بقلم باز شمعون البازي
شاركت في جميع دورات مهرجان الفلم العربي في روتردام، وكان غيابي فقط عند ولادة هذا المهرجان اي في دورته الاولى التي لم أحضرها ، وحينها قلت بأن علينا انتظار انعقاد دورته السابعة، حتى نكون مطمأنيين بأن هذا المهرجان سيستمر في عطائه، ولن يتوقف ،لان سياسة المهرجانات كانت العالمية منها ام المتواضعة والمحلية،وبخاصة في ما يتعلق باعداد كل دورة ، يتطلب منها المثابرة والجدية، في رؤية مستقبل حركتها وتكوينها وصلابة موقعها، وبهذا يكون هدف منظميها هو عمليا عبور رقم سبعة اي اجتياز الدورة السابعة بنجاح، حيث أن هذا العبور هو اساس انتصار اي مهرجان ،الا في حالات الكوارث والزلازل الكونية، وتبديل حكومات وسياسات مؤسسات يجعلها تهتز وتسقط، لان رقم سبعة هو من اخطر الارقام فتكا للاستمرارية والوجود في "علوم الكون" أعني أنه لامخاوف بعد اليوم من عدم استمرارية انعقاد مهرجان الفلم العربي في دوراته اللاحقة ،فقد كتب له النجاح على الصعيد المحلي - الاوربي وحتى العربي، وبما يعني ايضا أن استثمار المؤسسات الهولندية والاوربية والعربية في مهرجان الفلم العربي في روتردام لن يكون خسارة ، بل سيكون ربحا ثقافيا وفكريا لمن يريد بالطبع النظر لهذا الفكر الثقافي السينمائي بشكله الايجابي،بل ان المهرجان خلق انعطافة من ذهب في دورته السابعة في مايخص اختياره للافلام وسهره على ضيوفه ومشاهدي افلامه ، علي الرغم من السلبيات والايجابيات التي واجهت منظميه والساهريين على اعداده وتقديمه خلال هذه السنوات السبع الطويلة الماضية ، ألف مبروك اذن لنجاح دورتكم السابعة، والى جميع من يرى او لا يرى فيه النور مستقبلا.
وكنت قررت الكتابة عن هذه الدورة ، الدورة السابعة، ليس لان هناك انعطافة في استمراريته، بل لان هذه الدورة كانت بالنسبة لي من اهم الدورات ، كان هناك عملية اكتشاف شخصي بخصوص الافلام التي تم اختيارها في هذه الدورة ، توقف عند فيلم كحلوشة وفيلم دبليو دبيليو وفيلم ياله من عالم رائع وفيلم اثناء العاصفة وفيلم وليل ونهار
و فيلم "آخر فيلم" وعند بضعة افلام اخرى قصيرة رائعة، واخرى روائية تستحق كل النجاح. و ساتحدث هناعن مشاهدآتي وانطباعاتي حول الافلام الستة
كان فيلم الافتتاح في مهرجان الفلم العربي في روتردام " الفيلم الاخير" للمخرج التونسي نوري بوزيد يطرح قضية الارهاب بشكل مباشر، محاولا اللعب على امرين مهمين ، انه الروائي، تزامنه وتناسقه مع الوثائقي " الحالة في لحظة الفعل" اي اثناء التصوير " في المواجهة المستمرة مع بطل فيلمه" ليكون المخرج نفسه وممثله الرئيسي في حلقة واحدة وفي كادر متماسك واحد ، شخصيته الرئيسة التي ترفض مرارا لعبة السيناريو المفتعل، وصعوبة المخرج اقناع ممثله بمهمته وقضيته " الارهاب" لايصال الفكرة حتى نهايتها ،خصوصا عندما يتوقف الامر علي زج شاب من جيل العصربفكره المتنور والمنفتح بسلوكه الاجتماعي وشكله في محيطه ومع حبيبته وتمرده على واقعه وحلمه بالهرب الى بعيد اي الجانب الآخر من البحر، ومايصيب اجياله من تشويه وخيبة امل من واقعه، ليلقي نوري ابو زيد بهذا الجيل في احضان الانفاس والقوى الدينية المتطرفة، وينهي موقفه الشجاع من ظاهرة الارهاب بهلاك الشاب، وتفكيكه ككيان، اي تفكيك الكيان العربي
الشيء الذي اثر سلبا على مسار الفلم هي معالجته الروائية - الوثائقية، والتي تتزاوج وتتكرر اكثر من خمس مرات على مدار الفلم ، هذا ما ابعد التركيز عن الخط العام للفلم، والوقوع في فخ التكرار المستمر والمباشر واقحامه بقوة بناء فكرته واداء مسار بطله.لكنه من الافلام التي تستحق الكثير من الاهتمام، خصوصا طرحه الصريح والشجاح لمسالة الارهاب وعواقبها على اجيال المستقبل
ياله من عالم رائع : سينما خالصة لزمن العولمة
دبليو دبليو... ياله من عالم رائع لمخرجه المغربي الشاب فوزي بن سعيدي الذي يكشف عن رؤية مستقبلية لصناعة السينما في العالم العربي، انها سينما خالصة لزمن العولمة الآتي من بعيد، لغة سينمائية متماسكة صلبة اصيلة ينفرد بها هذا الشاب عن جميع سينمائي عالمه العربي بجدارة وثقة عالية ، أنه مايسترو سينما المستقبل ، وضع الانسان العربي في كامل قوامه في لعبة الصراع الآني ، موقعا الشخصية العربية في متاهة لارجعة فيها غير الموت، وقدم شكل ممسوخا وملامح مهشمة لابطال تعيش اللاوجود ، واقعيا وسينمائيا، انه الاغتراب الكامل للانسان في السينما العربية. انه يبدأ نجاحه بداية من عنوان الفيلم " ياله من عالم رائع" فهناك تناقض في محتواه وعنوانه، وهذا سيكون بداية سر نجاحه، انه التناقض بين العنوان والمضمون، لاصلة بين الاثنين، لاعلاقة جدلية بين الاثنين، بل علاقة التناحر، فمع الجريمة ليس هناك عالم رائع
ان القاتل "البطل" لانعرف مشكلته ، بين حين وآخر يقتل، ومن دون اي تحضير مسبق لجريمته ،من يقتل؟ هذا مالانعرفه ايضا، انه قاتل أجير ! لايتردد في القتل ولا نفهم ماهي الأسباب التي جعلته يقتل بهذه البرودة الشخصيات الخفية وراء الستار، لااحد يعرف ، الذي يعرفه القاتل لااحد اساسا يعرفه. هكذا تقتل العولمة شخصياتها من دون اية حساب او تردد ، تقتل لمصلحة الكون، اي كون؟ تقتل من اجل التغيير، ولكن اي تغيير؟
" ان مهنته التخلص من اشباح تعيش في مجتمعه" انه واجب على فوزي ان يتخلص منهم ،ولكن لماذا التخلص منهم وهم لم يسببوا له اي ضرر على الصعيد الشخصي ، ولماذا بهذه الطريقة الباردة؟ هذا مالانعرفه اطلاقا، ولكن مايعكسه في عالمه الدلالي هو بأننا علينا التخلص منهم، وبكل برود ومن دون اي تعاطف مع الجاني او المجني عليه "
ان روعة التمثيل لنزهة وزميلها المخرج له ايقاع صوري وموسيقي باهر ،متكامل ومتناسق وواسع الفضاء تبحر معهم حتى النهاية، وتعيش أختلافات هلوستهم وتناغمهم مع نفسهم ومحيطهم ، انهم معك، ولكن غائبيين عنك، انهم مهمشيين حتى الموت الذي سيتم اعلانه في الدقائق الاخيرة من الفيلم
ان لجنة التحكيم المسؤولة عن الافلام الروائية الطويلة في مهرجان روتردام العربي في دورته السابعة تجاهلت فيلم ياله من عالم رائع،وخرج الفيلم من دون اية جائزة للمخرج وممثل الفلم وبطلته ، أن الخوف من السينما المعاصرة والحديثة وسينما اللغة الجديدة "العولمة" مرفوض تماما من قبل نقادنا ، ليس هذا فقط بل هناك خوف عظيم من هذا النوع من الافلام ، هل هو خوف من التغيير في السينما الذكية الذي يصيب لجان التحكيم ؟ ام الخوف هو من سينما الفن وسينما المؤلف المعاصرة، التي تدق على الابواب لتفتح على مصراعيها، وتبقى هكذا مفتوحة لاستيعاب الجميع ، بل العكس تفتح الباب وتغلقه ورائها، لتعيش معها كل تغيراتها وايقعاتها الزمنية والمكانية ، انها حرفة جديدة متطورة في معالجاتها، مربكة،قلقة، تعالج النفس من الداخل بايقاعها وتصوراتها الثقافية الذي لايقدر المتفرج العادي فهمها في اول مشاهدة له .انه نوع من الافلام العابرة للزمن... هل استوعب اعضاء لجنة التحكيم مرارة هذا الفيلم ومستقبله، لقد تجاهلته اللجنة لأسباب لانعلمها ؟ ثم هل أن التجاهل جاء عن قصد ! انا فهمت المعضلة وهي ان اي شيء يحاكى العولمة او يختار له اسلوبا معولما حداثيا، سوف يرفض خطابه من قبل الكثير من مثقفينا وفنانينا ونقادنا في هذا الزمن العربي الأبله المصاب بملايين العاهاتا
المخرج الفنان فوزي سعيدي عكس لنا رؤية مستقبلية عما ستؤؤل اليه مصائر شعوبنا في زمن الانسان التكنو- نووي ، هل فهمت لجنة التحكيم الفيلم بطريقة أخرى، ماهي اذن ؟ فيلم ياله من عالم رائع..استطاع ان يمسط بموضوع العولمة وينقله بتوهج علي الشاشة وجعل لهذه العولمة كيانا وقواما علي الشاشة الكبيرة ، كما كشف عن تأثيرات العولمة في مجتمعاتنا، بمعالجة سينمائية راقية في الفكر والطرح، وجدعميقة في الرؤية ، معالجة تخترق الوريد العربي لتجده في نهاية الامر خال من الدم. وبهذا ابعدت لجنة التحكيم وغيبت مصائر اجيال ومستقبل شعوب، باهمالها لهذا الفيلم الرائع" ياله من عالم رائع " لفوزي بن سعيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق