الاثنين، نوفمبر 14، 2005

في وداع مخرج عربي كبير : العقاد والرسالة بقلم عماد النويري

المرحوم المخرج الكبيرصطفي العقاد



العقاد والرسالة
بقلم عماد النويري
ناقد سينمائي ومدير نادي الكويت للسينما



هذا موت مجاني آخر لاطعم له ولاشكل ولا رائحه .
ذهب الرجل ليحضر حفل زفاف مع ابنته وفجأة تحولت الابنة آلي أشلاء وتحول هو آلي آب مصاب و حزين و مكلوم وشاهد على انفجار شرايين الحياة في مهرجان للموت العبثي .
هذا موت مجاني آخر يأتي من غياهب الظلمة ومن سراديب الفكر الأسود ليقتل رجل وابنته وكانت صناعة هذا الرجل هي الدعوة آلي الحب والتسامح والنهوض بالحياة .
هذا الرجل هو الذى ضيع من حياته الكثير ليقدم للمشاهد العربى والمشاهد العالمى فيلم ( الرسالة ) كاول فيلم عن الإسلام يتوجه آلي الجمهور الغربي وكأول فيلم في تاريخ السينما العربية يقدم الإسلام كرسالة حضارية قادرة على مخاطبة كل بشر , ويعرض للإسلام كدعوة إنسانية تحتفى بالانسان بعيدا عن القبلية والعنصرية والطائفية . وكحد فاصل بين مرحلتين فى تاريخ البشر . وكصوت حق قادر على مخاطبة البشر فى كل زمان ومكان .
هذا الرجل الذى اغتالته يد الغدر ضيع الكثير من حياته ليقدم للعرب والعالم فيلم ( عمر المختار ) ليظهر فيه واحدا من ابطال العرب الذين رفضوا الاستسلام والانهزام والذين وقفوا فى وجة المستعمر دفاعا عن الكرامة والشرف .
هذا الرجل ومنذ عشر سنوات وهو يبحث عن تمويل اخر ليواصل رسالته القومية لاخراج فيلم اخر عن البطل صلاح الدين ولم يتنازل حتى اخر قطرة فى دمه احتراما لقناعاته بضرورة تقديم الفيلم بعيدا عن تدخلات الحكومة والبرلمان , ورفضا لتحويل الفيلم كبوق دعائى للسلطة والسلطان .
عن عمر ناهز ال68 عاما رحل عن دنيانا المخرج العربى العالمى مصطفى العقاد اثر الانفجارات التى وقعت مؤخرا بفندق جراند حيات فى الأردن , وكان قد اصيب بجرح كبير فى الرقبة , وفقد الكثير من دمه وتم نقله للمستشفى وهناك وافته المنية بعد ايام اوساعات من الالم والحزن النبيل .
رحل العقاد وبرحيله تنطوى صفحة مهمة من تاريخ السينما العربية حاول صاحبها جاهدا ان يغرى الحكومات العربية بتوفير ثمن طائرة حربية من تلك الطائرات القابعة فى المطارات العربية دون حراك لكى يقيم وزارة اعلام متنقلة للدفاع عن قضايانا . رحل العقاد دون ان يحقق بقية أحلامه ربما ادرك فى اللحظات الأخيرة آن هذه أمه لم تعد تعرف أصدقاءها من أعدائها .
رحل العقاد وكان فى عينية منذ ثلاثة أسابيع عندما آتى آلي الكويت حزن الطفولة وبريق الوداع الكبير .
رحل العقاد بيد من أهدى إليهم ( الرسالة ) وكيف يقرا من لايجيد سوى لغة القتل والدم .
رحل العقاد وبرحيله ينطفىْ نجم فى سماء التنوير العربى وبرحيله تنسحق زهرة ياسمين تحت أقدام دعاة الظلام .
هذا موت مجاني آخر .
ولعلها تكون ( رسالة ) جديدة لمن يستطيع القراءة
.
عماد النويرى