الأحد، سبتمبر 30، 2007

عطر..قصة حياة قاتل.شريف حتاتة





عطر .. قصة حياة قاتل

شريف حتاتة

توقفت في الصالة الرخامية اللامعة أمام الإعلان المثبت على عامود . كرهت أفلام القتل, والعنف تحتل شاشاتنا منذ سنين , فترددت . لكن جذبني إليه التناقض في عنوان الفيلم , وكوني أعرف أنه مبني على رواية الكاتب الألماني المعروف "باتريك زوسكيند" الصادرة سنة 1985
بعد قليل وجدت نفسي جالساً في الظلام , أتطلع إلى المشاهد الأولى في فيلم "العطر", وأستمع إلى تقدمة الراوي "جون هيرت" لأستغرق بعدها في العرض الذي يحكي قصة شخصية خيالية تُدعى "جان باتسيت جرينوي ". صانع عطور عاش في فرنسا في أواسط القرن الثامن عشر ( قام بدوره الممثل الإنجليزي "بينيدكت ويشاو") اشتهر بأنه منذ ولادته كان يتمتع بقدرة خارقة على إلتقاط مختلف الروائح , ومعرفة أنواعها , ومصادرها , والفروق بينها مهما كانت دقيقة . وقد تمكن هذا الشاب الصامت دائماً من إختراع عدد كبير من العطور لاقت نجاحاً مشهوداً بين نساء الأسر الغنية في "باريس" , وهذا أثناء عمله مساعداً لصانع عطور إيطالي اسمه "جوسيبي بالديني " كان يمتلك وكالة لبيعها ( قام بدوره الممثل الأمريكي المشهور "داستين هوفمان" )
لكن قبل أن يلتحق بعمله مع "بالديني" يقع لـ"جان باتسيت" حادث مؤلم يعجز عن نسيانه, ويُولد عنده رغبة طاغية تتحول إلى حلم مجنون في أن يتمكن من عزل العناصر الأساسية التي تتكون منها رائحة الانسان ثم حفظها. لذلك يترك عمله مع "بالديني" بعد أن تعلم منه بعض أسرار المهنة وإقتنع بقوله أن العبقرية والنجاح لا يعتمدان على الموهبة وحدها , وإنما أيضاً على الصبر والجهد الطويل
ينتقل "جان باتيست" من "باربيس" إلى مدينة "جراس " المعروفة بتملك تجارها أسرار تقطير العطور . هناك أثناء عمله في أحد المعامل يكتسب ثقة المرأة التي تقوم بإدارته نتيجة حذقه وحساسيته في التعامل مع الورود والزهور أثناء إعدادها لتقطير العطر . هكذا تمكنه من الإنفراد "بالبدرون" الواسع أثناء ساعات الليل ليقوم بتجاربه الخاصة تدفعه للقيام بها رغبته المهووسة في أن يستعيد رائحة الفتاة التي انجذب إلي رائحتها وتتبعها في سوق " باريس " أثناء فترة سابقة عمل فيها صبياً في دبغ الجلود
يقوده هذا الدافع الملح إلى التورط في القيام بتجارب مروعة , غير عابيء بأية موانع أو أخطار , إلى القيام بقتل أعداد من النساء الشابات وتقطير رائحتهن بغية الوصول إلى الرائحة الوحيدة التي أحبها , والتي أخرجته من قبح حياته وبؤسها في معمل لدبغ الجلود , من عفن الروائح التي كانت تُحيط به في النهار والليل
أثناء هذه التجارب كان يغطي جثة الضحية بطبقة من الدهن الحيواني ويلفها بإحكام في ثوب من التيل السميك , ثم عندما ينتهي من كل هذا يقشط طبقة الدهن التي غطى بها الجثة ويقوم بتقطيره . فقد اكتشف أنه بهذه الوسيلة يستطيع أن يصل إلى استخراج الرائحة التي يبحث عنها وحفظها في قنينة صغيرة كانت هذه الخطوات تشبه في بعض تفاصيلها عمليات تحنيط الأموات التي لجأ إليها الفراعنة لحفظ الجثث بعد الوفاة . فعندما كان يعمل معاوناً لتاجر العطور "بالديني" قال له إن الفراعنة تمكنوا من استخراج ثلاثة عشرة رائحة , منها اثنتى عشرة رائحة أمكنهم تحديدها , ومعرفة خصائصها . أما العنصر الثالث عشر , فلم يستطع أحد الوصول إليه رغم أنه كان أهمهم . ذلك أن أثره كان يسيطر على الناس ويصيبهم بنشوة غريبة . فظل هذا العنصر أسطورة عجزوا عن التعرف عليها
تمكن "جان باتيست " من قتل إثنتي عشر إمرأة وحفظ رائحة أجسادهن في عدد مساو من القنينات الزجاجية الصغيرة دون أن يعثر على رائحة فتاته . وحتى يصل إليها كان لابد له من قتل ضحيته الثالثة عشرة. وهى أجمل فتيات مدينة "جراس" , وابنة أكثر تجار العطور ثراءاً ونفوذاً . كما أنها كانت تشبه في ملامحها الطفولية الرقيقة وشعرها الأحمر المشتعل حول رأسها فتاة السوق التي لم يستطع أن ينساها خيال له معانيه
الاستمتاع بالأعمال الفنية , وتفسيرها عملية ذاتية , تتأثر بثقافة وشخصية المشاهد أو القاريء . لقد استمتعت بهذا الفيلم , وبالمعاني التي رأيتها فيه رغم كل الغرابة التي اتسم بها. رأيت فيه عملاً فنياً يعتمد على الفانتازيا , وعلى خيال غير عادي . مع ذلك لم يكن هذا الخيال مفصولاً عن نواحي من الواقع الذي نعيشه . كان يرمز إليها في مواضع, ومشاهد كثيرة . موضوعه الأساسي هو روائح الحياة , الجميلة منها والكريهة , أو بالأحرى رائحة الحياة نفسها التي تظل أقوى , و أجمل من أي رائحة آخرى تنبعث من العالم الذي نعيش فيه. فالحياة نفسها ورغبتنا فيها تفوق كل ما عداها في جاذبيتها , وفي تأثيرها علينا . لذلك نصارع للإحتفاظ بها , وبكل ما فيها من حيوية , وتنوع , وثراء يُغرينا . نقاتل للحفاظ عليها , بل نحن على استعداد للقتل من أجل استمرارها
نجح المخرج الألماني " توم تيكفير " في الاستحواذ على اهتمام المشاهد , وتركيزه طوال الفيلم من الإحتفاظ بوتيرة التوتر , والتوقع أمام ما هو حادث , وأمام احتمالات ما قد يحدث دون أن يعرض مشاهد القتل أو الدماء وهى تراق . نجح في تحويل القبح الذي كان سائداً في "باريس" منذ ثلثمائة عام إلى شيء جميل , بأسلوب عرضه للفقراء من الرجال والنساء والأطفال الذين اكتظت بهم شوارع وأحياء المدينة , ليرقات الحشرات تزحف في السوق بالملايين , لأحشاء الحيوانات الملقاة على الأرض وفي السلال , للأجسام المتقيحة للبشر تلفها الأثمال , لجثث النساء الشابات بعد وفاتها , لمدينة تنضح بالعفونة والقذارة . ذلك أن تصوير القبح يُمكن أن يكون له جماله
شارك "توم تيكفير " أيضاً في كتابة السيناريو وفي تأليف الموسيقى التصويرية الذي قامت بتأديته فرق موسيقية ذات مستوى رفيع مثل فرقة "برلين الموسيقية " وفرقة "برشلونة"
في رأيي أن الفيلم كان يرمز بطريقة عميقة لتمسك الإنسان المبدع بالحياة , بالأشياء التي يحبها وبالسعي إلى تحقيقها. تجسد هذا في مشهد ولادته داخل سوق السمك حيث ألقت أمه, بائعة السمك , بطفلها الوليد "جان باتسيت" وسط الرؤوس المقطوعة والأحشاء المتناثرة للسمك فيصرخ بقوة رافضاً الموت, ونرى جسده الشاحب الصغير المغطى بالدم يتحرك وسط الفضلات , ونرى عينيه ترتفع عنهما جفونه المثقلة بالمسموم المحيط به . إنه يعلن عن استمساكه بالحياة بينما تتركه الأم ليموت , كما تركت غيره من أطفالها , فيمسك بها الناس , ويقودونها إلى المشنقة بتهمة القتل . هكذا تنتهي حياتها ليعيش هو , وليباع إلى إمرأة تدير ملجأ للأطفال اليتامى . وفي الملجأ نشاهد قدرته على الإفلات من عدوان الصبية الآخرين معتمداً على حاسة الشم الحيوانية الخارقة التي وهبتها له الطبيعة . إنه يتشمم مواضع الخطر ويتفاداها إلى أن يشب ويصبح صبياً فارعاً , فتقوم مديرة الملجأ ببيعه إلى رجل جسده عملاق, ونفسه محقونة بالقسوة , رجل مهنته دبغ الجلود والمتاجرة فيها . هكذا ينتقل "جان باتيست" ليحيا وسط الروائح الكريهة للجلود , ضحية لأقسى أنواع العقاب والعذاب , والضرب المبرح بقضيب من الحديد على جسمه النحيل . أما مديرة الملجأ فتقوم عصابة من اللصوص بذبحها والاستيلاء على النقود التي حصلت عليه مقابل بيعها له
يلف "جان باتيست" نفسه في الصمت ويتحمل , لكن في أحد الأيام يصطحبه العملاق إلى "باريس " حيث يسعى لبيع الجلود في السوق . وهناك أثناء سيره في المدينة تجتذبه رائحة فتاة ذات ملامح جميلة وهالة من الشعر الأحمر . تحمل سلة من البرقوق تقوم ببيعها فيتتبعها إلى ميدان صغير مهجور سائراً ورائها في الحواري , ليقترب منها ويحاول أن يستنشق رائحتها . لكنه أثناء محاولاته يسمع خطوات أحد المارة فيضع يده على فمها حتى يمنعها من الصراخ والاستنجاد بمن قد يؤذيه . بعد أن تبتعد الخطوات يتركها ليكتشف أنها اختنقت وفارقت الحياة فيتهاوى فوقها , ويتشمم جسدها وهى راقدة على الأرض ليحمل رائحتها معه ذكرى لا يريد أن ينساها
في هذه الأثناء يبحث عنه تاجر الجلود , وعندما يعثر عليه ينهال عليه ضرباً بقضيب من الحديد حتى يفقد وعيه . عندما يعود إلى اليقظة تبرق عيناه كأنه تنبه إلى شيء مهم وينطق بجملة معناها أنه أخيراً اكتشف مشروع حياته . منذ الآن سيسعى إلى استعادة رائحة الفتاة التي لم يعد قادراً على نسيانها . كانت لحظة الجمال والضوء , ولحظة رائحة الحياة الجميلة الوحيدة التي عرفها منذ أن ولد . يصبح فاقد الإحساس بكل ما يدور من حوله , صامتاً تماماً , عاجزا عن الإهتمام بكل شيء سوى البحث المحموم عن ذكرى استحوذت على حياته , واستولت على خياله , عن سر يستطيع أن يقوده إلى مقدرة الإحتفاظ برائحة الجسم الانساني , برائحة جسم المرأة الشابة التي التقى بها وسط مستنقع القبح والقسوة والمعناة الذي عاش فيه
في اليوم التالي يحمل لفة من الجلود إلى تاجر العطور الإيطالي "جويسبي بالديني" تنفيذا لأوامر صاحب مدبغة الجلود . هناك يكتشف التاجر مقدرته الفذة على اكتشاف العناصر المكونة للعطور عن طريق حاسة الشم التي تمتع بها , ومن بينها عطر جديد اسمه " الحب والروح" صنعه منافس له , فيوافق على الإستفادة من قدراته كمساعد , أما صاحب مدبغة الجلود فأثناء سيره على حافة قناة للمياة وهو ثمل يسقط فيها ويغرق في المياه
خلال الفترة التي يعمل فيها مع تاجر العطور "بالديني " يتمكن "جان باتيست" من استنباط عدد كبير من العطور الجديدة التي تباع للنساء المنتميات للأسر الأرستقراطية الثرية فتروج تجارة "بالديني" بعد أن أوشك على الإفلاس . أما "جان باتسيت " فيتعلم من خبرات الرجل ويستوعبها . لذلك يقرر مغادرة "باريس " والذهاب إلى مدينة "جراس " حيث يوجد أشهر صناعة عطور في فرنسا حتى يواصل البحث في تقطير وحفظ رائحة الجسد الإنساني . لكن يوم أن يترك وكالة "بالديني " تنهار البناية التي يقيم فيها الرجل وهو راقد في سريره ويموت تحت الأنقاض . هكذا تقترن كل مرحلة في حياة "جان باتيست " بموت الشخص رجلاً كان أو إمرأة الذي كان عقبة تقف دون مواصلة مشروعه وكأن الفيلم يقول أنه لا جديد إلا بموت القديم , أنه لا يوجد طريقة للإكتشاف , للإبداع , لتحقيق مشروع له قيمة سوى بزوال العقبات والقوى المعطلة للتقدم التي تُصر على ممارسة القهر , واستيلاب الانسان المتطلع إلى تحقيق أحلام الغد
هكذا يتعرف "جان باتيست" على الطريق الذي يجب أن يسلكه لتحقيق مشروع حياته . لكن أثناء السير إلى "جراس" يدخل إلى كهف ليتسريح من مشقة المشي , وهناك يشعر بجو من السكينة والهدوء بعيداً عن المعاناة والقهر, بأن التأمل في جو من الهدوء فيه متعة لم يعهدها . يسقط في النوم وأثناءه يرى الفتاة بائعة البرقوق في حلمه . أما هى فلا تراه رغم وقوفه أمامها. عندما يستقيظ يكتشف أن جسده بلا رائحة فيحس بالفناء , ويدرك أنه لابد من مواصلة مشروعه , من أن يحيا وسط الناس فينفض عن نفسه جو الخمول الذي استولى عليه ويخرج من الكهف , من العزلة في بطن الجبل ليستأنف مسيرته
إن المعرفة التي حصل عليها لم تكن لتتحقق بسهولة . كان لابد أن يمر بتجارب مختلفة فيها قسوة , أن يشك , أن يعاني فوضى البحث وسط غيوم تعترض رؤيته , أن يُدرك معنى الإخلاص لهدف واحد , وأن يزيح عن طريقه كل الموانع , والعواطف , والعلاقات التي تعرقل مسيرته
انتصار مسيح الحب
هذا ما أوحى به إليّ فيلم "عطر" تم هذا بأسلوب فيه خيال قاس وشذوذ غير مألوف . مع ذلك حدثني عن الحب , عن الإبداع , عن مشروع للحياة , عن أهمية الإصرار والصبر, وعن أن المعارضين لحلم "جان باتيست" بإكتشاف عطر الحياة كانوا من أغنياء القوم , أصحاب السلطة و أقطاب الكنيسة في "جراس" , فهم الذين طاردوه , وحاصروه , وسجنوه , وعذبوه لينتزعوا سر ما كان يسعى إليه , بينما ظل هو يتحمل في صمت , ويحيا حياة التقشف والإستغناء والجهد , ويكرس كل لحظة , وكل خطوة , وكل جهد للحلم الذي استولى عليه . وتم كل هذا عن طريق الصور والأحداث , دون خطب , أو وعظ , وبأسلوب لم أملّه طوال الفيلم
بعد أن اكتشفوا جرائم القتل التي نفذها في ضحاياه , أي في إثنتى عشر من النساء الشابات, قام والد الفتاة "لورا" أغنى أغنياء مدينة "جراس" , وصاحب النفوذ الأكبر في هيئات الحكم بتهريبها من المدينة تمهيداً للسفر بحراً لتزويجها من الأمير الماركيز "مونتسيكيو " . في الطريق إليه يتوقفان في استراحة على جبل يمتد داخل البحر ليقضيا فيها الليلة, ومرة آخرى عرض الفيلم مشهداً طبيعياً بديعاً أُضيف إلى المشاهد التي التقطت من قبل في شوارع "باريس", وقصور "جراس" , وأثناء تنقل "جان باتيست " مسافات طويلة سائراً على قدميه في البراري والجبال . لكن لم يمر إختفاء "لورا " دون أن يكتشفه "جان باتسيت" بحاسة الشم التي وهبتها له الطبيعة , فينطلق في الاتجاه التي صارت فيه هى وأبوها ممتطين ظهري حصانين ليصل إلى الإستراحة في ظلام الليل . وهناك يتمكن من التسلل خلال الغرفة التي تنام فيها النساء المشرفات على الاستراحة , وتخطي الكلب الراكد عند الباب وكأنه روح بلا جسد , من الدخول إلى الغرفة التي يحتلها الأب والاستيلاء على مفتاح حجرة "لورا" , ثم فتح الباب المُفضي إليها وتنفيذ جريمته
في اليوم التالي يتم القبض عليه ويوضع في السجن إلى أن يصدر الحكم بصلبه , وقرب نهاية الفيلم يخرجونه من الزنزانة التي يرقد فيها مكبلاً بالحديد , ويسوقونه وسط صراخ وتهليل عشرات الآلاف من سكان المدينة تجمعوا ليشاهدوا صلبه على يد أحد الجلادين . هذا بينما يقف أغنياء القوم ونساؤهم , ورئيس أثاقفة الكنيسة في "جراس" على شرفة عالية ليتابعوا المشهد
لكن "جان باتيست " يصعد السلالم إلى منصة الصلب بخطوات ثابتة مرتدياً بزة زرقاء زاهية اللون وحذاء من ذات القماش مغلقاً على قدميه تمكن من الاستيلاء عليهما باستخدام قنينة العطر التي كان يخفيها في ثيابه الرثة . يتطلع بهدوء إلى الجماهير المحتشدة في الميدان وهى تطالب بالقصاص منه صارخة بأعلى صوت , رافعة قبضاتها في الجو . بعد أن يهدأوا قليلاً يُخرج قنينة صغيرة فيها سائل أحمر اللون ويصب منه نقاطاً على منديل أبيض يُلوح به في الجو , ثم يلقيه من أعلى ليتهادى ساقطاً فوق رؤوس الحشد . وفجأة يتغير كل شيء . يتبادل الناس الأحضان والقبل , وتشرق وجوههم بالفرحة والحب , ويخلع الجلاد ملابسه السود , ويقف رئيس الأثاقفة رافعاً ذراعيه ناطقاً "إنه ملاك , بل إله , وليس إنساناً مثلنا"
هذا المشهد يعيد إلينا قصة المسيح , وكأن "جان باتيست " لم يكن رجلاً شريراً وإنما روح طاهرة تنثر عطر الحب على الناس بعد أن أكتشف سر صناعته , وارتباطه بجسد المرأة التي انجذب إليها , وبجسد "لورا" التي تشبهها هذا التحول الفجائي في الفيلم لم يكن مقنعاً بالنسبة إليّ , أحسست أنه يتناقض مع ما سبقه, لكني التمست لصناع الفيلم العذر . ختموه بطريقة ممعنة في الخيال . مع ذلك طالما أن الخيال هو جوهره ربما يمكن قبول شطحة أخيرة في ذات الإتجاه . بالإضافة فإن هذا التقابل مع قصة المسيح أعطى للنهاية نغمة روحية دينية لم تقنعني حتى وإن كانت تعبيراً عن شخصية "جان باتيست" التي بدت في كثير من أجزاء الفيلم وكأنها روح بلا جسد تستطيع أن تتخطى كل العقبات المادية في طريقها وأن تتحمل مالا يتحمله إنسان لتعيد إلينا أسطورة اليسوع الذي ذاق أبشع أنواع العذاب من أجل خلاص الإنسانية جمعاء
أما آخر مشهد في الفيلم فقد سار في هذا الطريق خطوات آخرى. يعود "جان باتيست " إلى ناسه , إلى الفقراء في سوق السمك , وهناك يتجمعون حوله , ويغرقونه بالأحضان والقبل إلى درجة تُؤدي إلى تلاشي جسمه لم يبق منه سوى ملابسه يعبث بها الأطفال . ليبدو وكأن الفيلم يريد أن يُؤكد ما جاء في بعض فقرات الإنجيل حول تضحية سيدنا "عيسى" بلحمه من أجل إنقاذ البشرية جمعاء
خاتمة
قرأت ما كتبه النقاد الأجانب عن فيلم "العطر" , لم أجد فيه أدنى تقارب مع التحليل الذي أوردته في هذا المقال . هذا ماعدا الجزء الخاص بأسطورة المسيح . لا شيء عن كونه يرمز من قريب أو من بعيد إلى قضايا تتعلق بالإبداع , بمشروع للحياة يستحوذ على خيال الإنسان, بالصراع بين الفقراء والأغنياء , بين موت القديم تمهيداً لولادة الجديد , بعطر الحياة وقوة تأثيره على الناس , بصراعهم من أجل الحفاظ عليها , بجمال القبح عندما تتناوله يد الفنان. لم ير فيه هؤلاء النقاد سوى قصة خرافية عن إنسان غريب لديه قدرة خارقة على التمييز بين الروائح والوصول إلى عناصرها , انسان استولت عليه نزوة شاذة ارتبطت بقدرة حيوانية خارقة قادته إلى القتل . وذلك رغم تقديرهم لنواح فنية في الفيلم . لكن ربما يعني هذا أن التذوق الفني قضية معقدة ترتبط بعوامل كثيرة إجتماعية , وسياسية , وثقافية , وذاتية , وأن الأحكام الجامدة ليس لها فيه مكان

رمضان كريم. من حفل موسيقي في حديقة الازهر

ليلة البيبي دول.سلامة عبد الحميد



يضم ممثلون من 5 دول عربية ويصور في 4 دول بينها أمريكا
ضغوط لمنع تصوير "ليلة البيبي دول" ومنتجوه يجهزونه لمهرجان كان


ليلة البيبي دول

القاهرة: سلامه عبد الحميد

أعلنت شركة جود نيوز سينما حديثا التفاصيل النهائية لأحدث أفلامها السينمائية "ليلة البيبي دول" أخر ما كتبه الراحل عبد الحي أديب والذي يشارك فيه أكثر من 60 ممثلا من مختلف الدول العربية إضافة إلى فنيين انجليز وأمريكيين وفرنسيين . وقال الكاتب والإعلامي جمال عنايت الذي تولى تقديم الحفل إن الفيلم ينتمي إلى نوعية من الأفلام يمكنها أن تنقل السينما العربية لمساحة أكبر من المشاهدة عربيا وعالميا مشيرا إلى أن الطموح المشروع في وصول السينما العربية للعالمية بات قريبا . وقال مخرج الفيلم عادل أديب الذي يتولى في الوقت نفسه إدارة الشركة إن مستشاري الشركة الذين يتم أخذ رأيهم قبل تنفيذ أعمالها احتارو في تصنيف الفيلم بين الكوميديا والسياسة والأكشن واعتبروه تركيبية غريبة على السينما في العالم كله باعتباره يقدم كل ذلك بصدق. وقال أديب إن الشركة المنتجة واجهت ولا زالت تواجه ضغوطا كثيرة- لم يكشف عمن يقف وراءها- لوقف تنفيذ الفيلم لكنه وعد بتجاوزها ليخرج فيلما يليق بمستوى النجوم المشاركين فيه وبمستوى مصر كمنتجة له . وتهرب مخرج الفيلم من الإجابة على سؤال حول ميزانية الفيلم قائلا أنها ميزانية غير مسبوقة في تاريخ السينما العربية بسبب أسماء النجوم المشاركين وأماكن التصوير المختلفة في حين ردد كثيرون أن الميزانية تتجاوز الأربعين مليون جنيه . ندور أحداث الفيلم في ليلة واحدة هي ليلة رأس السنة 2001 حيث يمني مغترب مصري نفسه بليلة ساخنة يقضيها مع زوجته لكن عودته تصادف توقيت حادث إرهابي يجد نفسه متورطا فيه رغم أنفه مع سائق تاكسي ينقذه من الإرهابي منفذ العملية لتضيع الليلة في المطاردات التي كادت تودي بحياته . ويناقش الفيلم التغيرات التي طرأت على العالم عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر خاصة النظرة الغربية للعرب والمسلمين المقيمين في الخارج على أنهم جميعا ارهابيين وحالات الإضطهاد والمهانة التي تعرض لها الكثيرون في الدول الغربية بسبب أصولهم العربية . وحسب طريقة جود نيوز الخاصة في أفلامها يضم الفيلم مجموعة غير مسبوقة من النجوم أبرزهم محمود عبد العزيز ونور الشريف ومحمود حميدة وليلى علوي وجميل راتب وعزت أبو عوف وغادة عبد الرازق وعلا غانم ومحمود الجندي والمطربة روبي ومن سوريا جمال سليمان وسلاف فواخرجي في ثاني مشاركة لهما مع الشركة بعد فيلم "حليم" ومن لبنان نيكول سابا ومن تونس درة ونادية . ويجمع الفيلم حسب الشركة المنتجة فنانين من مصر وسوريا والعراق ولبنان والمغرب وتونس وسيتم تصويره بين نيويورك وواشنطن وتورنتو ويوغسلافيا وتركيا وسوريا إضافة إلى مصر وتم اإتفاق مع مدير التصوير الأمريكي هونج مانلي والمنتج المنفذ دانيال شامبنيون وخبير الماكياج الفرنسي العالمي ديديه لافيرج. . ويسعى فريق العمل للإنتهاء من تجهيز الفيلم في وقت مناسب للحاق بموعد تسليم الأفلام للمشاركة في الدورة المقبلة لمهرجان كان السينمائي الدولي ويتم عمل الجرافيك والطبع والتحميض في استديوهات "اكلير" الفرنسية وتسجيل الصوت في استديوهات "أبي روود" بلندن
وقال الفنان الكبير محمود عبد العزيز الذي بدا متأثرا باستقبال الجمهور له إنه سعيد بالعودة للسينما من خلال فيلم توفرت له كل عناصر النجاح انتاجيا وفنيا والتي كانت سببا مباشرا في ابتعاده عن السينما لمدة تزيد على 7 سنوات مضت . وأضاف عبد العزيز مغالبا دموعه "وحشني أعمل فيلم كويس لاني لم أكن أجد تلك النوعية من الأفلام التي لا تجد من يتحمس لها مما دفعني للإبتعاد عن العمل بالسينما ليس لكوني لا أحبها ولكن لأني أحترمها وأحترم نفسي"
وقال الفنان نور الشريف موجها حديثه للشركة المنتجة "كنتو فين من زمان" مضيفا أن السنوات العشر الأخيرة شهدت اختلالا في عقل السينما المصرية التي اتخذت الإتجاه التجاري سمة وحيدة لها دون أن توازن فيما يتم تقديمه





وعبرت النجمة ليلى علوي عن أملها في أن يكون الفيلم بادرة أمل للوصول برسالة السلام والحوار والحب العربية إلى العالم كله من خلال السينما الجادة التي تطرح قضايا حقيقية وصورة واقعية لما عليه العرب . وقالت الفنانة السورية سلاف فواخرجي إن الفيلم يعد نقلة مختلفة في حياتها تضعها جنبا إلى جنب مع نجوم ونجمات كبار كانت ولاتزال أحد أشد المعجبين بهم كما أنه يقدم قضية غير مسبوقة في الدراما العربية سواء في الطرح أوالإمكانيات الفنية والتقنية المتاحة للفيلم. في حين رفض الجميع الكشف عن تفاصيل أدوارهم في الفيلم بحسب اتفاق مسبق مع الشركة المنتجة التي اعتادت فرض سياج من السرية على أعمالها السابقة وعدم الكشف عن التفاصيل إلا في أوقات تختارها بعناية ضمن استراتيجية إعلامية مدروسة . وأقامت الشركة المنتجة عقب عرض التفاصيل وتقديم المشاركين في الفيلم حفل سحور رمضاني دعت إليه جميع الحاضرين للإلتقاء بنجوم الفيلم الذين انضم إليهم عدد من النجوم بينهم الفنان الكبير عادل إمام الذي خطف حضوره الأضواء لفترة


النجم محمود عبد العزيز في حفل بيبي دول انتاج جود نيوز

الخميس، سبتمبر 06، 2007

انطلاقة الدورة 23 لمهرجان الاسكندرية.سلامة عبد الحميد

ملصق الدورة 23 لمهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي


يفتتحها فاروق حسني وزير الثقافة


انطلاقة الدورة 23 من

مهرجان الاسكندرية السينمائي

الدولي


القاهرة. سينما ايزيس.من سلامه عبد الحميد



يفتتح فاروق حسنى وزير الثقافة المصري واللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية مساء الجمعة7 سبتمبر2007 بمسرح سيد درويش الدورة الـ23 لمهرجان الإسكندرية السينمائى الدولي الذي تغيب المشاركة المصرية عن مسابقته الرسمية للمرة في تاريخه. يبدأ حفل الإفتتاح بكلمتين لرئيس اللجنة العليا للمهرجان السيناريست ممدوح الليثى ورئيسة المهرجان الناقدة إيريس نظمى، يستعرضان فيها أهم ملامحه ، اذ يشارك في المهرجان 25 دولة تعرض 42 فيلما وتنادى مذيعة الحفل الممثلة بسمة أعضاء لجنة التحكيم الدولية رئيس لجنة التحكيم الدولية المخرج التونسي نوري بوزيد والأعضاء الفنان محمود حميدة ومدير التصوير طارق التلمساني والمخرجة والناقدة الفرنسية فلورانس كولومباني والمنتج الإيطالي ماورو مارتينو والمخرجة اليونانية الينا فيودوري والمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد . ويعلن المهرجان في حفل افتتاحه عن إهداء الدورة الثالثة والعشرون إلى اسم السيناريست عبد الحى أديب ويتسلم الدرع أحد أبناء الكاتب الراحل, ثم تكرم الفنانة ليلى علوى والمخرج نورى بوزيد والمخرج نادر جلال وأقدم اسطي كاميرا في مصر دكرورى عبدالرحمن، ثم تكريم أسماء ثلاثة من نجوم السينما العالمية رحلوا عن عالمنا خلال هذا العام هم المنتج الإيطالي كارلو بونتى والمخرج السويدى إنجريد برجمان والمخرج الإيطالى مايكل أنجلو انطونيونى
يعرض فى الافتتاح فيلم "وداعا بافانا" إخراج الدنماركي بيل أوجست، ويتعرض لقضية التفرقة العنصرية, ويصاحب الفيلم ترجمة باللغة العربية، وقد شارك فى إنتاجه جنوب أفريقيا وبلجيكا وبريطانيا ولوكسمبورج وألمانيا وتعتمد أحداثه على قصة حقيقية بطلها المناضل الأفريقى نيلسون مانديلا . وتعقد ندوة مع المكرمين عقب عرض واحد من أفلامهم بمركز الإبداع, حيث تعقد ندوة ليلى علوى مساء ثانى أيام المهرجان وتديرها الناقدة إيريس نظمى رئيس المهرجان ويعرض لليلي علوي فيلم (بحب السيما) إخراج أسامة فوزى، ويعقد مساء الأحد ندوة تكريم المخرج التونسى نورى بوزيد رئيس لجنة التحكيم ويديرها الناقد مجدى الطيب، ويعرض لنورى أفلام (ريح السد) الذى نال عنه جائزة التانيت الذهبى بمهرجان قرطاج وفيلمي (صفائح من ذهب) و(عرائس الطين), وتعقد مساء الاثنين ندوة مع المخرج نادر جلال يديرها الناقد سامى حلمى ويعرض لجلال فيلم حسن اللول . كما يعرض للمنتج الإيطالى كارلو بونتى فيلم (دكتور زيفاجو) والذي رشح فيه بونتي لأوسكار أفضل منتج لعمل سينمائي عام 1965 إخراج ديفيد لين بطولة عمر الشريف وجولى كريستى, وفيلم (انفجار) إخراج مايكل أنجلو أنطونيونى الفائز بالسعفة الذهبية بمهرجان كان لعام 1967 وفيلم وجها لوجه للمخرج أنجريد برجمان . ويشارك في مسابقة سينما البحر المتوسط 9 دول هي تونس بفيلم (عرس الذيب) لجيلانى السعدى والمغرب بفيلم (يا له من عالم رائع) لفوزى بن سعيدى والجزائر (ظلال الليل) لناصر بختى واليونان (باندورا) لجورج ستامبولوبولس وتركيا (امرأة حياتى) لأجور يوسيل وإيطاليا (رسائل من الصحراء) لفيتورى دى سيتا وأسبانيا (كحلى تقريبا أسود) لدانيال سانشيز اريفالو ولبنان (فلافل) لميشيل كمون وفرنسا جراديفا لآلان روب جريلييه . ولأول مرة ستكون مصر الدولة المضيفة بعيدا عن المسابقة الرسمية، وذلك بعد أن تعذر إيجاد فيلم لتمثيلها، إما لأن الأفلام التى تقدمت لا تليق بتمثيل السينما المصرية بتاريخها العريق فى المسابقة الرسمية، وأما لأن الأفلام التى وقع عليها الاختيار مازالت فى المعامل لم تنته بعد. وسيقتصر التمثيل المصرى على عرض فيلم المخرج الكبير يوسف شاهين (هى فوضى) فى ختام المهرجان ،والذي شارك فى إخراجه خالد يوسف تأليف يوسف شاهين وناصر عبد الرحمن وبطولة يوسف الشريف ومنة شلبى وخالد صالح وهشام سليم وهالة فاخر وهالة صدقي وعمرو عبدالجليل واحمد فؤاد سليم وتدور أحداثه حول حالة الفساد التي تعيشها مصر
أما القسم الرسمى خارج المسابقة فيضم 7 أفلام فازت بجوائز مهمة فى المهرجانات الدولية الكبرى هى (قلوب) للفرنسى آلان رينيه و(النفى) للروسى أندريا زيفاجنتسيف و(أجواء) للتركي نورى بيلج جيلان و(ياللا) للألمانى كريستيان بيتزولد و(أخر فيلم) للتونسى نورى بوزيد و(حرب طفولية) للإيرانى أبو القاسم تلبى و(المجهولة) للإيطالى جوزبى تورناتور. وبمناسبة اختيار الجزائر عاصمة للثقافة العربية لعام 2007 يقام يوم للسينما الجزائرية يعرض فيه فيلم "معركة الجزائر" الذى أخرجه المخرج الإيطالى الشهير جيلو بونتيكورفو عام 1966 وحاز عنه على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية، والفيلم ممنوع من العرض في فرنسا لمدة أربعين عاما، كما يعرض الفيلم الوثائقى "محامى الرعب" للمخرج باربير شرودى وفيلم (عشرة ملايين سانتيم) للمخرج بشير درايس و فيلم "موريتوري" للمخرج عكاشة تويتا وفيلم "دوار النساء" لمحمد شويخ
ويعرض فى البانوراما 20 فيلما من بينها الفيلمان الروسيان "النفى" الذى فاز فيه بطل الفيلم قسطنطين لافرونينكو بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان كان السينمائى الدولى الأخير وفيلم "مراقبة نهارية" والفيلم البريطانى "بعد 28 أسبوعا" اخراج الإسباني خوان كارلوس فرسناديللو والفيلم اليونانى "عند الحافة" للمخرج سواس كاريداس والفيلم التركى "وادي الذئاب العراق" إخراج سردار أكار ويصور أفعال العسكريين الأمريكيين الوحشية فى العراق التى بلغت انتزاع الأعضاء البشرية من الأسرى العراقيين لبيعها إلى الأغنياء في نيويورك ولندن وتل أبيب.
ويتنافس 20 فيلما على جوائز الديجيتال الروائية القصيرة التي تعرض فى المركز الثقافى الفرنسى ويرأس لجنة تحكيم الديجيتال الناقد السينمائى رءوف توفيق، وتضم في عضويتها المخرج سعد هنداوي والمونتيرة منى ربيع والافلام هى "يوتوبيا" إخراج سمير إسماعيل و"رقم قومى" لمحمد محسن و"المخدرات حلوة" لعمرو سلامة و"أزرق وأحمر" لمحمود سليمان و"فلوس ميتة" لرامى عبدالجبار و"سنترال" لمحمد حماد و"أكبر الكبائر" ليوسف هشام و"متأخرة" لإيمان النجار و"الدربكة" و"سبيل للصغار" لعمر خالد و"مش زى خروجه" ليافا جويلى و"انسحاب بهدوء" إخراج جماعى . أما الأفلام التسجيلية فهى "عين السمكة" لأحمد خالد و"غميضة فى قانا" لنور الدين محمود و"حلم إسطبل عنتر" ليوسف هشام و"عالم آخر" لإيمان النجار و"كعكو" لعمر خالد و"الدراويش" لعايدة الكاشف و"أنا مضايقك" لأيمن حسين و"يوم جديد" لداليا حسن . وكانت لجنة المشاهدة قد استبعدت أفلام التحريك من المسابقة لضعف مستواها لتقتصر المنافسة على الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة، والتى لا تزيد مدة كل منها عن 30 دقيقة وتتعرض لجوانب كثيرة من الحياة الاجتماعية والسياسية تبلغ قيمة جوائز الديجيتال 16 ألف جنيه
ندوة الديجيتال
تعقد خلال المهرجان ندوة (الديجيتال بين الهوية والاحتراف) التي يديرها الناقد نادر عدلي، ويشارك فيها المخرجين محمد خان وإبراهيم البطوط ظهر بعد غد الأحد بالمركز الثقافى الفرنسى، بينما تعقد الندوة الرئيسية للمهرجان بعنوان (الفنانون العرب فى الدراما المصرية ،هل هو غزو أم تكامل؟) التي يديرها السيناريست رفيق الصبان ،ويشارك فيها فنانون عرب ومصريون ونقاد وصحفييون صباح بعد غد الأحد

الدورة 23 بالأرقام

خمسة وعشرون دولة تشارك في الدورة 23
اثنان واربعون فيلما فيلما تعرض في جميع أقسام المهرجان
تسع دول تشارك فى المسابقة الرسمية لسينما البحر المتوسط
سبعة أفلام تعرض فى قسم خارج المسابقة بعدما فازت بجوائز دولية فى مهرجانات كبرى فى العام الماضي
عشرون فيلما تعرض فيلما بانوراما سينما العالم
خمسة تعرض أفلام فى بانوراما التكريمات
فيلم مصرى واحد.. يعرض خارج المسابقة
عشرون فيلم روائى قصير وتسجيلى قصير تعرض فى مسابقة الديجيتال
خمس ندوات.. الندوة الرئيسة وندوة الديجيتال و3 ندوات للمكرمين
يكرم المهرجان 4 فنانين من مصر وتونس و4 أسماء راحلين من مصر وإيطاليا والسويد
مائة ألف جنيه جوائز إعلامية لأفضل 3 أفلام مصرية عرضت فى الصيف باستفتاء النقاد
ستة عشرةألف جنيه جوائز الديجيتال
خمسة وعشرون ألف جنيه جائزة أفضل وجه جديد خلال العام الحالى.. باستفتاء النقاد
خمسة وعشرون ألف جنيه جائزة أفضل دور مساعد خلال العام الحالى.. باستفتاء النقاد
ثمانية دور عرض جرين بلازا (عروض الصحفيين والنقاد), سينما مترو (5 شاشات عرض) وسينما فاميلى ومركز الإبداع والمركز الثقافى الفرنسى

الأحد، سبتمبر 02، 2007

انطونيوني: مغامرة الحداثة بقلم صلاح هاشم





مايكل انجلو انطونيوني. افلامه كانت جزءا من مناخ وأجواء الستينيات في مصر والتوهج الثقافي الذي كان








أنطونيوني : مغامرة الحداثة



بقلم صلاح هاشم





تري اين يكمن سحر افلام انطونيوني الخفي، وماهي الاضافات التي حققها هذا المخرج الايطالي العبقري لفن السينما بأفلامه، بعد ان رحل عن عالمنا عن 94 عاما ؟. كانت افلام انطونيوني ( من مواليد 29 سبتمبر 1912. فيرار. شمال ايطاليا ) جزءا من مناخ فترة الستينيات في مصر، وقد ارتبطت أفلام انطونيوني في ذهني وتاريخي الشخصي بمناخات تلك الفترة، فقد كانت هناك فورة ثقافية وإبداعية هائلة علي كافة مستويات الإبداع الادبي في الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح في مصر، وقبل ان يعقد أول مؤتمر للادباء الشبان في البلاد عام 1969. اذ كنت تستطيع ان تشتري بقروش قليلة العديد من المجلات الثقافية الشهرية المهمة، مثل " الكاتب " التي كان يترأس تحريرها الاستاذ احمد عباس صالح، و" الفكر المعاصر " لزكي نجيب محمود، و" المجلة " ليحيي حقي، و" السينما " لسعد الدين وهبة و" المسرح " لرشاد رشدي، الي جانب جريدة " المساء " اليومية، التي كانت تصدر وماتزال عن دار التحرير، وكان يشرف علي تحرير صفحاتها الثقافية آنذاك الأستاذ المرحوم عبد الفتاح الجمل، وكان يكتب الرواية " محب " ويعشق السينما " سيدتنا الجميلة " ، واليه يعود الفضل في انه فتح لي ولجيل الستينيات الذي انتمي اليه في مصر باب الكتابة والإبداع والنشر، وحتي ذلك الوقت، لم تكن هناك أية أهمية تذكر لصندوق الصور العجيب التلفزيون، الذي كنا نري مع الأديبة الفرنسية فرانسواز ساجان ( صباح الخير أيها الحزن) " انه صنع للعجائز والنسوان وللمتقاعدين، وقبل ان يتحول الي " سرطان " و " وباء " ، لتلك الاجيال التي أتت من بعدنا، بسبب "الهراء " العام الذي ينشره ويبثه الآن



افلام أم روايات، للامساك بالعدم ؟



كان نادي القاهرة للسينما يعرض آنذاك في فترة الستينيات اهم الافلام التي خرجت للعالم في تلك الفترة: مثل تحفة " التوت البري " للسويدي انجمار برجمان، و" المومياء " لشادي عبد السلام، و" المغامرة " لانطونيوني من انتاج 1960 و" اربعمائة ضربة " لتروفو و " علي آخر نفس " لجان لوك جودار، و" الحياة الحلوة " لفديريكو فيلليني و" انجيل متي " لبازوليني وغيرها. وكنا ونحن نلتهم الكتب والروايات والقصص القصيرة والمسرحيات، ونتناقش علي مقاهي "ريش " و" ايزائيفتش " في مباديء الفلسفة الوجودية والماركسية والفوضوية ونشرب الشاي ونحن نتقاسم شطائر الفول والطعمية، نتفرج في ذات الوقت من خلال المركز الثقافي التشيكي الذي كان يديره الفنان التشكيلي احمد فؤاد سليم علي افلام الموجة التشيكية الجديدة، لماركيتا لازاروفا وميلوش فورمان، ونري فيها محاولات فنية سينمائية فذة، كما في فيلم " عن الحفل والضيوف " تبهرنا. وكنا نأخذ من تلك الافلام التي وضعت بصمتها علي وتأثر بها جيل كامل، طرق واساليب جديدة في الكتابة الإبداعية، وننهل منها.فقد كانت هذه الأفلام " الفنية " التي كانت تعرض في نادي القاهرة للسينما، بالاضافة الي تلك الافلام التجارية التي كانت تعرض آنذاك في السوق، مثل فيلم " روميو وجولييت " المأخوذ عن مسرحية ويليام شكسبير ومن اخراج الايطالي زيفاريللي، كانت جزءا من ذلك المناخ الثقافي الروحاني المصري المتوهج آنذاك في الخارج، وفي الجامعة ايضا ، وبخاصة بعد تأسيس اول ناد للسينما في كلية الآداب جامعة القاهرة، وكنا نعرض فيه علي طلبة الكلية من جميع الأقسام أفلام " الموجة الجديدة " في فرنسا، مثل" جول وجيم " لفرانسوا تروفو، وأفلام "الواقعية الايطالية الجديدة" مثل " روما مدينة مفتوحة " لروسوليني ثم الافلام التي خرجت في مابعد من معطف تلك الواقعية، لكي تؤسس في ما بعد ل " حداثة " السينما الملهمة ، كما في افلام انطونيوني، وبخاصة في رائعته " المغامرة ".1960 التي جددت في المنحي السينمائي وطورت من الواقعية الايطالية الجديدة كما جددت قصيدة " الارض الخراب " للشاعر الانجليزي " ت. اس. اليوت في الشعر الانجليزي الحديث" . تلك الافلام لانطونيوني، التي تقرب الاعمال السينمائية اكثر من اعمال الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر " الوجود والعدم "، كما في رائعته " سجناء الطونا " ، كما تقربها كثر ايضا من اعمال الرواية الجديدة في فرنسا،عند الآن روب جرييه وصاموئيل بيكيت وناتالي ساروت وغيرهم . وفي تلك أجواء ، تعرفت علي وشاهدت أعمال انطونيوني السينمائية المبدعة الملهمة، وبخاصة رباعيته " المغامرة " 1960 و " الليل " 1961 و " الخسوف " 1962 ثم " الصحراء الحمراء " 1964 ثم من بعدها فيلم " تكبير " 1967، (فيلم " المهنة محقق " 1974 بطولة جاك نيكلسون شاهدته خارج مصر) فقد كانت هذه الاعمال بمثابة "روايات " لايخطها انطونيوني ويدبجها بقلمه، بل يصنعها بسحر وتوهج الضوء والاكسسوارات والديكورات و الحيطان والجدران والمنظر الطبيعي والالوان من ( اللاشييء ) أي افلام من الفراغ ، لمحاولتها الجسورة وفي صمت، وبأقل قدر من الكلام، في الإمساك بالعدم،، وتصوير وتكثيف وتجسيد ضياع النفوس المحطمة، وقلقها وعذاباتها، في اطار عالم مادي صناعي أناني عدمي، فقد في إطار " المعجزة الصناعية الايطالية" روحانيته العميقة، وانقطعت جذوره بكل ماهو مرتبط بالريف والقيم الانسانية النبيلة الأصيلة والارتباط بالارض، وتعاطف والفة الناس ومحبتهم ، ونفذ الي عالم بنايات المدن الاسمنتية المسلحة التي تقتل الروح.. ومن هنا كان اهتمام نقاد كبار وفلاسفة من امثال الفيلسوف الفرنسي جيل ديلوز والناقد الفرنسي رولان بارت بأعمال انطونيوني الذي قال عنه المخرج الياباني العظيم اكيرا كورساو انها امسك ب وصور " العواطف " كما لم يفعل أي مخرج آخر في السينما


لقطة من فيلم " الليل "بطولة ماستروياني وجان مورو.. احد لم يصورالمرأة مثل انطونيوني







تلك المدن الكئيبة الكالحة الصامتة الصحراء التي يصورها انطونيوني في افلامه : فوقها دخان اصفر مثل السموم ،تبخه مصانعها كما في فيلم " الصحراء الحمراء " بلون الدم ، وتحتها مجاري وبالوعات، واحد لايتمني فيها ان يصبح سحابة !!..وكان انطونيوني وقبل ان يدلف الي عالم الفيلم الروائي الطويل، حقق مجموعة من الأفلام التسجيلية الواقعية القصيرة المتميزة ، جعلته يدلف في مابعد باطمئنان الي عالم السينما الروائية، فقد عرف كما يقول – بتواضع فنان - ان الافلام الروائية التي سوف يخرجها بعد ذلك لن تكون أسوأ من الافلام التي صنعها في مجال السينما التسجيلية او الافلام الروائية التي كان يشاهدها آنذاك. وحضرت افلام انطونيوني في مناخ نلك الفترة، لتحكي عن "حضور PRESENCE "اجواء ، قبل ان تحكي عن عقدة وشخصيات واحداث نتابعها بقلق وترقب وتتطور، ولكي تعكس ايضا حيرتنا وقلقنا وضياعنا في اجواء " النكسة " والهزيمة، وانهيار المشروع القومي في مصر في فترة الستينيات، وعالم فقد معاني ودلالات وجوده .. ومن عند هذه النقطة.. من هنا ينبع سحر افلام انطونيوني الخفي الذي كان يبهرنا، فقد كانت افلامه تلك الأثيرة ، تتلاقي وقتها مع همومنا، وهموم جيل كامل من المثقفين والكتاب في مصر ، وكانت حتي وهي تحكي عن عالم بعيد جدا في ايطاليا، واناس بعيدين جدا عنا، فكأنها تتكلم عجبا عنا، وتتكلم ايضا معنا



افلام انطونيوني : شواهد علي حضور



ولذلك كنا نتعاطف مع ابطال افلامه ونقبل عليهم ونحبهم،مونيكا فيتي وليا ماساري ومارشيلو ماستروياني وكان يجذبنا اداء بعض الممثلين لشخصيات افلام انطونيوني مثل مارشيلو ماستروياني في " الليل "، و كان اداء الشخصيات النسائية بالذات يسحرنا، كما في اداء مونيكا فيتي، واداء ليا مساري في " المغامرة " واداء الممثلة الفرنسية القديرة " جان مورو " وبخاصة في فيلم " الليل " ، الذي اعتبره انضج افلام الرباعية ، علي الرغم من انه حقق اقل عائدات ضمن افلامها ، وكذلك اداء دافيد هيمنجز وفانيسا ردجريف وجين بيركين في فيلم " تكبير " وجاك نيكلسون في فيلم " المهنة محقق " في مابعد .وكنت بعد وفاة انطونيوني ( في 30 يوليو 2007 )، عدت وقبل كتابة هذه " الشهادة " لمشاهدة مجموعة من افلامه القديمة من جديد علي الفيديو ، مثل افلام الرباعية، وفيلم " تكبير " وفيلم " نقطة زابرسكي " فبهرتني وآسرتني من جديد، فقد وجدتها مازالت متحفا لخرابات وحطام بشر من عصرنا ، وتعجبت لحداثية هذه الافلام، بل انها تؤسس في رأيي لكل فنون مابعد الحداثة، من رسم وديكور وموضة وازياء وموسيقي وصور جديدة " نوفو ايماج " كما في كليبات الفيديو، فقد جرب انطونيوني " التقني البارع " كل هذه التقنيات الجديدة في افلامه، وكذلك تكنولوجيا التصوير بكاميرات التلفزيون وطور فيها ، وليس في السينما فقط ) أجل اندهشت لجدة افلامه وأروبيتها وعالميتها ( ان انطونيوني كما يقول عنه الناقد الايطالي الدو تيسون اكثر المخرجين الايطاليين اوروبية وعالمية بلامنازع، فقد صنع العديد من افلامه خارج ايطاليا، كما في فيلم تكبير الذي تدور احداثه في لندن و"فيلم " نقطة زابرسكي الذي صنعه في امريكا " وفيلمه التسجيلي الذي حققه في الصين ) ولاحظتا انها لم تفقد ولو حتي شعرة او ذرة من تأثيراتها، وهي اشبه ماتكون بكوي النار التي تلسعنا ، لكنها تعلمنا في نفس الوقت وبنفس القدر معاتي القيم الانسانية الجميلة النبيلة، كما الرأفة والتعاطف والرحمة والغفران، مثل اليد الحانية التي تمسح دمعة ، وتروح كما في فيلم " المغامرة " في آخر لقطة في الفيلم، تمتد عبر يد مونيكا فيتي، لكي تحنو وتطبطب علي ظهر حبيبها، وتغفر له انه قضي الليل في حضن امرأة اخري. السنا نغفر اكثر لهؤلاء الذين يشبهوننا اكثر ويحملون ذات الخطايا ؟



نظرة الي السماء



وقد ينسي المرء كل شييء في فيلم " الليل" 1961 لكنه لن ينسي ابدا في الفيلم : المشهد الذي تتطلع فيه جان مورو الي السماء مع مجموعة من الناس وقفت تتفرج علي اطلاق صواريخ في الفضاء من داخل ساحة اشبه ماتكون خرابة في العراء في ضاحية من ضواحي ميلانو الجديدة مع المجموعة. و كذلك المشهد الذي تقرأ فيه جان مورو بطلة الفيلم رسالة حب وعندما يسألهازوجها من كتب لها تلك الرسالة العميقة الرائعة التي تذوب رقة وعذوبة اذا به يفاجييء بأنه هو الذي كتبها لها ايام حبهما الاولي لكنه نسي بمض الوقت بعدما مات حبه لها في قلبه، نضب معينه وتصحر، وجعل حبها له في قلبها ينفق ويذبل ويموت.خسارة. كل افلام انطونيوني تتحدث عن فقدان وخسارة وألم، وجميعها تحكي عن اناس يهيمون علي وجوههم، ويبحثون عن ملاذ و " هوية "وخلاص ينتشلهم من حيرتهم ووحدتهم وغربتهم حتي داخل جلودهم.لا احد كما يقول كيروساوا استطاع أن يصور العواطف والمشاعر الانسانية بمثل هذه الرهافة والحساسية والشاعرية والشفافية التي تتسلل تحت الجلد لتحرك فينا عواطفنا وتؤثر في أعتي القلوب غلظة، وتجعل شعر رأسك يقف ويشيب من هول وبشاعة تلك " الهوة " التي تكاد تبتلعنا في عالمنا المعاصر بعبثيته وحروبه وأزماته وتلوثه وبشاعته، وقد كان فيلم " الصحراء الحمراء " اول فيلم بيئي بالمعني الحديث في اطار افلام البيئة التي صارت الآن نوعا من افلام النوع ( مثل الوسترن وافلام الخيال العلمي الخ ) وكان انطونيوني اول من نبه الي تلك الاخطار المحدقة بنا بسبب تلوث البيئة في العصر الصناعي الجديد بكل تنافضاته وتشوهاته وسمومه وسوءاته



أحلام وألغاز



لاتحكي افلام فيلليني عن شخصيات بالمعني المتعارف عليه للشخصية، بل تحكي عن اجواء وعن كائنات او "حطام شخصيات" او اطياف واشباح تبحث عن معني لحياتها وقيمة لوجودها، وهي تحاول ان تكسر ذلك القفص الذهبي الذي تعيش داخله مثل كل الناس بمسلماته وقناعاته، وهي تتساءل ان كانت حياتنا في عالم فقد فيه البشر قدرتهم علي التواصل جديرة حقا بأن تعاش. في افلامه التسجيلية القصيرة سبق انطونيوني افلام الواقعية الايطالية الجديدة في تصوير الواقع الحقيقي الذي تعيشه الطبقات الايطالية الفقيرة المسحوقة, وفي حين اهتمت الواقعية الايطالية الجديدة " نيو ريالزم " لعلاقة الفرد بحركة التاريخ والمجتمع, طالب انطونيوني بواقعية "باطنية " و" جوانية " جديدة تركز اكثر علي الفرد في علاقته بعواطفه ومشاعره و" التحديق " الباطني، كما في قصائد الزن اليابانية والمتصوفة العرب، وعلاقة الفرد بكل العناصر في الكون والافلاك والموجودات
افلام انطونيوني هي اقرب ماتكون الي تساؤلات فلسفية ووجودية معلقة و "الغاز " عسيرة علي الحل، واقرب ماتكون الي الاحلام، حيث تظهر الشخصيات فيها وتختفي بلا سبب ومن دون احم ولا دستور. تأتي ثم تذهب هكذا وتتلاشي . تطلع هكذا علينا من اللامكان ، لكي ترحل في متاهات المدن العملاقة الجبارة لتبحث عن شييء اصيل ومفقود، ثم تعود من رحلة بحثها الطويل الذي يستغرق وقت الفيلم كله احيانا بلاشييء، ولكي تشرع من جديد في استكشاف المكان الذي انطلقت منه



خداع الصور



في فيلم " تكبير " يلتقط احد المصورين صورة في حديقة من الواقع وحين يقوم بتكبيرها في معمله يكتشف داخل الصورة صورة جديدة مرعبة. يكتشف جريمة قتل و جثة قتيل وتحضر السيدة التي كانت في الحديقة مع القتيل وتعرض عليه نفسها في سبيل اقتناء الفيلم فيمنحها احد الافلام، ويعود الي الحديقة فيكتشف ان الجثة اختفت، ويتوجه الي معمله فاذا به يكتشف ان الفيلم الاصلي قد سرق، وينتهي الفيلم بمشهد رائع فحين يعود الي الحديقة يجد مجموعة من الممثلين المهرجين يلعبون بكرة تنس خفية وغير موجودة وظاهرة ، وبعد تردد يروح ينخرط ويشاركهم في اللعب..وربما كان " تكبير " احد اهم الافلام التي ناقشت علاقتنا بالواقع والحقيقة والوهم و كذلك صورة الواقع في السينما ولحد الآن، كما ان اهمية ذلك الطرح السينمائي لانطونيوني تتعاظم لاشك مع دخول الصورة في حياتنا بشكل اكبر واوسع من خلال شاشات التلفزيون التي تقصفنا يوميا بما لاحصر له من صور الحرب والجريمة والقتل والدمار، و لانعلم ان كان يجب علينا ان نصدقها او انه يتم التلاعب بنا علي يد اصحابها لنكتشف في نهاية الامر اننا كنا ضحايا لمثل تلك صور، ضحايا اغبياء للخديعة، مثل عرائس ماريونيت.. من قش
في فيلم " المغامرة " تختفي امرأة داخل جزيرة صخرية ولانعرف أين ذهبت ومن خلال التفتيش والبحث عنها تقع صديقتها في غرام خطيبها ، وتنشأ بينهما قصة حب جديدة، ولانعرف في نهاية الفيلم ونهاية رحلة البحث ان كانت قصة الحب الجديدة ستنتهي هي ايضا بالفشل والموت ام ستقود الي سعادة جديدة ويبقي السؤال معلقا الي ان يجييء ذلك اليوم ربما الذي تكتشف فيه بطلة الفيلم بدورها انها ايضا ماتت واختفت وتلاشت في قلب الرجل الذي تحبه ، وانها ايضا لم تعد تحبه بذلك القدر من الوفاء، وذلك الاخلاص الذي كانت تتمناه
في " الليل " يبدأ الفيلم بزيارة كاتب وزوجته لصديق لهما في احدي المستشفيات ويخبرهما الطبييب المعالج بانه صديقهما المريض محكوم عليه بالموت، فتغادر الزوجة المستشفي وتروح تهيم في طرقات ميلانو وتتوجه الي ضواحي البؤس والعزلة المنسية علي اطراف المدينة علها تغتسل من حزنها بعد ان تأكدت من ان زوجها الكاتب لم يعد يحبها وانها ايضا لم تعد تحبه وعندما تكشف له عن ذلك في مشهد النهاية في الفيلم يحاول زوجها ان يقنعها بانه مازال يحبها وتبتعد عنهما الكاميرا ويبقي السؤال معلقا تري هل سينجح الزوج في مسعاه..
وعلي مستوي الحبكة وعقدة الفيلم تأخذ افلام انطونيوني حبكة الرواية البوليسية كما في قصص الامريكي ادجار الآن بو ورويات الانجليزية اجاثا كريستي( جريمة في " تكبير" او اختفاء في " المغامرة " او لغز الموت وتصحر العواطف كما في فيلم " الليل ") وتبدا في كل فيلم حملة تفتيش، لكي تنتهي في النهاية الي الفراغ ، او تقف عند لغز محير جديد ..
افلام انطونيوني هي افلام مفتوحة وبلانهايات ولاتنتهي كما في جل افلامنا وافلام هوليوود التجارية بنهاية سعيدة وتصبح اقرب ماتكون الي البضائع المعلبة للاستهلاك الفوري وتمنحك كل شييء ولاحاجة بك الي ان تتأمل وتفكر ، بل هي تأخذ من حيث الشكل شكل الدوائر، وتأخذنا من عند اول نقطة في الفيلم الي متاهة ثم تعود بنا الي نقطة البداية، وتطالبنا من خلال سؤال جديد وبحث جديد ان نعيد اكتشاف المكان الذي انطلقنا منه والتأمل فيه من جديد. ولذلك فانت حين تشاهد فيلما لانطونيوني فكأنك تتفرج علي فيلم لالفريد هيتشكوك ملك الرعب، بما فيه من قلق وترقب وتوتر ومصنوع بحرفية عالية- لاحظ اناقة الكادرات في الفيلم وكل كادر كأنه لوحة، واستخدام انطونيوني للقطات المشهدية الطويلة ) وهذه التقنية العالية في الصنعة عند انطونيوني تعني انه احد كبار المخرجين المجددين في السينما العالمية- اطلق عليه اسم اورسون ويلز السينما الايطالية- وتعني انه يفكر في الفن الذي ينتجه، وهو يتأمل فيه طويلا، ولذلك لا تتعجب حين تعلم انه قد اضطر بعد طول تفكير في دهن وصبغ حديقة باكملها في فيلم " تكبير " باللون الاخضر ، ولذلك فان مايمنح افلام انطونيوني قيمتها هي انها افلام تدعو الي التفكير والتحليل والدراسة والتشريح، للنفاذ في ماوراء سطوحها الملساء وكادراتها الأنيقة التي تشبه اللوحات الفنية، الي " الجوهر " والسؤال الفلسفي الوجودي الذي تطرحه. أفلام انطونيوني مولدات الغاز، و مكبرات أجواء وظواهر وعواطف ومشاعر واحاسيس ، وهي في كل مرة تدعونا عند نهاية الفيلم الي مشاهدة الفيلم من جديد، والتفتيش عن سره والاستمتاع به في كل لحظة، وفي كل حركة وكل ايماءة واشارة في الفيلم لها دلالاتها ومعانيها. ويعترف انطونيوني في حوار معه : " ...ان الفيلم الذي ظللت احلم به طوال حياتي، هو فيلم ببداية، لكن ربما من دون نهاية، فلقد كنت اسأل نفسي : تري هل من الضروري ان تكون هناك دائما نهاية للحكايات التي نحكيها سواء كانت ادبية او مسرحية او سينمائية؟ ان الحكاية المغلقة علي ذاتها تواجه يقينا خطر الموت، اذا لم نسارع نحن الي منحها بعدا آخر، واذا لم نسمح ايضا لزمنها الخاص، بان يتسع و يمتد الي الخارج. اجل هناك في الخارج حيث نتواجد نحن أبطال هذه القصص، وحيث اتتوجد نهاية ابدا لأي شييء " ...وداعا انطونيوني








لقطة تجمع بين ابطال فيلم " الليل " الفرنسية جان مورو علي اليمين مع مونيكا فيتي ومارشيلو ماستروياني







أنطونيوني:فيلموغرافيا مختصرة



مايكل انجلو انطونيوني من مواليد 29 سبتمبر 1912 في مدينة فيراري. شمال ايطاليا
تربي في وسط برجوازي. تعلم العزف في صغره علي الكمان وكان يهوي الرسم وظل يرسم طوال حياته. قرأ لبيرانديللو واكتشف المسرح والسينما في سن العشرين وبدأ يكتب النقد السينمائي في الجريدة المحلية. في سن السابعة والعشرين قرر ان يكرس نفسه للفن السينمائي فغادر فيرار الي روما وشارك مع مجموعة من المثقفين في محاربة الفاشية والاعداد لانطلاقة حركة الواقعية الجديدة في السينما الايطالية وبدأ ينشر مقالاته في مجلة " سينما " التي كانت تصدر آنذاك منذ بداية عام 1940. اشتغل بالترجمة لفترة وترجم روايات لالبير كامو ولندريه جيد عن الفرنسية. اشتغل لفترة مسلعدا في الاخراج للمخرج الفرنسي مارسيل كارنيه في فيلم " زوار المساء " وتعاون مع روسوليني في كتابة بعض سيناريوهات افلامه
بدأ يخرج منذ عام 1943 بعض الافلام التسجيلية مثل فيلم " اهل بو " – لا جنتي ديل بو - ويكشف في فيلمه هذا عن الافكار التي كانت ترواده بشأن الاتجاه السينمائي الجديد " الواقعية الجديدة " ومايجب ان يكون عليه، وهي ذات الافكار التي كانت تدور في ذهن فيسكونتي الذي كان يصور وقتها فيلمه الروائي الطويل الاول " تملك " اوسيسيوني
في عام 1950 اخرج اول افلامه الروائية الطويلة لكنه لم يشتهر الا عندما اخرج فيلم " المغامرة " عام 1960 الذي فاز بجائزة في مهرجان " كان " السينمائي العالمي في فرنسا
في عام 1964 فاز بجائزة " الاسد الذهبي " في مهرجان فينيسيا السينمائي العالمي بفيلمه " الصحراء الحمراء
ثم حصد بفيلم " تكبير " الذي صوره في لندن عام 1966 علي سعفة مهرجان " كان " الذهبية عام 1967 وفتح له الفيلم ابواب العمل والاخراج في هوليوود ، فأخرج هناك فيلم " نقطة زابرسكي " عام 1970 ثم " المهنة محقق " عام 1975 وعاد بعدها الي ايطاليا ليخرج " لغز اوبر فالد " بطولة مونيكا فيتي عام 1980 ومن بعده فيلم " هوية امرأة " عام 1982 الذي حصل علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان " كان "
في عام 1985 اصيب بجلطة في المخ ادت الي شلل جزئي وفقد القدرة علي النطق ومع ذلك لم يتوقف عن العمل والنشاط وبمساعدة المخرج الالماني فيم فندرز استطاع انطونيوني ان يخرج فيلم " في ما وراء الغمام " عام 1995
في عام 1995 حصل في هوليوود علي " أوسكار " أمريكي عن مجمل اعماله
وفي عام 2004 اخرج بمساعدة المخرجين الامريكي ستيفن سودربيرغ وونج كار وي آخر افلامه بعنوان " ايروس


وفي 30 يوليو 2007 توفي مايكل انجلو انطونيوني المخرج الايطالي العبقري الذي يعد مخرج الحداثة في السينما عن جدارة، والذي كان يعتبره المخرجون: ستانلي كوبريك وآرثر بن وفيم فندرز وثيو انجلوبولوس والان روب جرييه أحدأعظم الفنانين السينمائيين في القرن العشرين
مراجع
كتب بالفرنسية
كتاب " انطونيوني "تأليف الدو تاسون. الناشر: فلاماريون
كتاب " السينما الايطالية تتحدث " تأليف الدو تاسون. سيرف كورليه
كتاب مايكل انجلو انطونيوني.تألف خوسيه موور. لارماتان
كتاب " جماليات الاخراج "رينيه بريدال


عن مجلة " الكلمة " عدد سبتمبر 2007