الثلاثاء، نوفمبر 13، 2012

مختارات إيزيس
فيصل عبد الله

لقطة من فيلم أرجو لبن أفليك


مختارات إيزيس



ايران vs أميركا هوليوود تنتصر دائماً

بقلم

فيصل عبد الله

لندن | يستعيد الممثل والمخرج الأميركي بن أفليك (19725) عبر جديده «أرغو» الذي انطلقت عروضه في الصالات اللندنية، مرحلة مفصلية من تاريخ العلاقات السياسية والدبلوماسية بين أميركا وجمهورية إيران الإسلامية. تلك التي شهدت تحوّلات كثيرة، وحملت معها العداء منذ انطلاق الثورة الإسلامية عام 1979، وهروب شاه إيران الى خارج بلده، وتصاعدت ذروتها في ما عرف بأزمة الرهائن الأميركيين واحتجازهم في سفارة بلدهم في طهران لمدة 444 يوماً.

ومن حينها، ظلت فصول تلك العلاقة الملتبسة تكرّر نذر حرب غير معلنة، لكنها مفتوحة النهايات على وقع التهديدات الإعلامية الحادة اللهجة تجاه إيران، مروراً بفرض حالة الحصار الاقتصادي القاسي والخيارات العسكرية الكارثية وما يلوح منها في الأفق.
من صخب تلك المرحلة، اقتبس الشاب كريس تيريو سيناريو شريط Argo. اعتمد على قصة حقيقية وثقها طوني منديس، عميل وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. أيه)، وأحد أعضاء لجنة كانت تشرف على تنفيذ عمليات سرية لذلك الجهاز في الخارج منها عملية إنقاذ الرهائن الأميركيين. وقارنها بالتحقيق الذي كتبه جوشوا بيرمان حول قضية الرهائن في العام 2007. وعزّزه بما اطلع عليه من وثائق وملفات الـ«سي. آي. أيه» بعد رفع السرية عنها. كانت الأنظار وقتها تتابع الحدث الأكبر الذي تصدّر الصفحات الأولى في الجرائد وتمثل في قيام مجموعة من الطلاب الإسلاميين باقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 52 مواطناً أميركياً لمدة 444 يوماً من 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 حتى 20 كانون الثاني (يناير) 1981. فيما بدت عملية هرب ستة دبلوماسيين أميركيين، واختبائهم في محل إقامة السفير الكندي، حدثاً ثانوياً لم ينل قسطه من الاهتمام السياسي والإعلامي. إزاء حيرة الإدارة الأميركية وضعف خياراتها، يقدّم العميل منديس اقتراحاً مغامراً، استلهم فكرته عن طريق المصادفة أثناء مشاهدة شريط الخيال العلمي «كوكب القردة» مع ابنه الصغير. بعد استبعاد خيارات تهريب هؤلاء الدبلوماسيين عبر الأراضي الإيرانية الى دولة مجاورة، يقع الخيار على اقتراح منديس، ما يدفع الأخير الى الاتفاق مع صانعة المعجزات ومبتكرة البطولات، استوديوهات «هوليوود» على تبني مشروع شريط وهمي ينتمي الى أفلام الخيال العلمي يحمل اسم «أرغو». وتكون العاصمة طهران أحد مواقع التصوير لاكزوتيكيتها. من خلال هذه الحجة، سيدخل منديس (يؤدي دوره بن أفليك) طهران ويتواصل مع الدبلوماسيين باعتبارهم ضمن فريق عمل ذلك الفيلم.
من جهته، يسخر المنتج ليستر سيغال (أداء ألن أركين) من فكرة الفيلم والدور الذي يتوقّع أن يؤديه في هذه العملية، ويردّد عبارته الشهيرة «يبدأ التاريخ بمهزلة، وينتهي بمأساة» من دون معرفة صاحبها. فيما يصحّح زميله اختصاصي مكياج المشاهير في هوليوود جون شامبرز (جون غودمان) تلك العبارة عبر عكسها وتذكيره بأنّ كارل ماركس هو مصدرها.
من خلال سيغال، تتولى استديوهات «هوليوود» تسليع فكرة المشروع الوهمي من خلال علاقتها الوثيقة بالإعلام. وعلى الجانب الآخر، تكتمل التحضيرات لتنفيذ تلك العملية لغاية وصول منديس الى طهران ولقاء الدبلوماسيين الستة في دارة السفير الكندي، شارحاً لهم أدوارهم الجديدة كطاقم فني كندي وبأسماء وهمية. وكان من ضمن تعليمات منديس أيضاً تجنب التحدت باللهجة الأميركية الفاضحة للهوية. لم تثن تساؤلات أحد الدبلوماسيين المشروعة من عزيمته، ولا تعليمات الـ«سي. آي. أيه» بتجميد هذه العملية، بل إنّ منديس، وفي غمرة حسه الوطني، يمضي في مشروعه خلافاً لكل الاعتراضات. وفي النهاية، يفلح في تأمين خروج الطاقم الفني من دارة السفير الكندي، وبعدها يطلقهم في بازار طهران الكبير (صوِّر في اسطنبول) لغاية إيصالهم مطار طهران في انتظار تأكيد حجوزات تذاكر الطائرة وتحت أعين حرس الثورة المتوجّسة.
بمساعدة فريق عمله الفني، حافظ بن أفليك على أجواء تلك الفترة الزمنية وملامح صورها، سواء طهران أو موقع السفارة الأميركية.... من دون إسقاط أحكام مسبقة على الشعب الإيراني. نرى مثلاً موقفه الإيجابي من الشابة الإيرانية العاملة في بيت السفير الكندي. رغم أنّ شبهات دارت حولها بأنّها سوف تفضح الأمر، إلا إنها لم تستجب لتهديدات رجال الأمن، بل يهرب الجميع وتشدّ هي الأخرى رحالها الى العراق. يبقى شريط «أرغو» مضمون النجاح، كون الموضوع الإيراني والتعامل مع ملف إيران النووي ما زال ساخناً ويحتفظ بحيوته، فضلاً عن استعارته لعملية نجاح مخابراتي على حساب عار «عملية مخلب النسر» الشهيرة التي فشلت في إنقاذ الرهائن الأميركيين وأسقطت الرئيس الأميركي جيمي كارتر وأدت إلى صعود نجم الممثل الفاشل رونالد ريغان. رغم وقوعه في العديد من الأخطاء وعدم الدقة التاريخية، إلا أنّ بن أفليك أجاد تقديم الحبكة وصياغة وقائعها، حيث اختلط الواقعي بالمتخيل، مضيفاً إليها توابل هوليوودية تدغدغ المخيلة الأميركية والأوروبية والمشاهد بشكل عام.

مخرج ناجح

يشكّل «أرغو» التجربة الإخراجية الثالثة لبن أفليك بعد Gone Baby Gone عام 2007 و «البلدة» عام 2010. برهن «أرغو» أنّ بن أفليك يعد اليوم من أفضل المخرجين العاملين في هوليوود حالياً. رغم أنّه ليس ممثلاً لامعاً، إلا أنهّ أثبت أنّه أحد أهم مخرجي جيله بفضل «أرغو». الشريط يتنقّل بين الدراما المشوقة والإثارة، والكوميديا المتواضعة. مضحك، ومشوق، صنِّف «أرغو» من بين أفضل الأفلام التي تعرض حالياً في الصالات الأميركية. وقد أجمعت أغلبية المقالات النقدية الأميركية على أنّ الشريط «متوتّر، ومشدود العصب، ومشوق ممزوج بكوميديا سوداء».

عن جريدة الأخبار اللبنانية
       

ليست هناك تعليقات: