الجمعة، أبريل 29، 2011

الثقافة والتغيير وشرعية الثورة بقلم صبري حافظ

الشعب يريد إسقاط النظام. عدسة صلاح هاشم





الثقافة والتغيير.. وشرعية الثورة


بقلم
د.صبري حافظ


رئيس تحرير مجلة " الكلمة " الفكرية الثقافية الشهرية

حينما اندلعت الثورة التونسية رأت فيها مجلة(الكلمة) فجرا للثورة العربية الأكبر والأشمل والأوسع. خاصة بعدما بدل الخوف مواقعه، ودب في أوصال الأنظمة القمعية العربية الفاسدة، كما كتبنا وقتها. وبعدما كبل هذا الخوف طاقات الشعب العربي لعقود طويلة. وقد صح توقعها فقد اعقبتها الثورة المصرية، التي نفض فيها الشعب المصري الخوف عن نفسه، وألقى به في معسكر النظام الفاسد الذي ارتجفت أوصاله، فبدأ يتعثر في تخبطه ورعبه. وطلع مع انتصار الثورة المصرية على الفجر التونسي ضوء النهار الساطع، الذي نشرته على الجميع مظاهراتها المليونية الجبارة والراقية معا. ثم توالت الانفجارات في الجزائر واليمن وليبيا والبحرين وسوريا والأردن والمغرب. فقد استيقظ الشعب أخيرا، وانتقل الخوف إلى تلك الأنظمة القمعية الفاسدة والفاقدة لأي شرعية أو مصداقية، وآن أوان إيقاف التدهور الذي عاشته المنطقة لعقود. جعلت العالم العربي يبدو للجميع وكأنه رجل العالم المريض في مطالع القرن الحادي والعشرين، كما كانت الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض في بداية القرن العشرين. وعاد الأمل للنفوس في نهضة عربية جديدة، ترد الروح للإنسان العربي وتضع أقدامه من جديد على بداية الطريق إلى التقدم والحرية والعدل والكرامة.

والواقع أن شرارة الثورة التي باغتت النظامين الفاسدين في تونس ومصر، وأسقطتهما بمفاجأتها المصمية وقوتها الهادرة قد دفعت أنظمة فاسدة كثيرة أخرى إلى محالة استباق تبرعمها في بلدانها، أو إخماد شراراتها الأولى بشلالات من مياه الإصلاحات المتأخرة. فأكد هذا خوفهم وتخبطهم وحرصهم على التمسك بالسلطة بدلا من أن ينفيه، وبدت أصلاحاتهم وكأنها صحوة ميت قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو رشاوى تأخر أوانها، من حكام لايعرفون غير الرشى والفساد. بينما دفعت آخرين، كالقذافي المعتوه، إلى الوقوف بعناد مجنون أمام تيار الثورة الجارف في محاولة يائسة لإيقاف مسيرته، حتى ولو أدى الأمر إلى سفك دماء الشعب الزكية، أو استخدام آلته العسكرية لقتله وترويعه. دون أن يعرفوا جميعا، من لجأ للرشوة منهم في الجزيرة العربية، أو لمسعول أضغاث الكلام الأيديولوجي القديم في سوريا، أو من أصابه الجنون فاستأجر المرتزقة وأعمل في شعبه آلة القتل الجهنمية في ليبيا، أن تصرفاتهم اليائسة المعتوهة، سواء أكانت بالرشوة أو بسفك الدماء لن توقف مد الثورة الكاسح، ولن تزيد الأمور إلا دموية وتعقيدا. فالثورة لابد وأن تنتصر مهما تكاثرت ضدها المؤامرات، ومهما تفننت الثورة المضادة في مراوغتها والنيل منها. لهذا كله، ومن موقع الإيمان بضرورة انتصار الثورة، أكتب هنا عن الحالة المصرية، دعما لشرعية الثورة فيها. لأن نجاح الثورة في تحقيق أهدافها في مصر، سيكون له أثر على بقية الثورات العربية، ما تحقق منها في تونس أو لم يكتمل تحققه بعد في غيرها من سائر الأقطار العربية. ولأن الكتابة عن حالة من الحالات التي تعيشها الثورة العربية ستخرج بنا عن التنظير المجرد، والأماني المطلقة، وتدخلنا في قلب الممارسة العملية في حالة محددة، وما يتصل بها من قضايا وإشكاليات. وسأتناول هنا ما يجب أن تفعله الثورة في مجال الثقافة في مصر، في سياق ما تقوم به حكومتها الجديدة من ممارسات.

الثقافة والقطيعة الجذرية الضرورية مع القديم:
استقبل البعض خبر تعيين الدكتور عماد الدين أبوغازي وزيرا للثقافة في الحكومة الانتقالية بترحات، وانتقد البعض هذا التعيين باعتباره مخيبا للآمال العريضة في تغيير ثقافي جذري وحقيقي. فنقطة القوة الأساسية التي تبرر أختيار عمادالدين أبوغازي وزيرا للثقافة، وهي معرفته الواسعة بشؤون الإدارة الثقافية وبخريطة الثقافة والمثقفين المصريين، بسبب عمله لأكثر من عشر سنوات في المجلس الأعلى للثقافة، مديرا لإدارته المركزية، ثم أمينا عاما له، هي للمفارقة المؤسية نقطة ضعفه القاتلة في الوقت نفسه. لأن أكثر من عشر سنوات من العمل في مؤسسة الثقافة الفاسدة التي حولها وزيرها الفاسد إلى حظيرة للاحتواء وشراء الذمم وإجهاض أي ثقافة حقيقية كافيه لتلويث أكثر المثقفين نزاهة ونقاءا. فلم يسلم أحد من الذين عملوا لسنوات طويلة مع الوزير «الفنان» بين قوسين، (هكذا كنت أشير إليه دوما في عنفوان سلطته، وليس بعد أن كنسته هو ونظامه رياح الثورة) من أدران سياساته الثقافية الحمقاء، التي حولت الثقافة إلى مهرجانات للفرجة يستمتع بها الرئيس المخلوع وزوجته التي كانت تحلي صورتها أغلفة جل الكتب التي تطبعها وزارة الثقافة كل موسم، وتتحول مكافآتها المجزية للبعض، والمخزية للآخرين، إلى رشاوى مفضوحة لإدخال المثقفين إلى حظيرته سيئة السمعة.

كما أن السنوات القليلة التي انفرد فيها عماد أبوغازي بقيادة المجلس الأعلى للثقافة، لم تتح له أن يبلور أي قطيعة وظيفية أو معرفية مع النظام السابق في المجلس، والذي أرساه جابر عصفور (وزير الثقافة في الحكومة السقطة والساقطة التي أتي بها الرئيس المخلوع في أيامه الأخيرة) وسار عليه خلفيه: علي أبوشادي ثم عماد أبوغازي. صحيح أن جابر عصفور قد قفز كفئران السفن من سفينة تلك الحكومة قبل أن تغرق باستقالته منها لـ«أسباب صحية»، وليس لصحوة ضميرية، أو لعودة وعي زائفة، وإن كان الجميع يعرف أن السبب الحقيقي لاستقالته، ليس تضعضع صحته التي لو أراد لاستخدامها في رفض الوظيفة في المحل الأول، وإنما لأن أنس الفقي قد أهانه وأحرجه وعراه أمام زملائه الوزراء.

لا أريد هنا أن أرحب باختيار عمادالدين أبوغازي للوزارة كبعض من رحبوا باختياره، أو أن أنتقد هذا الاختيار كما فعل آخرون، ولكن ما أريد أن أطرحه عليه هنا راجع لسببين: أولهما الوفاء لذكرى علاقة قديمة وأنا في شرخ الشباب مع والده النبيل بدرالدين أبوغازي، الذي عرفته أثناء عملي مع أستاذنا الراحل الكبير يحيى حقي في مجلة (المجلة)، حينما كان ينشر بها مقالاته، وشاءت الظروف بعدها أن أختبر معدنه بعد توليه لفترة وجيزة وزارة الثقافة، وفي ظروف لا تقل حرجا وحساسية عن تلك التي يتولاها فيها ابنه. وثانيهما أنني ككثير من المثقفين الذين انتقدوا الوزير الفاسد السابق وسياسات وزارته الحمقاء، أجد أن الثورة تتطلب مني ومنا جميعا المساهمة في بلورة قيمها الجديدة في مجال عملنا الثقافي من ناحية، كما أنني أتوسم فيه، كإبن لبدر أبوغازي وحفيد لمحمود مختار، قدرة على تقدير الظرف الصعب الذي يتولى فيه تلك الوزارة، ووعيا بعبء المهمة الكبيرة والفادحة التي ألقيت على عاتقه، وهو ما دفعه قبل أسبوع إلى تلبية الدعوة التي وجهها له الفنان محمد عبلة لحضور الاجتماع الذي نظمه أتيليه القاهرة لمناقشة الورقة المهمة التي طرحها الفنان عادل السيوي حول الدور المبتغى في المرحلة القادمة للمجلس الأعلى للثقافة.

لهذا كله أريد أن أطرح عليه هنا مجموعة من الأفكار التي قد تتيح له أن يحدث قطيعته الثقافية والمعرفية والتنظيمية، وهي قطيعة ضرورية ومطلوبة، مع تراث الفاسدين: فاروق حسني وجابر عصفور. وأول ما أريد أن أطرحه عليه هو أن يعي أن ثمة شرعية جديدة هي شرعية الثورة، يجب أن تكون مصدر كل السياسات والخطط المستقبلية في الثقافة كما في غيرها من المجالات، بل وقبل غيرها من المجالات. فلايحافظ شيء على الروح التي عادت لمصر مع ثورة 25 يناير أكثر من الانطلاق من شرعيتها لبناء نظام جديد. ويستطيع من تابع أحداث هذه الثورة أن يرى كيف كانت عودة الروح التدريجية تلك تمدها بزخم متنامٍ، يتجلى في صمودها واستمرارها من ناحية، وفي التبلور العقلي الناضج والمتصاعد لمطالبها المشروعة من ناحية أخرى. ولهذا لابد من الحفاظ على تلك العنقاء التي ولدت من رماد الهوان الذي مرغ فيه نظام مبارك المخلوع مصر كلها. لابد من الحفاظ على ذلك الكائن الجميل المستحيل معا، ليس فقط من أجل مصر، ولا حتى من أجل العرب، بل من أجل العالم كله الذي بهرته ثورة مصر، وانحنى لها إجلالا وتقديرا، حيث يعتبرها معظم من كتبوا عنها في الغرب أحد أهم ثورات التاريخ وأكبرها وأكثرها رقيا وتحضرا. فقد ظل تيار الثورة في التصاعد، برغم كل مؤامرات النظام وإعلامه وخطاب مؤيديه وكلاب حراسته الغبي والمفضوح.

وقد أثبت الشعب المصري رقي معدنه، وعلّم العالم درسا في معنى أن تكون متحضرا بحق، وليس متشحا بقشور الحضارة وطقوسها وأدوات بطشها، وراءك آلاف السنين من الحضارة والعراقة التي تحولت إلى حدوس عميقة ترود حركة المتظاهرين برغم بساطة الكثيرين منهم. واستطاعت الثورة بنبلها ورقيها واحتلالها للموقع الأخلاقي الأسمى أن تحقق الكثير. وظل الشعب المصري على مد أيام الثورة المتتابعة واعيا بهدفه لايحيد عنه. فقد كان شعار الثورة الرئيسي هو «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو شعار محوري، لأنه يوشك أن يكون الشعار الوحيد، بين شعارات الثورة الكثيرة المصاغ بالفصحى، بينما جل الشعارات مصاغة بالعامية المصرية. (وأرجو هنا أن يكون ثمة من جمع كل تلك الشعارات من أجل المستقبل، ومن أجل دراسة في فكر هذه الثورة ورؤيتها) وهذه الصياغة اللغوية الفصيحة تكسبه ثقلا إضافيا دالا. وقد سقط رأس النظام، لكن لابد من إسقاط النظام بأكمله حتى يمكن بناء نظام جديد على أسس وقواعد جديدة. نظام ينطلق من الشرعية الجديدة التي أسستها هذه الثورة وأرست بتضحياتها ودمائها الزكية أركانها.

فقد كشفت ثورة 25 يناير وهي ترد الروح لمصر، عن معدن شعبها المتحضر الأصيل، وعن قيمه التي ظن الكثيرون أنها قد ضاعت، بسبب صبره الطويل في احتمال الأذى والضيم، ومشاعر العزة والكبرياء والفداء التي توهم القهر والاستبداد أنه قد أجهز كلية عليها. وها هو الشعب المصري يطرح عن نفسه مخاوفه التي عمل كلاب حراسة النظام البائد في الثقافة والإعلام بمن فيهم من يسمون أنفسهم بالمثقفين الكبار، على تكريسها فيه. وأهم من هذا كله يكشف عن وعي ناضج باهر، وإصرار قوي على التغيير الكامل للنظام دون مساومة أو تنازلات. وهكذا تؤسس هذه الثورة شرعية جديدة، شرعية شعبية غير مسبوقة من حيث الحجم والاتساع وانضمام كل عاقل راشد لمظاهراتها المليونية. فبعد عدة ملايين في جمعة الغضب، تجاوز العدد العشرة ملايين في جمعة الرحيل، ثم بلغ العشرين مليونا في جمعة التحدي أو الطوفان، بمعنى أنه لم يمض على الثورة أكثر من أسبوعين حتى انضم إليها كل عاقل راشد في الشعب المصري، وظلت الطغمة الحاكمة معزولة، تتخبط في ذعرها، ولا تنفعها تنظيرات كلاب حراستها، ليس فقط أمام شعبها بل أمام العالم كله، وقد سقطت شرعيتها سقوطا مدويا أذهل حلفاءها وأصدقاءها قبل أعدائها.

من هذه الشرعية الجديدة، الشرعية المليونية الجارفة التي كنست في طريقها كل ما يمثله النظام الذي أصرت على سقوطه من قيم وممارسات لابد أن ينطلق أي عمل ثقافي جديد. لابد الآن من الانطلاق من هذه الشرعية الجديدة لتأسيس نظام سياسي وثقافي جديد، يلبي مطامح الثورة، ويبلور حكما ينهض بحق على شرعية شعبية حرّة وعريضة. ويعتمد نجاح الثورة في تحويل شرعيتها تلك إلى واقع ونظام حكم على تغيير الثقافة في المحل الأول. فقد كان فساد الثقافة وفساد القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية هو الذي كرس كل سلبيات النظام المخلوع، وهو فساد لم تسلم منه كل قطاعات الثقافة من الصحافة حتى الكتاب وكل المنتجات الثقافية المرئية والمسموعة، وغيرها من الممارسات الثقافية المختلفة. وحينما أتحدث عن الثقافة هنا فإنني اتحدث عنها باعتبارها منظومة من القيم والممارسات الفكرية والثقافية والأخلاقية معا. وباعتبارها في الوقت نفسه الصائغة للوعي الجمعي والمعبرة عنه، والحارسة لقيمه الضميرية في آن.

لابد إذن أن يدرك عمادالدين أبوغازي بداءة أنه ينطلق من شرعية جديدة تتطلب رؤية جديدة، وبنية ثقافية جديدة، وممارسات تنظيمية جديدة. تحدث قطيعتها الصارمة مع القديم بكل رموزه الفاسدة. ولابد أيضا أن يعي أنه بالرغم من عفن كل الممارسات الثقافية التي تعامل معها عن قرب لأكثر من عشر سنوات، ظلت ثقافة الشعب المصري، وبنية مشاعره (حسب مصطلح رايموند وليامز الشهير) سليمة برغم كل البطش الجهنمي الذي عانى منه الشعب المصري لأكثر من نصف قرن. ليس فقط لأن معدنه نفيس، أو لأنه شعب وراءه آلاف السنين من الحضارة والإنسانية والرقي، ولكن أيضا لأنه وجد في العالم الافتراضي وفضاءاته الحرة منابره البديلة لتلك التي استولت عليها ثقافة الفساد وانتهكتها مطبوعاتها المحلاة بصورة سيدة الحرملك التافهة، زوجة الرئيس المخلوع. لابد إذا أن يحدث قطيعته الكاملة مع الماضي، وأن يعمل في الوقت نفسه على إحداث تغيير حقيقي وجذري في الثقافة وللثقافة، لأن هذا هو أحد أهداف الثورة وضروراتها الأساسية. أقول تغيير جذري في الثقافة بكل ممارستها ومؤسساتها الثقافية، وللثقافة التي تبلورها الممارسات والمؤسسات باعتبارها رؤية ومستودعا للقيم، لا أمل بدون تغيير جذري فيهما معا لتحقيق ما تصبو إليه الثورة. فكيف يكون ذلك؟

شرعية الثورة وكيفية بلورتها:
تنهض شرعية الثورة على مجموعة من القيم والمبادئ المغايرة كلية لتلك التي كرستها وزارة فاروق حسني الفاسدة، وتبعيته هو وجل معاونيه (من جابر عصفور إلى زاهي حواس واسماعيل سراج الدين) للتوجيهات الصادرة من حرملك النظام الفاسد وقيمه المنحطة. خاصة وأن هذه الوزارة أدارت مقدرات الثقافة المصرية لما يقرب من ربع قرن، فكرست ممارساتها الشائهة المقلوبة، وسوغتها بالملكوت والرهبوت. وتمكنت من تسييد خطابها المترع بالزيف والتدليس. وتتطلب منا شرعية الثورة أول ما تتطلب تسمية الأشياء بمسمياتها الواضحة، فلا ندعو الخدمة في الحرملك دعما لدور المرأة، ولا كتابة خطب السيدة الأولى (والتي أرجو أن تكون الأخيرة، فقد سبقتها أخرى تسابق نفس الكتبة على تدبيج رسالتها) تنويرا، أو وضع صورها على إصدارات الوزارة من كتب في نوع من غسيل السمعة بالثقافة، كغسيل الأموال المشبوهة، مهرجانا للقراءة. وإنما لابد من الآن فصاعدا تسمية الأشياء بأسمائها الواضحة دون مواربة أو تزييف.

لأن التزييف لا ينطلى لو انطلى إلا على المزيفين وحدهم، ويظل القارئ المصري الحصيف مدركا ما وراءه، يراقب ما يدور مستهجنا، أو يشيح بوجهه عنه تعففا. ولكنه يعرف في جميع الأحوال حقيقة المشهد وآلياته المضمرة. وهذا هو السر في أن بنية مشاعر الشعب المصري العريض ظلت سليمة، فلم ينطل عليه تضليل المضللين. فقد كان أحدث الوافدين إلى الحقل الثقافي يعرف الدور المذموم لحرملك النظام الذي أسقطته الثورة في اختيار قياداتها، ورسم سياساتها. وكان يعرف كيف توزعت بين تلك القيادات أدوار الخدمة في الحرملك، بدءا من اختيار الملابس حتى كتابة الخطب، أو اختيار القطع الأثرية التي تهديها لمن يغدقون عليها درجات فخرية لاقيمة لها، أو التغاضي عن نهبها لملايين الدولارات من تبرعات الدول الأجنبية لمكتبة الإسكندرية. فالقيم التي تنهض عليها ثقافة الشماشرجية وخدم الحرملك هي التي حولت الثقافة إلى حظيرة، حسب تعبير أثير للوزير «الفنان» بين قوسين، وأحالت وزارته إلى واحدة من أبرز زرائب الفساد المادي والمعنوي على السواء.

ولأن الثقافة في المرحلة السابقة كانت قد انحطت إلى حضيض غير مسبوق، وتحولت ميزانياتها وجوائزها وعضوية لجانها ومجالسها، ومناصبها إلى رشاوى للاحتواء، أو شراء الذمم، كان من الضروري البداية فيما بعد 25 يناير بقطيعة كاملة مع قيم المرحلة السابقة وممارساتها ورموزها. وقد آن أوان هذه القطيعة الجذرية والثورية، لأن الثقافة، بمعناها النخبوي، وهو مجال اهتمام وزارة الثقافة، هي المعبر الحقيقي عن ضمير المجتمع، وهي مستودع قيمه الباقية. لذلك لابد أن تكون، وهذا دورها الذي على وزيرها الجديد أن يعيه، سباقة في رسم الطريق إلى المستقبل، وأن تقدم لبقية الوزارات الأسوة والقدوة الحسنة. لابد أن تكون وزارة الثقافة مثالا في وضع شرعية الثورة موضع التنفيذ قبل غيرها من الوزارات. فعلى وزارة الثقافة عبء إضافي، وهو عبء أن تكون المثال والقدوة بحكم كونها وزارة القيم الثقافية والأخلاقية والضميرية التي غابت عن الواقع العربي ممارساتها لعقود طويلة.

وهو عبء باستطاعة عمادالدين أبوغازي النهوض به لو حرص على الانطلاق في كل ممارساته، وعلى الفور، من شرعية الثورة. ولو بدأ ببرنامج تغيير سريع ينهض على قطيعة كاملة وواضحة مع ممارسات الوزارة القديمة، ورموزها، والمفاهيم التي قامت عليها سياساتها. وأن يبعد عنها وعن أي مركز للتأثير فيها كل من لوثتهم عمليات الخدمة في الحرملك، وكل أزلام خدم الحرملك من مثقفي الحظيرة. وهو أمر ليس سهلا، وليس يسيرا. فما أكثر من أدخلهم الوزير «الفنان» إلى الحظيرة، وما أشد ذرابة ألسنتهم، وبراعة خطاباتهم المرائية، وادّعاء الكثيرين منهم بأنهم من أنصار الثورة، وليسوا أبدا من سكان حظيرة نظام ساقط ما عادوا يتباهون، كما كانوا يفعلون حتى الأمس القريب، بالانتماء لحظيرته التي طالما استمتعوا بعلفها، وانتشوا بعطاياها، وتفاخروا بجوائزها، واستمرأو التمرغ في روثها إلى ما لانهاية. فقد شاهدت الكثيرين منهم على شاشات التليفزيون المصري وهم يتلونون كالحرباوات ببراعة من لاضمير له، ويجأرون بالشكوى بصفاقة وبلا حياء من النظام الذين استمرأوا التمرغ في أوحاله، ولكنني لا أظن أن تلوناتهم الفجة، وأصباغهم الجديدة الفاقعة ستصمد لضوء الثورة الساطع، أو ستنطلي على أحد، ناهيك عن شخص لايفتقر للذاكرة التاريخية مثل عمادالدين أبوغازي، عرف أغلبهم عن كثب.

والواقع أن أهم ما سيعين الوزير الجديد على تحقيق هذا الهدف هو أن يقوم أولا بحل كل تشكيلات المجالس التابعة للوزارة أو تجميدها، وتسريح أمنائها ومقرريها وأعضاء لجانها، وتوفير مرتباتهم ومكافآتهم، فقد عينهم نظام سقط وأجهزت الثورة على شرعيته. إذن كل التعيينات القديمة في عضوية المجلس وعضوية لجانه ساقطة لأن من قام بها سقط وسقط النظام الفاسد الذي كان يعتمد عليه. أي أن يقوم باجتثاث سرطانات المؤسسة الثقافية القديمة برمتها. وأن يبحث ثانيا عن مجموعة قليلة من الذين غرسوا في وعي كل باحث عن الحقيقية في مصر كراهية الفساد والتسلط والنهب والجهل والتبعية، ويستبدلهم بالساقطين من المنافين وسكان الحظيرة القديمة. فلا يكفي أن يتحدث الوزير عن التغيير، ولكن لابد أن يشهد الجميع أن التغيير، والتغيير الجذري يحدث بالفعل. وأن الذين زرعوا في وعي الشباب الذي نهض بثورة 25 يناير ثقافة الرفض والمقاومة والسعي للعدل والحرية، وكراهية الفساد والهوان والتبعية، (بينما كان جل أعضاء المجلس الأعلى للثقافة وجل لجانه يطبلون للنظام الذي سقط، ويهرولون لكسب رضى سيدة الحرملك الجهولة) يقومون بالفعل بالتخطيط لرسم سياسة ثقافية جديدة تنطلق من شرعية الثورة. ويعملون على رسم خريطة ثقافية جديدة لمصر.

فلو كوّن وبسرعة مجموعة تفكير Think Tank، من هؤلاء المثقفين الحقيقيين الذين لم يعمل أي منهم مع النظام القديم الساقط، وأتاح لها أن تقوم بعصف ذهني بكل القديم، ومكنها من إدارة دفة التغيير معه، وبلورة أجندته، فإن المثقفين سيرون أن التغيير يحدث بالفعل، وليس مجرد نوايا طيبة أو شقشقات لفظية جوفاء. وليس من الضروري أن تكون هذه المجموعة من المثقفين «الكبار» بين قوسين، بل من المستحب أن تبتعد عن الذوات النرجسية المتضخمة، فتضخم الذات يقترن عادة بضآلة الموهبة وركاكة الإنجاز وغياب الضمير، وأن يكون فيها عدد كبير من شباب المثقفين ومن أسهموا بحق في ثورة 25 يناير العظيمة. ثم تطرح هذه المجموعة أفكارها على جماعة المثقفين المصرييين للجدل والنقاش والتحوير. فسواء فعل ذلك أم لم يفعله، فإن جماعة المثقفين، وخاصة شباب المثقفين، تتابع كل ما يدور، وتقتله بحثا ونقاشا، وتكون رأيها فيه، وتحدد موقفها منه، أراد ذلك أو لم يرده. ومن الأفضل لأي وزير أن يكون جزءا من هذا الحراك الثقافي الحقيقي والضميري، ومشاركا فاعلا فيه، لا أن يكون موضوعه الغائب والمعزول عن حركته.

ولا سبيل أمام نجاح أي سياسة ثقافية جديدة إلا بأن يدرك وزير الثقافة الجديد أن شرعية الثورة تتطلب قطيعة ثقافية جذرية مع كل تصورات النظام السابق وممارساته. فقد كانت أهم ملامح النظام الذي اسقطته الثورة، هي السلطة الفردية المطلقة والتي تؤدي بطبيعتها إلى الفساد المطلق. لم يكن الرئيس مستبدا فاسدا فحسب، بل كان كل وزير نسخة شائهة من المستبد الأكبر في التسلط والفساد معا. وكان ما يمارسه الرئيس على وزيره، يمارسه الوزير على قطاعه. ففي وزارة الثقافة مثلا كان الوزير «الفنان» مستبدا صغيرا وفاسدا، يتباهى بأن أهم انجازاته هو إدخال المثقفين (إقرأ نوعية خاصة وفاسدة من المثقفين) إلى حظيرته، وإخضاعهم لرؤيته وسلطته وسيطرته كأي مستبد صغير. كان بيده تعيين كل رؤساء القطاعات وكل مقرري وأعضاء اللجان .. إلخ، وكان باستطاعته أيضا أن يعزلهم دون سبب أو مساءلة. هذا الملمح الفردي الاستبدادي الغالب للنظام الساقط قلبته الثورة بجمعية قيادتها، وبفرض السلطة لا من رأس الهرم وإنما من قاعدته العريضة، والإلحاح على تنفيذها بقوة الإجماع الشعبي. وهذا هو الدرس الذي أرجو أن يكون الوزير الجديد، وكل وزير جديد قد استوعبه.

لذلك فإن الانطلاق من شرعية الثورة يتطلب أيضا تغيير بنية التفكير والتنظيم معا في شتى قطاعات الثقافة في الوزارة. وطرح بنية جديدة تنطلق من القاعدة، وتفرز رموزها وقياداتها. وقد حضر الوزير بعض المداولات التي دارت في أتيليه القاهرة حول المشروع الذي قدمه الفنان عادل السيوي بشأن تغيير بنية المجلس الأعلى للثقافة، وهو مشروع بتغيير بنية مؤسسة واحدة مرتبكة من مؤسسات كثيرة مرتبكة في الوزارة. ولكنه مشروع يبدأ بداية سليمة، وهو أن يكون التغيير بنيويا، وأن يحرص على أن تكون مرجعية السلطة فيه ليس الفرد وإنما الجماعة الثقافية. أما الدرس المهم الذي أرجو أن يتعلمه الوزير، ويتعلمه كل الوزراء معه، من الثورة فهو ضرورة الإجهاز على المركزية المستمدة من شخص فرد. فلابد من وجود كيانات ثقافية متناظرة ومتعددة وذات قيادات لاتستمد سلطتها من أعلى وإنما من أسفل، ولا يكون همها إرضاء الوزير أو من عين الوزير، وإنما خدمة الجماعة الثقافية والتعبير عن مطامحها وصبواتها، فبذلك وحده تزدهر الثقافة، وبه أيضا تتقدم مصر في مسيرتها المأمولة نحو مستقبل أفضل.

الثقافة والتغيير: تباطؤ أم تواطؤ:
تشكو مصر كلها، بعدما أعادت لها الثورة الروح، وضخت في عروقها الأمل في مستقبل أفضل، من التباطؤ في تحقيق أهداف الثورة، والذي يستشرف حدود التواطؤ. إذ تنتظر مصر الأفعال فلاتجد إلا الأقوال والمراوحة في المكان القديم «محلك سر». فالأفعال أبلغ من الأقوال، لأن السيف أصدق إنباءً من الكتب، كما قال أبوتمام. وهناك تعبير انجليزي يقول لا يكفي أن تعلن أنك مع العدالة، ولكن لابد أن تُرى وأنت تمارس هذه العدالة. تلح عليّ مثل هذه الأفكار، وأنا أشاهد الجميع يتحدثون، في جل وسائل الإعلام المقروء والمرئي، عن أنهم مع الثورة، بما في ذلك من عملوا بجد وتفانٍ في معسكر أعدائها حتى اللحظات الأخيرة قبيل نجاحها، وكان بعضهم من عمد النظام الذي أسقطته. فلا يمكن الحديث عن نجاح الثورة بأن يتشدق أعداؤها بهذا النجاح ويمتدحونه، ويحيلونه إلى موضوع للفرجة والتسلية وتسجيل النقاط في شبكة بعضهم البعض، وهم يعملون في حقيقة الأمر على إفراغه من أي معنى أو دلالة. ويسعون لركوب موجتها لكي يحققوا كل ما ثارت عليه الثورة من الباب الخلفي. بالصورة التي تدفعني وأنا أراقب ما يدور عن بعد إلى تكرار العبارة الشهيرة «أيتها الثورة كم من الجرائم ترتكب باسمك»!

فالحديث الوحيد والفاعل عن نجاح الثورة لايكون بنفاق أعدائها من أقطاب اللغو والتدليس لها، ولكن بتحويل أجندتها دون تأخير أو إبطاء إلى أفعال، وصياغة أولوياتها في برامج، وتسييد شرعيتها وقيمها الجديدة في مشروعات، ونشر الخطاب الذي يرسخ هذه القيم، ويجذر الوعي بتلك الشرعية. لذلك لابد لمن قاموا بالثورة أولا، ولمن زرعوا في وعي الشباب على مر السنوات الطويلة من حكم مبارك المخلوع كراهية الفساد والهوان والتبعية، ولم تنلهم أدران التعامل مع نظامه الساقط ثانيا، أن يعملوا بدأب، على رفع راية خطابها ومطالبها المشروعة عاليا، وعلى بلورة شرعيتها وطرح أولويات هذه الشرعية بوضوح في خطاب فكري ثقافي سياسي وطني. فبدون أن يسود خطاب شرعية الثورة، والوعي بأن ينطلق كل شيء من هذه الشرعية وأولوياتها، لن تواصل الثورة مسيرتها الضرورية لتأسيس مصر الجديدة: دولة حرة لكل مواطن، يحقق فيها ذاته ويشعر فيها بكرامته. يحصل فيها على حقوقه المدنية والسياسية كاملة، كي يعطيها حقها كاملا إخلاصا لمستقبلها، وعملا على تقدمها. وخاصة بعدما تردى وضعها بصورة غير مسبوقة بين الأمم طوال عقود أربعة، حتى قبعت في حضيض ردئ، لابد من إنهاضها منه.

وقد كتبت عن ضرورة أن تقوم وزارة الثقافة ووزيرها الجديد بإحداث، تغيير سريع في كل أجهزة الثقافة، ومؤسساتها، ومنطق عملها. وعن ضرورة أن يحدث هذا التغيير قطيعته الفكرية والموقفية والتنظيمية مع النظام السابق الفاسد. لكن يبدو أن الوزير لايسمع، وأن من وضعتهم الثورة في مقدمة إدارة أمور الواقع المصري غير واعين بأنهم يصدرون عن شرعية ثورية جديدة. فما يحدث في مصر يثير العجب حقا! وينال من توهج الأمل في التغيير. ألا يدرك عمادالدين أبوغازي أنه يتعامل مع واحد من أكثر قطاعات الشعب المصري وعيا: مثقفي مصر؟ فلماذا يستهين بذكائهم إلى هذا الحد ويهينه؟ هل يتصور أن نقل أحمد مجاهد من قطاع لآخر كفيل بإحداث التغيير؟ أو أن يذهب هو، جريا على عادة ثقافة الفرجة والمهرجانات القديمة، لافتتاح معرض كتاب لمطبوعات الجامعة الأمريكية، لأنه بعنوان معرض «ميدان التحرير» للكتاب، سيقنع المثقفين بأنه مع ثورة التحرير؟ خاصة وأن المعرض الذي يفتتحه الوزير معرض تجاري ترويجي لناشر أمريكي، ليس من اللائق بوزير ثقافة حكومة الثورة أن يقوم بافتتاحه، خاصة بعدما رفض شباب الثورة مقابلة هيلاري كلينتون؛ بل كان الأحرى به أن ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات تلك! وأن يعمل بحق على أن يرى الواقع الثقافي أنه يحدث قطيعته مع المنطق الثقافي القديم وممارساته. وأنه يبذل جهدا ملموسا للانطلاق من شرعية الثورة واحترامها.

أما لعبة الكراسي، فحدث عنها ولا حرج! فلعبة الكراسي تلك من مخلفات عهد الوزير «الفنان» الفاسد، لذلك كان طبيعيا أن تلاقي استهجان العاملين في هيئة الكتاب. لأنهم، والواقع الثقافي معهم، يطمحون إلى البداية برؤية جديدة واستراتيجيات عمل جديدة. ولأن مصر ليست عقيما، ولأن هناك الكثيرين الذين لم يلوثهم العمل مع النظام الفاسد القديم، يستطيعون النهوض بأعباء مرحلة التغيير المطلوبة، والاضطلاع بمهام القطاعات التي ليس لها من يقوم بمهامها. والواقع أن إبقاء أحمد مجاهد في موقعه شيء، بالرغم من معرفة الواقع الثقافي بأسباب تعيينه في هذا الموقع ومن عينه فيه، وبالرغم من أنه من عمد مؤسسة الوزير «الفنان» الفاسدة، أما نقله إلى هيئة الكتاب فشيء آخر، في وقت ينادي فيه الجميع بضرورة التغيير، وبضرورة أن يرى الواقع الثقافي تجليات هذا التغيير. وأن يبرهن عماد الدين أبوغازي للواقع الثقافي أنه قادر على قيادة دفة هذا التغيير، بدلا من أن يساهم بتباطئه في تعزيز رؤية من شككوا بجدارته بالمنصب الذي عين فيه، أو زعموا بأن عمله لسنوات طويلة مع النظام الفاسد القديم الذي هندسة كل من فاروق حسني وجابر عصفور، ينتقص من قدرته على تحمل مسؤوليات الثقافة الجسمية في واحدة من أكثر المراحل صعوبة وأهمية. أو أشاروا إلى أن هشاشة تكوينه الثقافي تمنعه من تحقيق القطيعة الفكرية والآدائية الضرورية والمطلوبة مع القديم. فلعبة الكراسي تلك لا تؤكد فحسب أنه ليس ثمة تغيير، وإنما استمرار جديد للتشكيلة القديمة، بل توحي أيضا بأن هناك تباطؤ في التغيير، والتباطؤ في حالة ثورة يشكو الجميع من عدم اكتمالها، هو من تجليات التواطؤ المقيتة. هذا وقد قرأت خبرا أرجو ألا يكون صحيحا، وهو تعيين أشرف زكي رئيسا لجهاز السينما، لأن هذا الخبر لو كان صحيحا، فإنه سيؤكد أن التخبط هو سيد الموقف في وزارة الثقافة، وسيرجح كفة التواطؤ على التباطؤ. ويثير لدى المثقفين شكوكا حقيقية فيما يدور في أروقة تلك الوزارة، تصل بهم إلى حد الشك في أننا لازلنا في عهد الوزير «الفنان» وفساده المقيت، وليس فيما بعد ثورة 25 يناير.

لقد مضى شهر على تعيين وزارة عصام شرف، وخرج رئيس الوزارة على الشعب يعلن له عن إنجازات وزارته في هذا الشهر ويطلب دعمه، فماذا يمكن أن يقول عمادالدين أبوغازي للواقع الثقافي عن إنجازاته في هذا الشهر غير لعبة الكراسي المرفوضة تلك، وافتتاح معرض لمطبوعات الجامعة الأمريكية، وتعيين أحد أبرز أذناب نظام مبارك الساقط لرئاسة قطاع آخر في الوزارة، وهو الخبر الذي لا أستطيع تصديقه، وأرجو ألا يكون صحيحا. فإذا لم يخرج عمادالدين أبوغازي على الرأي العام الثقافي في خلال شهر آخر، أو شهرين على أكثر تقدير، بأفعال لا أقوال، تدعمها أجندة واضحة وخريطة طريق للثقافة المصرية تكشف عن وعي بالانطلاق من شرعية الثورة وتحقيق غاياتها، فلابد أن تهب الحركة الثقافية، كي تحافظ على ريادتها ودورها النقدي في مصر الثورة، بالمطالبة بالبحث عن وزير جديد! لابد أن يكون لكل قطاع رأيه الواضح في آداء الوزير الذي يتولاه، وأن تقوم القاعدة فيه بمراجعة مستمرة لما يجرى، كي نضمن للثورة التقدم، لا التراجع، أو حتى الوقوف «محلك سر»!

ولازلت آمل أن يستطيع عمادالدين أبوغازي تحقيق ذلك، من أجله ومن أجل الثورة معا. لذلك أقول له بوضوح لا! ليس هذا هو ما تتوقعه الثورة من الثقافة فيما بعد 25 يناير. لأن الثقافة تلعب الدور الأساسي في بلورة رؤى المجتمع وقيمه، وتقوم بدور الضمير النقدي الذي يحرس هذه القيم، ويقيّم أي اعوجاج فيها، كما أنها تلعب أيضا، في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ مصر، دورا أساسيا في صياغة خطاب يعبر عن رؤى الثورة ويبلور مطامحها في التغيير الجذري، ويضع شرعيتها في قلب المشروع الوطني في مستقبل أفضل. ولابد أن يُرى وزيرها وهو يحقق ذلك لها، دون أن يرواح بها «محلك سر» في زمن هي أحوج ما تكون فيه لا للتقدم للأمام فحسب، وإنما لقطع خطوات سريعة وفسيحة في هذا الاتجاه. حتى لا تنتهي الثقافة مرة أخرى إلى ممارسات عهد الخدمة المهينة في الحرملك، ولغو الفرجة والمهرجانات. وأهم من هذا كله، لابد للواقع الثقافي بكل قطاعاته ومثقفيه أن يراقب كل ما يدور، وأن يلعب دورا فاعلا في الرقابة ونقد الأخطاء، وتصحيح أي اعوجاج. فقد أجهزت شرعية الثورة على المنهج القديم الذي يحيل كل وزارة إلى عزبة خاصة يتصرف فيها الوزير كيفما شاء، دون أن يراجعه أحد أو يحاسبه أحد، إلا أفراد العائلة الفاسدة الحاكمة. وطرحت بدلا منه موقفا جديدا ومنهجا مناقضا يقول إن مصر للجميع، مصر لشعبها وليس لحكامها. وإننا كلنا مسؤولون عما يجري فيها، حريصون على تقدمها وازدهارها. يرودنا جميعا أمل في مستقبل أفضل لها ولنا معها وبها، كل في مجاله واختصاصه، دون كلل أو ملل أو تواكل. وأن علينا ألا نترك هذا المبدأ الجديد يغيب عن أعيننا للحظة، كي تتحقق الثورة وتترسخ شرعيتها في كل مجال.

عن مجلة " الكلمة " عدد ابريل 2011

مختارات سينما إيزيس .محمد خان والتمثيل المصري في مهرجان " كان " 64



محمد خان: من صنعوا دعاية النظام السابق لا يحق لهم تمثيلنا فى (كـان)


يؤمن المخرج محمد خان أن الثورة قد أعادت الأمل للمصريين وأخرجتهم من حالة الكآبة التى فرضتها عليهم الأوقات السابقة رافضا فى الوقت ذاته مشاركة من صنعوا دعاية النظام السابق فى صفوف الاحتفالات السينمائية الدولية الكبرى بالثورة المصرية ومن هنا اعلن رفضه لبعض الاسماء التى ستشارك بأفلام قصيرة فى مهرجان كان.. وعن الثورة وأهم مشاهدها وحال صناعة السينما يفتح خان قلبه لـ«الشروق».

● اختار مهرجان كان هذا العام مصر كضيف شرف له وخصص لها يوما كاملا لعرض مجموعة من الأفلام المصرية الروائية القصيرة كيف تجد ذلك؟
ــ ما قرأته فى حديث للمخرج يسرى نصرالله أنه كان قد أجرى لقاء مع قناة فرنسية فى قلب ميدان التحرير وهو الحوار الذى شاهده رئيس مهرجان كان والذى قام بدوره بالاتصال بيسرى ومن هنا بدأ الإعداد لهذا اليوم.

● ألمح من طريقة الحديث بعض ملامح عدم الرضا عن هذا الحدث؟
ــ هو ليس رضا كاملا وأنا بالفعل لدى اعتراض على بعض الأسماء التى قدمت مجموعة من الأفلام القصيرة فليس معقولا أن يكون اليوم عن الثورة المصرية ويكون من ضمن مخرجى الأفلام من كانوا يقومون بإخراج حملة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك والذى قامت عليه الثورة أساسا خصوصا حملته فى عام 2005 وهى الحملة التى كان يعارضها المصريون ولكن هذا البعض قام بإخراجها بل أعلن أنه ينفذها مجانا والبعض الآخر هو من أخرج البرنامج التى ظهر فيها مبارك مع عماد أديب فكيف يتفق هذا وذاك؟! وما أقوله هو حق الثورة نفسها.

● أنت تتحدث عن أسماء بعينها فلماذا لا نذكرها للناس خصوصا ان الأمثلة التى قمت بضربها يعرفها الجميع؟
ــ لن أذكر أسماء وأنا شخصيا لست ضد أحد ومن أقصده يعرف نفسه وهو ليس خلافا شخصيا بينى وبينهم بالعكس انا لست على خلاف مع أحد ولكن إحساسى الشخصى ان ما يحدث هو عملية قفز على الثورة وركوب للموجة وحتى عندما شرح يسرى نصرالله ما حدث لست مقتنعا بشرحه أو تفسيره وما أقوله أن البعض يشارك من أجل عيون مهرجان كان وحتى لا يقوم أحد بتأويل ما أقوله على أى محمل أكرر ما سبق أن قلته إننى ضد أى أفلام روائية عن الثورة الآن لأنه لم يمر عليها سوى أقل من ثلاثة أشهر ودعنى أكون أكثر صراحة وأشير إلى أنه لن يستفيد أى شخص مما سيحدث فى مهرجان كان باستثناء المهرجان نفسه.

● إذن فأنت تعارض مبدأ تقديم افلام روائية عن الثورة من أصله؟
ــ بالطبع، فتخيل كم المشاريع التى يعلن أصحابها أنها عن الثورة أو تم تغيير وقلب نهاياتها لتصبح عن الثورة أنها أشياء تحتاج وقتا كى نستوعبها ونفهمها وأنا شخصيا فكرتى التى أنتوى تقديمها قمت بطرحها على السيناريست رءوف توفيق وهى تحتاج لوقت حتى يتم كتابتها كى تكون تعبيرا حقيقيا للثورة وهى تطرح رؤيتى لمرحلة طويلة ممتدة ما بين ثورتى يوليو ويناير.

● إذن فأنت تتفق مع إطلاق مصطلح سبوبة الثورة على كثرة المشاريع التى يتم الإعلان عنها حاليا؟
ــ أتفق مع هذا التوصيف مائة بالمائة وارى انه حتى لجيلنا ان الأصلح لتقديم هذه المشاريع هم جيل الشباب الذى شارك فى الأحداث منذ بدايتها واستمر فيها طوال الوقت وهو ما يعيدنى لاعتراضى على اشتراك من كانوا يقدمون حملة مبارك والحزب الوطنى عام 2005 وهى الحملة التى رفضها الشعب المصرى كله وللعلم هو ليس موقفا شخصيا منى فهناك أحد الزملاء من المخرجين ممن هاتفنى مؤكدا أنه هو الآخر يرفض مشاركة هؤلاء لكنه لن يستطيع التصريح بموقفه لحسابات تخصه.

● أعلن البعض قائمة سوداء لبعض الفنانين ممن كانوا ضد الثورة فما هو تعليقك على هذا؟
ــ هو رد فعل طبيعى ولكن لابد من التسامح مع هؤلاء الفنانين فهم فعلوا ما فعلوه لأنم هم الآخرون كانوا تحت ضغوط قوية وأنا شخصيا ضد هذه القوائم السوداء وانا حتى عندما أنتقد مشاركة البعض فى افلام كان فاعتراضى ليس من منطق وضعهم فى لائحة او موقف شخصى منهم بالعكس تماما ولكن هذه الأفلام ستمثلنا جميعا وستمثل شباب الثورة.

● بعد عدة أشهر من الثورة هل ترى انها تسير فى طريقها السليم؟
ــ بالطبع هناك مكاسب تحققت واخرى ننتظرها وهناك بعض المخاوف التى نشعر بها لكن لا توجد ثورة تتحقق امانيها فى اربعة اشهر وهى ثورة سلمية ونفخر بهذا ولو كانت ثورة ديكتاتورية لكننا قد حققنا مطالبها فى شهر واحد وليس فى أربعة أشهر ولكننى سعيد بما نقدمه للعالم من دروس.

● يرى البعض أن هذا هو التوقيت الملائم لفيلمك «المسطول والقنبلة» فهل تتفق معهم؟
ــ بالطبع خصوصا أنه عندما توقف كان بطلب من الأمن ومباحث أمن الدولة الذين أوصوا بإيقافه بداعى الانتخابات وأتمنى أن يكون فى طريقه للتنفيذ وأعتقد أن هناك لقاء قريبا سيجمعنى برئيس جهاز السينما لبحث إمكانية تحريك المشروع.

● يشير البعض إلى أنك واحد من جيل يرغب دوما فى تقديم الشارع المصرى وهذه الثورة هى ثورة شارع فأين أنتم؟
ــ دعنى ابدأ بالتأكيد على أن أفلام جيلنا الذى ضمنى ومعى عاطف الطيب وداوود عبدالسيد ورأفت الميهى كنا نقوم بتقديم النقد السياسى والمجتمعى كل بطريقته ولو شاهدت هذه الأفلام حاليا لفهمت ضرورة ثورة 25 يناير ولهذه الأسباب ما زالت هذه الأفلام مستمرة حتى الآن بالرغم من مرور كل هذه السنوات.

● ولكن أين أنتم مما حدث فكيف تكون أفلامكم بهذه الصورة فى فترة القهر والآن نحن فى حرية أكبر بكثير؟
ــ لن أستطيع تقديم المليونية بمثل روعتها الحقيقية ففى إحدى المليونيات شاهدتها من شرفة أحد المنازل المطلة على الميدان وشعرت بالرهبة وأنا شخصيا أرى أن أهم ما نحتاج لتقديمه هو هو كيف غيرت هذه الثورة من البشر وأعادت لهم الابتسامة والهدوء وهو ما تستطيع ملاحظته فى الشارع وأنا أتذكر أننى قدمت مشهدا فى أحد أفلامى وهو فيلم «يوم حار جدا» عندما اصطدم محمد فؤاد بشخص فى الشارع وتشاجرا ولكن لو حدث هذا المشهد الآن لكان الرد اعتذار وابتسامة فالثورة فرغت الشحنات المكبوتة لدى الناس.

● ولكن ما سبب غياب هذه الابتسامة من وجهة نظرك؟
ــ إحساس كامل بعدم الأمان وخوف من الإفلاس الذى قد يصيب بلدنا بكاملها وعموما أعتقد أن أهم ما عاد إلينا هو الأمل فى الغد.

● توجد بعض الدعاوى لإلغاء الرقابة ترى ما هو تعليقك على هذا المطلب؟
ــ أنا أتفق معاها وبالطبع سيكون هناك من سيستغل هذه الحرية ولكن يجب عمل كنترول وعمل درجات للأفلام ووضع تعريفات محددة للكبار فقط وفيلم عائلى أو لا يصلح للعائلة والحرية لها ثمن.

● ما هو أهم مشاهد الثورة من وجهة نظرك؟
ــ أكثر مشهد أثر فى هى الملفات التى تم حرقها بمقار أمن الدولة وأذكر أنه كانت توجد مقالة تم نشرها لديكم كتبها جميل مطر يتخيل فيها ماذا ستفعل لو وجدت ملفك فى يديك، وبالطبع هذا المشهد سيكون له تأثير على الفكرة التى حدثتك عنها


عن جريدة الشروق

الثلاثاء، أبريل 26، 2011

مصر ضيف شرف في مهرجان " كان " السينمائي64

مهرجان " كان " السينمائي الدولي 64 يعقد في الفترة من 11 الى 22 مايو2011

ملصق فيلم البوسطجي


فى أول تمثيل سينمائى مصرى على مستوى العالم بعد ثورة 25 يناير

مصر أول ضيف شرف فى تاريخ مهرجان " كان "

اعلن " جيل جاكوب " رئيس مهرجان " كان " السينمائى الدولى و " تيرى فريموه " المفوض العام للمهرجان خلال مؤتمر صحفى عقد يوم 14 ابريل عن اختيار مصر ضيف شرف الدورة 64 للمهرجان التى تنطلق فعالياته فى 11 مايو المقبل و تستمر حتى يوم 22 من الشهر نفسه . و ذلك تحيه لثورة 25 يناير التى كان لها صداها فى العالم و تغيير رؤيته للشعوب العربية .

و قد خصصت إدارة مهرجان " كان " يوم 19 مايو المقبل كيوم مصرى خالص يتم خلاله عرض فيلم " 18 يوما " و هو عبارة عن 10 افلام قصيرة قام بإخراجها عشرة من كبار مخرجى السينما المصريه و شبابهاحول ثورة 25 يناير و هى أفلام : ( احتباس إخراج شريف عرفه ، داخلى / خارجى إخراج يسرى نصر الله ، # تحرير 2/2 إخراج مريم أبو عوف ، 19-19 إخراج مروان حامد ، لما يجيك الطوفان إخراج محمد على ، خلقة ربنا إخراج كاملة أبو زكرى ، حظر تجول إخراج شريف البندارى ، كعك التحرير إخراج خالد مرعى ، شباك إخراج أحمد عبد الله ، حلاق الثورة إخراج أحمد علاء ) و سوف يصعد الوفد المصرى المشارك فى المهرجان و المكون من وزير الثقافة الدكتور عماد ابو غازى ومخرجى فيلم ( 18 يوما ) وابطاله بالإضافة الى و شخصيات سينمائيه و فنانين و مسؤولين المنتجين الذين سيشاركون فى الجناح المصرى فى سوق الفيلم و ممثلين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى على السجادة الحمراء " red carpet " تحيه لمصر و ثورتها المجيدة .

كما سيعرض فيلم المصرى " البوسطجى " قصة الأديب الكبير يحيى حقى و اخراج حسين كمال و انتاج 1968 فى قسم "كان كلاسيك "

كما سينظم مهرجان كان حفلة عشاء على شرف مصر يعقبه حفله غنائية مصرية ساهرة .

جميع الفعاليات التى يشهدها مهرجان " كان " عن مصر و السينما المصريه يشارك فيها وزارتى الثقافه و السياحة المصرية و السفارة المصرية و المكتب الثقافى فى فرنسا و العلاقات الثقافية الخارجيه المصرية و المركز القومى للسينما بالإضافة إلى عدد من الشركات السينمائية هى " العربية للسينما و مصر للسينما و روتانا ستديو و فيلم كلينك و أروما ديزين " .

جدير بالذكر أن أختيار مصر كضيف الشرف هذه الدورة يعد تقليد جديد و المرة الأولى فى تاريخ مهرجان " كان " و أن هذا التقليد سوف يستمر فى الأعوام القادمة بأن تختار كل عام دولة ما لتكون ضيف شرف المهرجان و هو ما يعمل به فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى منذ عشر سنوات .

المركز الصحفى

مهرجان القاهرة السينمائى الدولى

نبذة عن فيلم ( 18 يوما )

من 25 يناير حتي11 فبراير .... 18 يوما

عشرة مخرجين، عشرون ممثلا، ستة من الكتاب، ثمانية من مديري التصوير، ثمانية من مهندسي الصوت، خمسة من مهندسي الديكور، ثلاثة من مصممي الازياء، سبعة من المونترين، ثلاث شركات للخدمات التقنية، ونحو عشرة من الفنيين اتفقوا علي تصوير عشرة افلام قصيرة، في وقت قياسي، حول ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر وذلك بشكل تبرعي و دون ميزانيات.

عشرة افلام مستوحاة من الواقع او من الخيال.

وسوف يتم التبرع بإيراد هذه الافلام لتنظيم حملات للتوعية السياسية والحقوق المدنية في قري مصر.

قائمة الافلام التي يتكون منها الفيلم الجماعي 18 يوم

احتباس اخراج شريف عرفة

داخلي/خارجي اخراج يسري نصرالله

تحرير 2/2 اخراج مريم ابو عوف

19ـ19 اخراج مروان حامد

عندما يأتي الطوفان اخراج محمد عل

خلقة ربنا اخراج كاملة ابو ذكري

حظر تجول اخراج شريف البنداري

كعك التحرير اخراج خالد مرعي

شباك اخراج احمد عبد اله

حلاق الثورة اخراج احمد علاء


المركز الصحفي
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

السبت، أبريل 16، 2011

من يصنع الآن " ثقافة " مصر ؟ بقلم صلاح هاشم







من يصنع الآن " ثقافة " مصر ؟


بقلم

صلاح هاشم






جاء بريد اليوم السبت حافلا هذه المرة. الصديق جمال الدين الحزورلي من الجزائر يسأل في رسالته الى " سينما إيزيس " وبعد ان دار بيننا حوار قصير عن السينما والافلام والمهرجانات، يسأل جمال لم لاتستفيد مصر ياتري من الكفاءات المصرية المثقفة في الخارج وهي كثيرة جدا، وتستعين بها في وزارة الثقافة في البلاد.قلت لجمال ان ذلك لن يحدث قبل مائة سنة،لأن جذور الفساد في النظام الحكومي المصري الرسمي البيروقراطي المحنط جد قوية ومتأصلة، ولابد من تجديد أو غسيل شامل لمصر على كافة المستويات، وبخاصة في هياكل ومؤسسات الجهاز الاعلامي الذي يشكل ويصنع الرأي العام في البلاد، والتخلص من " وصاية " الدولة والحكومة. هذه الحكومة التي تصور للناس من خلال وزارة للثقافة انها الاقدر على صناعة الثقافة، وهي تختار للناس بمعرفتها ،على الرغم من انها معزولة ومخنوقة كما يعرف الجميع في مكاتبها ، ومشغولة بترتيب أوراقها ولجانها ومجالسها واجتماعات مجالسها
ولايشغل فكرها سوى التوقيع على جداول الاعمال الرسمية . ولو انها سمعت احدهم يتفوه بلفظ ثقافة، نزعت على الفور غدارتها، ولوحت بها مهددة، ولذلك لاتوجد ثقافة في مصر تصنعها وزارة للثقافة
لاتوجد ثقافة الا في الافراح والموالد والتجمعات الشعبية وطقوس الحياة اليومية ذاتها بنت الحياة والكدح والفناء في الغناء والأمل ، و دعك من "بكش" وزيف قوافل وكرافانات الثقافة الجماهيرية الاستعراضية المبهرجة ، التي مازالت تنظم في القري والمدن والمراكز، وتدعي بانها تقدم "خدمة ثقافية للناس ، وهي لاتعقد في الواقع الا لتبرير سفر هذا الوزير او ذاك المدير، والحصول على بدلات واعانات سفر، ثم استقبال مدير الهيئة وموظفيها في المديرية في تلك الاحتفالات التي لايؤمها سوى حضراتهم ونهب ميزانياتها
ولكي تكتشف وهم الثقافة الجماهيرية الكبير؛ حيث أن الثقافة مازالت في مصر يافطات فقط ، واستقبالات فقط ، ومناسبات لعمل احتفالات، ونهب ميزانيات فقط ، وكل شييء يتحكم فيه توقيع الامير والمدير والوزير فقط مثل الحاكم بأمر الله
ولابد أن يركع تحت أقدامه وينفذ أوامرة الموظفون الغلابة
يكفي يا جمال زيارة مكتب المدير لاكتشاف مدي " جماهيريته"
لكي تتأكد بنفسك من ان ثلث ميزانية الدعم التي منحتها الوزارة للهيئة " الجماهيرية جدا "أخيرا ذهبت للصرف على مكتب فخامته وترميمه، وتستيفه وفرشه بارفع واحدث الاثاث واجهزة التكييف، اما عن حمّام المدير فلاتحدث
فهو مؤثث بالقيشاني والبلاط الفاخر واحجارالمرمر والزجاج الملون،حتى انك اذا دخلته ياصاحبي ، فكرت ان تمكث فيه اطول فترة زمنية ممكنة، لكى تنعم براحته وفخامته واناقته، فاية ثقافة جماهيرية هذه التي تذهب ميزانياتها لتلميع المدير والوزيروبيت راحته ،واعطاء شخص واحد صلاحيات بالهبل ،والادعاء بانه قادروحده على إدارة الثقافة الجماهيرية لشعبنا المصري العظيم؟ اليس هذا تهريجا مابعده ولاقبله تهريج؟ . أوليست ادارة جهاز ثقافي جماهيري كهذا ، تحتاج الى مجلس اداري منتخب من شباب مصر ومثقفيها وفنانيها ولايجب ان توكل ادارته لمسئول واحد؟
هذه الثقافة الجماهيرية الحقة هي الثقافة التي ظهرت أثناء الثورة في ميدان التحرير في الفترة من25 يناير وحتي 12 فبراير 2011 من خلال الملصقات وصحف الحائط والنداءات والمواويل والقصائد والتظاهرات العفوية والرسومات والبيانات، وما ابدعته الريشة والقلم ، والتقطت صوره كاميرات الهواة والمحترفين من افراد الشعب لتسجيل تلك اللحظة التاريخية العفوية، والتفاعل معها والتعبير عنها ، وهي لم تقع في مكاتب، وأشرف على صياغتها وزير او مدير
بمعني ان الثقافة لاتصنعها الوزارة ، ولا الوزير ولا مدير " الثقافة الجماهيرية " ، بل تصنعها في الاساس "مناخات الحرية" التي يجب ان تكون متوافرة دوما للناس للتعبيرعن ارائهم وافكارهم واحلامهم وهمومهم وطموحاتهم
تلك المناخات التي اعتقد بأنه قد آن الاوان من دون لا مدير ولا وزير ولا وصاية رسمية حكومية بعد الثورة، أن الأوان لكي تبسط ذاتها في شوارع مصر وازقتها وميادينها وساحاتها وحواريها، وتتفجر الآن في اللحظة بكل التماعات وألوان قوس قزح
من عند باب الفتوح ، ومرورا بباب الوزير والشعرية ،
ولحد باب النصر، في كل أنحاء مصر

صلاح هاشم

الجمعة، أبريل 15، 2011

جيرار كوران في مهرجان الخليج السينمائي بقلم صلاح هاشم









جيرار كوران في مهرجان الخليج السينمائي

وسليمان سيسيه في " هذا الفيلم "


بقلم

صلاح هاشم


يحتفل مهرجان الخليج السينمائي المقام حاليا بالمخرج السينمائي الطليعي الفرنسي جيرار كوران وكنت كتبت عنه في مجلة " كل العرب " الاسبوعية التي كانت تصدر من باريس في فترة الثمانينات ، وكان يترأس تحريرها آنذاك الاستاذ الصحافي اللبناني الكبير ياسر هواري، وكان من أفضل رؤساء التحرير الذين تعاملت معهم ، وعبقريا فهامة يستطيع أن يفرق بين الصحفي نص كم والكاتب اللامع ، وليس مثل رجال الاعمال العرب الحاليين الذين كتبت عنهم ولايفقهون شيئا لا في الاعمال ولا في الصحافة ، ولايهمهم الا التربح والحصول على المال بأية طريقة ، و الاحتيال على الخلق
وقد عمل تحت ادارة الاستاذ ياسر هواري آنذاك في مجلة " كل العرب " الرائدة- وكان يطلق عليها " باري ماتش العرب " مجموعة من الكتّاب والصحفيين اللامعين المعروفين من أمثال سلوى النعيمي وقصي صالح درويش وشاكر نوري وحسين القبيسي وبسام منصور وغيرهم ونذكرهم جميعا بالخير
وفي عهد ياسر الهواري- للذاكرة والتاريخ، صعدت مجلة " كل العرب " صعودا مدويا لتصبح اولى المجلات الاسبوعية في العالم العربي كله من المحيط الى الخليج ، واعتبر الفترة التى اشتغلت فيها في المجلة، وقبل ان تودي بها حرب الخليج الاولى، من أخصب وأجمل فترات مسيرتي الصحفية الطويلة، وبخاصة على مستوي الكتابة السينمائية والتحقيقات والتغطيات، والكتابة في أدب الرحلات. وكنت حين علمت بان مهرجان الخليج سيكرم في دورته الحالية المخرج الفرنسي المذكور كوران ، وكتبت عن ذلك في " سينما إيزيس "، وذكرت انه من المحتمل أن أكون أول من كتبت عنه زمان في مجلة " كل العرب " في فترة الثمانينيات، أردت أن اتحقق من الأمر
فقمت ودعبست وفتشت عن المقال في ارشيفي الخاص، واستغرق الامر بالطبع وقتا حتى عثرت عليه ، ضمن مجموعة كبيرة جدا من المقالات السينمائية والحوارات ( مع فراشيسكو روزي وتافياني وستيفن فيرز وإليا كازان وجان ميتري وغيرهم ) والتحقيقات ايضا التي نشرت لي في مجلة " كل العرب "
ووقتا أكثر في انتزاع نفسي وبصعوبة من سعادة كبيرة..
سعادة الاستمتاع باعادة قراءة تلك المقالات التي كنت اكتبها ، وكأنها كانت لشخص آخر،وإعادة استكشاف ذلك الناقد و الكاتب الذي كنته ، ومعرفة تصوراته عن الحياة و السينما والعالم ( سعدت للغاية عندما علمت بعدها بفترة من الناقد السينمائي الاردني ناجح حسن - وهذه شهادة منه ايضا للذاكرة والتاريخ - ان تلك المقالات السينمائية التي كنت أكتبها في زاوية بعنوان" هذا الفيلم " في مجلة " كل العرب " في فترة الثمانينيات ، كان هناك من يقوم بقصها وتجميعها في الاردن ، وكانت توزع على جمهور و أعضاء نادي للسينما تأسس هناك)
و هأنذا أعيد نشر المقال هنا على شكل صورة جي بي جي ، حيث يمكنكم تكبيره وقراءته وأحب أن اضيف اليه ايضا بعض المقالات التي نشرت أنذاك في الزاوية المذكورة
وآمل ان تستمتعوا ايضا بقراءتها

صلاح هاشم

الأربعاء، أبريل 13، 2011

تسقط ديكتاتورية السرعة بقلم صلاح هاشمA BAS LA DICTATURE DE LA VITESSE


مبارك الى مزبلة التاريخ . بسرعة.عدسة صلاح هاشم أثناء الثورة المصرية




تسقط " ديكتاتورية السرعة"

بقلم

صلاح هاشم


اتصل بي حديثا صديق "ابن حلال" يعمل ويعيش في العاصمة لندن ، وطلب مني ان كنت سمعت او شاهدت فيلم (كذا) الذي تم ترميمه وعرضه حديثا ، وأحب ان اتحدث عن الفيلم - وبأجر مدفوع- لقناة تلفزيونية مصرية في باريس، فعلى ان ابلغه بموافقتي فورا، لكي يقوم بعمل اللازم، وطلب مني سرعة الرد ..
ولم أكن سمعت من قبل عن ذلك الفيلم الذي يتحدث عنه، وربما بسبب غيابي لفترة 6 اسابيع في مصر أثناء الثورة، ولم لم أسمع من قبل ايضا عن تلك القناة " المصرية " الجديدة التي تم إنشائها ، وأنا بالطبع لست كما قلت له لست ضد تأسيس قناة تلفزيونية جديدة في باريس، لكني لست متحمسا للعمل من جديد مع " رجال أعمال عرب " وفي الاعلام بالذات ،لأنهم أوأغلبهم كما شرحت له لايقيمون وزنا للحفاظ على حقوق العاملين معهم، ويتصورون ان من يعيش في باريس يعيش في الجنة ، بعيدا عن مآسي ونكبات الحياة بكل أشكالها في الوطن، وهذا غير صحيح كما يتوهمون ، وهم يظنون ان الاقامة في باريس وحدها من منظور ومنطق رجال الاعمال ، هو مكسب لايجعلهم - اعني المغتربون والمهاجرون من أمثالنا والفقراء الى الوطن - في حاجة الى مطالبتهم بأجورهم وحقوقهم
فهم محظوظون بالعيش في باريس مدينة النور التي يساقط على سكانها من السماء سمنا وعسلا وأحسن أنواع الجبن الفرنسي المعتبرة ، أفلا يكفيهم ؟ وفي طرقات باريس يتدفق النبيذ انهارا، أفلا يرضيهم ؟ يجب عليهم في كل وقت كما يتصور رجال الاعمال العرب الموقورون ان يقارنوا اوضاعهم في باريس باحوال الناس في الوطن، هؤلاء الذين يعيشون في اجواء اقرب ماتكون الى أجواء العصور الوسطى الظلامية ، بما فيها من الحبس والقمع وظلم الحكومات الديكتاتورية . تلك الحكومات التي لاتعرف الا الحوار والنقاش بالهراوات والسكاكين والبنادق المصوبة الى صدور المعتصمين والمتظاهرين
ان اغلب هؤلاء الذين يصفون أنفسهم برجال أعمال ، وهم رجال اعمال سرقة ونهب فقط ، ويتفننون في تغيير بدلهم و ثيابهم المزركشة كل ساعة - قلت لصديقي ابن الحلال وانا أشكره على مبادرته - ليسوا سوي لصوصا وحرامية، وليس لدي متسع من وقت للبحث ولا للتفتيش عن حقيقتهم، كما انهم لايحترمون " إنسانية " من يعملون معهم، والبعض منهم يشعرون بغيرة و " عقدة " تجاه المصريين بالذات ، ويميلون أحيانا الى التقليل من شأن حضارتهم المصرية التي علمت العالم ( 7 الآف سنة حضارة ) تلك الحضارة التي تجعلهم من خلال سلوكياتهم الفطرية، تجعل المصريين وحتى بدون وعي منهم يكرهون الاستبداد والظلم، ويرفضون ان يتجرأ أحد على إهانتهم أو سبهم، أو جرج مشاعرهم بالإساءة الى وطنهم مصر ، وقلت لصديقي ابن الحلال اني لاارحب بالعمل الا مع من يحترم حقوق الانسان ويحترم إنسانية البشر، ومن بعدها نستطيع أن نتحاور ونتكلم في كل الأشياء، وأضفت أن قدر المصري وبخاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر، قدر المصري الآن أن لايركع لأحد ، قدره الآن أن يطالب بكل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويحصل عليها بكافة الطرق السلمية وغير السلمية إن لزم الأمر. إرفع رأسك فوق أنت مصري - قلت له - اعادت للمصريين كرامتهم المنهوبة المسلوبة وجعلت من ذلك الشعار بطاقة هوية لهم الآن وأكثر، وانا تحت ضغوطات ديكتاتورية السرعة، التي صارت أبرز ظواهر المجتمعات الاستهلاكية في العالم كله ، وجعلتنا نأكل ونشرب ونقرأ ونشاهد ونتكلم ونحب ونكره وننام ونصحو بسرعة ، بسرعة تتصاعد وترتفع وتتعاظم وتيرتها في كل لحظة. بسرعة تمضي بسرعة، أسرع من سابقتها وعلى المجلس العسكري في مصر ان يحسم أمره في ظل هذه الديكتاتورية الجديدة وان يقوم بالاستجابة الى مطالب الثورة المصرية كل مطالبها قبل ان تجهض مكاسبها وينقض عليها أعداء الثورة وتضيع منا والى الابد بسبب حركته البطيئة جدا جدا جدا في التنفيذ وتحركاته مثل سلحفاة فإان كان لتلك الديكتاتورية من فضيلة فلاشك انها فضيلة " الحسم " وكل ماعدا ذلك فهو رذائل يستطيع بحسمه وسرعة تنفيذ مطالب الثوار أن يجنبنا من أضرارها وشرورها. تحرك يا مجلس عسكري ، والشعب المصري معك .

صلاح هاشم

الخميس، أبريل 07، 2011

التحالف مع الإخوان لعب مع الشيطان بقلم سعد القرش



مختارات " سينما إيزيس "

لتفتيح العيون والأذهان

"كن مع الثورة"



من السعودية إلى مصر.. التحالف مع الإخوان لعب مع الشيطان

قبل الغرق في المستنقع الوهابي

بقلم

سعد القرش

للمرة الثالثة، يكاد التاريخ يكرر نفسه، في أقل من مئة عام. في المرة الأولى تحالف عبد العزيز بن سعود وهو يؤسس "مملكة" مع الإخوان، فأخفق في بناء دولة، كما يروي صديقه محمد أسد (ليوبولد فايس)، وفي المرة الثانية تحالف السادات مع الإسلاميين، فانقلب السحر على الساحر، ولم يتمكن الذي "حضر" العفريت من التحكم في مارد لم يرض بأقل من رأس السادات، وفي الأفق تحالف سيعصف بإنجاز فكرة "الدولة" الحديثة التي تعب في إنشائها رفاعة الطهطاوي وبنوه وأحفاده. وقد بدأ التحالف الثالث مع صعود ثورة 25 يناير، قبيل وفاة النظام القديم، ويلوح هذا التحالف الأكثر خطورة، لأنه يتأسس على قواعد دستورية، و"كله بالقانون!".

ولم تكن الجريمة التي ارتكبها سلفيون في حق "مواطن" تصادف أنه مسيحي إلا "قرصة ودن" للدولة المصرية، وأستطيع القول إن المتطرفين فازوا بالجولة الأولى.

المسألة باختصار أن متطرفين في مدينة قنا نصبوا من أنفسهم قضاة وجلادين، وقضوا بإقامة ما يرون "الحد الشرعي" على مواطن، ونفذوا الحكم بالفعل، ووضعوا السلطة والمجتمع في اختبار صعب، ثم فازوا بنشر صور المصالحة في الصفحة الأولى لصحيفة الأهرام الحكومية. ووضعت الأهرام يوم الجمعة 25 / 3 / 2011 الكارثة في حجمها الطبيعي، كخبر أول يحتل النصف الأعلى للصفحة الأولى، تحت عنوان "جريمة نكراء بصعيد مصر"، ويليه عنوان ثان هو "متطرفون يقيمون الحد على أحد المواطنين بقطع أذنه.. والعلماء يبرئون الشريعة". وقال التقرير في السطر الأول إن نيابة قنا بدأت التحقيق في جريمة متطرفين قطعوا أذن المواطن أيمن متري، وأحرقوا سيارته وشقته، عقابا على شبهة إقامته علاقة مع امرأة سيئة السمعة.

هنا يمكن اعتبار المعالجة الصحفية انتصارا لهيبة الدولة، وتسمية للأشياء باسمها، انطلاقا من مصارحات ما بعد الثورة.

ولكن الطبعة الثالثة للأهرام استبدلت بهذا الخبر، في المساحة نفسها من الصفحة الأولى، موضوعا عنوانه "خلافات واسعة حول مشروع قانون تجريم الاحتجاجات"، وأزاحت خبر الجريمة إلى أسفل، مع تغيير في المعالجة الصحفية، وفقا لموازين القوى الجديدة الصاعدة والمرعبة في مصر الآن، تحت عنوانين هما "مسلمون وأقباط يطفئون نار الفتنة في قنا.. متطرفون يقيمون الحد على مواطن بقطع أذنه والعلماء يبرئون الشريعة"، وحذفوا صورة الضحية، وظلت صورة المصالحة بحضور ممثل للجيش وشيخ أزهري معمم وشاب سلفي وشقيق الضحية.

هنا مؤشر خطير على النفاق السياسي والاجتماعي، وانتصار قوى التطرف، وصعود المعادين للثورة، وإقرار الجيش بهذا الصعود، وأكاد أقول "والرضوخ له".

وفي جلسة الصلح، بحضور ممثل للقوات المسلحة، قيل كلام كثير جميل ورائع، لكنه فارغ، يفتقد إلى أي معنى، أو مضمون، فعند اختبار الكلام كانت الهمجية أسبق، وقطعت أذن الرجل بسبب شبهة اتهام، وضاعت هيبة الدولة، وفاز التطرف بجولة أولى سيكون لها ما بعدها.

يوم نشر خبر الجريمة، أوقعني الحظ السيء مع "واعظ" شاب، ارتكب في خطبة طولها خمسون دقيقة أربع خطايا منبرية، أولاها: تأكيده أن كارثة المد الزلزالي الذي أصاب اليابان يوم 11 / 3 / 2011 "مجرد جند من جنود الله ضد قوم كافرين"، ونسي أن الميكروفون الذي يصدع رؤوسنا بزعيقه من صنع اليابان، وأن كثيرا من المخترعات لليابان فيها فضل كبير. والخطيئة الثانية قوله الواثق بتحريم التدخين، مستندا إلى فتوي بعض العلماء عام 1999، "ولا يمكن القول إن التدخين حلال إلا بفتوى أخرى من هذه اللجنة"، وهذا اجتراء على الدين، أخشى معه أن يتمادى جهلاء في جسارتهم، ثم يستنكروا يوما سورة في القرآن لأن اسمها (الدخان). والأمر الثالث: هو الاستكبار عن الاعتراف بوجود مسيحيين في البلاد، حين قال إن حرب 1973 مثلا، شارك فيها المسلمون وغير المسلمين، وكأن ذكر المسيحيين وامتداحهم بما هم أهل له يسيء إليه، ويقلل من هيبة منبر الجمعة، على الرغم من وجود سورة اسمها (مريم)، وأخري اسمها (آل عمران)، وهو لا يدري أنه بهذا الشطط يعصي ربه القائل في سورة المائدة "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، وقال في سورة آل عمران مخاطبا عيسى عليه السلام "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة"، أما الأمر الثالث فليس خطيئة ولكنه غفلة، إذ قال: "لا يمكن أن أدعو مسلما لتقصير ثيابه وإطلاق لحيته وهو لا يصلي"، وكأن هذه الأمور الشكلية من الدين أو هي الدين.

خطيب الجمعة هذا لا يختلف عن المتطرف الذي قطع أذن المواطن المسيحي، كلاهما لا يعرف قانون الإجراءات الجنائية الذي أرسى دعائمه عمر بن الخطاب، إذ تربص بقوم بلغته أنباء عربدتهم، في حديقه منزل أحدهم، وانتظر إلى الليل، وتسلق الجدار وهبط عليهم، وضبطهم في ساعة أنس، والكؤوس تدور. حالة تلبس واضحة. وقبل أن يوجه اتهامه لصاحب البيت، بادره الأخير معترضا: لقد أتينا واحدة، وأتيت ثلاثا: قال تعالى "وأتوا البيوت من أبوابها"، وأنت لم تأت البيت من بابه، وقال تعالى "لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على
أهلها"، وأ
نت لم تسلم، والثالثة قوله تعالى "ولاتجسسوا"، وأنت تجسست علينا. فما كان من أمير المؤمنين إلا أن انصرف في صمت، معترفا بأخطائه الثلاثة، وهكذا أرسى دعائم قانون الإجراءات الجنائية.

فأين هيبة الدولة المصرية من مكافأة المجرم، وما موقعها من تمثيلية مصالحة بين مجني عليه بريء ـ على الأقل إجرائيا ـ ومتطرف جعل من نفسه قاضيا وجلادا، ثم يتحدث مندوبون عن تسامح وكلام فارغ يعد من ميراث العهد البائد. ولماذا "التسامح الإسلامي"، وما موضع هذا المصطلح في كيان دولة حديثة نسعى لتأسيسها؟ من يتسامح يستطيع ألا يتسامح، لتكن القاعدة هي تسامح إنساني لا يرتبط بدين، بدلا من هوس الاستعلاء بالإيمان يمارسه مسلمون على مسلمين، والاستعلاء بالإسلام الذي يمارسه كثير من الخطباء على المسيحيين. يرونهم كفارا خارجين على الدين، ومحرفين للكلم عن مواضعه، ناسين قول الله تعالى في سورة المائدة "لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل"، فهل يأمرهم الله أن يقيموا إلا كتابا منزلا من السماء.

في شهادته على عصر صديقه الملك عبد العزيز يسجل محمد أسد في كتابه (الطريق إلى مكة) خطورة "تحضير" العفريت السلفي إذا كنت تنوي بناء دولة. العفريت عفريت يصعب استئناسه، سيخلص لطبائعه، وسرعان ما يتسلل من الثياب ويسمم الجسد، أو يحرق الثياب، ويكون خطرا على أي تسامح. يقول الرجل: "تحول الحماس الديني للإخوان، وميلهم لخوض الحروب، إلى قوة جديدة في يد ابن سعود، وبدأت حروبه منذ ذلك الوقت تكتسب شكلا جديدا.. اكتسبت وجه الحماس الديني الذي يخوض المعارك لا من أجل مكاسب دنيوية، بل من أجل إعلاء شأن العقيدة. أما بالنسبة للإخوان، فقد كانت الولادة الجديدة للإيمان تحتوي، على الأقل، على مضمون أشمل من المضامين الشخصية الذاتية، وكانوا يلتزمون بالعقيدة وتعاليمها، بلا تهاون أو تحريف... كانت مفاهيم أغلبهم مفاهيم بدائية، وكان حماسهم يتسم بالتعصب الزائد. ولسوء الحظ، ظل ابن سعود قانعا وراضيا بما هم عليه من مظاهر بدائية، وفهم سطحي للدين، وابتعادهم عن المعارف الدنيوية. لم ير ابن سعود في حركة الإخوان إلا قوة في يد السلطة، وفي الأعوام الأخيرة قدر لهذا التصور أن ينقلب، ويصبح قوة مضادة تهدد المملكة التي شيدها بجهده".

السطور السابقة عن ترجمة رفعت السيد علي للكتاب، في طبعتي المركز القومي للترجمة بمصر ومنشورات الجمل، ولكنها وفقرات أخرى تنتقد ابن سعود حذفت من طبعة مكتبة الملك عبد العزيز العامة.

العفريت الذي استعان به ابن سعود، أكاد أرى خطوات تحضيره في مصر، وقد تابعت طوال أيام ثورة 25 يناير منحنى الحضور السلفي والإخواني، وأبديت خوفي بعد موقعة الجمل (2 فبراير)، وقلت لأصدقاء "شكلها هتقلب إخوان"، ثم لاحظت تراجع الحضور الإخواني، حين لوح لهم عمر سليمان نائب الرئيس بالحوار، وشطب لقب "المحظورة"، وخشينا من فراغ ينتج عن سحب كوادرهم من الميدان. (سيكون هذا الرصد ضمن كتاب أعده حاليا عن الثورة)، وبلغ المنحنى السلفي ذورته بعد تنحي مبارك يوم 11 فبراير، حيث ارتفع شعار "الله وحده أسقط النظام"، بديلا لشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكدت أتعرض لأذى، في تلك الليلة بالميدان، بسبب اعتراضي على بروز هذه النزعة السلفية العنصرية.

لا يعلم الذين أطلقوا شعار "الله وحده أسقط النظام" حقيقة أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين ماتوا قتلا، وهم يصلون أو يقرأون القرآن، وأن العشرة المبشرين بالجنة قاتل بعضهم بعضا، وسقط قتلى في موقعة الجمل الأولى بقيادة أم المؤمنين عائشة، وبسيوف المبشرين بالجنان، ولا أحد ينكر وقوع تمثيل بجثث أشرف خلق الله، أاحفاد الرسول من ابنته السيدة فاطمة، ولم يكونوا أقل إيمانا من الثوار بميدان التحرير.

ضع شعار "الله وحد أسقط النظام"، بجوار صيحة "إسلامية إسلامية"، بجوار حضور أو استدعاء أو دعوة الشيخ القطري يوسف القرضاوي لخطبة الجمعة في ميدان التحرير، بجوار اقتراح عبود الزمر لجنة للتكفير، بجوار تصريح مهووس ـ بعد الاستفتاء على تعديل الدستور ـ عنوانه "غزوة الصناديق"، وستكون النتيجة قص شعر فتاة بقاطع حديدي (كاتر لم يصنعه المسلمون) وسط الركاب في ميكروباص، وقطع أذن مواطن مسيحي، واستنكار واعظ صغير السن أن يقول كلمة "مسيحيين"، خشية أن يتلوث المنبر!

مع صعود النفاق السياسي تتراجع هيبة الدولة، ويميع مفهوم المواطنة، ويضيع الدين نفسه، وما يضمن إقامة الدين وممارسة شعائره هو الدولة المدنية والدستور الذي لا ينص على أن للدولة دينا، الدستور المدني يحترم جميع الأديان، ولن يلاحق مسلما أو يجعل له في "أمن الدولة" ملفا لأنه يطلق لحيته أو يواظب علي صلاة الفجر.

المستنقع الوهابي الذي حال دون قيام "دولة" في الجزيرة زحف إلى مصر، منذ نحو 35 عاما، ويكاد ينجح، بنص الدستور هذه المرة، وساعتها سيقول كثيرون: دولة فاسدة يقودها أهوج مثل جمال مبارك أفضل ألف مرة من دولة دينية، سيكون الخروج عليها كفرا.

بعد ما تصورته نجاحا للثورة، أكاد لا أفهم شيئا، فمن يصنع هذا التحالف الشيطاني بين السلفيين ومؤسسات دولة يريد مواطنوها الشرفاء أن تخرج إلى النور؟ أرجوكم لا تسهموا في تحضير العفريت!

لنكن فاعلين وشهودا على ولادة دولة مدنية، لا شهداء في دولة دينية ستأكل المخالفين لها، بمن فيهم الإخوان المسلمون.