لا تبكي يا امرأة
مارلي في سينما ايزيس
كل ثورة موسيقي الراجاي في اغنية
بقلم
صلاح هاشم
حفلة موسيقية مصورة تحفة عن حق بعنوان " بوب مارلي وفرقة الويلرز ( الناحبات ) " عبارة عن تسجيل حي في قاعة رين بو ( قوس قزح ) في لندن . انجلترا سجلت عام 1977 ويستغرق عرضها 70 دقيقة للفنان المغني من جامايكا بوب مارلي،( بثتها قناة آرتيه الفرنسية الالمانية يوم الجمعة 18 يوليو التي تعتبر احد اهم القنوات الثقافية غير المشفرة في فرنسا وهي القناة الثقافية الاولي في اوروبا عن جدارة ) اخذتني 30 سنة الي الوراء، عندما كنت اسافر علي طريقة الاوتوستوب في فرنسا ، التي وصلت اليها في بداية السبعينيات، لتعيدني الي اجمل ذكريات حياتي ، وصور مستعادة من رحلتي الي اوروبا ، بتذكرة أون دك ( بدون كابينة، للنوم علي سطح السفينة ، من ميناء الاسكندرية الي ميناء بيريه في اليونان) وكانت الموسيقي التي سمعتها في اول محطة انزل فيها في اوروبا - محطة اثينا - موسيقي فرقة البيتلز، واول اغنية اغنيها علي الرصيف مع الشباب الاوروبي ونحن نجلس في البار الصغير المواجه لبيت الشباب في اثينا ونحن نشرب الرتسينا البيرة اليونانية المعتبرة، اغنية " ليت ات بي " لجون لينون، اذ تهبط مريم العذراء في الاغنية كلما حلت ورطة او مصيبة ، هكذا يغني جون لينون ، لكي تهدأ من روعك وتربت علي ظهرك، وتهمس وهي تمسح عن العيون دمعة ان : ليت ات بي أي فليكن فليكن ، و لكي تصبح " فليكن " هذه شعارا لتجوالك في رحلتك ، فالمهم في الحياة ان لا تستسلم ، او تيأس، فهناك دائما بصيص هدي ومن نور أمل ، في نهاية كل نفق مظلم
وبدلا من ان تلعن الحياة ، عليك ان تحتفل وتنعم بها في اللحظة الآن، وقبل فوات الاوان، بل ويمكن في رأيي ان اكتب قصة هذه الرحلة التي لم اسطرها بعد من خلال تلك الاغنيات وموسيقي المغنيين والفرق التي احببتها وكانت رفيقي في الرحلة وكنت اتنقل بجهاز بيك آب واسطوانة، وقد انقذتني اغنية للمغنية الامريكية الزنجية ايلا فيتزجيرالد من موت محقق علي الطريق الزراعي من فيل فرانش الي مدينة ليون، وهجمة عنصرية وحشية لعتاولة جزارين لم تكن في الحسبان
وعلي الرغم من اني كتبت عن حياة المهاجرين العرب في اوروبا وامريكا ، لكني لم اكتب عن هذه الرحلة الشخصية الا حفنة من الرسائل ، كانت ابعث بها الي صديقنا المرحوم الكاتب المسرحي محمد الفيل، فيجتمع مع شلة من الاصدقاء الذين ودعتهم في مصر، وحضر بعضهم مع محمد الفيل لتوديعي من علي رصيف ميناء الاسكندرية، وشاهدوني وانا اصعد السفينة بتذكرة اون دك، يجتمعوا في بيت محمد في حي عابدين، وكنا نطلق عليه اسم المغارة، فقد كانت غرفته اشبه بالكهف الذي يلمنا لنقرأ فيه علي بعضنا اشعارنا ، اشعاراسامة الغزولي ونجيب شهاب الدين ومحمد سيف ومحمد ناجي ، والاخير صار الآن احد اشهر وانضج كتاب الرواية في مصر، و كذلك قصصنا القصيرة بحضور عبد العظيم الورداني وسامي الرزاز وكنت احكي لهم في تلك الرسائل مايقع لي من مغامرات في رحلتي، بعد ان خرجت مع صديقتي البنت الارستقراطية ( ا ) من مصر لنسافر معا علي طريقة الاوتو ستوب ، ويقوم احدهم بقراءة الرسالة وهم يدخنون اللفائف ويحتسون شاي محمد الفيل الصعيدي
والله ما احلاه من شاي
وكان بيت محمد بيتنا ، واهله هم اهلنا ، وكانوا يعرفوننا كل واحد باسمه ، ونأكل ونشرب عندهم ، فلم تكن حياتنا آنذاك مرتبطة ببيت واحد ، بل كانت حياة مرتبطة بعدة بيوتات ، فاذا جعنا رحنا نتجول من بيت الي بيت ، من السيدة الي عابدين الي شبرا الي العمرانية ، ونقطع احياء المدينة سيرا علي الاقدام ، وكنا نحجز سهرات المشي الليلية للصديق كاتب القصة القصيرة المبدع الفذ يحيي الطاهر عبد الله، ونذهب معه الي بيت الناقد الاردني غالب هلسا لنأكل عنده وكان غالب يقرأ قصصنا القصيرة ويعجب بتشردنا وصعلكتنا ، وكان يحيي يحفظ قصصه القصيرة عن ظهر قلب ويقصها علينا ، وكان يجمع قصصنا ويوزعها للنشر علي الجرائد والمجلات بمعرفته ، ويحمسنا للكتابة والابداع حتي صرنا نحن الصغارنتبجح علي غالب هلسة ، ونذهب الي عم عبد الفتاح الجمل - صاحب الفضل الذي صنعنا جميعا- نذهب اليه في مكتبه
وعندما لانجده نضع قصة قصيرة فوق مكتبه ، ونحدد له ميعاد نشرها ، وكان يثور عندما يعود مع مجموعة اصدقائه المقربين جدا من امثال الشاعر زين العابدين فؤاد والمخرج السينمائي محمد كامل القليوبي والروائي ابراهيم اصلان فيجد الرسالة ويشتمنا ، ويسأل من اين خرج هؤلاء الصغار العفاريت ، وكل واحد منهم يظن حاله فولكنر او هيمنجواي او كافكا ، ويروح يلعنا، لكنه كان يقرأ قصصنا بعد ذلك وحده في الخفاء حين يذهب غضبه ، ثم ينشرها لنا ، واحيانا كانت القصص تنشر في الموعد المحدد بالمصادفة ! وكان احيانا ينشر لنا في جريدة المساء العظيمة قصتين علي الصفحة الاخيرة ، وكان نشرلي اول قصة قصيرة كتبتها في حياتي بعنوان " الزيارة " عام 68 وكنت كتبتها من وحي السينما بعد ان خرجت من ظلام القاعة بعد ان شاهدت فيلم " الحياة الحلوة " لفدريكو فيلليني الذي يدين له مخرجنا يوسف شاهين بالكثير - وهذه حكاية اخري بالطبع - وكتبت القصة في مقهي ، وكنت وانا استمع الي بوب مارلي يغني ان لا لا ، يا امراة لا تبكي ، لا تبكي يا امرأة " نو نو وومان دونت كراي " كنت اتذكر كيف استطيع حين يأزف الوقت ان اكتب تاريخ رحلتي الطويلة " أون دك " وأؤرخ لها ، من خلال هذه الاغنية وحدها، بل من خلالها و اغنيات والحان وموسيقي فرق اخري سمعتها او تعرفت عليها في الرحلة
اغنيات لبوب ديلان، وريتشي هيفنز ومهرجان وودستوك وفرقة الهو ، وليد زبلن ، وبينك فلويد ، وتانجرين دريم، والرولينج ستون، مرورا ب لوي آرمسترونج ، وايلا فيتزجيرالد ، وخوسيه فلسيانو ، وشيت بيكر ومايلز ديفيز وجون كولترين وغيرهم ووصولا الي بوب مارلي ، والراي الجزائري ، والنوبة الاندلسية الاصيلة
فلم تكن هذه الموسيقي التي التحمت الآن بجسدي وصارت مخزونا بالحانها في الدم ، غير الاساس الذي شيدت عليه الرحلة ، للنفاذ كما يقول طاغور شاعر الهند العظيم الي داخل المياه من دون وجل ، ونزوعا الي المطلق ورغبة في عناق الجذور والمجهول ، والتواصل مثل سحابة مع كل الكائنات والموجودات
لا لا تبكي يامرأة هي هبة بوب مارلي وعصارة عطائه الموسيقي الي " الانسانية " المعذبة المهانة والكادحين المعذبين تحت الاحتلال في كل ارض ولذلك تعرض بوب مارلي لاكثر من محاولة اغتيال للتخلص منه واغنياته
وكانت موسيقاه ترعب الجزارين وتهز عروش الاستبداد وتدعو الي الثورة علي الاحتلال والظلم
نو نو ومان دونت كراي
وكان بوب مارلي يحكي عن موسيقي الراجاي من جامايكا فيقول انها تحمل قوة وبأس الارض وايقاع الناس. انها موسيقي لكل الهامشيين المعذبين المشردين في الارض
صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق