الأحد، أبريل 19، 2009

الحلقة الثانية من مذكرات جيل جاكوب. صلاح هاشم

جيل جاكوب مع النجمة الامريكية جودي فوستر



الحلقة الثانية والأخيرة من مذكرات جيل جاكوب رئيس مهرجان " كان " السينمائي الدولي




جيل جاكوب : يجب أن لا ننسي أبدا

أن وجها جميلا لامرأة ، يمكن أن يكون وحده

مبررا لصنع فيلم
بقلم : صلاح هاشم

الحلقة الثانية من مذكرات جيل جاكوب

في كتابه " سوف تمضي ألحياة مثل حلم "



وردة القاهرة




يحكي جيل جاكوب في كتابه " سوف تمضي الحياة مثل حلم " الصادر حديثا عن دار نشر " روبرت لافون " في باريس، يحكي عن لقائه مع المخرج الأمريكي الكبير وودي آلان لأول مرة، فيقول أن المقربين منه كانوا يروجون دوما لشهرة وودي آلان كمخرج خجول، يرفض التكريمات والحفلات ، وأنه يفضل أن يعزف علي الكلارينت في " مقهي كارليل " في نيويورك ،علي حضور المهرجانات السينمائية التي تسعي جاهدة إلي عرض أفلامه وتكريمه، بل ويرفض حتي حضور حفل توزيع جوائز الأوسكار لاستلام جائزة له ،بعدما قررأن ينشغل فقط بتأليف سيناريوهات أفلامه،وأن يعيش حياته بمزاجه ،ويهيأ نفسه لفيلمه الجديد القادم فقط ، ولا ينشغل بأي شيء البتة،سوي الانغماس كلية في ما يفعل، إذ يبدو أن هذه هي الوسيلة الوحيدة - هكذا فكر جيل - التي يستطيع بها المرء أن ينسي الموت..
ويتذكر جيل انه قبل عام 1984 لم يكن تحدث مع وودي آلان ، إلى أن التقاه مصادفة في فندق بلاتزا في باريس ( وعادة ما يهبط وودي في فندق ريتز ..) فتقدم إليه من دون سابق ميعاد ، وبادره قائلا : بونجور ياسيد وودي آلان. أنا جيل جاكوب. فرد وودي بسرعة إن حسنا وماذا بعد. وانتهي اللقاء عند ذلك..! ..
ويقول جيل أن السينما تطورت بشكل طبيعي في مجال الحلم، غير أن صورة توم باكستر الذي خرج من الشاشة وهبط الي قاعة العرض في فيلم " وردة القاهرة الأرجوانية " لوودي آلان ، لكي يلتقي بمتفرجة حسناء تدعي سيسيليا ولعبت دورها الممثلة الأمريكية ميا فارو في الفيلم وكانت تجلس في القاعة، ذكرته بمشهد شاعر كوكتو وهو يعبر المرآة في فيلم " دم الشاعر " لجان كوكتو الأديب الفرنسي الكبير، وأن تلك الصورة التي ابتدعها وودي آلان في فيلمه تغذي فينا ذلك " الوهم "، إذ يتحول البطل في الفيلم الذي يخرق الشاشة الي كيان إنساني حي من لحم ودم ، في الوقت الذي تتحول فيه ميا فارو البطلة من كائن حي إلي كائن من إبداع المخيلة، ويتساءل جيل جاكوب: تري أين نحن من كل هذا ؟ هل يمكن أن تتحول أحلامنا إلى واقع ملموس ومحسوس وهل هناك حقا خالقا لهذا الكون ؟. لقد بدا لي أن روحي بعد مشاهدة فيلم وودي آلان الأثير قد انشقت بالفعل إلي روحين، وان كل روح تعيش في صحبة الروح الأخرى المنفصلة عن أختها ، ونحيا في ذات الوقت، روح حياتي الواقعية وروح حياتي السينمائية ، و ها هما الاثنتان تسيران معا يا للعجب في نفس الاتجاه..
وكان جيل جاكوب عرض في مهرجان " كان " كل الأفلام " الجادة " والفكاهية التي أخرجها وودي آلان من عام 1984 وحتي عام 1990 ( ما عدا عام 1988 فقط ) ومن دون أن يحضر وودي المهرجان فلما التقي به أخيرا في فندق ريتز في باريس، تغلب علي خجله وانطلق يحدث وودي عن إعجابه بأفلامه وتفهمه لرغبته في عرض أفلامه علي هامش المسابقة الرسمية للمهرجان وعدم اقتناعه بمبدأ المنافسة، كما تحدثا عن المخرج السويدي برجمان الذي يعشق وودي أفلامه، وموسيقي الجاز التي يعزفها في ذلك المقهي في نيويورك، وذكر وودي آلان أن شركة أوريون الجديدة التي تنتج أفلامه، صارت ترسلها للمشاركة في مهرجان " برلين " السينمائي، وأنه سيحب كثيرا أن تكون عروض أفلامه الجديدة الأولي في مهرجان " كان " من جديد ، ويتساءل جيل جاكوب تري هل كانت هذه رغبة حقيقية لدي وودي، أم مجرد مجاملة منه وأدب وذوق..
ثم أن جيل عرض علي آلان فكرة كتابه الجديد بعنوان " زوار كان " علي نسق فيلم " زوار المساء " لمارسيل كارنيه وتتلخص الفكرة في ضم مجموعة من كتابات أشهر المخرجين الذين ترددوا علي المهرجان بين دفتي كتاب ، وراح جيل يعرض علي آلان ما جادت به قريحة هؤلاء من كتابات،للياباني كيروساوا والألماني شولندورف والبولندي كيلوفسكي والايطالي فيلليني والبرتغالي مانويل دو أوليفييرا وغيرهم ، وطلب من آلان ماذا يستطيع أن يقدم ..
فاقترح آلان أن يضم الكتاب بعض قصاصات عن مشروعات أفلام يريد أن يخرجها و تخطر علي باله أثناء تجواله و إقامته في فنادق العالم الشهيرة من أول " الجراند أوتيل " في روما مثلا ، مرورا بفندق " ريتز " في باريس وحتي فندق " كلاريدج " في انجلترا وأينما حل ،علي ان يكتبها وودي علي ورقة من أوراق الفندق المذكور، ويرسلها إلي جيل، فيضمها إلي كتابه، وعندئذ وبفضل آلان ، اكتملت فكرة الكتاب المشوشة،واتضحت في ذهن جيل جاكوب ولأول مرة يا للعجب !..
فقد كانت فكرة تجميع نصوص مهداة لمخرجين في كتاب فقط لا تكفي ، وأدرك جيل فجأة إنها لن تكون ذات قيمة إلا إذا وجدت المحور الأساسي الذي تدور حوله، بحيث لا تظهر مجرد تجميع لكتابات متفرقة ، فماذا يمكن أن يكون ذلك المحور باتري؟. وجدتها.انه ثيمة الإخراج او " الميزانسين " ، هكذا فكر جيل. أجل يجب أن يكون موضوع الكتاب هو عملية " الإخراج السينمائي " وكيف يتمثلها هؤلاء المخرجين الكبار، و ماذا تعني لهم، وكيف تكون. والآن فقط يمكن وضع نصوص آلان وشلندورف في فصل بعنوان" كيف يولد الفيلم ؟ " ثم توضع كتابات كيلوفسكي وأوليفييرا في فصل بعنوان " عن التصوير والمونتاج " وتوزع الكتابات الاخري في عدة فصول : فصل لعملية اختيار الممثلين الكاستينج ، وفصل آخر لإدارة الممثلين وهلم جرا، وبسرعة راح جيل يبحث عن ورقة من أوراق فندق ريتز ليدون عليها كل ذلك، وكان يظن بأنه لن ينسي كلمة واحدة من الكلمات التي نطق بها وودي آلان أمامه ، حين عبرت الغرفة فجأة ميا فارو زوجة وودي آلان وحيته بهزة رأس. فإذا به ينسي الدنيا كلها وما عليها ، ولم يعد يتذكر أي شيء إلا وجهها الطفو لي الجميل الساحر ذاك الذي ذكره بدور سيسيليا الذي لعبته في وردة القاهرة الأرجوانية..
وذات يوم رن جرس الهاتف في منزله وإذا بأحدهم يقول هالو أنا وودي آلان ، فرد جيل بسرعة معتقدا أنها مجرد مزحة : هالو وأنا انجمار يرجمان، ثم أغلق الخط ، إلا أن وودي ألان عاود الاتصال وأبلغ جيل انه سيحضر دورة مهرجان " كان " ليعرض فيلمه الجديد، وحضر بالفعل لكن مع زوجة جديدة ، وقبل القيام بكل المهام التي طلبها منه جيل: حضور المؤتمر الصحفي بعد عرض الفيلم وجولة التصوير المعتادة مع أبطال الفيلم علي سطح قصر المهرجان بجوار البحر تحت الشمس الإفريقية القادمة من الشرق، وكان مجيء وودي آلان إلي المهرجان مكسبا يضاف الي مكاسب وانجازات جيل جاكوب في استقطاب نجوم هوليوود من أمثال اليزابيث تايلور وشارون ستون ومادونا الي ساحة المهرجان ، ليس للدعاية والاستعراض وخطف الأضواء والتكريس للسينما الهوليودية التجارية والاستوديوهات ألكبري التي تعمل ب " نظام النجوم " في أمريكا وتهيمن علي أسواق العالم، ولكن لدعم فكرته الأساسية في الترويج من خلال المهرجان ونجومه لسينما " الإبداع " والخلق ، سينما المؤلف التي توظف السينما الفن – للتعبير عن مشاكل عصرنا وتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية في أعمال المصري يوسف شاهين واليوناني انجلوبولوس والتركي ايلماظ جوني والبولندي اندريه فايدا والصربي أمير كوستوريكا والإيراني عباس كيارستمي والياباني اكيرا كيروساو، وكذلك الاستفادة من حضور النجوم ، لتسليط الضوء علي اكتشافات المهرجان من المواهب السينمائية الجديدة في العالم..

*


تعيش السينما


يحكي جيل جاكوب في كتابه " سوف تمضي الحياة مثل حلم " كيف تم اختياره لوظيفة " المندوب العام " لمهرجان " كان " السينمائي منذ عام 1977( أصبح في ما بعد رئيسا للمهرجان عام 2000 ) ويلخص هنا عصارة ، والدروس المستفادة من تجربته علي قمة أعظم وأشهر وأضخم مهرجان سينمائي في العالم، فيذكر في الفصل السادس والعشرين بعنوان " تعلم " ، الذي يبدأ بعنوان فرعي " مواهب جديدة "أن المهرجان يشهد مرة " سنوات وفرة" ،ومرة أخري " سنوات عجاف " وان مجموعة الأفلام التي يختارها جيل جاكوب مع مجموعة من المساعدين المقربين من أشهر النقاد السينمائيين في البلاد، بالإضافة إلي شبكة واسعة من المراسلين للمهرجان في أنحاء العالم " تتسامق بمجدها وأهميتها..
ليس فقط علي المستوي الفني للأفلام المختارة فحسب ، بل علي المستوي المالي والاقتصادي أيضا، حتى أن كل دول العالم تتطلع بطبيعة الحال إلي أن تكون ممثلة فيها، ولو بفيلم كل سنة. وتفضل بالطبع أن يكون الفيلم ضمن الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية للمهرجان التي تحتل مركز الصدارة وتستقطب الاهتمام ، أكثر من الأفلام أو التظاهرات الاخري التي تتضمنها " قائمة الاختيار الرسمي ( في حدود 50 أو 60 فيلم جديد من أنحاء العالم ). ذلك لأن قسم أفلام المسابقة الذي يشتمل علي عشرين فيلما هو " عقد " المهرجان الفريد ، وتتمني كل دولة أن يكون لها في ذلك العقد جوهرة سينمائية أو ماسة.." ..
ويتساءل جيل جاكوب هنا، ماذا تفعل لو كنت مكانه، ويا لها من مهمة شاقة حقا. فالعالم ينتج سنويا حوالي 2000 فيلم ويعرض منها علي المهرجان كل سنة أكثر من 1000 فيلم من جميع دول العالم، وجميعها تطمح إلي المشاركة في المسابقة الرسمية ، فكيف تختار منها 20 أو 22 فيلم علي الأكثر للمسابقة ؟ انه بالفعل كابوس حقيقي يجثم علي أنفاس جيل جاكوب وحده ،الذي يختار بمعرفته ويقرر، ويتعرض بالطبع في كل مرة لحساب قاس وعسير من قبل أكثر من 6000 صحفي وناقد يستقبلهم المهرجان كل سنة ..
ويقول جيل انه لأمر صعب حقا أن تقيم كل فيلم من هذه الأفلام المختارة علي حدة، وكذلك في علاقة كل فيلم بالأفلام الاخري، وبخاصة عندما يكون هناك فارق زمني قد يمتد إلي عدة شهور، بين مشاهدة فيلم وآخر..وهناك سنوات كما يقول تبدأ باختيار أفلام جد جيدة ثم تنتهي باستقبال أفلام ضعيفة لا تصلح في نهاية فترة الاختيار، وأحيانا لا تكون هناك أفلام جيدة كافية بالمرة للمسابقة حتي شهر يناير أو فبراير، أي قبل موعد انعقاد المهرجان في شهر مايو ، والإعلان عن قائمة الاختيار الرسمي وأفلام المسابقة في مؤتمر صحفي عام للمهرجان في نهاية أبريل كما جرت العادة ، فما العمل أذن ؟
يجب علي جيل جاكوب عندئذ أن يحافظ علي برودة أعصابه في ثلاجة أو براد يا للرعب، وينتظر وصول تلك الأفلام المعجزة التي تصل مثل طوق نجاة في آخر لحظة وتنقذ الموقف. .فكما أن هناك لحظات فرح وابتهاج بوصول فيلم رائع، هناك أيضا لحظات يأس وقلق وصبر وانتظار قد تطول، لحين اكتمال مجموعة أفلام المسابقة، لكي تضع نهاية لفترة الخوف والقلق وحرق الأعصاب البشعة..وهكذا تمضي حياة المندوب العام للمهرجان في خندق التوازنات والمراوحات، بين النعيم والجحيم ، بين المتعة والعذاب والألم..
ويقول جيل : " ..أحيانا تتجاوز الأفلام الكبيرة في المسابقة المتوسط العام، كما حدث عام 1979، وأحيانا تكشف الصحافة عن خيبة أملها في أفلام المسابقة، وتلعب ( الصحافة) هنا دورا هاما في الكشف عن طقس و " جو " المهرجان العام . إنها هي التي تصنع وتحدد إن كان صحوا ولطيفا وجميلا ومشمسا ، أو كان كئيبا وممطرا وموحلا، وهي التي تشكل من خلال مداخلتها في المهرجان وتقييمه، تشكل مزاجي الشخصي أنا أيضا. إن صفقت الصحافة، وجد المندوب العام أن ذلك طبيعي جدا ومشروع، وان صفرت، ظن إنها تتآمر عليه.. " ..
وتكشف الصحافة عادة عن خيبة أملها في ما يخص أولا قائمة الاختيار الرسمي ، و في ما يخص ثانيا توزيع الجوائز في المهرجان، فأحيانا يتم اختيار مجموعة أفلام لمخرجين لامعين مشهورين، لكن يتضح لها للأسف في ما بعد، أن أفلامهم لا تصل إلي مستوي الجودة الذي عهدناه في أفلامهم السابقة، وهنا تعبر الصحافة عن خيبة أملها لضعف المستوي العام لأفلام المسابقة..
وأحيانا قد تحيد الجوائز عن اختيارات الصحافيين والنقاد والإجماع الإعلامي الرسمي، فيكون هو السخط العام، وتعبر الصحافة عن خيبة أملها في ألجوائزكما تم توزيعها، وتلعن بالطبع " المندوب العام " المسئول أيضا عن اختيار الأفلام مع لجنة التحكيم وأعضائها. الصحافة هي "ترمومتر" المهرجان،لأن الناقد السينمائي الذي يكتب عن المهرجان وأفلامه،لا يكتب في رأيي بصفته كناقد فقط ، بل يكتب أيضا كما لو كان مديرا للمهرجان ، وعضوا مجهولا في لجنة التحكيم ، ومخرجا سينمائيا، أو مشروعا لمخرج سينمائي، لكن لم يتحقق بعد..
وغالبا ما تكون " حلوي " النقاد والصحافيين في المهرجان كما لاحظت ، اكتشاف " المواهب " السينمائية الجديدة ، وستجد ان البعض من الصحفيين قد يعترض علي اختيار موهبة جديدة تعرض فيلمها في المهرجان لأول مرة، علي اعتبار أنها لم تنضج بعد ، في الوقت الذي يغضب فيه البعض الآخر، ويري أنه كان من الأفضل، بدلا من ضم الفيلم الجديد لمجموعة أفلام التظاهرات الجانبية مثل " نظرة خاصة ، إلحاقه بمجموعة أفلام المسابقة، التي تستقطب إليها أكثر من أية تظاهرة جانبية أخري الاهتمام الأكبر، وأضواء الشهرة والمجد..
إلا أن مجرد مشاركة أول فيلم لموهبة جديدة في المهرجان هو مكسب رائع في رأيي ، فهي في جميع الأحوال لن تخسر شيئا من خلال تقديمها، بل علي العكس، قد يسمح عرض فيلمها في المهرجان بشرائه في أنحاء العالم والدعاية لها ، مما يسهل علي تلك الموهبة السينمائية في ما بعد عملية العثور علي تمويل لفيلمها الجديد التالي ، وبخاصة إن لم يتعرض الفيلم لاستقبال سيء ومدمر ومأسوي من قبل الصحافة..
لم أكن أعرف بالطبع أي شيء عن كل هذه الأشياء التي ذكرتها سابقا ، وعندما التحقت بالمهرجان ، كنت أجهل كل تلك الأمور، وكان علي أن أتعلم وأعي من عند نقطة الصفر.أتعلم أولا أن مهرجان "كان " وتظاهرة بهذا الحجم لا يمكن إدارتها كما لو كنت تقود سيارة سباق..
وثانيا إن من حق الصحفيين والنقاد أن يكون لهم رأيهم وتشخيصهم الأساسي في المهرجان الذي يمكن مناقشته والأخذ به، ومن ذلك توافر عدد كبير جدا من الأفلام للمشاهدة ،وكان لابد من تقليص عدد الأفلام المشاركة، وهو موقف " سياسي " بالدرجة الأولي ( كانت الأفلام تختار سابقا حسب الجنسية وليس الجودة، وتفرض أحيانا فرضا علي إدارته ، وذلك قبل التحاق جيل جاكوب للعمل في المهرجان عام 1977 )
قمت أولا بضم الأقسام الثلاثة من اختراع موريس بيسي - خارج المسابقة الرسمية - في قسم بعنوان " نظرة خاصة " وكان ذلك أول خطأ ارتكبته، فقد كان العنوان الذي اخترته للتظاهرة الجديدة عنوانا شاعريا مستلهما من قصيدة للشاعر الفرنسي بول ايلوار، لكنه لم يكن عنوانا سينمائيا بارزا وموفقا يعلي من قيمة " المخرج " في السينما، مثل عنوان تظاهرة أخري جانبية وأعني بها تظاهرة " نصف شهر المخرجين " من تنظيم نقابة المخرجين الفرنسية ، وكان الوقت فات لتغيير عنوان التظاهرة الجديدة..
لكني كما أعتقد كنت موفقا جدا في إنشاء مسابقة " الكاميرا الذهبية " مبكرا بمجرد حلولي في المهرجان ، وهي المسابقة التي تدخلها الأفلام الأولي لمخرجيها في جميع أقسام المهرجان، وتتنافس في ما بينها للحصول علي " كاميرا كان الذهبية " فقد أدركت ومنذ عام 1977 أن "الصفوة " من المخرجين البارزين في العالم ، بدأت تكبر وتشيخ ، وأنه لابد ومن الضروري فتح الباب ل " جيل جديد " من المواهب السينمائية الجديدة في العالم، لكي يحمل شعلة السينما الفن ، ويواصل مسيرة المخرجين الكبار، وقد تملكتني تلك الفكرة واستحوذت علي كياني حتى أصبحت سلوتي وهوايتي المفضلة بمرور الوقت ، ودفعتني إلي إنشاء مؤسسة " السينيفونداسيون " السينمائية، ومن بعدها " دار إقامة المهرجان "- ريسدانس دو فيستيفال- لرعاية وتبني وتشجيع المواهب السينمائية الجديدة، ثم أني توجت كل هذه الإبداعات أو الهياكل السينمائية بإنشاء " الأتيلييه " أو المحترف ، إضافة إلي تظاهرة سينمائية جديدة بعنوان " كل سينمات العالم "..
إلا أن هذا كله لا يمنع وبخاصة عندما أعجب بمخرج جديد ، أن أصطحبه في رحلته علي درب السينما الفن ، فأعرض أفلامه فيلما وراء فيلم، كما فعلت من قبل مع الدانمركي لارس فون تراير ، والنيوزيلندية جين كامبيون ، والشقيقين الأمريكيين كوين ، والشقيقين داردين من بلجيكا ، وكيسلوفسكي من بولندا ، وونج كار واي من هونج كونج. ومن عند الايطالي موريتي إلي الأمريكي وودي آلان ، ومن دون أن أنسي الأسباني كارلوس ساورا ، والأمريكي روبرت ألتمان ، والفرنسي جان لوك جودار..
وسرعان ما ظهر تأثير ذلك وكل تلك التغييرات التي استحدثتها ، إذ راحت المهرجانات السينمائية ألكبري الأخرى تقلد مهرجان " كان "، وتستلهم من إستراتجيته التي تعتمد في الأساس علي " الاكتشافات " الجديدة ، وذلك بإنشاء الأقسام والتظاهرات الجانبية، وكنت استطيع عندئذ أن أصرخ إن ألحقونا سرقونا ، لكني فضلت أن أطلق صيحة أن تعيش السينما. والواقع أن الصحفيين والنقاد وقفوا إلي جانبي منذ أن بدأت عملي ، وكانوا راضيين عن اختياري ك " سينيفيل " كعاشق للسينما لإدارة المهرجان ، في محل ذلك الموريس بيسي الذي لم يكن أحد يحبه كثيرا ، وكان ينظر إلي الصحفيين والنقاد علي أنهم أشخاص تافهين ولا يفقهون شيئا. و كانت الصحافة، عبرت عن ارتياحها لتلك " الروح الجديدة " التي حطت في شخصي، وشرعت ترحب بكل جديد تعرضه علي شاشات المهرجان..
كنت وحيدا. و كان من اللازم علي أن أبني وأشيد " تجربة " جديدة، وأن ابتدع أسلوبا خاصا وفريدا في إدارة المهرجان. كان علي أن أكتشف، وأن أتعلم من أخطائي، وأن أتقدم وأتطور وأفهم. وكان أول قرار اتخذته، أن أعطي إجابة فورية حاسمة للأشخاص الذين يتقدمون بأفلامهم للمشاركة في مسابقة المهرجان، وأن أرد عليهم بنعم أو لا في نفس اليوم، لكي يفهم الجميع بأني وحدي صاحب القرار..
ومن جانب آخر اعتمدت فورا صيغة العمل، وفقا لمجموعة قواعد محددة، وبحيث لا أحيد أو أتنازل عنها أبدا، وهذه القواعد هي:
القاعدة رقم 1: أن لا أكذب أبدا، وان لا أعد إلا إذا كنت قادرا علي الوفاء بالوعد
القاعدة رقم 2:أن أتحدث مباشرة مع مخرج الفيلم..
القاعدة رقم 3: أن أظهر ثقافتي السينمائية..
القاعدة رقم 4: أن أحوط نفسي بوجهات نظر وأفكار وآراء و " نظرات " جديدة دوما من خلال مجموعة من المستشارين المقربين
القاعدة رقم 5: أن تضم المسابقة الرسمية للمهرجان 12 بلدا علي الأقل كل سنة..
القاعدة رقم 6 : أن لا اعتمد نظام " الحصة"- الكوتا - في اختيار أفلام المسابقة، بحيث يكون للبلد المشارك عدد محدد من الأفلام لا يتجاوزه، وعليه لا مانع أبدا من عرض 4 أفلام من ليتوانيا في المسابقة، إن تقدمت مثلا بأربع « روائع " سينمائية..
القاعدة رقم 7 : قبول مشاركة أفلام النوع – مثل أفلام " الو سترن " الكاوبوي، إذا كانت تقدم جديدا في النوع، وتحقق إضافة..
القاعدة رقم 8 : اختيار أفلام متطورة صاعدة ، داخليا علي مستوي تطور أحداث الفيلم وحبكته، وخارجيا أي علي مستوي تطور ونضج المسيرة الفنية لكل مخرج علي حدة..
القاعدة رقم 9 : لا خوف من " نظام النجوم " ، وبخاصة إذا كان يسمح بأن تروج مثلا لفيلم من الأفلام الفنية " سينما المؤلف " للمخرج البرتغالي مانويل دو أوليفيرا مثلا، من خلال نجمة سينمائي كبيرة مثل الأمريكية شارون ستون..
القاعدة رقم 10 : البحث دوما عن أفلام جد متميزة فريدة، وعدم الانسياق للصرعات والموضات الفارغة الزائلة..
القاعدة رقم 11 : اختيار أعضاء للجنة تحكيم المسابقة من بين الفنانين فقط..
القاعدة رقم 12 : الامتناع عن الرد علي أي " هجوم " علي المهرجان في الصحافة..
القاعدة رقم 13 : تكريم المخرجين المؤلفين الكبار، وتثبيت شهرة من صاروا معروفين منهم ، واكتشاف " أجيال " جديدة من المواهب السينمائية..
القاعدة رقم 14 : أن لا أنسي أبدا أن وجها جميلا لامرأة ، يمكن أن يكون وحده مبررا لوجود الفيلم..
القاعدة رقم 15 : عدم الالتزام بأية قواعد علي الإطلاق. تعيش السينما ..

الثلاثاء، أبريل 14، 2009

هل ثمة أتجاه جديد في السينما ألمصرية.محمود الغيطاني

لقطة من فيلم 45


..هل ثمة اتجاه جديد في السينما المصرية ؟


بقلم

محمود ألغيطاني





هل ثمة تجاه ما- ربما يكون قويا و عاصفا- يحاول التشكّل داخل رحم السينما المصرية، و من ثم محاولة التكريس لنفسه كي يصبح مستقرا بالشكل الذي يسمح له في نهاية الأمر بتحديد ملامحه وإيضاحها في مواجهة غيره من الاتجاهات الفنية الأخرى؟
ربما كان هذا التساؤل الهام ضروريا ومن ثم لابد من وروده إلى أذهاننا حين مشاهدة فيلم "45يوم" للمخرج "أحمد يسري"، بل أعتقد أنه لابد ستجول في رؤوسنا العديد من الأفلام الأخرى التي سيشكل ورودها إلى الذهن ما يشبه التيار الجديد الذي يحاول أن يكون له مكانا وسط غيره من التيارات السينمائية المختلفة؛ ولذلك تذكرت مباشرة فيلم "خيانة مشروعة" للمخرج "خالد يوسف" 2007 ، وسرعان ما ورد إلى ذهني فيلما آخر "ملاكي إسكندرية" للمخرجة "ساندرا نشأت"2005 ، كذلك فيلم "فتح عينيك" للمخرج "عثمان أبو لبن"2005 ، هذه الأفلام التي لم يكن الرابط بينها جميعا سوى الإثارة والجريمة الاجتماعية والغموض، وعدم قدرة المشاهد على الوصول لأي يقين سوى في المشهد الأخير من الفيلم؛ ومن ثم يكون السيناريو المكتوب هو المتحكم الوحيد والمحرك الأساس لأحداث الفيلم والمشاهد، والممثل جميعا، وهذا يستدعي بالضرورة كتابة سيناريو شديد الإحكام يستطيع من خلاله السيناريست الإمساك بجميع الخيوط الدرامية وكأنه يمسك بين يديه خيوط عرائس الماريونيت ليحركها كيفما شاء بمهارة يحسد عليها، وان كان في حقيقة الأمر لا يحرك سوى المشاهدين المتخبطين منذ بداية الفيلم حتى نهايته.
كما أننا لابد سنلاحظ رابط آخر بين هذه الأفلام وهو، أن كاتب هذه الأفلام جميعا- 45 يوم، ملاكي إسكندرية، فتح عينيك- هو السيناريست "محمد حفظي" الذي تدل كتابته لهذه الأفلام- إذا ما تأملنا الأمر- وإذا ما أضفنا إلى هذه الأفلام الثلاثة فيلما رابعا من تأليفه أيضا- فيلم "تيتو" للمخرج "طارق العريان"2004 – بالرغم من أن فيلم "تيتو" ينحو أكثر باتجاه أفلام الحركة.
نقول إذا ما تأملنا ذلك سيتضح أن هذا الاتجاه يكاد يكون نهجا خاصا بالسيناريست "محمد حفظي"- المتأثر بالسينما الأمريكية- بدأه عام2004 بفيلمه "تيتو" ومازال مستمرا معه حتى اليوم، وربما بدأ يتأثر به غيره من كتّاب السيناريو والمخرجين فرأينا "خيانة مشروعة" للمخرج "خالد يوسف"2007 .
ولكن، ربما كان هناك سؤالا هاما لابد أن يفرض نفسه فرضا، وبالتالي نحاول تأمله للإجابة عليه وهو، هل من الممكن اعتبار أربعة أو خمسة أفلام تتناول نفس التيمة- الغموض- ونفس طريقة بناء السيناريو وإحكامه، هل من الممكن اعتبار هذه الأفلام ممثلة لاتجاه جديد بالفعل في السينما المصرية؟ وهل تعد هذه الأفلام القليلة ظاهرة جديدة بدأت تطل برأسها كي ننتبه لها؟ وهل يستطيع هذا العدد القليل من الأفلام التكريس لنفسه ومن ثم حفر خندقا جديدا داخل السينما المصرية مواجها في ذلك التيار الهادر لسينما المضحكين والهلس والتفاهة التي يمثلها مجموعة ضخمة من نجوم السيناريو المتهافت مثل "بلال فضل، أحمد عبد الله، سامح سر الختم، أحمد البيه"، كذلك مجموعة من الفنانين المستفزين- أكثر تهافتا وإسفافا من كتاب السيناريو- مثل الزعيم الأكبر "محمد سعد، محمد هنيدي، عبلة كامل، سعد الصغير" الذي انضم إليهم مؤخرا؟
ربما كانت الإجابة على مثل هذه التساؤلات الهامة في حاجة إلى تأمل ما حدث في السينما المصرية حتى تشكّل فيها ومن ثم استقر تيار أفلام التفاهة والسطحية الممثلة لأفلام "محمد هنيدي" منذ عام1998 وفيلمه "صعيد في الجامعة الأمريكية" حتى اليوم و الفيلم الأكثر استفزازا "عليا الطرب بالـ3" لمخرجه "أحمد البدري"2007 .
نستطيع دائما التأكيد أن أي تيار في أي مجال لا يتم التكريس له ومن ثم استقراره إلا من خلال التراكم، هذا التراكم الذي يؤدي يوما بعد آخر إلى وضوح الرؤية ومميزات هذا الاتجاه وأيضا سلبياته، وبالتالي يكون الكم هو المحرك الأساس لهذا الاتجاه الذي يرسخ كشئ جديد استطاع أن يصنع لنفسه كيانا ووجودا معترفا به من الجميع- سواء كنا نتفق أو نختلف مع هذا الكيان الجديد الذي تم تشكيله- ولعل هذا ما حدث تماما مع موجة أفلام المضحكين الجدد، فبدأ الأمر بفيلم "صعيد في الجامعة الأمريكية" للمخرج "سعيد حامد"1998 الذي استطاع كسر حاجز الإيرادات لأول مرة في تاريخ السينما المصرية ووصل بها إلى27 مليونا من الجنيهات، وبالرغم من أننا تلقينا الفيلم كشئ غريب- نتوء/ظاهرة- مرت مرور الكرام في السينما المصرية، وبالرغم من أن الفيلم أثار غضب الكثير من النقاد الجادين على مخرج متميز كنا نأمل منه الكثير، إلا أن الطفرة النوعية في الإيرادات التي حققها الفيلم جعلت البعض من صنّاع السينما المصرية- منتجين و كتّاب سيناريو ومخرجين- يحاولون تكرار التجربة مرة أخرى علّها تنجح وتحقق لهم المزيد من المكاسب المادية، وبالتالي وقع في هذا الشرك العديد من المخرجين الجادين مثل "شريف عرفة"، "محمد النجار" وكأن التيار الهادر للسطحية قد جرف أمامه بعض هؤلاء الذين كنا نعلق عليهم الكثير من الآمال لجديتهم، إلا أنهم لضعفهم أمام هذا التيار انساقوا خلفه، ثم لم يلبث أن ظهر لنا "علاء ولي الدين" بأفلامه التي قدمها وغيره من النجوم الجدد الذين أرادوا حذو ذات الطريق الذي سار فيه "محمد هنيدي" فكان "محمد سعد"، "عبلة كامل"، "أحمد حلمي"- في بعض أفلامه مثل 55 إسعاف- بل و"عادل إمام" الذي كان أكثرهم سطحية وتهافتا في أفلامه الأخيرة- وكأنه يخشى أن يسحب هؤلاء الشباب البساط من تحت قدميه- حتى وصلنا إلى الكارثة الكبرى "سعد الصغير" في "عليا الطرب بالـ3" 2007 .
ولعلنا إذا ما تأملنا بهدوء مثل هذا التراكم الكبير الذي حدث على مدار تسع سنوات لتأكدنا من صدق ما سبق أن ذهبنا إليه، وهو أن ظهور أحد الأفلام الذي يجذب الأنظار يجعل البعض يحاول تكرار التجربة مرة ثانية وثالثة، ومن ثم أدى ذلك إلى تراكم الكثير من الأفلام التي شكلت هذا الاتجاه الذي، أصبح فيما بعد اتجاها قويا داخل السينما المصرية- بالرغم من سطحيته وابتذاله- إلا انه نجح ببراعة في حفر مجرى عميق له ليكرس لنفسه ومن ثم تتضح خصائصه.
ولهذا إذا ما تأملنا ما يدور الآن مع أفلام الإثارة والغموض والتشويق التي بدأت في التراكم داخل السينما المصرية لوجدنا أنها تكاد تشكل لنفسها تيارا واتجاها يحاول التكريس لنفسه بهذا التراكم، ولكن هل سيستمر هذا الاتجاه؟ وهل سيصبح اتجاها قويا داخل السينما المصرية؟
علّ الوقت وحده هو الذي يستطيع الإجابة على مثل هذا التساؤل بما سيتم تقديمه من أفلام أخرى تتفق أو تختلف مع هذا الاتجاه.
وربما لذلك تأملنا فيلم المخرج "أحمد يسري" "45 يوم" في تجربته الإخراجية الأولى للسينما الروائية الطويلة لنلاحظ تقديمه أسرة نموذجية مكونة من الأب "عز"(عزت أبو عوف)، والأم "سوزي"(غادة عبد الرازق)، والابن "أحمد"(أحمد الفيشاوي)، والابنة "نهال"(ماريانا) لنعرف أن الأب يعمل طيارا مدنيا، وقد بدأ الفيلم بجريمة قتل بشعة يقتل فيها الأب والأم معا ومن ثم يتم اتهام الابن بقتل والديه ليحيرنا الفيلم منذ بدايته حول الدافع القوي الذي يجعل ابنا من أسرة مرفهة ومثقفة بالإضافة لكونه طالبا في الجامعة الأمريكية يقدم على مثل هذه الجريمة البشعة، وبذلك يتعمد السيناريست "محمد حفظي" متعاونا مع المخرج "أحمد يسري" في جذب انتباه المشاهد منذ المشهد الأول ويجعله في حالة تحفز وتساؤل وقلق دائم حتى نهاية الفيلم.
ولعل السيناريست "محمد حفظي" قد برع في جعل أحداث الفيلم تسير أيضا كما تمت في الواقع بمعنى عدم استباق الحدث، ومن ثم كنا دائما كمشاهدين غير قادرين على معرفة الحقيقة إلا من خلال ما يقدمه لنا السيناريو الذي تم عرضه من خلال الفلاش باك flash back ، ومن ثم كان هذا التكنيك في بناء السيناريو مانعا للمشاهد في القدرة على التخمين أو استباق الحدث، حتى ولو قمنا بمحاولة التخمين سيقوم السيناريو فيما بعد بتكذيب كل ما توصلنا إليه وبالتالي تصير جميع تخميناتنا لا علاقة لها بالحقيقة.
فرأينا الابن "أحمد"(أحمد الفيشاوي) يلتزم الصمت التام والهدوء القاتل أثناء محاكمته، بل و يصر على عدم التصريح بأي شئ أو حتى محاولة الدفاع عن نفسه بإنكار التهمة الموجهة إليه مما يجعل هيئة المحلفين بالحكم عليه بالإعدام بعد إيداعه مصحة نفسية لمدة "45 يوم" للتأكد من سلامة قواه العقلية.
وهنا يقدم لنا السيناريست "محمد حفظي" خطا دراميا آخر موازي يتمثل في الدكتور "راهب"(هشام سليم) الذي سيتولى متابعة الحالة العقلية "لأحمد"(أحمد الفيشاوي)، والذي سيتم تأجيل أجازته "45 يوم" من أجل متابعة الحالة ووضع تقريره مما يؤدي إلى المساهمة في زيادة الصدع/الخلاف بينه و بين زوجته "سلمى"(شيرين الطحان) التي وعدها أكثر من مرة بالذهاب في أجازة إلى اليونان، إلا أن كل مرة يتم تأجيل أجازته نظرا لظروف عمله؛ ولذلك نراها تقول بسخرية( الأجازة تأجلت وبقالك خمس سنين بتقول حنروح اليونان) ومن ثم نعرف فيما بعد أنهما يعيشان في بيت واحد وكأنهما ضيفان أو شخصان يقيمان في أحد الفنادق وبالتالي يلتقيان دائما بالمصادفة لعدة دقائق ثم لا يلبثا أن يفترقا كل إلى عمله وعالمه الخاص، بل نراه في إحدى هذه اللقاءات يسألها عن طعام أعدته بدلا من الطعام الجاهز الذي يتناوله دائما فترد عليه مستنكرة( طبيخ؟ انت اتجننت؟) مما يؤدي به إلى الشعور بالوحدة الدائمة التي يتغلب عليها بالذهاب إلى البارات واحتساء الكثير من الخمور، ربما لمحاولة الخروج من حالة الوحدة القاسية التي يشعر بها.
إلا أننا نلاحظ اهتمام الدكتور "راهب"(هشام سليم) بعمله، ربما لأنه السبيل الوحيد أمامه للبقاء حيا والشعور بأهميته في حياته الوحيدة القاسية؛ فنراه يحاول دائما اكتساب ثقة "أحمد"(أحمد الفيشاوي) الذي يصر على التزام الصمت وعدم التصريح بأي شئ عن حياته أو الجريمة التي تمت، إلا انه بمرور الوقت يستطيع اكتساب ثقته ومن ثم يبدأ "أحمد" الحديث معه عن نفسه وعن أسرته منذ صغره و كيف كانت معاملة أبيه "عز"(عزت أبو عوف) الذي نراه يتعامل معه بقسوة وصرامة غير معهودة أو مبررة، مما يجعلنا نتساءل طوال الفيلم حتى المشاهد الأخيرة( لم يتعامل الأب مع ابنه بمثل هذه القسوة في حين انه يتعامل مع الابنة بمنتهى الرقة والحنان؟)، فنراه في أحد المشاهد بينما الأم أعدت الطفلين للذهاب إلى مدرستيهما تسرع الابنة إلى أبيها لتقبله خارجة إلى مدرستها وحينما يحاول الابن تقبيل والده وتوديعه نرى الأب يسرع بوضع يده أمامه كحائط صد ليقول بقسوة وجهامة( قلت لك مليون مرة قبل كدا الرجالة مابيبوسوش بعض) مما يجعل الابن يرتد في حالة خزي بينما تقف الأم متأملة الموقف بحسرة صامتة لا حول لها ولا قوة.
وتارة أخرى حينما يرى الابن أحد الضيوف في إحدى الحفلات يضع يده على ظهر أمه نرى "أحمد"(أحمد الفيشاوي) يقترب من الضيف وقد تملكته الغيرة ليبول على قدم هذا الضيف وكأنه الدفاع الوحيد عن أمه مما يؤدي بالأب إلى جلد الطفل بحزامه الجلدي بقسوة لم نرها من قبل ولا نتخيلها من أب مع ولده، كذلك نرى الأب دائما وقد تملكته حالة من الصرامة والقسوة وتقطيب الحاجبين، بل والصمت التام داخل المنزل مما يجعل المنزل دائما في حالة سكون عميق وكأنه لا يسكنه أحد من الأحياء، إلا أن الصوت الوحيد الذي كان مسموحا له بالسماع داخل هذا المكان هو صوت البيانو الذي تعزفه الابنة المدللة من أبيها- "نهال"(ماريانا)-.
وربما نتيجة لهذه الحالة من القسوة الشديدة يشعر الابن دائما بالوحدة نظرا لأنه لا يستطيع الانفراد بأمه والحديث معها لدقائق لأن الأب دائما ما يدخل عليهما فجأة بصرامته المعهودة التي تجعلهما يخشيان الحديث في حضرته، كذلك خشيته من الانفراد بأخته التي يكن لها الكثير من الحب العميق نتيجة لأن والده كثيرا ما جلده بالحزام لأنها ركبت خلفه الدراجة البخارية ولأن الأب يرى أن الابن سيفسد أخلاقها، نقول نظرا لتلك الوحدة المفروضة عليه نراه يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه الوحيد بالمدرسة- والذي جعله السيناريست خطا دراميا ثالثا وفرعيا داخل السيناريو- الذي يعرف منه- أحمد- حينما يسأله لماذا لا توجد معه نقود طوال الوقت، فيخبره أن والده قد توفي وهو الذي كان يغدق عليه بالمصروف إلا أن والدته بعد وفاة الأب منعت عنه المصروف تماما ثم يخبره الطفل أنه يعتقد بأن والدته ستتزوج قريبا لأن هناك صديقا لها يأتي دائما للمنزل وحينما يحضر فإنها تحرص على عدم وجود الابن معهما، فيؤكد له "أحمد"(أحمد الفيشاوي) أن هذا المال من حقه هو لأنه مال أبيه ولابد من استرداده وعدم ترك والدته وصديقها يستمتعان به؛ ومن ثم يخططان للاستيلاء على هذا المال؛ فيصعد "أحمد"(أحمد الفيشاوي) في إحدى الليالي الممطرة إلى شقة صديقه فيأخذ المال من الدولاب ويجد سوتيانا فيضعه أيضا في جيبه، إلا أن رغبته في معرفة ما يدور أثناء غياب صديقه تجعله يتلصص على والدة الصديق التي يراها تمارس الجنس مع صديقها فيهبط مسرعا ليعطي صديقه النقود ويهرب.
إلا أن الأم "سوزي"(غادة عبد الرازق) تجد السوتيان أثناء ترتيبها لحجرة طفلها ولكنها لم تكد تمسكه إلا ويدخل عليها الزوج ليسألها هل هو سوتيانها؟ ولأنها تخشى الكذب عليه تشير برأسها علامة النفي وهنا نرى مشهدا من أجمل المشاهد التي قدمها المخرج "أحمد يسري" حينما نرى الأب وقد اقتربت الكاميرا من وجهه المتجهم الصارم في "كلوز آب"close up لينطلق صوته بقوة كالرعد بينما نسمع في الخلفية السمعية من خلال مؤثرات الصوت صدى نداءه على طفله، إلا أن الأم تتوسل إليه ألا يضربه وقد انسكبت دموعها فنراه يدفعها بيده خارج الحجرة ليغلقها عليه وعلى الطفل المنكمش رعبا فيصرخ في وجهه( جبت البتاع دا منين؟) إلا أنه لا ينتظر ثانية واحدة كي يجيبه الابن ومن ثم يبدأ في جلده بقسوة مستخدما حزامه.
كذلك نرى الأب في مشهد أكثر قسوة يرفض الذهاب إلى ولده أو محاولة توكيل محام له حينما يتم الإبلاغ عن السرقة ومن ثم يتم إيداعه الأحداث أربعة شهور وثلاثة أيام، مبررا إحجامه عن ذلك أنه لابد أن يتربى، بل ويمنع الأم من الذهاب إلى ولدها مؤكدا لها أنها إذا ما خرجت من البيت لرؤية ابنها فإنها لن تعود للبيت مرة أخرى، بل ولن ترى ولدها أيضا.
ولعل الطامة الكبرى والقشة التي قصمت ظهر البعير حينما كبر الابن "أحمد"(أحمد الفيشاوي) وقدم أوراق التحاقه لأكاديمية الطيران وتم قبوله؛ فيسرع إلى والده كي يخبره( أنا قبلت في أكاديمية الطيران في فلوريدا.. فاضل لي بس ألف دولار عشان أحجز مكان) فنرى الأب الجالس لاحتساء الخمر يرد عليه ببرود وقسوة( انت فاكر نفسك ممكن تبقى طيار بجد؟ انت متنفعش تبقى طيار.. عشان تبقى طيار لازم تبقى راجل حقيقي) ومن ثم نراه يتناول أوراق الموافقة على طلب الابن ليمزقها أمامه، ولعل هذا المشهد كان بارعا حينما اقتربت الكاميرا "كلوز آب"close up على يد الأب لتملأ الشاشة بينما نراها تتحرك في عرض بطئslow motion مقطعة لأوراق التحاقه الممثلة للابن مستقبله مما حدا به إلى الخروج لإحدى الملاهي الليلية (نايت كلاب) فيحتسي الكثير من الخمر ويعود إلى البيت في حالة يرثى لها، إلا أن الأب يفاجئه منتظرا إياه ليقول بقسوة( كبرنا و بقينا نسكر وبندهول وراجع لي البيت الساعة أربعة وسكران) بينما نرى يده في قطع مونتاجيcross cutting على زجاجة الخمر التي يصب منها في الكأس، في الوقت الذي تتابعه عينيّ ابنه، وهنا نرى الأب يدخل في مباراة غير معقولة بها الكثير من التحدي والكره والمقت مع ولده على شرب الخمر حتى يكاد الابن يفقد وعيه فنسمع الأب يقول ساخرا( بذمتك انت فاكر نفسك راجل؟ دا انت حتى مش عارف تبقى فاشل).
كل هذه الظروف وهذه القسوة غير المبررة واللامعقولة، وقلة حيلة الأم أمام زوجها الصارم والثائر دائما دفعا الابن إلى ترك البيت قائلا( مستنيتش لحد ما يطردني من البيت) وبالتالي يذهب إلى الإسكندرية في أحد الشاليهات بالعجمي مع بعض أصدقائه ليقيم هناك وحده حينما يتركونه ويعودون إلى القاهرة، فيتقابل هناك مع "نرمين"(لانا سعيد) التي تقيم هناك وحدها لأنها ستسافر إلى لندن لدراسة الـart ومن ثم فهي في حاجة إلى الوحدة لاتخاذ القرار نظرا لأنها لا تريد ترك والدتها وحدها هنا، إلا أن هذه العلاقة الرومانسية الجميلة التي ارتبطا بها معا والتي كانت بالنسبة له طوال الفيلم بمثابة الشئ الوحيد الجميل والنادر الذي حدث له سرعان ما ينتهي متلاشيا حينما يخبرها أنه سيعود إلى القاهرة ليحتفل بعيد ميلاد شقيقته وسيعود إليها قبل أن تتم الساعة دورتها مرة أخرى؛ إلا أن وقوع حادث لشقيقته حينما تركب خلفه الدراجة البخارية يجعله يقضي عدة أيام ومن ثم حينما يعود يجد "نرمين"(لانا سعيد) قد غادرت المكان إلى غير رجعة.
ولأن والده "عز"(عزت أبو عوف) يرفض زواج الابنة "نهال"(ماريانا) من الشاب الذي يحبها وتحبه يذهب خطيب الابنة إلى "أحمد" حيث يقيم في العجمي الذي يطمئنه قائلا أن كل شئ سيكون على ما يرام قريبا لأنه سيعود ويحل كل هذه الأمور.
وهنا نتأكد كمشاهدين أن "أحمد"(أحمد الفيشاوي) قد اتخذ قراره في العودة لقتل الأب الشديد القسوة في التعامل معه ومع أمه والذي حطم قلب شقيقته برفضه زواجها، كذلك نرى الأب الدائم الشك في سلوك زوجته والذي يتصنت على مكالماتها التليفونية دائما مما يجعله يستمع إليها ذات مرة تحدث أحد الأشخاص الذي يعطيها موعدا في إحدى الشقق ذاكرا لها العنوان ومن ثم يتأكد له خيانة الزوجة، وهنت تحدث بينهما مشادة كلامية نستمع فيها إلى "سوزي"(غادة عبد الرازق) تقول (انت إيه يا أخي؟ بتشك حتى في الهوا اللي حواليك؟) بل نعرف أنه دائم الخيانة لها حينما تقول( أوعى تكون مفكر إن كل مرة كنت بتخوني فيها ماكنتش بعرف.. كنت بعرف وأستحمل عشان ولادي) وهنا ومن خلال الحوار الذي دار بينهما يتكشف لنا لأول مرة سبب تلك القسوة الشديدة التي يتعامل بها الأب مع ابنه؛ حيث يشك دائما أنه ليس من صلبه نظرا لأنه ولد بعد سبعة أشهر من الزواج، ولأن الأب متيم بحب "سوزي"(غادة عبد الرازق) ويشعر بالغيرة الدائمة والشك في سلوكها نتيجة لهذا الحب الجامح/المرضي؛ فهو يعاملها أيضا بمثل هذه القسوة التي يعامل بها صغيرهما.
ولذلك حينما يعود "أحمد" لمواجهة الأب ونقاشه في سبب رفض زواج "نهال" نرى الأب بينما هو في حالة سكر شديد يحاول تشكيكه في سلوك أمه قائلا( تكونش فاكر أمك أشرف ست في الدنيا؟ انت عارف أمك دي إيه؟) ثم يعطيه العنوان الذي سمعه في الهاتف أثناء التصنت عليها، وحينما يذهب الابن يراها من خلال شباك الشقة الواقفة فيها وهناك شخص ما خلف الستارة يشعل لها سيجارتها مما يجعله يتيقن من سوء سلوك الأم.
إلا أنه حينما تعود الأم يكون الزوج "عز"(عزت أبو عوف) قد بات في حالة سكر تام وقد ارتدى ملابسه الكاملة كطيار ومن ثم نراه يقتلها ببرود دون أية كلمة منه، وحينما يسمع "أحمد" صوت الطلق الناري يهرع إلى الحجرة ليجد أمه مدرجة في دمائها بينما الأب واقفا متأملا إياها ممسكا مسدسه الذي يصوبه باتجاه ابنه حينما يراه مما يجعلنا نظن أنه سيقتله أيضا ولكنه سرعان ما يصوبه تجاه نفسه لينتحر.
وهنا نستمع إلى صوت "أحمد"(أحمد الفيشاوي) قائلا من خلال الأحداث الآنية بعد انتهاء الفلاش باك الطويل( حسيت إني لازم أشيل مسئولية كل اللي حصل.. كان لازم ألتزم الصمت عشان تفضل صورتهم حلوة) ومن ثم يتم خروجه من المصحة لتنفيذ حكم الإعدام، إلا أن المشهد البليغ الذي قدمه المخرج "أحمد يسري" كان أثناء تنفيذ حكم الإعدام بينما يتم الانتقال بنا من خلال القطع المونتاجيcross cutting إلى سيارة مجهولة تتوقف أمام بيته ليخرج منها أحد الأشخاص( فاروق الفيشاوي) الذي يخبر جدة الابن بأن أمه "سوزي"(غادة عبد الرازق) كانت قد ذهبت إليه قبيل وفاتها لاستئجار إحدى الشقق- حيث كانت ترغب في ترك البيت لزوجها كي ترغمه على التعامل معهم برقة وبشكل أكثر إنسانية- وهنا يتبين لنا- من خلال المشهد الأخير- أن "سوزي" لم تكن خائنة لزوجها، وأن الابن الذي فضل الإعدام على قول الحقيقة المشوهة التي يعرفها، ومن ثم فضح وتشويه صورة أمه و أبيه قد مات من أجل وهم لا وجود له.
ربما كنا قد أطلنا كثيرا بشكل متعمد في سرد الكثير من تفاصيل الفيلم ولكنا رأينا أنه لابد من ذلك للتدليل على الكثير من الأمور التي رغبنا في سوقها أثناء حديثنا، كذلك الحديث عن الكثير من المشاهد الهامة التي توضح أزمة الابن وغيرها من المشاهد التي برع فيها المخرج والمصور.
إلا انه بالرغم من تماسك الفيلم وحبكته، ومن ثم براعة السيناريو الذي كتبه السيناريست "محمد حفظي" وأخرجه مخرج بارع نجح في تقديم أوراق اعتماده من خلال عمله الأول- أحمد يسري- لاحظنا أن القصة الفرعية التي حاول المخرج والسيناريست زجها داخل أحداث السيناريو-حينما قابل "أحمد" "نرمين"(لانا سعيد) في العجمي- لم يكن لها من داع على الإطلاق داخل السيناريو؛ لأن عدم وجود هذه القصة داخل السيناريو لم يكن سيؤثر عليه أو ينقص منه شيئا، وبالتالي فهي لم تضف إليه شيئا كذلك، ومن هنا ظهر لنا الأمر من قبيل التزيد والثرثرة والحشو الذي لا داع له، كذلك تساءلنا كثيرا طوال مدة مشاهدتنا للفيلم حتى خرجنا منه (ما هو الداعي لعرض علاقة الطبيب "راهب"(هشام سليم) مع زوجته "سلمى"(شيرين الطحان) بمثل هذا التفكك والانهيار وكأنهما ضيفان في فندق بدلا من أن يكونا زوجين حقيقيين؟ ولماذا كل هذا الصدع العميق بينهما؟) فالسيناريست "محمد حفظي" ومعه المخرج "أحمد يسري" لم يهتما طوال الفيلم بتقديم أية مبررات أو أسباب لتداعي ومن ثم تحطم تلك العلاقة التي تكاد تكون منتهية تماما- اللهم إلا إذا كانا يظنان أننا لابد سوف نفتح المندل لمعرفة السبب في ذلك- ولعلنا جميعا نعرف أن جذب انتباه المشاهد منذ المشهد الأول وجعله في حالة تساؤل دائم طوال الفيلم من أهم المميزات التي تجعل السيناريو ناجحا؛ ومن ثم لابد من تقديم الإجابة له في نهاية الأمر، أما تركه معلقا في الهواء دون تقديم إجابة شافية وواضحة لتساؤله، فهذا يعد عيبا خطيرا يكاد يهدم السيناريو تماما، ولذلك لم نقتنع إطلاقا بالمبرر الواهي الذي تم تقديمه لهذا الخلاف العميق بأنها سبق أن فقدت طفلها أثناء حملها وأن كل منهما منشغل في عمله وعالمه الخاص به.
كذلك مشهد المواجهة بين الأب "عز"، وابنه "أحمد" الذي نستمع فيه إلى الأب مبررا سبب قسوته اللامتناهية لابنه بأنه كان يريد أن يجعل منه رجلا حقيقيا، وأن حبه الشديد له وخوفه عليه وحرصه على تنشئته رجلا كان هو السبب الأساس في تلك القسوة، نقول أن مشهد المواجهة افتقد للكثير من المنطقية والعقل، بالإضافة إلى ظهوره متضاربا مع أحداث الفيلم الذي عرفنا منه أن الشك الدائم في الزوجة والغيرة عليها، كذلك شكه في عدم انتساب ابنه إليه، كل هذه الأمور كانت هي السبب في تلك القسوة فلماذا يعود السيناريست "محمد حفظي" لينفي كل ذلك في مشهد واحد وكأنه ينفي الفيلم؟ كما أن مبررات الأب في الاعتراف لابنه غير منطقية لأنه لا يعقل أن يتعامل أب مع ابنه بمثل هذه القسوة لمجرد أنه يرغب أن ينشئه رجلا.
كل هذه المآخذ بالإضافة إلى إسراف المخرج "أحمد يسري" الشديد في استخدام تقنية العرض البطئslow motion كانت من الأمور التي كثيرا ما أقلقتنا أثناء مشاهدتنا لهذا الفيلم البديع؛ فنحن لا ننكر أن الفيلم في الكثير من مشاهده كان في حاجة حقيقية إلى العرض البطئslow motion ولكن يبدو أن الأمر استهوى المخرج "أحمد يسري" ومعه مدير التصوير "جلال الذكي"- وكأنهما يرغبان استعراض إمكانياتهما كمخرج ومصور يقدمان أوراق اعتمادهما لأول مرة في عالم السينما- فبدا لنا الفيلم وكأنه slow motion طويل لا يكاد أن ينتهي.
إلا انه لابد من تحية مدير التصوير البديع "جلال الذكي" لذكائه في استخدام الكاميرا لاسيما لقطات الكلوز آبclose up الموفقة تماما، وبعض المشاهد التي استخدم فيها تقنية العرض البطئ slow motion ، كذلك المشاهد ذات الألوان القاتمة الموحية المناسبة لجو الفيلم القاتم، كذلك المونتير "أحمد حافظ" الذي نجح في توليف فيلم لابد سيحسب له في تاريخه السينمائي، إلا أن التحية الحقيقية لابد أن توجه للمخرج "أحمد يسري" صاحب اللغة السينمائية الراقية، والذي يثبت لنا في أولى تجاربه السينمائية أن السينما المصرية قادرة على تقديم العديد من المخرجين المميزين والجادين في مقابل تيار اللامعنى والسطحية الذي يحاول السيطرة عليها.
وربما لذلك نجح المخرج في تقديم "أحمد الفيشاوي" في دور رئيسي لم نكن نتوقعه من قبل؛ نتيجة لأننا لم ننظر له كممثل دور أول سابقا، إلا انه خاض التجربة بنجاح يحسب له، كذلك الراقية البديعة "غادة عبد الرازق" في أفضل أدوارها السينمائية والتي تثبت لنا يوما بعد آخر نضوجها الفني ومن ثم قدرتها على تقديم أدوار صعبة تؤديها باقتدار، أيضا الفنان "عزت أبو عوف" الذي يدهشنا كثيرا نتيجة لخياراته الفنية في الآونة الأخيرة؛ نظرا لتمكنه وقدرته على أداء الأدوار الصعبة والتي تحتاج إلى ممثل حقيقي وموهوب، إلا أنه صار كثيرا ما ينحى باتجاه الهزل والسطحية والتفاهة في أفلامه الأخيرة مما أدى إلى نقصان الكثير من رصيده الفني لدينا.






محمود الغيطاني


الأحد، أبريل 12، 2009

أسرار مهرجان كان السينمائي في كتاب.صلاح هاشم

غلاف كتاب سوف تمضي الحياة مثل حلم لرئيس مهرجان " كان " السينمائي جيل جاكوب

جيل جاكوب مع فيلليني


جيل جاكوب مع شارون ستون




أسرار مهرجان" كان " السينمائي
في كتاب جديد للرئيس جيل جاكوب


" كاميرا " ترحل في دروب وأروقة وكواليس مهرجان " كان " السينمائي



قراءة في


كتاب " سوف تمضي الحياة مثل حلم "

لجيل جاكوب







بقلم: صلاح هاشم


من أمتع وأجمل الكتب السينمائية التي صدرت حديثا عن دار نشر " روبرت لافون " في فرنسا كتاب " سوف تمضي الحياة مثل حلم " للكاتب والناقد السينمائي الفرنسي جيل جاكوب رئيس مهرجان " كان " السينمائي الذي يعتبر أعظم وأشهر وأضخم مهرجان سينمائي في العالم... جيل جاكوب من مواليد باريس عام 1930 عمل ناقدا في مجلات " نوفيل ليتيرير " و " الاكسبريس " قبل أن يعين مندوبا عاما لمهرجان " كان "السينمائي عام 1977 ثم رئيسا للمهرجان منذ عام 2000، ويحكي فيه جاكوب عن طفولته، وحكاياته مع أفراد أسرته، وحياته الشخصية ، ليكون بمثابة " سيرة ذاتية " من جانب. كما يحكي في ذات الوقت عن علاقته بمهرجان " كان " وحياته الأخرى السينمائية ،حيث تشابكت الحياتان وامتزجتا في بوتقة " السينيفيلي " بالفرنسية أي عشق السينما الفن،لتصنع كيانا إنسانيا سينمائيا فريدا وفذا من نوعه. كيان يتجسد في شخصية جيل جاكوب الكتومة " السرية " الذي يدير ماكينة " كان " السينمائية العملاقة منذ أكثر من ثلاثين عاما بعدما أصبح المندوب العام للمهرجان،أي المسئول الأول عن اختيار أفلام المهرجان في مسابقته الرسمية ، والتظاهرات المرافقة مثل " نظرة خاصة " وغيرها و كذلك اختيار رئيس وأعضاء لجنة التحكيم ، وهو يتكتم ويحافظ ويتحفظ علي ألغازها وأسرارها ، ومن دون أن يكشف أو يبوح..


اعترافات " رجل الظل "

فقد عرف عن جيل جاكوب الرئيس انه " رجل الظل " في المهرجان عن جدارة، فهو لا يظهر الا خلال ما يقرب من أسبوعين فقط في السنة، ويراه الجمهور فقط وهو يقف بقامته المديدة علي قمة سلم قصر المهرجان، ويروح يستقبل أشهر وأعظم نجوم السينما في العالم من أمثال كلينت ايستوود وكاترين دينوف واليزابيث تايلور، مع عتاولة المخرجين من امثال وودي آلان وفيلليني وانجلو بولوس وفرانسيس فورد كوبولا وغيره وهم يصعدون علي سجادة السلم الحمراء فيصافح هذا المخرج ويطبع قبلة علي خد هذه النجمة، ويبدو كما لو انه يعرف كل هؤلاء النجوم معرفة شخصية، وقد وقف ليستقبلهم في " داره " ويقول لهم ان أهلا ومرحبا، في حين تدور مئات الكاميرات من أنحاء العالم لتنقل الي ملايين المشاهدين في العالم من خلال البث المباشر ذلك الاستعراض السينمائي العالمي العرمرم ، ثم فجأة لاشيء.فجأة يختفي جيل جاكوب " الرجل الخفي " أو المواطن " كان " – نسبة الي فيلم " المواطن كين " للأمريكي أورسون ويلز - مثل ذلك الجني المارد في قصص ألف ليلة وليلة ، الذي يعود في صورة دخان الي قمقمه ، ويغرق في بحر " كان " الأزرق الكبير، ولا نعود نسمع عنه أي شيء البتة..
في هذا الكتاب الممتع والمشوق حقا والذي التهمته في يومين وكأني اقرأ رواية بوليسية لاجاثا كريستي ندلف بعد " الواجهة " الاستعراضية الي " كواليس " المهرجان ، ودروبه وكهوفه السرية،وألغازه وأسراره المحيرة، تلك الأسرار التي حرص جيل علي ان يتكتمها ويحتفظ بها لنفسه منذ زمن طويل وهاهو بعد 30 عاما من الصمت يكشف هنا عنها ، قبل أن تمضي الحياة مثل حلم ، ويموت جاكوب مخنوقا بأسراره..
كما اننا نتعرف في الكتاب علي شخصية جيل جاكوب الفريدة، والظروف الحياتية والسينمائية التي صنعته، وكيف استطاع بحنكة ومعلمة وبهدوء وصمت، ان يحول هذا المهرجان الذي كان قبل ان يتولي إدارته أشبه ما يكون ب " حفل اجتماعي لعلية القوم "، يحوله الي عيد حقيقي للسينما الفن..عيد سينمائي يعلي من قيم الإبداع والابتكار والاختراع ويجعل السينما وثيقة الصلة بحياتنا ومجتمعاتنا، لكي تقربنا أكثر من إنسانيتنا، فليس المهم كما يقول المخرج الهولندي الكبير جوريس ايفانز ان نعرف إن كان النهر طويلا وعميقا، لكن المهم أن نعرف ان كانت الأسماك فيه سعيدة.. والي المواطن " كان " جيل جاكوب يعود الفضل في تحويل دفة هذا المهرجان اعتبارا من عام 1978 أي منذ ان تولي مهمة " المندوب العام "من مهرجان سينمائي دبلوماسي بالدرجة الأولي إلي مهرجان سينمائي فني حقيقي، لدعم وتشجيع والترويج للمحاولات السينمائية الإبداعية الجديدة علي سكة " سينما المؤلف" التي تحول السينما من حرفة وصنعة فقط، إلي نوع من " الكتابة والتأليف" وانتهاج أسلوب فني حر مستقل للتعبير عن " رؤية " وموقف من العالم. رؤية اقرب ما تكون إلي فلسفة حياة ووجود كما في روايات الايرلندي جيمس جويس او الروسي تولستوي اواليوناني نيكوس كزانتزاكيس، وتعبير عن " هم " شخصي، بل وأداة أيضا ووسيلة للتفكير في مشاكل عصرنا..
ومن دون هذه " الرؤية " في أعمال "المخرجين المؤلفين" من أمثال البريطاني كين لوش او الدانمركي لارس فون تراير او الصربي امير كوستوريكا او الايراني عباس كياروستمي او الأمريكي مارتين سكورسيزي ومن سار خلفهم من المواهب السينمائية الجديدة علي ذات الدرب ،تصبح السينما أداة للترفيه والتسلية ودغدغة المشاعر فحسب كما في جل أفلامنا المصرية الفكاهية المبتذلة التافهة السخيفة..
وقد تساهم يقينا بمتبلات الإبهار الفني والعنف الدموي وخزعبلات التكنولوجيا الحديثة وبخاصة في انتاجات السينما الأمريكية التجارية المهيمنة علي أسواق العالم، في تغييبنا عن واقعنا ومجتمعاتنا..



السينما " المتعة " تبقي


يقول جيل جاكوب في مقدمة الكتاب : " ..كلنا نعرف المشهد الشهير في فيلم " وردة القاهرة القرمزية " للامريكي وودي آلان ، حيث يهبط بطل الفيلم من علي الشاشة ويمتزج بالمشاهدين ويروح يخطب ود متفرجة ويتحول في التو الي كائن حي من دم ولحم. لقد وقع لي نفس الشييء لكن في الاتجاه المعاكس، فقد عشقت السينما في سن 18 سنة، ودخلت في الشاشة عام 1948 ، فأصبحت بمرور الوقت ناقدا ثم ناشرا ثم مديرا في النهاية لمهرجان " كان " السينمائي. والمهرجان لا يعني فقط أفلام ، كلا ، بل يعني أفلام ودراما وحكايات إنسانية مأسوية، ويضاف إليها في حالة " كان " أجواء الحياة ذاتها في منطقة الكوت دازور الساحرة ومتعتها بجوار البحر..
والنقطة الأخيرة مهمة لأنه من الصعب ان نتخيل مثلا ان ظاهرة مثل ظاهرة الباحثات عن الشهرة " ستارليت " من الحسناوات ، اللواتي ينتهزن فرصة انعقاد المهرجان لكي يتجولن شبه عاريات علي شاطئ البحر في " كان " ويستقطبن إليهن عدسات المصورين ويبحثن عن " دور " أو مجرد الظهور فقط في السينما وصرن " أسطورة " ، من الصعب ان تتخلق مثل تلك ظاهرة في مهرجان يقام أو ينشأ في منطقة جبلية مثلا..
أعرف اني كنت في التاسعة من عمري عندما نشبت الحرب العالمية الثانية، وعندما بلغت سن التاسعة عشرة تركت مقاعد الدرس، وتفرغت للعمل في الصناعة، وفي سن الثامنة والأربعين أصبحت مديرا لمهرجان " كان " السينمائي ، وقد اردت ان احكي عن ذكرياتي، عن الوقائع التي عشتها والأفلام التي شهدتها والشخصيات التي التقيت بها في حياتي لأني لا اثق أولا في " وهم " أسمه الزمن، ولأني اعتبر ثانيا ان المرء منا يحيا عدة حيوات في وقت واحد ، وقد كان لي أنا جيل جاكوب حياتان علي الأقل: حياتي البيولوجية وحياتي السينمائية، و قد كانت كل حياة تنهل من الحياة الأخري وتغذيها في آن، لكن الشيء المؤكد هواني عشقت السينما ،عشقت السينما ورجالاتها، ولا استطيع ان احدد ايهما افضل الآن الافلام أم المخرجين...
أعتقد أن الأفلام هي ما يبقي علي اية حال في النهاية. العمل السينمائي الكامل المكتمل هو مثل الرخام ، هو ألنصب التذكاري الأبدي، هو المتعة، اما المخرجين فهم العذاب والألم . وقد عرفت معني تلك المتعة متعة الابداع والخلق عندما دخلت التكنولوجيا مكاتب المهرجان،وصرت استطيع مشاهدة الفيلم علي شاشة الكمبيوتر، واتحقق بنفسي من متعة " حمي الابداع " السينمائي هذه: ان تصنع فيلما وتشتغل علي مونتاجه وتجرب مرة بعد مرة من دون تعب أو كلل، ويا لها من متعة، اشبه ما تكون حقا بمتعة " الكتابة "، التي يستشعرها المرء عندما يعمل بمفرده، فيتعلم ويكتشف ، ويصحح ويحفظ ويلحن ثم فجأة ويا للسعادة يروح يردد في نهاية المطاف : " أوه أخيرا لقد نجحت " ..
انا من مواليد 22 يونيو عام 1930 . ولدت في شارع مارجريت علي مقربة من ميدان كورسيل في باريس ، وبعدي بيومين ولد المخرج الفرنسي كلود شابرول ، بينما كان المخرج جان لوك جودار مازال جنينا لايتجاوز عمره خمسة شهور ويتقلب في بطن أمه ، وفي نفس العام الذي ولدت فيه انتهي المخرج جان فيجو من وضع اللمسات الأخيرة في فيلمه " عن مدينة نيس "، واعتبر ان " السينما " ومنطقة " الكوت دازور" كانتا نجمتا طالعي السعيد من دون ان أدري. وقد أدركت ذلك في ما بعد..
ولدت في أسرة يهودية برجوازية غنية في باريس، وكان أبي يشتغل في سوق العقارات ، وكانت أمي ربة منزل لا تعمل بل تسهر علي تربيتنا، وعندما نشبت الحرب خبأني أهلي مع أخي جان كلود الذي يكبرني بعامين في الريف أثناء الاحتلال الألماني لباريس وبمساعدة بعض الرهبان وصار اسمي جوس جلبرت وصار اسم اخي الكسيس ، وسكنا قرية تدعي ميريبيل ليزيشيل علي مقربة من فورون في الجنوب. ولا اعلم كيف كتب لنا الخلاص وانقذنا من تلك محنة ؟ تري هل خبأنا الرب تحت جناحه وشملنا بعطفه ؟ لكن عن أي رب أتحدث ؟عن رب عمي سيمون الذي يروح يهز رأسه الي الأمام والي الخلف بعصبية،حين يصلي في المعبد اليهودي كل سبت ؟ ام عن رب الكنيسة الكاثوليكية و الرهبان الذين ساعدونا ؟ ولكي اشكر هذا الرب ، هل من الواجب علي أن ادخل في دينه ؟ ليس لدي اجابة علي تلك تساؤلات ..صحيح لم يعد مطلوبا مني الآن التظاهر باني مسيحي كاثوليكي، لكني لن ادع أي شخص يذكر أمامي أن الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا لم تساعد اليهود اثناء فترة الحرب، ولسوف تبقي تلك العلاقة التي ربطتني بذلك الدير حيث اختبأت حية وماثلة في ذهني حتي نهاية ألعمر..
ملاحظة : كنت حين كبرت، فكرت في زيارة المكان، عندما اكتشفت للأسف انه قد تحول الآن إلي مصحة للمجانين..


كاميرا جاكوب تستكشف الزمن


ويحكي جيل جاكوب في كتابه " سوف تمضي الحياة مثل حلم " الصادر عن دار " روبرت لافون " في باريس الذي أرشحه من الآن للحصول علي جائزة أفضل كتاب سينمائي صدر في فرنسا عام 2009 يحكي عن ذكرياته مع مهرجان " كان " السينمائي الذي التحق للعمل به كمندوب عام للمهرجان يوم 5 يناير عام 1977 فيذكر مثلا بعض الأحداث الطريفة التي وقعت له: كيف ضغط مثلا علي نهد النجمة الامريكية شارون ستون وهو يضع علي صدرها وسام الشرف الفرنسي وكاد يذوب من الارتباك والخجل بعدما كلف بأن يضع الوسام علي صدر أجمل أمرأة في الوجود وبطلة فيلم " غريزة أساسية ". وكيف تعرض للموت مع الممثل والمخرج الامريكي العملاق كلينت ايستوود داخل مقهي في لوس انجلوس ، ولماذا اضطر أن يهدي الممثلة الفرنسية ايزابيل أدجاني فرن مايكرو ، وكيف كان يهديء من روع المخرج الدانمركي لارس فون تراير المصاب بمرض الخوف من الاماكن الضيقة الكلاستروفوبيا ويعلم الله وحده ان " كان " وبخاصة اثناء فترة انعقاد المهرجان تتحول الي ساحة ضجيج مرعبة مثل جهنم من شدة التكدس والزحام. يحكي جيل جاكوب عن كل ذلك ويروح يستكشف الزمن بكاميرا ذكرياته ، ونحن نلتهم صفحات الكتاب ونطلب المزيد ، فيذكر مثلا كيف قضي ذات ليلة سهرة عيد الميلاد مع زوجته في صحبة المنتج الفرنسي توسكان دو بلانتييه وانقلبت السهرة الي نكد وغم و قد راحا يبكيان بأسي بعدما اتصلوا بتوسكان وأبلغوه ان زوجته صوفي عثر عليها مقتولة في ايرلندا ، وقد مثل بجثتها ورفض توسكان في ما بعد ان يري وجه زوجته المشوه في المشرحة ..
يحكي جاكوب ،فيذكر لماذا كان المخرج الايطالي فيلليني يدعي غاندي، ويكشف عن شخصية المخرج البريطاني الذي أطلقت عليه ايزابيل ادجاني اسم " قزم الحديقة الصغير ". يذكر كيف أطلعه المخرج لوي مال علي بطاقته المهنية بعد ان هاجر للعمل واستقر في أمريكا ، ومكتوب بها انه يعمل كمزارع للفطر، لا للتبغ ! وكيف كان المخرج الفرنسي موريس بيالا يسب ويلعن في كل وقت ويتهم والديه بالعمالة والخيانة والتعاون مع النازيين اثناء فترة احتلال النازي لفرنسا ولذلك كان يكره فيلم" لا كومب لوسيان " للوي مال الذي يناقش هذه القضية من خلال شخصية لاكومب في الفيلم، ويسخط علي صاحبه ، فقد كان بيالا يحلم بصنع فيلم يحكي عن هؤلاء الخونة العملاء ومن ضمنهم والديه، ويروح بيالا الذي حصد سعفة كان الذهبية بفيلمه الأثير " تحت شمس الشيطان " يتهكم علي الممثل جاك دوترون ( وهو مغني في الأساس ، وصاحب الأغنية الشهيرة " باريس تستيقظ " ) الذي لعب دور الفنان الرسام الهولندي فان جوخ في فيلم " فان جوخ " لبيالا ، فيقول ساخطا : " .. اللعنة ، والله لم أعرف ممثلا بليدا مثله في حياتي ! ( تصوروا أن يحكي جاكوب عن تللك الامور الشخصية في كتابه،ومازال المغني جاك دوترون علي قيد الحياة وحيا يرزق . ياللجرأة ! ) . انه يمثل بنعومة هذا الدوترون، وعندما بهبط في اول مشهد من الفيلم من القطار، يدرك الجمهور في التو ان الفيلم سيفشل فشلا ذريعا. ان ودترون لا يعرف كيف يشرب كأس ماء، ويجب ان تهمس اليه دوما من خلف الكاميرا ان امسك الكأس كويس. ارفعه إلي فمك الآن . يالا اشرب . بتعمل ايه ؟ ما خلاص شربت ! . ضع الكأس الآن علي المائدة. يا الهي ماذا يمكن ان تفعله مع ممثل كهذا. أوف ". فنروح نضحك انا وتوسكان علي كلام بيالا ، ذلك المخرج الصديق الفذ العبقري الساخط دوما علي الحياة والسينما الفرنسية العرجاء والمخرجين الفرنسيين التافهين. وكان موريس بيالا مع توسكان دو بلانتييه من أعز أصدقاء جيل جاكوب كما يذكر في كتابه وكان عرض علي توسكان ذات سنة ان يتولي منصب نائب رئيس مهرجان " كان " الذي يديره جاكوب ، الا انه رفض بسبب صداقته القديمة والطويلة مع المدير صديقه الكبير، وهي لمسة وفاء يتذكرها له جاكوب ولذلك يفرد فصلا كاملا في كتابه ليحكي عن الدور الكبير الذي لعبه توسكان في التعريف والترويج لثقافة وحضارة السينما الفرنسية في الخارج، من خلال شهرته كمنتج وخطيب فصيح وكمدير ورئيس لمؤسسة " يونيفرانس فيلم " للدعاية للسينما الفرنسية في أوروبا والكون.وقد حقق بلانتييه الكثير للسينما الفرنسية من خلال حضوره المؤثر كسفير للسينما الفرنسية في العالم، ومات مثل موليير علي خشبة المسرح، فقد وافته المنية ورحل عن عالمنا أثناء حضوره مهرجان " برلين " السينمائي أي في قلب معمعة او معركة الدعاية لثقافة السينما الفرنسية في ما وراء الحدود. يحكي جيل جاكوب فتتحول هذه النوادر والوقائع والأسرار والأحداث الطريفة مع هيتشكوك وساندرين بونير وجوس فان سانت وشابلن وكارلوس ساورا وايستوود وستون وغيرهم الي " مهرجان " شخصي مستقل كان جاكوب يعيشه علي هامش المهرجان الرسمي في كل دورة في الخفاء ولا يحكي عنه ابدا لأحد، وهاهو يفرد لنا ساحته هنا ويعترف ويبوح ويتكلم علي المكشوف. يتكلم عن بريسون ودوبارديو وجان مورو ويكتب عن الاخيرة قصيدة في عشق الأنثي الوحيدة في العالم والمرأة التي جسدت كل معاني المرأة في كيان تمثيلي شامخ لكل العصور في أفلام " جول وجيم " لفرانسوا تروفو و" العشاق " و" مصعد الي المشنقة " للوي مال، وينجح في رسم شخصيات كل هؤلاء النجوم في بورتريهات طريفة رقيقة ظريفة تقربنا أكثر من انسانيتهم و تكشف أحيانا عن وحدتهم وضعفهم ، فتنزع عنهم تلك الهالة الإعلامية التي تصورهم كآلهة الأوليمب ، وبفضل قلمه وأسلوبه المنمق الطلي " يحول جاكوب النجوم الي بشر ، من لحم ودم ، بهشاشة المطر.. وفي الكتاب نصطحب جيل في جولاته داخل لجان التحكيم السرية في المهرجان ونتعرف علي ما يدور داخلها من أسرار أثناء المداولات لاختيار الفيلم الفائز بسعفة كان الذهبية وكيف يتم اختيار رئيس لجنة التحكيم وياويل من يتصور أن ادارة اعظم مهرجان سينمائي في العالم سهلة ، اذ يحكي جاكوب ايضا عن متاعب ومشاكل ومصاعب ومآسي مهنته وأهواء ومزاج وطلبات النجوم ضيوف المهرجان مثل الآن ديلون ورومان بولانسكي وسكورسيزي وادجاني وكوبولا وغيرهم، كما يكتب عن القواعد ال 15 الخمسة عشرة التي اعتمدها كمنهج لإدارة المهرجان،ولا يحيد عنها ابدا ، وقد صارت مثل القوانين الحديدية التي يلتزم بها منذ ان تولي مهمة المندوب العام عام 1977 وهي سر نجاح المهرجان وانطلاقته وحسن إدارته وشهرته منذ ذلك الوقت ولحد الآن. يحكي جاكوب في كتابه عن كل ذلك،لكنه لا يحكي اذا حكي ، لا يحكي في كل وقت وكل مرة الا عن تلك السينما الفن ، " الجنية "التي خطفته بسحرها، وصارت عقيدته ودينه ومعشوقته في آن ..
.في سيارة الأم التي كان يقودها الفتي الشاب جيل جاكوب لتوصيل الاديب الفرنسي الكبير اندريه جيد عميد الأدب الفرنسي الي منزله وذلك بعد مشاهدة فيلم " ماكبث " لاورسون ويلز، سأله الأديب الكبير: ".. قل لي يا جاكوب.. ماذا تتمني أن تفعل في المستقبل ؟ " فأجاب جاكوب : " . أتمني أن أكتب.. "، فرد جيد : " هذا حسن " . ونقول لجاكوب الآن ، بعد أن كتب .حسن جدا. أحسنت . برافو جيل
ولنا وقفة مع الكتاب في عدد مقبل..

عن جريدة "نهضة مصر " بتاريخ الأحد الموافق 5 أبريل 2009


الخميس، أبريل 02، 2009

مهرجان آمال في أسبانيا..دعوة الي المشاركة في الدورة 7




لقطة من فيلم " كرافان الوثائق الأندلسية " الوثائقي اخراج ليديا بيرالتا الذي عرض في الدورة 6 وفاز بجائزة


مهرجان آمال .ملصق الدورة الفائتة




مهرجان آمال السينمائي. أسبانيا


الدورة السابعة في الفترة من 23 الي 31 اكتوبر 2009


دعوة الي المشاركة


باريس.سينما أيزيس



يعتبر مهرجان آمال السينمائي من أبرز وأهم المهرجانات السينمائية في أسبانيا التي تنفتح علي أنجازات السينما العربية كل سنة ، وتعرض أعمالها للجمهور الأسباني والعربي في مدينة سانتياجو دو كومبوستل. هذه المدينة العريقة التي تعد مع مدينة القدس في فلسطين، من أهم الأماكن الدينية المقدسة وتقع كما هو معروف في منطقة غاليسيا في أسبانيا ، التي تضم جالية عربية كبيرة وبخاصة من فلسطين، وتبرز بفاعليات ونشاطات " مؤسسة الأرجواني " التي ترعي وتنظم المهرجان وتشرف كذلك علي العديد من النشاطات الثقافية والفكرية والفنية ومن ضمنها اقامة المعارض : مثل معرض " فلسطين قبل عام 1948 " في دورة " مهرجان آمال السينمائي " السابقة
وكذلك تنظيم الندوات التي تكشف عن وجهات النظر العربية من أجل تصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن العرب في أسبانيا

وكان المهرجان تأسس عام 2003 بهدف تشييد وبناء جسر تعاون وتفاهم في المجال السمعي البصري بين أسبانيا والعالم العربي ، والدعاية لانتاجات السينما العربية الجديدة ، وتسليط الضوء علي مواهبها ، والتعريف بتاريخ وانجازات واضافات " السينما العربية " علي مستوي ابداع الصورة ، اضافاتها الي التراث السينمائي العالمي
حتي أن دورة المهرجان الفائتة ضمت أكثر من 400 عمل سينمائي من جميع الأنواع روائي وتسجيلي طويل وقصير وأغلبها كان يعرض للمرة الأولي في أسبانيا ، ويتواصل مع جمهور المهرجان، حيث ينظم دوما بمجرد انتهاء عرض الفيلم المشارك في مسابقة المهرجان ندوة مع مخرجه
مهرجان آمال هو مهرجان بمسابقة، يختار لها لجنة تحكيم عربية أسبانية، توزع جوائزها علي النحو التالي:
جائزة أحسن فيلم روائي طويل وقيمتها 5000 يورو- جائزة أحسن فيلم وثائقي طويل وقيمتها 3500 يورو- جائزة أحسن فيلم روائي قصير وقيمتها 1200 يورو- جائزة أحسن فيلم وثائقي قصير وقيمتها 1200 يورو- جائزة أحسن مخرج وقيمتها 4000 يورو
كما تمنح لجنة التحكيم جائزة تقديرية عبارة عن شهادة من المهرجان لأحسن ممثل ، وجائزة تقديرية أخري لأحسن ممثلة في أفلام المسابقة المخصصة للأفلام الروائية الطويلة

وكانت لجنة تحكيم الدورة السادسة لمهرجان " آمال " في العام الماضي ضمت مجموعة من السينمائيين العرب المعروفين ، مثل المخرج عباس أرناؤؤط مدير مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، ود. ماجدة واصف المسئولة عن قسم السينما في معهد العالم العربي بباريس
وكان المهرجان افتتح حديثا فترة تسجيل الأفلام للدورة السابعة، وتمتد كما هو معروف الي 30 يونيو 2009
ويمكن التسجيل من خلال العناوين المرفقة للمهرجان و مؤسسة الأرجواني


العناوين للتسجيل والأتصال

www.amalfestival.com


pensa@araguaney.com


amal@araguaney.com







كوكتيل سينمائي عربي في روتردام من 10 الي 14 يونيو 2009

خالد شوكات مدير مهرجان روتردام


بحضور اول عمدة عربي لمدينة اوربية



كوكتيل سينمائي عربي


في ضيافة الدورة التاسعة لمهرجان الفيلم العربي بروتردام





وقع اختيار مهرجان الفيلم العربي التاسع الذي سيقام بروتردام الهولندية خلال في الفترة من 10 الي 14 يونيو القادم على الفيلم التونسي "ثلاثون"، للمخرج الكبير فاضل الجزيري، ليكون فيلم افتتاح هذا العرس السينمائي ويلقي الفيلم ثلاثون الضوء على قصة المصلح التونسي الكبير الطاهر الحداد، الذي يصفه البعض بقاسم أمين تونس، والذي طالب ابتداء من عشرينيات القرن العشرين بتحرير المرأة التونسية، ولقي الكثير من العنت من قبل المحافظين والمتزمتين دينيا.

وقد عرض ثلاثون لأول مرة في حفل ختام الدورة الماضية لمهرجان قرطاج السينمائي التي اقميت في نوفمبر الماضي وكان حينها أحد أهم مفاجئات الدورة. و سيجري عرض الفيلم لأول مرة في هولندا، في قاعة سينيراما وسط مدينة روتردام مباشرة بعد حفل الافتتاح، و ذلك بحضور صاحب العمل، الذي ستتاح للجمهور فرصة التقائه ومناقشته بعد انتهاء العرض وينتظر أن يشارك في هذه االدورة ما يزيد عن الخمسين فيلما من أكثر من عشرين دولة عربية وأوربية، غالبيتها من إنتاج عامي 2008 و2009، كما ينتظر حضور عشرات الفنانين والمخرجين والنقاد السينمائيين العرب الذين وجهت لهم الدعوة لإثراء أنشطة المهرجان.

وقال الدكتور خالد شوكات رئيس مؤسسة فيلم من الجوار المنظمة لهذا الحدث ان حفل الافتتاح سيشهد ايضا حضور السياسي الهولندي المغربي الاصل أحمد أبو طالب عمدة مدينة روتردام وأكد أبو طالب، وهو أول سياسي أوربي من أصل عربي يتولي منصب عمدة مدينة اوربية ، على تلبيته دعوة إدارة المهرجان بإلقاء كلمة افتتاحية وترحيبية، في مستهل التظاهرة الثقافية العربية الأهم في أوربا حاليا، والتي تلقى ترحيبا وتقديرا سنويا متزايدا من قبل المؤسسات العربية والهولندية على السواء، للدور الهام الذي تلعبه في تنمية قيم الحوار بين الثقافات والحضارات، وفي فتح مجالات الإبداع والتميز أمام الفئات الشابة من أبناء الأقلية العربية في هولندا.

واضاف شوكات انه على غرار السنوات الماضية، تتطلع إدارة المهرجان إلى استضافة اكبر عدد من نجوم السينما العربية، وخصوصا المصرية منها. ويتوقع أن يكون من أبرز ضيوف الدورة الممثلة الكبيرة إلهام شاهين بطلة فيلم "خلطة فوزية" المشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، والممثل عزت أبو عوف الذي يشغل أيضا منصب مدير مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بالإضافة إلى كوكبة أخرى من الممثلين والمخرجين المعروفين ربما يكون من بينهم النجم المصري خالد أبو النجا والممثلة الصاعدة زينة والمخرج السوري الكبير حاتم علي وآخرون، ستتأكد مشاركتهم خلال الأسابيع القليلة القادمة.

يذكر أن المهرجان قد استضاف خلال دوراته الماضية عددا كبيرا من الممثلين العرب البارزين من بينهم نور الشريف ويحيى الفخراني وعزت العلايلي وليلى علوي ولبلبة وأحمد السقا وأحمد حلمي ومنى زكي وحنان ترك وبسام الكوسا وسامي العدل وسميحة أيوب وسميرة عبد العزيز وغيرهم.

الدراما التلفزيونية

واشار شوكات الي انه تم تخصيص ندوة من الندوات الثلاث التي سيجري تنظيمها خلال أيام المهرجان، لمناقشة تجربة بعض المخرجين العرب في إنتاج دراما تلفزيونية تستند إلى التقنيات الفنية المعروفة في الصناعة السينمائية، وهو ما جعل أعمال هؤلاء متميزة و ذات جودة فنية عالية ساهمت في الارتقاء بالإنتاج الدرامي العربي، بحسب رأي النقاد، الذين يرى بعضهم أن الضرورة هي التي أجبرت هؤلاء المخرجين على التحول إلى التلفزيون، بينما تبدو السينما مجالهم الطبيعي.

وقد وجهت إدارة المهرجان الدعوة لعدد من المخرجين والنقاد للمساهمة في هذه الندوة، من ضمنهم المخرج السوري حاتم علي، الذي اشتهر خلال السنوات الأخيرة بجودة أعماله التلفزيونية ذات الحبكة السينمائية، والذي يتوقع أن يكون له إسهام بارز في السينما العربية مستقبلا. وكانت فعاليات الدورة الماضية للمهرجان قد شهدت تنظيم ندوة عن السينما والتلفزيون في العالم العربي، وعدت واحدة من أنجح الندوات والحلقات النقاشية التي شهدها المهرجان منذ تأسيسه قبل عشر سنوات، حيث شارك فيها كل من ليالي بدر المخرجة ومسؤولة إدارة الإنتاج في قنوات إي أر تي، والمخرجة المصرية هالة خليل والمنتج والموزع الفلسطيني عوني اللابابيدي.

العلاقات الجزائرية الهولندية

كما يخصص المهرجان في هذة الدورة و بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية و السفارة الجزائرية في لاهاي، برنامجا خاصا بالسينما الجزائرية ستعرض من خلالها مجموعة من الأفلام الجزائرية الجديدة، مثلما ستنظم ندوة عن السينما الجزائرية بعد الاستقلال من حقبة الثورة إلى واقع الدولة، سيدعى لها مجموعة من المخرجين والنقاد الجزائريين.

وفي الإطار نفسه، ستتولى السفارة الجزائرية في هولندا تنظيم حفل شاي على شرف ضيوف وجمهور الدورة التاسعة في سابقة تعاون هي الأولى من نوعها بين المهرجان وسفارة عربية في هولندا، من شأنها أن تعزز التكامل المطلوب بين البعثات الدبلوماسية العربية والمنظمات الثقافية غير الحكومية.

وتحضر وزارة الثقافة الجزائرية وسفارة الجزائر في لاهاي لسلسلة من الأنشطة الثقافية في عدد من المدن الهولندية خلال هذا العام، في إطار تخليد ذكرى مرور أربعة قرون على قيام علاقات دبلوماسية بين الأيالة العثمانية الجزائرية وجمهورية الأراضي المنخفضة المتحدة.

حضور بارز

واوضح شوكات الي الدور الباز للمهرجان في دعم ومساندة التظاهرات والمناسبات السينمائية العربية المختلفة حيث وقعت إدارة مهرجان الفيلم العربي في روتردام اتفاقية شراكة وتعاون مع مهرجان الدار البيضاء الدولي للفيلم الوثائقي والقصير، الذي يستعد لتنظيم دورته الخامسة خلال الفترة من 29 ابريل الجاري إلى 5 مايو المقبل ، تقضي بالعمل على تبادل الخبرات والمعلومات والزيارات بين الجانبين.

وفي هذا الإطار، قامت الإدارة الفنية لمهرجان بترشيح عدد من الأفلام الوثائقية العربية التي شاركت خلال الدورة الماضية للمهرجان كما يتوقع مشاركة وفد من مهرجان روتردام يضم كل من خالد شوكات رئيس المهرجان في فعاليات الدورة الخامسة للمهرجان البيضاوي، إلى جانب منسقة مهرجان روترادم للفيلم العربي نزهة صكيودي والتي كانت وراء توقيع الاتفاقية بين المهرجانين. يذكر أن مهرجان الفيلم العربي في روتردام، نجح خلال السنوات الماضية في نسج شبكة علاقات تعاون قوية مع أبرز المهرجانات العربية، وعدد من المهرجانات الدولية، من بينها مهرجانات دمشق وقرطاج و القاهرة والاسكندرية والاسماعيلية و أبوظبي و نيويورك العربي ونيودلهي العربي الآسيوي وكيريلا الدولي.

وقد أضحى المهرجان مرجعية فنية على صعيد البرمجة لكثير من التظاهرات السينمائية في الوطن العربي والعالم، حيث يقوم مبرمجو العديد من المهرجانات والأنشطة السينمائية بالاستفادة من كتالوج مهرجان الفيلم العربي في روتردام، في تخطيط لبرامجهم وتنفيذها.

فلسطين ضيف شرف في مهرجان الأسكندرية من 4 الي 10 اغسطس2009

نشيد الحجر.فيلم من فلسطين

ميشيل خليفي.. مخرج من فلسطين




فلسطين ضيف شرف


في مهرجان الإسكندرية


السينمائي الدولي





اختارت إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط الذي سينعقد بتاريخ 4- 10 أغسطس 2009، دولة فلسطين كضيف شرف للاحتفال بيوبيله الفضي، وأعرب الناقد السينمائي عزالدين شلح رئيس مهرجان القدس السينمائي الدولي عن تقديره لإدارة المهرجان ممثلاً برئيسته الأستاذة خيرية البشلاوي وعلى الندوة الدولية التي ستقام على هامش المهرجان الخاصة بفلسطين بعنوان "السينما الفلسطينية بين الوطن والغربة"، مؤكداً بان هذا ليس غريباً على جمهورية مصر الشقيقة التي تساند القضية، خاصة في هذا التوقيت الذي ترعى فيه مصر المصالحة الوطنية والتي أحوج ما نكون إليها لتوحيد الصف الفلسطيني من اجل مواجهة حكومة يمينية متطرفة لا تؤمن بالسلام وهدفها الأول تهويد ما تبقى من القدس.

وقال شلح أن السينمائيون الفلسطينيون ومنذ نشأة السينما الفلسطينية عام 1935، عانوا وعملوا في ظروف صعبة للغاية سواء كان ذلك في ظل الإنتداب البريطاني وقوانينه التي حجمت من الإنتاج أو في ظل الاحتلال الإسرائيلي والذي أدى إلى تشتيت الشعب الفلسطيني عام 1948 وتشتت معه سينماه إلى أن أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية والتي استطاع من خلالها المخرجين الفلسطينيين العمل على ما سمي ب" سينما الثورة الفلسطينية" خارج فلسطين، وأكد بأن السينما الفلسطينية منذ نشأتها حاكت الواقع الفلسطيني وأن السينمائيون الفلسطينيون ناضلوا عبر روايات كشفت ما وراء الحدث من الم ومعاناة، وممارسات احتلال بشعة، ونأمل من المسئولين الفلسطينيين الاهتمام بالإنتاج السينمائي.

يذكر أن برنامج المهرجان يتكون من الأقسام التالية :

أ‌- المسابقة : المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة من دول البحر المتوسط

ب‌-خارج المسابقة : القسم الرسمي- القسم الإعلامي- أضواء على دولة متوسطية مختارة للعام- أقسام خاصة.

وأن شروط المسابقة الرسمية للأفلام المشاركة أن تكون كلياً أو جزئياً من إنتاج إحدى دول البحر المتوسط خلال عامى2008 أو2009، وأن لا يكون قد سبق عرض الأفلام تجارياً فى مصر قبل عروض المهرجان، وتتمثل جوائز المهرجان الرسمية في أحسن فيلم- جائزة لجنة التحكيم الخاصة- أحسن إخراج- أحسن سيناريو- أحسن ممثل- أحسن ممثلة- أحسن إنجاز فنى - جائزة العمل الأول أو الثانى لمخرجه، وسيكون أخر موعد لاستلام الأفلام 4يونيو 2009


الأربعاء، أبريل 01، 2009

كشف حساب السينما الفرنسية.صلاح هاشم


لقطة من فيلم " سيرافين "


لوحة من لوحات الفن الفطري بريشة سيرافين ومعجونة بالدم وطين الأرض



كشف حساب " السينما الفرنسية


في حفل السيزار " 34 "




بقلم صلاح هاشم




كنت أتساءل وأنا أتابع فقرات حفل توزيع جوائز السينما الفرنسية " السيزار " 34 تري إلي أي حد استطاعت السينما الفرنسية خلال العام المنصرم أن تعكس صورة للمجتمع الفرنسي في مرآة السينما ،علي سكة تطوير هذا الفن ، والتعبير عن تناقضات وأزمات ومشاكل عصرنا؟ إن كل المحاولات السينمائية في أي مجتمع من المجتمعات تصب يقينا في النهاية في دائرة الوعي والثقافة، لتجعل من السينما الفن أداة للتأمل والتفكير، وليس للترفيه والتسلية، وتغريبنا عن هويتنا ومجتمعاتنا،كما في جل انتاجات السينما المصرية التافهة الركيكة الاصطناعية في الوقت الحاضر التي دفعت احد كبار النقاد السينمائيين في مصر ن إلي أن يعلن جهارا علي الملأ أن أفلام الشباب الجديدة في مصر الآن أصبحت تصيبه بالإحباط وخيبة الأمل، وإنها تنحدر نحو هوة من « السطحية، والابتذال، والتقليد الممجوج "..

ومعه حق بالطبع – هكذا فكرت - فقد صدمت إنا أيضا، واسمحوا لي للحظة أن أعود القهقرى. صدمت عند حضوري إلي مهرجان القاهرة السينمائي الدورة ( 32 ) ، إذ لم أجد بين الأفلام المصرية والعربية التي شاهدتها أي عمل يرقي إلي مستوي الحد الأدنى من السينما، ويستحق أن أكتب عنه، إلا فيلم " بلطية العايمة " للمخرج المصري الاسكندراني علي رجب،وكان البعض من النقاد قطعوا الفيلم وذبحوه بالساطور، حتي قبل أن يشاهدوه !.وأعجبني في الفيلم المذكور الذي بدا لي عملا وثائقيا في الأساس، ومركب عليه حكاية كفاح امرأة لتربية عيالها ، ومقاومتها الفساد والاستغلال والقهر في بلدنا،أعجبني توثيقه لمدينة الإسكندرية الجميلة العريقة، ولإحياء المدينة الآخذة في الاختفاء كما جل الأشياء الجميلة في حياتنا. بل أن ذاك التوثيق وحده يكفي لصنع عدة أفلام ، وهو الذي يمنح فيلم علي رجب وبطلته – تظهر هنا في أحد أفضل أدوارها في السينما – يمنحه جماله وعفويته وبساطته،ويجعلك تحبه بسرعة وتتجاوب معه وأجوائه وشخصياته وتتعاطف مع محاولته السينمائية الأصيلة في أن يوثق ل " ذاكرة " مدينته الجميلة بتلك الحميمية العذبة، من دون ادعاء او فذلكة. في حين بدت لي معظم الأفلام الأخرى المشاركة في مسابقة المهرجان اصطناعية مفبركة ومركبة ومملة، وشاهدناها من قبل في أفلام قديمة لكن أفضل بكثير. إلا أن السينما المصرية الشابة الجديدة،التي تكره وتخشي التحدي، تسير نحو الاقتباس الأعمى المفضوح والاستسهال والسطحية، في مناخات التدهور التعليمي وانحطاط الذوق الفني والانحسار الثقافي العام ،وأتصور بالطبع مع الناقد المحترم أن أغلبية الشعب المصري مصدوم ومفزوع أيضا من تلك الأعمال "المسخ " الغريبة التي لا علاقة لها إطلاقا بفن وثقافة وحضارة السينما كما أحب أن أسميها، لا من قريب ولا من بعيد. في حيت تعتبر السينما هنا في فرنسا ثقافة وفن، وليس " بضاعة " تجارية ، و يقينا سوف يمضي الكثير من الوقت للأسف، قبل أن تتغير نظرتنا للسينما علي المستويين الرسمي والشعبي في مصر والعالم العربي..

وعودة إلي جوائز "السيزار"، نقول أن الأهمية القصوى لتلك الجوائز تكمن في أنها تعلن عن آراء السينمائيين الفرنسيين المحترفين من خلال الاقتراع السري حول أفضل الأفلام من إنتاج 2008 وتكشف بالتالي عن نزاهتهم واستقلاليتهم، كما تكشف أيضا عن نظرتهم وتقديرهم – أهل الصناعة - للسينما الفرنسية التي يصنعون، فهم يرشحون بأنفسهم الأفلام التي يرون أنها ترقي بمستواها السينمائي والفني للدخول الي أقسام المسابقة في الإخراج والموسيقي والتصوير والمونتاج الخ، ولا يحسبون حسابا – هكذا أثبتت الترشيحات – لعائدات شباك التذاكر .ومن هنا جاء استبعاد فيلم " مرحبا بكم عند أهل الشمال الشتي " الفكاهي لداني بون (الذي شاهده أكثر من 21 مليون متفرج في فرنسا وحدها) من دائرة ترشيحا تهم إلا في قسم أحسن سيناريو، ولم يرشح الفيلم مثلا لجائزة أحسن فيلم، فقد رأي محترفو المهنة كما أطلق عليهم المخرج الفرنسي جان لوك جودارأن " مرحبا بكم عند الشتي أهل الشمال "لا يرقي إلي مستوي الأفلام الفنية الأخرى التي تسامقت بها السينما الفرنسية في العام المنصرم وحصدت العديد من الجوائز في المهرجانات الفرنسية والعالمية ، وكنت رشحت عدة أفلام للفوز بجائزة أحسن فيلم في حفل السيزار 34 الكبير، وتمثل في رأيي أفضل حصاد للسينما في عام 2008 من ضمنها..

فيلم " بين الجدران " للوران كانتيه

يحكي فيلم " بين الجدران " من إخراج لوران كانتيه عن مشكلة التعليم وعملية نقل المعارف في فرنسا، وهو مأخوذ عن رواية لفرانسوا بيجودو، ويقوم صاحبها بتمثيل دور المدرس في الفيلم، وقد تعرض الفيلم الذي أعجبني كثيرا لانتقادات بعض المدرسين المحترفين وأعضاء الهيئة التعليمية في فرنسا علي اعتبار انه فيلم رجعي يقدم فصلا دراسيا متخلفا ، ومدرسا متساهلا الي حد كبير مع الطلبة، ولم يلتفت المنتقدين للفيلم انه لا يصور ولا ينقل أو يسجل حياة فصل دراسي ثانوي علي الطبيعة، بل يصور " رواية " في السينما ، ومن هنا وقع الاختلاف واللبس، فمازال البعض يتصور أن السينما هي الواقع ولابد أن تعكس حقيقة الواقع وهي أفكار عفي عليها الزمن، فالسينما من حيث هي إبداع لاتقدم ابدا الواقع بل تقدم واقعا جديدا متخيلا وتترك لنا ليس محاكمته، بل تلمسه وتفهمه وتذوقه لكي تثقفنا وتمتعنا في آن وتحثنا علي التأمل والتفكير، لأن السينما هي خلق وابتكار واختراع واكتشاف ورؤية وليست تصويرا لكلام مكتوب علي ورق كما في جل أفلامنا ومسلسلاتنا المتخلفة العقيمة التي تعود بنا إلي الخلف. وقد أعجبني الفيلم للأسلوب الذي انتهجه في تصوير تلك الرواية في السينما، وهو أسلوب ينأي عن استخدام السيناريو الكامل الجاهز المكتمل( لا يوجد مثل هذا الشيء الآن في السينما الحديثة،إلا في جنس الأفلام التجارية التي نصنعها في بلادنا كتقليد للأفلام الأمريكية الهوليودية العرجاء ، لكي تصبح مسخا وأقرب إلي روث الجواميس ) او السيناريو المرسوم المصور " ستوري بورد "، بل يعتمد علي أسلوب " الارتجال العفوي المنظم " من خلال تفقد المخرج لفصل دراسي ثانوي حقيقي ومعايشة الطلبة في الفصل لأكثر من شهرين ، ومن ثم الشروع في كتابة سيناريو مبدئي ، والاعتماد علي ممثلين غير محترفين من الطلبة أنفسهم في ذات الفصل، وجعلهم يشاركون في كتابة السيناريو ووضع الكلمات التي تنطق بها الشخصيات التي يمثلون أدوارها في الفيلم واختيار الزي المناسب لكل شخصية، ثم الاعتماد عند تصوير مشاهد " الرواية " التي يمثلونها في الفصل الدراسي علي " الارتجال " ولا يعني الارتجال هنا ان تنطق بما يخطر علي بالك أو ان تلعب حواجبك وتتشقلب كما يحلو لك أثناء تصوير اللقطة بل يعني ان تضيف من عندك بقوة المخيلة ما هو مناسب او ملائم ويحضر في التو واللحظة ويكون منسجما ومتوافقا مع الشخصية فيغنيها ويثريها ، ولذلك فالارتجال يعني عدم التقيد حرفيا بالكلام المكتوب في " الورق " أي السيناريو بل الانطلاق من عنده لاغناء وإثراء الفيلم بابتكارات واختراعات الفن المدهشة كما في موسيقي الجاز حيث يقوم العزف أثناء عزف اللحن بالخروج علي اللحن أو "النص" ليضيف عليه من عنده من إبداعه وفنه وأريحيته ويتواصل من خلال ذلك مع بقية العازفين لكي يدلف بنا الي عوالم جديدة رحبة، أكثر اتساعا وانفتاحا علي الحياة والبهجة والمتعة والألم والأمل.ولاشك ان كل هذه العناصر الفنية التي تتوهج في فيلم " بين الجدران " ببساطة شديدة ومن دون ادعاء وفذلكة فتؤسس عبر الفيلم جسرا مع الفيلم الوثائقي، إضافاته وانجازاته ، وتجعل من " الرواية " عملا سينمائيا وثيق الصلة ب وأقرب شبها للأعمال السينمائية التسجيلية البحتة، بالإضافة الي البطولة الجماعية في الفيلم وعدم اعتماده علي نجوم، هو الذي جعل لجنة تحكيم مسابقة مهرجان " كان " 62 برئاسة الممثل والمخرج الأمريكي شون بن تمنحه بالإجماع سعفة " كان " الذهبية، علي الرغم من وجود أفلام أخري في المسابقة كانت ترقي بإجماع النقاد الي الفوز بالسعفة مثل فيلم " تبادل " للأمريكي كلينت ايستوود وفيلم " فالس مع بشير " للإسرائيلي فورمان ، لكنها لم تفز بأي شيء ، وكان فوز " بين الجدران " مفاجئة للجميع صدمت البعض غير إننا رأينا إنها يستحقها عن جدارة، اذ يخرج بالسينما الفرنسية عن دائرة الأكاديمية والكلاسيكية " سينما الجودة " المحفلطة التي ثار عليها مخرجو الموجة الجديدة في أعمال تروفو وجودار في بداية الخمسينيات، والأفلام الفرنسية الوجودية الذهنية السيكولوجية بثرثراتها المعتادة..

وينحاز الفيلم إلي سينما الواقع، ويقدم من خلال الفصل صورة مصغرة لمشاكل المجتمع الفرنسي تعكس تعدديته العرقية الاثنية وحيويته في آن، فالفصل هو" بوتقة " ينصهر فيها التلاميذ من أبناء المهاجرين عرب وأفارقة وصينيين وغيرهم، بل ويجعل من الإخراج ممارسة ومشاركة حياتية، قبل ان يكون عملية تعليب لبضاعة تجارية داخل أستوديو بارد وعقيم بديكورات مصنوعة.وإضافة الي ذلك يذكرنا فيلم " بين الجدران " بمنهج جديد في رواية السينما الفرنسية الجديدة استحدثه بموهبته المخرج الفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش مع بعض المخرجين الفرنسيين الجدد، يعتمد علي الاستفادة من منجزات السينما الفرنسية والمتوسطية عموما عند الفرنسي موريس بيالا كما في فيلم " نخب حبنا " والايطالي روسوليني كما في فيلم " روما مدينة مفتوحة " والمصري صلاح أبو سيف كما في " الفتوة " والدخول مباشرة في " لحم " الواقع المعاش وتفصيصه وتشريحه والإمساك بتلافيفه كما في فيلمه الرائع الأثير " كسكسى بالسمك " الذي يطرح في رأينا والعديد من نقاد السينما في فرنسا شكلا ومنحي جديدا لرواية السينما الفرنسية ، ويدفع بها بعيدا إلي الأمام، لكي يصنع " صورة تشبهنا " تصبح وثيقة الصلة أكثر بحياتنا ، و تقربنا أكثر من مشكلات مجتمعاتنا ، وتلسعنا بتوهجها الفني الأصيل..

فيلم " أنها تدعي سابين " لساندرين بونير

كما رأيت أن فيلم " انها تدعي سابين " للممثلة ساندرين بونير، وهو عمل أول لمخرجته، يستحق الحصول علي جائزة " أحسن عمل أول " أو جائزة " أحسن فيلم وثائقي " في جوائز السيزار 34 ، وتحكي فيه ساندرين بونير بحساسية قاطعة كما السكين عن أسلوب علاج المرضي النفسانيين في فرنسا ومن ضمنهم اختها " الانطوائية " التي تصغرها فقط بسنوات، فقد شاء الحظ أن يفتح لسابين ومن أول فيلم تمثله " في نخب حبنا " إخراج موريس بيالا أبواب النجومية والشهرة ، في الوقت الذي كانت فيه أختها الموهوبة الجميلة التي كانت تعزف وهي صغيرة علي البيانو تنحدر إلي هوة العزلة والجنون. وتفضح ساندرين من خلاله آليات وميكانيزمات العلاج النفساني الفرنسي المتخلفة التي تحبس هؤلاء المرضي الانطوائيين المساكين بين أربعة جدران وتعزلهم عن الحياة والبشر، وتجعنا نتأسى في الفيلم لحال أختها وحالهم، وننفر من تلك القسوة التي تمارس عليهم خفية أثناء العلاج . وكان الممثل الفرنسي الراحل لينو فنتورا لديه ابنة انطوائية وكرس خارج دائرة التمثيل جل حياته للنضال من أجل هؤلاء المرضي حتي تعمل الحكومة علي بناء مصحات مناسبة لهم في الريف. واعتبر فيلم " أنها تدعي سابين " الذي يدفع في ذات الاتجاه من ناحية توفير وزيادة المخصصات المالية للعلاج النفساني ، بل ويكرس أيضا للمعركة التي انشغل بها لينو فنتورا طوال حياته..

أعتبره من أجمل الأفلام الوثائقية التي أنتجتها السينما الفرنسية في العام المنصرم ، فهو يكشف أولا عن موهبة مخرجته ، ويتوهج بموضوعة الإنساني، كما يجعنا كما في قصيدة من قصائد الزن اليابانية نتطلع إلي روح ساندرين في مرآة أختها، كما لو كانت قطعة من جسدها الإنساني الحي وقد انفصلت عنها بحد السكين، ويتضمن الفيلم مشاهد مؤثرة تجعلنا نتعاطف مع الأخت الانطوائية المريضة ، ونكاد من فرط التأثر نريد أن ننهض لنشق لحم الشاشة وندخل في أحشاء اللقطة، لكي نطبطب علي ظهرها ونخفف من ألمها..

وقد نجحت ساندرين في توظيف الأفلام التسجيلية السوبر 8 التي التقطتها لأختها في الماضي في تكثيف إحساسنا بمأساة الأخت، جعتنا كما في جل أفلام السينما الجميلة ، نتطهر أيضا من الألم، ونقترب أكثر من إنسانيتنا..

وأتساءل هنا لماذا تقتصر المهرجانات السينمائية الروائية في مصر كمهرجاني " القاهرة " و " الإسكندرية "علي عرض الأفلام الروائية الطويلة فقط ، ولماذا لاتنفتح علي عرض أفلام السينما الوثائقية الطويلة كما في هذا الفيلم وتشركه أيضا في مسابقاتها لتميزه الفائق ؟ ألم ينفتح مهرجان " كان " السينمائي الكبير القدوة ، علي مثل تلك أفلام وثائقية، وجعلها تشارك في مسابقته، بل وحصد بعضها في احدي دورات المهرجان سعفته الذهبية..

فيلم " سيرافين " لمارتان بروفوس

كان فيلم " سيرافين " إخراج مارتان بروفوس الذي اضطلعت ببطولته الممثلة البلجيكية يولاند مرو من أجمل الأفلام الفرنسية من إنتاج 2008 في رأينا ، ويحكي عن خادمة فقيرة في الريف الفرنسي من بلدة " سانليس " تعمل عند أسرة برجوازية تستقبل تاجر لوحات ألماني في دارها ، وتطلب من سيرافين أن تحضر ثلاث مرات في الاسبوع لتنظيف غرفته. ومن خلال علاقتها بهذا التاجر الذواقة الفنان نتعرف علي حياة هذه الخادمة البلهاء التي تعيش وحدها في غرفة ضيقة معتمة، وتتهرب من دفع إيجاراتها المتأخرة، ومسكونة بأرواح وأصوات ميتافيزيقية علوية تجعلها تصرح لصاحبة الدار ان ملاكها الحارس همس لها أن تتفرغ لرسم اللوحات الزيتية،ولذلك تقوم سيرافين في الخفاء بسرقة الدم من صحن كبد جاموس في المطبخ ، وتعرج عند عودتها إلي غرفتها علي خردواتي يبيع لها الورنيش ولا يعرف ماذا تفعل به، ويعتقد الجميع بسبب تصرفاتها وتلك الأصوات العلوية التي تسكنها وتجعلها تغني بعض المزامير من الإنجيل في وحدتها أنها لابد وأن تكون مجنونة وتستحق منهم كل شفقة وعطف. يوثق فيلم " سيرافين " في عمل سينمائي أقرب إلي أفلام السيرة الذاتية كما في فيلم " فان جوخ " للأمريكي فانسان مينيللي الذي يلعب فيه الممثل كيرك دوجلاس دور الفنان الهولندي فان جوخ، يوثق لسيرة الفنانة الفرنسية الفطرية سيرافين لوي في اوائل القرن العشرين ويحكي عن ظروف حياتها وكيف كانت ترسم في وحدتها وكيف استطاعت بفضل علاقتها بذلك التاجر الألماني الشاذ الذي اكتشف موهبتها واشتري لوحاتها، أن تطور من فنها وأن ترتقي سلم الشهرة والمجد وتصبح فنانة من أشهر الفنانين الفطريين في تاريخ هذا الفن في العالم. غير أن الفيلم الذي بدا لي مثل " سوناتة " من سوناتات شكسبير أو مقطوعة موسيقية ليوهان سباستيان باخ أو لوحة لسيزان ، بفضل كل تلك العناصر الفنية المجتمعة في الفيلم من ناحية السيناريو والتصوير والموسيقي والإخراج وفي طليعتها ذلك الأداء الرائع للممثلة يولاند مورو التي تشمخ في تجسيد سيرافين في قلب الطبيعة في ذلك الريف الفرنسي الساحر وهي تنصت إلي أنشودة الطير وتروح تعانق الشجر وتتحدث مع الزهور والحشرات والفراشات وتخاطب السحب وهي تستحم عارية في مياه الجداول ..

هو فيلم فلسفي روحاني صوفي بالدرجة الأولي، إذ يوظف حكاية سيرافين في الفيلم لكي يغرسنا في قلب الطبيعة، ويجعلنا نتأمل ونقارن بين الحياة المادية الاستهلاكية التي صارت إليها مجتمعاتنا الرأسمالية الصناعية وجعلتنا ننفصل عن الطبيعة الأم والجذور، وبين تلك الحياة البريئة الفطرية التي عاشتها سيرافين ، وما تتضمنه من أفكار وقيم فلسفية وروحانية علي المستويين الإنساني والطبيعي. علي المستوي الإنساني من خلال علاقات سيرافين المتباينة المتعددة التي تتكشف لنا عبر الفيلم : مع التاجر الألماني وجارتها وصاحبة البيت والخردواتي ومع صاحبة الدار البرجوازية التقليدية الرجعية التي تنتقد في جلسة عشاء في الفيلم صالون فني جديد للفنانين المستقلين في باريس، وتطلب من تاجر اللوحات الا ينشغل بلوحة زيتية رسمتها سيرافين وأن يتذوق طبق ألحلوي الذي أعد خصيصا له. و كذلك علي المستوي الطبيعي من ناحية علاقة سيرافين بتلك الطبيعة البريئة الخلابة التي تحضر ك " شخصية " آسرة في الفيلم، ثم تحضر ثانية بزهورها وحشراتها وكائناتها في لوحات سيرافين الزيتية وتذهلنا بجمالها وروعتها، بل وتشملنا أيضا بحنانها وحبها وعطفها، فتجعلنا نحن أطفالها اليتامى نتصالح في ذلك الفيلم الأكاديمي الكلاسيكي الفني البديع الذي ينساب هادئا مثل قارب فارغ في بحيرة لوتس، نتصالح مع أنفسنا والعالم، ونتواصل مع كل الكائنات والموجودات، ونخرج من قاعة العرض بعد مشاهدة الفيلم ونحن نشعر من فرط سعادتنا كما لو كانت نبتت لنا أجنحة ، وعلي وشك أن نطير.

ويحسب لمهرجان القاهرة السينمائي 32 الذي عقد في الفترة من 18 الي 28 نوفمبر 2008 انه كان سباقا الي اكتشاف المستوي الفني الرائع لفيلم " سيرافين " وتقديمه إلي الجمهور المصري في مسابقة المهرجان، وكان قرار لجنة التحكيم موفقا للغاية في منحه جائزة الهرم الذهبي لأحسن فيلم في المسابقة، كما منحت اللجنة جائزة أحسن ممثلة الي بطلته الممثلة يولاند مورو، وذلك قبل الإعلان عن جوائز السيزار في الحفل الشهير..

*

" جوائز السيزار34 "

في حفل كبير أقيم يوم الجمعة 27 فبراير2009 في مسرح " الشاتليه " في قلب باريس، وبحضور حشد من نجوم السينما الفرنسية والعالمية،أعلنت أكاديمية السيزار عن جوائزها التالية لأحس الأفلام الفرنسية من إنتاج عام 2008 برأي السينمائيين المحترفين والعاملين في الحقل من مخرجين وممثلين ومصورين وفنيين وغيرهم، وقد تم التصويت بطريق الاقتراع السري..

جائزة أحسن فيلم : منحت لفيلم " سيرافين " اخراج مارتان بروفوس

أحسن ممثلة : يولاند مورو في دور " سيرافين "

أحسن ممثل : فانسان كاسيل في فيلم " مسرين "

أحسن اقتباس : فيلم " بين الجدران " للوران كانتيه وكاتب الرواية فرانسوا بيجودو

أحسن سيناريو : فيلم " سيرافين "

أحسن تصوير : فيلم " سيرافين "

أحسن موسيقي : فيلم " سيرافين "

أحسن ديكور : فيلم " سيرافين "

أحسن أزياء : فيلم " سيرافين "

أحسن مخرج : جان فرانسوا ريشيه مخرج فيلم " مسرين "

أحسن فيلم وثائقي : فيلم " بلاجان أنياس " للمخرجة أنياس فاردا

أحسن صوت " فيلم " مسرين "

أحسن فيلم أجنبي : فيلم " فالس مع بشير " للإسرائيلي آري فولمان

سيزار الشرف : منح للممثل الأمريكي داستين هوفمان

*

حصاد السينما الفرنسية في عام

تشير آخر إحصائية صادرة عن المركز الوطني للسينما في فرنسا إلي " انتعاشة " فائقة للسينما الفرنسية في العام 2008 ، فالإقبال علي دور العرض ازداد بنسبة سبعة في المائة، مقارنة بالعام الذي سبقه، ووصل عدد المتفرجين الي 190 مليون متفرج ، ترددوا علي 5300 صالة سينما، أي بزيادة حوالي 10 مليون مقارنة بعام 2007 .وكان فيلم " مرحبا بكم عند الشتي، أهل الشمال " للفرنسي دان بون حقق عام 2008 أضخم معدلات تردد علي فيلم في تاريخ السينما الفرنسية ، وحطم الرقم القياسي المسجل من قبل ( أكثر من 17 مليون متفرج لفيلم " النزهة ألكبري " لجيرارد أوري ) فقد بلغ عدد المشاهدين لفيلم داني بون أكثر من 20448416 متفرج ولحد الآن..

إلا أن أكاديمية السيزار كما أشرنا استبعدت الفيلم - علي الرغم من النجاح التجاري الساحق الذي حققه – عن جميع أقسام المسابقة، ورشحته فقط لقسم أحسن سيناريو، وخرج من الحفل بلا جوائز . وكان مخرجه داني بون أستنكر وهدد بمقاطعة الحفل، إلا انه عاد وحضره ، واقترح أن ينضم قسم جديد إلي أقسام جوائز السيزار العشرين ، وتمنح جائزة لأحسن فيلم فكاهي. في حين فاز فيلم " سيرافين " الذي تم انجازه بميزانية صغيرة ، فازبسبعة جوائز سيزار دفعة واحدة،ولا شك ستدفع إلي إقبال جماهيري أكبر علي الفيلم الذي أستقطب إليه أكثر من 900000 متفرج ولحد الآن، وبدأت طوابير طويلة تتقاطر علي صالة " سانت أندريه دي زار " في حي سان ميشيل في قلب باريس حيث يعرض حاليا لمشاهدته..