تصدير
كتاب " بعيون امرأة " لأمل الجمل : طموح جواني الي العزف
صدر حديثا في مصر كتاب " بعيون امرأة " للكاتبة والناقدة السينمائية أمل الجمل، عن دار نشر العالم الثالث، ويضم مجموعة من المقالات والدراسات الفنية والنقدية في السينما والمسرح والشعر والفن التشكيلي، كما يضم بعض البورتريهات الجميلة مثل بورتريه" محمد الموجي فارس النغم الخالد" الذي تعيد " سينما ايزيس " هنا نشره ، وبورتريه آخر للفنان الممثل المخرج نور الشريف، وكانت امل نشرت هذه المقالات من قبل في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية، وهي فرصة تتيح لمن يقرأ هذه المقالات ان يطلع عليها من جديد ويدرسها ، ويتعرف علي الكاتبة. وكنت التهمت الكتاب في ليلة
تكتب امل في مقدمة الكتاب انها لم تحلم يوما بأن تكون ناقدة او مهندسة او طبيبة، بل كانت تحلم بأن تصبح عازفة بيانو، وتعرج علي اسرار ووقائع في حياتها عاشتها، وتقول انها لا تكتب في النقد من باب الاحتراف، بل الهواية، او بالاحري الغواية، ولا تكتب الا اذا اعجبها عمل فني ما سواء كان فيلما او رواية او لوحة أوقصيدة (لكن لم يمنعها ذلك بالطبع، من ان تكون شديدة القسوة علي فنان تشكيلي، لم ترحمه في معرض، كرس لوحاته لنجوم السينما، ولم يعجبها) .تكتب أمل عن الاشياء التي تحبها ، وتنفعل بها، فتصبح بالتالي قطعة منها. تكتب عن كل هذه الاشياء العزيزة، كما لو كانت تكتب عن الحب، او تبدع قصيدة، بلغة بسيطة رقيقة، وبحساسية شاعرية مرهفة. .كتاب يعكس ربما من خلال اسلوبها، طموح جواني الي العزف، والي تجربة حياة أوسع ، وابداع أكبر، ورغبة في الاكتشاف والدهشة ، وميل الي الفضول والتعلم. لا تريد امل ان تحصر نفسها في تلك المساحة الضيقة للنقد، بل تريد هنا ان تعرض فقط قطعة من نفسها ، وهي ترتجف، لكي تعلن عن وجود. وجود " ذكي " تشي مقالات الكتاب كلها بأنه يقينا ضروري ومطلوب بل ويدعو الي الاعجاب، ويستحق الترحيب به والاعلان عنه، عن جدارة
صلاح هاشم
--------
محمد الموجي .. فارس النغم الخالد
بقلم أمل الجمل
الألحان لا تموت. هي أحد أهم الأعمدة في صرح الأغنية، وخطوة على درب الحضارة. أصحابها لا يموتون لأنهم وضعوا أرواحهم في ألحانهم فصارت أنغاماً خالدة. والموسيقار المبدع الراحل "محمد الموجي" أحد أهم فرسان النغم في مصر والوطن العربي ابتداءً من الخمسينيات وحتى منتصف التسعينيات. إنه الملحن الرابع وراء كوكب الشرق، صانع الأنغام الذي طاف بالألحان في واحة الإبداع، فغنى له كوكبة من أهم المطربين والمطربات في الوطن العربي في عصره. وهل ننسى: بالسلام إحنا بداينا ياسلام ـ الرضا والنور ـ للصبر حدود ـ إسأل روحك، لكوكب الشرق ـ " أحضان الحبايب " ـ جبار ـ نار ـ قارئة الفنحان ـ "رسالة من تحت الماء" لعبد الحليم حافظ، و " يا أما القمر ع الباب" ـ أنا قلبي لك ميال" لـ فايزة أحمد ـ غاب القمر يا بن عمي ـ شباكنا ستايره حرير ـ التليفون ـ مين قالك تسكن في حارتنا لـ "شادية" ـ يا أغلى اسم في الوجود، لـ "نجاح سلام "ـ رمش عينو اللي جارحني لـ "محرم فؤاد "ـ ثنائي " الراجل ده هيجنني " لـ "صباح" و"فؤاد المهندس" ـ "صغيرة على الحب " وأغاني المسلسلات منها " ناعسة "، و "لسه بأحلم بيوم " وغيرها الكثير من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والأوبرتيات الغنائية والفوازير والأغاني الدينية إلى أن بلغت ألحانه أكثر من 1500 لحن هى من أهم الألحان في المكتبة الموسيقية العربية.
"محمد الموجي" هو اسم الشهرة لـ "محمد أمين محمد الموجي".. ولد في 4 مارس عام 1923 ـ وهو نفس عام رحيل "سيد درويش" ـ في بلدة " بيلا " بمحافظة كفر الشيخ المتاخمة للإسكندرية. نشأ "الموجي " في بيئة ريفية. كان والده كاتباً في مصلحة الأملاك الأميرية، ويهوى الموسيقى فامتلك آلة عود أخذ يعزف عليه من آن لأخر. كان عمه "إبراهيم محمد أمين " من محبي الموسيقى والغناء، فامتلك مكتبة موسيقية تضم العديد من إسطوانات أساطين الفن الأوائل أمثال الشيخ "يوسف المنيلاوي"، و"عبد الحي حلمي"، والشيخ "أبو العلا محمد"، و"زكي مراد"، و"عبد اللطيف البنا"، و" صالح عبد الحي" ، و"سيد درويش"، و"أم كلثوم "، و"محمد عبد الوهاب ". في هذا الجو الفني الذي تُغلفه الأنغام الأصيلة المشحونة بالشجن والطرب تدربت أذن محمد الموجي على الموسيقى وأصبحت مرهفة الإحساس، فأصبح منذ طفولته يمضي الساعات في الاستماع إليها عبر جهاز الجراموفون.
في السادسة من عمره إنتقل الموجي إلى بلدة "دمرو" ليلتحق بالمدرسة الأولية وكان يستهويه آنذاك إنشاد المداحين ويُرافقهم في جولاتهم وسهراتهم. عندما التحق "الموجي" بمدرسة "المحلة الكبرى الثانوية" شارك في عدة أنشطة فنية منها الرسم والخط والتمثيل، وكان يقوم بالأدوار الغنائية. أصبحت الموسيقى تُسيطر على فؤاد "الموجي ". خلال فترة الثلاثينيات أُغرم "محمد الموجي" بمشاهدة أفلام "محمد عبد الوهاب" ـ "الوردة البيضاء"، و "دموع الحب"، و"يحيا الحب " ـ التي كانت تُعرض وقتها بدور العرض السينمائي أكثر من مرة، فحفظ بعض ألحانها وعزفها على أوتار عود والده. كانت أول آلة عزف عليها هى " ألة السلامية " ثم عزف على آلة العود وقام بغناء ألحان "محمد عبد الوهاب"، و "أم كلثوم".
في مدرسة الزراعة بمدينة "شبين الكوم " اكتشف موهبته الفطرية مُدرس النشاط الموسيقى بالمدرسة "محمد إبراهيم الشال "، عديل الموسيقار "رياض السنباطي"، فعهد إليه بتلحين أبيات شعرية من مسرحية أميرالشعراء "أحمد شوقي" "مجنون ليلى" ليقدمها فريق المدرسة في حفل التخرج. كان أول لحن لحنه في المسرحية "هلا هلا هيا اطوي الفلا طيا"، وكانت هذه أولى محاولاته في التلحين.
مطرب الريف
حصل " الموجي" على دبلوم الزراعة عام 1944 وهو في الحادية والعشرين من عمره. لم يعمل في شئون الزراعة مباشرة لكنه ذهب إلى معسكرات الجيش البريطاني، وعُين بالبوليس الحربي الإنجليزي وتعرف أثناءها على عازف العود "جمعة محمد علي"، ثم قرر أن يهجر عمله بالمعسكرات حتى لو ضاقت به سبل العيش، وأن يتقدم لإختبار الإذاعة كمطرب وملحن.
في ذلك الإختبار غنى "الموجي" قصيدة لـ "محمود سامي البارودي" من ألحانه يقول مطلعها:
غلب الوجد عليه فبكي وتولى الصبر عنه فشكى.
لكنه لم ينجح لأن صوته لم يُعجب أعضاء اللجنة. فعمل معاون زراعة في "بيلا" ثم بالأوقاف الخصوصية الملكية في "إيتاي البارود". وبعدها بعامين عُين ناظراً للزراعة في بلدة "بيلا " ثم في "إيتاي البارود". تعود "محمد الموجي" أن يقضي أوقات فراغه مع آلة العود، ويغني بصحبة أصدقائه في المناسبات حتى أُطلق عليه "مطرب الريف". كان يقضي يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع في القاهرة ليزور صديقه الملحن "فؤاد حلمي" الذي كان وقتها طالباً في معهد "فؤاد الأول" للموسيقى، ليطلع على أحدث المعلومات الموسيقية. ظل هكذا ثلاث سنوات. في عام 1948 استقال من عمله وشد الرحال إلى القاهرة ليشق طريقه في رحابها، وساعده في ذلك الملحن الشاب "فؤاد حلمي".
قرر "الموجي الكبير" أن يبدأ الكفاح ليفرض نفسه كمطرب، فحضر إلى القاهرة للعمل في الملاهي. عمل في فرقة "صفية حلمي" الاستعراضية. كان يُغني بمصاحبة عوده ويقوم بتلحين بعض الإسكتشات وهناك تعرف على اثنين من شعراء الأغاني هما "علي بحيري"، و"سمير محبوب" اللذين شجعاه على إنشاء ملهى خاص به يُنفذ من خلاله أفكاره الموسيقية المتجددة، و مواهبه الغنائية الإبداعية. قام والد "الموجي" بتشجيع ابنه فأمده بالمال اللازم، 400 جنيه مصري، لإنشاء ملهى "البوسفور" بميدان باب الحديد. في هذا الملهى تعرف "محمد الموجي" على المؤلف الموسيقى " فؤاد الظاهري" الذي تولي تدريب صوته على آلة البيانو.
في ذلك الملهى غنت له المطربة "زينب عبده" ثلاثة ألحان. أغنيتي "صافينيي مرة "، و"بتقوللي بكره" اللاتان غناهما "عبد الحليم" فيما بعد " وباكتب لك جوابات " التي غنتها " ليلى مراد " فيما بعد.. لكن لم يطل عهد "الموجي" بملهى " البوسفور" أكثر من عام حيث أفلس فأغلقه لعدم درايته بالأمور الإدارية والمالية. ثم التحق بملهى "الكواكب" بشارع "عماد الدين" وكان صاحبه أحد الريفيين الأثرياء.
في عام 1950، وفي مصدر آخر في عام 1949، أعاد "محمد الموجي" محاولة التقدم لإختبار الإذاعة فنجح هذه المرة ليس كمطرب ولكن كملحن في إذاعة القاهرة.. وبدأ يُلحن لكل من "فاطمة على"، "إبراهيم حمودة"، "محمد قنديل"، "كارم محمود".. في يوم من أيام عام 1951 كان "الموجي" يسير في شارع كورنيش النيل حي "إمبابة" مع صديقه "سمير محبوب" فاستمع إلى صوت مطرب جديد يغني قصيدة "لقاء" شعر "صلاح عبد الصبور" وتلحين "كمال الطويل" فأعجبه الصوت وعرف في نهاية الأغنية أن اسمه "عبد الحليم حافظ".. في تلك الفترة كان "للموجي" نصف ساعة في الإذاعة وكان الملحن له مطلق الحرية في اختيار المُغني فذهب في اليوم التالي إلى الإذاعي الكبير "حافظ عبد الوهاب" وطلب منه صوت " حليم " ليُلحن له فأجابه :
ـ لولا أني أعرف أن فيك شيئاً جديداً لما أعطيته لك.
لقاؤه بالعندليب
هكذا تم اللقاء الأول بين "حليم" و"الموجي"، وقررا أن يغني "حليم" أغنيتي " صافيني مرة " ـ "تقوللي بكره"، لكن لجنة النصوص رفضت الأغنيات الجديدة، وبدأ "الموجي" يُلحن أغنية "ظالم" ووافقت عليها لجنة النصوص وكان أول لحن غناه له "عبد الحليم" في الراديو، ثم أغنية "يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا أسمر" ثم "الزلزال الفتي ".. وكان "الموجي " قد عرض أغنيات "صافيني مرة " ـ "تقوللي بكره"، على "شهر زاد"، و"عبد الغني السيد"، و "محمد عبد المطلب"، فلم يتجاوبوا مع الأغنيات الجديدة، وأجمعوا على أن اللحن والكلمات ليست من اللون الذي يقدمونه. وقرر "عبد الحليم حافظ " أن يُغنيها. في اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو في حفل أضواء المدينة بدأ "حليم" بأغنية "صافيني مرة " ونجحت الأغنية واستقبلته جموع المشاهدين بترحاب غير مُتوقع.
كان ذلك الحفل إيذاناً بمولدهما الفني، والإنطلاقة الأولى في حياة "الموجي" و"عبد الحليم". الغريب في الأمر أن نفس الأغنية كانت سبباً في طرد "الموجي"، و"حليم" من العمل في أحد ملاهي الأسكندرية. وهذه هى الواقعة التي زعم البعض أن الجمهور قذف فيها "حليم" بالبيض والطماطم. لكن "الموجي الكبير" كان قد نفى حدوث ذلك مُؤكداً أنه ليس من المنطقي أن يأتي الجمهور إلى الملهى محملاً بالبيض والطماطم. لكن ما حدث يومها أن "كارم محمود" كان يُغني قبلهما على المسرح أغنيته الشهيرة "يا نجف بنور يا سيد العرسان"، وكان الجمهور في حالة "صهللة ". لكن عندما صعد "حليم " إلى المسرح وبدأ يُغني "صافيني مرة" سرت الهمهمة والتساؤل بين الجمهور. لم يُعجب ذلك "الحاج صديق" صاحب الكازينو فطردهما ورفض منحهما مليماً واحداً. لكن الفنانة "تحية كاريوكا" التي كانت تعمل في نفس الملهى أُعجبت بهما وتوقعت لهم مستقبلاً ناجحاً وأعطتهما أجرة المواصلات. وتحققت نبوءة "كاريوكا" فنجحت الأغنية ثم غنى "حليم" أغنية "بتقوللي بكره"، وغنت "ليلى مراد" "باكتب لك جوابات".
في ذلك اليوم الذي رفض فيه ثلاثة من كبار المطربين، في ذلك العصر، أغنية "صافيني مرة" قدمها "الموجي" إلى "العندليب" وهو مازال في بداية مشواره الفني، فقال "عبد الحليم" بأسلوبه الضاحك: "سأغنيها ورزقي ورزقك على الله يا "موجي"، ونجحت الأغنية، وبدأ الاثنان الاستعداد لفيلم "لحن الوفاء".
وفقاً لسيناريو فيلم "لحن الوفاء" كانت أغنية "أحن إليك" سوف تُغنيها "شادية". مع ذلك عندما انتهى "الموجي" من تلحينها رفضت غنائها قائلة إن اللحن لا يناسبها لكنه يتناسب أكثر مع "عبد الحليم حافظ"، فاضطر صُناع الفيلم إلى تغيير جزء من السيناريو ليتلائم مع الوضع الجديد ونجحت الأغنية وكذلك الفيلم. بعدها غنى "حليم" من ألحان "الموجي " "نار ياحبيبى نار". لكن اختلف الأثنان كثيرا حول قوبليه "يامدوبنى في أحلى عذاب بابعت لك بعنيه جواب"، وأصر "حليم" على أن يأخذ "الموجي" مفتاح الشاليه الخاص "بحليم" في "العجمي" ويبقى هناك حتى يستطيع إعادة تلحين هذا القوبليه. بالفعل سافر "الموجي" وقضى بعض الوقت لكنه عاد أكثر إقتناعاً وإصراراً على لحنه السابق، وبعد نجاح الأغنية أخذ "عبد الحليم" يُداعب "الموجي": "شفت يا "محمد" القوبلية اللى كنت عايز تغيره عجب الناس."
علاقة لا تخلو من خلافات
بعد فيلمه "لحن الوفاء" عام 1954 بدأت الأفلام تتوالى على "عبد الحليم".. وقتها طلب "محمد عبد الوهاب" احتكار صوت "الحليم" ليُنتج له أغنياته وأفلامه. أبدى "العندليب" سعادته بعرض "موسيقار الأجيال" لكنه أعلن أن "الموجي" رفيق كفاحه ولا يُمكن أن يستغني عن ألحانه في الإذاعة، لذلك استمر "حليم" في العمل مع "الموجي" إلى جانب عقد إحكتار "عبد الوهاب".
لم تخلو العلاقة بين "الموجي" و"حليم" من بعض الخلافات التي كانت تصل إلى حد الخصام في بعض الأحيان، فعندما بدأ نجم "عبد الحليم" في السطوع ارتفع أجره حتى بلغ 15ألف جنيه في فيلم "يوم من عمري" عام 1961، فطلب "محمد الموجي" من "عبد الحليم" أن يتحدث مع المنتج ليرفع أجر الملحن ومؤلف الأغاني من 300 جنيه في الأغنية إلى ألف جنيه. لكن "حليم" رفض التدخل واتهم "الموجي" بأنه أصبح مادي. رفض "الموجي" الاستمرار في تلحين أغاني الفيلم التي كان قد بدأ فيها بالفعل. لجأ "حليم" إلى مُلحن آخر هو "على إسماعيل"، مستفيداً من أفكار "الموجي" التي سبق وتناقشا فيها حول ألحان أغاني الفيلم، فحدثت القطيعة بينهما.
لم يكن "العندليب" ليقبل أن يخسر موهبة مثل "الموجي". لذلك استعان بـ "أم أمين"، زوجة "الموجي" لتقوم بالصلح بينهما، فلجأت إلى حيلة ذكية لإقناع زوجها بأن أخبرته أن أقاربها قادمون من البلد لزيارتهم في ذلك اليوم، فجلس "الموجي" ينتظرهم، وإذا بالضيف القادم هو "العندليب". دار بينهما عتاب حاد انتهى بالصلح. كلما وقع خصام بين "الموجي" و"عبد الحليم"، كان "الموجي" يقوم بالتلحين لمطرب جديد، مثل "محرم فؤاد"، و"ماهر العطار"، و"عبد اللطيف التلبانى"، و"هاني شاكر"، و"كمال حسنى"، إلى أن يتصالحا ويعودا للعمل معا مرة أخرى.. أثناء فترات القطيعة حاول المتربصون بـ "حليم" و"الموجي" استمرار الفجوة بينهما وتعميقها، فأشاعوا أن "أم أمين" تقوم بأعمال السحر لـ "عبد الحليم" حتى يظل مريضا طوال عمره، وبدأت الصحف تكتب عن "أم أمين"، وسحرها المزعوم، لكن "العندليب" خرج عن صمته وكذب تلك الأخبار.
تطورت العلاقة بين "الموجي" و"العندليب الأسمر" من تعاون فني مثمر إلى صداقة حميمة. بدأ الأثنان مشوارهما معاً، واجها قسوة الحياة الفنية معاً وسطع نجمهما سوياً، ارتبطا في رحلة غناء ثرية وناجحة. كانت حياتهما نبضات من الصدق لا تنسى. غنى خلالها "عبد الحليم حافظ" 88 أغنية من ألحان "الموجي"، أشهرها "ياحلو يا أسمر"، "يا مواعدني بكرة"، "ظالم"، "تقوللي بكرة "، "الليالي"، "حبك نار"، "جبار"، "كامل الأوصاف"، "أحبك"، "مغرور"، "أحضان الحبايب"، "رسالة من تحت الماء"، "إسبقي يا قلبي"، "أبو عيون جريئة"، وصولاً إلى "قارئة الفنجان" قصيدة الشاعر الكبير "نزار قباني".
كوكب الشرق تبحث عن الموجي
كان أول لقاء بين "الموجي" وبين "فايزة أحمد" من خلال أغنية "أنا قلبي إليك ميال"، وبعدها غنت من ألحانه "يا أمه القمر ع الباب"، فلاقت الأغنية نجاحا كبيرا، وربما كان هذا النجاح هو الذي قدمه إلى كوكب الشرق، التي سعت بنفسها إليه لتغني من ألحانه، خصوصاً بعد أن بدأ نجم "محمد الموجي" في السطوع في الخمسينيات مع أفراد من جيله منهم "كمال الطويل" و"سيد مكاوي"، وكان يسبقهم جيل يضم كل من "محمد فوزي" و"أحمد صدقي" و"محمود الشريف" و"منير مراد".
ظلت "أم كلثوم" تتابع ألحان "الموجي" بالإذاعة إلى أن طلبت من "حسن الشجاعي" في عام 1956 أن يُخبر "الموجي" بأنها تُريد لقائه. كان "الموجي" يحلم بأن تُغنى "كوكب الشرق" من ألحانه، ولم يصدق نفسه عندما دعته لزيارتها في بيتها. في منزل السيدة "أم كلثوم" التقى "الموجي" بالعملاقين، الشاعر "أحمد رامى"، والموسيقار "محمد القصبجي". كان "الموجي" يخشى هذا اللقاء ويتمناه في الوقت نفسه، وقد خرج منه أكثر ثقة بنفسه، وبموهبته بعد أن أشاد به "القصبجى" قائلاً له: "أنت القصبجي الجديد".
في ذلك اليوم أخبرته "ثومة" أنها ستغني "رابعة العدوية" للإذاعة وأنها اختارته ليضع لها لحناً من التمثيلية الغنائية وهو "حانة الأقدار".. عندما استأذن "الموجي" للخروج قالت له "ثومة": "فَرَّق بين لحن تَصنعه لـ"عبد الحليم" وآخر تَصنعه لـ "أم كلثوم".. بعد أيام عاد إليها باللحن فسمعته وسجلته على آلة التسجيل الخاصة بها، وانتهى اللقاء بأن عهدت إليه بوضع اللحن الثاني من رابعة العدوية" وهو " أوقدوا الشموس" المعروف بـ "الرضا والنور والصبايا الحور".. بدأ "الموجي" رحلة البحث عن اللحن التائه لكن سرعان ما اتصل به مدير الإذاعة وأخبره أن "ثومة" اختارته ليضع لها لحناً للنشيد الذي ستُغنيه في عيد الجلاء.. كانت مفاجأة وإختباراً صعباً لأنه كان يُدرك أنها معركة عشرات الملحنيين فكل منهم يضع لحناً لعيد الجلاء.
نجح "الموجي" في تلحين " أنشودة الجلاء"، تأليف أحمد رامي، وغنته "كوكب الشرق" لأول مرة بمناسبة عيد الجلاء في 18 يونيو 1954 في نادي الجلاء للقوات المسلحة بالقاهرة.. بعد انتهاء الحفل أخذت "ثومة" "الموجي" من يده، وقدمته للجمهور، الذي كان يضم في هذا الحفل قيادات ثورة يوليو 1952، وبينهم جمال عبد الناصر.. بعد ذلك انتهى من وضع ألحان اللحن الثاني من أغاني "رابعة العدوية"، والذي استغرق منه وقتا طويلا كي ينتهي منه. ووصل الأمر بـ"كوكب الشرق" أن قدمت شكوى للرئيس جمال عبد الناصر، الذي قال لها مداعبا: "احبسهولك حتى ينتهي من التلحين."
تتابعت مسيرة الأغنيات الوطنية الحماسية بين "الموجي" و"ثومه" ومنها "محلاك يا مصري وإنت ع الدفة"، "بالسلام احنا بدينا"، "يا سلام على الأمة"، و"صوت بلدنا".. أما حكاية أغنية "بالسلام إحنا بدينا"، لمؤلفها "بيرم التونسي".. أنه في أكتوبر عام 1959 كان الرئيس "جمال عبد الناصر" مسافراً إلى الأمم المتحدة ليرفع من هناك صوت السلام وعقب خطابه القوي التعبير، المؤمن بوطنه وبعروبته، المؤمن بالسلام.عقب سماع الخطاب كتب "بيرم" كلمات الأغنية. لم يكن "التونسي" وحده في ذلك لكن جموع المطربات والمطربين أردات المشاركة والإحتفال بعودة الرئيس بتقديم أغنية له، فاختارت "ثومة" "الموجي" لتلحين أغنيتها "بالسلام إحنا بادينا".
أسرع "الموجي" بالتفكير في لحن الأغنية، وأجرى عدة محاولات في مكتبه، لكن جو المكتب ورنين التليفون المتواصل لم يساعده على التركيز فحمل عوده ليستقل أول تاكسي يُقابله ويطلب من السائق أن يذهب به إلى أي مكان.. ظل سائق التاكسي يجوب به شوارع القاهرة من الهرم إلى العباسية إلى مصر الجديدة حتى انتهى من وضع اللحن.. يقول "الموجي": "كنت وأنا في التاكسي أرى إنفعالات الناس، وانطباعات الفرحة والسلام على كل الوجوه، سائق التاكسي، بائع الخبز، موظف الحكومة، رجل الأعمال، سيدة المجتمع .. من كل هؤلاء، من ابتساماتهم وسعادتهم وضعت لحن "بالسلام إحنا بدينا".. في هذه الأغنية استبدل "الموجي" كلمة "راح جمال" بكلمة "قام جمال".. واستبدلت "ثومة" كلمتين "الإحترام" بـ "السلام" ثم نفرق بـ "يكونوا".
للصبر حدود
رفعت السيدة "أم كلثوم" في مايو 1963 دعوى قضائية على الملحن "محمد الموجي" تطالبه بتعويض قدره 500 جنيه علاوة على 300 جنيه قبضها مقدم مبلغ 1500 كان قد اتفق على تقاضيها مقابل تلحين ثلاث أغنيات من بينها "حيرت قلبي معاك " التي لحنها "رياض السنباطي"، و"للصبر حدود".. لكن "الموجي" قال أن الأغنيات هى "لأ يا حبيبي" و"حيرت قلبي معاك". لكن الكلمات لم تُعجبه وأخبر "أم كلثوم" بذلك لكنها أصرت على رأيها وأصر هو على رأيه لأنه يرى نفسه فناناً وله إحساس.. والدليل أن الأغنيتين لم تنجحا النجاح المأمول ككل أغنياتها، وهو ما أرجعه الموجي إلى ضعف كلمات الأغنيتين.. واتهمته "ثومة" بتعمد الإهمال حتى تمر المدة في العقد.. لكنه ذهب إليها مع صديقه "أحمدالحفناوي" وتم التصافي. ثم قالت له اختر الكلمات التي تعجبك. بعدها كلف "الموجي" المؤلف "محمد حلاوة" ليضع كلمات أغنية "لأم كلثوم". وأخذ "الموجي" في تلحينها فترة طويلة وذهب إليها بأغنية "لو نسيت الذكريات أسأل الصيف اللي فات" لكنها اعترضت على الكلمات وطلبت تعديلها ثم عادت ورفضتها. وإضطر "الموجي" إلى إهمال الأمر وطلب منها أن تختار الكمات التي تعجبها ولكنها بدلاً من أن ترسل له كلمات الأغنية أرسلت إليه محضراً.
تعددت الروايات واختلفت حول "أغنية "للصبر حدود" فالبعض قال أن "أم كلثوم" كانت قد اتفقت مع "الموجي" على أن ينتهي من اللحن خلال شهر، ومضت الفترة ولم ينته من اللحن، فأقامت ضده دعوى في المحكمة.. لكن المؤكد أن "الموجي" دخل المحكمة بسبب أغنية "للصبر حدود"، وأنه وقف أمام القاضي الذي سأله: "لماذا لم تنه اللحن في الميعاد المحدد؟"، فرد "الموجي": "خلاص احكم عليّ بالتلحين، فقال له القاضي: حكمنا عليك بالتلحين، فما كان من "الموجي" إلا أن قال: إذن نفذ الحكم. فسأله القاضي: كيف؟ وأجابه "الموجي": "افتح رأسي واخرج اللحن.".. ثم ترافع "الموجي" عن نفسة قائلا: أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئا فتخرج "لحنا" على التو واللحظة، إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت كاف حتى يخرج اللحن إلى النور. و"أم كلثوم" ليست مطربة عادية. بعدها قال القاضي: عندك حق يا "موجي"، سأحفظ القضية، وأنت حر مع "أم كلثوم".
ذهب "الموجي" إلى "ثومة" يعاتبها لأنه دخل المحكمة بسببها، فقالت: "ماهو للصبر حدود يا "محمد"، وكلما بحثت عنك لا أجدك فأخبرني ماذا أفعل غير ذلك. والوقت ليس في صالحي. يوم تذهب فيه إلى "عبد الحليم"، ويوم تكون لدى "صباح"، أو"شادية"، أو "فايزة"، فاحترت معاك". وضحك الإثنان، وتم الصلح بينهما. لكنهما اختلفا مرة أخرى على لحن الكوبليه الأخير "ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيا ومليت"، لكن هذه المرة لم يتراجع "الموجي" ولم يغير اللحن، وأخذ العود وخرج غاضبا، واعتكف في منزله، ورفض أن يتحدث مع أحد، إلى أن طلبت أم كلثوم من الحفناوى وعبده صالح أن يذهبا إليه، ويقنعاه بالعودة إليها لتناقشه، وهناك اتفقوا على أن تغني اللحن كما هو. ونجحت الأغنية نجاحا كبيراً.
إسأل روحك
كانت أغنية "اسأل روحك" هى اللقاء الثاني الذي جمع بين الثلاثي "ثومة" و"الموجي" و"عبد الوهاب محمد" بعد أغنية "للصبر حدود"، وإن كان صُناع الأغنية وكثيراً من الموسيقين يعتبرون أغنية "إسأل روحك" هى الجزء الثاني من "للصبر حدود". ومن أطرف ما قاله "الموجي" عن الأغنيتين أن" كوكب الشرق" استطاعت أن "تُكلثمه" في أغنية "للصبر حدود" لكنه استطاع أن "يُموجها" في أغنية "إسأل روحك".
بدأت أغنية "إسأل روحك" هى الآخرى بخلاف بين "ثومة" و"الموجي" حيث رفضت هى أن تُغني كلمات أغنية "الحب ومواعيده" التي اختار كلماتها الموجي في موسم 1967 في حين رفض هو تلحين أغنيتين أعطتهما له أم كلثوم الأولى "ليه كل ما أنظر إليك" للشاعر "أحمد رامي" والثانية "إسأل روحك" للشاعر "عبد الوهاب محمد" منذ أكثر من عامين. وتدخلت بعض الصحف ونشرت كلمات الأغنيات وطالبت بتدخل جمهور القراء لإختيار كلمات الأغنية التي يُلحنها "الموجي"، ويبدو أن نتيجة الاستفتاء كانت لصالح أغنية "إسأل روحك" التي غنتها "كوكب الشرق" في أول يناير 1970.
تم التعاقد بينهما وطلبت "ثومة" من "الموجي" أن يجلس معها أثناء التلحين لكنه أخذ يُماطلها وتصادف سفره لإذاعة لبنان فتقابل هناك مع "كوكب الشرق" التي طلبت منه سماع اللحن فرفض حتى ينتهي منه تماماً.. وفي مصر استمعت "أم كلثوم" إلى القوبلييه الأخير أربع عشر مرة فتخيل أنها ستطلب تغييره. لكنها قالت أن ذلك من فرط إعجابها باللحن فقد استطاع أن يمزج بين ريتم "الفالس" الغربي ومقام "الرست" الشرقي بأسلوب جديد. ثم أهدته بعد نجاحها خاتماً من البلاتين الأبيض.
يحكي "الموجي" عن تجربته في تلك الأغنية فيشكف أن القوبليه الثالث في الأغنية أُعيدت كتابته ثلاث مرات ولحنه هو ثلاث مرات، أن ثلاث خواطر جاءته للحن، فأسمعها لمؤلف الأغنية "عبد الوهاب محمد" واتفق الأثنان على لحن واحد من الثلاثة. في بروفة اليوم الثاني أيدت "كوكب الشرق" رأيهما.. واعترف "الموجي" أنه راضي عن اللحن لأنه بعيد عن موضة استعمال الآلات الحديثة، أنه من فصيلة "للصبر حدود" مع تغير كبير في الشكل واللحن، أن الجديد في اللحن هو روح الأغنية التي تُعطيك الجو المصري الخالص بدون استخدام شيء من الفولكولور.
مدرسة الموجي للأصوات
لحن "الموجي" لجميع المطربين والمطربات ومنهم نجاة وفايزة صباح.. كانت الأغاني التي يقوم "الموجي" بوضع ألحانها عاملاً مؤثراً في شهرة العديد من المطربين والمطربات. في عام 1962 أنشأ "محمد الموجي" مدرسة لرعاية الأصوات الجديدة وأسماها "مدرسة الموجي للأصوات". في هذه المدرسة تخرج العديد من المواهب منهم "مها صبري" و"شريفة فاضل" و"عايدة الشاعر" و"ليلى جمال" و"ماهر العطار" و"أحمد سامي" و"عبد اللطيف التلباني"، و"هاني شاكر".. لم تستمر تلك المدرسة أكثر من عامين. كان "الموجي" يأمل أن تدعمها الدولة مادياً لكن ذلك لم يحدث فأغلقها عام 1964، خصوصاً أنه كان لابد لها من ميزانية، فقد كان يستعين بمدرسين للنوتة وغيرها وكان يدفع لهم المرتبات من ماله الخاص لكنه لم يستطيع مواصلة ذلك طويلاً. يُضاف إلى ذلك أن بعض اللذين دخلوا المدرسة كانوا لا يكادون يأخذون منه لحناً يشتهرون به حتى يتركوا المدرسة.. والمثال على ذلك "هاني شاكر".
الاتهامات والرد عليها
في عدد من حواراته لم يُنكر "الموجي" أنه من الملحنيين المقلين في ألحانهم ولا يُلحن إلا نادراً .. وأضاف أنه يضع اللحن في شهر أو شهرين وربما عدة أشهر.. كذلك نفى تماماً أنه انقطع عن التلحين لـ "هاني شاكر" إرضاءً لـ "عبد الحليم" فالعندليب مشغول بفنه فقط.. أما "هاني شاكر" فقد لحن له "الموجي" أغنية ولكنه لم يطلب مني أغنية ثانية ثم اتجه هو نفسه لعدة ملحنيين آخرين. كما نفي أنه قاطع التلحين لـ "وردة الجزائرية" لأن "بليغ حمدي" زوجها فقد لحن لها أغنية اسمها "مستحيل " لكنه كان يري أنه من المستحيل أن تُغنيها "وردة" وهى زوجة "بليغ حمدي".
كان "الموجي" يرغب في أن يُلحن للسيدة "فيروز" لأن صوتها من "الأصوات النادرة في عالمنا العربي"، وأشاد بصوت الكبير "وديع الصافي"فقال عنه : "وديع إن أمسك العود وسلطن ارتجل وأبدع وهو يقول أكثر من أي ملحن يلحن له"· ولم يعجبه صوت "ايمان البحر درويش"، وأخذ على الفنانة الكبيرة "ميادة الحناوي" أن صوتها يشبه صوت الفنانة "وردة".. واعتبر أن "عزيزة جلال" من أفضل الأصوات العربية التي جاءت إلى مصر· وأرجع سبب عدم استمرار "هاني شاكر" مثل "عبد الحليم" إلى أنه حاد عن طريق الموجي.. ووصف الموسيقار "بليغ حمدي" بأنه خليط منه، ومن "كمال الطويل"، و من "زكريا أحمد"، و قال عن "سيد مكاوي": ظل يرتدي معطف الشيخ "زكريا أحمد"، ولم يخرج عليه·
السينما في حياته
خاض "الموجي" تجربة التمثيل في السينما مرتين في أواخر الخمسينيات الأولى في فيلم "أنا وقلبي" مع "مريم فخر الدين" و"عماد حمدي"، والثانية في فيلم "رحلة غرامية" مع "مريم فخر الدين" و"شكري سرحان" و"أحمد مظهر" و"سميرة أحمد". وكانت التجربتان من إخراج "محمود ذو الفقار". لم يستمر "الموجي" في التمثيل لأنه كان يرفض حفظ الحوار.. مع ذلك قدم "الموجي" الكثير من الألحان الناجحة للسينما والتي مازالت خالدة في الأذهان. في البداية شارك بألحانه في فيلم " قلبي يهواك " لصباح، ثم في تلحين أغاني فيلم " لحن الوفاء " وفيلم "أيامنا الحلوة"، وفيلم "حكاية حب " وفيلم " أنا وبناتي " غناء فايزة أحمد، كذلك لحن معظم أغاني فيلم "تمر حنة " بالاشتراك مع "محمد فوزي" وتكررت التجربة بينهما في فيلم "ليلى بنت الشاطيء " ـ وفي نفس الفترة لحن "الموجي" أغلب أغاني فيلم "الهاربة " ولمحرم فؤاد لحن جميع أغاني فيلم "حسنة ونعيمة " وأغاني فيلم "وداعاً يا حب" ولحن لـ "عادل مأمون" في فيلم " ألمظ وعبده الحامولي ".
قدم "الموجي" للمسرح الغنائي أكثر من 12 مسرحية وأوبريتاً منها : حمدان وبهية ـ الشاطر حسن ـ هدية العمر ـ وداد الغازية ـ طبيخ الملايكة ـ دنيا البيانولا ـ شهر زاد ـ على فين يا دوسة ـ ملك الغجر ـ ممنوع يا كروان ـ توت توت لمسرح العرائس ـ وأخيراً مسرحية الخديو التي لحنها قبل وفاته بوقت قصير. احترق جزء من إنتاجه في مجال الأوبريتات وأُتلف تماماً عام 1971 في حريق دار الأوبرا المصرية فخسرنا جانباً مهماً من ابداعاته.
خاض "محمد الموجي" تجربة تلحين فوازير رمضان التي قامت ببطولتها نيللي في السبعينيات، وفيما بين عامي 1985 و1989 لحن "الموجي" مسلسل ألف ليلة وليلة، بطولة الفنانة الاستعراضية شريهان، لمدة أربع سنوات. كذلك قام بتلحين أول أغنية صورها التليفزيون بعد إفتتاحه بعنوان "فنجان شاي". بعدها قدم العديد من الألحان منها: أغنية للثنائي "صباح" و"فؤاد المهندس" "الراجل ده هيجنني" ـ مقدمة ونهاية مسلسل "عادات وتقاليد" ـ أغاني مسلسل "السفينة التائهة" ـ أغاني مسلسلات كل من "الكعبة المشرفة" ـ "لسه بأحلم بيوم" ـ "عصر الحب" ـ "أدهم الشرقاوي" ـ مسلسل "ناعسة "، كذلك شارك في غناء بعض ألحان المسلسل.. غنى بصوته أغاني كثيرة منها فنجان الشاي ـ النور موصول ـ محلا جمال مكة ـ الحضرة الشريفة ـ وعدد من الأدعية دينية.
قدم "الموجي" تجربة نادرة في الموسيقى العربية المعاصرة عندما وافق على التنازل عن أغنية "أسألك الرحيلا" التي قام بتلحينها موسيقار الأجيال. قرأ "محمد عبد الوهاب" كلمات الأغنية صدفة فوجد نفسه مشدوداً إليها فاتصل بالموجي وطلبها منه. لكن "الموجي" أخبره أنه بدأ في تلحينها وانتهى من وضع لحن "بيتين" منها بالفعل. فقال له "عبد الوهاب": يا "موجي" أنت تستطيع أن تلحن قصيدة كل يوم أما أنا فكل خمس سنوات تُعجبني قصيدة." ووافق "الموجي". لكن من شدة إعجابه بها غناها بصوته.
الطريف في الأمر أن "الموجي" هو الذي أكمل تلحين قصيدة "في عينيك عنواني" للشاعر "فاروق جويدة" والتي كان الموسيقار الراحل "عبد الوهاب" لحن منها جزءً قبيل وفاته، وبعد رحيله استقر الرأي على أن يُكمل اللحن الموسيقار "محمد الموجي" لأنه أكثر الفنانيين إقتراباً من روح "عبد الوهاب" وقدمت الأغنية "سمية قيصر" على مسرح دار الأوبرا المصرية.
أسلوب خاص في التلحين
صعد "محمد الموجي" سلم التلحين بسرعة، وأصبح القاسم المشترك في نجاحات "أم كلثوم"، و"عبد الحليم حافظ"، وغيرهما من قمم الغناء، في زمن الفن الأصيل. لم يكن أسلوبه في التلحين امتداداً لأحد من الملحنيين السابقين أو المعاصرين وإن تأثر إلى حد ما ببعضهم مثل "القصبجي" و"السنباطي" و"محمد عبد الوهاب" لكن ذلك لم ينعكس في إنتاجه لأنه كان يتمتع بأسلوب خاص في التلحين.. كان "الموجي" متنوعاً مجدداً وأصيلاً في ألحانه بداية من "صافيني مرة" الذي أحدثت إنقلاباً في مسار الأغنية وفي عالم الموسيقى والغناء. ذلك اللحن الذي أكد عدد من الموسيقين أنه لفت أنظار "محمد عبد الوهاب" إلى موهبة "محمد الموجي" وأن "كمال الطويل" تأثر به في تلحين أغنية "على قد الشوق" التي جاءت تقترب من أسلوب "صافيني مرة" في التلحين.
كان التلحين عند "محمد الموجي" يتم بإحدى طريقتين. إذا كان اللحن غير مطلوب على وجه السرعة يعيش مع الكلمات ويتعايش معها حتى يأتيه الإلهام فلا ينام إلا إذا أنهاه.. لكن في فترات أخرى يكون اللحن مطلوباً على وجه السرعة مما يتطلب تحدي الانسان لنفسه.. وفي رأيه أن أغنية "يا أما القمر ع الباب من أسرع وأنجح أغانيه.
أثناء التلحين يُصبح هو والنغمة شيئاً واحداً. لذلك كان يُصر على اختيار الكلمة التي تُحرك إحساسه وتُشعره بالجرس الموسيقي في الكلمة والمعنى والقوافي، أي يُلحن وفي داخله موسيقى الكلمة.. تتأكد موهبة "الموجي" في كلمة الصدق فهو من الملحنيين العرب القلائل ذوي الأصالة الفنية. كان موهبة نادرة في تاريخ الغناء العربي. ألحانه، التي يتم تدريسها الآن في معهد الموسيقى العربية، تخاطب المشاعر والوجدان، لكنها تنتمي إلى السهل الممتنع، فهى ألحان جميلة، رقيقة عند الاستماع إليها لكنها صعبة العزف.
جوائز
حصل الموجي على الميدالية البرونزية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965، وعلى وسام العلم، ووسام الاستحقاق من الرئيس السادات عام 1976. في نفس العام رُشح لجائزة الدولة التقديرية. حصل على الميدالية الفضية من جمعية المؤلفين والملحنيين في باريس عن رصيده الضخم من الألحان التي أبدعها عبر مشواره الفني.. في عام 1985 حصل على شهادات تقدير من الرئيس مبارك.. وحصل على أوسمة ونياشين من أغلب ملوك ورؤساء الدول العربية. وأصبح رئيساً لجمعية المؤلفين والملحنيين في مصر بعد وفاة الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1991 واستمر يشغل هذا المنصب حتى رحيله.
رفض "الموجي" عرضا مغريا قدمته له إحدى شركات الغناء الإسرائيلية التي سعت وراء استغلال موهبته وتاريخه الفني العريق، فجاءه شخص يدعي أنه مستشرق أوروبي يُريد أخذ ألحانه وتوزيعها أوركسترالياً. لكنه اكتشف أنه إسرائيلي يريد إنتاجه القديم والجديد وإعادة توزيعه مرة آخرى ليكون منتجاً إسرائليلاً بأصوات إسرائيلية مقابل ثلاثة ملايين جنيه. لم يكن مع الموجي أكثر من عشرة جنيهات لكنه رفض قائلاً : أنا عملت "يا أغلى اسم في الوجود"، "ومحلالك يا مصري".. وبعدين أبيع إنتاجي لإسرائيل.. حاولت معه إسرائيل مرة آخرى عندما رفض الاشتراك في حفل أضواء المدينة عام 1995 لكنه رفض أيضاً.
قالوا عنه
الشاعر الكبير "نزار قباني" قال: استطاع "الموجي" أن يُحدث شرخاً في قشرة الغناء السميكة عندما لحن لـ "عبد الحليم" "رسالة من تحت الماء"، و"قارئة الفنجان".. في حين قال عنه "محمد عبد الوهاب": هذا الملحن يتمتع برأس مليء بالموسيقى بحيث لا أكاد أعرف من أين تأتيه هذه الجمل الرائعة التكوين.. واعتبره صانع النجوم وموسيقاه فيها ثراء فني كبير وفيها جديد يُثري مكتبتنا الموسيقية العربية ثراءً كبيراً عظيماً.. أما كوكب الشرق فوصفته بأنه نهر لا يجف ولا يتوقف مليء بالموسيقى الجديدة الشرقية المتطورة.
في الأول من تموز/يوليو عام 1995 ودعت مصر كلها فارس النغم "محمد الموجي" عن 72 عاماً بعد معاناة دامت 17 يوماَ في غرفة العناية الفائقة، اثر نزيف في المريء وورم خبيث في الكبد، أفقده على مدى خمس سنوات من الآلام 20 كيلو غراماً.. عند وفاته ترك أكثر من 50 لحناً لم تر النور.. وقدم أكثر من 1500 لحن كان لها تأثيراً كبيراً في عالم الموسيقى والغناء في الوطن العربي رغم أنه لم يدرس الموسيقى.. ومازالت ألحان "الموجي" تحتاج إلى الدراسة لمعرفة استخدامه لصياغة قالب القصيدة والموال والطقطوقة والديالوج عنده، مازالت أنغامه تحتاج إلى دراسة أسلوب انتقالاته اللحنية.
المراجع
ـــــ
حوار أجرته الباحثة مع الموجي الصغير، يوم 25 يونيو 2006
الأرشيف الخاص بالموسيقار الراحل محمد الموجي
"محمد الموجي" هو اسم الشهرة لـ "محمد أمين محمد الموجي".. ولد في 4 مارس عام 1923 ـ وهو نفس عام رحيل "سيد درويش" ـ في بلدة " بيلا " بمحافظة كفر الشيخ المتاخمة للإسكندرية. نشأ "الموجي " في بيئة ريفية. كان والده كاتباً في مصلحة الأملاك الأميرية، ويهوى الموسيقى فامتلك آلة عود أخذ يعزف عليه من آن لأخر. كان عمه "إبراهيم محمد أمين " من محبي الموسيقى والغناء، فامتلك مكتبة موسيقية تضم العديد من إسطوانات أساطين الفن الأوائل أمثال الشيخ "يوسف المنيلاوي"، و"عبد الحي حلمي"، والشيخ "أبو العلا محمد"، و"زكي مراد"، و"عبد اللطيف البنا"، و" صالح عبد الحي" ، و"سيد درويش"، و"أم كلثوم "، و"محمد عبد الوهاب ". في هذا الجو الفني الذي تُغلفه الأنغام الأصيلة المشحونة بالشجن والطرب تدربت أذن محمد الموجي على الموسيقى وأصبحت مرهفة الإحساس، فأصبح منذ طفولته يمضي الساعات في الاستماع إليها عبر جهاز الجراموفون.
في السادسة من عمره إنتقل الموجي إلى بلدة "دمرو" ليلتحق بالمدرسة الأولية وكان يستهويه آنذاك إنشاد المداحين ويُرافقهم في جولاتهم وسهراتهم. عندما التحق "الموجي" بمدرسة "المحلة الكبرى الثانوية" شارك في عدة أنشطة فنية منها الرسم والخط والتمثيل، وكان يقوم بالأدوار الغنائية. أصبحت الموسيقى تُسيطر على فؤاد "الموجي ". خلال فترة الثلاثينيات أُغرم "محمد الموجي" بمشاهدة أفلام "محمد عبد الوهاب" ـ "الوردة البيضاء"، و "دموع الحب"، و"يحيا الحب " ـ التي كانت تُعرض وقتها بدور العرض السينمائي أكثر من مرة، فحفظ بعض ألحانها وعزفها على أوتار عود والده. كانت أول آلة عزف عليها هى " ألة السلامية " ثم عزف على آلة العود وقام بغناء ألحان "محمد عبد الوهاب"، و "أم كلثوم".
في مدرسة الزراعة بمدينة "شبين الكوم " اكتشف موهبته الفطرية مُدرس النشاط الموسيقى بالمدرسة "محمد إبراهيم الشال "، عديل الموسيقار "رياض السنباطي"، فعهد إليه بتلحين أبيات شعرية من مسرحية أميرالشعراء "أحمد شوقي" "مجنون ليلى" ليقدمها فريق المدرسة في حفل التخرج. كان أول لحن لحنه في المسرحية "هلا هلا هيا اطوي الفلا طيا"، وكانت هذه أولى محاولاته في التلحين.
مطرب الريف
حصل " الموجي" على دبلوم الزراعة عام 1944 وهو في الحادية والعشرين من عمره. لم يعمل في شئون الزراعة مباشرة لكنه ذهب إلى معسكرات الجيش البريطاني، وعُين بالبوليس الحربي الإنجليزي وتعرف أثناءها على عازف العود "جمعة محمد علي"، ثم قرر أن يهجر عمله بالمعسكرات حتى لو ضاقت به سبل العيش، وأن يتقدم لإختبار الإذاعة كمطرب وملحن.
في ذلك الإختبار غنى "الموجي" قصيدة لـ "محمود سامي البارودي" من ألحانه يقول مطلعها:
غلب الوجد عليه فبكي وتولى الصبر عنه فشكى.
لكنه لم ينجح لأن صوته لم يُعجب أعضاء اللجنة. فعمل معاون زراعة في "بيلا" ثم بالأوقاف الخصوصية الملكية في "إيتاي البارود". وبعدها بعامين عُين ناظراً للزراعة في بلدة "بيلا " ثم في "إيتاي البارود". تعود "محمد الموجي" أن يقضي أوقات فراغه مع آلة العود، ويغني بصحبة أصدقائه في المناسبات حتى أُطلق عليه "مطرب الريف". كان يقضي يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع في القاهرة ليزور صديقه الملحن "فؤاد حلمي" الذي كان وقتها طالباً في معهد "فؤاد الأول" للموسيقى، ليطلع على أحدث المعلومات الموسيقية. ظل هكذا ثلاث سنوات. في عام 1948 استقال من عمله وشد الرحال إلى القاهرة ليشق طريقه في رحابها، وساعده في ذلك الملحن الشاب "فؤاد حلمي".
قرر "الموجي الكبير" أن يبدأ الكفاح ليفرض نفسه كمطرب، فحضر إلى القاهرة للعمل في الملاهي. عمل في فرقة "صفية حلمي" الاستعراضية. كان يُغني بمصاحبة عوده ويقوم بتلحين بعض الإسكتشات وهناك تعرف على اثنين من شعراء الأغاني هما "علي بحيري"، و"سمير محبوب" اللذين شجعاه على إنشاء ملهى خاص به يُنفذ من خلاله أفكاره الموسيقية المتجددة، و مواهبه الغنائية الإبداعية. قام والد "الموجي" بتشجيع ابنه فأمده بالمال اللازم، 400 جنيه مصري، لإنشاء ملهى "البوسفور" بميدان باب الحديد. في هذا الملهى تعرف "محمد الموجي" على المؤلف الموسيقى " فؤاد الظاهري" الذي تولي تدريب صوته على آلة البيانو.
في ذلك الملهى غنت له المطربة "زينب عبده" ثلاثة ألحان. أغنيتي "صافينيي مرة "، و"بتقوللي بكره" اللاتان غناهما "عبد الحليم" فيما بعد " وباكتب لك جوابات " التي غنتها " ليلى مراد " فيما بعد.. لكن لم يطل عهد "الموجي" بملهى " البوسفور" أكثر من عام حيث أفلس فأغلقه لعدم درايته بالأمور الإدارية والمالية. ثم التحق بملهى "الكواكب" بشارع "عماد الدين" وكان صاحبه أحد الريفيين الأثرياء.
في عام 1950، وفي مصدر آخر في عام 1949، أعاد "محمد الموجي" محاولة التقدم لإختبار الإذاعة فنجح هذه المرة ليس كمطرب ولكن كملحن في إذاعة القاهرة.. وبدأ يُلحن لكل من "فاطمة على"، "إبراهيم حمودة"، "محمد قنديل"، "كارم محمود".. في يوم من أيام عام 1951 كان "الموجي" يسير في شارع كورنيش النيل حي "إمبابة" مع صديقه "سمير محبوب" فاستمع إلى صوت مطرب جديد يغني قصيدة "لقاء" شعر "صلاح عبد الصبور" وتلحين "كمال الطويل" فأعجبه الصوت وعرف في نهاية الأغنية أن اسمه "عبد الحليم حافظ".. في تلك الفترة كان "للموجي" نصف ساعة في الإذاعة وكان الملحن له مطلق الحرية في اختيار المُغني فذهب في اليوم التالي إلى الإذاعي الكبير "حافظ عبد الوهاب" وطلب منه صوت " حليم " ليُلحن له فأجابه :
ـ لولا أني أعرف أن فيك شيئاً جديداً لما أعطيته لك.
لقاؤه بالعندليب
هكذا تم اللقاء الأول بين "حليم" و"الموجي"، وقررا أن يغني "حليم" أغنيتي " صافيني مرة " ـ "تقوللي بكره"، لكن لجنة النصوص رفضت الأغنيات الجديدة، وبدأ "الموجي" يُلحن أغنية "ظالم" ووافقت عليها لجنة النصوص وكان أول لحن غناه له "عبد الحليم" في الراديو، ثم أغنية "يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا أسمر" ثم "الزلزال الفتي ".. وكان "الموجي " قد عرض أغنيات "صافيني مرة " ـ "تقوللي بكره"، على "شهر زاد"، و"عبد الغني السيد"، و "محمد عبد المطلب"، فلم يتجاوبوا مع الأغنيات الجديدة، وأجمعوا على أن اللحن والكلمات ليست من اللون الذي يقدمونه. وقرر "عبد الحليم حافظ " أن يُغنيها. في اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو في حفل أضواء المدينة بدأ "حليم" بأغنية "صافيني مرة " ونجحت الأغنية واستقبلته جموع المشاهدين بترحاب غير مُتوقع.
كان ذلك الحفل إيذاناً بمولدهما الفني، والإنطلاقة الأولى في حياة "الموجي" و"عبد الحليم". الغريب في الأمر أن نفس الأغنية كانت سبباً في طرد "الموجي"، و"حليم" من العمل في أحد ملاهي الأسكندرية. وهذه هى الواقعة التي زعم البعض أن الجمهور قذف فيها "حليم" بالبيض والطماطم. لكن "الموجي الكبير" كان قد نفى حدوث ذلك مُؤكداً أنه ليس من المنطقي أن يأتي الجمهور إلى الملهى محملاً بالبيض والطماطم. لكن ما حدث يومها أن "كارم محمود" كان يُغني قبلهما على المسرح أغنيته الشهيرة "يا نجف بنور يا سيد العرسان"، وكان الجمهور في حالة "صهللة ". لكن عندما صعد "حليم " إلى المسرح وبدأ يُغني "صافيني مرة" سرت الهمهمة والتساؤل بين الجمهور. لم يُعجب ذلك "الحاج صديق" صاحب الكازينو فطردهما ورفض منحهما مليماً واحداً. لكن الفنانة "تحية كاريوكا" التي كانت تعمل في نفس الملهى أُعجبت بهما وتوقعت لهم مستقبلاً ناجحاً وأعطتهما أجرة المواصلات. وتحققت نبوءة "كاريوكا" فنجحت الأغنية ثم غنى "حليم" أغنية "بتقوللي بكره"، وغنت "ليلى مراد" "باكتب لك جوابات".
في ذلك اليوم الذي رفض فيه ثلاثة من كبار المطربين، في ذلك العصر، أغنية "صافيني مرة" قدمها "الموجي" إلى "العندليب" وهو مازال في بداية مشواره الفني، فقال "عبد الحليم" بأسلوبه الضاحك: "سأغنيها ورزقي ورزقك على الله يا "موجي"، ونجحت الأغنية، وبدأ الاثنان الاستعداد لفيلم "لحن الوفاء".
وفقاً لسيناريو فيلم "لحن الوفاء" كانت أغنية "أحن إليك" سوف تُغنيها "شادية". مع ذلك عندما انتهى "الموجي" من تلحينها رفضت غنائها قائلة إن اللحن لا يناسبها لكنه يتناسب أكثر مع "عبد الحليم حافظ"، فاضطر صُناع الفيلم إلى تغيير جزء من السيناريو ليتلائم مع الوضع الجديد ونجحت الأغنية وكذلك الفيلم. بعدها غنى "حليم" من ألحان "الموجي " "نار ياحبيبى نار". لكن اختلف الأثنان كثيرا حول قوبليه "يامدوبنى في أحلى عذاب بابعت لك بعنيه جواب"، وأصر "حليم" على أن يأخذ "الموجي" مفتاح الشاليه الخاص "بحليم" في "العجمي" ويبقى هناك حتى يستطيع إعادة تلحين هذا القوبليه. بالفعل سافر "الموجي" وقضى بعض الوقت لكنه عاد أكثر إقتناعاً وإصراراً على لحنه السابق، وبعد نجاح الأغنية أخذ "عبد الحليم" يُداعب "الموجي": "شفت يا "محمد" القوبلية اللى كنت عايز تغيره عجب الناس."
علاقة لا تخلو من خلافات
بعد فيلمه "لحن الوفاء" عام 1954 بدأت الأفلام تتوالى على "عبد الحليم".. وقتها طلب "محمد عبد الوهاب" احتكار صوت "الحليم" ليُنتج له أغنياته وأفلامه. أبدى "العندليب" سعادته بعرض "موسيقار الأجيال" لكنه أعلن أن "الموجي" رفيق كفاحه ولا يُمكن أن يستغني عن ألحانه في الإذاعة، لذلك استمر "حليم" في العمل مع "الموجي" إلى جانب عقد إحكتار "عبد الوهاب".
لم تخلو العلاقة بين "الموجي" و"حليم" من بعض الخلافات التي كانت تصل إلى حد الخصام في بعض الأحيان، فعندما بدأ نجم "عبد الحليم" في السطوع ارتفع أجره حتى بلغ 15ألف جنيه في فيلم "يوم من عمري" عام 1961، فطلب "محمد الموجي" من "عبد الحليم" أن يتحدث مع المنتج ليرفع أجر الملحن ومؤلف الأغاني من 300 جنيه في الأغنية إلى ألف جنيه. لكن "حليم" رفض التدخل واتهم "الموجي" بأنه أصبح مادي. رفض "الموجي" الاستمرار في تلحين أغاني الفيلم التي كان قد بدأ فيها بالفعل. لجأ "حليم" إلى مُلحن آخر هو "على إسماعيل"، مستفيداً من أفكار "الموجي" التي سبق وتناقشا فيها حول ألحان أغاني الفيلم، فحدثت القطيعة بينهما.
لم يكن "العندليب" ليقبل أن يخسر موهبة مثل "الموجي". لذلك استعان بـ "أم أمين"، زوجة "الموجي" لتقوم بالصلح بينهما، فلجأت إلى حيلة ذكية لإقناع زوجها بأن أخبرته أن أقاربها قادمون من البلد لزيارتهم في ذلك اليوم، فجلس "الموجي" ينتظرهم، وإذا بالضيف القادم هو "العندليب". دار بينهما عتاب حاد انتهى بالصلح. كلما وقع خصام بين "الموجي" و"عبد الحليم"، كان "الموجي" يقوم بالتلحين لمطرب جديد، مثل "محرم فؤاد"، و"ماهر العطار"، و"عبد اللطيف التلبانى"، و"هاني شاكر"، و"كمال حسنى"، إلى أن يتصالحا ويعودا للعمل معا مرة أخرى.. أثناء فترات القطيعة حاول المتربصون بـ "حليم" و"الموجي" استمرار الفجوة بينهما وتعميقها، فأشاعوا أن "أم أمين" تقوم بأعمال السحر لـ "عبد الحليم" حتى يظل مريضا طوال عمره، وبدأت الصحف تكتب عن "أم أمين"، وسحرها المزعوم، لكن "العندليب" خرج عن صمته وكذب تلك الأخبار.
تطورت العلاقة بين "الموجي" و"العندليب الأسمر" من تعاون فني مثمر إلى صداقة حميمة. بدأ الأثنان مشوارهما معاً، واجها قسوة الحياة الفنية معاً وسطع نجمهما سوياً، ارتبطا في رحلة غناء ثرية وناجحة. كانت حياتهما نبضات من الصدق لا تنسى. غنى خلالها "عبد الحليم حافظ" 88 أغنية من ألحان "الموجي"، أشهرها "ياحلو يا أسمر"، "يا مواعدني بكرة"، "ظالم"، "تقوللي بكرة "، "الليالي"، "حبك نار"، "جبار"، "كامل الأوصاف"، "أحبك"، "مغرور"، "أحضان الحبايب"، "رسالة من تحت الماء"، "إسبقي يا قلبي"، "أبو عيون جريئة"، وصولاً إلى "قارئة الفنجان" قصيدة الشاعر الكبير "نزار قباني".
كوكب الشرق تبحث عن الموجي
كان أول لقاء بين "الموجي" وبين "فايزة أحمد" من خلال أغنية "أنا قلبي إليك ميال"، وبعدها غنت من ألحانه "يا أمه القمر ع الباب"، فلاقت الأغنية نجاحا كبيرا، وربما كان هذا النجاح هو الذي قدمه إلى كوكب الشرق، التي سعت بنفسها إليه لتغني من ألحانه، خصوصاً بعد أن بدأ نجم "محمد الموجي" في السطوع في الخمسينيات مع أفراد من جيله منهم "كمال الطويل" و"سيد مكاوي"، وكان يسبقهم جيل يضم كل من "محمد فوزي" و"أحمد صدقي" و"محمود الشريف" و"منير مراد".
ظلت "أم كلثوم" تتابع ألحان "الموجي" بالإذاعة إلى أن طلبت من "حسن الشجاعي" في عام 1956 أن يُخبر "الموجي" بأنها تُريد لقائه. كان "الموجي" يحلم بأن تُغنى "كوكب الشرق" من ألحانه، ولم يصدق نفسه عندما دعته لزيارتها في بيتها. في منزل السيدة "أم كلثوم" التقى "الموجي" بالعملاقين، الشاعر "أحمد رامى"، والموسيقار "محمد القصبجي". كان "الموجي" يخشى هذا اللقاء ويتمناه في الوقت نفسه، وقد خرج منه أكثر ثقة بنفسه، وبموهبته بعد أن أشاد به "القصبجى" قائلاً له: "أنت القصبجي الجديد".
في ذلك اليوم أخبرته "ثومة" أنها ستغني "رابعة العدوية" للإذاعة وأنها اختارته ليضع لها لحناً من التمثيلية الغنائية وهو "حانة الأقدار".. عندما استأذن "الموجي" للخروج قالت له "ثومة": "فَرَّق بين لحن تَصنعه لـ"عبد الحليم" وآخر تَصنعه لـ "أم كلثوم".. بعد أيام عاد إليها باللحن فسمعته وسجلته على آلة التسجيل الخاصة بها، وانتهى اللقاء بأن عهدت إليه بوضع اللحن الثاني من رابعة العدوية" وهو " أوقدوا الشموس" المعروف بـ "الرضا والنور والصبايا الحور".. بدأ "الموجي" رحلة البحث عن اللحن التائه لكن سرعان ما اتصل به مدير الإذاعة وأخبره أن "ثومة" اختارته ليضع لها لحناً للنشيد الذي ستُغنيه في عيد الجلاء.. كانت مفاجأة وإختباراً صعباً لأنه كان يُدرك أنها معركة عشرات الملحنيين فكل منهم يضع لحناً لعيد الجلاء.
نجح "الموجي" في تلحين " أنشودة الجلاء"، تأليف أحمد رامي، وغنته "كوكب الشرق" لأول مرة بمناسبة عيد الجلاء في 18 يونيو 1954 في نادي الجلاء للقوات المسلحة بالقاهرة.. بعد انتهاء الحفل أخذت "ثومة" "الموجي" من يده، وقدمته للجمهور، الذي كان يضم في هذا الحفل قيادات ثورة يوليو 1952، وبينهم جمال عبد الناصر.. بعد ذلك انتهى من وضع ألحان اللحن الثاني من أغاني "رابعة العدوية"، والذي استغرق منه وقتا طويلا كي ينتهي منه. ووصل الأمر بـ"كوكب الشرق" أن قدمت شكوى للرئيس جمال عبد الناصر، الذي قال لها مداعبا: "احبسهولك حتى ينتهي من التلحين."
تتابعت مسيرة الأغنيات الوطنية الحماسية بين "الموجي" و"ثومه" ومنها "محلاك يا مصري وإنت ع الدفة"، "بالسلام احنا بدينا"، "يا سلام على الأمة"، و"صوت بلدنا".. أما حكاية أغنية "بالسلام إحنا بدينا"، لمؤلفها "بيرم التونسي".. أنه في أكتوبر عام 1959 كان الرئيس "جمال عبد الناصر" مسافراً إلى الأمم المتحدة ليرفع من هناك صوت السلام وعقب خطابه القوي التعبير، المؤمن بوطنه وبعروبته، المؤمن بالسلام.عقب سماع الخطاب كتب "بيرم" كلمات الأغنية. لم يكن "التونسي" وحده في ذلك لكن جموع المطربات والمطربين أردات المشاركة والإحتفال بعودة الرئيس بتقديم أغنية له، فاختارت "ثومة" "الموجي" لتلحين أغنيتها "بالسلام إحنا بادينا".
أسرع "الموجي" بالتفكير في لحن الأغنية، وأجرى عدة محاولات في مكتبه، لكن جو المكتب ورنين التليفون المتواصل لم يساعده على التركيز فحمل عوده ليستقل أول تاكسي يُقابله ويطلب من السائق أن يذهب به إلى أي مكان.. ظل سائق التاكسي يجوب به شوارع القاهرة من الهرم إلى العباسية إلى مصر الجديدة حتى انتهى من وضع اللحن.. يقول "الموجي": "كنت وأنا في التاكسي أرى إنفعالات الناس، وانطباعات الفرحة والسلام على كل الوجوه، سائق التاكسي، بائع الخبز، موظف الحكومة، رجل الأعمال، سيدة المجتمع .. من كل هؤلاء، من ابتساماتهم وسعادتهم وضعت لحن "بالسلام إحنا بدينا".. في هذه الأغنية استبدل "الموجي" كلمة "راح جمال" بكلمة "قام جمال".. واستبدلت "ثومة" كلمتين "الإحترام" بـ "السلام" ثم نفرق بـ "يكونوا".
للصبر حدود
رفعت السيدة "أم كلثوم" في مايو 1963 دعوى قضائية على الملحن "محمد الموجي" تطالبه بتعويض قدره 500 جنيه علاوة على 300 جنيه قبضها مقدم مبلغ 1500 كان قد اتفق على تقاضيها مقابل تلحين ثلاث أغنيات من بينها "حيرت قلبي معاك " التي لحنها "رياض السنباطي"، و"للصبر حدود".. لكن "الموجي" قال أن الأغنيات هى "لأ يا حبيبي" و"حيرت قلبي معاك". لكن الكلمات لم تُعجبه وأخبر "أم كلثوم" بذلك لكنها أصرت على رأيها وأصر هو على رأيه لأنه يرى نفسه فناناً وله إحساس.. والدليل أن الأغنيتين لم تنجحا النجاح المأمول ككل أغنياتها، وهو ما أرجعه الموجي إلى ضعف كلمات الأغنيتين.. واتهمته "ثومة" بتعمد الإهمال حتى تمر المدة في العقد.. لكنه ذهب إليها مع صديقه "أحمدالحفناوي" وتم التصافي. ثم قالت له اختر الكلمات التي تعجبك. بعدها كلف "الموجي" المؤلف "محمد حلاوة" ليضع كلمات أغنية "لأم كلثوم". وأخذ "الموجي" في تلحينها فترة طويلة وذهب إليها بأغنية "لو نسيت الذكريات أسأل الصيف اللي فات" لكنها اعترضت على الكلمات وطلبت تعديلها ثم عادت ورفضتها. وإضطر "الموجي" إلى إهمال الأمر وطلب منها أن تختار الكمات التي تعجبها ولكنها بدلاً من أن ترسل له كلمات الأغنية أرسلت إليه محضراً.
تعددت الروايات واختلفت حول "أغنية "للصبر حدود" فالبعض قال أن "أم كلثوم" كانت قد اتفقت مع "الموجي" على أن ينتهي من اللحن خلال شهر، ومضت الفترة ولم ينته من اللحن، فأقامت ضده دعوى في المحكمة.. لكن المؤكد أن "الموجي" دخل المحكمة بسبب أغنية "للصبر حدود"، وأنه وقف أمام القاضي الذي سأله: "لماذا لم تنه اللحن في الميعاد المحدد؟"، فرد "الموجي": "خلاص احكم عليّ بالتلحين، فقال له القاضي: حكمنا عليك بالتلحين، فما كان من "الموجي" إلا أن قال: إذن نفذ الحكم. فسأله القاضي: كيف؟ وأجابه "الموجي": "افتح رأسي واخرج اللحن.".. ثم ترافع "الموجي" عن نفسة قائلا: أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئا فتخرج "لحنا" على التو واللحظة، إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت كاف حتى يخرج اللحن إلى النور. و"أم كلثوم" ليست مطربة عادية. بعدها قال القاضي: عندك حق يا "موجي"، سأحفظ القضية، وأنت حر مع "أم كلثوم".
ذهب "الموجي" إلى "ثومة" يعاتبها لأنه دخل المحكمة بسببها، فقالت: "ماهو للصبر حدود يا "محمد"، وكلما بحثت عنك لا أجدك فأخبرني ماذا أفعل غير ذلك. والوقت ليس في صالحي. يوم تذهب فيه إلى "عبد الحليم"، ويوم تكون لدى "صباح"، أو"شادية"، أو "فايزة"، فاحترت معاك". وضحك الإثنان، وتم الصلح بينهما. لكنهما اختلفا مرة أخرى على لحن الكوبليه الأخير "ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيا ومليت"، لكن هذه المرة لم يتراجع "الموجي" ولم يغير اللحن، وأخذ العود وخرج غاضبا، واعتكف في منزله، ورفض أن يتحدث مع أحد، إلى أن طلبت أم كلثوم من الحفناوى وعبده صالح أن يذهبا إليه، ويقنعاه بالعودة إليها لتناقشه، وهناك اتفقوا على أن تغني اللحن كما هو. ونجحت الأغنية نجاحا كبيراً.
إسأل روحك
كانت أغنية "اسأل روحك" هى اللقاء الثاني الذي جمع بين الثلاثي "ثومة" و"الموجي" و"عبد الوهاب محمد" بعد أغنية "للصبر حدود"، وإن كان صُناع الأغنية وكثيراً من الموسيقين يعتبرون أغنية "إسأل روحك" هى الجزء الثاني من "للصبر حدود". ومن أطرف ما قاله "الموجي" عن الأغنيتين أن" كوكب الشرق" استطاعت أن "تُكلثمه" في أغنية "للصبر حدود" لكنه استطاع أن "يُموجها" في أغنية "إسأل روحك".
بدأت أغنية "إسأل روحك" هى الآخرى بخلاف بين "ثومة" و"الموجي" حيث رفضت هى أن تُغني كلمات أغنية "الحب ومواعيده" التي اختار كلماتها الموجي في موسم 1967 في حين رفض هو تلحين أغنيتين أعطتهما له أم كلثوم الأولى "ليه كل ما أنظر إليك" للشاعر "أحمد رامي" والثانية "إسأل روحك" للشاعر "عبد الوهاب محمد" منذ أكثر من عامين. وتدخلت بعض الصحف ونشرت كلمات الأغنيات وطالبت بتدخل جمهور القراء لإختيار كلمات الأغنية التي يُلحنها "الموجي"، ويبدو أن نتيجة الاستفتاء كانت لصالح أغنية "إسأل روحك" التي غنتها "كوكب الشرق" في أول يناير 1970.
تم التعاقد بينهما وطلبت "ثومة" من "الموجي" أن يجلس معها أثناء التلحين لكنه أخذ يُماطلها وتصادف سفره لإذاعة لبنان فتقابل هناك مع "كوكب الشرق" التي طلبت منه سماع اللحن فرفض حتى ينتهي منه تماماً.. وفي مصر استمعت "أم كلثوم" إلى القوبلييه الأخير أربع عشر مرة فتخيل أنها ستطلب تغييره. لكنها قالت أن ذلك من فرط إعجابها باللحن فقد استطاع أن يمزج بين ريتم "الفالس" الغربي ومقام "الرست" الشرقي بأسلوب جديد. ثم أهدته بعد نجاحها خاتماً من البلاتين الأبيض.
يحكي "الموجي" عن تجربته في تلك الأغنية فيشكف أن القوبليه الثالث في الأغنية أُعيدت كتابته ثلاث مرات ولحنه هو ثلاث مرات، أن ثلاث خواطر جاءته للحن، فأسمعها لمؤلف الأغنية "عبد الوهاب محمد" واتفق الأثنان على لحن واحد من الثلاثة. في بروفة اليوم الثاني أيدت "كوكب الشرق" رأيهما.. واعترف "الموجي" أنه راضي عن اللحن لأنه بعيد عن موضة استعمال الآلات الحديثة، أنه من فصيلة "للصبر حدود" مع تغير كبير في الشكل واللحن، أن الجديد في اللحن هو روح الأغنية التي تُعطيك الجو المصري الخالص بدون استخدام شيء من الفولكولور.
مدرسة الموجي للأصوات
لحن "الموجي" لجميع المطربين والمطربات ومنهم نجاة وفايزة صباح.. كانت الأغاني التي يقوم "الموجي" بوضع ألحانها عاملاً مؤثراً في شهرة العديد من المطربين والمطربات. في عام 1962 أنشأ "محمد الموجي" مدرسة لرعاية الأصوات الجديدة وأسماها "مدرسة الموجي للأصوات". في هذه المدرسة تخرج العديد من المواهب منهم "مها صبري" و"شريفة فاضل" و"عايدة الشاعر" و"ليلى جمال" و"ماهر العطار" و"أحمد سامي" و"عبد اللطيف التلباني"، و"هاني شاكر".. لم تستمر تلك المدرسة أكثر من عامين. كان "الموجي" يأمل أن تدعمها الدولة مادياً لكن ذلك لم يحدث فأغلقها عام 1964، خصوصاً أنه كان لابد لها من ميزانية، فقد كان يستعين بمدرسين للنوتة وغيرها وكان يدفع لهم المرتبات من ماله الخاص لكنه لم يستطيع مواصلة ذلك طويلاً. يُضاف إلى ذلك أن بعض اللذين دخلوا المدرسة كانوا لا يكادون يأخذون منه لحناً يشتهرون به حتى يتركوا المدرسة.. والمثال على ذلك "هاني شاكر".
الاتهامات والرد عليها
في عدد من حواراته لم يُنكر "الموجي" أنه من الملحنيين المقلين في ألحانهم ولا يُلحن إلا نادراً .. وأضاف أنه يضع اللحن في شهر أو شهرين وربما عدة أشهر.. كذلك نفى تماماً أنه انقطع عن التلحين لـ "هاني شاكر" إرضاءً لـ "عبد الحليم" فالعندليب مشغول بفنه فقط.. أما "هاني شاكر" فقد لحن له "الموجي" أغنية ولكنه لم يطلب مني أغنية ثانية ثم اتجه هو نفسه لعدة ملحنيين آخرين. كما نفي أنه قاطع التلحين لـ "وردة الجزائرية" لأن "بليغ حمدي" زوجها فقد لحن لها أغنية اسمها "مستحيل " لكنه كان يري أنه من المستحيل أن تُغنيها "وردة" وهى زوجة "بليغ حمدي".
كان "الموجي" يرغب في أن يُلحن للسيدة "فيروز" لأن صوتها من "الأصوات النادرة في عالمنا العربي"، وأشاد بصوت الكبير "وديع الصافي"فقال عنه : "وديع إن أمسك العود وسلطن ارتجل وأبدع وهو يقول أكثر من أي ملحن يلحن له"· ولم يعجبه صوت "ايمان البحر درويش"، وأخذ على الفنانة الكبيرة "ميادة الحناوي" أن صوتها يشبه صوت الفنانة "وردة".. واعتبر أن "عزيزة جلال" من أفضل الأصوات العربية التي جاءت إلى مصر· وأرجع سبب عدم استمرار "هاني شاكر" مثل "عبد الحليم" إلى أنه حاد عن طريق الموجي.. ووصف الموسيقار "بليغ حمدي" بأنه خليط منه، ومن "كمال الطويل"، و من "زكريا أحمد"، و قال عن "سيد مكاوي": ظل يرتدي معطف الشيخ "زكريا أحمد"، ولم يخرج عليه·
السينما في حياته
خاض "الموجي" تجربة التمثيل في السينما مرتين في أواخر الخمسينيات الأولى في فيلم "أنا وقلبي" مع "مريم فخر الدين" و"عماد حمدي"، والثانية في فيلم "رحلة غرامية" مع "مريم فخر الدين" و"شكري سرحان" و"أحمد مظهر" و"سميرة أحمد". وكانت التجربتان من إخراج "محمود ذو الفقار". لم يستمر "الموجي" في التمثيل لأنه كان يرفض حفظ الحوار.. مع ذلك قدم "الموجي" الكثير من الألحان الناجحة للسينما والتي مازالت خالدة في الأذهان. في البداية شارك بألحانه في فيلم " قلبي يهواك " لصباح، ثم في تلحين أغاني فيلم " لحن الوفاء " وفيلم "أيامنا الحلوة"، وفيلم "حكاية حب " وفيلم " أنا وبناتي " غناء فايزة أحمد، كذلك لحن معظم أغاني فيلم "تمر حنة " بالاشتراك مع "محمد فوزي" وتكررت التجربة بينهما في فيلم "ليلى بنت الشاطيء " ـ وفي نفس الفترة لحن "الموجي" أغلب أغاني فيلم "الهاربة " ولمحرم فؤاد لحن جميع أغاني فيلم "حسنة ونعيمة " وأغاني فيلم "وداعاً يا حب" ولحن لـ "عادل مأمون" في فيلم " ألمظ وعبده الحامولي ".
قدم "الموجي" للمسرح الغنائي أكثر من 12 مسرحية وأوبريتاً منها : حمدان وبهية ـ الشاطر حسن ـ هدية العمر ـ وداد الغازية ـ طبيخ الملايكة ـ دنيا البيانولا ـ شهر زاد ـ على فين يا دوسة ـ ملك الغجر ـ ممنوع يا كروان ـ توت توت لمسرح العرائس ـ وأخيراً مسرحية الخديو التي لحنها قبل وفاته بوقت قصير. احترق جزء من إنتاجه في مجال الأوبريتات وأُتلف تماماً عام 1971 في حريق دار الأوبرا المصرية فخسرنا جانباً مهماً من ابداعاته.
خاض "محمد الموجي" تجربة تلحين فوازير رمضان التي قامت ببطولتها نيللي في السبعينيات، وفيما بين عامي 1985 و1989 لحن "الموجي" مسلسل ألف ليلة وليلة، بطولة الفنانة الاستعراضية شريهان، لمدة أربع سنوات. كذلك قام بتلحين أول أغنية صورها التليفزيون بعد إفتتاحه بعنوان "فنجان شاي". بعدها قدم العديد من الألحان منها: أغنية للثنائي "صباح" و"فؤاد المهندس" "الراجل ده هيجنني" ـ مقدمة ونهاية مسلسل "عادات وتقاليد" ـ أغاني مسلسل "السفينة التائهة" ـ أغاني مسلسلات كل من "الكعبة المشرفة" ـ "لسه بأحلم بيوم" ـ "عصر الحب" ـ "أدهم الشرقاوي" ـ مسلسل "ناعسة "، كذلك شارك في غناء بعض ألحان المسلسل.. غنى بصوته أغاني كثيرة منها فنجان الشاي ـ النور موصول ـ محلا جمال مكة ـ الحضرة الشريفة ـ وعدد من الأدعية دينية.
قدم "الموجي" تجربة نادرة في الموسيقى العربية المعاصرة عندما وافق على التنازل عن أغنية "أسألك الرحيلا" التي قام بتلحينها موسيقار الأجيال. قرأ "محمد عبد الوهاب" كلمات الأغنية صدفة فوجد نفسه مشدوداً إليها فاتصل بالموجي وطلبها منه. لكن "الموجي" أخبره أنه بدأ في تلحينها وانتهى من وضع لحن "بيتين" منها بالفعل. فقال له "عبد الوهاب": يا "موجي" أنت تستطيع أن تلحن قصيدة كل يوم أما أنا فكل خمس سنوات تُعجبني قصيدة." ووافق "الموجي". لكن من شدة إعجابه بها غناها بصوته.
الطريف في الأمر أن "الموجي" هو الذي أكمل تلحين قصيدة "في عينيك عنواني" للشاعر "فاروق جويدة" والتي كان الموسيقار الراحل "عبد الوهاب" لحن منها جزءً قبيل وفاته، وبعد رحيله استقر الرأي على أن يُكمل اللحن الموسيقار "محمد الموجي" لأنه أكثر الفنانيين إقتراباً من روح "عبد الوهاب" وقدمت الأغنية "سمية قيصر" على مسرح دار الأوبرا المصرية.
أسلوب خاص في التلحين
صعد "محمد الموجي" سلم التلحين بسرعة، وأصبح القاسم المشترك في نجاحات "أم كلثوم"، و"عبد الحليم حافظ"، وغيرهما من قمم الغناء، في زمن الفن الأصيل. لم يكن أسلوبه في التلحين امتداداً لأحد من الملحنيين السابقين أو المعاصرين وإن تأثر إلى حد ما ببعضهم مثل "القصبجي" و"السنباطي" و"محمد عبد الوهاب" لكن ذلك لم ينعكس في إنتاجه لأنه كان يتمتع بأسلوب خاص في التلحين.. كان "الموجي" متنوعاً مجدداً وأصيلاً في ألحانه بداية من "صافيني مرة" الذي أحدثت إنقلاباً في مسار الأغنية وفي عالم الموسيقى والغناء. ذلك اللحن الذي أكد عدد من الموسيقين أنه لفت أنظار "محمد عبد الوهاب" إلى موهبة "محمد الموجي" وأن "كمال الطويل" تأثر به في تلحين أغنية "على قد الشوق" التي جاءت تقترب من أسلوب "صافيني مرة" في التلحين.
كان التلحين عند "محمد الموجي" يتم بإحدى طريقتين. إذا كان اللحن غير مطلوب على وجه السرعة يعيش مع الكلمات ويتعايش معها حتى يأتيه الإلهام فلا ينام إلا إذا أنهاه.. لكن في فترات أخرى يكون اللحن مطلوباً على وجه السرعة مما يتطلب تحدي الانسان لنفسه.. وفي رأيه أن أغنية "يا أما القمر ع الباب من أسرع وأنجح أغانيه.
أثناء التلحين يُصبح هو والنغمة شيئاً واحداً. لذلك كان يُصر على اختيار الكلمة التي تُحرك إحساسه وتُشعره بالجرس الموسيقي في الكلمة والمعنى والقوافي، أي يُلحن وفي داخله موسيقى الكلمة.. تتأكد موهبة "الموجي" في كلمة الصدق فهو من الملحنيين العرب القلائل ذوي الأصالة الفنية. كان موهبة نادرة في تاريخ الغناء العربي. ألحانه، التي يتم تدريسها الآن في معهد الموسيقى العربية، تخاطب المشاعر والوجدان، لكنها تنتمي إلى السهل الممتنع، فهى ألحان جميلة، رقيقة عند الاستماع إليها لكنها صعبة العزف.
جوائز
حصل الموجي على الميدالية البرونزية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965، وعلى وسام العلم، ووسام الاستحقاق من الرئيس السادات عام 1976. في نفس العام رُشح لجائزة الدولة التقديرية. حصل على الميدالية الفضية من جمعية المؤلفين والملحنيين في باريس عن رصيده الضخم من الألحان التي أبدعها عبر مشواره الفني.. في عام 1985 حصل على شهادات تقدير من الرئيس مبارك.. وحصل على أوسمة ونياشين من أغلب ملوك ورؤساء الدول العربية. وأصبح رئيساً لجمعية المؤلفين والملحنيين في مصر بعد وفاة الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1991 واستمر يشغل هذا المنصب حتى رحيله.
رفض "الموجي" عرضا مغريا قدمته له إحدى شركات الغناء الإسرائيلية التي سعت وراء استغلال موهبته وتاريخه الفني العريق، فجاءه شخص يدعي أنه مستشرق أوروبي يُريد أخذ ألحانه وتوزيعها أوركسترالياً. لكنه اكتشف أنه إسرائيلي يريد إنتاجه القديم والجديد وإعادة توزيعه مرة آخرى ليكون منتجاً إسرائليلاً بأصوات إسرائيلية مقابل ثلاثة ملايين جنيه. لم يكن مع الموجي أكثر من عشرة جنيهات لكنه رفض قائلاً : أنا عملت "يا أغلى اسم في الوجود"، "ومحلالك يا مصري".. وبعدين أبيع إنتاجي لإسرائيل.. حاولت معه إسرائيل مرة آخرى عندما رفض الاشتراك في حفل أضواء المدينة عام 1995 لكنه رفض أيضاً.
قالوا عنه
الشاعر الكبير "نزار قباني" قال: استطاع "الموجي" أن يُحدث شرخاً في قشرة الغناء السميكة عندما لحن لـ "عبد الحليم" "رسالة من تحت الماء"، و"قارئة الفنجان".. في حين قال عنه "محمد عبد الوهاب": هذا الملحن يتمتع برأس مليء بالموسيقى بحيث لا أكاد أعرف من أين تأتيه هذه الجمل الرائعة التكوين.. واعتبره صانع النجوم وموسيقاه فيها ثراء فني كبير وفيها جديد يُثري مكتبتنا الموسيقية العربية ثراءً كبيراً عظيماً.. أما كوكب الشرق فوصفته بأنه نهر لا يجف ولا يتوقف مليء بالموسيقى الجديدة الشرقية المتطورة.
في الأول من تموز/يوليو عام 1995 ودعت مصر كلها فارس النغم "محمد الموجي" عن 72 عاماً بعد معاناة دامت 17 يوماَ في غرفة العناية الفائقة، اثر نزيف في المريء وورم خبيث في الكبد، أفقده على مدى خمس سنوات من الآلام 20 كيلو غراماً.. عند وفاته ترك أكثر من 50 لحناً لم تر النور.. وقدم أكثر من 1500 لحن كان لها تأثيراً كبيراً في عالم الموسيقى والغناء في الوطن العربي رغم أنه لم يدرس الموسيقى.. ومازالت ألحان "الموجي" تحتاج إلى الدراسة لمعرفة استخدامه لصياغة قالب القصيدة والموال والطقطوقة والديالوج عنده، مازالت أنغامه تحتاج إلى دراسة أسلوب انتقالاته اللحنية.
المراجع
ـــــ
حوار أجرته الباحثة مع الموجي الصغير، يوم 25 يونيو 2006
الأرشيف الخاص بالموسيقار الراحل محمد الموجي
عن كتاب " بعيون امرأة " لأمل الجمل الصادر عن دار نشر العالم الثالث.مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق