلم كما رغيف الخبز البلدي الساخن الطازج، الذي يذوب مثل الزبدة في الفم حلاوة ، ويجعلما نتذوق ذلك البنيان التشكيلي السينمائي الموسيقي الاشبه مايكون بباليه للحركة - اصل السينما هو ان تخلق من الحركة باليه مثل الطرق علي الأوتار وتجعل منه قطعة موسيقية، وهناك باليهات في الفيلم -ان صح التعبير - تقربه من عدة انواع بقذفة حجر، فالفيلم يحيل من حيث "مرجعيته " الي النوع البوليسي، ويخلق نوعا من التوتر والترقب كما في افلام هيتشكوك ، ومن اجمل مشاهد الفيلم المشهد الذي يحتال فيه البطل علي الهروب فيتنكر في ثوب امرأة ويعبر حاجز الشرطة ، كما يحيل الي النوع الموسيقي وافلام جيمس بوند، والأفلام الفكاهية الساخرة ل الممثل البريطاني العبقري بيتر سيلرز " بنك بانثر " الفهد القرمزي ويمثل فيها دور المفتش كلوزو في شرطة باريس
كما يكرس لنوع أفلام الجريمة والعنف الدموية كما في فيلم " بوني وكلايد " للأمريكي آرثر بن، التي تحكي عن مصائر الخارجين علي القانون والمهمشين وعلاقتهم بالسلطة بل ان فيلم " ياله من عالم رائع " ينتهي بمشهد رائع يذكرنا بفيلم بوني وكلايد تحديدا، وواجب النقاد - لأن السينما تتقدم في العالم وربما باتجاه الفيلم الصامت الذي يحكي بالصورة فقط ومن دون كلام
واجبهم ان يفتحوا من خلال كتاباتهم السينمائية لجبهات او طرق او زوايا جديدة لمشاهدة الفيلم وطرق تذوقه والاستمتاع به من خلال مناهج جديدة في " القراءة " السينمائية، بدلا من الحديث العقيم في كل مرة عن قصة وموضوع الفيلم
ولذلك اعتبر ونحن لانري دوما " نفس " الفيلم ، اعتبر فيلم " ياله من عالم رائع " انجازا سينمائيا عربيا حقيقيا ، علي مستوي المنحي الجديد الذي ينتهجه علي سكة السينما الصامتة، والتجريب في النوع ليحفرللسينما الحقيقية التي لاتحكي الا بالصورة فقط ، وتنزع الي الاختصار والتجريد والاقتصاد، لكي تقترب كثيرا من الشعر سكة ، و ورزقها عند ربنا ، سواء فهم الجمهور قصدها الآن ، ام اكتشفه بعد قراءة جديدة للفيلم في المستقبل
كما أنه من جانب آخر ينحاز الفيلم بقوة الي عالم الهامشيين المعذبين سكان العشوائيات ، ومن ضمنهم قاتل محترف، وقد انجز علي مستوي التمثيل فقط الكثير عبر لوحات فنية سينمائية أخاذة مبهرة، حولت الفيلم في بعض اجزائه الي " مبارة "في التمثيل، تألقت فيها بطلة الفيلم ، كما تألق فيها مخرج الفيلم فوزي بن سعيدي ذاته في دور القاتل المأجور، و ذكرتنا تلك المباراة بأنه ايضا ممثل قدير، وأحالنا الي دوره وشموخه كممثل ايضا في فيلم " مكتوب " لنبيل عيوش ، وكانت بطلة " ياله من عالم رائع " نزهة راحل تستحق بسبب تلك المبارة التي شمخت فيها ايضا بتمثيلها ان تمنح جائزة احسن ممثلة
كما كانت مفاجأة المهرجان علي مستوي الاكتشاف فيلم سويسري " ظلال الليل " للمخرج الجزائري الذي يعيش في سويسرا ناصر بختي ، يعرض فيه لقضايا الغربة والمهاجرين من عدة وجهات نظر، تتيح للمتفرج فرصة التعرف علي القضية من كافة جوانبها وابعادها بالسينما
وليس بالكلام الاجوف العقيم والخطب، وهو من افضل الافلام التي عرضها المهرجان ومبروك لناصر وتحية له من القلب علي فيلمه الاول الروائي الجميل
اننا لا ننحاز الي مهرجان روتردام ، الا من منظور الافلام التي يعرض، والسينما التي توجد فيها ، وحرصنا علي مهرجان الفيلم العربي في روتردام، هو حرصنا علي اي طاقة نور، طاقة يمكن ان ينبثق منها اي نور، ليضييء لنا ولو قليلا جدا، نفق حياتنا العربية المظلم
فيجعلنا نتعرف علي انفسنا وذواتنا في مرآة الآخر والسينما و نمد يدا الي الجار ، ولوكانت الحوريات قادرات كما في الأحلام علي الخروج من شاشات الافلام الي قاعات السينما، لكنا يقينا سكنا الصالات

الثلاثاء، يونيو 12، 2007

اوراق من " كان " الستين 3

اوراق من " كان " الستين وبقايا صور بقلم صلاح هاشم

كريستيان مونجيو
لقطة من فيلم 4 شهور الحاصل علي سعفة " كان " الذهبية لعام 2007





أوراق من " كان " الستين 3



بقلم صلاح هاشم







انحياز " كان " إلي الأفلام المصنوعة باليد وتحمل هما


محنة في رومانيا




كشفت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان " كان " الستين برئاسة المخرج البريطاني الكبير ستيفن فرايرز عن انحياز واضح إلي سينما المؤلف – المصنوعة باليد في ورشة الابداع وتحمل هما - من خلال منح فيلم " أربعة شهور وثلاثة أسابيع ويومان " 4 MONTHS للمخرج الروماني كريستيان مونجيو- من مواليد 27 ابريل عام 1968 في لاسي.رومانيا - جائزة السعفة الذهبية ، أرفع وأهم جوائز المهرجان، وهي المرة الأولي التي تحصل فيها رومانيا علي هذه الجائزة، وكنا نبهنا في عجالة في زاوية " نظرة خاصة " إلي أن الفيلم أعجبنا، ورشحناه مع عدة أفلام للحصول علي تلك الجائزة، أو جائزة أخري من جوائز المهرجان المهمة..
كما يبدو هذا الانحياز واضحا من خلال منح فيلم " بارانويد بارك " PARANOID PARKومخرجه جوست فان سانت جائزة مهرجان " كان " الستيني، تقديرا له علي مسيرته السينمائية ، وأفلامه التي تدخل في لحم المجتمع الأمريكي، كمن يشق بطيخا بسكين، لتكشف عن آلامه وأوجاعه ، وحيرة وغربة شبابه من المراهقين. في عالم تنهار فيه قيم الحنان والتعاطف والحب، فإذا بالمجتمع الأمريكي كله، وبكافة مؤسساته، العائلية والتربوية، يصبح مسئولا عن جريمة أرتكبها شاب مراهق ضائع في فيلم " بارانويد بارك " عش المحرومين..
في حين حكي فيلم " أربعة سنوات " عن المجتمع الروماني تحت حكم الديكتاتور الراحل شاوشسكو من خلال عملية إجهاض، كان القانون آنذاك في رومانيا يعتبرها جريمة يعاقب عليها بالحبس ، ويبدأ الفيلم من داخل مجمع سكني بائس للطلبة في المدينة الجامعية، حيث تستعد طالبة حامل تدعي " جابيتا " للذهاب إلي أحد الفنادق، لكي يقوم رجل غريب بأجراء عملية الإجهاض لها داخل احدي غرف الفندق، نظير مبلغ من المال..
وتقنع الطالبة زميلة وصديقة لها تدعي " اوتيليا " بأن تصطحبها إلي الفندق، لكي تساعدها وتسهر علي راحتها، ومن خلال المشاهد الأولي للفيلم نتعرف علي هموم وحياة التقشف والمعاناة والبؤس التي يعيشها الطلبة، حيث تباع السجائر الأجنبية والبضائع والمأكولات المهربة في السر، ويتعاون الطلبة علي مواجهة أعباء الواقع تحت مظلة القمع والدولة البوليسية بحرص وكتمان . ويركز مخرج الفيلم - لضيق الميزانية- علي الاعتماد علي تصوير مشاهد الفيلم من خلال اللقطة المشهدية الطويلة، فمثلا نري أوتيليا صديقة البنت الحامل، تخرج من غرفتهما، وتتعقبها الكاميرا المحمولة علي الكتف عبر الممر الطويل الذي يفصل بين الغرف، لتصورها وهي تدخل من غرفة الي أخري، ثم تتوجه إلي الحمام، ثم تستدير والكاميرا تسبقها، لكي تصورها وهي تعود الي غرفتها ، ثم يقطع المخرج علي المشهد ، ويبدأ في تقديم مشهد أخر جديد بنفس الطريقة..
ويظهر اعتماد المخرج علي هذا النوع من المشاهد، كما في أفلام جوس فان سانت " فيل "، أثناء زيارة أوتيليا إلي منزل صديقها قبل نهاية الفيلم بقليل ، لكي تشارك في اجتماع عائلي ، تحتفل فيه أمه بعيد ميلادها، وتكون تركت صديقتها في الفندق ، وهي لا تعرف بعد أن حضرت عملية الإجهاض علي يد ذلك الرجل الغريب الجزار،إن كانت جابيتا الحامل خرجت منها بسلام، وإذا بها تتذكر مرعوبة ما وقع لهما، وتحس بالقرف والغثيان بعد ان طالت أيضا المهانة والفضيحة..
والمهم هنا أن أوتيليا بطلة الفيلم، التي تلعب دورها بإتقان بالغ الممثلة الرومانية آنا ماريا مارينسيا، تمر عبر تلك الحادثة التي يصورها الفيلم خلال أربعة وعشرين ساعة ، وتبدأ في الصباح من داخل تلك الغرفة الجامعية الرديئة، لكي تنتهي علي قارعة الطريق في الليل، مرورا بذلك الفندق المشئوم، تمر برحلة معاناة واستكشاف للذات مذهلة، رحلة تحبس الأنفاس، وتشدك بقوة الترقب كما لو كنت تشاهد فيلما من أفلام الرعب لهتشكوك إلي مقعدك..
إذ تكتشف أوتيليا أن صديقتها الحامل كذبت علي الطبيب المزيف الجزار، وأوهمته بأن أوتيليا أختها ، وكان عبر الهاتف أوضح لها أنه لا يريد أي مقابل مادي نظير عملية الإجهاض ، بل يريد فقط أن يضاجعها هي وأختها ! وهكذا تجد أوتيليا أنها تورطت، ووقعت بالفعل في محنة ، ولم تكن تريد إلا مساعدة صديقتها ، وتقبل في النهاية لكي تتم العملية بسلام ، أن يغتصبها ذلك الجزار، ومن بعدها جابيتا، ولا شيء بعد الآن يستطيع ، يا للمهانة ، أن يغسلها ويطهرها من عارها..
وحين تغادر أوتيليا الفندق وتسارع للمشاركة في عيد الميلاد، لا تعرف ماذا تقول لخطيبها، وتروح أثناء الاحتفال بعيد ميلاد أمه، تستمع إلي تلك الأحاديث العائلية السخيفة التافهة لأناس برجوازيين مستفيدين من نظام الحكم البوليسي القمعي الديكتاتوري لشاوشسكو، وحريصين علي بقائه واستمرار يته، لأنهم قطعة منه ، ولا تكشف لخطيبها إنها اغتصبت في الفندق..

كابوس الجنين


وقبل أن ترحل تقف معه علي عتبة الباب خارج الشقة، وهي تفكر كيف ستعود الي الفندق لكي تحمل الجنين وتتخلص منه بإلقائه في صندوق زبالة أحد المساكن الشعبية الرومانية المتهاوية ،و تقرر الانفصال عن خطيبها ، وعليه من الآن أن يتركها وحالها ، فهو أيضا لن يكون أفضل من ذلك الجزار الذي أنتهك عرضها ، ويقينا سيأخذ منها كل شيء، بعد ان يخدعها بوهم الحب والكلام المعسول ، لكي يتركها كما النفايات في النهاية، ويهجرها إلي امرأة أخري، وتلاقي نفس المصير. لا فائدة ولا طائل من علاقتهما إذن، وعليها الآن أن تنهي هذه العلاقة ، وأن تسارع بالعودة إلي الفندق، لتعرف ان كانت صديقتها مازالت علي قيد الحياة وتتخلص كما وعدتها من الجنين..
فيلم " أربعة أشهر وثلاثة أسابع ويومان " للروماني كريستيان مونجو – فيلمه الروائي الثالث - يحكي من خلال تلك الحادثة الواقعية ، وبأسلوب البريطاني كين لوش " إنها تمطر حجارة " ، وعلي نهج الأخوين البلجيكيين داردين " روزيتا " في الإخراج ، يحكي عن " كابوس " مرعب ، ومن دون مط ورغي وحكايات مملة لا تنتهي كما في جل أفلامنا ومسلسلاتنا المصرية المريضة بداء الثرثرة ، وقد بدا لنا مثل عملية " تشريح" آسرة للمجتمع الروماني الكبير تحت حكم شاوشسكو، من خلال تسليط الضوء علي العالم المصغر الميكروكوزم لمحنة تلك الفتاة الجميلة الشقراء البريئة أوتيليا ، وقد قادتها نواياها الأصيلة الشريفة الطيبة، ورغبتها في تقديم المساعدة..
قادتها إلي رحلة رعب وضعتها أمام نفسها علي المحك. لتدرك حينئذ فقط فداحة ومأساة العيش في ظل القهر والقمع والدولة البوليسية الشاوشسكوية، بأجوائها الكئيبة الكالحة السوداوية العبثية ، و تفيق في النهاية من ذلك الكابوس، لتكتشف أنها فقدت شرفها وكرامتها، واحترامها لنفسها، وسقطت في الوحل..
فيلم جميل وبديع ، ببساطته وواقعيته ، وتلك التفاصيل الضرورية الكثيرة في الفيلم، التي تشكل النسيج الواقعي العام ، بتصوير يغلب عليه اللون الأصفر الغامق المائل للخضرة ،ليكثف الإحساس بالحبس والموت داخل تلك الغرف المغلقة السرية، الموضوعة تحت المراقبة في الفندق، وعلي من يصعد اليها أن يسلم بطاقته الشخصية لموظف الاستقبال ، ويعلم الله وحده كم شهدت من مآس وأهوال..
ومن أبرز مشاهد الفيلم اللحظة التي تدلف فيها اوتيليا الي الحمام، لتري الجنين الميت الغارق في الدم، فتلف الجنين في ورق جرائد وهي مرعوبة، ثم تحمله في حقيبتها وتغادر الفندق ، لكي تتخلص منه بإلقائه في مقلب زبالة احدي العمارات السكنية في ضواحي العزلة والبؤس، وحين تعود إلي تلك الغرفة المشئومة في الفندق ، إذا بها تكتشف أن صديقتها اختفت فجأة..

صورة تشبهنا

لماذا لا نشاهد في بلادنا مثل تلك الأفلام، ونتعلم منها، ولماذا تصنع لنا تلك الأفلام الركيكة الاصطناعية التافهة التي لا تقدم كما يظهر في ذلك الفيلم صورة "واقعية " حقيقية تشبهنا، بل تروج للهراء العام والفبركة ، وتجعل الأجانب يضحكون علينا، ويقهقهون في عبهم من أفلامنا ؟
قد تكون هناك إجابة علي ذلك السؤال من خلال واقع سوق الفيلم في مهرجان ذاته ، حين عرض فيلم " مفيش غير كده " في السوق وتضطلع ببطولته نجمة معروفة ، فلم يحضر بعد تأجير قاعة لعرض الفيلم في السوق بالشيء الفلاني إلا بضع أشخاص ، لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالسينما. ومن بعدها أقبل علي ناقد لبناني ليسألني في حوار لقناة الجزيرة الوثائقية أن كيف تفسر مقاطعة " الحضور العربي " في كان للأفلام العربية التي تعرض في السوق. فأجبته : لمعرفته مسبقا بتفاهتها ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، ثم كيف تريد أن يهتم ذلك الحضور، وهو في أعظم مهرجان للسينما في العالم ، ويقصف يوميا بعشرات الأفلام الجيدة، وهي هنا علي قفا من يشيل، بمثل تلك الترهات السينمائية ،التي لا تأنف من تحويلنا دوما في أفلامها إلي مسخ، كما في فيلم " مفيش غير كده "ولا تحمل هما ولا قضية ؟. عجيب !..
لقد حزنت في " كان " حزن الموت، بسبب حادث طارئ ولم يكن في الحسبان، وقع لي أثناء ذهابي إلي " كان " بالسيارة، فحال دون مشاهدتي لبعض الأفلام، ومع ذلك لم أيأس ولم أستسلم، بل أخذت القطار إلي كان، وتجشمت الأهوال لمتابعة أفلام المسابقة، وكنت أسكن في مدينة بيوط " BIOT علي بعد 25 كيلومترا من " كان " كالعادة ، وأتنقل بينها وبين كان علي راحتي في ما مضي ، فلما ضاعت السيارة في الحادث ، صار التنقل بين بيوط وكان غاية في المشقة والتعب، وكنت أسافر وفي جيبي دفتر مواعيد المواصلات بين المدينتين ، وأستيقظ في السادسة صباحا والنعاس يغالبني كل يوم ،واكتفي بلقمة وفنجان قهوة علي السريع ، قبل أن أركض هابطا التل، لكي ألحق بأول قطار يحملني من بيوط إلي كان، حيث تبدأ عروض الصحافيين في الثامنة والنصف صباحا، وتبد أ دورة اللهاث والركض للحاق بالأفلام التي لا تنتهي. ولست بالطبع ضد عرض أفلامنا في سوق الفيلم ، لكني لست علي استعداد لتضييع وقتي في " كان " في كلام فاضي، ونصحته بأن يتأمل قليلا في تلك الطوابير الطويلة من الصحافيين والنقاد التي تقف أمام قصر المهرجان وهي تنتظر، علها تفوز بمقعد لمشاهدة فيلم من أفلام المسابقة، ويفكر لماذا تندفع مثل جيش جرار هكذا حين يسمح لها بالدخول، وتتدافع بالمناكب، فلن يتعجب بعدها ويسأل عن سر غياب الجمهور عن عروض أفلامنا العربية في سوق المهرجان..