السبت، نوفمبر 24، 2012

رواية السينما المصرية بقلم صلاح هاشم







رواية السينما المصرية

أين يكمن ياترى سحرها الخفى ؟

مدخل : السينما المصرية علمني الحب
بقلم
صلاح هاشم


ليس هذا دفاعا عن السينما المصرية التي لا تستطيع في المحاكم أن تدافع عن نفسها إلا بتقديم الدلائل والبراهين. هكذا فكرت . لاتستطيع أن تدافع عن نفسها إلا من خلال " أفلامها " فقط، التي تتحدث عن نفسها بنفسها. تلك  " الروائع " التي صنعتنا و إستحوذت على أفئدتنا في أفلام " بداية ونهاية " و " الفتوة " و " السقامات " و" اللص والكلاب " و " أرض الخوف " و " المومياء " و " رصيف نمرة 5 " و " ريا وسكينة " و " باب الحديد " و " الحريف " و " زوجة رجل مهم " ، وغيرها ، التي صارت الآن أكبر منا و التي هي في معظمها كما اكتشفت كلما كبرت ازدادت حلاوة، ولن تشيخ أبدا على مايبدو. صنعت لنا السينما المصرية " الجميلة " كل تلك البوابات الى الجمال – من جميل -  وقالت لنا اتفضلوا،هنيئا لكم بسحر الضوء والدلال والفن..

 كنا نتحدث بجوار نافذة المطبخ المفتوحة على ضوء النهار، وكان " الضوء " في قلب أحاديثنا الليلية حين نلتقي عادة بعد المغرب في باريس على براد شاي كبير، وسيجارة ، ونقعد نتحدث عن حياتنا والسينما، وكنت قد عدت منذ أيام فقط من رحلة لي الى القاهرة حضرت فيها مهرجانين هما " بانوراما السينما الاوروبية " و" مهرجان الاسماعيلية السينمائي " وشاهدت العديد من أفلامهما لكني كنت كرست وقتا كبيرا أثناء زيارتي لمشاهدة " روائع " الأفلام المصرية القديمة. لايوجد في تقييم الأفلام فرق بين " قديم " و " جديد " صحيح ان الأفلام بنت عصرها لكنها تقفز عندما تكون جميلة وتعجبنا تقفز فوق حدود الأماكن والطبائع والأزمنة. تصبح بنت وقتها في اللحظة والآن وهذا ما أستشعرته في معظم الأفلام التي شاهدتها في مصر. قال صديقي المخرج العراقي الذي يعيش منذ زمن طويل في باريس أن السينما المصرية أثبتت أولا أن الشعب المصري يحب الجمال..

 مثلا انظر الى تلك الصورة التي تتصدر غلاف كتاب " قصة السينما في مصر للناقد سعد الدين توفيق الصادر عن سلسلة " كتاب الهلال " وتظهر فيها فتاة شابة تحمل سكينا ، وعلى وشك أن تذبح حبيبها الراكع أمامها ممسكا بثيابها. ماذا يقول كلام الصورة ؟ يقول أن الست الموجودة في الصورة هي ست " منيرة هانم " في رواية فاجعة فوق الهرم" تمسك بخنجرو تحاول قتل " سعيد بك " بعد أن طلب منها ذلك، لأنها ترفض غرامه ! . في كل مصري- قال صاحبي- يكمن " سعيد بك " داخله، ولايطيق أن ترفض مصرحبه لها، فيمنحها سكينا ويقول لها اذبحيني ياحبيبتي، إذا لم أكن أستحق حبك، و يالله خلصيني من عذابي "!.

 السينما المصرية من خلال الميلودراما وقصص الفواجع والمآسي والمبالغات العاطفية علمت الناس الحب. دخلت اليهم من باب الغرام والعشق الجامح وملامسة الجسد، وتكرس حبنا لها من خلال تجربة الحب والعناق والجنس، وكانت بمثابة المعمل التجريبي لممارساتنا الغرامية الملتبسة في الخفاء تحت السلالم وفوق العشش المهملة فوق أسطح الدوروالبنايات، والغرف السرية المسكونة بالأشباح والحدائق العامة. شجعتنا على أن نقتنص قبلات في الخفاء في تلك الحديقة المنعزلة بجوار " مسرح الجيب " على النيل. شجعتنا على المغامرة وقوت وعززت فينا حب الاقتحام..

 وفي الوقت الذي دخلت فيه السينما الامريكية عند نشأتها الى الناس بفيلم عن السطو على قطار، أي فيلم عن سرقة وضرب ناروقتل وعنف ورصاصات طائشة.ودخلت الى الناس بثقافة العنف، ثقافة الغزووالنهب والسطو في العالم الجديد أمريكا. دخلت السينما المصرية الى الناس في مصر بفيلم " زينب " لمحمد كريم،  فاقتبست رواية عن الحب عند الفلاحين الغلابة للكاتب محمد حسين هيكل ، وكانت الرواية الوحيدة في مصر، وقدمتها للسينما، و قد كانت " الدعوة " في السينما المصرية ، وعلى طول تاريخها  هكذا ، دعوة الى الحب .


( يتبع )


ليست هناك تعليقات: