الثلاثاء، مارس 31، 2009

صنع في أمريكا.الحلم الأمريكي في تظاهرة سينمائية فرنسية


من تنظيم " معهد جان فيجو " في مدينة بربنيان الفرنسية

مهرجان " مواجهة " السينمائي - كونفرنتسيون-

يخصص دورته 45 بعنوان " صنع في أمريكا " ل



" الحلم الامريكي " علي الشاشة

يقام مهرجان " مواجهة " كونفرنتسيون في الفترة من 2 الي 8 ابريل 2009 في مدينة بربنيان في أقصي الجنوب الفرنسي علي مقربة من الحدود الأسبانية ،ويكرس دورته الخامسة والاربعين هذه للأحلام والأساطير المؤسسة للسينما الامريكية، ويعرض أفضل نماذجها ، من خلال مجموعة من أعظم الأفلام في تاريخ السينما الأامريكية ، من ضمنها فيلم " المهاجر " لشارلي شابلن ، وفيلم " امريكا امريكا.ابتسامة الأناضول " لاليا كازان، وفيلم " ميلاد أمة " لدافيد جريفيث وغيرها..كما ينظم العديد من الندوات واللقاءات للبحث في انجازات السينما الامريكية عبر تاريخها والأضافات التي حققتها..


CONFRONTATION 45
MADE IN USA / Mythes et rêves américains

JEUDI 2 - MERCREDI 8 AVRIL 2009

Choisir de parler du rêve américain, c'est tenter de repérer par les représentations cinématographiques les mythes et les genres que les États-Unis ont construits. À partir de longs métrages de fiction Confrontation 45 se propose de réfléchir à ce «Made in USA» au moyen d'axes thémathiques qui nous ont semblé importants:
En premier l'immigration (L'Émigrant de C. Chaplin, America America d'E. Kazan). Depuis le XVIe siècle le pays s'est construit par l'arrivée de vagues successives d'immigrants se fondant tant bien que mal dans le melting-pot (La Porte du Paradis de M. Cimino) qui connaît aussi un certain nombre de problèmes (on pense aux Indiens, Noirs, etc.). Tout ceci constitue progressivement une Nation (Naissance d'une Nation de D.W. Griffith) s'affirmant à la face du monde comme une République Indépendante dotée d'une Constitution originale dès 1787.
Ce texte fondateur repose sur les libertés en structurant une République présidentielle et un système fédéral permettant un équilibre entre un Président commun et des libertés aux États dans le cadre fédéral.
Le cœur du système (Tempête à Washington de Otto Preminger, Serpico de S. Lumet) est ainsi cet équilibre entre La Maison Blanche et les États, entre le Président et les autres pouvoirs: le Congrès, le système judiciaire, mais aussi la presse et l'opinion, la liberté religieuse (Le Malin de J. Huston) etc.
Le mythe central du rêve américain est celui de la Frontière (Les Affameurs d'A. Mann) qui a évolué dans le temps en embrassant des notions de plus en plus larges illustrées par le rêve hollywoodien (À la recherche de Garbo de S. Lumet, Superman returns de B. Singer).
Le «Made in USA» cinématographique a donné naissance à certains genres particuliers bâtisseurs de mythes: héros des westerns, justiciers des films noirs ou super héros des films fantastiques.
Que Confrontation 45 commence avec en soirée d'ouverture L'Émigrant de Charlie Chaplin et My Brother's Wedding de Charles Burnett !

Alain LOUSSOUARN
Directeur du Festival



الاثنين، مارس 30، 2009

أمسية سيتمائية في جامعة الخليج يوم 2 أبريل2009



( تنباك ) و( بنت مريم ) فى جامعة الخليج

يقيم نادى المواهب بجامعة الخليج امسية سينمائية مع الكاتب والمنتج الاماراتى محمد حسن احمد وذلك يوم الخميس الموافق 2/4/2009 بمقر النادي بالجامعة في غرب مشرف الساعة الخامسة مساء ويعرض خلال الأمسية فيلمي ( تنباك ) و( بنت مريم ) من اخراج عبداللة حسن احمد وسعيد سالمين ويعقب الامسية ندوة عن السينما فى الخليج ويشارك فى الندوة الكاتب والمنتج محمد حسن احمد ورئيس نادى المواهب بجامعة الخليج يوسف حامد ومدير نادى الكويت للسينما الناقد السينمائى عماد النويرى .

جدير بالذكر ان فيلم ( تنباك ) قد شارك فى العديد من المهرجانات العربية والخليجية منها مهرجان دبى السينمائى ومهرجان الريف البحرينى, وقد حصل على جائزة افضل فيلم روائى قصير فى مهرجان الخليج السينمائى وتنوية خاص من مهرجان الفيلم العربى باميركا ويذكر ايضا ان ( بنت مريم ) حصد على جوائز من مهرجانات خليجية وعربية ودولية .

الجمعة، مارس 27، 2009

القدس في معهد العالم العربي


القدس


عاصمة الثقافة العربية


في معهد العالم العربي



باريس.سينما ايزيس




يشارك معهد العالم العربي في التظاهرات التي تقام ضمن إطار القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 ويدرج هذا الحدث الهام في برمجته السنوية، من خلال برنامج ثقافي وفني متنوع : معارض، سهرات موسيقية وغنائية، مسرح، سينما، رقص، لقاءات أدبية وفكرية، محاضرات..

وهكذا فإن مكتبة معهد العالم العربي ستسلط الأضواء على الأدب الفلسطيني من خلال معرض للكتب المخصصة للقدس، وتنظيم قراءات شعرية. وستخصص مجلتا المعهد مختارات وقنطرة ملفين عن المدينة المقدسة. أما للصغار فستكون هناك ورشات عمل فني موضوعها القدس مدينة للسلام . وسيكون هناك معرض متنقل عن تاريخ المدينة: ماضيها وحاضرها. وستعطي مكتبة البيع حيزاً كبيراً للكتاب الفلسطينيين وكتبهم بالإضافة إلى مختارات من أعمال الحرفيين .

ستكون هذه المشاركة طوال عام 2009 فرصة استثنائية للجمهور الفرنسي لاكتشاف الماضي الغني لهذه المدينة وإبداع الفنانين وحيوية الثقافة الفلسطينية اليوم.

الأربعاء، مارس 25، 2009

اعلان فتح باب المشاركة في سينيسكيب.نادي الكويت للسينما




فتح باب المشاركة في مسابقة سينسكب

بدا في نادي الكويت للسينما استقبال أفلام الراغبين في التنافس على جوائز مسابقة ( سينسكيب ) السينمائية والتى يقيمها نادي الكويت للسينما برعاية شركة السينما الكويتية الوطنية , وتشارك في المسابقة وهى الأولى من نوعها لدعم سينما الشباب في الكويت الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية وأفلام التحريك التي لا تزيد مدتها على 15 دقيقة. وتمنح المسابقة جوائز قيمتها 2500 دينار مقدمة بالكامل من شركة السينما الكويتية الوطنية . ومن حق المنظمين ترشيح أي من الأعمال الفائزة للمشاركة في المهرجانات والمسابقات العربية والدولية, و تتكون لجنة التحكيم من أربعة أعضاء من ذوي التاريخ والخبرة الرفيعة في مجال تحكيم الأعمال السينمائية وعلى هامش المسابقة الرسمية ستقام بعض العروض السينمائية الخليجية والعربية لدعم التعاون السينمائي بين دولة الكويت وبقية دول العالم
وقد صرحت نجاح كرم ان المسابقة مفتوحة لاستقبال طلبات المشاركة حتى نهاية أغسطس العام الجاري لإتاحة الفرصة أمام طلبة المدارس والجامعات للعمل على انجاز أعمالهم خلال فترة الأجازة الصيفية , مشيرة إلى ان الجوائز الثلاثة الأولى ستكون كالتالي, الجائزة الأولى 1000 دينار والثانية 750 ديناراً والثالثة 500 دينار, وأعربت عن أملها ان يزيد حجم الدعم المادي وان تكون المسابقة نواة لمهرجان سينمائي في المستقبل القريب . وقد صرحت كرم أيضا ان النادي وخلال العامين الماضيين قدم الدعم للسينما الشابة من خلال إقامة العديد من الفعاليات منها تنظيم أكثر من أمسية لعرض أفلام الشباب , وإقامة الورش المتخصصة للمواهب والكوادر السينمائية الكويتية , إضافة إلى ترشيح بعض الأعمال السينمائية لشباب النادي للمشاركة في المهرجانات الخليجية في ابوظبى ودبي, وينتظر ان تشارك بعض هذه الأعمال في مهرجان الخليج الذي تعقد فعالياته بداية الشهر المقبل . أما عن إمكانية إقامة مهرجان سينمائي أوضحت كرم : ( نتمنى ان يكون لدينا مهرجان سينمائي لاسيما وان كل المقومات موجودة واعتقد أننا لن نقدم على مثل هذه الخطوة ما لم يتوافر دعم مادي مناسب لان المهرجان سيحمل اسم الكويت, مؤكدة ان تفوق دول الجوار في المهرجانات على الرغم من مكانة الكويت وريادتها , تأتي من دعم حكومة تلك الدول للمهرجانات والإيمان بأهميتها الفنية والثقافية . ) وعلى صعيد أخر صرحت نجاح ان النادي بصدد الإعلان عن العديد من المشروعات السينمائية التي تؤكد اهتمام النادى بالسينما الشبابية وعلى رأس هذه المشروعات إقامة وحدة إنتاج سينمائي لمساعدة السينمائيين الشبان على إنتاج أفلامهم . إضافة إلى إقامة العديد من الورش والدورات السينمائية بتكلفة تكون في متناول الراغبين من أعضاء النادي وهواة السينما لتمنية مواهبهم والدفع بهذه المواهب إلى دائرة الاحتراف .



الثلاثاء، مارس 24، 2009

فيلم عدن غربا لكوستا غافراس .صلاح هاشم


فيلم " عدن غربا " للفرنسي كوستا غافراس

" مستعمرة عراة "


يتسلي فيها الأثرياء الجدد بلعبة صيد المهاجرين



بقلم صلاح هاشم



من أجمل وأقوي الأفلام التي شاهدتها حديثا في باريس فيلم " عدن غربا " للمخرج الفرنسي الكبير من أصل يوناني كوستا غافراس ، مخرج " زد " و " مفقود " و " هانا .ك " وغيرها من روائع السينما الفرنسية والعالمية، حيث أن نشاط كوستا الذي حقق له فيلم " زد " شهرته في العالم، لم يقتصر علي أخراجه للأفلام في فرنسا فحسب ، بل أمتد أيضا إلي فلسطين حيث أخرج هناك فيلمه " هانا. ك " ، ليحكي عن مأساة الشعب الفلسطيني ، واضطلع ببطولة الفيلم الممثل الفلسطيني محمد بكري، وكذلك أمريكا التي حقق فيها غافراس فيلمه " مفقود " بطولة الممثل الأمريكي جاك ليمون وحصد به " سعفة " مهرجان " كان " الذهبية. وهاهو مخرجنا يعود من جديد الي وطنه الأصلي اليونان، ليصور فيلمه " عدن غربا " وينطلق من هناك علي سكة المهاجرين الجدد في فرنسا ، في فيلم من " أفلام الطريق " رود موفي -– ليحكي ولأول مرة بعد هجرته الي فرنسا منذ أكثر من خمسين عاما خلت، لا يحكي عن هجرته هو الشخصية، بل يحكي عن واقع الهجرة الجديد في البلاد، والمشاكل التي يتعرض لها المهاجر، وعقلية الناس في البلد المضيف ويكشف أيضا من خلال فيلمه عن مخرج واعد جديد، غير ذلك الغافراس المتحمس الملتهب الناري ، الذي تعودنا علي أفلامه السياسية المباشرة الملتزمة منذ زمن لإدانة وفضح الديكتاتوريات العسكريةوالحكومات الشمولية في العالم ، وصار " أيقونة " من أيقونات السينما في عصرنا. في " عدن غربا " يجدد غا فراس بالفعل دمه، ليروي قصة الهجرة الآن في العالم كما يتمثلها، مثل حكواتي " حكيم " من الزمان القديم ، ويتصالح مع نفسه والعالم..

إذ ينفتح الفيلم في أول مشهد علي لقطة عامة رائعة للبحر الأبيض المتوسط الكبير قبل الغروب بقليل ، وتظهر في وسط اللقطة سفينة. ونتعرف علي بطل الفيلم " الياس " الذي يقبع داخل تلك السفينة التي تحمل الآلاف من المهاجرين العطشي والجوعي والمكدسين في العنابر المخصصة لنقل البضائع و الماشية والأغنام ، ويروح الياس بعد ان طلب منهم المهرب أن يلقوا بأوراقهم وجوازات سفرهم في عرض البحر، يروح في ركنه يراجع دروس اللغة الفرنسية من كتاب يحمله معه، ويردد علي نفسه وزميله القابع الي جواره تلك العبارات الفرنسية التي حفظها عن ظهر قلب . يردد : " بونجور يا خباز. هل لديك من فضلك خبز طازج وطري " ويرد علي نفسه بصوت الخباز الفرنسي : عليك أن تنتظر قليلا يا فتي ، فلسوف يكون لدي خبز طري طازج بعد قليل . ويطلب الياس من صديقه وهو يتخيل كيف تكون رائحة الخبز الشهية تلك الطالعة من الفرن، ان يردد ذات العبارة ، ثم يلتفت ويسأل عابر سبيل من صنع خياله : مسيو.. بونجور.من فضلك أين الطريق الي باريس ؟ هل باريس - محطة الوصول أكيد التي يحلم بها كل مهاجر والجنة الموعودة – مازالت بعيدة .؟ وبسرعة سوف نتعرف من خلال حلم الياس في الوصول الي باريس، علي ملامح بطل الفيلم، فهو كما يظهره لنا غافراس مهاجر بريء ساذج،لا يعلم بظروف الهجرة الجديدة البشعة، والبؤس المادي والروحاني الذي ينتظره هناك..

الأثرياء الجدد يتسلون بلعبة صيد المهاجرين

ومازال الياس المسكين يتصور، مع الأغلبية الساحقة من المهاجرين للأسف،أن هناك مكانا محفوظا له ولأمثاله في فرنسا وبلدان أوروبا ، ولا يعرف أنها باتت تعاني الآن من أهوال ومشاكل البطالة والغلاء والسكن والأزمات الاقتصادية والبيئية والمالية والغذائية، وتعمل علي ترحيل المهاجرين الجدد فور وصولهم ، بل تطرد وترحل أيضا هؤلاء المهاجرين الذين استقروا منذ فترة طويلة هنا في البلاد ، تطردهم علي أساس أنهم دخلوها بطرق فير قانونية وشرعية،ومازالت الشرطة الفرنسية بعد أنشأت فرنسا بسبب تفاقم مشاكل الهجرة من دون حل " وزارة للهوية الوطنية والهجرة " تقوم بترحيل وتسفير عائلات مهاجرة مع أطفالها بالكامل، وها هو وزير الهجرة في حكومة ساركوزي اليمينية يتباهي حديثا بانجازاته ، فيذكر أن الوزارة حققت معدلات طرد أكثر من المطلوب في الخطة، ووصل عدد المهاجرين المرحلين المطرودين الذين تم تسفيرهم بالفعل الي أكثر من 26 ألف مهاجر غير شرعي خارج البلاد..

وحين نتعرف علي الياس فوق ظهر السفينة لا نعرف بالضبط الي أي بلد ينتمي، لكي يصبح كما أراد غافراس " مهاجرا في المطلق " أي أي انسان مهاجر في العالم بلا تاريخ أو هوية أو ذاكرة، كما ان غافراس اختار أن يكون بطل الفيلم المهاجر شابا جميلا مثل الممثل الفرنسي آلان ديلون ، وذلك لكي يصنع له قدرا مغايرا ، ومسيرة فريدة في رحلته عبر الفيلم ، ويجعل من الطبيعي بعد ذلك لكونه جميلا ان تتهافت عليه النساء. هؤلاء النساء اللواتي يقعن في غرامه من أول نظرة في الفيلم وتحلم كل امرأة تلتقي به بأن يصطحبها من فرط جماله فورا إلي أقرب سرير.

وهذا ما يحدث بالفعل في الكثير من مشاهد الفيلم ونراه لاحقا، حين يترك المهربون السفينة في عرض البحر ويلوذون بالفرار في " لنش " صغير، فيقفز الياس الي المياه وحده يا للشجاعة ويهرب، عندما تحوط قوارب الشرطة اليونانية السفينة للقبض علي ركابها ،ويسبح في الليل الي شاطييء جزيرة يونانية ..

وحين يستيقظ في الصباح يجد نفسه داخل " مستعمرة عراة " خاصة تابعة لفندق ساحر من فنادق الاثرياء و أصحاب الملايين ، ويجعلنا نضحك من تصرفاته في هذا الجزء الاول من الفيلم ، وكأننا نشاهد فيلما من أفلام " البيرلسك " الفكاهية لماك سينيت أو بستر كيتون أو جاك تاتي التي تعتمد علي المواقف الحرجة اللامعقولة التي يقع فيها البطل.ويمكنكم ان تتصورا كيف يكون حال مهاجر بائس غلبان مثل الياس حين يحط فجأة بعد أهوال رحلة عذاب في عرض البحر يتعرض فيها للموت غرقا يحط هكذا في " جنة عدن " واليوتوبيا المفقودة، ثم اذا به حين يصل الي بر او شاطييء الأمان، يجد نفسه مرة واحدة في "مستعمرة عراة "،ويكون أول ما يشاهده فتيات عاريات يلعبن الكرة فوق الرمال ويمرحن في بهجة..

يؤسس غافراس الجزء الأول من الفيلم علي تلك " المفارقة " ، لكي يؤكد علي معالجة شخصية فانتازية متخيلة جديدة في فيلمه، عكس المعالجات الواقعية الصلدة الصارمة والمتجهمة أحيانا التي عودنا عليها في أفلامه، ورغبته في ابتداع وخلق ظروف عيش استثنائية في مكان استثنائي، تجعل السياح في هذا المكان يتصرفون وكأنهم يعيشون داخل " بالون" منفصل عن العالم وغير واقعي بالمرة،والدليل علي ذلك ان هؤلاء السياح الأثرياء من روسيا وألمانيا وفرنسا في الفندق يلعبون في المساء لعبة جماعية غريبة مرعبة: لعبة صيد مطاردة المهاجرين الهاربين الي شاطيء الجزيرة التي يقع فيها الفندق والذين يختبأون أحيانا في أركانه كما فعل الياس ، بل انه يشاركهم لعبتهم ظنا منهم أنه سائح مثلهم ومن أهل المستعمرة ، ولفترة يظل الياس يلعب معهم قبل أن يكتشف أمره، بل ويشارك في لهوهم الليلي حين يحضر " ساحر " من باريس ويقدم نمرة بعنوان " تواليت الموت " علي مسرح الفندق يشترك فيها الياس بملابسه العادية ، فيدفس رأسه داخل حوض تواليت ، ويدفعه الساحر بواسطة فرشاة تنظيف الي الداخل حتي يختفي تماما ، ثم يغطي الساحر الحوض بستارة ويرفعها بعد لحظة فنكتشف اختفاء الحوض ، ثم فجأة يظهر الياس في الطرف الآخر من المسرح وهو يرتدي زي " أمير " هندي وسط تصفيق جمهور القاعة. وعند انتهاء العرض يقدم الساحر بطاقته التي تحمل عنوانه حيث يعمل في ملهي " الليدو " في باريس الي الياس ، ويطلب منه عندما يصل الي باريس أن يتصل به ..

في الجزء الأول يقدم لنا كوستا غافراس نمرة فكاهية فانتازية خفيفة يتخلص فيها من أعباء معالجة موضوع الهجرة الذي هو موضوع جاد وصارم ومأساوي ويترك لنفسه العنان في خلق مواقف عبثية " برليسك" تبعث علي الضحك حيث يتصور بعض السياح ان الياس خادم و " سباك " في الفندق أحيانا فيطلب منه احد النزلاء أن يقوم بتصليح مرحاض الحمام ويمنحه بقشيشا ، وتتصور سائحة ألمانية من هامبورج أنه نزيل مثلها فتغتصبه في الفراش – حاول رئيس الخدم الشاذ جنسيا معه من قبل وفشل – ثم تكتشف السائحة انه مهاجر متسلل ويحاول الخروج من الفندق الواقع تحت مراقبة وحراسة رجال الشرطة فتمنحه بعض النقود، وتقول له انها لا تستطيع ان تساعده في هامبورج لأنها متزوجة وهي الآن في أجازة استثنائية وظروف الحياة في تلك المستعمرة المغلقة غير ظروف الحياة الواقعية في الخارج، فليغفرلها اذن ، لكنها تساعده بالفعل علي الهرب. ويكشف لنا غافراس من خلال سلوكياتها علي ان مساعدة المهاجر وتقديم العون له تتم دائما في ظل " ظروف استثنائية " وانها تقف عند حدود لا تتجاوزها، وينبغي ان يكون كل المهاجرين الجدد علي علم بذلك، لأن ظروف الهجرة تبدلت الآن،وصارت أصعب وأقسي، ولأن مجتمعات الوفرة الغربية الأوروبية الاستهلاكية صارت أكثر عنصرية، و تخشي علي تدهور أحوالها المعيشية بسبب تكدس الغرباء، ومسكونة اكثر من أي وقت مضي بشبح " الخوف من الأجنبي " وهي تري طوابير الغذاء الطويلة للمهاجرين تقف علي أرصفة محطات السكك الحديدية، بانتظار لقمة وطبق حساء ساخن في البرد والصقيع..

" سحرة باريس " يكشفون عن عجزهم

وفي الجزء الثاني من الفيلم وبعد نجاح الياس في الهروب من مستعمرة العراة ( الظرف الاستثنائي )والخروج الي الحياة الواقعية،يسافرعلي الطريق بطريقة "الاوتوستوب " من اليونان الي باريس، ويلتقي بعدة شخصيات علي الطريق، فيساعده البعض في رحلته،مثل تلك المرأة الريفية اليونانية الأرملةعلي ما يبدو التي تعطف عليه وتجعله يشاركها عملها في بيع أقفاص الطيور في السوق وتمنحه أجرا، لكنها تأتيه في الليل ولا تستطيع ان تمنع نفسها من حاجة الجسد. في حين يستغل البعض الآخر الياس،فيحتال عليه سائق عابر ويستولي علي نقوده، ويرأف يوناني ثري وزوجته بحاله، فيأخذانه من محطة بنزين علي السكة ، لكنهما يتعاركان في السيارة ، ويتركانه وحيدا في عرض الطريق في البرد ووسط جبال الثلج،الي ان تمر شاحنة عابرة يقودها سائقان ألمانيان فيأخذانه الي فرنسا،ويهربانه عبر الحدود. وبعد ان يعمل الياس في جنوب فرنسا في مصنع من دون أوراق، ويتعرض للاستغلال البشع مثل بقية المهاجرين،ويثور معهم علي الوضع ويهرب، يلتقي بمهاجر في الجنوب يساعده علي شراء تذكرة سفر بالقطار الي باريس،ويخبره ذلك المهاجر اليائس بأنه لم يجد في فرنسا عملا بعد طول بهدلة وذل واهانة ، وانه يفكر جادا في العودة إلي بلاده، لأن الغربة في الوطن الآن صارت أرحم..

وعندما يصل الياس إلي باريس يتعرض لمطاردة البوليس له في الشارع، ويتأكد بنفسه من بؤس حياة المهاجرين والهامشيين والصعاليك المشردين " الكلوشار " علي الرصيف، بل انه حين يحاول التسول ،يحضر مهاجر ويقول له أن هذا مكاني ياوغد ويطرده. حسنا لقد بدأ الياس من خلال تلك الظروف الواقعية التي يتعرض لها علي الطريق منذ وصوله الي باريس يعي واقع الهجرة المؤلم،لكنه مازال شخصا شجاعا واستثنائيا- ألم يقفز الي الماء عند حصار الشرطة للسفينة وسبح الي الشاطئ في بداية الفيلم - ولن ييأس أبدا، فمازال يحتفظ ببطاقة الساحر في جيبه، ويسأل كيف يمكن الوصول في العاصمة باريس الي " الليدو " وهو لا يعرف حتي انه " علبة ليل " و " ملهي " ليلي علي أمل أن يساعده ذلك الساحر. مازال هناك أمل ، حتي لو كانت مساعدات ومنح البعض له تقتصر علي أعطائه حسنة قليلة، او بنطلون وجاكيت لزوج عزيز متوفي، او عدم تعنيفه وطرده حين يقبل علي تناول فتات الموائد في مطاعم الدرجة الأولي المتنائرة في الهواء الطلق في شوارع العاصمة ..

تلك الشوارع التي يروح يقطعها ، ويشاهد فيها ازدحام الباعة الجائلين من المهاجرين في حي " الاوبرا " علي عرض بضاعتهم من البطاقات والتذكارات السياحية علي السياح والتنازع عليهم . ويتساءل الياس : اهذا هو حقا المصير الذي ينتظره؟ التشرد والضياع و الوقوف في البرد والثلج في طوابير الطعام ، والتصارع علي ركن للنوم داخل خيمة علي الرصيف تحت المطر،وتأمل واجهات محال الطعام ، والتفتيش بحثا عن لقمة في صناديق القمامة، و والتعايش مع جحيم المطاردات اليومية المسعورة من قبل الشرطة ؟. يا للبشاعة..

يبدو أن الأمر سيكون كذلك، وعلي الياس أن يواجه بعد الوصول الي باريس مصيره بنفسه، ويصنع لنفسه بإرادته حياة جديدة ، لأنه حتي ذلك الساحر الذي التقي به في النهاية،بعد ان فقد بطاقته وكانت سقطت من الياس، وجرت مع المياه الي بالوعة تحت الأرض واختفت.حتي ذلك الساحر قال له معزيا : " حسنا . لقد حضرت بالفعل الي باريس، وها أنت قد رأيتني . لقد فعلتها. " ثم ودعه بعد ان منحه عصا سحرية صغيرة مثل هدية، لكي يتسلي الياس ويلعب بها مثل الأطفال، و من بعدها انطلق الساحر بسيارته في طريقه وهولا يلوي علي شيء،وترك الياس واقفا حائرا علي الرصيف، وقد راح يتأمل السيارة ، وهي تغيب وتختفي في الأفق..

ومن هناك ، من عند ذلك الميدان الواسع في حي " شان دو مارس " - حدائق مارس – الذي يطل علي برج ايفل من عند محطة المدرسة الحربية " الايكول ميليتير " هاهو الياس بعد أن جعل بخبطة في الهواء من عصاه السحرية برج ايفل يضييء فجأة،ويتألق بأضوائه مثل نجوم السماء،هاهو يدرك انه حتي أعتي وأقوي " سحرة باريس " لا يستطيعون له ولا مثاله شيئا ، وليس بمقدورهم أن يجدوا لمشكلته حلا، وعليه الآن بعد أن وصل الي المدينة أن ينزع عن ذاته الآن كل وهم في مواجهة الواقع الصلب، ويعتمد فقط علي نفسه..

فيلم " عدن غربا " – ايدن آل وست – لكوستا غافراس بدا لنا مثل " حكاية رمزية"عن الهجرة .حكاية خالصة ومتخلصة من الميلودراما والمبالغات العاطفية مثل اللوز المقشر، حكاية يقصها علينا بهدوء معلم سينمائي ناضج من دون تعصب او خطابية أو نرفزة.حكاية تقف في المنتصف تماما بين الملهاة والمأساة ،لكي تكون برمزيتها وطريقة معالجتها،أقرب الي الحياة الطبيعية التي نحياها بحلوها ومرها. حكاية تقربنا ببساطتها ومغامرتها وحس غافراس الفكاهي العالي،بعيدا عن الصراخ والمناقشات والصراعات والجدل حول موضوع " الهجرة " الشائك واشكالياته، تقربنا أكثر من إنسانيتنا، وهي يقينا تستحق المشاهدة عن جدارة..

اسم الفيلم

* EDEN A L OUEST

الأحد، مارس 22، 2009

قرن موسيقي الجاز في متحف برانلي. حتي 28 يونيو 2009 في باريس

كلينت ايستوود اثناء تصوير فيلم " بيرد "


عازف الترومبيت شيت بيكر في لقطة من فيلم وثائقي يحكي عن حياته


ملصق تظاهرة قرن موسيقي الجاز " في متحف برانلي


قرن موسيقي الجاز

في متحف برانلي في باريس



باريس- سينما ايزيس



ينظم متحف برانلي في باريس تظاهرة فنية مةسيقية ضخمة في الفترة من 17 مارس الي 28 يونيو 2009للاحتفال بمرور قرن علي نشأة وتطور نوع موسيقي جديد.نوع تمتد جذوره في افريقية علي الرغم من نشأته وميلاده في امريكا ، ونعني به " موسيقي الجاز " التي ولدت علي ضفاف نهر المسيسبي في ولاية نيو أورليانز الامريكية منذ اكثر من مائة سنة .ويكشف معرض " قرن موسيقي الجاز " في متحف برانلي من خلال فنون الرسم والسينما والتصوير وغيرها عن علاقة النوع بتلك الفنون ، ولقد كانت موسيقي الجاز التي حملها العبد الافريقي الأسود معه من افريقيا تراثه الشفهي الثقافي الوحيد المعبر عن هويته، كما كانت كانت اداة في حصوله علي حريته من السيد الأبيض
ويعتبر البعض موسيقي الجاز الاضافة الحقيقية الامريكية للثقافات العالمية في القرن العشرين ، وقد اتصلت السينما بموسيقي الجاز منذ نشأتها،وتأثرت بعناصره وهياكله الفنية الأساسية في نسيجها الفني ، كما نهلت منه علي مستوي شريط الصوت في العمل السينمائي، ونقلت أيضاأجزاء من حياة اعظم فناني الجاز من ملحنين ومغنيين وعازفين علي الشاشة. كما في فيلم " بيرد " للامريكي كلينت ايستوود.

www.quaibranly.fr


LE SIECLE DU JAZZ

الجمعة، مارس 20، 2009

شباب من فلسطين يسأل.بقلم صلاح هاشم



فرقة دام من اللد


ملصق تظاهرة ترافلنج في مدينة رين.صورة القدس في السينما

ملصق فيلم مقلاع الهيب هوب لجاكي سلوم


صباح الخير يافرنسا

شباب من فلسطين يسأل : من هو الإرهابي ؟



بقلم صلاح هاشم





لماذا نكتب عن السينما من باريس ؟ . حسنا . لأن باريس هي عاصمة السينما في العالم بلا جدال، حتى لو كانت " هوليوود " في أمريكا تعد أكبر مصنع للسينما في العالم من حيث الإنتاج والتوزيع وهيمنة الفيلم الأمريكي التجاري بالذات علي أسواق السينما في أنحاء المعمورة .وقد كان المخرج الفرنسي الكبير فرانسوا تروفو كثيرا ما يردد أن المواطن الفرنسي يحب شيئين ويعتبرهما أهم شيئين في حياته: يحب وطنه فرنسا، ثم من بعده يحب السينما، ويضيف ان الفرنسي هو ناقد سينمائي بالفطرة، لان الفرنسيين يعشقون السينما كما يعشقون رغيف الخبز الفرنسي الشهير " الباجيت " ، ذلك الرغيف الباجيت العصا الذي حقق لفرنسا شهرتها في العالم ، أكثر من الجنرال والرئيس الفرنسي الزعيم شارل ديجول نفسه ، كما حققت السينما المصرية قديما حضورها المؤئر ثقافيا ووجدانيا وحضاريا لا علي المصريين وحدهم، وأصبحت قطعة من روحهم، بل علي مستوي شعوب العالم العربي كله..

هنا في باريس عاصمة فرنسا – التي تعد " وطن " السينما بلا جدال، أقيم أول عرض سينمائي للأخوين لوميير في 28 ديسمبر 1895 في الصالون الهندي بالمقهى الكبير " جران كافيه " في شارك كابوسين- تعرض كل أسبوع عشرات الأفلام الجديدة القادمة من أنحاء العالم، من الصين والهند ومصر وتركيا وفيتنام الخ ، كما تقام عشرات التظاهرات والمهرجانات السينمائية من جميع الأنواع بحيث أن تغطية النشاطات السينمائية وعروض الأفلام الجديدة القادمة من أنحاء كوكبنا البرتقالي الجميل ، كما يحب أن يسميه الشاعر الفرنسي لوي آراجون، تحتاج الي ترسانة من الصحفيين والنقاد وعشاق الفن السابع، ناهيك عن الإصدارات الحديثة في المكتبة السينمائية الفرنسية، ولا يمر يوم هنا من دون أن يصدر فيه كتاب سينمائي جديد ، ومتابعة عشرات المجلات السينمائية المهمة التي تصدر من هنا مثل مجلة " بوزيتيف " و مجلة " كاييه دو سينما " – كراسات السينما –التي خرج من معطفها معظم رواد حركة الموجة السينمائية الجديدة في فرنسا في فترة الخمسينيات من أمثال فرانسوا تروفو وآنياس فاردا وكلود شابرول والمفكر والمخرج السينمائي الكبير جان لوك جودار. لا يوجد في باريس دور عرض في " وسط البلد " فقط. لا يوجد في باريس وسط البلد، فكل حي في باريس هو بلد منفرد له قاعاته السينمائية ، ولكل قاعة حكاية وتاريخ هما قطعة من ذاكرة البلد او الحي..

و لأن باريس مدينة النور التي قال عنها عميد الأدب العربي د. طه حسين : " في باريس الفرح والابتهاج ، وفيها البؤس والحزن، وفيها الرجاء والأمل ، وفيها اليأس والقنوط ، فيها اجتمع كل ما يحتاج اليه الناس وكل ما لا يحتاجون إليه ، فيها اجتمع كل ما يشخص الحضارة الإنسانية في هذا العصر الذي نعيش فيه " هي العاصمة الوحيدة في العالم ربما التي تأكل وتشرب سينما ، وتعج إلي جانب المقاهي، تعج بالقاعات السينمائية المتناثرة في أحيائها أو بلدانها. باريس البلد،كما عشتها وخبرتها من خلال تلك القاعات التي عشقتها بأجوائها الفريدة، ولكل قاعة جو وروح ونكهة، في أحياء " بلفيل " و " الأوبرا " و " سان ميشيل " و " الباستيل " و " التروكاديرو "، هي المدينة التي تجد فيها قاعة سينما، في المسافة التي تفصل بين قاعة وقاعة، ويقينا لم أكن استشعر متعة في حياتي، كما استشعر متعة المشي في باريس في الليل في زمن السبعينيات ، حين ينتهي العرض الاخير في " سينماتيك شايو " – دار الأفلام الفرنسية الشهيرة التي أسسها هنري لانجوا ويكون آخر مترو غادر محطة التروكاديرو، فأعود الي بيتي سيرا علي الأقدام من عند السينماتيك القديم في اقصي الشمال حيث تلك الشرفة الرائعة التي تطل علي برج ايفل المتلأ لأ بالأنوار في الليل، وحتي محطة اليزيا في الحي 14 حيث كنت أسكن في غرفة صغيرة وحدي عند صديق في جنوب باريس. وكنت اقطع في رحلتي هذه بعد مشاهدة فيلمين أو أكثر في " السينماتيك " ضمن عروضه المسائية، أقطع ثلاثة أرباع مساحة المدينة، واستعيد خلال رحلتي الليلية، وتكون الساعة تجاوزت الواحدة صباحا، أستعيد مشاهد الفيلم، وأتأمل في جمال أحياء باريس ، وشوارعها وميادينها الخالية من المارة التي كنت أعبرها، وأنهل من سحر مدينة النور. ثم تنتابني فجأة تلك الرعشة التي يهتز لها جسدي كله من الجمال والنشوة ومتعة مشاهدة كلاسيكيات السينما العظيمة ، فإذا بي لا أعرف وأنا استنشق ذلك الهواء الطري الطازج في ليل باريس إن كنت فراشة تحلم بأنها أنسا ن، أم كنت إنسانا يحلم كما في قصيدة من قصائد الزن اليابانية بأنه فراشة..

وعلي الرغم من اني درست السينما في جامعة " فانسان " الشهيرة وتتلمذت فيها علي يد كبار نقاد مجلة " كاييه دو سينما " من أمثال جان ناربوني و جي شابوييه وسيرج لو بيرون ، وأنجزت فيها فيلما وثائقيا " كلام العيون " عن بلدي مصر في اوائل السبعينيات ، إلا أني ما زلت اعتبر أني اكتشفت و أحببت السينما في قاعة " سينما ايزيس " في حي السيدة زينب العريق، ثم وعيتها وتعلمتها وهضمتها من خلال مشاهداتي لأفلام السينما العظيمة التي أهتم بجمعها هنري لانجلوا في سينماتيك تروكاديرو، وقد كانت دار الأفلام هذه، التي تعتبر أعظم أرشيف لأفلام السينما في العالم هي مدرستي الحقيقية التي تعلمت فيها السينما، كما يقول المخرج الايطالي الكبير برناردو برتولوتشي، وأتساءل : لماذا لا تكون لنا دار أفلام " سينماتيك " مثل سينماتيك باريس، تحافظ علي تراثنا السينمائي المصري الكبير المنهوب، وتعرضه علي جيل المستقبل في مصر، ليتعرف من خلال السينما حضارة السلوك الكبري كما أحب أن أسميها ، يتعرف علي صورته، ويعي تراثه وتاريخه وهويته.؟ الا تستحق مصر التي شاهدت اول عرض سينمائي في اوائل يناير 1896 في مقهي " زواني " بالإسكندرية أي بعد مرور أسبوع فقط من أول عرض سينمائي في باريس، ألا تستحق بكل التقاليد السينمائية التي أرستها وكل الانجازات والاضافات السينمائية التي حققتها منذ ذلك الوقت أن يكون عندها " سينماتيك " !..

أجل: مازالت قضية أنشاء " سينماتيك " مصري أو دار للأفلام هي أهم قضية تشغل بالي وفكري، وأنا أركض لمتابعة الأفلام والنشاطات السينمائية هنا في مدينة النور، وأفكر دوما في بلدي، ولا تغيب عني أفلامها العظيمة وتراثها السينمائي المجيد ، فأروح أردد علي الفرنسيين أن لدينا أيضا " رينوار " مصري نفتخر به في أعمال صلاح أبو سيف الرائعة التي صارت من كلاسيكيات السينما العالمية العظيمة مثل " بداية ونهاية " و " ريا وسكينة " و " السقامات " و " الفتوة " وغيرها ، وقد كانت السينما المصرية سباقة الي اكتشاف واختراع منهج " الواقعية الجديدة " في افلامها ، قبل روسوليني ودو سيكا في ايطاليا، وهذه " حكاية " اخري قد نعرض لها لاحقا . ان وجود افلام مصرية متوافرة علي اقراص دي في دي- غالبا في نسخ مشوهة وتافهة تجد طريقها فورا الي اقرب مقلب زبالة، لايعوض عن وجود " سينماتيك " في بلادنا ، ذلك لأن متعة مشاهدة الفيلم في قاعة السينما أو في " السينماتيك " هي متعة لاتقارن ب " شبه متعة " مقطعة ومنهوبة وزائفة للفيلم علي شاشة فيديو أو تلفزيون او انترنت ، وذلك بسبب من خصوصيتها في ظلام قاعة العرض، حيث يخلو كل مشاهد بالفيلم ويكون ملكا له وحده ، ولا يستطيع عندئذ أي مخلوق أن يقطع عليه لحظة استمتاعه وحده بالعمل الفني الذي يستحوذ علي أرواحنا ، ويصير في نفس اللحظة التي نشاهد الفيلم ونعجب به وندلف الي عالمه ، يصير في التو أكبر منا..وهذا ما حدث لي حين شاهدت فيلم وثائقي فلسطيني طويل وجديد، أحببته وعشقته في التو..

وأعتبره من أجمل الأفلام العربية التي شاهدتها حديثا ، الا وهو فيلم " مقلاع الهيب هوب " للأمريكية من أصل فلسطيني جاكي سلوم (الام فلسطينية والأب من سوريا) الذي عرض ضمن مجموعة كبيرة من الأفلام الفلسطينية الروائية والوثائقية في تظاهرة " القدس " في السينما، التظاهرة التي كرس لها مهرجان " ترافلنج " في مدينة " رين " الفرنسية – أقليم بريتاني – دورته العشرين في الفترة من 31 يناير الي 10 فبراير، وكان المهرجان كرس من قبل دورته لعام 2000 لمدينة " القاهرة " في السينما ، وعرض مجموعة كبيرة أكثر من ستين فيلما لصورة عاصمة مصر كما قدمتها السينما العالمية وعلي يد المخرجين المصريين من امثال صلاح ابوسيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين وكمال الشيخ وغيرهم ومن أنحاء العالم، وقد تزامن اختيار القدس كموضوع لهذه الدورة ، مع اختيار المدينة المقدسة كعاصمة للثقافة العربية لعام 2009 وكان اختيارا من قبل إدارة المهرجان ناجحا وموفقا..

فيلم " مقلاع الهيب هوب " من النوع الوثائقي ( 80 دقيقة ) كان عرض من قبل في مهرجان بيروت وحصلت مخرجته علي جائزة أحسن مخرجة في المهرجان، كما عرض في مهرجان صان دانس في أمريكا الذي يعتبر احد أهم مهرجانات السينما المستقلة في أمريكا والعالم، وقد أعجبني الفيلم كثيرا لبساطته وانسيابيته وانسانيته – تستطيع ان تغفر للفيلم أي شييء الا أن يكون مملا - وخلوه من أي ادعاء او وعظ وارشاد علي طريقة الافلام الكفاحية او النضالية الفلسطينية القديمة التي اعتبرها مجرد منشورات ثورية ثرثارة وجعجاعة، وحاز علي اعجاب جمهور مدينة رين – تضم 250 ألف نسمة من ضمنهم 50 ألف طالب - وكانت مخرجته حضرت الي المدينة في صحبة المخرجة الفلسطينية ايناس المظفر، وصرحت في المؤتمر الصحفي معها بعد عرض الفيلم بأن ما يحدث من قتل وتدمير وتشريد للشعب الفلسطيني في غزة وفلسطين المحتلة هو " تطهير عرقي " بمعني الكلمة ، فإسرائيل تسعي بالفعل إلي إبادة الشعب الفلسطيني، وحربها الأخيرة علي غزة شاهدة علي ذلك ، كما حكت عن صعوبات اخراج الفيلم الذي استغرقت خمس سنوات في صنعه ، فقد كانت حين تهبط قادمة من امريكا الي المطار الاسرائيلي تحتجز لمدة سبع ساعات ، وتتعرض لاستجوابات قاسية جدا و لاحصر لها ، علي الرغم من جواز سفرها الامريكي، وهي سياسة تتبعها اسرائيل لزرع اليأس في قلوب الفلسطينيين المغتربين وتطفيشهم ، حتي لا يفكروا في " العودة "أبدا الي بلادهم..

يعرض فيلم " مقلاع الهيب هوب " ببساطة وحيوية فائقة للمشهد الموسيقي في فلسطين ، حيث استطاعت مجموعة من شباب موسيقي " الراب "تشمل فرقة " الدام " من اللد التي تأسست عام 1999وفرقة " عربيات " من عكا وفرقة " أولاد الحارة " من الناصرة وعبير زيناتي من اللد وفرقة " بي آر " من من غزة ومحمود شلبي تحت اقسي واطول احتلال عسكري في التاريخ في فلسطين ، وفي ظل ظروف النفي و التشرد والضياع والحبس القهري..

استطاعت أن تحول قوالب موسيقي واغنيات الراب الامريكية ، الخارجة لتوها من جيتوهات البؤس في بلاد العم سام، الي صرخة احتجاج فلسطينية، تتواصل مع شباب فلسطين والعالم ، وشهادة علي قسوة وظلم الاحتلال، وأداة للمقاومة والصمود. وقد اعجبني في الفيلم الذي يمكن اعتباره بمثابة فيلم من أفلام الطريق أو " رود موفي " ، الذي يروج لفكرة الرد علي العنف الواقع علي الشعب الفلسطيني بسلاح الفن الموسيقي ، وقوة وبأس الكلمة، وينحاز الي " سينما الواقع "، أعجبني وهو يسافر خفيفا في أقاليم فلسطين المحتلة ، بين غزة واللد وعكة وغيرها ، ويعرض لجدار العار في فلسطين ، ويكشف لنا عن نشأة وتطور هذا النوع الموسيقي الراقص ، من خلال احاديث الشباب عنه..

أنه يحاذر في الاستغراق في عرض بشاعة ظروف الاحتلال التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وقصفنا بها في كل لحظة، وبمناسبة او بدون مناسبة ،والسقوط هكذا في فخ الميلودرامية والبكائيات، بل يفرد الكلام للشباب المتحمس للصمود والمقاومة بسلاح الاغنية ، التي يسخر من اتهامه بالإرهاب، ويسال في أغنية " مين ارهابي " لفرقة " دام " - من الدوام والخلود – من اللد : أهو ذلك الانسان الفلسطيني الذي يتعرض للقتل في بلده ووطنه وعلي أرضه ، أم ذلك الجندي الإسرائيلي المحتل، الذي يغتصب الأرض، ويدمر البيوتات والمدارس والمستشفيات، و يطلق النار علي صدر الفلسطيني..

كما يعرض الفيلم في ذات الوقت لأفكار جيلين من الشعب الفلسطيني، ويكشف عن حماس جيل الشيوخ من الآباء والأمهات لفرق موسيقي الراب الفلسطيني الجديدة، وكذلك ظهور مغنيات راب يتحدثن عن ظروف القهر التي تتعرض لها البنت الفلسطينية والمرأة الفلسطينية عموما ودعوتهن الي تحررها من خلال أغنيات الراب التي تعبر الحواجز في فلسطين وتتواصل مع العالم والكون. فيلم " مقلاع الهيب هوب " يوثق من خلال توثيقه لمشهد موسيقي الراب في فلسطين ، يوثق لتاريخها وذاكرتها ايضا، ويجعلنا نخرج من الفيلم ونحن مزهووين ومنتشيين بالفرح والأمل ومتطهرين من أي غم و قنوط ونكد، وفخورين بذلك الشباب الذي يحارب جدار العار في فلسطين بكلماته الصادرة من القلب والمباشرة والشعبية، التي تنهل، كما يذكر تامر نقار مدير فرقة " دام " من اللد في الفيلم ـ تنهل من تراث الشعر الفلسطيني عند محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم من شعراء الصمود والمقاومة ، كما تنهل من فكر واغنيات الشيخ امام واشعار احمد فؤاد نجم في مصر وتراث الاغنية الفلسطينية الثورية العريق. تحية الي جاكي ريم سلوم علي فيلمها الوثائقي الجميل الذي يستحق المشاهدة عن جدارة وكان عرضه في " رين " أول عرض له في فرنسا، وهو بالقطع لن يعجب البعض الذين يفكرون بأن أي فيلم فلسطيني لابد له أن يعرض مطولا لتاريخ النكبة ويصبح محاضرة مملة سقيمة وينهل من مشاهد القتل والدمار المدوية الدموية ويقصفنا بها – الصورة النمطية التي تعرض لها نشرات الاخبار - يقصفنا بها بلا هوادة ويجعلنا نيأس مع الفلسطينيين من حياتنا، في حين يطرح فيلم " مقلاع الهيب هوب " صورة اقرب الي الحياة الطبيعية في فلسطين بزهوها وبهجتها ولذلك ينفذ أن صح التعبير الي قلوبنا مباشرة.

تري ماذا حقق مهرجان " ترافنج " السينمائي في مدينة رين ، الذي خصص دورته العشرين لمدينة " القدس " في السينما؟. حقق بالطبع الكثير فقد أتاح لسكان المدينة من عشاق الفن السابع عرض ومشاهدة " بانوراما " رائعة للسينما الفلسطينية وجواهرها مثل " عرس في الجليل " لميشيل خليفي ، المؤسس للسينما الفلسطينية الروائية في بداية الخمسينيات، و " تذكرة الي القدس " لرشيد مشهراوي و " يد الهية " لايليا سليمان و " عطش " لتوفيق ابو وائل، و " الجنة الآن " لهاني أبو أسعد و " ملح هذا البحر " لآن ماري جاسروغيرهم ، كما عرض مجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة لجيل الشباب في السينما الفلسطينية الجديدة ، لصبحي الزبيدي وايناس مظفر وجاكي ريم سلوم ومؤيد موسي العيان وغيرهم ، كما عرض أيضا مجموعة كبيرة من الأفلام الإسرائيلية المهمة مثل فيلم " فالس مع بشير " للإسرائيلي آري فورمان الذي كتبنا عنه في " نهضة مصر " ونحن نحكي عن الأفلام التي شاهدناها في مهرجان " كان " السينمائي 61. عرض " ترافلنج " أكثر من ستين فيلما من جميع الأنواع لمخرجين فلسطينيين وإسرائيليين في تلك التظاهرة السينمائية المهمة التي أعتبرها من أهم التظاهرات السينمائية في فرنسا ، وكانت كما ذكرت خصصت احدي دوراتها للقاهرة والسينما المصرية ودورة أخري للعاصمة الجزائرية الجزائر والسينما الجزائرية.كما أقام المهرجان أكثر من معرض للصور الفوتوغرافية من فلسطين والقدس، وعقد عدة طاولات مستديرة للحديث عن ظروف السينما الفلسطينية وقضايا الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، تحدثت فيها المخرجة جاكي ريم سلوم والمخرجة إيناس المظفر من مواليد القدس وكان المهرجان عرض للأخيرة فيلمين هما " من الشرق الي الغرب " الذي يصور انتقال أسرتها من بيت الي بيت وهو فيلم وثائقي بسيط و جد أنساني وعميق ومشبع بالآسي ،و يصور واقع التشريد الذي تتعرض له الاسرة الفلسطينية ، وكان الأب تعرض أيضا للنفي من مدينته يافا عام 1948 ، وهاهو يضطر مرة أخري بعد إقامة لفترة 27 سنة في ذات البيت ، يضطر الي اغلاقه بالضبة والمفتاح والانتقال مع زوجته الي بيت جديد وتشرد جديد. اللعنة. وفي احد المشاهد المؤثرة في الفيلم، يحكي الاب ( 70 سنة ) كيف ظل يبكي طوال الليل حين بلغه نبأ وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، ويجعلنا الفيلم نتعاطف مع حاله وهمه وغربته في وطنه وأساه ، ونكاد نعانقه ونطبطب او نربت مواسيين علي ظهره ونمسح دمعته. كما عرض لنفس المخرجة فيلما روائيا قصيرا ساخرا بعنوان " اوكيوبازيون " يمكن ترجمته ب " احتلال صهيوني " وفيه يلعب الفلسطيني دور الجندي الإسرائيلي المحتل ، ويصور للإسرائيليين والعالم ماذا سيحدث لوا نقلب الوضع في فلسطين، وصار الإسرائيليون تحت الاحتلال في مكان الفلسطينيين ، ويسأل الفيلم : أليس من الطبيعي عندئذ أن يجن المواطن الفلسطيني ويثور، تحت ظروف القمع والحبس يا للعار التي يتعرض لها في بلده ووطنه ، مثل ذلك الممثل الذي يظهر في الفيلم ويتصرف مثل المجانين وكمن فقد عقله ، بسبب الاضطهاد والاهانة والظلم ؟ وسوف نتوقف إذا سمحت الظروف ، عند بعض الأعمال السينمائية الفلسطينية المهمة التي عرضها المهرجان، في وقت لاحق..

الثلاثاء، مارس 17، 2009

مختارات ايزيس: 4 نصائح بقلم سعد القرش

الربة ايزيس أم المصريين







أربع نصائح قبل أن تركب سيارة الترحيلات

سعد القرش

كان المشهد أمام مستشفى الجلاء للولادة بشارع الجلاء جديدا تماما. مظاهرة طازجة احتجاجا على إبادة الفلسطينيين في غزة. طبيعي أن تنبت المظاهرات في الجامعات والميادين وحول مثلث الرعب «نقابتي الصحفيين والمحامين ونادي القضاة» في وسط البلد. لكن شارع الجلاء ـ الذي فيه يولد فيه الناس، وفيه يقتلون ـ لا عهد له بالمظاهرات، بالذات أمام مستشفى تعودنا أن تولد أمامه سيارات الأجرة والفوضى والتلوث والزحام. قلت لبهاء حسين متفائلا: لا غزة ستموت، ولا الأمل هنا.

كنا قادمين من اتحاد الكتاب، بعد المشاركة في وقفة احتجاجية صامتة، لا يحتمل حي الزمالك إلا مثلها من فرط هشاشته وأرستقراطيته. سلمت على بهاء طاهر وقاسم عليوة الذي قال لي بأسى إنه رأى في ميدان التحرير، قبل ساعتين، عناصر الشرطة تضرب فتاتين، وتدفعهما بالقوة إلى داخل سياراة الترحيلات. لم أتخيل أن يزج بي في سيارة مماثلة بعد دقائق.

فبعد عبور شارع الجلاء بسلام الله، بلغنا شارع رمسيس، وشاهدنا مظاهرات نوعية، تحدث في مصر لأول مرة، شبيهة بما يدور في حروب العصابات، في فيتنام في الستينيات، وجنوب لبنان 2000 و2006، وغزة 2008 و2009. يتظاهر عشرون مواطنا أو أقل، فيحيط بهم العشرات من جنود الشرطة، يطبقون على أنفاسهم، يعتصرونهم عصرا. يختنقون ويخرجون نافضين رؤوسهم باحثين عن بعض الأوكسجين، ويهتف أحدهم بحياة فلسطين، فينضم إليه عابرون، ويكون آخرون من الناجين من معصرة الشرطة قد هتفوا، بلا اتفاق، في مكان آخر، فيجذبون إليهم مواطنين، وتنقسم المظاهرة الأولى الصغيرة إلى مظاهرات عنقودية تتوالد تلقائيا، بإبداع يعجز عن ملاحقته خيال ضباط الشرطة، وسوف أحدثك عن هذا الخيال المنقوص.

حاولت دخول شارع عبد الخالق ثروت. قال لي ضابط كبير «ممنوع»، لم يكن لدي وقت لأفهمه أن حظر التجول في هذا الشارع غير قانوني ولا دستوري، لا المقام يسمح، ولا مرارتي تحتمل، ولا هو مستعد. قلت له إنني أريد دخول «نقابتي»، حين جاء لواء شرطة، مزهوا بصقرين وأربعة سيوف متقاطعة على كتفيه، قلت مرة أخرى إنني ذاهب إلى النقابة، ولكن ماذا تقول لمن حرمه الله نعمة الخيال، وسلبه البصيرة، حتى إنه يخاف أن يقوم كاتب، أو صحفي، أو مواطن عابر، بإشعال فتيل مظاهرة أمام نقابة الصحفيين، في شارع يخلو من أي مخلوق. لو افترضنا أن هذا الإنسان سيء النية، وأن نفسه الأمارة بالتظاهر سولت له ارتكاب فعل الصراخ في الشارع، فلن يسمعه أحد، سيرهقه الهتاف، ثم يلجأ إلى النقابة، أو يأوي إلي ركن شديد.

أقترح ألا يتخرج أحد في كلية الشرطة إلا بعد النجاح بتفوق في مادة الخيال. ما الجريمة التي يمكن أن يرتكبها عشرات المواطنين في معرض الكتاب مثلا، داخل أسوار عالية، لكي تحاط أرض المعارض بعشرات المصفحات، وتصطف داخل المعرض 21 سيارة مصفحة، وتضخ في المكان مئات أو آلاف من الجنود، كأننا مقبلون على حرب، قل هذا الكلام فيما يخص الجامعات والنقابات. لو تمتع صاحب السعادة والصحة الوافرة اللواء المتين ببعض الخيال لسمح لي بالمرور، بدلا من مشادة وشجار انتهى بانصرافه هو وأكثر من عشرة من ضباطه عن «واجبهم المقدس» تجاه متظاهرين مسالمين، لينفسوا عن بعض ما يعانونه من كبت.

لو أنك مكاني، وأحاطك الضرب من كل جانب، فسوف تحاول أن تحمي رأسك بيديك، وتوسع زاوية ساقيك لتتفادى السقوط على الرصيف. فماذا تفعل حين تفاجأ بضربة حذاء غبية من ضابط أكثر غباء في «محاشمك». بتلقائية وضغت يدي بين فخذي، فجاءت الضربة التالية في الوجه، وسقطت النظارة، وفي ضباب الرؤية، كان زجاج العدستين يتناثر على الأسفلت.

بعد خروجنا من اتحاد الكتاب، قلت لبهاء حسين إنني أود الذهاب إلى الحمام، نصحني بالعودة إلى الاتحاد ففيه منافع للناس، وراهنت على سرعة وصولنا إلى وسط البلد، ولو كنت أعلم خاتمتي ما كنت رفضت؛ إذ ظللت أكثر من أربع ساعات تالية أعاني. وهذه أولى النصائح لأي مواطن في مصر:

«لا تؤجل دخول الحمام»

فلا يعلم إلا الله أي سيارة ترحيلات يمكن أن يدفع بك إليها، ولا متى يفتح بابها ليسمح لك بالتبول بجوارها، على مسؤولية ضابط رحيم، لا يملك لك غير هذا الكرم. كان شعار الشرطة لسنوات: «الشرطة في خدمة الشعب»، وبعد بولسة الدولة صار الشعار: «الشرطة والشعب في خدمة الوطن» يعني الحاكم وحده لا شريك له، وأقترح أن يستبدل بهذا الشعار الأخير شعار جديد: «تبول يا أخي قبل القبض عليك».

لحظة جذبني شرطيان يرتديان الملابس المدنية، لعنت كل شيء.. الفلسفة والتاريخ والرواية والقانون والصحافة، وفقيها دستوريا تحمس لحكم العسكر فكان أول ضحاياهم وضربوه بالحذاء عام 1954، والدستور الذي يداس بالحذاء، والضابط الذي ضربني في موضع الرجولة، وآخرين «نقطوا في الفرح» مجاملة للواء، وكسروا النظارة وضلوعي. مشهد يتطابق لقطة بلقطة مع ما تراه كل أسبوع في القدس، بين جنود الاحتلال الصهيوني وقاصدي المسجد الأقصى لصلاة الجمعة، فمتى احتل هؤلاء الناس بلادي؟ تذكرت أن اليوم هو الأربعاء 31 ديسمبر 2008، وأنه قبل خمسين عاما بالضبط، استقبلت المعتقلات عشرات من المفكرين، احتفلوا ببشائر 1959 في سجون لم يغادروها إلا بعد سنوات. تذكرت أنني وعدت أصدقاء عرب في هولندا أن أهاجر إليهم إذا آلت السلطة، غصبا أو طواعية، لجمال مبارك، وقلت لنفسي: ربما جاءت الحجة للرحيل عن بلد ليس فيه رجاء، فلامني صلاح جاهين، وراهنني على أن أغادر مصر:

أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء

باحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب

وباحبها وهي مرمية جريحة حرب

باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء

واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء

واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب

وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب

والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب

على اسم مصر.

أما نجيب سرور فرمقني غاضبا، وشاط حجرا فوق الرصيف فانفتق بوز حذائه، وبك الدم من إصبعه، وسألني: معك منديل؟ قلت إنهم أخذوا كل شيء كما ترى. قال: سيتنهي احتلال مليون شرطي لمصر، سيجند هؤلاء يوما في جيش مصر الطبيعي. انتحر أحسن لك من حكاية الهجرة، عايز تسيب مصر وهي محتلة؟ مصر «في الجغرافيا ما لها مثيل، وفي التاريخ عمرها ما كانت التانية». قلت له: عندك حق يا عم نجيب، سنبقى في هذا البلد، نحن أهله، ولسنا سكانا عابرين، سنظل مثل فلسطينيين يلتصقون بأشجار الزيتون، غير عابئين بالجرافات الإسرائيلية، سنطلق صيحة عمر المختار: «ننتصر أو نموت». لن أبرح هذه الأرض، حتى لو بقيت عضوا بالجالية المصرية في القاهرة.

دفعوني إلى ميكروباص بين اثنين أشداء يقبض كلاهما على ذراع، أشرت إلى الباب المغلق، مبديا حسن النية، لأتحسس موضع الضربة القاتلة، وأخذا التليفون والبطاقة، لثالث يجلس في مقدمة السيارة بجوار السائق، يسجل بياناتي الشخصية: عنواني وتاريخ ميلادي المجيد، وسألني عن مهنتي. لولا الألم بين فخذي، لضحكت كما لم يفعل عادل خيري وهو يجيب عن سؤال ماري منيب: «سواق يا هانم سواق»، فالبطاقة معه وفيها نوع المهنة. أجبت فسألني: أين أعمل. أضحك هذه المرة من الغباء، لا الأسى، لأن البطاقة فيها أنني أعمل في الأهرام.

تكررت هذا الاستجواب، بعد انطلاق الميكروباص، من شارع جانبي إلى شارع شامبليون، مرورا بالنقابة وشارع عبد الخالق ثروت، ليزج بي في سيارة الترحيلات، أعاني العطش، ومن الزحام يتصبب العرق، في عز البرد. والنصيحة الثانية:

«احتفظ دائما بزجاجة مياه في يدك»

فلا تعرف متى يفتح باب السيارة، كما أنها تفيدك في الدفاع عن نفسك، وإرباك شرطي جهول، ومرواغته في شارع جانبي، حتى تتمكن من الهرب، وإذا نجوت بها فهي زاد مهم في الطريق إلى المعسكر.

كانت سيارة الترحيلات أرحب من الوطن. قدرت أن تتزلزل الأرض، حين يعي كل منتم إلى مؤسسة أن الخطر قريب منه، وأنه ليس معصوما من مثل هذا المصير، وكان خيالي واسعا؛ فباستثناء اتصالات أجراها، بمحبة حقيقية، كثير من الأصدقاء والزملاء، لم يحدث شيء. كنت واهما حين ظننت أن ورائي مؤسسة تحميني، ونقابة تغار على أحد أبنائها، تغار على المهنة. تأكد لي أنه لا أحد كبيرا بموهبته وقدراته في هذا البلد، وحده اتصل بي محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب ليطمئن، بعد ساعة من مغادرة المعسكر.

فكرت في الجريمة، ولم أجد شيئا أعاقب عليه. لم أقطع شجرة، ولم ألوث ماء النيل، ولم أمزق صورة السيد الرئيس محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، ولا صورة السيد الرئيس محمد حسني مبارك بطل الحرب والحصار. ما تعرضت له جريمة في حق كل مؤسسة أنتمي إليها، على اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين مطالبة وزير الداخلية بالاعتذار، ولي أن أقبل أو أرفض. فكرت في اللجوء إلى القضاء. الرئيس مبارك، هو المسؤول، ولكني لن أختصمه، لأنه رجل مسن (81 عاما)، وليس من اللائق أن أتعبه في شيخوخته. ولن أختصم رئيس الوزراء، لأنه رجل طيب تورط في هذه المهمة، حين أسندوا إليه مناقصة رئاسة وزراء مصر بالأمر المباشر، ويومها صرح بأنه «مالوش في السياسة». ولن أختصم وزير الداخلية، ولا اللواء الذي أمر بضربي وأشرف على عملية «الصيد»، وأهان نقابة الصحفيين واتحاد كتاب مصر. لن أشرفه بأن يقترن اسمه باسمي. أنا باق والنظام نفسه زائل.. أعني النظام لا الحكومة. ما أكتبه الآن «كلام موزون وله معنى»، يصلح للقراءة اليوم وبعد خمسين سنة، أما اللواء فسيحال للتقاعد بعد شهر أو أشهر، وسيعاني مثل أي مواطن، ويحار في بعض الأمور، ولن يجد المفتش كورومبو ليحل له بعض الألغاز، وحين يضايقه موظف المعاشات سيكتب شكوى، للنشر في بريد القراء، ويمر من شارع عبد الخالق ثروت، ويحصره البول، ويمسح عرقه بورقة الشكوى، ويريد التماس بعض الراحة في الظل، سيكون أشعث أغبر، يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، ويمنعه موظف الأمن في النقابة، وهو يطيل الحوار مستمتعا بهواء بارد آت من الداخل، لكن البول يحصره. سأقول للموظف: دعه يدخل، الحاج في سن والدك، ولم يفعل شرا في حياته، ولا شهد هذا الأسفلت أذى شارك فيه وأشرف عليه. سأدخله وأطلب له «حاجة ساقعة»، ربما ينبهني إلى أنها محظورة عليه، وأن الشاي أفضل، سأدله على الزملاء المشرفين على أبواب شكاوى القراء، ولن أمنحه شرف المجالسة.

كانت سيارة الترحيلات أوسع من الوطن. السيارة، لا أركبكها الله، برزخ بين عالمين، قبر له باب مزدوج، باطنه فيه الرحمة حيث يوجد رفاق مثل الورد.. إخوان، ومدونون، ومدرسون، هي زنزانة متحركة مستحيل أن تفر منها إلا إليها، لها نوافذ صغيرة جدا تغلق من الخارج، وسط النافذة تتعامد قضبان حديدية، تحيط بها من الداخل والخارج ستارتان من حديد متقاطع، لا يسمح فقط إلا بمرور أنبوبة قلم جاف، أو ورقة مبرومة بعناية. كتبت رقم تليفون في ورقة وبرمتها ودفعتها للخارج فأبت السقوط في الشارع، ظلت معلقة في الهواء، وأنا أنادي العابرين: «يا كابتن، يا كابتن». كان في المساحة بين ستارتي الحديد أوراق تجمدت، وطمس المطر والرياح ما فيها من حروف وأرقام، كم من فصل مر على هذه الأوراق المطوية على أشواق مصريين أبرياء. فيما بعد لاحظت أن ارتفاع هذه النوافذ يزيد على المترين، وهذا سر عدم التفات أحد من المارة الذين لا يرون مصدر الصوت.

كنت أنادي أي أحد ليلتقط الورقة، وكان زميل ينادي الضابط: «الكوفية يا بيه»، وينادي آخر: «الجزمة»، إذ دفعوا به للسيارة بعد مطاردة انتهت بأن داس أحدهم قدمه، ولم يبالوا بأن يرتدي حذاءه المخلوع. قال لي إنه اشتراه بخمسة وستين جنيها قبل يومين. قلت له: يكفي أن معك فردة لتصنع منها نسخة. ضحك وضحكنا. والنصيحة الثالثة:

«احرص على حذائك حرصك على شرفك»

فلا تعرف متى يفرج عنك، ولا تضمن أن تتهم بالتحريض على رفع الحذاء في المظاهرة، فوق صورة كبير من الكبراء، ولن يعترفوا بأنهم سلبوه، كما أخذوا تليفون إحدى الصحفيات، ولم يكن هناك ما يثبت أنهم نشلوه. داخل السيارة لن تشعر بغربة، سوف تستعيد أناشيد حماسية للإخوان، هي نفسها التي كانوا يرددونها أيام الجامعة، ويردد آخرون أشعار مظفر النواب، وأغنيات سيد درويش والشيخ إمام ومحمد منير. يقول أحدهم «إنهم» ألغوا حفل محمد منير الليلة (رأس سنة 2009)، ليس تعاطفا مع ضحايا المجازر الإسرائيلية في غزة، بل خوفا من تحوله إلى مظاهرة مناهضة للنظام في دار الأوبرا، بدليل «أنهم» لم يلغوا حفل المغني الذي تهرب من أداء الخدمة العسكرية. والنصيحة الرابعة:

«احفظ بعض الأغنيات، تخفف بها عن نفسك، وتهزم مهزوما خارج السيارة»

تحولت السيارة إلى مركز اتصالات، إذ تمكن شاب، في الوغى، من الاحتفاظ بتليفونه، وقدمه لمن يريد من دون مقابل، حتى نفد الرصيد، فأتته أرصدة من حيث لا يحتسب، وتواصلت الاتصالات. تذكرت رقمي حمدي عبد الرحيم وأسامة عفيفي، أبلغتهما أنني في سيارة تتهادى في الشوارع، منذ أربع ساعات، ولا أعرف متى تصل، ولا إلى أين. ثم كانت المحطة الأخيرة في معسكر لتدريب الشرطة، في الرحاب أو طرة، ففي الظلام تتشابه الأماكن والملامح. بعد ساعة من الانتظار سمح بالهبوط، بجوار السيارة لقضاء الحاجة، فاصطف الجميع ليطفئوا الحرائق.

أما النصيحة الخامسة فهي ليست لك، إلا حين تصير رئيس دولة، وقتها يجب أن تحرص عليها، ليدوم عزك وعرشك. أعلم أن الرئيس مبارك لا يصبر في هذه السن على القرءة، وأن هذه السطور منشورة بخط صغير، لكن قراءتها مهمة، وأريد البدء بمدخل تاريخي؛ فحين استولى هولاكو على بغداد، (عام 1257 ميلادية، 655 هجرية) ذهب إلى قصر الخلافة، إلى المنطقة الخضراء، وسيق إليه الخليفة العباسي المستعصم، وأرشد الغزاة إلى خزائن الأموال وحوض مملوء بالذهب وسط القصر، لكن هولاكو لم يقنع بذلك، وأمر بحرمان المستعصم من الطعام حتى شعر بالجوع، فقدم إليه هولاكو طبقا مملوءا بالذهب. قال الخليفة: «كيف يمكن أن آكل الذهب؟»، فرد عليه هولاكو: «ما دمت تعرف أن الذهب لا يؤكل، فلم احتفظت به، ولم توزعه على جنودك، حتى يصونوا ملكك الموروث من هجمات هذا الجيش المغير؟ ولماذا لم تحول تلك الأبواب الحديدية إلى سهام، وتسرع إلى شاطئ نهر جيحون لتحول دون عبوري؟»، فقال الخليفة: «هكذا كان تقدير الله»، فرد عليه هولاكو: «وما سوف يجري عليك إنما هو كذلك تقدير الله»، وقتل الخليفة، وانتهى أمر الخلافة.

يمنعني الأدب أن أقول إن اعتقال الشعب كله لا يضمن دوام الملك، وإن مليونا من رجال الشرطة يجب أن يصونوا الشعب والملك من هجمات الجيش المغير، كما قال الهالك هولاكو في وصاياه.

والآن أريد أن أقص عليك حكاية، ليست تاريخية ولا هولاكية؛ فمنذ بدأت ابنتي «ملك» تعي، وهي تفاجئني بأسئلة عن أمور ظننتها بديهية أحيانا، وأحار في الإجابة عن بعضها. أحاول أمامها تجنب أي كلام مجرد، لأنها سوف تسألني مباشرة: «يعني ايه؟» عن شخص أو مكان أو موضوع. مصادفة سمعت «ملك» كلمة مصر، في نشرة تلفزيونية يوم 3/2/2006. كانت تقريبا قد أتمت أربعين شهرا، فسألتني:

ـ «يعني ايه مصر؟»

قلت لها:

ـ «مصر هي بلدنا، اللي احنا عايشين فيها»

فسألتني في براءة:

ـ «هي فين، أنا مش شايفاها»

سيادة الرئيس: ملك، ابنتي لا ترى مصر. أليست هذه مأساة تستحق الاهتمام؟!


عن جريدة صوت الأمة بتاريخ 9 مارس 2009