الاثنين، يوليو 14، 2008

الخياطي يسأل : من أين يبدأ التخلف؟ .جميلة القصوري




«من بلادي... يوميات مواطن عادي» كتاب جديد للكاتب والناقد السينمائي التونسي خميس الخياطي


عين ناقدة تفحص «تسربات الرمل»

وتسأل : من أين يبدأ التخلف


تونس.سينما ايزيس.جميلة القصوري



صدر مؤخرا للاعلامي والناقد خميس الخياطي كتاب بعنوان «من بلادي ... يوميات مواطن عادي» وقد اختصر خميس الخياطي المسافة حتى نتجاوز عناء تصنيف هذا الكتاب لما عنونه بـ «يوميات مواطن عادي» غير ان هذا التصنيف يبدو مفخخا فلا هي يوميات كتلك التي يكتبها زائر لبلد ما وهو المقيم بيننا ولا هو مواطن عادي كما يقول لانه صحفي مثقف وصاحب تجارب عديدة وتقلب في عديد المهام حاملا هموم المثقف.
فهو معتز بجذوره وفي الان ذاته موجوع من جذوع هذه الجذور.
«خميس الخياطي» في كتابه الجديد هذا اختار ان يتحدث عن اخطر المسائل دون ان يثيرها.
لقد اختار الطريق الاخر الذي يوصلك الى بيت الداء دون ان يبوح باسمه تاركا وخز الاسئلة للقارىء الذي لم يعد يتساءل رغم ان كل دلائل ما يعانيه بيّنة أمامه.

من أين يبدأ التخلف؟ اين نحن من الأمم الأخرى؟ من هذا ينطلق خميس الخياطي من قاع المدينة وهو يكاد يقول ان سلوكنا اليومي يشوّه وجه كل شيء ومن فساد الذوق يستشري الفساد في كل شيء. وأنه لا أمل في أمم ليست لها مقاربات جمالية في مرتبة القيم لتخترق حاجز التخلفُّ وتنهض.
وخميّس الخياطي صحفي وله باع معرفي في فن السينما فهو من ابرز النقاد العرب في هذا المجال. وفي هذا الكتاب ذاب الصحفي في عين الكاميرا وكأننا به ينقل الينا اياما عادية بالابيض والاسود القاتم وعلى طول الشريط يرى كل تونسي نفسه لانه ببساطة «بطل هذه اليوميات».

فساد الذوق موزع ديمقراطيا على كل الشرائح والفئات وقد اصطاد «خميس الخياطي» نماذج عديدة حوّط بها كل ما ينتجه المجتمع من سلوك وغاص في أدق الجزئيات التي تبدو للوهلة الاولى غير ذات اهمية ولكن الكاتب حمّلها بذكاء كل تداعيات ما يعتمل في المجتمع.
اشياء بسيطة تفسر اشياء خطيرة واشياء صارت معتادة وروتينية على بذاءتها وضررها.
ولكن «الخياطي» التقطها ووضعها في سلة واحدة ليقول « لهذا نحن هكذا» فالقيم الجمالية انسانيا هي المحددة للخير والشر، للقبح والجمال للعنف والسلام للتسامح والتطرف، للابداع والتخريب وللبناء والهدم.
والبناء المعماري ليس وحده المستهدف بل ان البناء الحضاري للانسان هو المستهدف النظافة ليست في البدلة النظيفة لانها تحتوي شخصا قذرا من الداخل.

قد يحسب القارىء ان خميس الخياطي اعلن في كتابه هذا انه انخرط في جمعية حماية البيئة وهو بالفعل فعل هذا لانه احاط بكل الجوانب لتنمو زهور الصدق والمواطنة والغيرة على العباد والجماد في البلاد.
الغيرة على اخضرار البلاد بكل المعاني وكأننا به يؤاخذ الطبقة المثقفة الفاعلة على استقالتها وحتى انجرارها في سياق يعيد تكرار انتاج اسباب التخلف.
واسباب التخلف لا تبدو في البورصة والارقام فحسب كما يقول الخياطي وانما في سلوك الناس وذوقهم وهنا يدخل العنصر الثقافي في تحديد نوعية الاداء وعقلية التغيير نحو الافضل ولكن هذا لا يمرّ الا عبر نقد ذاتي لا يهمل ادق الجزئيات ومنها من كنّا والى اين نمضي؟.
وهذا مشروع ضخم خاضته عديد الامم المتقدمة ومنها اليابان التي انجزت عدة ثورات ثقافية لتبلغ الموقع الريادي الذي تحتله. هناك مشكلة ما مع الحاضرين اي التاريخ والجغرافيا وهناك اسئلة يجب ان تحدد ولا تحتمل مواربة ولا يمكن الاجابة عنها الا بمشاريع ذكية وصلبة تزرع في الفعل الثقافي والدراسي والاعلامي مشاريع لا تشبه حملات النظافة التي تدوم اسبوعا ولا تشبه الومضات السطحية الركيكة في التلفزيون لان من ينتظر موسم «الصابة» عليه ان يحرث في العمق وان يستيقظ باكرا ويستبق الاحداث حتى لا ينعم انحراف الذائقة والاداء الاجتماعي بهدنة الروتين فيتحول الى شيء عادي يسرق الآمال ويحبط العزائم.
«خميس الخياطي» الذي يكتب بالعربية والفرنسية بنفس الكفاءة ونفس السيولة يضع ثقافيا عينا على ضفة شمال المتوسط وعينا على ضفة جنوبه وهذا ما جعله ينتبه الى كل هذه الجزئيات في وطنه ومع كل هذا فهو لم ينزلق في المقارنة مع دول اخرى لانه يضع التونسي امام المرآة ليقارن نفسه بنفسه وحبذا لو ان التونسي لا يتهم المرآة.
كتاب خفيف ظريف يشكل مدخلا لعشرات القضايا المطروحة في مجتمعنا وليت «الخياطي» يصدر ترجمة عربية لهذا الكتاب حتى تعم الفائدة ويبلّغ الكاتب أوجاعه في وطنه حتى يزيد مضمون هذا الكتاب انتشارا.

جميلة القصوري

ليست هناك تعليقات: