السبت، أكتوبر 29، 2016

علاقة الإخوان بالفاشية بقلم إبراهيم فتحي

مختارات سينما إيزيس



عــلاقــة الإخـــوان بـــالــفــاشــيـــة
 بقلم

ابراهيم فتحي
 مدخل : هذا مقال قديم للمفكر الكاتب الكبير ابراهيم فتحي حول علاقة الإخوان بالفاشية ، نعيد نشره في موقع " سينما إيزيس " نظرا لأهميته النظرية والفكرية في إلقاء الضوء على جانب مهم من وجود ونشاط الإخوان المسلمين
نشر في يونيو 2013
يري المؤرخ عبد العظيم رمضان أن الطابع الفاشي للإخوان المسلمين برز بظهور فرقهم شبه العسكرية ذات القميص الأصفر‏,‏ وأن المرحوم حسن البنا أخذ من الفاشية نظامها وطاعتها في بناء الجماعة‏.‏ وكانت البيعة علي السمع والطاعة للمرشد والثقة بالقيادة وتنفيذ القرارات وإن خالفت رأي العضو( قوانين النظام الأساسي للإخوان).وقد أبدي المرشد الأول إعجابه بهتلر وموسوليني عام1933 ووصفهما بأنهما قادة النهضات الحديثة في أوروبا, وأشاد بالاتفاقات التي عقداها مع الفاتيكان. فهما يؤيدان ويثبتان الأديان والعقائد في نفوس الأمة( جريدة الإخوان المسلمون في15 جمادي الأولي1352 ـ1933). وهتفت الفرق شبه العسكرية للإخوان الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم علي كتاب الله وسنة رسوله. ولكن بالرغم من الإعجاب المعلن بهتلر وموسوليني لا توجد أي دلائل علي حدوث اتصال من أي نوع بين الإخوان ودولتي المحور فيما نشر من وثائق عربية أو ألمانية أو إيطالية, فالإعجاب كان نظريا ومن بعيد. وإن يكن موقف الإخوان أثناء الحرب العالمية الثانية متعاطفا إلي حد كبير مع الألمان والإيطاليين ومعاديا للإنجليز والفرنسيين, فهم يحتلون مصر وسوريا وفلسطين والعراق وعدو عدوي صديقي, في المزاج السائد أيامها. ولكن ألمانيا وإيطاليا كانتا دولتين استعماريتين تحتلان ألبانيا وليبيا والصومال وهي بلاد إسلامية لم يثر الإخوان الناس ضدهما أثناء الحرب.
وقد أخذ عباس محمود العقاد ذلك علي الإخوان المسلمين ثم أسرف دون دليل في اتهامهم بالإفادة المالية من دولتي المحور الفاشي. فالواقع أن الإخوان اقتصروا علي الاستقاء من الفاشية شكل تنظيمات شبه عسكرية وأن يتفقوا معها في الدعوة إلي القضاء علي تعددية الأحزاب. وذلك واضح في رسالة البنا نحو النور التي وجهها إلي الملك والزعماء في مصر والبلاد العربية والإسلامية وطالب فيها صراحة بالقضاء علي الأحزاب وتوجيه قوي الأمة السياسية وجهة واحدة. فالإخوان إذن أخذوا من الفاشية أساليبها دون طبيعتها الاقتصادية التي لا يمكنهم اصطناعها. فالنمو الاقتصادي المصري لم يكن قد وصل بعد إلي مرحلة اتحاد الاحتكارات المصرفية والصناعية في رأسمالية مالية, تواجهها مشكلات تصدير رأس المال.
فما هي هذه الفاشية البغيضة التي يتهم اليساريون والليبراليون الإخوان بمحاكاتها؟ إن الكلمة في اللاتينية مشتقة المعني من حزمة عيدان تشير إلي الوحدة الاجتماعية للأمة, ويبرز من رمزها رأس فأس تشير إلي سلطة الدولة الحاكمة في روما تحت القيادة السياسية( الفأس). وهذا الإسم أعطاه موسوليني للحركة التي قام بها في إيطاليا لانتزاع السلطة عام.1922 ولكن الكلمة تستخدم الآن علي نحو شديد الاتساع لتشمل النازية الألمانية والعسكرية اليابانية وكتائبية الجنرال فرانكو أو ما يشبهها. وتتفق الأنظمة الفاشية في إبراز قيم أساسية مشتركة مميزة لأمة أو لحضارة ذات رسالة خاصة بها وحدها. ومن سمات الفاشية التعالي علي فكرة المساواة بين البشر والرفض السافر للديمقراطية وتبني عقيدة الزعيم الذي تجب طاعته. ويذهب المفكر اليساري سمير أمين إلي أن الفوهرر بالألمانية كلقب للزعيم هتلر أخذها الإخوان المسلمون في مصر وترجموها بالعربية إلي المرشد. ولكن ربما يرد علي ذلك بأن للمرشد في العربية والإسلام تاريخا طويلا فله علاقة بالرشد والرشاد أي بالاهتداء والهدي والاستقامة وتبيين الرشد من الغي. ومن أساليب الفاشية المقرة الآن الرموز المرتبطة بالتنظيم مثل الأزياء الخاصة والهتافات الخاصة والمواكب والانضباط وعقيدة الشدة مع الخصوم. وربما لم تعد الفاشية بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية الثانية تعني نظاما محددا بدقة بل جماعة كريهة مثل اليمين المتطرف في أوروبا بعنصريته ضد الأجانب وتمجيده للتميز الخاص للأوروبيين والطموح حول مجال حيوي لشعب سيد له حقوق في السيادة. فهي تستخدم الآن بطريقة فضفاضة لتصف الذين يدعون إلي بعث مجد قديم وتقديم التضحيات للأمة ذات التميز الخاص الذي قد يصل النفخ فيه إلي العنصرية.
ويعبر الإسلام عند الإسلام السياسي عن أمة تمتد باتساع العالم وينتمي إليها الفرد المسلم بالإرث كما لو كانت جماعة عرقية وليست اعتقادا شخصيا يختاره ذلك الفرد. فالمسألة في المحل الأول تأكيد هوية لا قومية لجماعة متخيلة تربط المسلم الإفريقي بالمسلم الأسترالي أو الماليزي ولا تعترف بالفصل بين الدين والدولة. كما تتبني فكرة الحاكمية لله التي قد تفرعت عنها ضرورة حكم الذين لهم وحدهم حق التفسير الصحيح لأحكام الله( قد تكون في شكل ولاية الفقيه كما في إيران مثلا). ويرفض الإسلام السياسي مبدأ حق المجتمع في بناء حاضره ومستقبله عن طريق حريته في سن التشريعات الملائمة بل يلتزم بخصوصية جاهزة ناجزة شديدة التجريد والعمومية يدعي اختلافها عن الرأسمالية والاشتراكية فهما تشريعان وضعيان. وقد يجنح بعض الدعاة إلي الالتزام بالإسلام الوهابي الذي يرفض ما أنتجه الإسلام التاريخي أيام ازدهاره من تفاعل مع الحضارات الأخري. ويقول المفكر اليساري سمير أمين إن الإسلام السياسي يهدف إلي قيام أنظمة دينية رجعية صريحة فالإسلام السياسي عنده مجرد تحوير شكلي للوضع التابع للرأسمالية المتشابكة مع الاستعمار.
وتشيع وسط جماهير الإخوان من الطبقة الوسطي الدنيا( البرجوازية الصغيرة) أفكار تقربهم من تبريرات الرأسمالية والفاشية باعتبارهما من سنة الله في الخلق وطبيعة سير العالم الإنساني والطبيعة البشرية--;-- لأنه لابد أن يوجد دائما في كل أمم الأرض هؤلاء الخواص والأغنياء والأعيان ورؤساء الجماعات والعائلات المتمرسون علي القيادة الذين لا يمكن أن يتساووا بسائر الناس في امتيازاتهم واستئثارهم بالثروة أو الجاه والسلطان. إن درجتهم فوق درجة سفلي من البشر ولا حق لها إلا في تكافل الزكاة والإحسان والنصيحة والطاعة. وهذه الإيديولوجية تقترب من الفاشية في إقرارها بمشروعية الفوارق الهائلة بين الشريحة المالكة والطبقات العاملة, وبين القادة والأتباع.
ولكن هناك تساؤلات حول استمرار الإخوان المسلمين أسري لتاريخهم الماضي. فهل تعلمت جماهيرهم الشعبية مما مروا به من تجارب سياسية وبرلمانية ونقابية ليفضلوا ممارسة التعددية الحزبية ويخرجوا علي دعاة انتظار التمكين للانقضاض علي الديمقراطية التي قربتهم من الحكم كما فعل هتلر. والسؤال ما زال مفتوحا عند الليبراليين واليساريين. أما عند أعضاء الإخوان المسلمين قد يبدو السؤال عن أنهم يمالئون رأسمالية تابعة للغرب الاستعماري شديد الغرابة. فقد تربوا وأسسوا جماهيريتهم علي محاربة خضوع بلاد الإسلام لغير المسلمين. وسيذكرون شهداء الكفاح ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية في فلسطين تحت الراية الإسلامية.
ولم يصل الإخوان المسلمون في الماضي إلي ما وصلت إليه مصر الفتاة علي لسان أحمد حسين( تستمر مصر الفتاة في حزب العمل الإسلامي الآن) من وجود تشابه كبير بين الفاشية والإسلام. فالإخوان المسلمون لم يدعوا للفاشية وللأخذ بالشريعة الإسلامية, بل الأخذ بالشريعة وحدها وإن تعاطفوا مع الفاشية. ولكن الطرفين يحيلان إلي عالم مثالي متخيل بعيدا بعدا تعسفيا عن المشكلات الحادة القاسية للواقع بين العمال وأصحاب العمل وبين الحكام والمحكومين. وينبغي ألا يؤدي التركيز علي فاشية ممكنة لدي الإخوان المسلمين إلي حرف النظر عن اتجاه فاشي حقيقي ينمو الآن في قلب الامبراطورية الأمريكية التي تعمل جاهدة للسيطرة علي العالم بكل قواعدها العسكرية المغروسة في كل مكان وبتأييدها لنظم استبدادية تابعة تقهر شعوبها

فيلم " اللص والكلاب " : خيانة الفقراء بقلم يسري حسين في " مختارات سينما إيزيس" ..


مختارات سينما إيزيس

نظرات على سينما الزمن الجميل

فيلم " اللص والكلاب " : خيانة الفقراء


بقلم
يسري حسين


تعامل كمال الشيخ مع رواية( اللص والكلاب) بتقدير فنان صادق وقف على جمال النص وإبداعه وعمقه فلم يغير شيئا ولم يفسره بطريقة تتصادم مع البناء الذي أراد الكشف بلغة الفن عن خيانة تجاه الطبقات الفقيرة التي يتم نهبها ولا تجد القوت أو العلاج وتتجه للسرقة والدعارة بسب هذا الخلل الفظيع.
شاهدت الفيلم الذي خرج الى دور العرض عام ١٩٦٢ بسينما الأهلي بالسيدة زينب ، وعندما أذهب الى القاهرة اصر الذهاب الى المكان الذي شهد غرامي بالسينما رغم زوال دار العرض وبروز بناية قبيحة بدلا منها. لكن جدران الأسمنت لا تمنع من تدفق ذكريات وإعادة بناء الماضي الجميل على أطلال الحاضر.
أنبهرت بالفيلم لسرد روائي متفجر بالحكايات والرموز التي نشرها الكاتب بشجاعة في عز قوة النظام الناصري وبطشه بالمثقفين وأدباء كانوا خلال صدور الرواية في عام ١٩٦١ خلف الأسوار والمعتقلات اذ لم يفرج النظام عن المعتقلين الا في عام ١٩٦٤.
شُيد كمال الشيخ المعمار السينمائي على أرضية الرواية ولم يعبث بها وأنما حافظ غلى أستقرارها على محاورها التي تتناول الخيانة ممثلة في الزوجة ( نبوية) و( عليش ) مساعد سعيد مهران بطل الحكاية كلها ، وينضم للخونة أو الكلاب بلغة الرواية ( رؤوف علوان) الثوري السابق الذي علم سعيد التمرد وأن سرقة الأغنياء حلال اذ ما أخذ بالسرقة لا يسترد الا بالسرقة.
خرجت ( اللص والكلاب ) بعد ملحمة ( أولاد حارتنا) التي عالج فيها قضية الصراع بين خير وشر وأن الحارة تدفع دائما ثمن غياب العدل وأنتصار الظلم بتحالف الطغاة مع أصحاب النفوذ والسيطرة وأن حرافيش الحارة يقع عليهم العسف والأضطهاد نتيجة لغياب العدل رغم محاولات لرجال صالحين يأتون الى الحارة لكن سريعا يقفز جبابرة يفرضون الأتاوات والظلم ويقف بجوارهم. الفتوات ويتحالفون معهم.
( اللص والكلاب) عودة الى الواقع والحياة والزمن المعاصر حيث يقوم النظام الإجتماعي على طبقية تتبدل أشكالها لكن المضمون واحد. والرواية لاتذهب الى الزمن الملكي وأنما تتحدث عن طبقة جديدة ورثت الأقطاع ورجال الملك وأصبحت تتصرف بالقسوة نفسها والتحريض على الفقراء والدعوة الى سجنهم اذ ظهرت منهم بعض تجاوزات بدافع فقر وحرمان



كانت سرقة سعيد الأولى عندما مرضت أمه الفقيرة ولم يجد ثمن الدواء وقد ألقت بها المستشفي في الطريق .
كان سعيد مهران يعمل في بيت طلاب يضم رؤوف علوان الثوري والمنضم لتنظيم سري يحارب من أجل العدل والفقراء. أعطى رؤوف للص الشريف الكتب الداعية للتمريض وإقامة مجتمع العدل والمساواة . وأصبح علوان المعلم الثوري الذي أعتقد سعيد أن طريقه هو الخلاص من النظام والقهر.
أختار كمال الشيخ شكري سرحان الذي التقيه في دبي وتحدث معي عن شغفه بشخصية سعيد الذي غدر به الجميع . وقد التقيت أيضا الممثلة سلوى محمود التي ظهرت في لقطات قصيرة في دور ( نبوية) الخائنة التي وشت بزوجها سعيد الى البوليس للتزوج من مساعده الخائن ( عليش ) الذي قام بدوره زين العشماوي وهو إهم أدواره وسيظل يذكر في كتب النقد بأنه أدي شخصية الخسيس ببراعة وتألق.
وقد رسم المخرج لحظة لقاء سعيد بعليش في حضور المخبر ( حسب اللة) في منظر يعبر عن حماية الشرطة والحكومة للصوص. فقد تهكم حسب اللة المرتشي على سعيد وهدده بإعادته الى السجن مرة أخري وسخر منه عندما طلب كتبه التي تركها قبل القبض عليه.
قال ( حسب اللة) يعلق على طلب الكتب: حرامي ومثقف. وحاول التحرش بسعيد في ظل وجود عليش ومساعديه حوله وهو بمفردة أمام اللصوص وحماية الحكومة لهم.
أختار كمال الشيخ المثل العملاق عدلي كاسب الظاهرة الفنية اذ رغم دوره القصير قدم شخصيةالمخبر في هيئة قطاع الطرق المجرمين والباطشين بالضعفاء.
تصرف ( حسب اللة )بجفاء وقسوة مع سعيد وعندما طلب رؤية ابنته سناء جاءت الطفلة باكية ناكرة لأبيها وكان المشهد كله يرسم ملامح مأسأة سعيد مهران الذي فقد كل شيء لم يبق أمامه سوى رؤوف علوان أستاذه ومعلمه.
في كتابه ( شخصيات لهاالعجب ) يتحدث صلاح عيسي عن سعيد مهران وأنه أختار هذا ألأسم للتخفي خلفه أثناء إنشغاله بالعمل السري. وهذا يُبين أن الشخصية المكتوبة على الورق أصبح لها حضورها في وعي الكتاب والجمهور.
أعتقد أن الفيلم ترك هذا الأنطباع الجيد عن شخصية دفعها المجتمع الى السرقة ثم طاردها بعنف .
وكانت صحيفة أخبار اليوم شنت هجوما شرساوخلقت من قصة السفّاح محمود سليمان ظاهرة مرعبة بثت الخوف والرعب لأن السفّاح يتخفى وراء أقنعة ثم يظهر ويطلق الرصاص.
محفوظ يفكك الجريمة ويبحث عن الظروف التي أدت لتكوين الظاهرة ويوجه النقد لصحافة صفراء ملوثة والى مجتمع ظالم يحمي اللصوص الكبار ويطارد هؤلاء المساكين، مثل سعيد مهران الذي نتعاطف معه عندما نقرأ الرواية ومشاهدة الفيلم.
عندما يذهب سعيد لرؤوف علوان لا يجد الثوري القديم وأنما صحفي يعمل في صحيفة( النجمة) يكتب عن الموضة والفن، بينما أيام الثورة والتمرد والسجن كان يكتب في صحيفة( النذير)




تغير علوان وأنقلب على سعيد وهدده اذا لم يكف عن أفكاره القديمة التي تعلمها منه خلال أيام التمرد والثورة. أنضم رؤوف علوان الى أعداء الأمس وأصبح منهم وأستغل ثقافته لفتح النار على سعيد وأمثاله الذي لم يجد أمامه سوى ( نور) تلعب دورها شادية بأداء مبهر للفتاة الفقيرة التي لا تجد أمامها سوى أحتراف الدعارة لتعيش.
يربط الؤلف بين سعيد ونور يجمعنا الفقر والبؤس وغياب العدل لكن نور مستسلمة بهذا القدر الإجتماعي إما سعيد فيقرر الأنتقام من الكلاب وعلى رأسهم رؤوف علوان الخائن الذي طعن الفقراء بقلمه وسكن القصر الفاخر على ضفاف النيل.
في نهاية الفيلم بعد قتل الشرطة والكلاب سعيد مهران يظهر رؤوف علوان بجانب سيارته الفارهة وهناك أبتسامة نصر اذ تم قتل التمرد الغبي الذي أعتقد أنه يمكنه بمفرده الفوز لانه صاحب قضية عادلة والبسطاء يقفون خلفه.
لم تبك على سعيد مهران سوى نور ألتي نظن أنها غير شريفة لكنها الوحيدة التي شعرت به وحاولت جذبه بعيدا عن شهوة الأنتقام. وكان سعيد أحتمي بالشيخ الجنيدي لعله يجد في عالمه الخلاص من مطاردة الكلاب ونكران ابنته له.
كانت السينما المصرية تحولت نحو دفتر الحياة المعاصرة ووجدت في روايات نجيب محفوظ التماس مع قضايا مطروحة عالجها بعبقريةخلال رباعية استمرت مع السمان والخريف واللص والكلاب وميرامار وثرثرة على النيل.
حرص كمال الشيخ على الصدق وأدي كمال الشناوي دور رؤوف علوان بحرفية الممثل وصدق الفنان وعندما أدرت معه حوارا ركزت على الأداء المدهش والصادق لشخصية قفزت من الثورة الى الخيانةببساطةشديدة ودون تأنيب ضمير بل بتبجح.
( اللص والكلاب ) شهادة مبكرة عن استمرار العالم القديم كما هو لكن ما تغير فقط هو الوجوه فبعد أغنياء العصر الملكي جاء ورثه من الزمن الجمهوري وعانت الحارة من تحااف اللصوص مع أهل المال وكأن محفوظ يحدثنا عن زمن شاهدناه وعاصرنا نفوذه يقف فيلم ( اللص والكلاب في مكانة مضيئة في تاريخ السينما المصرية الذي كان صعودها في الستينيات أعلى مراحل التألق قبل إنهيار وتلاشي مع غزو ثقافة الصحراء الكارهة للسينما وتتحسس سيفها عندما تسمع كلمة ثقافة أو فن

يسري حسين
كاتب وناقد وباحث سياسي مقيم في لندن

فيلم " أنا حرة " والدفاع عن حرية المرأة بقلم يسري حسين في " مختارات سينما إيزيس "


فيلم أنا حرة والدفاع عن حرية المرأة
في
مختارات سينما إيزيس

نظرات على سينما الزمن الجميل


بقلم

يسري حسين*

حول نجيب محفوظ روايةإحسان عبد القدوس ( أنا حرة) الى سيناريو متدفق في عالم السينما يحافظ على وهج الفكرة التي صاغها الكاتب بأسلوبه المعتمد على تقنية التحقيق بأسلوب الصحافة المشوق الذي برع فيه.
طرق إحسان موضوعات شائكة ومركبة وطرحها ببساطة غير عابيء بردود فعل معسكر التخلف المصري . وأذكر أن الكاتب تعرض لهجوم شرس من هذا المعسكر لانه كان ينشر رواية مسلسلة في روز اليوسف تطرقت الى علاقات غرامية ملتهبة بين البطل ( حلمي) وثلاث نساء.
أنعقد البرلمان لمحاكمة إحسان والمطالبة بإعدامه لإنه ينشر الرذيلة في مجتمع مؤمن بربه والأنبياء الصالحين ، وكيف أن مصر بلد الأزهر ينشر فيها أدب غرف النوم؟ . في ظل صمت الدولة.
كان إحسان قبل الثورة بطل صحافة سياسية جريئة يقود روز اليوسف في داخل نهر الليبرالية القريبة من اليسار. كان منفتحا وديمقراطيا وفي قلب هذه المدرسة أنتعشت أقلام وطنية مثل صلاح حافظ وفتحي غانم. بعد الثورة المباركة تم تأميم السياسة وأصبح الوحيد الذي يمارسها هو زعيم البلاد الوطني الأول والأخير.
لم يعد الكاتب الجسور يملك رفاهية الإشتغال بالكتابة السياسة الا بمدح الرئيس فقط ، لذلك أتجه نحو الرواية بأسلوبه الذي لم يجد الأهتمام من نقاد مثلما حدث مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس، لكن تجاهل النقاد لإحسان لم يشكل عقدة لديه مثلما حدث ليوسف السباعي الذي حارب الناقد الفنان رجاء النقاش وطارده حتي رحل عن مصر لفترة طويلة في صحراء قطر. وقد التقيت رجاء في الإمارات ووجدته حزينا لهذا النفي الإختياري نتيجة موقف السباعي وزير الثقافة والذي منع الناقد من الكتابة في مصر وصحفها بعد أن كان حاضرا في الصحف والمجلات والإذاعة .
والقصة التي قلبت الطاولة على رجاء بدأت بعد إنقلاب السادات على مجموعة عبد الناصر وكان الناقد يتولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون ونشر خلال هذه الفترة رواية محفوظ ( المرايا) بعد أعتذار الأهرام عن نشرها وزين الرواية برسوم سيف وانلي لتكامل العمل الفذ برسوم لفنان له بصمة في عالم التشكيل.
إحسان عبد القدوس لم يهتم بتجاهل رجاء وغيره لأدبه الروائي لأنه كان منتشرا جماهيريا وتعرض السينما كل أعماله اذ تستجيب لمشاعر تعبر عن طبقات صاعدة في المجتمع خاصة نساء الطبقة المتوسطة حيث خرجن من الجلوس في البيت إنتظارا للعريس الى المدرسة والجامعة والعمل . فتاة إحسان بنت طبقة وسطي بمختلف درجاتها وتطلعها الى حياة أفضل.
أختار الكاتب بعد غلق مجال الكتابة السياسية سرد القصص والحديث في الحب ، كان لديه بابه الأسبوعي أدمنت على الأطلاع عليه يتابع السينما والفن وقد أحتضن عبد الحليم حافظ ولبني عبد العزيز وأقترب من محمد الموجي وكمال الطويل والجيل الذي جاء بعد عبد الوهاب وينقل الغناء والطرب الى الشارع الجديد الذي يتحدث بلغة الحب والمشاعر الجميلة.
روايات إحسان عبرت عن حياة مختلفة اذ ما زرعه طة حسين من مجانية التعليم وتشجيع البنات على دخول الجامعة بدأ يثمر ويغير الواقع المصري بوجود نساء في الجامعة والوظائف بدأ إحسان يتحدث عنهن ومشاعرهن والعلاقة مع الرجل وخروجها من الهمس والظلام الي الحياة العامة.
في هذا المناخ الذي ساد في الخمسينات كان إحسان يكتب في ظل ألحان عبد الوهاب والموجي وكمال الطويل كانت مصر في حالة ثقة بعد إنحسار العدوان الثلاثي. في هذا المناخ كتب إحسان روايته ( أنا حرة) وكان خالد محمد خالد نشر كتابه القنبلة( الديمقراطية أبدا) حيث يقول أن علاج أخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية.
هذا الشيخ الأزهري التمرد على الكهنوت وينحاز الي ثقافة الشعب المدنية ذهبت اليه في مسكنه التواضع في حي المنيل وكان أعتزل الحياة وتراجع عن ثورته الإولي. ويرفض الحديث وأن كان أستقبلني بود شديد. وكنت تعرفت عاى نجله الأصغرمحمد خاد ثابت وكان أخيه الأكبر أسامة يعمل بمكتبة جامعة القاهرة وقريبا من الحركة الطلابية. كان محد يدرس بالجامعة الامريكية ويصدر مجلة ( القافلة) وكتبت بها مقالا عن المناضل غسان كنفاني. وكان محمد ليبراليا اقرب الى اليسار لكن حياته تغيرت رأنضم الى تيار متشدد وتقلب في هذه الموجة حتي أستقر على كرسي يحمل يافطة داعية إسلامي.
لازلت أذكر حماس طالب الجامعة الأميركية وأصراره على إصدار مجلة تتوافق مع مد ديمقراطي خلال حركة طلاب مصر في عام ١٩٧٢ المطالبة بتحرير الأرض وأسقاط القيود على حرية التعبير. وكان الأمن قرر مصادرة الجلة ومطبوعة إخري كان يجهزها صلاح عيسي وكتبت فيه موضوعا عن سيد درويش.
خلال أرتفاع مرحلة الأمل الديمقراطي بعد إنحسار العدوان كتب إحسان ( أنا حرة) عن أمينة الجديدة المختلفة عن الأخري الخاضعة لسي السيد المستبد غير العادل والذي يمارس كل أنواع الفجور في الخارج ويقمع زوجته أمينة ويطلقها لأنها ذهبت لزيارة الحسين دون أخذ أذنه.
أمينة إحسان متمردة تأكد حريتها كأنسانة بالعلم والوظيفة والإنخراط في كفاح وطني.
عرض الفيلم في يناير عام ١٩٥٩في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة حملة إعتقالات شملت كل القوي المستنيرة المصرية وعلى رأس المعتقلين لويس عِوَض ومحمود أمين العالم ومئات آخرين من نخبة المجتمع المصري بالأضافة الى نقابيين و عمال.
الفيلم يتحدث عن واقع ما قبل الثورة لأن السينما المصرية كانت تخشي الأقتراب من واقعها المعاصر ورغم هذا الهروب الى الوراء فأن المناخ العام للفيلم والمناظر يشتبك مع واقع مصري مختلف تشكل المرأة وطموحها أهم مظاهره اذ ترفض أمينة تسلط زوج عمتها ( حسين رياض ) الذي تعيش في كنفه مع عمتها وهي بدورها انتقلت عدوي التسلط اليها . وشكل الأسرة يشير الى الدولة الخانقة اذ الأبن يهوى عزف الكمان والوالد يعتبر ذلك جريمة ويعاقب نجله بشدة. تصمم ( أمينة) على تحدي الأستبداد بالعلم وأن الحرية تحقق للإنسان شرفه وكرامته، الأستبداد يقتل البشر ويساعد على نمو الإنحراف بسبب فرض الظلام . فعلاج أخطاء الحرية المزيد من الحرية.
تألقت ( لبني عبد العزيز) في تجسيد أمينة الجديدة الطموحة. وادار صلاح أبو سيف فيلمه بمهارة فنان يعزف بلحن الحرية في مجتمع كان يتطلع آليها بنشوة وأمل جارف لكن مياه النهر توقفت في ظل إختيار آخر تمثل في قمع تلك الحريات فنزوي خالد محمد خالد يتراجع عن ثورته ويقر في أيامه الأخيرة أن الإسلام دين ودولة بعد أن كان في كتابه (من هنا نبدأ)ينتصر للدولة المدنية كما أن نجله الليبرالي المتعاطف مع اليسار تحول الى داعية وكان قد أنضم الى جماعة التبليغ.
رواية( أنا حرة) نفسها تعرضت للتشويه فقد حذف الناشر في طبعة جديدة كل ما يخدش الحياء، لكن عندما صدرت الرواية في طبعتها الأولى كان المجتمع شغوفا برياح الحرية وكانت البنات تخلصن من الحجاب الذي ألقت به هدي شعراوي خلال ثورة ١٩١٩ لأنه يعبر عن عبودية وأحتلال وشعب مهزوم يتخفى وراء قناع ويعتبر صورة المرأة وصوتها عورة مع أن شيخ الأزهر الدكتور مصطفي عبد الرازق كان يشجع أم كلثوم والشيخ أمين الخولي دفع ابنته سمحة الخولي لدراسة الموسيقى ونيل درجة الدكتوراه وتولى عمادة أعلى معهد موسيقي في مصر.
خالد محمد خالد كان يقول الديمقراطية أبدأ فلم يتحقق هذا الحلم ونجله كان ليبراليا يساريا فأنضم الى جماعة التبليغ ورواية( أنا حرة) تم العبث بها ويبقي لنا الفيلم الذي كتب السيناريو نجيب محفوظ فجاء صرخة مدوية عن أهمية حرية المرأة في مجتمع حر ورغم أن أبناء إمينة وضعوا الحجاب مرة أخري لكن حلم الحرية بلا أقنعة أو ضوابط يظل حلم المرأة المصرية والرجل المصري ولن يخمد أبدا وهناك دليل على هذا الحال الذي تجسد على الواقع وتلاشي بفعل إعتقالات وإستباد قطف الأحلام وألقي بنا في قبضة الإخوان والسلفيين


* يسري حسين كاتب وناقد وباحث سياسي مقيم في لندن

الجمعة، أكتوبر 28، 2016

هؤلاء الذين هم محمد ناجي بقلم سهام بيومي


مختارات سينما إيزيس






الروائي المصري الكبير الشاعر محمد ناجي صاحب " خافية قمر " و " قيس ونيللي " و " مقامات عربية "



هؤلاء الذين هم محمد ناجي


بقلم

سهام بيومي *

محمد ناجي ظاهرة إبداعية وإنسانية فريدة.. الذين عرفوه من قرب يدركون كيف كان مبدعاً في الحياة كما في الكتابة والمعرفة، ولا يمكن فصل الجانب الإنساني فيه عن الجانب الإبداعي. عاش تجارب كثيرة صعبة وقاسية، منها تجربة المرض على مدى عشرين عاماً، ولعل أكثرها قسوة السنوات الأخيرة التى أمضاها في باريس، حيث المرض والغربة والوحدة وهو الذي يتنفس الناسَ ولا يستطيع الحياه من دونهم.. الأصدقاء والأهل والزملاء والمعارف.
في باريس أحاطته وجوه أليفة محبة، ووجوه قتَلة، غادرة متربصة، لم يترددوا حتى في سرقة أشيائه الشخصية، ملابسه والتحف التي اقتناها وأوراق الإقامة والعلاج والنقود، فضلاً عمن أزهقوه باستجواباتهم، وكانت كتاباته وإبداعاته هي كل ما يعنيه ويحرص عليه كل مرة.. هؤلاء القتَلة الأغبياء لم يدركوا أنه مريض استثنائي، فقد ظل حتى آخر لحظة يتمتع بذاكرته القوية، وعقله المنظم والمرتب. وحتى في آخر مكالمة معه عندما أفاق لبعض الوقت من الغيبوبة قبل نقله إلى المستشفى كان يقظاً ومنتبهاً، ولم ينسَ بعض الملاحظات رغم قصر المكالمه. وكان يكلم أصدقاءه رغم ضيق الوقت أيضاً قبل دخوله غرفة العمليات.
أصيب بغيبوبة في الجبهة أثناء حرب الاستنزاف إثر انفجار، وأصيب في ساقه، واستُشهد زملاء له، ظن زملاؤه أنه استُشهد وحملوا متعلقاته الشخصية إلى أهله، فأعلنوا الحداد، ثم فوجئوا بعودته بعد أكثر من شهر.
يقول في «تسابيح النسيان»:
«ذلك..
الذي اختصر عمره
في صرخة مدوية
استمدّ منها الشجاعة
وهو يدوس حقل الألغام
ويترقب أشلاءه بآخر نظرة
كنت في الصفوف الخلفية
أعدّل وضع خوذتي
وأمنّي نفسي بالفداء
وهو ابتلع العالم بصرخة
(ذهب ولم يعد)».
كان مفعماً بالحياة، وتحولت معاناة المرض لدى محمد ناجي إلى معاناة إبداع وتأمل في الحياه والوجود ككل.. كانت الكتابة هي فعل الحياة نفسها والاستمرارية في الوجود، وكلما اشتد المرض يسابق الوقتَ بفيض من الكتابة العميقة رغم تباريح الألم في السنوات الأخيرة، فكانت «تسابيح النسيان»، و»ذاكرة النسيان»، و»قيس ونيللي» التي صدرت عقب وفاته، و»سيدة الماسينجر»، و»سيد الوداع»، و»البوليتيكي»، ثم مذكراته الشخصية في حوالي ستمائة صفحة وتتضمن فترة حرب الاستنزاف. هذا فضلا عن نصوص تمثل مشاريع أو بدايات لأعمال.
لقد دفعته تجربة المرض الطويلة باتجاه الحياة والانغماس فيها بعمق، وإشاعة جو من البهجة بين أصدقائه واكتساب أصدقاء جدد من أجيال مختلفة حتى آخر لحظة أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة.
لقد أغنى محمد ناجي الجوانب المعرفية بكل ما يثير اهتماماته -وما أكثرها- وحتى التحف والأنتيكات والتماثيل التي كان يقتنيها، لم تكن مجرد أشياء للزينة والاقتناء، يتحدث عنها وعن الجوانب الفنية ومغزاها وأصولها، كذلك الأحجار الكريمة وغيرها من الأحجار، يعرف كيف يميزها ومدى جودتها ومكوناتها وتأثيرها النفسي، وخواصها في العلاج، حتى إنه في المرات التي كنا نصطحبه إلى خان الخليلي بالقاهرة، كنا نرى مدى العلاقة العميقة التي تربطه ببعض تجار الأحجار، وكانوا يستشيرونه أحياناً، أما من لا يعرفونه منهم فيظنونه تاجرَ أحجار.
 «كيف تستطيع في هذا الضيق
 أن تنبض بكل تك المعارف
 أن تقود بهجة الفلك
 من خلف قضبان ضلوعك».
التحق بعد فترة التجنيد بوكالة أنباء الشرق الأوسط، ثم سافر إلى الإمارات وساهم في تأسيس وكالة أنباء الإمارات، وبعض الصحف في الخليج، كما أشرف على القسم الثقافي بوكالة رويترز في القاهرة، وساهم في تأسيس صحيفة «العالم اليوم»، وتولى العمل مديراً لتحريرها. كان يتابع الأحداث والأخبار بدأب، ويضعها في سياقها، وظل هكذا أثناء وجوده في باريس، حتى إننا أثناء مكالماته نعرف منه ما غاب عنا من أخبار وأحداث ونستمع إلى تحليلاته العميقة وأحياناً نبؤاته.
كان يهتم بالجوانب الروحية وطاقة الروح والجسد، وله قراءات عميقة في الصوفية والديانات الهندية القديمة، يستفيد منها في تنمية القدرة على التأمل وشحن طاقته، وكان يرى العالم أرحب بكثير من عالم المريض الضيق، قال لي مرة: «هناك شخص مريض اسمه محمد ناجي، ومحمد ناجي السليم يخدم عليه ويجيب طلباته ويواصل الحياه.. فن الحياة».
لكن العلاقة بينهما لا تتوقف عند هذا الحد كقول الشاعر:
«وإذا كانت النفوس كباراً/ تعبت في مرادها الأجسام»..
«فبينما كان ينطلق في الحياة
كان المريض يتململ
صعب أن أنتظر طويلاً
فذلك الذي يتململ في جسدي
متأهباً الإذن بالانصراف
أصبح مذاقه في جسدى مراً وموجعاً
ذلك الذي استعارنى ليرى ويسمع
أضناني ليتذوق بي الدنيا
له المعرفة ولجسدي الهلاك».
وفي مقطع آخر من «ذاكرة النسيان»:
«لم تكن خطيئته أنه ذاق شجرة المعرفة
إذ لم يكن بحاجة إلى المعرفة
ولا أنه طمع في الخلود
إذ كان في حضرة الخلود فعلاً
خطيئته أنه تذوق نفسه
فاشتهى الحياة
لم يفطن إلى أن الحياة تقوده إلى الموت».
ويقول في موضع آخر:
«وما يزال يفر من موت إلى موت».
عايَشَ محمد ناجي المريضَ فيه كما عايَش أبطال رواياته ورصدهم في الحياة.. يبكي إذا مات أحدهم.. بعدما انتهى من كتابة رواية «قيس ونيللي»، قرأ لي الفصل الأخير وبكى عندما ماتت «نيللي»، كما بكى قبل ذلك عندما ماتت «نهرية» في «مقامات عربية»، و»نازك» في «الأفندي». علّقت ابنته سارة على ذلك، وسألَتْه متعجبة: «وإيه يعني؟!»، فقال لها: «هذه شخصيات خلقتُها من لحم ودم، فكيف تموت ولا أبكي عليها». تقول: «كنت أتعجب من حالة النكد والحداد التي تصيبه على أبطال رواياته الذين يموتون.. الآن فهمت».
في زيارته الأخيرة بعد غيبة أكثر من ثلاث سنوات، كان يتحدث عما سيفعله بعد عودته، ونحن نجلس في شقته، كان يقول: «سأغير فيها أشياء عندما أعود»، بينما المريض كان يغافله، ليلقي نظرة وداع على المكان، ويهمس من خلفه: «جئت لأودّع أصدقائي وأهلي، وكل الذين أعرفهم».
«تسابيح النسيان» و»ذاكرة النسيان» تجربة تأمل طويلة، الأولى كتبها ونشرها قبيل سفره إلى باريس، والثانية كتبها خلال إقامته هناك، وما زالت تحت الطبع، نصوص طليقة متحررة، بالغة الجمال والثراء، كلما أعدتُ قراءتها أكتشف رؤى جديدة ومغزى أعمق، يتأمل في الوجود ككل، في الذات والماضي والحاضر والمستقبل، في الوجوه التي عرفها، يستحضر حياته كلها من خلالها، بكل ما تفيض به من مشاعر.
«العيون التى اختزلت كل المدن والوجوه
وأعادت ترتيبها على نحوٍ تحبّه
كيف ستكون إطلاتها الأخيرة على الذاكرة؟!».
في تجربة التأمل الطويلة، كان ينسلخ عن الذات المنهكة، وينطلق محلّقاً في فضاءات واسعة، ثم يرتدّ إلى الذات مشحوناً بالرؤى، ويتكرر ذلك وتتجمع الرؤى متمثلة في شخوص تتزاحم داخله، كأنما يدلي كل منهم بشهادته.. كانت محاولاتهم تضنيه وتنهكه أحياناً، لكنه كان يستعيدهم ثانيةً ليتوحد بهم ثانية، ويعيد ترتيب الأشياء على نحوٍ يحبه.
في الجزء الذي يحمل عنوان «هؤلاء الذين أنا» في «تسابيح النسيان» يقول:
«دعيني أحدّثك يا امرأة
عن هؤلاء الذين أنا
الآخرين الذين نموا داخلي خلسة
ويكاشفونني بوجودهم الآن
يتموجون في بقايا دمي
 ويتبددون حين أتأملهم
أتوه عن نفسى بينهم
نطف لقطات عابرة
سكنتني خلسة
تكورت في خفاء الحلم
وتشعبت دون أن أدري».
يبدو أن هذه الرؤى كانت تربكه في البداية، لكنه ينجح في التعامل معهم، يتوحد بهم، أي بالذات، ويتوحد من خلاهم بالعالم؛ بالتاريخ والماضى والحاضر والمستقبل، كل منهم منشغل بجانب أو بأمر ما، وكلها تلتقي عند نقطة واحدة تتجمع فيها كل الموجودات من خلال الذات.
كل الصور والمشاهد والكلمات هي رؤى وتأملات تربط الذات بالعالم والكون، ليس لها وجود مستقل عنه، حتى الصور المتعددة والوجوه المختلفة للمرأة التي أوردها والوجوه الأخرى، هي مرايا يعيد ترتب الأشياء من خلالها.
«أولئك الذين يشرئبون من عيوني
ليتأملوا بدموعهم
العالم الذى يخلو منهم
هل أستطيع أن أدعوهم إلى موكبي الأخير
فليرفرفوا فوق جثتي كبيارق مجدٍ
ولتدقّ الطبول أمامي عالياً
لتعلن أنهم كانوا هنا
(في القلب دائماً)
وليتقدمنى المنشدون بأهازيج تقول:
- ذهب ولم يعد».
* كاتبة مصرية

عن جريدة " الرأي " الأردنية بتاريخ 12  يونيو 2015 


الروائي محمد ناجي والكاتبة سهام بيومي و الناقد محمود عبد الشكور

كتبوا عن موقع ومجلة " سينما إيزيس ". تأسست في باريس في أغسطس 2005 وتعني بـ " فكر " السينما المعاصرة



الكاتب والناقد السينمائي المصري صلاح هاشم مؤسس موقع " سينما إيزيس" يحاور المخرجة المسرحية والسينمائية الفرنسية الكبيرة آريان موشكين




صلاح هاشم مؤسس موقع سينما إيزيس


كتبوا عن  " سينما إيزيس"

كتب الناقد والباحث السينمائي العراقي الاستاذ يوخنا دانيال حديثا دراسة بعنوان " المواقع السينمائية علي شبكة الانترنت ما لها وما عليها" ونشره في موقع " سينماتيك " لحسن حداد، فوضع سينما ايزيس في المرتبة الثانية مباشرة بعد " سينماتيك " كأحد أهم وأبرز المواقع السينمائية العربية علي شبكة الانترنت، وكتب يقول .. " سينما ايزيس هي مجلة سينمائية اليكترونية تعني بفكر السينما المعاصرة وفنونها، مؤسسها ورئيس تحريرها الناقد السينمائي المصري المقيم في باريس الاستاذ صلاح هاشم مصطفي، وسيهتم الموقع المتعدد اللغات والاهتمامات عند تكامل انشائه بالسينما العربية والفرنسية والاوروبية والافريقية والعالمية ليعكس فكر السينما المعاصرة وفنونها وانجازاتها حول العالم. وللحق فان الموقع يحمل بأمانة طابع الناقد صلاح هاشم " المتمرد " والخارج عن مؤسسة السينما القائمة في مصر أو العالم. لقد وقف صلاح هاشم بمفرده بعيدا عن الجميع... ولم يساهم في حملة التهليل والتبجيل الشاملة ، " غير الموضوعية أحيانا " بفلم عمارة يعقوبيان، لذا يحفل الموقع الذي انبثق في آب. أغسطس 2005 بمقالات نقدية عميقة " مضادة " للسينما العربية الراهنة في مصر، والسينما القائمة فقط علي الابهار والتقنيات والاثارة في هوليوود وغيرها من عواصم العالم ، كما يحفل بمقالات تبجل السينما التسجيلية والمستقلة والفقيرة الخارجة عن المألوف في مصر وكل مكان، بأقلام أهم النقاد في العالم العربي. يمتاز الموقع بغناه النظري وتغطياته الموسعة العميقة و " غير المهادنة " للمهرجانات التي يحضرها باستمرار " ناسك " السينما صلاح هاشم. كما يمتاز الموقع بخدماته الكثيرة وروابطه الاليكترونية الواسعة بمختلف المؤسسات والمعاهد والجهات التي تعني بالسينما في العالم. سينما ايزيس هي وفاء وتحية من مؤسس الموقع الي دار عرض " سينما ايزيس " في حي السيدة زينب، التي جذبت الطفل صلاح هاشم الي عالم السينما السحري منذ أربعين عاما أو يزيد. ". ويسمح باقتباس او نقل اي مادة من أرشيف وموقع المجلة من دون اذن من الناشر صلاح هاشم . يرجي فقط الاشارة الي المصدر. مع تحيات سيبنما ايزيس.
--




تهنئة من الناقد السينمائي المصري الكبير سمير فريد الي سينما ايزيس

بعث الناقد السينمائي المصري الكبير سمير فريد برسالة تهنئة الي " سينما ايزيس " يقول فيها
عزيزي صلاح تهنئة حارة على موقع "سينما إيزيس" والذي قرأته وأعجبني كثيراً. لا أرى ما يدعو للتفكير في مجلة مطبوعة, فهي لن تكون تحت المخدة, وإنما تحت الرقابة..كل ما أتمناه التدقيق في المعلومات على مواقع السينما العربية, ففي مقابل حرية الرأي من دون قيود ولا حدود, ليست هناك حرية في نشر معلومات غير محققة مائة في المائة بل إن المعلومات الخاطئة -كما تعلم- عدوان على الحرية.مع أطيب التمنيات
سمير فريد
--

تهنئة الي سينما ايزيس

بقلم الناقد السينمائي هشام لاشين
كتب الناقد السينمائي المصري هشام لاشين رسالة الي سينما ايزيس يقول فيها
عزيزي الاستاذ صلاح هاشم
أهديك شعار مهرجان القاهرة السينمائي لدورته الجديدة، ربما لأنه أيضا عن ايزيس والاهرامات، وهو ما يبدو ملائما لموقعك، الذي اخترت له هذا الاسم مبكرا، وفي حيثيات اختيار شعار هذه الدورة المهرجانية أشارت ادارة المهرج
ان، أنه وقع الاختيار علي ايزيس، لأنه تتبادر فور ذكرها معاني الابداع في كل صورة، بداية بالخصوبة، مرورا بالرخاء والعدالة والعاطفة، وانتهاء بفكرة السلام، شأنها شأن الفن السينمائي، الذي تتضمن لقطاته المتتابعة تبادرا لأفكار شتي، في محاولة لرصد الوجود الانساني. هذا الوجود الذي صاحبه منذ الأزل طموحا في الخلود، لتصبح السينما احدي سبل الحضارة، تماما كأهرامات الجيزة، التي خلدت ذكري قدماء المصريين بابداع بقي منغلقا علي أسراره، شاهدا علي عبقرية صانعيه، ليستحق أن يكون رمزا لقيم العمل ، محمولا بيمين المبدعة ايزيس. لقد كان لك السبق صديقي في استلهام هذه المعاني، وأنت تطلق علي موقعك هذا الأسم، بما يحمل من دلالات يتوازي فيها الابداع والخلود بالتواصل عبر شريط السينما، وهو ما أهنئك عليه، وان جاءت تهنئتي متأخرة، وهي فرصة لنهنيء أيضا مهرجان القاهرة في دورته الحادية والثلاثين، لأنه اختار بدوره من عبق المحلية والتاريخ شعارا لدورته، ولم يستسلم مثل آخرين لشعارات ممسوخة. شعارات لاتعكس سوي أطماع الآخرين علي طريقة الشرق أوسطية وغيرها من الشعارات المستوردة وربما المفروضة، والتي لاتعكس سوي الفراغ والاستخفاف، وبالتالي فهي لاتسمن ولاتشبع من جوع..
هشام لاشين
-

مدوّنة «سينما إيزيس» تطمح الى سينما تشبهنا

صلاح هاشم : نريد بديلا من الهراء الذي يُسمَّى ثقافة السينما


حاوره :  الناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة


يُقيم الناقد السينمائي المصري صلاح هاشم في باريس، ويتابع واقع السينما الغربية والعربية على حدّ سواء، في مقالاته النقدية وكتبه المتفرّقة. في آب ,2005 أطلق مدوّنة سينمائية باسم «سينما إيزيس»، استناداً إلى رغبته في إصدار مجلة سينمائية متكاملة تُقدّم وجهات نظر سجالية مختلفة

ما الذي دفعك إلى إصدار مجلة (مدوّنة) سينمائية عربية في مرحلة تتّسم بارتباك كبير على مستوى الإنتاج السينمائي العربي السوي؟

كان الدافع إلى إنشاء مدوّنة «سينما إيزيس» في آب 2005 على شبكة «إنترنت» أن تكون تحيةً إلى دار عرض «سينما إيزيس» في حي السيدة زينب في القاهرة، أحد أهم الأحياء الشعبية فيها وأعرقها، التي كانت تعرض أفلاماً أجنبية فقط بترجمة لأنيس عبيد، وكانت بمثابة مدرسة سينما لي ولأقراني في فترة الخمسينيات، حيث شاهدنا فيها روائع السينما الأميركية في تلك الفترة. لكنها، في عصر الانفتاح الاقتصادي الساداتي، تحوّلت الى «خرابة» مهجورة مثل الأشياء الأصيلة كلّها في حياتنا. حفّزتني أفلامها على الكتابة، إذ لولا تلك الأفلام، التي فتحت أمامي نافذة على العالم، لما انطلقت في الإبداع، ولما اخترت أن أكون كاتباً. أردتُ من تأسيس مدوّنة «سينما ايزيس» أن تكون قاعة عرض مفتوحة على العالم من دون أن تغادر مقعدك. أردتها أن تُذكّر بتلك القاعة التي وسّعت مداركنا وغذّت مخيّلتنا وألهبتها. رغبتُ في أن تحافظ على ذاكرتها، وعلى مجد السينما التي صنعتنا، وعلى ذكريات تلك الأفلام العظيمة التي شاهدناها في تلك القاعة، بعد أن صارت الآن جزءاً منا، زارعةً فينا سحر الضوء، وذلك التوهّج والتألّق والوميض
 
اختراع النظرة

هناك دافع آخر: التواصل مع القارئ العربي المهتمّ بالشأن السينمائي الجاد. أردت أن تكون المدوّنة حلقة تواصل للتعريف باتجاهات السينما الجديدة وتياراتها، اذ تتقدّم السينما التي اعتبرها أداة تفكير في مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية في العالم، وتقترب أكثر من الشعر والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والأدب وعلم النفس، وتتواصل مع تلك العلوم، بينما تتخلّف في بلادنا وتعاني «ارتباكاً كبيراً على مستوى الانتاج السينمائي السوي»، كما قلتَ في سؤالك، بسبب عزلتنا وتخلّفنا وتقوقعنا على أنفسنا. أردتها أن تكون شاهداً على ما يحدث في تلك المنطقة الحرّة (باريس)، وأن تُبلّغ بما يحدث (هناك أكثر من مئتي مهرجان سينمائي في فرنسا تحتاج تغطيتها والكتابة عنها إلى جيش جرّار)، انطلاقاً من أن الحديث عن الأعمال السينمائية الجديدة التي تُعرض هنا، وإن لم تُتَح للمواطن العربي مشاهدتها، أساسي وضروري. أردتُ لهذه الشهادة المرئية والروحانية أيضاً (المدوّنة)، باعتبار أن السينما كما أتمثّلها حضارة للسلوك في الأساس، أن تكون محاولة شخصية وفردية لكنس «الهراء العام» الذي يمثّل المادة الأساسية لما تبثّه غالبية صحفنا وأجهزتنا الإعلامية ومحطاتنا التلفزيونية المصرية والعربية، التي تجهل الشأن السينمائي. لهذا كلّه، أركّز في كتاباتي على محاولات ترى أن السينما تكمن في اختراع النظرة، وليست للترفيه والتسلية ودغدغة المشاعر والعواطف لتغريبنا عن أنفسنا ومجتمعاتنا. أردتُ المدوّنة مساحة للتعبير تُعنى أساساً بفكر السينما المعاصرة، لأن ما يهمّني كامنٌ في «كيف تفكر السينما في تطوير فن السينما نفسه»، من خلال التجريب والابتكار والاختراع (اختراع النظرة)، وكيف يضيف كل فيلم جديد إلى التراث السينمائي العالمي، ويتواصل مع التقاليد التي أرساها كبار السينمائيين المخرجين، «حكواتية» عصرنا، من هوميروس اليوناني إلى فيلّيني وستانلي كيوبريك وغريفيث وهيتشكوك وبونويل ومحفوظ وساتياجيت راي وصلاح أبو سيف وغيرهم. أردتها أن تصبح مشروعاً في طور التكوين والتحقّق مفتوح على التجريب والتطوير في كل لحظة، بما يتلاءم والأحوال والظروف والمتغيرات الجديدة، وضد كل ما هو ثابت وتقليدي ومحافظ ومتحجّر وجامد وبلا حياة

ما الذي دفعك إلى إصدار المجلة إلكترونياً وليس كمطبوعة ورقية؟ وهل تعتقد أن وسيلة التواصل الإلكتروني أفضل من المطبوعة الورقية؟

وسيلة الاتصال الإلكتروني أفضل وأسرع من المطبوعة، لأنها مجانية أولاً، وتوفّر إمكانيات لا حدود لها في الحفظ والمراجعة والأرشفة والتطوير ثانياً، فتضع العالم كلّه بين يديك (مثل السينما) في لحظة واحدة، و«بكبسة زرّ». فالوسائل الإلكترونية سبّاقة في نشر الصورة والخبر والتعليق والتحليل والرأي، في حين أن عهد الإعلام الموجَّه الخاضع للحكومات والسلطات انتهى، وفقدت المجلات والصحف الحكومية مصداقيتها، وأصبح الإعلام الرسمي الآن مثار سخرية وتهكّم. كما أنها تتيح للقارئ التعقيب والتعليق على ما تبثّه وتكتبه وتنشره المدوّنات، فتخلق بذلك «تفاعلية تبادلية» أوسع ومشاركة أكبر، بالحوار الديموقراطي المثمر والبنّاء والمتبادل والمفتوح على الاحتمالات كلّها، متمنّياً أن تتسع حلقة التواصل هذه عبر سينما إيزيس»
جرأة الاكتشاف
إلى أي مدى يُمكن القول إن «سينما إيزيس» نجحت في استقطاب القرّاء المهتمّين بالشأن السينمائي بجانبيه الثقافي والفني؟
ربما نجحت «سينما إيزيس»، التي يتردّد عليها أكثر من مئة شخص يومياً منذ تأسيسها، في أن تصدم البعض، بل قل الكثيرين، بأفكارها وكتاباتها الجريئة المغايرة. ربما نجحت أيضاً إلى حدّ ما في أن تكون كشّافاً واكتشافاً، وأن تعبّر وتنطق بما لا يستطيع البعض أن ينطق به، بسبب صراحتها وحريتها وجرأتها. لـ«سينما إيزيس» نكهة وطعم خاصّان، وهذا بالضبط ما يميّزها. من الطبيعي أن يكشف كل موقع عن صورة صاحبه ويأخذ من نفسه وتاريخه وروحه وفلسفته ورؤيته للعالم، لذا تطرح «سينما إيزيس» «صورة» تشبهنا، كما تطمح إلى أن تقدّم سينماتنا أيضا صورة قريبة من واقعنا. ربما حفّزت «سينما إيزيس» على هذا المنحى ودفعت باتجاهه وشجّعت على تأسيس وخلق مواقع سينمائية جديدة وبديلة محل «الهراء العام» الذي يُرَوَّج له باسم ثقافة السينما

في هذا الإطار، كيف تنظر إلى الواقع الحالي لـ«المواقع والمدوّنات الإلكترونية العربية»؟ وبرأيك، ما هو الهدف من إصدار» هذه المواقع والمدوّنات؟

الواقع الحالي يكشف عن إمكانيات محدودة جداً في التطوير، بسبب ضعف الميزانيات المالية المخصّصة بالمواقع، خصوصاً المواقع الجماعية المعبّرة عن مجموعة بعينها. لذلك، نجد أن هناك إقبالاً أكبر وأكثر على المواقع الفردية، فزيارة الموقع الشخصي تكون بمثابة تحية ورغبة في الالتقاء بصديق، تعرّفت عليه وأُعجبت بكتاباته وأحببتها، مثل موقع الناقد اللبناني محمد رضا «ظلال وأشباح»، أو موقع «سينماتيك» الضروري لصاحبه الناقد البحريني حسن حداد، الذي صار الآن مرجعا أرشيفياً مهماً لجلّ الكتابات المهمة عن السينما. ذلك أن الموقع الشخصي ينهل من تاريخ صاحبه وسيرته وأسلوبه وروحه، في حين تضيع هذه اللقطة في المواقع الجماعية، فلا تحسّ فيها بنَفَس أحد، وتحل محلها اللقطات الكبيرة العامة. هناك مواقع تأسّست بمبادرة من مهرجان ما، مثل موقع «شبكة السينما العربية» الذي أطلقه «مهرجان الفيلم العربي في روتردام» بإشراف الناقد المصري أشرف البيومي، الذي حقّق إنجازاً مهمّاً (ونجح فيه) لجهة التعريف بالأحداث السينمائية في العالم العربي، من خلال المتابعة الخبرية الرصينة والجادة، والساعية الى تلبية حاجة ما. إن المواقع الشخصية يُصرِف صاحبها عليها من جيبه الخاص، وتكون مطبوعة ببصمته. الأهمّ أن تخلق المواقع وبخاصة الشخصية حاجات، وأن يكون هناك نَفَس فردي شخصي. إن مدونة فلان هي عطره. وأعتقد أن الهدف الأسمى للمدوّنات كلّها أن نُقبل على السينما وأن نحبها أكثر، لأن وظيفة السينما كما نراها في مدوّنة «سينما إيزيس» أن تقف ضد الظلم في العالم، وأن تطوّر فن السينما نفسه، وأن تقرّبنا أكثر من إنسانيتنا. إلى أي مـــدى تعتبر أن وسيلة التواصــل هذه قادرة على جذب قرّاء مهتمّين بالشأن السينـمائي؟ أعتقد أن المواقع والمدوّنات قادرة على جذب قرّاء أكثر لو توفّر لها الدعم المالي غير المشروط للتطوير المستمر. إن طموح «سينما إيزيس» أكبر من أن تكون مجرد مدوّنة، لأنها أصلاً مشروع سينمائي يهدف إلى إصدار مجلة سينمائية فصلية بعنوان «نظرية الفيلم» قدّمته الى مؤسسة ثقافية عربية ثم نام في «الدُرْج». الهدف من تأسيس «سينما إيزيس» أن تكون صورة مصغّرة عن مشروع المجلة. لذلك أقول إن المدوّنة مشروع في طور التحقّق

استقلالية وحرية

ما هي أبرز القضايا السينمائية العربية/الأجنبية التي تثير اهتمامك، والتي تثير اهتمام قرّائك؟

أبرز القضايا التي تهتم بها «سينما إيزيس» هي «استقلالية» الفكر وحرية التعبير والحثّ على خوض مغامرة الكتابة عن الأفلام، وأهمية ارتباط السينما بواقع وتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية. تهتمّ المدوّنة بالأفكار ومقالات الرأي أكثر من اهتمامها بالأخبار. تحب الاشتباك، وتحبّ أن تكون مثيرةً للحوار والجدل. تنحاز إلى سينما الواقع التسجيلية وتشجّع على صنعها وعلى تركيب أفلام صغيرة من دون «فلوس»، وهي تحكي عن محاولات صنع أفلام بهذه الطريقة بكاميرا «ديجيتال» صغيرة ومن لا شيء. نريد لمخرجينا الشباب أن يقوموا بجمع تلك الأفلام الكثيرة التي تحكي عن همومنا وعذاباتنا وتوثق حياتنا. تحب «سينما إيزيس» الأفلام الروائية التي تستفيد من إنجازات الفيلم التسجيلي، كما في أفلام الإيطالي ناني موريتي والأميركي جيم جارموش والإيراني عباس كياروستمي، فتمزج بين الروائي والتسجيلي في آن واحد. تهتمّ بقضية الأرشيف السينمائي للمحافظة على تاريخنا وذاكرتنا، وتعتبر أنه لا يمكن الحديث عن أي سينما أو قيام أي نهضة سينمائية حقيقية في عالمنا العربي، طالما أن قضية الأرشيف السينمائي في كل بلد عربي لا تزال مؤجّلة ومهمَلة. تريد أن تصبح الأفلام، أفلامنا، مثل السير في حقل ألغام، بدلاً من تلك الترهات والسخافات المصوّرة والعقيمة في أعمال يصنعها «ترزية» السيناريوهات في بلادنا، تقذفنا بها شاشات التلفزيون العربية في كل لحظة، وجميعها يمكن أن يُلقى به في صناديق القمامة. تريد أن تُعلي أفلامنا كرامة الإنسان في بلادنا، بصنع أفلام سهلة وواضحة وسينمائية وبسيطة، تأسرنا ببساطتها وتشدّنا إليها بعذوبتها، كاللبناني «سكّر بنات» لنادين لبكي. نريد للسينما (وهذه قضيتنا) أن تصبح «صورة» تشبهنا و«ضرورة» في حياتنا، فبلد بلا سينما كبيت بلا مرآة، كما يقول برتولت بريخت. في مقابل هذا كلّه، أعتقد أن أغلب إنتاجاتنا السينمائية العربية الحالية لا يشبهنا في أي شيء

عن جرية " السفير " اللبنانية بتاريخ 24 اكتوبر 2007