السبت، نوفمبر 15، 2014

فيلم " ديكور " لأحمد عبد الله في مهرجان القاعرة السينمائي 36 يعيد الى السينما المصرية وعيها المفقود بقلم صلاح هاشم

لقطة من فيلم " ديكور " لأحمد عبد الله بطولة حورية فرغلي وخالد ابو النجا

فيلم " ديكور " لأحمد عبد الله
  في مهرجان القاهرة السينمائي 36
يعيد الى السينما المصرية وعيها المفقود

و هو أيضا " تحية " الى هيتشكوك وفاتن حمامة وكمال الشيخ وأفلام السينما المصرية العظيمة التي صنعتنا

بقلم

صلاح هاشم


 "ديكور" احمد عبد الله هو "سجن" الحياة، الذي نحبس -  بمشيئتنا - انفسنا داخله ، إنه " ديكور " تلك الحياة التي لانرتضيها لأنفسنا. وكل الفيلم هو محاولة بطلته التي تقوم بدورها الممثلة الرائعة - فاتن حمامة جديدة ؟ - حورية فرغلي، للخروج من ذلك الديكور الاصطناعي، المزيف، والكاذب. والانطلاق في بحثها عن حقيقة وجودها، ومن ثم الخروج الى الحياة الحقيقية، الى هواء الحرية، والمصالحة مع الذات
وكنت شاهدت بالأمس الجمعة  فيلم " ديكور " لأحمد عبد الله في عرض خاص بمهرجان القاهرة السينمائيي الدولي 36 واعتبره فيلما رائعا بكل المقاييس، وهو انضج افلام احمد عبد الله ولحد الآن ( شاهدت له فيلمين : " ميكروفون" و"فرش وغطا "من قبل، واعجبت بهما كثيرا وأظن فيلمه الثاني المذكور هنا أحد أهم وأنضج الافلام التي صنعت عن ثورة 25 يناير 2011 
 ديكور هو من أمتع وانضج الافلام التي شاهدتها ولحد الآن في المهرجان، وهو فيلم عن الاختيار،ويعيد الاعتبار الى قدرتنا على أن نصنع حياتنا بانفسنا. وهو يمزج بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي، ليخلص الى اننا وحدنا المسؤؤلون عن سعادتنا وتعاستنا ،ويجعلنا نتصالح مع انفسنا والناس من حولنا
ونتصالح ايضا مع السينما المصرية التي اعاد لها احمد عبد الله بفيلمه وعيها المفقود، وقد كانت من خلال الافلام  المصرية التجارية التافهة الهابطة لاثارة الغرائز كادت تفقد وعيها وزهوها وأصالتها
 فيلم ديكور هو فيلم فلسفي سيكولوجي وأشبه مايكون بالافلام البوليسية وبه  "نفحة" من فيلم  فرتيجو"دوار"  لهيتشكوك.
 وهو فلسفي وعميق، بالسينما فقط ، من دون سفسطة ومن دون كلام كبير تردده علينا بطلة الفيلم ،لأنه يحكي عن التناقضات التي نعيشها في حياتنا، وعندما تهبط كلمة النهاية ينتهي الفيلم الذي نشاهده على الشاشة ، وندرك اننا كنا نشاهد فيلما يصفق له طاقم الفيلم الذين حضروا العرض وفرحوا بتصفيق الجمهور ونجاحه-  ولن نحكي هنا حكايته الهيتشكوكية المشوقة حتى لانقطع عليكم متعة متابعته-  وهو فيلم عن رفض بطلته أن تكون " لعبة " في يد الآخرين ، ورغبتها في اكتشاف الحقيقة، ولذا فهو فيلم "ثوري " عن التحولات التي تطرأ على حياتنا ، وتجعلنا نعيد التفكير ونطرح تساؤلات بشأن " حقيقة " وجودنا الانساني ذاته وهنا تكمن أهميته بل و ثوريته لأنه يحثنا على التغيير
 واعجبني اصرار بطلته على ان تلعب اللعبة،  وتمضي في تجوالها وبحثها الى نهاية المطاف لكي تتعرف على نفسها من جديد، والفيلم يحيل بالطبع الى فيلم الليلة الاخيرة بطولة فاتن حمامة ومحمود مرسي اخراج كمال الشيخ ، وتظهر منه عدة مشاهد في فيلم " ديكور "، ولذلك فهو ايضا كما وجدته وتمثلته "تحية" الى
  هيتشكوك، وتحية الى فاتن حمامة ودورها في الفيلم المذكور، وتحية الى أحد روائع التراث السينمائي المصري، واعني به فيلم الليلة الاخيرة، وتحية ايضا الى السينما وقاعاتها ،والفيلم كله تحية الى فن السينما العظيم ، وشهادة تقدير لفنها وسحرها

قدر الانسان

ويقول الفيلم في النهاية  ان الانسان هو وحده الذي يصنع قدره، والمعاني المبطنة في الفيلم ودلالاته كثيرة: لاحظ  منها مثلا ان البطلة تعيش وضع  "حظر تجول " وممنوع الخروج فيه، لكنها تكسر الحظر المفروض علينا او عليها ، وكل المحظورات،  وتنطلق في بحثها عن الحقيقة،  ومهما كلفها ذلك من ثمن. ولذا يعد الفيلم رحلة بحث عن الوعي ، او رحلة لاسترداد الوعي المفقود بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي. فيلم ديكور هو كاس من الفراولة في عز الحر وصهد الافلام المليئة بالادعاءات والنوايا الحسنة التي لاتصنع ابدا فيلما ، فالافلام لا تقاس مثلا بتصويرها أو بتمثيلها أو بمونتاجها أو أي من عناصر الفيلم، بل تقاس بـ " شموليتها الفنية " أي جماع كل عناصر الفيلم الضرورية المكتملة في  "وحدة " مترابطة أو " لطشة " تفيقنا من غفلتنا وتعيد الينا وعينا المسلوب

ولذلك فهو " ديكور " يستحق المشاهدة عن جدارة لقدرته ايضا وبما فيه من تشويق  على ان يجعلنا نحبس انفاسنا بانتظار لحظة التنوير النهائية في الفيلم والمفاجأة الرائعة التي تنتظر كل من يشاهد تحفة احمد عبد الله الجديدة
فيلم " ديكور " لأحمد عبد الله الذي عرض حديثا في " قسم الحب " في مهرجان لندن السينمائي تكمن قيمته في انه استطاع من خلال القصة المشوقة والأداء التمثيلي الناجز والموسيقى المصاحبة الرائعة والاخراج الجيد والمتمكن
 استطاع أن يكون " دعوة " نبيلة للتفتيش في ديكورات حياتنا للتعرف على هويتنا وذواتنا من جديد
ولايهم هنا مخاطر الرحلة وماسوف نتعرض له من كوارث وأزمات وصدمات
ولايهم أن تكون تلك الرحلة قصيرة أو طويلة
المهم هنا هو عملية " البحث " ذاتها والتفتيش والتنقيب
والخروج من الديكور القديم ، ديكورالحبس، الى رحابة الضوء والنور
نور الحقيقة.. الذي تتجدد به حياتنا

صلاح هاشم


 
"حورية فرغلي  تألقت في فيلم " ديكور

ليست هناك تعليقات: