الثلاثاء، نوفمبر 06، 2012

مختارات إيزيس . حوار مع بسمة الحسيني "المورد " حول الثقافة الآن في مصر أجراه ياسر عبد الحافظ

 
              بسمة الحسيني


مختارات إيزيس


حوار مع بسمة الحسيني " المورد " حول الثقافة الرسمية الآن في مصر




حوارات
بسمة الحسيني‮:‬
وزارة الثقافة في حاجة إلي‮ »‬ريجيم‮« ‬حاد
عملية التغيير بعد الثورة انصبت فقط علي إرضـاء الأصـوات الغاضـبة
الأمن ما زال‮ ‬يتحكم في الثقافة‮.. ‬والحصول علي دعم من الوزارة لا تحكمه أي شفافية
03/11/2012 12:55:23 م

حوار‮ :‬ ياسر عبد الحافظ

بسمة الحسينى تتحدث بصراحة وبلا أقنعة‮

تملك بسمة الحسيني من الخبرة والمعرفة بحال الثقافة المصرية والعربية ما‮ ‬يجعلها قادرة علي الحديث عن أصغر تفاصيلها ودون‮ ‬أن‮ ‬يكون ذلك كلاماً‮ ‬عمومياً،‮ ‬توثق لمعلوماتها بالأرقام والتواريخ،‮ ‬وإن داهمها الشك للحظة في معلومة تلجأ إلي ملف ما للتيقن‮. ‬أثناء حواري معها اقترحت مراجع عدة بالعربية والإنجليزية رأت أنها مفيدة في قضايا تطرق إليها النقاش‮.‬
بسمة،‮ ‬كما هو معروف،‮ ‬مديرة مؤسسة‮ »‬المورد‮« ‬الثقافي،‮ ‬الذي تمكن منذ تأسيسه العام‮ ‬2004‮ ‬أن‮ ‬يكون أحد المؤسسات البارزة في القطاع الثقافي المستقل،‮ ‬وأن‮ ‬يمد نشاطه ليقدم خدمة حقيقية للمبدعين في مصر والعالم العربي‮. ‬هي كذلك عضو ائتلاف الثقافة المستقلة،‮ ‬والذي بدأ التأسيس‮ ‬،له من قبل مثقفين وفنانين ومبدعين،‮ ‬منذ ما قبل سقوط مبارك،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يظهر إلي العلن إلا في نوفمير‮ ‬2011،‮ ‬ليرتبط مع الجمهور بعلاقة قوية من خلال أنشطة أبرزها‮ »‬الفن ميدان‮«.‬
منذ‮ ‬2008‮ ‬عملت مؤسسة المورد علي مبادرة لتطوير السياسات الثقافية في مصر وعدد من الدول العربية،‮ ‬المبادرة المصرية تبناها عدد كبير من المثقفين والفنانين المصريين ومؤسسات القطاع الثقافي المستقل،‮ ‬إلي أن وصلت إلي مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة،‮ ‬وبعد مناقشات مطولة تبنت المبادرة بدورها لجنة الإعلام والثقافة بالمجلس‮. ‬
المبادرة تهدف،‮ ‬وكما‮ ‬يتضح من عنوانها،‮ ‬إلي وضع أسس ومعايير وفلسفة،‮ ‬لإدارة الثقافة وزيادة الميزانية المخصصة لها‮. ‬وعن هذه‮ ‬المبادرة وقضايا ثقافية أخري كان الحوار‮. ‬

‮ ‬من خلال خبرتك في العمل الثقافي المستقل،‮ ‬ما أبرز ملاحظاتك علي العمل الثقافي المصري سواء علي مستوي المؤسسات الرسمية أو العمل الأهلي؟ وهل تغير المشهد بعد الثورة؟
‮- ‬مؤكد أن المشهد تغير منذ بداية الثورات العربية،‮ ‬ويتغير بشكل‮ ‬يومي،‮ ‬قبلها كان هناك قطاع ثقافي رسمي في معظم البلاد العربية،‮ ‬غني نسبياً‮ ‬بالنسبة لميزانية كل بلد،‮ ‬في تونس كان أكثر من الواحد في المئة بقليل من الميزانية‮ ‬ينفق علي الثقافة،‮ ‬في سوريا ثلث الواحد في المئة،‮ ‬في مصر ربع الواحد في المئة‮. ‬بالنظر إلي موازنات الدول تجد أن هذا مبلغ‮ ‬معقول إلي حد ما،‮ ‬أكلمك الآن عن النواحي المالية أولاً،‮ ‬وهذا في مقابل قطاع ثقافي ضخم‮ ‬يتحرك خارج المنظومة الرسمية هو فقير جداً،‮ ‬حتي المحظوظ منه وعنده تمويل أجنبي،‮ ‬لأنه ليس صحيحاً‮ ‬أن الكل ممول من الخارج،‮ ‬الذي‮ ‬يتلقي تمويلاً‮ ‬لا‮ ‬يتعدي الربع من هذا القطاع علي حد أقصي،‮ ‬الثلاثة أرباع هم نوادي الأدباء في الأقاليم،‮ ‬فرق المسرح في مراكز الشباب،‮ ‬من‮ ‬يكتبون إبداعاً‮ ‬وينشروه علي نفقتهم الخاصة،‮ ‬كل هذا‮ ‬يدخل في نطاق القطاع الثقافي المستقل والذي هو بلا أي مقدرة مالية‮. ‬هذا جانب،‮ ‬والجانب الآخر هو العلاقة مع المجتمع،‮ ‬القطاعان الرسمي والمستقل كانا‮ ‬يشتركان في أن علاقتهما مع المجتمع فيها التباسات،‮ ‬بالنسبة للقطاع الرسمي علاقته مع المجتمع كانت دوما في اتجاه واحد وهو التلقين والتفهيم والتنوير والارتقاء،‮ ‬علي اعتبار أن المؤسسة الرسمية تملك القيمة،‮ ‬والأخلاق،‮ ‬والمعرفة،‮ ‬والفهم،‮ ‬والشعب لا‮ ‬يملك أياً‮ ‬منها،‮ ‬وبالتالي فدور المؤسسة الرسمية هي تعليمه،‮ ‬هذا كان‮ ‬يجعل الجمهور‮ ‬ينظر لتلك المؤسسة بقدر من الريبة‮.. ‬من أنتم؟ ولماذا قررتم تعليمنا؟ مثل العلاقة الزوجية القائمة علي أسس خاطئة،‮ ‬الانسحاق الذي‮ ‬يضمر شراً،‮ ‬الشعب لا‮ ‬يحب الثقافة الرسمية لكنه‮ ‬يتظاهر بقبولها،‮ ‬ولهذا عمرنا ما شهدنا مثلاً‮ ‬حركة شعبية،‮ ‬أو شبه شعبية،‮ ‬للدفاع،‮ ‬أو للمطالبة،‮ ‬بحقوق ثقافية،‮ ‬علي العكس كانت هناك مظاهرات تطالب بحرق روايات،‮ ‬وللمطالبة بالمزيد من الرقابة علي حرية التعبير‮. ‬في مواجهة هذا مؤسسة القطاع الثقافي المستقل،‮ ‬في أغلبها،‮ ‬كانت تميل أكثر إلي الاشتباك مع المجتمع،‮ ‬ومحاولة الدخول معه في علاقة ديناميكية،‮ ‬وهذا أمر صعب جدا،‮ ‬يعني علي سبيل المثال تجربة فرقة‮ »‬الطنبورة‮« ‬التي أسسها زكريا إبراهيم،‮ ‬مفضلا ذلك علي التواجد في الوسط الثقافي القاهري والارتباط بعلاقة مع الوزارة،‮ ‬عاد إلي مدينته بورسعيد وعمل هناك مع الناس علي جمع الأغاني الشعبية وإعادة‮ ‬غنائها‮. ‬التجربة نفسها قدمها محمد عبلة وصلاح عناني،‮ ‬ومعهما مجموعة من الفنانين الذين أسسوا‮ "‬كوم‮ ‬غراب‮"‬،‮ ‬ذهبوا إلي أحد أحياء مصر القديمة المهدد بالإزالة،‮ ‬وعملوا مع السكان علي تنظيفه وتجميله حتي نجحوا في إلغاء القرار،‮ ‬التجربة نفسها نفذتها مجموعة‮ »‬جدران‮« ‬في حي المكس بالإسكندرية‮. ‬عبلة أيضا كانت له تجربة مهمة للغاية مع أهالي‮ »‬قرصاية‮« ‬والتي كانت هناك محاولات لانتزاعها من الأهالي وبيعها لمستثمر سياحي،‮ ‬هو اشتغل كناشط سياسي واجتماعي،‮ ‬وقام بحملة كبيرة مع أهالي القرية أدت إلي انتهاء الموضوع‮. ‬بالنسبة لي هذا هو العمل الثقافي الحقيقي‮. ‬
أما الفرق الثالث بين المؤسستين بخلاف المال والعلاقة بالمجتمع،‮ ‬فهو في العلاقة بالمهنة الثقافية،‮ ‬المؤسسة الرسمية سلوكها وتعاملها مع العاملين بالثقافة أقل مهنية بكثير من القطاع المستقل رغم أنها تنفق أموالا كثيرة جدا وتنظم أنشطة ضخمة،‮ ‬لكن لا توجد مهنية حقيقية،‮ ‬ولا توجد فكرة أن هذا متخصص في أمر معين،‮ ‬يعني أستاذ جامعة‮ ‬يرأس مكتبة،‮ ‬أو مسرحا،‮ ‬شخص من الجيش أو الشرطة‮ ‬يتولي شئون الإعلام والعلاقات العامة‮. ‬العلاقات الشخصية والتربيطات هي التي تتحكم،‮ ‬ونتيجة لذلك فـ‮ ‬80‮ ‬في المئة من الوظائف المهمة في وزارة الثقافة والتي تتطلب معرفة مهنية حقيقية‮ ‬يتولاها من لا علاقة لهم بهذا العمل من الأساس،‮ ‬وهذا عكس ما‮ ‬يحدث في القطاع المستقل فالسائد فيه هو التخصص والمهنية‮.

‬وهل اختلف أداء الوزارة بعد الثورة؟
‮- ‬حدث اختلاف،‮ ‬لكنه مشوش،‮ ‬مع بداية التغيير السياسي كان من المفترض أن تكون هناك خطة نسير وفقها،‮ ‬لكن ذلك لم‮ ‬يحدث،‮ ‬كل الجهد انصب في أن‮ ‬يأتوا بشخص ليس محل اعتراض قوي،‮ ‬فأصبحت المسألة مثل برامج التليفزيون التي تتم بالتصويت،‮ ‬لم تسر الأمور وفق خطة ما وإنما مجرد إرضاء الأصوات الغاضبة،‮ ‬وجاء وزير علي هذا المقياس وهو عماد الدين أبو‮ ‬غازي،‮ ‬وخلال الفترة القصيرة التي مكثها بالمنصب بدأ في محاولة إصلاحية ولكنها ليست تغييرا حقيقيا،‮ ‬يعني هو نفذ أمرين مهمين،‮ ‬الأول‮: ‬تشكيل مجالس أمناء للمؤسسات التابعة للوزارة،‮ ‬وهذا كلام عظيم‮ ‬يشبه ما‮ ‬يحدث في الخارج،‮ ‬لكن عندما تنظر في العمق تصطدم بأسئلة حول هذا المقترح‮: ‬هل تلك المجالس وضعها قانوني؟ هل لديها صلاحيات حقيقية؟ ما طريقة اختيار أعضائها؟ ما مدتها وكيفية التجديد لها؟‮ ‬يعني الموضوع كله هو أننا سننشئ مجالس لكي نكون شبه البلاد المتقدمة،‮ ‬لكن في حقيقة الأمر نحن‮ ‬غير مؤمنين أن‮ ‬يكون لدينا حوكمة عادلة وديمقراطية وشفافة وخالية من الفساد،‮ ‬أو‮ ‬يعني فيها فساد أقل،‮ ‬فنقدم الأشياء بطريقة‮ ‬غير مدروسة‮. ‬الأمر الآخر الذي قام به أبو‮ ‬غازي أنه فتح الباب لأن تمول الوزارة مشروعات ثقافية تقوم بها منظمات مجتمع مدني‮..

‬تحويل الوزارة من منتج إلي داعم‮.
‮- ‬بالضبط،‮ ‬وهو ما بحت أصواتنا في المطالبة به،‮ ‬الوزارة ليست منتجا شاطرا،‮ ‬وعلاوة علي ذلك ومن الناحية السياسية لماذا تقوم الوزارة بدور المنتج؟ أليس هذا ضد فكرة التعددية الثقافية؟ منتج‮ ‬غول‮ ‬يتحكم في السوق كله،‮ ‬فهذا‮ ‬يقلل تماما ويعرض للخطر فرص أي جهة أخري سياساتها لا تنطبق مع الوزارة‮. ‬بالطبع تحويل الوزارة إلي داعم وليست منتجاً‮ ‬كلام جميل من حيث المبدأ،‮ ‬لكنه لم‮ ‬يتم حسب أصول الصنعة،‮ ‬المفترض في تنظيم أي مهرجان أو نشاط أن‮ ‬يتم الإعلان عنه لتتقدم الجهات المختلفة،‮ ‬ونمنح فرصة شهرين لذلك،‮ ‬ويتم تنظيم لجنة تنظر في الطلبات وتختار الأصلح،‮ ‬ويكون ذلك قاعدة عامة،‮ ‬وليس أن أذهب للوزير ومعي مشروع فإن اقتنع به‮ ‬يتم تنفيذه‮. ‬نحن حصلنا علي تمويل من الوزارة مرتين،‮ ‬لكن كيف؟ بدون إعلان،‮ ‬لا نعرف لماذا أخذناه‮. ‬وتقدمنا هذا العام للحصول علي تمويل لمهرجان السيرك ولم نحصل عليه،‮ ‬لماذا؟ لا نعرف،‮ ‬ما الذي أخطأنا فيه هذه المرة؟‮! ‬لا توجد شفافية ولا أي قواعد متبعة،‮ ‬هناك فوضي وبالطبع الفساد هو المتحكم،‮ ‬أنت تعرف الوزير شخصيا ويحبك‮.. ‬تمشي الأمور،‮ ‬لا‮ ‬يعرفك الوزير‮.. ‬انتهي الموضوع،‮ ‬الأمن هو من أرسلك‮.. ‬يكون لك حظوة أخري‮.


ضغط المثقفين

‮‬ومازال تحكم الأمن في أمور الثقافة مستمرا بعد الثورة؟

‮- ‬بالتأكيد،‮ ‬لما‮ ‬يمشي العسكر والأمن من الوزارة،‮ ‬لا‮ ‬يظل عميد ولا عقيد هناك،‮ ‬ساعتها نقول أننا بدأنا خطوة‮..


‬المطروح حاليا أن‮ ‬يحل الإخوان محل الأمن والعسكر‮..
 
‮- ‬بالتأكيد لا‮. ‬بالنظر إلي أن الإخوان لهم أغلبية في البرلمان فمن الطبيعي أن‮ ‬يشكلوا حكومة،‮ ‬لا شيء‮ ‬غريب في ذلك،‮ ‬وفي ظل ذلك سيأتي وزير قريب من الجماعة،‮ ‬لا أعتقد أنه سيكون منها،‮ ‬سيأتي للتعامل مع قطاع الثقافة الذي‮ ‬يرفض الفكر الديني،‮ ‬سيكون هذا الوزير في مواجهة ضغطين،‮ ‬ضغط من الحكومة والبرلمان ذي الأغلبية الإسلامية،‮ ‬وضغط من المثقفين،‮ ‬مواقف الوزير ستتحدد تبعا لحجم ونوعية الضغط من الجهتين،‮ ‬وإلي الآن فإن ما أراه أن ضغط جموع المثقفين‮ ‬غير مؤثر لأكثر من سبب،‮ ‬أولا لأنه ليس لديهم تكوينات مؤسسية حقيقية،‮ ‬النقابات فاسدة،‮ ‬الأطباء مثلا قاموا بإضراب هل‮ ‬يستطيع المثقفون فعل هذا؟
‮ ‬مستحيل،‮ ‬ولو فعلوه لن‮ ‬يهتم أحد‮.‬
‮- ‬طيب ما هي أدواتنا في الضغط بخلاف‮ "‬الفيس بوك"؟ وهو أداة جيدة بالمناسبة‮...‬
و ‬الوقفات الاحتجاجية التي‮ ‬يقوم بها المثقفون‮.
‮- ‬أنا رأيي أن الأمور ستتغير بالنسبة للثقافة فقط وقت أن‮ ‬ينزل الناس العادية معنا،‮ ‬إنما طول ما نحن ننظر لفوق ولا نهتم بالنظر إلي تحت فلن ننجح،‮ ‬طوال الوقت نشتم في الإخوان،‮ ‬حد فكر‮ ‬يوقف شتيمة ويعمل علي لم الناس بجانبه حتي إذا ما قام بشيء‮ ‬يكون له معني؟ بالطبع هناك ناس تعمل علي إيجاد قاعدة جماهيرية لكن عددهم قليل،‮ ‬ومعظم المثقفين شغالين علي فكرة المناصب،‮ ‬من رئيس ماذا،‮ ‬كيف أتوا بفلان،‮ ‬علي اعتبار بالطبع أنه أحق،‮ ‬وهي في النهاية خرابة‮... ‬من رئيس الخرابة ومن نائبها‮.‬
بالنسبة للسياسة الثقافية بشكل عام أنا رأيي أن الوزارة تعمل ريجيما حادا لتتحول إلي وزارة سياسية تتحدث بلسان القطاع الثقافي مع الحكومة ومع البرلمان،‮ ‬سيأتي لك وزير‮ ‬غير إسلامي لكن محافظ له ميول إسلامية،‮ ‬بالطبع الإخوان سيضغطون عليه‮  ‬ليقدم الفن الملتزم والهادف والجاد،‮ ‬ولاحظ أن هذه المصطلحات كانت تستخدم أيام عبد الناصر،‮ ‬إنما الآن‮ ‬يتم استخدامها لهدف مختلف،‮ ‬لتعليم الناس‮ ‬الأخلاق‮. ‬هذا الوزير لابد أن‮ ‬يجد طريقاً‮ ‬بين الاثنين،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحيز ضد الفنانين والمثقفين،‮ ‬ولا‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يدخل في صدام مفتوح ومباشر مع الإخوان،‮ ‬هذا الطريق لابد أن‮ ‬يرسمه له المثقفون ويساعدوه عليه،‮ ‬يعني هم ما الذي‮ ‬يريدونه،‮ ‬لا‮ ‬يريدون عريا،‮ ‬ولا سب دين،‮ ‬وخلافه،‮ ‬فليكن،‮ ‬نقول لهم ادعوا للناس بالحسني وليس بقانون‮.. ‬أنك لو فعلت ذلك سيتم سجنك،‮ ‬أو إغلاق مسرحك،‮ ‬أو أنك تدفع‮ ‬غرامة‮. ‬فهذه تكون نقطة تفاوض،‮ ‬وفي المقابل حرر لي قصور الثقافة المغلقة،‮ ‬امنحها للناس تشتغل،‮ ‬في كل مدينة فيها قصر مغلق هناك عشرون مجموعة ثقافية مشردة لا تجد مكانا تجتمع فيه ولا تقدم فيه عملها،‮ ‬علينا الدخول في هذه العلاقة وإجبار الوزارة علي الدفاع عن القطاع الثقافي أمام البرلمان وأمام الحكومة،‮ ‬علاقة لا هي تبني لأفكار الإخوان ولا هي في الوقت نفسه حرب مفتوحة بلا آخر،‮ ‬علاقة فيها مرحلية وفيها مكاسب حقيقية،‮ ‬ولا تنس أن الأمر الأهم من كل ذلك أن حرية التعبير والرقابة ليست مشكلة الإخوان وإنما مشكلة الشعب،‮ ‬شعب منغلق ومحافظ ويتبني قيما من القرن السابع عشر والثامن عشر إلي الآن‮..


العملية ليست سهلة
‮ ‬إنما‮ ‬يتم توجيهه،‮ ‬أزمة الروايات الثلاث علي سبيل المثال،‮ ‬ودوما من‮ ‬يشعل النار هم الإسلاميون‮..‬
‮- ‬صحيح،‮ ‬إنما نحن أيضا نحاول أن نشعل النار ولا تنشعل‮. ‬ما الذي‮ ‬يدعو الجموع كلها للنزول،‮ ‬أنهم ضغطوا علي عصب الناس كلها معه‮.‬
‮ ‬جيد،‮ ‬وهذا‮ ‬يقودنا إلي نقطة مهمة،‮ ‬مصير هذه المعركة التي تتحدثين عنها،‮ ‬نزول المثقفين إلي الشارع نتيجته الوحيدة هو الخسارة بسبب هذا الجمهور صاحب التقاليد المنغلقة والمعادي للثقافة‮..
‮- ‬عملية التغيير ليست سهلة،‮ ‬ولن تتم في الانتخابات القادمة أو التي تليها،‮ ‬إنما لو صممنا وعملنا بجهد بعد ثلاث أو أربع انتخابات ستحدث،‮ ‬والشرط في هذا أن نتبني الطريق الديمقراطي رغم كل عيوبه وكوارثه،‮ ‬وأظن أننا جميعا نعرف ما تلك العيوب والكوارث،‮ ‬لكن لا‮ ‬يوجد طريق آخر لكي نكون بلدا طبيعيا،‮ ‬لدينا اقتصاد حقيقي،‮ ‬وتعليم وخدمات صحية ومواطن‮ ‬يحيا مثل أي مواطن في بلد طبيعي،‮ ‬هذا هو الطريق الوحيد،‮ ‬لم تجد البشرية‮ ‬غيره إلي الآن،‮ ‬يجب ألا‮ ‬يقول أحد نزيح الإخوان ونأتي بالعسكر لأنهم علمانيون،‮ ‬هذا شيء‮ ‬يثير الفزع‮..


‬وفي الحقيقة العسكر ليسوا علمانيين‮.
 
‮- ‬لا،‮ ‬هناك قطاع من المثقفين كانوا ومازالوا مع شفيق وطنطاوي وعنان لأنهم ضد الإخوان والإسلاميين،‮ ‬وهذا في رأية لا‮ ‬يقل عن كونه جريمة،‮ ‬أنا أريد أن‮ ‬ينجح الإخوان مرة،‮ ‬واثنتين،‮ ‬وثلاثا،‮ ‬وفي الرابعة لا‮ ‬ينتخبهم الناس،‮ ‬نكون قد عملنا لنصل إلي تلك النتيجة‮..


الالتحام بالناس

‬ما فهمته من كلامك أنك تطالبين المثقف بأن‮ ‬يتحول إلي ناشط سياسي‮!
‮- ‬أفضل أن‮ ‬يكون ناشطا اجتماعيا سياسيا،‮ ‬ليس بالمعني الحزبي،‮ ‬وإنما أن‮ ‬يكون ملتحما بالناس،‮ ‬يتحدث بلسانهم وهم‮ ‬يتحدثون بلسانه،‮ ‬وليس معني هذا ألا‮ ‬يكون له رأي شخصي،‮ ‬وألا‮ ‬يتمرد،‮ ‬هو كل ذلك أيضا،‮ ‬إنما لابد أن نجد طريقة لتحويل هذا إلي لغة تشاركنا الناس فيها،‮ ‬لن‮ ‬ينفع أنها تكون لغتنا وحدنا،‮ ‬أنا تكلمت مع ناس‮ ‬يقولون أنتم تريدون حرية التعبير ولا تريدون الحرية،‮ ‬واحد قال لي ذلك بالضبط،‮ ‬قلت له حرية التعبير جزء من الحرية،‮ ‬قال لي‮.. ‬لا،‮ ‬أصحاب حرية التعبير كانوا‮ ‬يريدون شفيق‮. ‬انظر إلي هذا الاستنتاج المنطقي،‮ ‬وهو طبعا‮ ‬غير منطقي،‮ ‬إنما الناس عندها تلك الفكرة،‮ ‬الفنانون والمثقفون‮ ‬يريدون أحمد شفيق الذي هو جزء من نظام مبارك،‮ ‬والذي هو ضد الحرية،‮ ‬لكي‮ ‬يضمن لهم حرية التعبير،‮ ‬فأصبح هناك مواجهة بين الحرية وحرية التعبير،‮ ‬وهو أمر عبثي وسوريالي تماما،‮ ‬إنما موجود في أذهان الناس،‮ ‬وللأسف نحن لا نقوم بما فيه الكفاية لإثبات أن ذلك‮ ‬غير حقيقي‮.‬
‮ ‬منذ فترة ترعون مبادرة لتطوير السياسات الثقافية في مصر ودول عربية،‮ ‬ما المقصود هنا بالسياسات الثقافية،‮ ‬وما الهدف الجوهري من المبادرة،‮ ‬وكيف‮ ‬يتم تنفيذها علي أرض الواقع؟
‮- ‬الأمر بدأ مع برنامج للإدارة الثقافية قمنا بتنظيمه العام‮ ‬2005،‮ ‬بهدف تدريب العاملين في حقل الثقافة علي إدارة مهرجانات،‮ ‬ومسارح،‮ ‬وخلافه،‮ ‬بعد ثلاث سنوات من العمل وجدنا أننا نصطدم دوماً‮ ‬بالأسئلة والمشاكل نفسها‮.. ‬الحكومات لا تمول،‮ ‬لا توجد تراخيص،‮ ‬لا توجد هياكل‮. ‬بدأنا نفكر أننا نعلم الناس وهم لا‮ ‬يستطيعون العمل ليس لعجزهم عن ذلك وإنما لأن المناخ العام مستحيل العمل فيه،‮ ‬لا مسارح،‮ ‬ولاأجهز‮ ‬،لا كهرباء،‮ ‬لا بنية تحتية،‮ ‬المشاكل كثيرة جدا،‮ ‬وكنت بشكل شخصي بدأت أقرأ في السياسات الثقافية‮ ‬2006،‮ ‬وبدأنا نعمل مسح للحالة الثقافية في العالم العربي،‮ ‬ودعونا‮ ‬15‮ ‬باحثا وباحثة من ثماني دول عربية وعملنا لهم تدريب علي أداة بحثية وضعها معهد ألماني،‮ ‬وأصدرنا بناء علي ذلك كتابا مبدئياً‮ ‬فيه مسحا للسياسات الثقافية في تلك الدول،‮ ‬ونظمنا مؤتمرا في لبنان العام‮ ‬2010‮ ‬لنعرض فيه ما وصلنا إليه،‮ ‬دعونا له وزراء الثقافة من بلدان عربية محل البحث،‮ ‬حضره مندوب عن الوزير المصري عماد أبو‮ ‬غازي،‮ ‬وكان وقتها الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة،‮ ‬وجاء مندوب عن الأردن،‮ ‬والمغرب،‮ ‬والبقية تجاهلونا تماما،‮ ‬لكن المؤتمر كان ناجحا تماما وخرجنا منه‮ ‬يملؤنا الحماس،‮ ‬وكان من توصياته أن تؤسس مجموعات ثقافية من الدول الثمانية تعمل علي رصد ما‮ ‬يحدث،‮ ‬وعلي تطوير السياسات،‮ ‬ووجدنا أن الموضوع صعب جدا،‮ ‬مجرد أن تتكون مجموعة تعلو الأسئلة‮.. ‬من أنتم؟ ومن أعطاكم الحق؟ وباسم من تتحدثون؟ لكن في النهاية تكونت مجموعات نشطة في المغرب،‮ ‬والجزائر،‮ ‬ومصر،‮ ‬والأردن،‮ ‬ولبنان،‮ ‬وتونس في الطريق،‮ ‬في الجزائر كتبت سياسة ثقافية كاملة،‮ ‬في المغرب عرضت المجموعة الموضوع علي لجنة الدستور وتم تبنيها بالكامل‮..


ديمقراطية الثقافة

‬فهل تعني السياسات الثقافية إذاً‮ ‬الأدوات والبنية الأساسية للثقافة وليس فلسفة العمل الثقافي نفسه؟

‮- ‬هي كل ذلك،‮ ‬هي ببساطة خطة،‮ ‬علي سبيل المثال السياسة الزراعية لمصر خلال الخطة الخمسية لابد أن‮ ‬يكون لها فلسفة،‮ ‬مثلا تحقيق الاكتفاء الذاتي،‮ ‬أو تحقيق حصيلة نقدية عالية،‮ ‬أو توسيع الرقعة الزراعية،‮ ‬مبدأ عام‮ ‬يتم ترجمته إلي قوانين وتشريعات وهياكل إدارية ومؤسسية وإلي بنية تحتية‮...‬
‮ ‬وما المبدأ العام لمبادرة السياسات الثقافية لمصر؟
‮ - ‬ديمقراطية الثقافة وهذه مسألة أساسية،‮ ‬أن تكون مفتوحة لكل الناس،‮ ‬وليس فقط لفئة أو لمجموعة أو لمؤسسة الرسمية‮. ‬ومشاركة المجتمع تكون واسعة‮.‬
‬المبادرة كما أعرف قطعت شوطا كبيرا وتمت لقاءات مع الوزارة ومع لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشعب قبل حله،‮ ‬أرغب في معرفة مدي التقبل من الجهتين للمبادرة؟
‮- ‬ما حصل كالتالي،‮ ‬المجموعة كانت تعمل علي نموذج سياسة ثقافية نفذتها شبكة أفريقية،‮ ‬وكان نموذجا صعبا ومليئا بالتفاصيل،‮ ‬ونتيجة تسارع الأحداث قررنا تلخيص أفكارنا في بنود قصيرة وإعلانها للناس،‮ ‬وبالفعل بعد مناقشات مطولة خرجنا بأربع أو خمس ورقات هم الإطار العام،‮ ‬وبدأنا نروج لما وصلنا إليه،‮ ‬أنا أعطيتهم لمحمد الصاوي فدعانا لعرضه علي لجنة الإعلام والثقافة بالمجلس،‮ ‬وهناك وجدنا أنهم دعوا أيضا مجموعة من الوزارة تضم‮: ‬أحمد مجاهد،‮ ‬خالد عبد الجليل،‮ ‬محمد أبو سعدة،‮ ‬وسعد عبد الرحمن،‮ ‬واللجنة كانت كلها من الإخوان مع بعض السلفيين،‮ ‬لم‮ ‬يكن فيها أي شخص من حزب ليبرالي،‮ ‬والحقيقة كان واضحا ترحيب اللجنة بالمقترح،‮ ‬لكن رجال الوزارة تعاملوا معنا بطريقة‮ "‬الضرة‮"‬،‮ ‬في البداية تحدث أحمد مجاهد عن التمويل الأجنبي،‮ ‬وأشار علي،‮ ‬وكان هناك كلام أكثر في اجتماعات تالية‮.. ‬عن الناس التي لم تكن تملك شيئا وأصبح لديها الملايين،‮ ‬طبعا كلام هزلي،‮ ‬لكنهم عندما وجدوا أن اللجنة‮ ‬غير مستجيبة لاتهاماتهم،‮ ‬تغيرت النبرة وأصبحت‮: ‬نحن نرحب بالتعاون مع المجتمع المدني،‮ ‬وأنه لا خلاف علي شيء‮. ‬وتم القرار علي تشكيل لجنة ثلاثية من المجموعة الوطنية،‮ ‬ومن الوزارة،‮ ‬ومن مجلس الشعب،‮ ‬تبحث في كيفية نشر وتفعيل المقترح،‮ ‬لكن ما حدث أن الاجتماعات التالية تحولت إلي مهاترات‮.. ‬كلام عن التمويل والخيانة والتطبيع،‮ ‬ولم تسفر الاجتماعات عن شيء،‮ ‬وزاد علي ذلك أن رجال الوزارة ذهبوا إلي مجلس الشعب وقالوا لهم أن هؤلاء لا‮ ‬يمثلون سوي أنفسهم،‮ ‬ولا‮ ‬يمثلون القطاع الثقافي المستقل،‮ ‬فقام المجلس بدعوة كل المؤسسات الثقافية المستقلة،‮ ‬وحضر هذا الاجتماع ما‮ ‬يقرب من أربعين مؤسسة مستقلة،‮ ‬وأنا لم أحضره،‮ ‬وفيه تم تبني المقترح من لجنة الإعلام والثقافة،‮ ‬وفي اليوم نفسه تم حل مجلس الشعب‮.‬
‮ ‬وهل‮ ‬يعني حل المجلس أن المقترح أصبح كأن لم‮ ‬يكن؟
‮- ‬ربما،‮ ‬لكن ما حدث سابقة تاريخية،‮ ‬وفي النهاية حصل شيء‮ ‬يمكن أن نبني عليه،‮ ‬يمكننا أن نذهب من جديد إلي مجلس الشعب بعد الانتخابات لعرض المقترح مرة أخري،‮ ‬ولا مانع لدينا من إعادة مناقشته،‮ ‬أو تعديل بعض بنوده إذا كان هناك رأي‮ ‬غالب لذلك‮.‬
‬وهذا تمهيد لماذا؟ لإصدار مشروع بقانون مثلاً؟
‮- ‬في كل بلاد العالم السياسة الثقافية تقدم من القطاع الثقافي،‮ ‬هذا القطاع قد‮ ‬يكون وزارة الثقافة وهذا ما نطالب به،‮ ‬أن تكون الوزارة متحدثة باسم المثقفين وليس باسم النظام،‮ ‬وهذه علاقة مختلفة تماما عما هي عليه الآن‮. ‬الوزارة تأخذ المقترح إلي مجلس الوزراء والبرلمان ولابد من النص فيه علي أن ميزانية الثقافة في الخطة الخمسية لا تقل عن كذا،‮ ‬عن نصف الواحد في المئة،‮ ‬نحن نطالب بأن تكون واحد ونصف بعد ثلاث سنوات،‮ ‬هناك من‮ ‬يقول لك أن ذلك سيأتي علي حساب الصحة والتعليم،‮ ‬نحن مع الصحة والتعليم،‮ ‬ما نريده أن نقلل ميزانية الأمن والدفاع ومصاريف الرئاسة لحساب الصحة والتعليم
عن جريدة " أخبار الأدب "

ليست هناك تعليقات: