الأربعاء، نوفمبر 30، 2011

مختارات سينما إيزيس. هذا الشعب المصري المدهش حقا بقلم د . حسن نافعة



مختارات سينما ايزيس


هذا الشعب المدهش حقا


بقلم



د. حسن نافعة



منذ أيام قليلة كان الأمن يبدو غائباً تماماً عن الشارع المصرى، وكانت الخلافات بين التيارات والقوى السياسية قد وصلت إلى منعطف خطير ولّد لدى قطاعات واسعة من الرأى العام إحساساً بأن ثورة يناير قد سرقت أو جرى اختطافها، وأن الانتخابات البرلمانية التى تصر الحكومة على إجرائها فى موعدها ستكون بمثابة إعلان رسمى بوفاتها.

وفى وسط هذا الجو المشحون، والموبوء أيضاً، اندلعت أزمة سياسية كبرى أسقطت الحكومة، وتعالت من ميدان التحرير ومن ميادين أخرى كثيرة فى مصر هتافات الشباب، مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية قادرة على حماية الثورة وقيادة مصر لبناء نظام ديمقراطى قادر على انتشالها مما هى فيه من فقر وفساد واستبداد وتخلف.

وبعد أن كان البعض يخشى من تحول الانتخابات البرلمانية إلى ساحة قتال تسفك فوقها الدماء ويعلو فيها صوت البلطجة والعنف ويسود قانون الغاب، إذا بالعالم كله يفاجأ بمشهد مختلف تماماً: فها هم الناخبون المصريون يصطفون فى طوابير وينتظرون لساعات طويلة قبل أن يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم. كان المشهد بالغ التحضر وعميق الدلالة بدت من خلاله مصر وكأنها دولة تمارس الديمقراطية منذ قديم الأزل، على الرغم من أنها كانت قد تخلصت بالكاد من نظام بالغ الفساد والاستبداد جثم على صدرها عشرات السنين. فكيف حدثت تلك المعجزة؟

أظن أننا إزاء واحدة من تلك اللحظات الوطنية أو القومية الفريدة التى تتجلى فيها قدرات شعب لا يكف عن دهشتنا!.

وقد صنع هذه اللحظة، فى تقديرى: شباب ميدان التحرير أولاً، وجيش مصر الوطنى ثانياً، والشعب أولاً وأخيراً. فقد عبر الشباب، باحتشاده فى ميدان التحرير، عن إصراره على حماية الثورة مهما كان الثمن، وعبر الجيش، بإقدامه على حراسة صناديق الاقتراع بنفسه وعدم ترك مسؤوليتها لقوات الأمن وحدها، عن إصراره على حماية الشرعية الدستورية، بصرف النظر عن تحفظات لهذا الفريق أو ذاك أو عن أخطاء وقعت هنا أو هناك، غير أن شعب مصر، وكما اعتدنا منه دائماً، كان فى النهاية هو البطل الحقيقى.

فلم يكن لنزوله الكثيف وتوجهه بهذا الحجم الكبير إلى صناديق الاقتراع سوى معنى واحد وهو أنه قرر أن يمسك بنفسه زمام الأمور وألا يترك للأحزاب والجماعات السياسية المنظمة أن تقرر وحدها مصير البلاد ومستقبلها. ولأن «الأغلبية الصامتة» لا تتحرك فى مصر عادة إلا حين تستشعر خطراً حقيقياً على أمن الوطن، فقد كان من الطبيعى أن يؤدى قرارها بالنزول إلى الساحة إلى حسم المعركة لصالح الشعب والوطن، وليس لصالح طرف بعينه. وهنا تتجلى عبقرية الشعب الفريدة.

دعونا نأمل فى أن تظل روح يومى ٢٨ و٢٩ نوفمبر متقدة حتى النهاية، وأن تفرز الانتخابات الحالية برلماناً متوازناً يعبر فعلاً عن كل الفئات والشرائح والقوى والتيارات، تسود فيه روح التسامح والرغبة فى التوصل إلى حلول وسط تعلى مصالح الوطن على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، وهو أمر يمكن أن يسهم بشكل حاسم فى تذليل العقبات التى تحول دون تحقيق توافق على إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية. ويتطلب تحقيق هذا التوافق جملة من الإجراءات، يتعين أن يصدر بها إعلان دستورى جديد، ربما يكون أهمها:

١- إلغاء انتخابات مجلس الشورى وقصر حق اختيار الهيئة التى ستتولى صياغة دستور جديد على الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشعب وفق معايير محددة متفق عليها.

٢- الانتهاء من صياغة الدستور الجديد وطرحه للاستفتاء العام فى موعد أقصاه نهاية مارس ٢٠١٢. ٣- فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية فى موعد أقصاه أول مايو وإجراء الانتخابات نفسها فى موعد أقصاه أول يوليو المقبل.

ميزة هذا السيناريو أنه يضمن انتقالاً سلساً للسلطة فى ظل عملية مكتملة لبناء نظام ديمقراطى يتضمن: دستوراً جديداً، برلماناً قادراً على إكمال فترة ولايته الدستورية، رئيس جمهورية منتخباًً وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى دستور دائم، فانتخاب رئيس جديد للجمهورية وانتقال السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل الانتهاء من الدستور الجديد مغامرة كبرى يتعين أن نتحسب لعواقبها.

شكراً لهذا الشعب المدهش الذى فتح لنا بتوجهه الكثيف إلى صناديق الاقتراع باباً جديداً للأمل.


الثلاثاء، نوفمبر 29، 2011

التحرير هو ضمير الأمة الصاحي بقلم صلاح هاشم

التحرير ضمير الامة الصاحي للعملية الديمقراطية وما سوف يصحبها من تغيير و تطهير منشودين مستقبلا حتى لا يكتم أحد على نفوسنا

عجوز يدلي بصوته في انتخابات مصر الجديدة وكنا محرومين من التصويت و المشاركة في صنع بلدنا منذ عهود





التحرير ضمير الأمة




بقلم

صلاح هاشم


صوتك في الانتخابات هو الذي سوف يصنع مصر الثورة للتغيير والتطهير.. ولكي لا يكتم احد علي انفاسنا ، ويمتص دمنا ، ويهدر كرامة المصريين بعد الآن. لا مجلس عسكري ولا اخوانجية ولا سلفيين شمحطجية ولا أولاد كلب حرامية نهبوا البلد ، ولا لحزب قديم متهالك من الاحزاب السياسية التي هرمت وشاخت ودخلت متحف التاريخ منذ زمن، أرجوك. تعال نصنع الآن حاضر مصر، وفقط من عند المطالب التي رفعها الثوار في الميدان وشمخت بها شعاراتهم ، شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ونعبر هكذا يا صاحبي بمصر الى بر الأمان.يعيش التحرير ،ضمير الشعب المصري الصاحي ، وتحية لكل شهداء الثورة. وليفهم من سوف تسلم له قيادة البلاد ويفوز في الانتخابات باننا لن نسمح ابدا لمصرنا بأن تعود الى الوراء خلفا در، فخلاص مصر من الاستبداد ، وتطهير البلاد من الفساد، أمانة في عنقنا. والله يا مصر يا بلدنا، لافضل أغيّر فيكي


الاثنين، نوفمبر 28، 2011

مصر الآن في مختبر بقلم صلاح هاشم

لقطة من ثورة 25 يناير في مصر بعدسة صلاح هاشم



يوميات ايزيس في باريس



مصر الآن في مختبر


بقلم


صلاح هاشم



مصر الآن في "مختبر" ، فالعالم كله يتطلع الى شعب مصر اثناء العملية الانتخابية الديمقراطية، وينتظر ان تكون مدعاة للافتخار والتقدير والاحترام ، كما كانت ثورتها في 25 يناير في التحرير مدعاة للافتخار، ومثالا و درسا وقدوة تحتذي.

مختارات إيزيس: نحو تعريف للعلمانية







نحو تعريف للعلمانية الفرنسية


بقلم: موريس باربييه


ترجمة: بشير السباعي




درستُ في مقال سابق الأسئلة التي يطرحها قانون عام 1905 حول الفصل بين الكنائس والدولة والتعديل الذي لابد أن يطرأ عليه لأجل تكييفه مع الظروف الراهنة ومع المشكلات التي يطرحها الإسلام(1). ويجتمع الاحتفال بالذكرى المئوية لهذا القانون مع وجود طائفة مسلمة مهمة في فرنسا ليعيد تدشين النقاش حول العلمانية بشكل ملح. وهذا النقاش لم يعد يهم فقط المتخصصين في مختلف الفروع المعرفية (التاريخ، القانون، الفلسفة، علم الاجتماع...)، بل إنه قد دخل إلى المجال العام وهو يهم من الآن أعلى مستويات الدولة (رئيس الجمهورية، الحكومة، البرلمان). وفي هذه الظروف، فإن تأملاً جديداً حول العلمانية إنما يفرض نفسه، سعياً إلى تحديد هذا المفهوم وتحديد مستواه وسعياً إلى دراسة تطبيقه العملي، في آن واحد.

والحال أنه في حين أن العلمانية قد بدت مكتسبة بشكل نهائي ومقبولة من الجميع، فإنها إنما تخرج من النقاش الذي يدور حولها منذ نحو خمسة عشر عاماً وقد طرأ عليها تحول محسوس. والواقع أنه يجري طرح مفاهيم عنها جد متنوعة، تجر أحياناً إلى نتائج متباينة، بل ومتعارضة. وكل واحد يفسر العلمانية من زاوية وضعه وحاجاته أو رغباته. وهناك خلاف حول أسلوب تطبيق العلمانية في حالات ملموسة معينة. والمتخصصون أنفسهم لهم تصورات عنها مختلفة، وهو ما لا يمنعهم من توسيع مجالها إلى حد بعيد. والواقع أن حشد الدراسات (عشرات الكتب ومئات المقالات) المكرَّسَة لمفهوم العلمانية إنما يؤدي إلى إغراقه في الضباب بدلاً من توضيحه. فهذا الحشد من الدراسات يسهم في إضفاء طابع نسبي على مفهوم العلمانية وفي جعله ملتبساً، إذ يبعد به عن معناه الفعلي. وباختصار، يمكن القول إن العلمانية لم تعد فكرة بسيطة وواضحة، يسهل فهمها وتطبيقها. فقد أصبحت فكرة ملتوية أو معدَّلَة أو حتى مشوهة. وبدعوى إعادة التفكير فيها وتجديدها مرة أخرى، يمكن إضعافها أو تحويلها عن مسارها أو نسيانها دون وعي أو حتى التحايل على زحزحتها من موقعها. ولذا فمن المهم التساؤل عن طبيعتها الدقيقة واقتراح تعريف دقيق لها، مع الإشارة إلى النتائج العملية التي تترتب عليها.


الاتجاه إلى توسيع تعريف العلمانية


الواقع أنه ليس من السهل تقديم تعريف مُرضٍ للعلمانية، حتى وإن كانت هناك بالفعل عدة مفاهيم عنها(2). ومن المؤكد أن بوسعنا قول إن العلمانية تتمثل إمّا في الفصل بين الدولة والدين، أو في حياد الدولة في الشأن الديني. وعندئذ سنتكلم عن العلمانية ـ الفصل والعلمانية ـ الحياد، دون أن نعرف ما إذا كان هذان التعريفان متطابقين أو ما إذا كان أحدهما أفضل من الآخر. وفي جميع الأحوال، يتميز هذان المفهومان بمأثرة البساطة والوضوح وهما مقبولان من حيث المبدأ. إلاّ أننا عادة ما نجدهما غير كافيين وناقصين ومختزلين إلى حد ما وجد فقيرين. كما أن من مثالبهما أنهما يدوران حول الدولة، وهو ما لا يعد في صالحهما، وذلك بالنظر إلى عدم الارتياح الذي أخذ يحيط بالدولة. وعندئذ يجري السعي إلى إثراء مفهوم العلمانية، بمنحه محتوى أكثر أهمية وبتوسيعه توسيعاً كبيراً جداً. ونحن هنا بإزاء اتجاه عام، يتجلى بشكل متزايد باطراد منذ نحو خمسة عشر عاماً، إلى درجة أنه يصبح سائداًَ، بل وحصرياً. ويتألف هذا الاتجاه من مماهاة العلمانية بمفاهيم مرتبطة بها إلى هذا الحد أو ذاك لكنها مختلفة عنها بالتأكيد: حرية الضمير والدين، التسامح، التعددية، المساواة، العقل، الديموقراطية، إلخ. كما يجري السعي إلى منحها محتوى إيجابياً وملمحاً ملموساً، لجعلها جذابة وقادرة على كسب الأنصار إلى صف قضيتها. والواقع أن هذا الموقف، بالرغم من ادعائه الدفاع عن العلمانية وإنماء نفوذها، إنما يجازف إلى حد بعيد بإساءة فهمها أو بتحويلها عن حقيقتها أو حتى بالتحايل على استبعادها.

وأحد الأمثلة الأحدث والصارخة على هذا الاتجاه إلى توسيع مفهوم العلمانية توسيعاً مسرفاً إنما يقدمه تقرير لجنة ستازي (ديسمبر/ كانون الأول 2003)، التي كانت مكلفة بتحديد هذا المفهوم وبدراسة تطبيقه، والتي ضمت عدة متخصصين مشهورين في هذه المسألة. فالواقع أن هذا التقرير يعرض العلمانية بشكل بالغ التشوش، إذ يقوم بتضخيمها تضخيماً مصطنعاً، كما يقوم بتوسيعها توسيعاً سخياً. ويعلن التقرير، في مقدمته، أن العلمانية "تستند إلى ثلاث قيم لا يمكن الفصل بينها: حرية الضمير، المساواة القانونية بين الخيارات الروحية والدينية، حياد السلطة السياسية". والحال أن هذه الصياغة إنما تعد محل جدل بالفعل، وذلك لأنها تُدخل في العلمانية، دون وجه حق، حرية الضمير والمساواة الحقوقية بين الأديان. ثم إنها تقصر الحياد على السلطة السياسية، في حين أنه يخص مجمل الدولة أو المجال العام. ولمزيد من التشوش، يقترح التقرير بعد ذلك تحليلين متمايزين للعلمانية في جزئيه الأولين اللذين من الواضح أنه لم يجر التوفيق بينهما. وهو يبدأ بتقديم العلمانية على أنها "مبدأ عالمي شامل" صاغه التاريخ، بيد أنه ينتقل إلى تقديمها على أنها "مبدأ حقوقي" يستند إلى نصوص مختلفة. والحال أن هذين التحليلين إنما يعدان مختلفين وأحياناً متعارضين بشكل محسوس. فالتحليل الأول، الأكثر تميزاً بالطابع الفلسفي، إنما يجعل حياد الدولة نسبياً، بينما التحليل الثاني، وكله حقوقي، يجعل من هذا الحياد العنصر الجوهري في العلمانية

ويؤكد التقرير في جزئه الأول أن " العلمانية لا يمكن اختزالها في حياد الدولة"، بيد أنها تتضمن أربعة "مبادئ رئيسية (الفقرة 1-2): 1) "استقلال السلطة السياسية ومختلف الخيارات الروحية أو الدينية" (وهو ما يعني غياب التدخل السياسي في الشأن الديني وغياب سيطرة الأديان على السلطة السياسية)؛ 2) ضمان حرية الضمير والعبادة، والذي يمثل "المحتوى الإيجابي" للعلمانية؛ 3) واجب الأديان والمؤمنين بها في بذل جهد من أجل التكيف والاعتدال بما يسمح بقيام حياة مشتركة، وذلك في مقابل ضمانات وحمايات تقدمها لهم الدولة؛ 4) ضرورة العيش المشترك وبناء مصير مشترك، وهو ما يقود إلى المماهاة عملياً بين العلمانية و"الميثاق الجمهوري". وهذه المبادئ الأربعة، مأخوذة بحد ذاتها، مبادئ صحيحة تماماً ومقبولة. بيد أن المبدأ الأول هو وحده الذي يشكل بالفعل ركناً من أركان العلمانية، بالرغم من أنه لا يتعلق إلاّ بالسلطة السياسية ويتحفظ حيال ذكر حياد الدولة. أمّا المبادئ الأخرى الثلاثة فهي تتجه إلى مفهوم جديد للعلمانية، يعد مفهوماً متضخماً بشكل محسوس وموسَّعاً بشكل ملحوظ. ويجري التشديد بشكل خاص على حرية الضمير والدين وعلى التنوع الروحي والحياة المشتركة. وبحكم ذلك، لا تعود العلمانية غير وسيلة في خدمة هذه الغايات، وهي غايات جوهرية كما هو واضح. بل إن العلمانية إنما تميل إلى التماهي مع هذه الغايات والذوبان فيها. ومن ثم، تملك هذه الغايات الصدارة على العلمانية ويمكن لهذه الأخيرة أن تتلاشى إذا كان ذلك ضرورياً لبلوغ هذه الغايات. والحال أن الجزء الثاني من التقرير قلّما يعد مرضياً أكثر من الجزء الأول. فهو يؤكد أن المبدأ الحقوقي للعلمانية يتضمن عنصرين: حياد الدولة وحماية حرية الضمير والعبادة. ومن الواضح أن العنصر الأول بشكل جزءاً من العلمانية، بيد أن هذا الحياد لا يجري تعريفه وتجري مماهاته بالمساواة أمام القانون، وهو أمر محل جدل إلى حد بعيد. ثم إن حرية الضمير والعبادة، كما أسلفنا الإشارة، لا تشكل جزءاً لا يتجزأ من العلمانية، حتى وإن كانت هناك صلة بين الاثنتين. وأخيراً، فمن الغريب جداً، في هذين التحليلين للعلمانية، أن فكرة الفصل بين الأديان والدولة يجري نسيانها تماماً، كما لو أنها لم تعد لها أي قيمة. والحال أن الاتجاه السائد الآن إلى تضخيم وتوسيع مفهوم العلمانية، والذي يتجلى في تقرير لجنة ستازي، إنما يقود إلى إدخال تحويل محسوس على العلمانية، بل وإلى حذفها فعلياً، إذ يجري نسيان خصوصيتها التي تميزها وإذ يجري خلطها بمبادئ مختلفة عنها.


العلمانية، مفهوم سلبي


حيال التشوش والالتباس اللذين يميزان الآن العلمانية الفرنسية، بات من الضروري أن نحدد هذا المفهوم تحديداً أفضل، عبر استبعاد توسيعاته غير الجائزة وتفسيراته الذاتية(3). ووصولاً إلى هذه الغاية، يجب الاستناد إلى أساس راسخ وأكيد. وبما أن المسألة مطروحة في إطار فرنسا والدستور الفرنسي، فلا يمكن لهذا الأساس أن يكون سوى النصوص الحقوقية نافذة المفعول: دستور عام 1958 (مع النصوص الأخرى ذات القيمة الدستورية) (4) والقوانين ذات الصلة (خاصة قانوني عام 1882 وعام 1886 بشأن علمانية المدرسة وقانون عام 1905 بشأن الفصل بين الكنائس والدولة).

ومن حيث المبدأ، فإن المعالجة التي يجب اتباعها تبدو بسيطة وسهلة، لكنها، في الواقع، مزروعة بالأكمنة المحتجبة كما أن النصوص الحقوقية تحتفظ بمفاجآت. فأولاً وقبل كل شيء، لا تستخدم هذه النصوص الحقوقية البتة الموصوف "العلمانية"، بل تستخدم الصفة فقط "علمانية". وهذه الصفة تستخدم ثلاث مرات، ولكن بمعان مختلفة: 1) في قانون عام 1886، الذي يفرض "هيئة تدريس علمانية" في المدرسة العامة، وهو ما لا يستبعد الكهنة وأعضاء الرهبانيات الدينية؛ 2) في ديباجة دستور عام 1946، التي تنص على تنظيم "التعليم العام المجاني والعلماني" في جميع المراحل التعليمية، وهو ما يعني استبعاد التعليم الديني؛ 3) في دستور عام 1958، الذي يؤكد، كدستور عام 1946، أن فرنسا "جمهورية علمانية"، وهو ما يستبعد الدين من الدولة. وهكذا نجد أن النصوص الرسمية لا تتجاهل فحسب الموصوف "العلمانية"، بل إنها تستخدم أيضاً الصفة "علمانية" بمعان مختلفة، يشير إليها السياق. لكن المقصود، في الحالات الثلاث، هو استبعاد الدين (أو ممثليه) من المجال العام (الدولة أو المدرسة). وهذا البعد الخاص بالاستبعاد يجازف بنسيانه في زمن يشدد بدلاً من ذلك على الدمج. والواقع أن العلمانية لها طابع سلبي، بينما يشار عادةً إلى جانبها الإيجابي.

وفي المقام الثاني، نجد أن علمانية الجمهورية، التي أكد عليها دستور عام 1958، لا تلقى تعريفاً في أي مكان [من الدستور] كما لم توضحها سوى المناقشات البرلمانية التي أدت إلى إدخالها في دستور عام 1946. والحال أن هذه المناقشات إنما تكشف عن مفهومين، على الأقل، للعلمانية مختلفين: فالعلمانية، في نظر البعض، يتم تعريفها على أنها الفصل بين الكنائس والدولة، وهو الفصل الذي قام به قانون عام 1905؛ وفي نظر البعض الآخر، تتألف العلمانية من حياد الدولة حيال الأديان، وهو ما يستتبع احترام الدولة للحرية الدينية. ومن الناحية الظاهرية، لا يوجد فارق جوهري فيما بين هذين المفهومين للعلمانية، واللذين تعايشا دون تعارض خلال مناقشات عام 1946. على أنهما ليسا متطابقين وسوف يظهر تباينهما فيما بعد. ويبدو أن دستور عام 1958 يفضِّلُ المفهوم الثاني، فمادته الأولى تؤكد أن فرنسا "تحترم جميع الأديان"، وهي صيغة أضيفت في آخر لحظة وتم إقرارها دون دراسة (ولا مراء في أن الهدف من إضفائها هو طمأنة الكاثوليك). وفي هذه الظروف، يمكن تعريف العلمانية الدستورية بأنها حياد الدولة في الشأن الديني، وهو ما يؤكد الطابع السلبي للعلمانية.

لكن قانون عام 1905، الذي لا يتحدث بشكل سافر عن العلمانية، إنما يقترح مفهوماً آخر لها، وذلك بتحقيقه الفصل بين الكنائس والدولة. والحال أن هذا التعبير، الذي لا يظهر في نص القانون، بل في عنوانه فقط، إنما يفتقر، بالرغم من المظاهر، إلى الوضوح. فالواقع أن هذا الفصل ينحصر في عنصرين محدَّدين، ثم إنهما عنصران سلبيان: غياب الاعتراف بالعبادات وغياب تمويلها العام على شكل مرتبات أو إعانات. ومن ثم فإن هذا الفصل لا يتألف إلاّ من إنهاء نظام العبادات الذي كان معتَرَفَاً به، والذي دشنه اتفاق الوفاق [بين الدولة والكنيسة] في عام 1801 والمواد القانونية الصادرة في عام 1802. بيد أن عدة مواد في قانون عام 1905، خاصة المواد المتعلقة بالجمعيات العبادية ومصير دور العبادة، إنما تشير إلى أن الدولة تندمج بشكل غير واعٍ في المجال الديني وتحد من حرية العبادة بشكل تعسفي: ومن ثم فإن هذه المواد تتعارض مع الفصل التام [فيما بين الكنائس والدولة].

ثم إن المادة الأولى من هذا القانون تؤكد (أو بالأحرى تعيد تأكيد) حرية الضمير وحرية العبادة. والواقع أنه لا جديد البتة في ذلك، لأن حرية الضمير كان قد جرى الاعتراف بها بالفعل عبر إعلان عام 1789 (المادة العاشرة) وكانت حرية العبادة قد جرى الإقرار بها على نحو متصل منذ دستور عام 1791. ومن ثم، فقد وجدت هاتان الحريتان قبل العلمانية وبوسعهما أن توجدا دونها، كما تثبت ذلك حالة البلدان التي لا تعرف العلمانية لكنها تحترم الحرية الدينية كل الاحترام. ومن ثم فهما غريبتان عن مفهوم العلمانية بمعناه الأصيل ولا يمكنهما التدخل في تعريفه. والقول نفسه صحيح عندما يراد تعريف العلمانية بالتسامح أو بالتعددية الدينية أو حتى بالديموقراطية، فهذه كلها يمكن فصلها عن العلمانية ويمكن أن توجد دونها، كما هي الحال في بريطانيا العظمى وفي البلدان السكانديناڤية. وتتطلب الدقة حصر العلمانية في جانبها السلبي، لأن القانون الفرنسي يقود إلى اعتبارها مفهوماً سلبياً بشكل خالص: فبحسب قانون عام 1905، تتألف العلمانية من غياب الاعتراف بالديانات ومن انتفاء تمويلها، وتعني العلمانية، بحسب الدستور، استبعاد الدين من المجال العام والدولة.


العلمانية التشريعية والعلمانية الدستورية


في ختام هذا التحليل، يمكن التوصل إلى محصلة أولى. بحسب النصوص الحقوقية سارية المفعول ـ وهي النصوص الوحيدة التي يجب أخذها بعين الاعتبار ـ، يوجد في فرنسا نوعان من العلمانية مختلفان: من جهة، العلمانية التشريعية، التي أقامها قانون عام 1905، والتي يمكن تسميتها بالعلمانية ـ الفصل، وهي معرَّفة تعريفاً واضحاً؛ ومن جهة أخرى، العلمانية الدستورية، التي دشنها دستورا عام 1946 وعام 1958، وإن كنا نجهل طبيعتها المحدَّدة، نظراً إلى غياب تعريف رسمي لها. والعلمانية الأولى واضحة، لكن الثانية ليست واضحة. وهو أمر يدعو إلى أسف أكبر وذلك بقدر ما أن الدستور له قيمة حقوقية أعلى من قيمة القوانين ومن ثم بقدر ما أن العلمانية الدستورية لها الصدارة، من حيث المبدأ، على العلمانية التشريعية(5). ومسألة العلاقات بين الدولة والأديان مهمة بما يكفي بحيث يتوجب أن تظهر بشكل واضح ودقيق في الدستور، كما هي الحال في البلدان الأوروبية الأخرى. والحال أن الدستور الفرنسي، وهذا أمر غريب، إنما يظل قاصراً فيما يتعلق بهذه المسألة، وهو الأمر الذي لا مراء في أنه علامة على قلق سياسي غير معلن وعلى مشكلة لم يتم حلها حلاًّ موفقاً منذ الفصل [بين الكنائس والدولة] في عام 1905.

ولسد هذه الثغرة ولإخفاء هذه المشكلة، جرى عادةً اعتبار أن العلمانية الدستورية لا تختلف عن العلمانية التشريعية، الأمر الذي يبدو أن نقاشات عام 1946 تسمح بتصوره. والواقع أن هذا الموقف قابل للنقاش، بل إنه مستحيل، وقد جاء الوقت الذي يسمح بإدراك ذلك، مما ينذر بإثارة قدر من المتاعب: فالعلمانية الدستورية لا يمكن أن تكون مطابقة للعلمانية التشريعية. والوضعية الخاصة للعبادات في الألزاس ـ الموزيل هي التي تقود إلى هذا الاستنتاج. فالواقع أن هذه المحافظات الشرقية الثلاث، بعد عودتها إلى فرنسا في عام 1919، قد احتفظت بنظام العبادات المعترف بها هي وتمويلها العام، وقانون الفصل [بين الكنائس والدولة] لعام 1905 لا ينطبق عليها. على أن هذا الوضع لا يتعارض مع الدستور (الذي لا مراء في أنه ينطبق على هذه المحافظات الثلاث) كما لا يتعارض مع العلمانية الدستورية. وترتيباً على ذلك، لا تتعارض العلمانية الدستورية مع الاعتراف بالعبادات كما لا تتعارض مع تمويلها العام، ومن ثم فهي مختلفة بالضرورة عن العلمانية التشريعية.

وهذا التأكيد، الذي يبدو مفاجئاً، يمكن البرهنة عليه حقوقياً. فالواقع أن الاعتمادات الموجَّهة لتمويل العبادات المعتَرَف بها في الألزاس ـ الموزيل تظهر كل سنة في موازنة الدولة، والتي هي موضع قانون خاص بالشئون المالية. والحال أن مشكلة تماشي هذا الإجراء مع الدستور لم تُطرح قط ولم يجر التفكير قط في إخضاعها لرقابة المجلس الدستوري. ومن جهة أخرى، تجنب هذا الأخير بحكمةٍ إصدار رأيه حول هذه المسألة، في حين أنه كانت أمامه فرصة واحدة على الأقل لعمل ذلك في ديسمبر/ كانون الأول 1994، عندما نَظَرَ في قانون الشئون المالية لعام 1995. ويمكن أن نستنتج من ذلك أن أحداً لا يعتبر أن هذا التمويل يتعارض مع الدستور. ومن ثم تجبرنا حالة الألزاس ـ الموزيل على تصور أن الاعتراف بالعبادات وتمويلها العام لا يتعارضان مع العلمانية الدستورية، وهو ما يؤكد أن هذه الأخيرة مختلفة عن العلمانية التشريعية. ويترتب على ذلك أنه لن يكون من قبيل التعارض مع العلمانية الدستورية منح تمويل عام لبناء المساجد أو لتدريب أئمة فرنسيين. بيد أنه سيتوجب عمل ذلك استناداً إلى قانون، وإلاّ فسوف يكون من الضروري تعديل قانون عام 1905 (وهو ما تم عمله من جهة أخرى في عام 1920 لأجل مسجد باريس).

ومن المؤكد أن هذا لا يحدد ممَّ تتألف العلمانية الدستورية، ولا ما يميزها عن العلمانية الأخرى. بيد أن هذا يمكنه الإسهام في ذلك، إذا ما أعدنا قراءة المناقشات البرلمانية لعام 1946، والتي قدمت مفهومين للعلمانية: والحال أن المفهوم الأول ـ العلمانية ـ الفصل ـ لا يمكنه توضيح العلمانية الدستورية؛ أمّا المفهوم الآخر ـ العلمانية ـ الحياد ـ فهو وحده الذي يمكنه توضيحها. ويمكن أن نستنتج من ذلك أن العلمانية الدستورية إنما تتحدد بحياد الدولة في الشأن الديني وليس بالفصل بين الكنائس والدولة. وهذا الاستنتاج مشروع من الناحية الحقوقية بما يكفي لاعتباره أكيداً. ويمكن تأكيده بالصيغة التي تقرر أن فرنسا "تحترم جميع الأديان"، والتي تنسجم تماماً مع حياد الدولة. كما أن هذه الصيغة تجري استعادتها في الرأي الاستشاري الذي قدمه مجلس الدولة في 27 نوڤمبر/ تشرين الثاني 1989، والذي يحلل علمانية التعليم والدولة من زاوية حياد المدرسين والبرامج والخدمات العامة. غير أنه يجب تحديد هذا المفهوم الخاص بحياد الدولة، والذي يمكن أن ينطوي على معنيين مختلفين. فهو يشير أولاً إلى غياب أو استبعاد الدين من المجال العام للدولة. ويمكننا عندئذ التحدث عن حيادٍ ـ فصلٍ، وهو ما يذكِّرُ بالطابع السلبي للعلمانية. كما يشير الحياد إلى عدم تحيز الدولة حيال الأديان، التي تعاملها بشكل متساوٍ، دون أن تتميز هي نفسها بطابع ديني، كما في حالة الألزاس ـ الموزيل. وعندئذ يمكننا الحديث عن حيادٍ ـ عدم تحيز، وهو ما يعني مساواة فيما بين الأديان(6).

وللمرة الأولى، أبدى المجلس الدستوري مؤخراً رأيه في مبدأ العلمانية وأشار إلى مفهومه عنه. وقد فعل ذلك في قرار صدر مؤخراً بتاريخ نوڤمبر/ تشرين الثاني 2004 (no 505 DC)، حيث فسر المادة الأولى من الدستور والتي تقرر أن "فرنسا جمهورية علمانية". فهو يؤكد أن الترتيبات المترتبة على هذه المادة "تحظر على أي إنسان التذرع بمعتقداته الدينية لكي يعفي نفسه من القواعد العامة التي تنظم العلاقات فيما بين الهيئات العامة والأفراد". ومن المؤكد أننا لسنا هنا بإزاء تعريف جازم وتام للعلمانية، بيد أن هذا هو أول تفسير رسمي تقدمه للعلمانية أعلى سلطة حقوقية.

وبوسعنا أن نميز في هذا التفسير أربع نقاط مختلفة: 1) فأولاً وقبل كل شيء، تطرح العلمانية حظراً، يجد ترجمة له في تقييد للحرية الدينية، وهو ما يؤكد الطابع السلبي لمفهوم العلمانية، إذ أن كل تقييد يعد سلباً؛ 2) وهذا الحظر موجه إلى الأفراد ويتعلق بشكل أكثر تحديداً بعلاقاتهم بـ"الهيئات العامة"، وهذا تعبير جد واسع يشمل الدولة والهيئات الإقليمية والإدارات والمصالح العمومية؛ 3) ويتصل هذا الحظر بمعتقدات الأفراد الدينية، ليس بهدف تقييدها، وإنما سعياً إلى استبعاد تدخلها أو تأثيرها في العلاقات بين الأفراد والهيئات العامة؛ 4) وأخيراً، يهدف هذا الحظر إلى إلزام الأفراد باحترام القواعد العامة في هذه العلاقات، دون أن يكون بوسعهم إعفاء أنفسهم منها بسبب صدارة هذه القواعد على المعتقدات الشخصية.

بيد أن مفهوم العلمانية هذا غير كافٍ ولا يتطابق مع تعريف تام وشامل. فالواقع أن العلمانية لا تتعلق فقط بالأفراد لأجل تقييد حريتهم الدينية. فهي تتعلق أيضاً بالدولة والإدارات والمصالح العمومية، لأجل فرض الحياد عليها في الشأن الديني، كما سبق وأن رأينا ذلك. وهذه الفكرة، التي سبق لنا تدقيقها، إنما تعد ضرورية لتعريف العلمانية بشكل كامل. وإذا ما جمعناها بالمفهوم الذي صاغه المجلس الدستوري، فسوف يكون بوسعنا التوصل إلى مفهوم مرضٍ للعلمانية.

وبما أن الدستور أعلى من القانون، فقد نجد إغراءً في الإعلاء من شأن العلمانية ـ الحياد على حساب العلمانية ـ الفصل [بين الكنيسة والدولة]، بل وفي الاستعاضة بالأولى عن الثانية. ومن المؤكد أن هذا ممكن تماماً، ولكن بشرط أن لا ننسى أن الحياد من نوعين. فالحياد ـ الاستبعاد يتطابق مع الحياد ـ الفصل، المعرَّف بأنه غياب الاعتراف بالعبادات وغياب تمويلها. بل إنه يشير، بشكل أوسع، إلى استبعاد الدين من المجال العام. أمّا فيما يتعلق بالحياد ـ عدم التحيز، فهو يعني أيضاً استبعاد الدين من الدولة، لأن هذه الأخيرة لا يمكن أن تكون غير متحيزة إذا كانت هي نفسها ذات طابع ديني. بيد أن الحياد ـ عدم التحيز لا يمنع الدولة من أن تكون لها علاقات مع الأديان، عن طريق الاعتراف بها وعن طريق تمويلها، مثلاً. وترتيباً على ذلك، نجد أن العلمانية الدستورية، المعرَّفَةَ على أنها حياد بالمعنى المزدوج لهذا المصطلح، إنما تستوعب، كما هو واضح، العلمانية التشريعية، بيد أنها أوسع (أو أكثر مرونة)، لأنها تفرض على الدولة فقط أن تكون غير متحيزة في علاقاتها مع الأديان. ومن ثم فلا طائل من وراء الرغبة في الاستعاضة عن العلمانية التشريعية بالعلمانية الدستورية، لأن الأخيرة تستوعب الأولى بالضرورة. غير أن الأخيرة مختلفة عن الأولى وتتجاوزها، إذ تسمح للدولة بأن تكون لها علاقات متساوية مع الأديان. وهذا هو السبب في أن التمويل العام للعبادات المعتَرَفِ بها في الألزاس ـ الموزيل لا يتعارض مع العلمانية الدستورية.

وإذا كانت العلمانيتان متمايزتين ومتعايشتين، فإن هناك ما هو مشترك بينهما، ألا وهو استبعاد الدين من الدولة. وهذا يوضح طابع العلمانية السلبي بشكل جوهري. فعندئذ تجد العلمانية تعريفها في نفي الدين من داخل الدولة واستبعاده من المجال العام: ومن ثم فهي مفهوم سلبي، لا يتميز بمحتوى خاص. وهذا هو التعريف المضبوط والدقيق للعلمانية الفرنسية، على نحو ما ينبثق من القانون الراهن. وبوسع هذا التعريف أن يساعد أيضاً على تقدير الأشكال الأخرى للعلمانية وعلى قياس درجة الواقعية فيها.

وهذا الطابع هو الذي يسمح بأن نحصر جيداً الطبيعة الحقيقية للعلمانية، والتي لا هي قديمة ولا جديدة، كما أنها لا هي مفتوحة ولا مغلقة. ومن المؤكد أن بوسعنا اعتبارها مبدأً أساسياً، ولكن بدرجة خاصة، لأنها مبدأ سلبي، وهو ما لا يقلل من أهميتها. وهذا هو السبب في أننا نجازف بأن يختلط علينا الأمر فيما يتعلق بموضوعها، عندما نحاول أن نجعل منها فكرة أو قيمة إيجابية أو عندما نقترح منحها محتوى جوهرياً يخصها. والحال أن هذه المحاولة، كما رأينا، قد أصبحت جد متكررة، بل وعامة، وليس فقط عند مناضلي العلمانية، وإنما عند منظِّريها وعند المسئولين السياسيين والدينيين. ولسد فراغ العلمانية الجوهري، يجري منحها محتوى إيجابياً ووجهاً مطَمْئِناً وجذَّاباً. وعندئذ تجري مماهاتها بأكثر الحالات الواقعية تنوعاً. وهو ما يؤول إلى نسيانها أو إلى الابتعاد عنها. وهكذا، فما الذي يبقى من العلمانية عندما تجري مماهاتها بالحرية الدينية أو بالتسامح أو بالتعددية؟ إنها تصبح، ببساطة تامة، غير ذات طائل وعديمة الأهمية، لأن هذه الأشياء كلها يمكنها أن توجد دونها. والواقع أن هذا أسلوب ذائع وخبيث لتجريد العلمانية من قيمتها ولهجرها من الناحية الفعلية. والحقيقة، على العكس من ذلك، أن هناك أهمية للإبقاء على طابع العلمانية السلبي، بعدم مماهاتها بأي واقع إيجابي. فليس فيها ما هو جوهري في حد ذاتها هي، بالرغم من إتاحتها إمكانية الحرية والتنوع والتعددية في الشأن الديني.


العلمانية والحرية الدينية


إذا كانت العلمانية هي استبعاد الدين من المجال العام، فهي تشمل جانباً آخر، لا يشكل جزءاً من طبيعتها، لكنه يترتب عليها بالضرورة. فالواقع أنه لا يجري نفي الدين تماماً وبوسعه أن يكون موجوداً خارج الدولة، أي في المجتمع المدني، حيث يمكنه أن يُمَارَسَ وأن ينظم نفسه بحرية. والعلمانية ليست نفياً للدين إلاّ في داخل الدولة، وهو ما يسمح بتأكيده خارج الدولة ويسمح من ثم بوجود الحرية الدينية. وبهذا الشكل بالتحديد يمكن للحرية الدينية أن ترتبط بالعلمانية، دون أن تشكل جزءاً من جوهرها بمعناه الأصيل(7). وهذا هو السبب في أن النصوص الحقوقية الفرنسية المتعلقة بالعلمانية تؤكد في الوقت نفسه هذه الحرية الدينية وتخصص لها مجالاً يخصها خارج المجال العام. وهكذا نجد أن قانون عام 1882، الذي يستبعد الدين من التعليم العام، إنما يخصص له يوماً في الأسبوع خارج المواقع المدرسية. وقانون عام 1905 يبدأ بتأكيد حريتي الضمير والعبادة قبل أن يحقق الفصل بين الكنائس والدولة. وأخيراً، ففي النص على أن الجمهورية العلمانية "تحترم جميع المعتقدات"، يخصص دستور عام 1958 للدين مجال حرية. بل إن رأي مجلس الدولة الصادر في عام 1989 يؤكد أنه، بحسب الدستور، "ينطوي مبدأ العلمانية بالضرورة على احترام جميع المعتقدات"، مع أن هذا الاحترام نتيجة للعلمانية ولا يتماهى معها.

وبالطبع، يعد الاعتراف بالحرية الدينية مهماً أهمية استبعاد الدين من المجال العام. وهو يعني أن الدولة لا تتدخل في المجال الديني ومن ثم فإنها، بدورها، تعد مستبعَدةً من هذا الأخير. وهذا يفترض فصلاً كاملاً بين الدولة والمجتمع المدني، بين المجال العام والمجال الخاص، وهو ليس مجال الأفراد وحدهم، بل هو أيضاً مجال جماعات وجمعيات (ومن ثم مجال كنائس وطوائف دينية). وهذا هو السبب في أن الحرية الدينية هي في آن واحد فردية (حرية الضمير) وجماعية (حرية الطوائف الدينية). وهي تعني أن هذه الأخيرة تنظم نفسها وتعمل بحرية. ومن ثم فلا يمكن أن يُفْرَضَ عليها تنظيم خاص أو نظام قانوني خاص. وهكذا نجد أن وجود الاتحادات العبادية، على نحو ما تصورها قانون عام 1905، إنما يعد هو نفسه قابلاً للنقاش. فالواقع أنه يتعارض مع الحرية الدينية. وقد رفضت الكنيسة الكاثوليكية تشكيل هذه الاتحادات، إذ رأت أنها تشكل مساساً بحريتها وبتنظيمها. وبالرغم من التسوية المرضية التي تمت في هذا الموضوع في 1923- 1924 بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة، فإن المشكلة الأساسية لا تزال قائمة، أي مشكلة تدخل الدولة في الشأن الديني. وهذا هو السبب في أنه سوف يتعين إعادة النظر في وضعية الاتحادات العبادية أو حتى الاستعاضة عنها باتحادات عادية (ينظمها قانون عام 1901)، مكلفة بدعم نفقات وصيانة دور العبادة ويمكن أن تكون مؤهَّلَة لتلقي التبرعات والهبات المستندة إلى وصايا معفاة من رسوم الأيلولة.

وإذا كانت النصوص الحقوقية الفرنسية تؤكد حريتي الضمير والعبادة منذ زمن بعيد، فسوف يكون من حق الحرية الدينية أن تظهر بشكل معلن في الدستور، كما هي الحال في البلدان الأوروبية الأخرى. والحال أن لها مجالاً أوسع بكثير و، منذ نصف قرن، جرى النص عليها وتوسيعها من خلال عدة اتفاقيات دولية تُلْزِمُ فرنسا. والمقصود بشكل رئيسي هو الاتفاقية الأوروبية بشأن حقوق الإنسان والتي تم التوصل إليها في عام 1950 (المادة التاسعة) والعهد الدولي للأمم المتحدة والخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي تم التوصل إليه في عام 1966 (المادة الثامنة عشرة) واللذان صدقت فرنسا عليهما في عام 1974 وفي عام 1980 بحسب الترتيب. وهذه الاتفاقيات تتجاهل فكرة العلمانية، بيد أنها تكرس للحرية الدينية مادة محدَّدَة وتفصيلية، تستعيد المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والصادر في عام 1948. وتؤكد هذه الاتفاقيات إلى حد بعيد حرية الفكر والضمير والدين، وهو ما يعني حرية تغيير الديانة أو العقيدة وحرية التعبير عن الديانة أو العقيدة، فردياً أو جماعياً، علناً(8) أو دون علانية، عن طريق التعليم والممارسات والعبادة وأداء الشعائر. وفي عام 1981، يشير قرار للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بشكل أكثر تفصيلاً بكثير (ولكن دون قيمة إلزامية)، إلى محتوى الحرية الدينية، بتوسيعه توسيعاً كبيراً جداً.

ومع أن الحرية الدينية لا تشكل جزءاً من العلمانية على نحو جازم، إلاّ أنها لا تنفصل عنها البتة. وأحياناً ما يشجع ذلك على الحديث عن العلمانية ـ الحرية، بيد أن هذا تعسف في استخدام اللغة ليس دون خطر، إذ أن بوسعه أن يقود إلى مماهاة العلمانية بالحرية واختزالها فيها، وذلك بنسيان طبيعتها الحقيقية وبنزعها دون وعي. والواقع أن هذه المماهاة قد أصبحت جد رائجة في آن واحد عند المسئولين الدينيين (الكاثوليك والپروتستانت واليهود والمسلمين) وعند القادة السياسيين (من اليمين ومن اليسار)، بل وعند بعض المتخصصين في العلمانية. وعندئذ تتغلب الحرية الدينية على العلمانية، بل وتنتهي إلى الحلول محلها، وهو ما تترتب عليه بالضرورة نتائج عملية. وهكذا، فإذا كانت العلمانية تؤول إلى الحرية الدينية (أو إلى التسامح)، فإن من الواضح أن ارتداء العلامات الدينية في المدرسة العامة ممكن، مثلما يتصور ذلك كثيرون من المسلمين. وسوف يكون بالإمكان تقديم أمثلة أخرى تستلهم هذا المبدأ.

وهذا التفكير هو ما جرى طرحه في رأي مجلس الدولة الصادر في عام 1989، والذي كانت السيدة مارتين لاروك مقرِّرَته. فبحسب هذا النص، نجد أن علمانية التعليم تفرض، من جهة، حياد المدرسين والبرامج الدراسية وتفرض، من الجهة الأخرى، "احترام حرية الضمير لدى التلاميذ" (وهذا صحيح). بيد أن النص يضيف أن هذه الحرية "تتضمن بالنسبة لهم الحق في التعبير وفي الإفصاح عن معتقداتهم الدينية في داخل المؤسسات المدرسية" (وهذا أمر قابل للجدل إلى حد بعيد). ويترتب على ذلك أنه "في داخل المؤسسات المدرسية، لا يعد ارتداء التلاميذ لعلامات يريدون التعبير من خلالها عن انتمائهم إلى ديانة ما متعارضاً في حد ذاته مع مبدأ العلمانية، بقدر ما أنه يشكل ممارسة لحرية التعبير ولحرية الإفصاح عن المعتقدات الدينية". والواقع أن هذا التفكير إنما ينطوي على خطأين لم يجر الانتباه إليهما، حتى من جانب خصوم هذا الرأي. فمن جهة، لا تقتصر علمانية المدرسة العامة، بالنسبة للتلاميذ، على احترام حرية ضمائرهم: فهي تتألف بشكل جوهري من استبعاد الدين من المدرسة العامة ومن ثم تفرض على التلاميذ واجب التحفظ في تصرفاتهم، لأنهم متواجدون في موقع ينتمي إلى المجال العام. ومن الجهة الأخرى، نجد أن حرية ضمائر التلاميذ، والتي هي حرية داخلية، لا تعطيهم البتة "الحق في التعبير والإفصاح عن معتقداتهم الدينية" في المؤسسات المدرسية، لأننا نكون آنذاك بإزاء أفعال خارجية تقوم بإدخال الدين، دون وجه حق، في مجال المدرسة الذي هو مجال عام. ويترتب على ذلك أن رأي مجلس الدولة تعوزه الدقة ويعوزه السند الحقوقي، والاجتهاد القانوني الذي أنجبه قابل للجدل إلى حد بعيد، حتى وإن كانت غالبية المسئولين السياسيين قد وافقت عليه.

وفي هذه الظروف، ولأجل وضع نهاية لهذا الاجتهاد القانوني، الذي جرى الإبقاء عليه بسبب تقصير المشرِّع، كان من الضروري سن قانون لحظر العلامات الدينية في المؤسسات المدرسية العامة. وليس هذا الحظر غير نتيجة وتطبيق للعلمانية إذا ما فهمناها فهماً صحيحاً، والتي يتعين بموجبها استبعاد الدين وتجلياته من المجال العام. والحال أن القانون الذي اعتمدته في فبراير/ شباط ـ مارس/ آذار 2004 الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ (بأغلبية كبيرة جداً في الحالتين) قد حسم المسألة بشكل مرضٍ وبالقدر الضروري من الحكمة: فقد حظر "ارتداء العلامات أو الملابس التي يعبر التلاميذ من خلالها تعبيراً ظاهراً عن انتماء ديني". والحق أن هذا القانون كان، قبل وبعد اعتماده، موضع انتقادات أو تحفظات عديدة، فقد جرى طرح حجج مقنعة إلى هذا الحد أو ذاك تتصل بمدى ملائمته أو محتواه أو تطبيقه أو آثاره. وبسبب عدد وتعقيد هذه الانتقادات فليس بالإمكان النظر فيها هنا. إلا أن بالإمكان تقييم هذا القانون من زاوية العلمانية. فإذا كان القانون يذكر "مبدأ العلمانية" في عنوانه، إلاّ أنه يصمت بعد ذلك صمتاً تاماً حيال هذه المسألة، التي كانت جديرة بالتوضيح. وبوجه خاص، كان سيكون من المفيد تحديد أن هذا المبدأ يستبعد الدين من المجال العام ومن ثم من المؤسسات المدرسية العامة ومن الإدارات، وأنه يفرض الحياد على المدرسين والموظفين وممثلي الإدارات والمصالح العمومية، وأنه ينطوي أيضاً على واجب التحفظ والامتناع من جانب التلاميذ. وهذا يستتبع، بالنسبة لهؤلاء ولأولئك، حظراً لجميع التجليات الدينية ومن ثم للعلامات الدينية الظاهرة. وكان يمكن تحديد التطبيق العملي لهذه القواعد العامة بعد ذلك عن طريق مرسوم أو قرار. وكان من شأن هذا النهج أن يسمح بصدور قانون حقيقي عن العلمانية، بالإشارة الواضحة إلى معنى وأهمية هذا المبدأ الدستوري، وبتوضيح مداه الواسع ودون إخفاء صرامته. وبتجاوز إطار المدرسة والتلاميذ، كان من شأنه أن يتجنب اقتصاره على أن يكون مجرد قانون حول العلامات الدينية، يستهدف الحجاب الإسلامي بشكل رئيسي. وأخيراً، فقد كان بإمكانه أن يكون ذا قيمة تربوية بتنبيهه إلى طبيعة ومتطلبات العلمانية، ليس فقط تنبيه الجماعة السكانية المسلمة (التي تجهلها وتكتشفها)، وإنما أيضاً تنبيه مجمل الجماعة السكانية الفرنسية (التي نسيتها أو بَدَّلَتْ معناها).


إعادة محورة العلمانية


لئن كانت العلمانية الفرنسية غير معرَّضَة حقاً للتهديد، إلاَ أنها تجد نفسها الآن في موضع مناقشة حادة. فالحال أن الدراسات العديدة التي كُرِّست لها منذ نحو خمسة عشر عاماً والمفاهيم المتنوعة التي جرى اقتراحها عنها قد أسهمت في تضبيب صورتها وفي بث التشوش، بل وفي إقلاق الخواطر. ومن الضروري الآن إعادة محورة العلمانية على ما هو جوهري فيها وإعادتها إلى خصوصيتها. ومن ثم فهناك مهمة توضيح وتبسيط ينبغي الاضطلاع بها فيما يتعلق بموضوعها، وذلك بتجنب التخمينات النظرية أو الفلسفية، التي من الواضح أنها تظل مشروعة، وإن كانت لا تراعي الواقع الفرنسي بما يكفي. وهذه المهمة ضرورية اليوم بشكل خاص لسببين، لهما تأثير مباشر على العلمانية: من جهة، تحول الدولة و، من الجهة الأخرى، وجود الإسلام في فرنسا.

فإذا كانت العلمانية الفرنسية محل تساؤل وتشهد تطوراً معيناً، فإن ذلك إنما يرجع بالدرجة الأولى إلى التحولات التي تمس الدولة منذ بضعة عقود. وبما أن العلمانية تتألف من استبعاد الدين من المجال العام، فإنها إنما تتوقف على الأسلوب الذي يُعَرَّفُ به هذا المجال ومن ثم على مفهوم الدولة. والحال أن مجال الدولة، مع بقائه مهماً، إنما يميل بقوة إلى الانحسار لصالح المجتمع المدني، المدعو إلى الاتساع. وترتيباً على ذلك، نجد أن الدين، الذي يحتل مكانه الطبيعي في المجتمع، يشهد اتساع حقله وتعزُّز دوره، بالرغم من العلمنة المتزايدة. وبحكم هذا الواقع، تجد العلمانية نفسها وقد تأثرت وانحسرت بالضرورة. فالدولة، بنقلها عدداً من الوظائف إلى المجتمع، في الشأن الثقافي أو الإنساني مثلاً، إنما تتيح للأديان إمكانيات جديدة بالفعل. وإذا كانت الأديان تمارس مسئوليات في المجتمع، فإن حقل تطبيق العلمانية سوف ينحسر من جرّاء ذلك. ثم إن الحدود التي تفصل الدولة عن المجتمع تميل إلى التلاشي وتصبح نَفَّاذَة ويسهل عبورها في الاتجاهين. فالدولة تتدخل دوماً في حياة المجتمع وتقدم له مساعدتها بأشكال عديدة. وبالمقابل، لا يتردد المجتمع (الأفراد، الجماعات، الجمعيات، المشاريع...) في التغلغل في الدولة، سعياً إلى الحصول على عونها (بما في ذلك العون المالي) وإلى إنماء مصالحه الخاصة.

وطبيعي أن الأديان لا يمكنها أن تظل غريبة عن هذه الحركة المزدوجة. فمن جهة، نجد أن الدولة تتحرى رأيها (في الشأن الأخلاقي، مثلاً) أو تطلب تعاونها أو تقدم لها مساعدات غير مباشرة (تخفيض الضرائب على التبرعات المقدَّمة إليها، الضمان الاجتماعي للعبادات، البرامج الدينية في الإذاعة والتليڤيزيون...). ومن الجهة الأخرى، تسعى الأديان إلى الفوز بوجود عام (وليس اجتماعياً فقط)، وإلى الفوز باعتراف الدولة وإلى جعلها تقبل مواقفها الخاصة بشأن مسائل عديدة (الأسرة، الإجهاض، المثلية الجنسية، الموت الرحيم، استخدام التكنولوچيا في إدخال تحويلات على الكائنات الحية، الهجرة، العدالة الاجتماعية، الفعل الإنساني الخيري...). ويسهم تخفيف الحدود فيما بين الدولة والمجتمع في تخفيف حدة الفصل بين الدولة والديانات التي تخلط بسهولة بين ظهورها الاجتماعي ودخولها في المجال العام. وعلى الدولة أن تميز بوضوح بين الشيئين، فتعترف بالأول، بينما ترفض الثاني. ونجد مثالاً صارخاً لهذا التطور في الإصرار المتكرر من جانب الكنيسة الكاثوليكية (خاصة البابا) وبعض البلدان الأخرى (خاصة بولنده) على أن يتضمن دستور الاتحاد الأوروبي الإشارة إلى تراثه المسيحي، استفادة من واقع أن المجال العام، في هذا الكيان السياسي، لم يتكون بعد بما يكفي ويظل مفتوحاً أمام المصالح والاهتمامات الخاصة، ومن ثم أمام الأديان. ومن الواضح أن دور المسيحية في تاريخ أوروبا مهم جداً، بيد أن الإشارة إليه لا مكان لها في دستور سياسي، هو، في الواقع، معاهدة دستورية بين دول. ومن الواضح أن التحولات الأخيرة للدولة لها أثر محسوس على أسلوب تصور وتطبيق العلمانية. ولابد للنقاش الدائر الآن حول العلمانية أن يراعي هذا العامل الحاسم. فواقع أن الدولة تتغير تغيراً عميقاً وأن المجال العام أصبح متحركاً إنما يجر إلى انعدام يقين عظيم بالنسبة للعلمانية وبقاء العلمانية يفترض تعريف مجال الدولة تعريفاً دقيقاً وصارماً.

والسبب الثاني الذي يفرض إعادة محورة العلمانية هو الوجود الدائم للإسلام ولطائفة مسلمة مهمة. والحال أن العلمانية الفرنسية قد ظهرت في سياق تاريخي خاص، يتميز بالنفوذ القوي للكنيسة الكاثوليكية، والتي رُؤيَ أنها معادية للجمهورية. وقد تشكلت العلمانية بشكل رئيسي ضد هذه الكنيسة، وهي تحتفظ بأثر هذه المعركة في قوانين علمنة المدرسة وفي قانون الفصل [بين الكنائس والدولة] والصادر في عام 1905. ولهذا السبب تحديداً تعتبر العلمانية الفرنسية جد مختلفة عن العلمانية الأميركية، التي ظهرت قبل الأولى بقرن، في سياق تاريخي آخر ودون معركة خاصة. وهذا يفسر أيضاً أنها تبدو غير متوائمة بل وعزلاء حيال دين آخر كالإسلام. فالحق أن الإسلام ليس مقصوداً بقانون عام 1905، الذي لا يستهدف سوى العبادات التي كان مُعْتَرَفَاً بها آنذاك، سعياً إلى إنهاء الاعتراف بها وإنهاء تمويلها.

ولهذا السبب فمن المناسب، مع استلهامنا لمبادئ قانون عام 1905، أن نحدد أسلوب تصور وتطبيق العلمانية حيال الإسلام. ومن حيث المبدأ، لا يطرح هذا الموقف مشكلة كبرى، إذا ما أعدنا محورة العلمانية حول ما هو جوهري فيها، أي حول استبعاد الدين من المجال العام. بيد أن هناك مع ذلك صعوبة جدية ينبغي حلها، وهي صعوبة جديدة ومحيِّرة: ألا وهي أن الإسلام ليس مجرد ديانة، وإنما يتضمن بعداً اجتماعياً وسياسياً ومن ثم إيديولوجية يمكن أن تكون مصدر إلهام لممارسة عملية. ويترتب على ذلك وجوب الفصل فيه بين ما هو ديني وما ليس كذلك. والحال أن هذه عملية حساسة، ليست الدولة مؤهلة للقيام بها وينفر المسلمون من إجرائها. ومن ثم يجب التصرف بشكل عملي لدفع الإسلام تدريجياً إلى الانحصار في بُعده الديني، مع ما يستتبعه ذلك من نتائج عملية. وهذه الطريقة جد مختلفة عن الطريقة التي تود إيجاد إسلام فرنسي، وهو تعبير لا يتميز بأي معنى محدَّد وبوسعه أن يجر إلى التشوش. وفي هذه الحالة الخاصة، يتمثل دور العلمانية في حث الإسلام على أن لا يكون سوى ديانة، لا مكان لها في المجال العام (ومن ثم لا مكان لها في المدرسة)، وإن كان بالإمكان ممارستها بحرية في المجتمع. أمّا فيما يتعلق بطموحات المسلمين السياسية، فبوسعها أن تعبر عن نفسها وأن تنظم نفسها في إطار الدولة العلمانية، وهو ما لابد له من أن يدفعهم إلى كسب وممارسة المواطنة الفرنسية. وهكذا فإن العلمانية إنما تهدف إلى حصر الإسلام في جانبه الديني، مع حث المسلمين على أن يكونوا مواطنين بشكل كامل.

وفي هذا الصدد، يعد القانون الأخير بشأن العلامات الدينية في المدرسة إجراءً أَوَّلَ لا ينبغي التقليل من قيمته، بالرغم من حدوده، ويجب إبراز أهميته. فالواقع أنه يشكل رسالة واضحة إلى جميع المسلمين الذين يحيون في فرنسا، بوضعه حداً معقولاً للإسلام وبتمييزه مجال الدولة تمييزاً واضحاً لا لبس فيه. ومن المؤكد أن هذا القانون يتميز بطابع إكراهي، بيد أن القانون إنما يطبَّق بالاعتماد على الحوار والإقناع. وإلى جانب هدفه المباشر، نجد أن له وظيفة رمزية وقيمة تربوية، لأنه يحدد الطريق الذي يجب اتِّباعه للاندماج في المجتمع الفرنسي والمشاركة في حياته. وهذا هو السبب في أنه لا مجال هناك لحدوث تعارض بين الحظر الذي طرحه هذا القانون والعمل اللازم لتحقيق هذا الاندماج، لأن هذا القانون إنما يشكل بالفعل جزءاً من عملية الدمج ويسهم في حفزها. وترتيباً على ذلك، ودون التخلي عن الحزم، يجب لتطبيقه أن يتم بطمأنة وبتربية في آن واحد. وسوف يتعين على هذا القانون أن يكون مصحوباً أيضاً، دون تأخير، بتدابير إيجابية في صالح الطائفة المسلمة، سعياً إلى تيسير كل من عباداتها واندماجها الاجتماعي في آن واحد. وفي هذا الصدد، نجد أن تقرير لجنة ستازي قد قدَّم عدة مقترحات وجيهة، وسوف يكون بالإمكان إضافة مقترحات أخرى إليها.


* * *


في المستقبل، إذا كنا نتمنى حقاً أن تحافظ العلمانية على معناها وأن تحتفظ بقيمتها، لابد من إعادة محورتها حول خصوصيتها المميزة لها، على فرض أنها لا تزال لها خصوصية. وسعياً إلى هذا الهدف، من الأهمية بمكان مكافحة الاتجاه إلى مماهاة العلمانية بما ليست عليه حقاً. ومن المرجح أن يبقى هذا الاتجاه وينمو. وقد يؤدي ذلك إلى تقريب فرنسا من غالبية البلدان الأوروبية الأخرى، الأمر الذي سيؤدي إلى إنهاء الاستثناء الفرنسي في هذا الموضوع. ومن المؤكد أن العلمانية التشريعية سور واق من انحرافات قادمة، ترتبط بالتحولات الراهنة للدولة. والحال أن مفهوم العلمانية بوصفها فصلاً للسياسة عن الدين واستبعاداً للدين من المجال العام إنما يظل ضرورياً حيال الإسلام لفترة طويلة، لأن الإسلام بحاجة إلى وقت كاف لإجرائه ما هو مطلوب منه من تغيرات. وترتيباً على ذلك، من المناسب صون خصوصية العلمانية وعدم خلطها بنتائجها أو بالآثار المترتبة عليها. وبشأن موضوع على هذه الدرجة من الحساسية وبعد المصاعب العديدة التي واجهها قانون متواضع حول العلامات الدينية، من غير المرجح كثيراً اقتراح تدابير أخرى مماثلة. إلاّ أنه، في ظروف التشوش والارتباك الراهنين، يظل مطلب الدقة والوضوح مطلباً ضرورياً ولا غنى عنه.

موريس باربييه

الكاتب

عالم سياسي ومؤلف كتاب: La Laïcité (Paris, L'Harmattan, 1995) وكتاب: La Modernité politique (Paris, PUF, 2000). وقد نشر في مجلة:

Le Débat: "Esquisse d'une théorie de la Laïcité" (no 77, novembre-décembre 1993) et "Laïcité: questions à propos d'une loi centenaire" (no 127, novembre-décembre 2003).


الهوامش


1- Cf. Maurice Barbier, "Laïcité: questions à propos d'une loi centenaire", Le Débat, no 127, novembre-décembre 2003, pp. 158-174.

2- Voir, à ce sujet, Maurice Barbier, La Laïcité, Paris, L'Harmattan, 1995, pp. 80-89.

3- نقصد هنا مفهوم العلمانية الفرنسي، أي الشكل الذي يتخذه هذا ال�


الجمعة، نوفمبر 25، 2011

دروس الربيع العربي وثوراته في فرنسا بقلم صلاح هاشم

غلاف فيليو " الثورة العربية " الصادر عن دار نشر فايار


غلاف كتاب الاسواني " يوميات الثورة المصرية " الصادر عن دار نشر آكت سود






يوميات سينما إيزيس في باريس



دروس " الربيع العربي " وثوراته في فرنسا


بقلم


صلاح هاشم



لايمر يوم حاليا، الا وتطلع علينا دور النشرهنا في فرنسا فيه بكتاب جديد، يتناول ويناقش ربيع الثورات العربية ان في مصر او تونس من عدة جوانب وزوايا ، لكي نستخلص منها الدروس المستفادة، ومن ضمن الكتب التي وصلتنا حديثا في " سينما إيزيس" كتاب " يوميات الثورة المصرية" للكاتب الروائي المصري علاء الاسوانيALAA EL ASWANY الصادر عن دار نشر آكت سود
CHONIQUES DE LA REVOLUTION EGYPTIENNE .ACTES SUD
ويضم الكتاب أكثر من خمسين مقالا كتبها قبل اشتعال شرارة الثورة المصرية في 25 يناير، واثناء الثورة وبعدها، و يبرز من بين اغلب الكتب الصادرة عن الثورات العربية في فرنسا ولحد الآن
لكونه يبلور رؤية بانورامية للثورة ووقائعها، من خلال معايشة حقيقية روحا وجسدا، لكاتب مصري اصيل نحبه ونحترمه ، وننهل من قراءاته وفكره
وبسبب اسلوب الاسواني الذي يتميز بالعبارة السهلة الصريحة الواضحة، التي تنفذ مباشرة الى الدماغ، وتتميز بشفافيتها وسلاستها ، وتكشف عن حكواتي أصيل بالفطرة، يجيد الرسم بالصورة، فتحس معه وانت تقرأه، كما لو كنت في حضرة صديق تعرفه منذ زمن و تحبه، وهو يقص عليك الوقائع التي عاشها ، والافكار التي وردت على ذهنه وقتها، فتطلب منه المزيد ، وتحثه على أن يمنحك أكثر، واعتقد بعد ان التهمت الكتاب في ليلتين، انه ربما يقدم وبخاصة لافراد الشعب الفرنسي ولكل من يقرأ بالفرنسية، يقدم افضل وثيقة تؤرخ لثورة 25 يناير في مصر، من وجهة نظر شخصية، بعيدا عن التحليلات الاكاديمية الجامدة المتجهمة في أغلب الوقت ، واساليبها العلمية الجافة، المولعة بالارقام والبيانات، و الخارجة لتوها ، من ثلاجة مختبر اكاديمي عقلاني بارد، ولذلك تتميز ايضا تلك الوثيقة الشخصية بحميميتها

وكانت " سينما إيزيس " وثقت ايضا بالفيديو لحضور علاء الاسواني في باريس، وصورت لقائه بالجاليات المصرية والعربية في لقاء رائع يوم 14 نوفمبر في باريس- انظر فيديو علاء الاسواني في باريس EL ASWANY IN PARISعلى " شاشة إيزيسCINEMAISIS SCREEN " في الاي تيوب ITUBE - وتحدث فيه الاسواني عن تجربته مع ثورة يناير وتواجده مع الثوار في الميدان
ورصده ومعايشته لوقائع الثورة، وكتبنا عن ذلك في ورقة مصاحبة للشريط وقتها

كما وصلنا في " سينما إيزيس " حديثا كتاب جديد صادر عن دار نشر " فايار " بعنوان " الثورة العربية . 10 دروس مستخلصة من الانتفاضة الديمقراطية"
LA REVOLUTION ARABE.FAYARD
للباحث والاستاذ الجامعي جان بيير فيليوJEAN PIERRE FILIU استاذ العلوم السياسية في معهد العلوم السياسية في باريس، وسنعرض لتلك الدروس المستخلصة التي يتحدث عنها فيليو في كتابه قريبا
لكن ننبه هنا الى لقاء مع الكاتب يوم الثلاثاء الموافق 29 نوفمبر من الساعة 18 الى الساعة 20 مساء. المكان "ايرموIREMMO " شارع باس دو كارم 5، في الحي الخامس بباريس . مترو : موبير ميوتواليتيه، بحضور " سينما إيزيس "


صلاح هاشم




الخميس، نوفمبر 24، 2011

دعوة للتظاهر في باريس تضامنا مع ثورة الشعب المصري








لجنة التضامن مع نضال الشعب المصري

تدعوة للتظاهر في باريس ومارسيليا

تضامنا مع ثورة الشعب المصري


باريس . سينما إيزيس


تنظم " لجنة التضامن مع نضال الشعب المصري في باريس " عدة مظاهرات للتضامن مع ثورة الشعب المصري في ميدان التحرير وفي ربوع القطر المصري، التي تطالب بتسليم المجلس الاعلى للقوات المسلحة مقاليد الحكم لحكومة انتقالية مدنية، وذلك بعد ان فشل المجلس في تنفيذ وتحقيق مطالب الثوار والشعب المصري كله في ثورة 25 يناير. وسوف تشارك " سينما إيزيس " في المظاهرات التي تنظمها اللجنة في باريس، ومرفق جدول بمواعيد المظاهرات ، واماكن تجمعها ، في باريس ومارسيليا.



في باريس


مظاهرة اليوم الخميس 24 نوفمبر. الساعة 18. مترو باربس


مظاهرة غدا الجمعة 25 نوفمبر. الساعة 14 . مترو اوبرفييه أو كاتر شومان\ ومظاهرة ثانية الساعة 18 مترو كورون


مظاهرة يوم السبت 26 نوفمبر. الساعة 15 . مترو مونيلمونتان







Agenda- MANIFESTATIONS de SOLIDARITE A PARIS et A MARSEILLE

PARIS

  • Jeudi 24 nov à 18h, métro Barbès
  • Vendredi 25 nov à 14h métro Aubervilliers/Quatre chemins et à 18h au métro Couronnes
  • Samedi 26 nov à 15h manifestation au départ du métro de Menilmontant

MARSEILLE

  • Vendredi 25 novembre 2011 à 18 h 30 aux Mobiles (haut de la Canebière)


مختارات سينما إيزيس :مطالب واهداف الموجة الثورية الراهنة بقلم خليل كلفت







مختارات سينما إيزيس



مطالب وأهداف الموجة الثورية الراهنة


بقلم


خليل كلفت





قيل على سبيل التندُّر إن الفضل يرجع إلى مبارك فى إشعال الثورة الشعبية الراهنة المستمرة منذ 25 يناير 2011، ويمكن القول على سبيل التندُّر أيضا إن المجلس العسكرى، الذى اغتصب السلطة السياسية فى مصر استنادا إلى شرعية الانقلاب العسكرى وتنحية مبارك، يرجع إليه الفضل فى إشعال الموجة الراهنة للثورة، منذ 19 نوڤمبر 2011. والواقع الفعلى هو أن الجوع المفزع إلى المال والسلطة هو الذى دفع ويدفع كل الطبقات الرأسمالية والتابعة الحاكمة وسلطاتها السياسية فى كل بلدان العالم إلى تجريف كل أساس لحياة حرة كريمة للبشر، الأمر الذى أشعل ويشعل حركات واسعة وعميقة معادية للرأسمالية للشعوب فى مراكز الرأسمالية وفى مركزها الرئيسى فى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن امتد إليها وألهمها تأثير الدومينو القادم من المستعمرات وأشباه المستعمرات السابق، أىْ العالم الثالث فى الوقت الحاضر، ومن البلدان العربية على وجه الخصوص. وهنا فى بلداننا العربية بالذات شهدنا ونشهد أقصى حالات الوحشية البربرية الضارية فى قمع ثورات الربيع العربى كما يقال. وقد رأينا كيف تفجرت الموجة الراهنة للثورة المصرية كرد فعل ثورى (فى زمن الثورة هذا) على استخدام القوة المفرطة فى قمع اعتصام صغير لأهالى شهداء الثورة ومصابيها فى ميدان التحرير، وكيف تطورت الاحتجاجات التى شملت كل محافظات مصر إلى موجة ثورية ضخمة وعميقة، وكيف كان المجلس العسكرى ينتقل من غباء إلى غباء فى تعامله مع الشعب فى زمن لم يدرك فيه بعد أنه زمن ثورة شعبية كبرى، وكيف استخدم الشرطة والجيش ونظم مذبحة راح ضحيها عشرات الشهداء الجدد وأكثر من ألفيْن من الجرحى إلى الآن، وكيف يواجه شباب مصر ونساؤها ورجالها الشرطة والجيش ببسالة وعناد وبشعور بقمة الكرامة فى مواجهة البطش الأعمى، وكيف ظهر المشير على الشاشات فوق جثث الشهداء وفوق جراح المصابين وبعد مطالبات عنيدة من الشعب ليتَّهم الثوار ومجهولين بالمسئولية عن هذه التطورات لجرّ "ثورته" هو (أىْ انقلابه فى الحقيقة) إلى الوراء، ولم يقدم شيئا، أو قدم أشياء تافهة، فوعد باحترام حق التظاهر والاعتصام "بما يتفق مع القانون" (وما زالت المذبحة مستمرة رغم الوعد الكاذب)، وتحدى الثورة بربط استعداد المجلس العسكرى للرحيل باستفتاء يشرف عليه هذا المجلس ذاته (وكأن الاحتجاجات الواسعة الحالية والسابقة ضد المجلس العسكرى ليست أقوى من كل استفتاء)، كما ألقى فى وجه الثوار بقبول استقالة حكومة عصام شرف على أن تقوم بتسيير أعمالها إلى حين تشكيل المجلس لحكومة جديدة، وتتواتر الأنباء عن احتمال استمرار حكومة عصام شرف خلال المرحلة الأولى للانتخابات الپرلمانية، وقال إن "المجلس الأعلى" قرر أن يتم إجراء الانتخابات فى "توقيتاتها" كما قال، مع تقديم انتخابات رئاسة الجمهورية بحيث يقوم المجلس بتسليم السلطة للرئيس المنتخب "المنتظر" وعودته إلى ثكناته التى يتحرق شوقا إليها لحماية "أمن" مصر!!!! ومن الجلىّ أن المجلس لم ينتبه كعادته إلى أن هذه "الوعود" لا تُلبِّى مطالب وأهداف الثورة ولا مطالب وأهداف هذه الموجة من موجاتها! وسأحاول هنا أن أناقش أو أستعرض بمنتهى الإيجاز عددا من المطالب والأهداف الثورية:
أولا: فى عالم صارت فيه الانقلابات العسكرية مستنكرة ومرفوضة يستند المجلس العسكرى إلى انقلابه العسكرى كأساس لشرعيته المفروضة على الشعب، وكان الهدف من الانقلاب ليس حماية الثورة التى لم تكن بحاجة إلى حماية بل حماية النظام وإعادة إنتاجه بنفس رجاله من العسكريِّين والمدنيِّين بعد التخلص من مبارك وأسرته وحلقة ضيقة من أقرب المقربين من رجاله، وقد أثبت المجلس العسكرى بسياساته وإسترتيچياته وتكتيكاته طوال الشهور السابقة أنه يعمل بصورة ممنهجة على تصفية الثورة، وبعد أن كان أبرز مطلب من مطالب ميدان التحرير (وكل ميادين التحرير فى مصر) يقتصر قبل بيان المشير صار بعده وبعد حنثه بعدد من وعوده بعدم احترام حق التظاهر والاعتصام واستمرار المجزرة، وباستمرار حكومة عصام شرف لفترة قد تمتد كما تتواتر أنباء، ... صار المطلب الحاسم الآن هو الرحيل الفورى للمجلس العسكرى وتسليم الحكم للمدنيِّين. وتتعالى فى ميدان التحرير اقتراحات بتكوين مجلس رئاسى انتقالى من أشخاص بعينهم يستلم السلطة من المجلس العسكرى. ويبدو أن بعض الاقتراحات ترجِّح كفة الإسلاميِّين فى المجلس الرئاسى الانتقالى المقترح الأمر الذى يعطيهم جائزة لا يستحقونها لثورة تآمروا ويتآمرون على طول الخط ضدها فى تعاون وثيق مع المجلس العسكرى. وبهذا تفتح هذه الاقتراحات بابا واسعا لجمهورية إسلامية فى مصر ولا اعتداد بحجة أن المجلس الرئاسى المقترح مؤقت لأنه فى مثل هذه الأوضاع "لا يدوم إلا المؤقت". ونظرا لكل جرائم المجلس العسكرى، ونظرا لأن الجيش ملك للشعب الذى ينفق عليه على حساب لقمة عيشه ومسكنه وملبسه وصحته، يعتقد كاتب هذه السطور أن الموقف الأفضل هو المطالبة برحيل المجلس العسكرى وحلِّه وتشكيل قيادة جديدة من ضباط وجنود الجيش المؤيدين بصدق للثورة، مع التحقيق مع المجلس العسكرى المنحل ومحاكمته باعتباره المسئول الأول عن كل سياسات وممارسات الفترة السابقة بكل عناصرها بما فيها المذابح التى جرى ارتكابها. وتكليف الجيش بالقيام بالمهام التى أوكلها الدستور إليه بالإضافة إلى مهام الشرطة إلى أن تتم إعادة بنائها؛ وعلى أن تُعتبر إقالة المجلس العسكرى وما يترتب عليها شعارا دعائيا أو عمليا وفقا للتطور الفعلى للوضع الثورى ودون قفز عليه.
ثانيا: إقالة حكومة عصام شرف على الفور وتشكيل حكومة انتقالية جديدة بوصفها السلطة التنفيذية العليا التى تحلّ محل المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة كليهما. كما ينبغى محاسبة هذه الحكومة التى كانت بمثابة سكرتارية لهذا المجلس وكل الأجهزة التى ساعدتهما على إعداد وممارسة سياسات الفترة السابقة.
ثالثا: إلغاء قانون الطوارئ الاستبدادى الحالى وليس مجرد إلغاء العمل به، مع وضع قانون طوارئ بالمعايير الديمقراطية لمواجهة الكوارث التى تهدد الشعب وليس لأمن النظام الاستبدادى الفاسد.
رابعا: حلّ وإعادة بناء مختلف أجهزة الأمن والمخابرات على أسس ديمقراطية.
خامسا: تأجيل الانتخابات الپرلمانية والرئاسية وانتخاب مجلس تأسيسى لإعداد دستور جديد ديمقراطى حقا يقوم على أساس الدولة المدنية، والمواطنة، وحرية العقيدة، والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو النوع أو العِرْق أو الإثنية أو اللغة، وكفالة كل الحريات والحقوق الديمقراطية بما فيها حقوق التظاهر والاعتصام والإضراب وكل أشكال الاحتجاج دون قيود قانونية، وحقوق تكوين الأحزاب والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات والروابط والاتحادات والتعاونيات دون قيود، وحرية التعبير، وحرية الصحافة والإعلام، وإعادة صياغة كافة القوانين لا تتفق مع الدستور الجديد، وكل ذلك فى إطار جمهورية پرلمانية ديمقراطية، وفى إطار فصل الدين عن الدولة، والتوازن الحقيقى بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
سادسا: إلغاء ما يسمى بمجلس الشورى باعتباره "اختراعا" ساداتيا بلا وظيفة أو سلطات حقيقية.
سابعا: سرعة محاكمة مبارك وقرينته ونجليْه وكل مَنْ تورط معهم من عائلاتهم وكل رجاله وكذلك الدائرة الأوسع ممن أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية فى البلاد، مع سرعة إجراءات المحاكمة وتنفيذ الأحكام.
ثامنا: حلّ الحزب الوطنى والعزل النهائى، عن المناصب السياسية والإدارية للدولة وعن الحياة الپرلمانية، لقياداته وكوادره على كل المستويات فى اللجنة المركزية ومكاتبها ولجان المحافظات واللجان المحلية عقابا على دورهم فى إفساد السياسة والإدارة الحكومية والاقتصاد والإعلام والتعليم والصحة وكل نواحى الحياة فى البلاد، مع محاسبتهم قضائيا. دون أن يمتد هذا العزل إلى القاعدة الواسعة التى تصل إلى مليونين أو ثلاثة ملايين.
تاسعا: وضع حدّيْن أدنى وأقصى للأجور فى البلاد بفارق لايتجاوز أضعافا محدَّدة قانونا مع ربط تطور الأجور بتطور الأسعار، فى سياق رؤية شاملة للعدالة الاجتماعية تضع فى صدارة التزاماتها القضاء على الفقر فى كل تجلياته فى مجال دخل الطبقات العاملة والشعبية، وحقوقها فى السكن بعيدا عن العشوائيات والمقابر وما أشبه، وحقوقها فى مجال التأمين الصحى الشامل والفعال، وكل حقوقها فى حياة كريمة وحرة.
عاشرا: استقلال القضاء عن وزارة العدل والحكومة والدولة وإقرار وتحقيق المطالب العادلة للقضاة وتطهير القضاء بعد عقود من التبعية المفروضة التى حاربها القضاة الشرفاء بعناد وشجاعة وبسالة، مع إلغاء كل المحاكم الاستثنائية ومحاكمة المواطن أمام قاضيه الطبيعى.
حادى عشر: مصادرة وتأميم الأموال الثابتة والمنقولة الناشئة عن الخصخصة التى جرت بمعايير الفساد واللصوصية و"بتراب الفلوس" لممتلكات الدولة والقطاع العام، وإجبار مبارك وأسرته ورجاله وكل لصوص نظامه على ردّ كل الأموال المنهوبة داخل مصر وخارجها، والعمل بكل الوسائل القانونية المشروعة على استعادة تلك الأموال من سويسرا وغيرها من الدول المعنية.












الأربعاء، نوفمبر 23، 2011

مصر " الثورة الجديدة " وعقلية العسكر بقلم صلاح هاشم


لقطة من ثورة 25 يناير بعدسة صلاح هاشم


أسد التحرير ، ثورة مصر الجديدة ، تواجه الآن نظاما قمعيا ضاريا أشد قسوة وضراوة من نظام مبارك





مصر " الثورة الجديدة " وعقلية العسكري

بقلم


صلاح هاشم


ماذا يحدث الآن في مصر؟ ماذا يحدث الآن بعد "المجزرة" التي شهدها العالم أجمع ، إن في ميدان التحرير، قلب الثورة المصرية الجديدة، أو لاظوغلي " مقر وزارة الداخلية "، وتجاوزت في فصولها ، بل وغطت على "موقعة الجمل" الدموية المرعبة ، وكانت أشد عنفا منها ، وأشد ضراوة وقسوة ؟..

ما يحدث الآن يشي بأن بلدنا مصرالغالية علينا ، مصرنا كلنا ، وليس مصر طنطاوي العسكري وحده ، لن تشهد امانا او استقرارا الابعد فترة، قد تقصر او تطول، وفقط ، وفقط عندما تتغير " عقلية " العسكري الذي يحكم مازال في البلاد، وماهو الا استمرارية لحكم دولة مبارك الاستبدادية القمعية، التي اهانت مصر بلدنا، واهانت شعب مصر ، ومرغت سمعة بلدنا في التراب، وهبطت بها سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وتعليميا واخلاقيا واعلاميا و في جميع المجالات الي الحضيض..

هذه العقلية ،عقلية العسكري المشير طنطاوي الذي طلع علينا بالأمس ، ليذكرنا في كلمته بحسني مبارك في خطابة الاخير قبل اعلان التنحي، سبحان الله ! وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد بدا المشير " العسكري" مثل مومياوات مصرية قديمة من عصر مضى ، وقد خرجت لتوها من المتحف المصري، وذكرتنا سحنته بالممثل بوريس كارلوف، الذي كان يظهر في افلام الرعب التي كنا نشاهدها في "سينما إيزيس" في السيدة زينب في فترة نهاية الخمسينيات ، وراح يتهته بكلام انشائي عقيم، سمعناه يقينا من قبل، أليس كذلك ؟ ، ومازال محفورا في ذاكرتنا..

كلام من نوع أن الجيش هو "عصب " مصر البلاد - قديمة - ودرعها، وعامودها الفقري، وهكذا راح العسكري يردد على مسامعنا مانعرفه من جدول المحفوظات القديمة من قبل..


في حين كنا ننتظر مع الشعب المصري من العسكري، أن يقدم لنا تقريرا عما فعله المجلس واستحدثه وحققه منذ ان تسلم السلطة في البلاد، حتى نستطيع ان نحاسبه على انجازاته، او حتي لكي يذكرنا بها ، فلربما نكون نسينا ، وتنقشع بذلك الغشاوة عن العيون ، وما بقي فينا ، بعد القتل والضرب والتصويب على العيون بالقصد ، عيونا..

غير ان العسكري الذي بدا لنا مثل صنم حجري ، بلا روح ولا قلب ، كان جامدا ومتجهما ومرتبكا وعديم الانسانية ، وكأنه يريد ان يداري ورطته وخجله
. وكان يمكن للشعب المصري المسالم ابدا ، وابناء الشعب المصري الذين احتشدوا في "مليونية الانقاذ "في ميدان التحرير، ان يغفروا للعسكري افعاله الجديدة الوحشية القذرة ، التي روعت العالم كله بمشاهدها الدموية، لو انه كان اعتذر عن المذبحة التي وقعت ، واعتبرناها قتلا للشعب المصري، عيني عينك، أي مع سبق الاصرار والترصد، و وعد مثلا بتقديم مرتكبيها للمحاكمة، لكنه لم يفعل..

بل حذر من الطعن في سلطة الجيش، وهو جيش مصر على عينا وراسنا، ان بقت مازالت فينا بعد الضرب رؤؤسا وعيونا، و حذّر من الطعن في عدالة ونزاهة حكمه العسكري..

ولو كان السيد العسكري العنيد الفخور الواثق من نفسه كما بدا لنا قال هذا الكلام في الميدان ، لكان المعتصمون في التحرير سخروا منه ، ومن كلامه، من شدة غيظهم وغضبهم، وثورتهم على كل رموز وأذيال وفلول وامتدادات حكم مبارك، بعد ان اصابهم واصيبت مصر كلها من جراء حكم العسكر بالاحباط، ولم يعد أحد في مصر الآن يأبه لتهديد او تحذير أو تلويح بهراوة أو عصا، وبعد أن مورست علي الانسان المصري كل أشكال الضرب والجلد ، والقتل والتعذيب، والقمع والتخويف والترهيب، لفترة تزيد على الثلاثين عاما من حكم مبارك ، ولم يتراجع ابدا ، أو تضعضعت أو انكسرت مقاومته..

والسؤال المطروح هنا هو : هل الجيش المصري كله طنطاوي، ومجلسه العسكري ؟ ..

كلا بالطبع. نحن لانطعن ولانجرؤ على انتقاد جيش مصر الوطني، غير ان العسكري الطنطاوي لايمثل الجيش المصري كله، بل يمثل " شريحة " و " عقلية " تريد ان تحافظ على ثرواتها وامتيازاتها ومكاسبها داخل الجيش، وبتنا لانعرف غرضها ومقصدها ، وحرنا في تفسير تصرفاتها، ويمكن كما يري البعض تودينا في داهية.
.

نحن نطعن في " عقلية " طنطاوي فقط، والمجلس العسكري الذي يمثله ، ولايريد احد بالطبع ان يشعلها حربا على جيش مصر الذي نحبه ، والنماذج المضيئة التي انجبها ، مثل أحمدعرابي وجمال عبد الناصروالشاذلي ، وهؤلاء الجنود المجهولون الذين عبروا بالبلاد الى النصر، و تتغنى مصر كلها في اغنياتها بانتصاراتهم، فجيشنا سوف يظل دوما وابدا حامي مصر البلاد، حفظه الله لمصرنا ووطننا..

غير ان الجيش المصري ليس كله المشير طنطاوي، ومجلسه العسكري التابع، الذي خذلنا واحبطنا ، وجعلنا نشد شعورنا من القرف والهم، والانتظار والغيظ، بسبب مماطلته، ومجلسه العسكري وحكوماته- حكومات حاضر يا افندم الهزلية مثل حكومة شرف الورقية، وتلؤكها في تنفيذ مطالب الثوار، وتحجيمها وتقييدها لتلك المطالب، وربطها بعجلة سلحفاة تتعثر في سيرها وتزحف، وتظل مراوحة في مكانها ، محلك سر..

ولم تنجح هذه "العقلية العسكرية" التي تحكمنا في ان يعود الى مصر امنها واستقرارها المأمول والمنتظر في أسرع وقت، ومرت شهور وشهور، تدهورت فيها أوضاع البلاد فقط ، وساءت أكثر، وعمت الفوضي ، وترك العسكر للبلطجية العبث بأمن الناس في الشوارع، وترويعهم بالسنج والمطاوي والسكاكين..

هذه "العقلية" العسكرية التي تتعامل مع الناس من فوق، وتتصرف براحتها وعلى مزاجها، وتنحاز الى حزب معين ، وتريد مصر كلها ان تسير ورائها ، وتمتثل لتوجهاتها واوامرها ، ثم تروح تلوح مهددة ، بان ايه انتقادات للجيش، الذي يعتبر نفسه فوق كل القوانين و الدساتيروحقوق الانسان المعمول بها في كل المعاهدات الدولية، سوف يحاسب صاحبها عليها ، ويكون هدفها - من وجهة نظر العسكري - اضعاف الجيش، واحداث " فتنة " في البلاد ، الى آخر الاتهامات الكاذبة الفالصو ، المعروفة يقينا للجميع..

هذه العقلية المرتبكة الصلبة الوعرة المتشددة الجامدة، هي العقلية العسكراتية التي نرفضها مع كل المعتصمين حاليا في ميدان التحرير ، ونريدها ان تتغير ، ولن نبرح يقينا الميدان ، الا بعد ان تسمح بتسليم السلطة لحكومة مدنية..

حكومة من حكماء ورجالات مصر الشرفاء المدنيين، الذين عرفناهم من مواقفهم مع الثورة القديمة ، و مواقفهم وتفهمهم لمطالبها التي لم تتحقق كلها بعد، و عرفناهم ايضا الآن من خلال تضامنهم مع "الثورة المصرية الجديدة "، التي تتخلق ملامحها حاليا في قلب الميدان
..

هذه "الثورة الجديدة " التي يصنعها شباب مصر الآن، مع كل المؤمنين بأننا بحاجة الآن في مصرربما الى عقلية اخري غير نلك العقلية العسكرية الجامدة الصلبة التي ماتزال تحكمنا و تتحكم فينا، ونعتبرها وعلى رأسها سيادة المشير طنطاوي، نعتبرها امتدادا لحكومة ونظام مبارك، بل اشد قمعا وقسوة وضراوة من حكومة مبارك، بايد قناصة مدربة على القتل والتصويب بالذات على العيون، وقد روعنا بدرجة أكبر عندما شاهدناه تلك العقلية العسكرية تمارس عنفها الانتقامي الوحشي على الشباب المسالم الاعزل، ويسحب ويجرجرضباطها وعساكرها جثث المتظاهرين الى مقلب للنفايات والزبالة ، وكأنها جثثا لحيوانات وقطط ميتة..

نريدها " عقلية "حكيمة رزينة، مدنية وحقوقية، تعمل على تطهير بلدنا من الفساد والاستبداد، والظلم والطغيان، وعلى ان يخرس "جهاز ماسبيرو" الاعلامي المرئي والى الابد ، وان يلقي به في بحر النيل العظيم، لتجعله يطفو الآن مع قاذوراته، وبذلك تقضي على الوباء - " التلفزيون المصري " - الذي ينشر سمومه الآن وفي كل لحظة في جسد مصر..

ومن دون هذه العقلية الحكيمة المدبرة، واسكات ذلك الجهاز الاعلامي المرئي الحكومي الرسمي الذي مازال يتحكم في عقول الناس ، ويعمل على توجيه وادارة الرأي العام ، فلن تتقدم مصر خطوة، ولن تعرف أمانا واستقرارا..

الشعب يريد " تطهير " البلاد.


صلاح هاشم


مختارات سينما إيزيس : صيادو العيون بقلم وائل عبد الفتاح

أسد التحرير " شباب الثورة ، لم يسلم من رصاص قناصة العيون هو الآخر.

مختارات سينما إيزيس


صيادو العيون في مواجهة الحقيقة


وجد شباب الثورة التي تولَد من جديد في مصر، وحوشاً أمنية، عقولهم مغسولة بوتيرة أقوى من غسل دماغ وحوش حبيب العادلي وحسني مبارك ربما. ظاهرة مصطادي العيون غير مسبوقة، لكن إرادة الثوار أيضاً غير مسبوقة


بقلم وائل عبد الفتاح


تقدّم العجوز إلى الصفوف الأمامية ووقف وسط شباب يدافعون ببسالة ضد محاولات احتلال الشرطة ميدان التحرير، ووجّه كلامه إلى الشباب: «أرجوكم عودوا إلى الصفوف الخلفية، نحن فقراء ولم نتعلّم، وإذا متنا فعلى الأقل سنطمئن إلى أن هذه البلاد ستجد من يفيدها. أمّا نحن، فليس لدينا إلا حياتنا نفيد بها البلد». اهتزّ الشباب بهذه الحكمة، وتناقلوها أثناء الهدنة الليلية التي توسّط فيها الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم، نصف المدني ونصف الأزهري، صاحب الخطاب القريب من «لاهوت التحرير». الهدنة كُسرت. جاء الخبر بعد الفجر بساعات قليلة. مَن كسر الهدنة الليلية؟ الشرطة عادت للضرب، لكنهم يسرّبون للشخصيات العامة أن الثوار كسروا الهدنة ويريدون اقتحام وزارة الداخلية، وهو ما اشترطت السلطات عدم حصوله لالتزام الهدنة.
هدنة؟ نعم، هي أجواء حرب كاملة: الضباط والعساكر بملابس جديدة، ميليشيات سوداء مدرَّبة في مواجهة طيف الثورة، شباب من كل التيارات السياسية، أغلبهم جيل عابر للتيارات، بينهم يسار وليبراليون ومدافعون عن الدولة المدنية، وسلفيون وإخوان أتوا بإراداتهم من دون مرجعيات تنظيمية. ماذا يريدون؟ يريدون نهاية حقيقية للدولة الأمنية التي يمثلها الآن كل من المجلس العسكري والشرطة. المجلس أعاد بناء جمهورية الخوف، وعطّل انتقال السلطة إلى المدنيين، ولم يتمِّم عمليات تطهير مؤسسات النظام، وأقام محاكمات عسكرية (١٢٠٠٠ يمثلون أمامها الآن) وفعّل قانون الطوارئ، وخطّط للوصاية على الدولة. أما الشرطة، فقد عادت بممارساتها التي كانت أهم أسباب ثورة 25 يناير، وقادت حرباً تأديبية على ثوّار ميدان التحرير بكل قوة نفسية لا تريد الانتقام فحسب، بل تسعى أيضاً إلى المشاركة في تركيبة الدولة الأمنية بعد التخلص من شريحة الوجوه المستهلكة في عصابة حسني مبارك.
العودة إلى نقطة الصفر إذاً. النظام الانتقالي هو بعناد مبارك، وجهازه القمعي شراسته زادت بعد استيعاب درس الثورة. الفوضى صنعها التدخل الأمني العنيف، في أول مواجهة بين المجتمع والشرطة وحدها من دون السند العسكري. الشرطة عادت إلى برنامجها القديم كاملاً، وهو ما مثّل نداءً إلى الثوار من جديد. عادوا ليجدوا القتلة أنفسهم، أضيف إليهم هذه المرة صائدو العيون. قنّاص العيون يفخر على موقعه في «الفايسبوك» بأنه ماهر وبارع. ماذا يقولون له كي يصوّب طلقاته إلى العين؟ هل أقنعوه بأن هذه هي طريقة الانتقام من «عيال التحرير»؟ هل قالوا له إن هذا هو الطريق الوحيد لحمايته وهو يمشي في الشارع؟ هل يعرف أنّ لكلّ من مالك مصطفى وأحمد حرارة وأحمد عبد الفتاح (3 شباب فقدوا أعينهم) القدرة على اللمعان في مجاله، لكنه اختار أن يشترك مع آخرين في حلم عمومي بالتغيير؟ هل يعرف أنهم يحلمون بدولة محترمة لا يُهان فيها أحد ولا يستخدم طموح أحد مثله لكي يستمر في الحكم؟ ماذا يقولون لمن يصوّبون مدافع القنابل أو بنادق الخرطوش؟ ما هي رسالة غسل الدماغ التي تجعل كل هؤلاء العسكر يواصلون قصف متظاهرين بأياديهم العارية في مواجهة دولة كاملة تنتقم من ثوار حطّموا «جمهورية الاستبداد»؟ دولة الاستبداد تدافع عن نفسها بعد هزيمتها الأولى في ١١ شباط، والتحالفات واضحة وأفرزت ميليشيات أمنية تقمع التظاهر بعد فشل كل فروع الشرطة في تحقيق الأمن. التحالف واضح مع ميليشيات إعلام تبث رسائل دعاية سوداء، تزرع الخوف في المجتمع وتنشر أكاذيب مضلَّلة هدفها الوحيد ترويض الشعب. إنها غازات سامة تنطلق من «ماسبيرو» لتدمِّر الضمير العام وتحوّل المتفرج إلى إنسان خامل يلعن في جلسته على الكنبة ضعفه وقلّة حيلته بالتعاطف مع الشرطة المسكينة التي تقتل المتظاهرين وتشرخ صدورهم وتخطف أعينهم لأنهم يدافعون عن أنفسهم بالحجارة. «ماسبيرو» و«لاظوغلي» (مقر وزارة الداخلية) قلاع الدولة الاستبدادية التي أعاد المجلس العسكري ترميمها لتكون في طليعة الدفاع عن المستبد إلى آخر رمق. لماذا يفعلون كل هذا؟ هل يتصوّرون أن الشعب الذي انطلقت روحه الثورية في الشوارع سيقبل الاستبداد مرة أخرى أو حق السير في شوارع بدون رعب من إهانات الضابط؟ هل يقولون للضابط صائد العيون إنه سيستعيد هيبته بتصفية العيون التي ترى الحقيقة وتسجّلها؟
لماذا استهدفت الشرطة المصوّرين؟ عيونهم تحديداً؟ إنها دلالة رمزية على الخوف من الحقيقة. الضابط يصطاد العين الصافية لكي يخفي جريمة كاملة لميليشيات الدفاع عن دولة الاستبداد. لمن تعمل هذه الميليشيات؟ هل هذا قرار غير معلَن من المجلس العسكري بتصفية الثوار وقتلهم وسحلهم في الميدان؟ أم أنه تعبير عن انقسامات في التعاطي مع الإصرار على الثورة؟ مجدداً، لماذا بنى المجلس ترساناته في «ماسبيرو» و«لاظوغلي»، بينما فشل في بناء أو إعادة بناء مؤسسات الاقتصاد والأمن والسياسة؟ إنها الخبرة الوحيدة لمجلس عسكري تربّى في دولة الاستبداد على أن الشعب وحش لا بد من ترويضه بمخدرات «ماسبيرو» وماكينة القمع في «لاظوغلي». هو أسلوب فشل في حماية مبارك، لكنه اليوم أكثر شراسة؛ لأن المضللين في «ماسبيرو» يعرفون أن هناك من سيحاسبهم، والقتلة في «لاظوغلي» يدركون أنهم لن ينجوا من المحاكمة. الحلف الخائف من الثورة ينشر العتمة، والثوار عيونهم صافية يرون أحلام مصر في دولة يعيش فيها الفرد بحرية وكرامة وعدالة. لا حل إذاً إلا بوقف العنف أولاً ومحاسبة المسؤولين بكل درجاتهم ورتبهم عن حفلات الرعب اليومية في ميدان التحرير، وهذه خطوة أولى تليها حزمة قرارات تخص تسليم السلطة في أسرع وقت وتغيير أسلوب إدارة المرحلة الانتقالية وتأليف لجنة لإعادة هيكلة الإعلام والشرطة. لم يعد هناك مجال لتفرُّد الدولة الاستبدادية بسطوتها، لأنه لم يعد هناك متَّسع لإخفاء الأحلام ومداراتها خجلاً من ظروف مصر الاستثنائية أو رعباً من آلة القتل والتعذيب والقمع. لم تنجح المحاكمات العسكرية، ولا الطوارئ، ولا مؤامرات الانفلات الأمني، ولا الفوضى المنظمة بأيد رسمية، ولا سيناريوات الفتنة الطائفية في بناء جمهورية الخوف من جديد، ولم يرجع الثوار رغم القتل والسحل واصطياد العيون الصافية ولا أمطار الغازات السامة التي تهطل قنابلها كل دقيقة. هذه رسالة إلى من يفهم: لا تراجع ولا استسلام.


عن جريدة " الأخبار" اللبنانية


الثلاثاء، نوفمبر 22، 2011

مختارات سينما إيزيس: اني أرى الملك عاريا بقلم علاء الأسواني

الاسواني في باريس بعدسة صلاح هاشم




مختارات سينما إيزيس


إنى أرى الملك عارياً!!
بقلم
علاء الأسواني

يحكى أن أحد الملوك خدعه خياط محتال وأقنعه بأنه سيصنع له ثوباً سحرياً عظيماً لا يراه إلا الحكماء. اقتنع الملك بمهارة الخياط المحتال وخرج على وزرائه عاريا تماما وقال لهم:

ــ انظروا.. ما رأيكم فى هذا الثوب السحرى الذى لا يراه إلا الحكماء؟!

بعض الوزراء خافوا من غضب الملك فقالوا:

ــ هذا ثوب عظيم يا مولاى.

وبعض الوزراء كانوا طامعين فى عطايا الملك فقالوا:

ــ يا مولانا لم نر فى حياتنا أجمل ولا أروع من هذا الثوب..

كان هناك طفل صغير فى القاعة قال ببراءة:

ــ أين هو الثوب الذى تتحدثون عنه؟! إنى أرى الملك عارياً.

حاول الوزراء إسكات الطفل بأى طريقة. لكزوه ووبخوه وهددوه لكنه ظل يصيح:

ــ إنى أرى الملك عاريا.

عندئذ ضربوه وأخرجوه من القاعة حتى يخلو لهم الجو مع الملك.

هذه الحكاية التى تناقلتها كتب التراث تحمل معانى كثيرة، فالوزراء الذين يخافون من بطش الملك أو يطمعون فى عطاياه يتظاهرون بأنهم يرون ثوبا وهميا ويتجاهلون الحقيقة الساطعة: أن الملك عار. أما الطفل البرىء فهو لا يريد شيئا ولا يخاف من شىء، لذلك يقول الحقيقة ويظل مخلصا لها حتى النهاية مهما يكن الثمن.. هذه الحكاية تتكرر الآن فى مصر. لقد قامت ثورة عظيمة خلعت حسنى مبارك وتولى المجلس العسكرى الحكم فى الفترة الانتقالية.

استطاع المجلس العسكرى، عبر مجموعة من القرارات، أن ينهك المصريين وأن يزرع الانقسام بين القوى الثورية، استطاع المجلس العسكرى أن يقرب إليه سياسيين وأحزاباً يخافون من بطشه أو يطمعون فى رضاه، حتى يصلوا إلى الحكم.. الوحيدون الذين ظلوا أوفياء للثورة هم شباب الثورة الذين دعوا إليها ودفعوا من دمائهم ثمن الحرية. هؤلاء الثوريون الحقيقيون يشبهون ذلك الطفل الشجاع الذى واجه الملك العارى بالحقيقة. إن ملايين المصريين الذين نزلوا فى الشوارع وواجهوا الموت وقدموا الشهداء ليست لهم مطامع سياسية ولايريدون شيئا سوى أن يروا بلادهم حرة وقوية ومحترمة. إن هؤلاء الثوار يمثلون أنبل ما فى مصر.

أكتب هذا المقال من فرنسا حيث جئت لتقديم النسخة الفرنسية من كتابى عن الثورة المصرية. عقدت ندوات فى باريس وليون ومرسيليا، وفى كل مكان ذهبت إليه، وجدت الفرنسيين مبهورين بالثورة المصرية العظيمة. سمعت الفرنسيين أكثر من مرة يقولون إن شباب الثورة المصرية ألهموا العالم كله حتى إن تأثير ميدان التحرير قد انتقل إلى الحركات الاحتجاجية فى كل أنحاء الدنيا. بقدر ما أحسست بالزهو كمصرى، أصابنى الحزن عندما جاءت الأنباء بأن مذبحة جديدة يتعرض لها المتظاهرون فى ميدان التحرير. ماذا فعل المتظاهرون السلميون حتى يتم قمعهم بهذه الوحشية؟!

هل يعطى المجلس العسكرى الفرصة لقيادات وزارة الداخلية حتى ينتقموا من شباب الثورة؟ هل يمكن فى أى بلد فى العالم أن يتم قتل المواطنين وإطلاق الرصاص فى أعينهم ليفقدوا أبصارهم، لمجرد أنهم يعبرون عن رأيهم بطريقة سلمية؟ هذه جرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولى، ولن يفلت المجرمون الذين ارتكبوها من العقاب أبدا. إن المذبحة الجديدة التى ارتكبتها قوات الأمن بأمر من المجلس العسكرى إنما تكشف الحقيقة كاملة. واجبنا الآن أن نرى الأشياء على حقيقتها بلا مجاملة ولا تغطية. حقيقة ما يحدث فى مصر تتلخص فى الآتى:

أولاً: المجلس العسكرى كان جزءاً أساسياً من نظام مبارك وكان متوافقا معه إلى أقصى حد. لم نسمع قط أن المشير طنطاوى ورجاله قد اعترضوا على استبداد مبارك وجرائمه، ولم نسمع أنهم راجعوا مبارك فى أى قرار اتخذه. المجلس العسكرى لم يشترك فى الثورة بل إنه فى موقعة الجمل قد ترك البلطجية المسلحين يقتلون الثوار ولم يتدخل لحمايتهم. صحيح أن المجلس العسكرى رفض إطلاق النار على المتظاهرين وهذا موقف وطنى وأخلاقى يحسب له قطعاً (وإن كان المشير طنطاوى قد عاد وأنكر أنه تلقى أوامر من مبارك بقتل المتظاهرين).

يجب أن يكون واضحا للجميع أن الثورة هى التى منحت المجلس العسكرى شرعية الحكم خلال الفترة الانتقالية، بعد أن أجبر الثوار مبارك على ترك السلطة، ارتضوا بكامل إرادتهم أن يكون المجلس العسكرى وكيلاً للثورة ليعمل على تحقيق أهدافها. لكن المجلس العسكرى تحول، بكل أسف، من وكيل للثورة إلى سلطة استبدادية فرضت على مصر قرارات وسياسات أدت إلى تعطيل الثورة وإخراجها عن مسارها واحتفظت بالنظام القديم ومكنته من الانقضاض على الثورة.

ثانياً: المجلس العسكرى يحكم مصر حكماً مطلقاً، لأنه يجمع فى يده السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبالتالى فهو المسؤول الوحيد عن كل ما حدث فى مصر بعد تنحى مبارك. الثورة غير مسؤولة إطلاقا عن أى أزمات تحدث الآن لأن الثورة ببساطة لم تتول السلطة حتى تتحمل المسؤولية.. الانفلات الأمنى وانتشار البلطجة وارتفاع الأسعار وتدهور الاقتصاد وتراجع السياحة.. كل هذه مشكلات ناتجة عن قرارات خاطئة اتخذها المجلس العسكرى، الذى يجب عليه الآن أن يسارع بتشكيل حكومة ائتلافية من القوى الثورية، تتولى تسيير الأمور حتى تأتى الانتخابات بسلطة مدنية منتخبة.

ثالثا: بينما يتبنى المجلس العسكرى سياسة قمعية عنيفة ضد الثوار نجده فى نفس الوقت رقيقاً وحنوناً إلى أقصى درجة مع كل المنتمين إلى نظام مبارك، ومعظمهم من كبار القتلة والمجرمين واللصوص.. فالضباط الذين قتلوا مئات الشهداء وأصابوا آلاف المصريين خلال الثورة والوزير السفاح حبيب العادلى بل حسنى مبارك نفسه، كل هؤلاء ينعمون بمحاكمات عادلة أمام قاضيهم الطبيعى، يتمتعون خلالها بالحصانات الكاملة وأفضل أنواع الرعاية القانونية والطبية، وبالمقابل يصر المجلس العسكرى على احالة شباب الثورة إلى محاكمات عسكرية بتهم ملفقة ويلقى بهم فى السجن الحربى.

إن إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية مخالف لأبسط قواعد العدالة، وهو ينتهك حقوق الإنسان ويناقض المعاهدات الدولية التى وقّعت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة. لكن المجلس العسكرى يصر على إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى، وكأنه يريد أن يحتفظ فى يده بسلاح قمعى جديد يضاف إلى جهاز أمن الدولة الذى لا يزال يعمل بنفس الأسلوب، وإن تغير اسمه إلى الأمن الوطنى.

رابعاً: المجلس العسكرى لا يرى الفرق بين النظام والدولة، وبالتالى فهو يعتبر إسقاط النظام القديم هدماً للدولة المصرية. هذا المفهوم المختلط هو الذى يفسر دفاع المجلس العسكرى المستميت عن نظام مبارك الذى لايزال قابعا على رأس السلطة فى مصر. لقد رفض المجلس العسكرى تطهير الشرطة من القيادات الفاسدة ورفض تطهير القضاء من القضاة المزورين، ورفض حل المجالس المحلية إلا بعد صدور حكم قضائى، ورفض حل الحزب الوطنى، وبعد أن صدر الحكم بحله سمح المجلس العسكرى لأعضاء الحزب الوطنى المنحل بتشكيل أحزاب جديدة ليدخلوا إلى البرلمان.

بعد عشرة شهور على الثورة لايزال معظم المسؤولين فى الدولة ينتمون قلبا وقالبا إلى نظام مبارك، وبقاؤهم فى السلطة يشكل خطراً داهما على الثورة وعلى مصر كلها. معظم الأزمات التى تحدث الآن مفتعلة ومدبرة من فلول نظام مبارك الذين يريدون إشاعة الفوضى وتعطيل التغيير الذى سيؤدى بهم إلى فقدان مناصبهم ومحاكمتهم بل إلقاء معظمهم فى السجن.

خامساً: المجلس العسكرى فى تعامله مع القوى السياسية ليس محايداً ولا منصفاً، لكنه يطبق القواعد على البعض ويغفل تطبيقها على البعض الآخر. المجلس العسكرى يراقب بصرامة مصادر تمويل ائتلافات شباب الثورة ومنظمات المجتمع المدنى، وقد اتهم اللواء الروينى، عضو المجلس العسكرى، الشبان الوطنيين من أعضاء حركة ٦ أبريل باتهامات فارغة، عجز عن إثباتها، ورفض حتى أن يعتذر عنها..

فى نفس الوقت فإن ملايين الجنيهات التى ينفقها الإخوان والسلفيون كل يوم من أجل الدعاية الانتخابية تمر أمام أعين أعضاء المجلس العسكرى، فلا يتوقفون أبدا ليسألوا من أين تأتى هذه الأموال. السلفيون والإخوان، لسبب ما ستكشف عنه الأيام، مقربون من المجلس العسكرى، فهو يغض الطرف عن مصادر تمويلهم، بينما يناصب شباب الثورة العداء ويسعى إلى تشويه صورتهم عن طريق الإعلام الحكومى الذى لايزال على تضليله ونفاقه، كما كان فى عهد مبارك.. هذا التربص من قبل المجلس العسكرى بالثوريين لا تفسير له إلا أنهم يواجهونه بالحقيقة، لا ينافقونه ولا يخافون منه ولا يقبلون التنازل عن أهداف الثورة مهما يكن الثمن.

سادساً: المجلس العسكرى أهدر كرامة المصريين وقمعهم وضربهم وقتلهم وهتك أعراضهم، مراراً وتكراراً، سواء عن طريق الشرطة العسكرية أو قوات الأمن.

وبعد كل جريمة يتم ارتكابها فى حق المتظاهرين السلميين يقوم المجلس العسكرى بإجراء تحقيقات فى القضاء العسكرى، فيصبح هو الخصم والحكم فى الوقت نفسه، مما يفقد التحقيقات مصداقيتها، وفى الوقت نفسه يتم دفن هذه التحقيقات، فلا نعرف عنها شيئا. من الذى قتل المتظاهرين ومن الذى هتك أعراض المتظاهرات، بدعوى إجراء كشف العذرية المهين؟ وما هى العقوبة التى تم توقيعها على هؤلاء المجرمين؟! لا شىء. وبالتالى من حق المصريين أن يفقدوا الثقة تماما فى عدالة المجلس العسكرى.

ما يحدث فى مصر أصبح جلياً واضحاً. إن المجلس العسكرى يتبع سياسات ستؤدى فى النهاية إلى إعادة إنتاج نظام مبارك ولكن بدون مبارك وأسرته. بدلا من هدم النظام الفاسد وبناء نظام جديد عادل ومحترم، فإن المجلس العسكرى يستبقى النظام القديم ويريد أن يقتصر التغيير على إقالة مبارك.

إن إجهاض الثورة المصرية وتحويلها إلى مجرد انقلاب قد تم تنفيذه على عدة مراحل، بدءاً من تعديل الدستور القديم، بدلا من كتابة دستور جديد ثم الاستفتاء، الذى أدى إلى انقسام قوى الثورة، ثم تشويه سمعة شباب الثورة والضغط على المواطن المصرى بأزمات مفتعلة، حتى يتم إنهاكه، فيكره الثورة ويقبل كل ما يفرض عليه، وأخيرا المذابح المتكررة من أجل قمع الثوريين وإرجاعهم إلى ما قبل قيام الثورة.

على أن الذى لم يفهمه المجلس العسكرى أن المصريين بعد الثورة قد تحرروا من الخوف وأنهم لن يذعنوا للظلم أبدا.. واجبنا الآن أن نتوحد جميعا حتى ننقذ الثورة. لابد من تأجيل كل الخلافات السياسية حتى نعود صفاً واحداً ونضغط على المجلس العسكرى ليشكل حكومة ائتلافية ثورية محترمة تتولى الحكم، حتى يتم انتخاب سلطة مدنية تتسلم السلطة من الجيش. مصر لن ترجع إلى الوراء.

الديمقراطية هى الحل


عن جريدة " المصري اليوم " بتاريخ

22 نوفمبر 2011