الأربعاء، مايو 22، 2013

كل هذا " الجمال الكبير " في مهرجان كان 66 بقلم صلاح هاشم



كل هذا الجمال الكبير في مهرجان كان 66 






        مهرجان " كان " 66 :  سحر الضوء وكيمياء النور ( 1 من 2)
               أحقا كان مهرجان " كان " 66 موعدا مع السعادة ؟
 فيلم " الجمال الكبير " للايطالي باولو سارانتينو: سيمفونية سينمائية وتشريح لمدينة
 
كان . فرنسا. من صلاح هاشم 

          
من حقنا الآن وبعد مرور اسبوع من  بداية المهرجان الذي انطلق في 15 ويستمر حتى 26 مايو أن نتساءل إن كان مهرجان " كان " 66  كان  وعن حق موعدا مع السعادة ؟ موعد مع السعادة بسحر تلك السينما التي تشجينا وتستحوذ على كل مقدراتنا في التو في اللحظة، ثم تروح تحلق بنا عاليا في سماوات الحلم والواقع والخيال، وتجعلنا نتحول الى سحابة. سحابة مسكونة بحب الحياة والسينما والناس ، فنتصالح مع أنفسنا والعالم وكل المخلوقات ونحب العالم والسينما أكثر وأكثر، والى مالانهاية . لكن  من حقنا أولا أن نتساءل عما كنا نبحث  ياترى في " كان "  66 ؟.كنا نبحث أولا عن  الـ " سينما "  الفن في تلك الأفلام التي شاهدناها في المهرجان ، ونجح بعضها في أن يقدم لنا هذه السينما التي نريد من دون جعجعة او ثرثرة. هذه السينما الخالصة – الكتابة بالضوء- التي تقطر عذوبة ، ولاتوجد لها أولسرها "وصفة " سحرية أو " طريقة إستعمال " تجعلها تتحقق في التو كما في فيلم " الجمال الكبير " للايطالي سورانتينو.كنا نبحث في تلك الأفلام عن هذه "الكيمياء" العجيبة التي تحول الحجرالجامد الى قطع من الماس والانفاس على طريق حياتنا الصاعد الى الجبل فتجعلنا نتصالح مع أنفسنا والعالم .كنا نبحث يقينا عن تلك "العذوبة الهشة" التي قد تعبر أو تمر مثل طيف ، وبها قدر كبير من الروحانية والصوفية. كنا نتساءل هذه المرة وفي كل مرة كيف يمكن أن يتحقق  للسينما هذا السحر حتى وهي تناقش مشاكل حياتنا. كيف يتحقق لها ذلك السحروهى تطرح علينا قضايا عصرنا ومشكلات الوجود الكبرى و" تفلسف " حياتنا في الآن اللحظة ولاجدال إذن في أن المهرجان أتحفنا في دورته 66 هذه بمجموعة من الأفلام المتميزة التي نضع في مقدمتها فيلم " الجمال الكبير"  LA Grande BEAUTE أو GREAT BEAUTY للمخرج الايطالي الكبير باولو سورنتينو ..


 انه " تحفة " سينمائية بكل المقاييس  فقد وجدنا فيه تلك السينما التي كنا نبحث عنها وتحكي عن حياتنا وزمننا وعصرنا ولاتخلو من ابداع وجمال وسحر، وقد كانت مشاهدة هذا الفيلم موعدا مع السعادة وعن حق في المهرجان.إذ يحكي عن حياة كاتب ايطالي  كبير تجاوز الخمسين أو الستين من عمره ، وهو أعزب ويعيش  بمفرده وفي صحبة خادمة فقط يعيش في شقة كبيرة على سطح احدي البنايات العالية التي تطل على أثر جميل من تلك الآثار الاركيولوجية التاريخية الرائعة لتي يتدفق السياح على مشاهدتها في العاصمة الايطالية  روما والجميل ان أحد السياح اليابانيين يموت فجأة في بداية الفيلم وهو يشاهد ذلك الأثر، يموت بالسكتة القلبية  من فرط جمال ذلك الأثر ومن فرط ذلك الجمال والسحر اللذان ينسكبان في الفيلم مع حركة الكاميرا التي تدور وتتأمل في جمال الأثر وكأن المخرج الايطالي يريد أن يقول لنا أن ..من الجمال ما قتل. ويجعلنا ذلك الكاتب في الفيلم نصطحبه في ترحاله وتجواله في شوارع مدينة روما وملاهيها ومراقصها وقصورها وحفلات الطبقات الارستقراطية وسهراتها التي تمتد الى الصباح الباكر وتضم أجناسا وأنماطا عجيبة غريبة من البشرويتيح لنا هكذا لنا فرصة الالتقاء بهم والتعرف على عوالمهم وجنونهم وأفكارهم بل وحتى اطفالهم ، ولذلك يبدو لنا الفيلم بقدر ما يقدم تشريحا للبرجوازية الايطالية ، يبدو لنا أيضا كما لو كان تشريحا لمدينة. كما انه يجعلنا نتذكر  من خلال تجوال ذلك الكاتب في مدينة روما ، نتذكر في التو فيلم " الحياة الحلوة " LA DOLCE VITA للمخرج الايطالي الكبير فردريكو فيلليني ، وشخصية ذلك االصحفي  - الذي لعب دوره في الفيلم الممثل الايطالي الكبير الراحل مارشيلو ماستروياني - المنغمس في الحياة الحلوة  في روما  في فترة الخمسينيات وملذاتها وهو يبحث عن معنى لحياته وعصره .كمايجعلنانتذكر أيضا فيلم " ثمانية ونصف "لنفس المخرج




وفي فيلم" الجمال الكبير "  إحالات ASSOCIATIONS من ها النوع، ليس فقط  الى أفلام فيلليني، بل الى جملة من أفلام المخرجين الايطاليين الكبار الذين وضعوا بصمتهم على تاريخ السينما الايطالية وقدموا عبرأفلامهم أجواء الحياة الايطالية  وذاكرتها ومناخاتها.فيلم " الجمال الكبير " بدا لنا كما لو كان بقصته وتركيبته الفنية وشخصياته وروحه نسخة من فيلم " الحياة الحلوة " لسنة 2013 وكأن الكاتب العجوز في الفيلم الجديد هو الصحفي الشاب الذي تعرفنا عليه في فيلم " الحياة الحلوة " لفيلليني ولعب دوره ماستروياني لكن بعد أن كبر وشاخ ، وهاهو وقد اقترب من الموت يتذكر أيام حياته " الحلوة " التي مضت ، وذكريات أول حب ، وتلك الرواية التي كانت نشرت له منذ 17 سنة وحققت له شهرته وتجعله عازف عن كتابة أية رواية الآن ، يتذكر كل ذلك في نوع من نوستاجيا الحنين اللذيذة .ويحيل الفيلم الى كتاب وأدباء مثل سيلين وفلوبير ومارسيل بروست و اتجاه تيار اللاوعي عند جيمس جويس في الرواية الحديثة من ناحية تداعي الذكريات في الفيلم ، بل أن الفيلم يبدأ  بكلمة مأخوذة عن رواية " رحلة الى نهاية الليل " للأديب الفرنسي سيلين يقول فيها مامعناه أن الحياة هى مجرد لحظات قليلة من السعادة التي نصنعها بمحض خيالنا في الحاضر، ومن خلال اصطحابنا لذلك الكاتب في رحلته وذكرياته في مدينة روما اليوم وعوالمها وأناسها، نكتشف نحن أيضا أنفسنا ، ونفلسف وجودنا الحي،  ونسأل إن كانت الحياة جديرة حقا بأن تعاش فقط الآن وفي اللحظة وما جدوى الكتابة  لأنه من يقرأ الآن ومن يسمع ونحن نشهد كل تلك التحولات الكبري في حياتنا وعصرنا،  وهي رحلة تنويرية ان صح التعبير
رحلة عبر الفيلم مع كاتب عجوزلايريد أن يكتب، لكى تخرج بنا في النهاية من نفق اللاشييء والعدم الى النور. أجل قد لاتساوى الحياة شيئا ، لكن لاشييء يمكن أن يساوي الحياة..



فيلم " الجمال الكبير" كان في " كان 66 " موعدا بحق مع السعادة  لأنه فيلم صوفي روحاني يبحث في معاني الحياة والوجود وتلك الروحانية التي لامعنى لحياتنا بونها ويجعلها هنا في الفيلم حاجة وضرورة من خلال سيمفونية سينمائية موسيقية تتضافر فيها كل العناصر الفنية من تصوير وادارة ممثلين ومونتاج واخراج لتخلق كلية فنية شمولية تصبح في التو أكبر منا وقبل أن نخطو خلف واجهة الحياة الى اللاشييء والموت والعدم .. ونرشح هنا " الجمال الكبير "  للحصول على جائزة الاخراج ضمن أفلام المسابقة التي تتنافس على الفوز بالسعفة الذهبية، فهو " عصير جمال " بفتح الجيم ، وعصير فن، وعصير موسيقى،  والأهم من ذك كله "عصير فكر" مصفى ، وتحية  HOMMAGE الى" جمال مدينة روما الساحق" الذي يذهب بالعقل واستعرضه لنا باولو بفنه، و تحية أيضا الى ذلك المخرج الايطالي العبقري فيلليني الذي اخترع لنا وللعالم طفولة متوسطية حافلة بالاثارة والشقاوة والسحر..وتحية الى السينما الايطالية التي صنعتنا وذلك التراث السينمائي الرائع الذي حققته ليس للشعب الايطالي وحده فقط ، بل للانسانية جمعاء ..


ليست هناك تعليقات: