الأربعاء، أكتوبر 24، 2007

قراءة نقدية لفيلم "هي فوضي" بقلم امير العمري

امير العمري


يوسف شاهين يعود في فيلمه الجديد " هي فوضي " الي نقد الواقع



قراءة نقدية لفيلم " هي فوضي " ليوسف شاهين




بقلم امير العمري


يشاهد جمهور مهرجان لندن السينمائي فيلم "هي فوضى" للمخرج يوسف شاهين (82 عاما) قبل عرضه عروضا عامة في مصر . وربما يكون الفيلم الذي كتب له السيناريو ناصر عبد الرحمن وصوره رمسيس مرزوق، أهم وأفضل أفلام مخرجه الكبير شاهين منذ سنوات. فهو هنا يعود إلى موضوع سياسي ساخن يرتبط بالتغيرات التي حدثت في الواقع خلال العقد الأخير، وأدت إلى تفسخ واضح في البنية الاجتماعية والسياسية على كل المستويات
وبقدر ما يبتعد شاهين هنا عن سينما الرؤية الذاتية التي فرضت نفسها عليه في الماضي، بقدر ما يقترب مجددا من نقد الواقع بقسوة على غرار أفلامه القديمة مثل "العصفور" (1972) و"عودة الإبن الضال" (1976) و"اسكندرية ليه؟" (1978)

تدور أحداث الفيلم في الزمن المضارع، أي في مصر المعاصرة، ويروي قصة تدور أساسا حول شخصية واحدة، لكنها تتفرع إلى شخصيات وتفاصيل كثيرة أخرى ترسم لنا صورة لما وصلت إليه الأحوال في مصر حاليا . في الفيلم يبرز الفساد كبطل أساسي، بالمعنى السياسي والأخلاقي، وهو يتجسد في القمع المباشر، والسيطرة الغاشمة للسلطة، وانتشار الرشوة والمحسوبية والغش وتزوير الانتخابات ورفض تداول السلطة. وفي الفيلم سلطة تعتقل وتهدد، ومسؤولون يمثلون هذه السلطة يمارسون الابتزاز والترويع ويتسترون على جرائم ويقفزون فوق القانون، ومعارضون معتقلون بموجب قانون الطوارئ، وغياب تام لتحديد المسؤولية، وتعذيب وانتهاك للحريات يصل إلى أقصى درجاته، وباستخدام أكثر الوسائل بربرية داخل أقسام الشرطة . ولكن هناك أيضا نوع من المقاومة، من جانب الذين لم يستسلموا بعد، أو الذين يصورهم الفيلم كمعادل درامي للقوى التي تنشد التغيير، وصولا إلى التعبير الجماعي عن الثورة في النهاية
ولكن كيف يعرض الفيلم لكل هذه الجوانب؟



شخصيات الفيلم
الحب دافع للقوة وللتحدي في أفلام يوسف شاهين


الشخصية الرئيسية التي تدور من حولها الأحداث هي شخصية حاتم (خالد صالح) وهو أمين شرطة يسكن في حي شعبي، تجاوره في السكن نور الشابة الحسناء التي تقيم مع والدتها بهية (هالة فاخر) . ونور تعمل بالتدريس في مدرسة تديرها الناظرة وداد (هالة صدقي) والدة شريف (يوسف الشريف) وكيل النيابة الشاب الذي تحبه نور . وتدور الأحداث حول هذا الرباعي الذي سرعان ما يصبح متجانسا تماما رغم الفرق الطبقي الواضح (طبقة نور الشعبية، وطبقة شريف المتوسطة).ما يوحد بين الطبقتين حسب رؤية يوسف شاهين، فهو الوعي الاجتماعي المشترك . والدة شريف تنتمي إلى جيل الحركة الطلابية اليسارية التي تمردت على نظام السادات في أوائل السبعينيات. وهي تعرفت على زوجها الراحل أثناء المظاهرات الطلابية . أما والدة نور فهي "بهية" الإسم ذو الدلالة في أفلام شاهين خصوصا "العصفور"، ابنة الطبقة الشعبية التي تمثل ضمير الشعب والتي لا تفقد وعيها الاجتماعي وسط التدهور العام المحيط بها، وتبدو صلابتها مستمدة من تجربتها الشخصية في الحياة: كفاحها من أجل تربية ابنتها. هذه "الرموز" التي تحفل بها عادة أفلام شاهين القديمة، تعود مرة أخرة هنا لتردنا مجددا إلى ضرورة التعامل مع الشخصية على مستويين هما مستوى الرمز ومستوى الواقع، فالشخصية قد تصبح معادلا لطبقة كاملة أو تيار أو جيل، كما أنها في الوقت نفسه، شخصية من لحم ودم لها ملامحها الواقعية


ازدواجية الشخصيات
ولعل هذه "الازدواجية الدرامية" تتجسد بشكل نموذجي في الشخصية المحورية أي شخصية "حاتم". حاتم أمين الشرطة الفاسد الذي يحكم الحي الشعبي بالقهر والقمع وإشاعة الخوف واساءة استخدام السلطة، هو رمز للسطة الغاشمة
لقد حول مركز الشرطة إلى سجن خاص يسوق إليه كل من لا يلبي له طلباته، أو يخالف تعليماته ولا يستجيب لطلباته، بل وكل من يشعر هو بالحقد عليه لسبب أو لآخر . الشعار الذي يردده أمام الجميع طيلة الوقت هو "إن كل من لا خير له في حاتم، لا خير له في مصر . لقد تحول "حاتم" إلى "حاكم"، وأصبح يربط بين ذاته ومصر على نحو ما كان يفعل الرئيس السادات عندما كان يصف الذين ينتقدونه بـ "الذين يهاجمون مصر"! . غير أن الإشكالية التي يقع فيها الفيلم ترتبط بالسلطة المحدودة لأمين الشرطة (وهو صف ضابط) ضمن سلم السلطة السياسية والبوليسية بشكل عام. ورغم أن الفيلم يجعل الضباط يتسترون على سلوكياته وجرائمه، ويهزمون كل محاولات يبذلها وكيل النيابة الشريف (الذي يسميه الفيلم شريف أيضا إمعانا في الرمزية!) لكشف فساده وإخضاعه للقانون، إلا أن الشخصية بشكل عام تظل أضعف من أن تصبح، في إطار "تركيبة" سينما شاهين، رمزا للسلطة الغاشمة . وربما يكون اختيار كاتب السيناريو ناصر عبد الرحمن وشاهين لشخصية أمين شرطة بدلا من ضابط وسيلة للإفلات من الرقابة التي تعتبر تناول سلوط الضباط الكبار بشكل سلبي من المحرمات
الإشكالية الثانية الاهم في الفيلم تتمثل في سيطرة مفهوم التحليل النفسي على بناء شخصية حاتم . فالقمع الذي يمارسه "رمز السلطة الغاشمة" هنا ليس قمعا له مبرراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، لكنه نتاج للكبت الجنسي وللكبت الاجتماعي، فهو ليس قامعا فقط، بل مقموعا و"ضحية" أيضا
لحظة الاغتصاب نصل فيها إلى ذروة الميلودراما
إنه أولا، ضحية للقهر والفساد، فنحن نعرف في المشهد الوحيد الذي يبدو فيه حاتم إنسانا يبوح لنور بمعاناته، أنه نشأ يتيما، واستولى عمه على أرضه، وعاش في طفولته متنقلا بين بيوت أقاربه الذين كانوا قساة القلب فاساءوا معاملته، وظل دائما يشعر بالجوع، وكان كل شئ حوله ممنوعا. وثانيا: يبدو سلوكه مدفوعا بالدرجة الأساسية، بفعل عقده النفسية المترسبة: إحساسه بقبح منظره، وشعوره المدمر بالكبت الجنسي الذي يدفعه إلى ممارسة كل أشكال السلوك الجنسي التعويضي والمنحرف (يتلصص على نور من فرجة في النافذة بينما تستحم عارية، يمارس العادة السرية، يتسلل إلى مسكن نور لكي يتشمم فراشها وملابسها، يطلب من مصور أن يصنع صورة بالحجم الطبيعي لنور سرقها من منزلها، بعد أن يلصق رأسها بجسد امرأة عارية، ويعلق الصورة أمام فراشه يتأملها كل ليلة). ويصل حاتم في إساءة استغلاله للسلطة إلى الحد الأقصى عندما يطلق سراح عاهرة من السجن لليلة واحدة لكي تساعده على أن يصبح شكله أكثر قبولا لدى نور متضرعا إليها: عايز أكون حلو ياسمية. إزاي أبقي مقبول؟). وتقوم هي بصنع "باروكة" من الشعر المستعار لتغطية صلعته، لكن هذه الباروكة سرعان ما تسقط في صحن الحساء في مشهد مثير للسخرية! وهو يلجأ أيضا إلى بعض "المشايخ" لكي يصنعوا له "حجابا"، أي تعويذة سحرية تجعل الفتاة تحبه، ويلجأ إلى نساء عجائز للسبب نفسه، وعندما تفشل هذه المحاولات، يقتحم أيضا كنيسة يطلب من راعيها أن يساعده في صنع تعويذة محبة، وعندما ينهره القس ويطرده يهدده بأعلى صوته: لن تكون هناك احتفالات هذه السنة إلى أن تحب نور حاتم ابن نعيمة . هذا البعد النفسي الصارخ في تكوين الشخصية، يجعل حتى حصول حاتم على الرشوة أمام الجميع وجشعه الشديد في الاستحواذ على المال، ليس بهدف استكمال إحكام نفوذه عن طريق قوة المال، بل كفعل تعويضي عن الحرمان في الطفولة. وعندما يحرر وكيل النيابة محضرا في الشرطة ضد حاتم بعدم التعرض لنور، نراه في المشهد التالي مباشرة وهو يقيم "حفل تعذيب" للسجناء تنفيسا عن غضبه

مفهوم الواقعية
الإشكالية الأخرى أو الوضع الملتبس الذي يضعنا أمامه يوسف شاهين هنا يرتبط أيضا بمفهوم شاهين عن الواقع، أو بالأحرى عن الواقعية في السينما، ذلك المفهوم النظري الذي يصر على ضرورة رؤية شخصيات "إيجابية" يزرعها زرعا في الفيلم من أجل ان يقول لنا إن الحاضر الفاسد سيخرج من جوفه ذلك البطل الإيجابي الذي يقود المجتمع نحو التمرد والثورة والاحتجاج والغضب، ويتصدى للفساد ويهزمه بصحبة الجماهير. هذا المفهوم النظري الرمزي جسده شاهين من قبل في "العصفور" عندما جعل بهية تخرج صارخة ترفض الهزيمة يوم 9 يونيو/ حزيران 1967، ويخرج الناس وراءها يحاصرون اللصوص الذين كانوا ما زالوا يواصلون نهب مؤسسات الدولة حتى بعد أن كشف عبد الناصر في خطاب التنحي الشهير حجم الهزيمة. أما هنا فيتجسد مفهوم شاهين في تصويره لشخصية بهية المرأة الشعبية، باعتبارها تقدمية تاخذ دائما حقها بيدها، فهي أولا غير محجبة على خلاف ما هو سائد في الأحياء الشعبية، وكذلك ابنتها نور، وهي أيضا ترفض فكر الإخوان المسلمين بعد أن تتوجه لطلب المساعدة من مرشحهم لكنه يكتفي بأن يقول لها " فعلا نحن الحل.. لو ساعدتمونا سنساعدكم.. ولو أعطاكم منافسونا مالا فهو حلال عليكم.. صوتكم معنا هو الطريق إلى الجنة". وتخرج بهية من مكتب مرشح الإخوان لتقول لابنتها إنها لم تفهم اللغة التي تكلم بها الرجل، وهذا خلافا للحقيقة والواقع، فجاذبية الإخوان الأساسية تعتمد على خطابهم البسيط إلى أقصى درجة، الذي يملك الردود الشاملة على كل التساؤلات. ثانيا يخلق شاهين شخصيات إيجابية من الطبقة الوسطى مثل وكيل النيابة الشريف الذي يتصدى للفساد حتى النهاية، يقتحم مركز الشرطة بسيارته ويحطم بوابتها، ويطلب أن يدخل زنزانة الحجز فيستجاب لطلبه من مأمور المركز وكأنه ضمير الأمة الذي لا تستطيع أي قوة أن تقف في وجهه، ثم يقود الناس في النهاية لاقتحام المركز والقبض على حاتم واخراج المحتجزين في إشارة واضحة إلى "ثورة" قادمة تتحقق هنا على الشاشة فقط بالطبع، إما كدعوة أو كأمنية
يخلق شاهين شخصيات إيجابية من الطبقة الوسطىا

البناء السينمائي

من ناحية البناء السينمائي يبدأ الفيلم بداية جيدة قوية تضعنا مباشرة في قلب الموضوع، ينتقل خلاله بسلاسة من مشهد إلى آخر، لكنه يتوقف أكثر مما ينبغي أمام مشهد مجموعة من العاهرات في الحي الشعبي يعرضن أجسادهن من فتحة في جدار لمن يدفع من الشباب، يرقصن ويستعرضن أجسادهن في تصوير إيروتيكي يعد إغراءَ دراميا، لكنها صورة لا نظير لها في الواقع. مشاهد التعذيب في السجن دقيقة ومقنعة تماما، والحوار في الفيلم بشكل عام من أفضل ما سمعناه في أفلام شاهين، خصوصا الحوار الذي يرد على لسان الشخصية الرئيسية حاتم. غير أن الفيلم في نصفه الثاني يعاني من الاستطرادات والإطالة واختلاق مشاهد لا تضيف شيئا إلى السياق، وتكثر فيه المبالغات والمفارقات المصنوعة صنعا مثل اختطاف نور والذهاب بها في قارب في النيل إلى منطقة ريفية، ثم محاولتها الفرار بالقاء نفسها في النيل، ثم قيام حاتم بانتشالها ثم ضربها بعنف داخل كوخ حتى تفقد وعيها، ثم اغتصابه لها أخيرا رغم أن الفيلم يوحي لنا في بداية المشهد بعجزه أمامها وبأنه سيقدم على الانتحار بعد أن يصوب المسدس إلى وجهه، لكنه لا يفعل بل يغتصبها ويغادر المكان، فتخرج هي والدماء تلطخ ثوبها تستنجد برجلين في قارب

مشاهد ساذجة
تنفيذ هذه المشاهد ردئ، ولغة السرد هنا ساذجة ومدرسية لا نعرف كيف يمكن أن يقبل بها شاهين المعروف بحرفيته السينمائية العالية وقدرته الفذة على تنفيذ المشاهد السينمائية من الناحية الحرفية والتقنية. وهذا أيضا شأن المشاهد التي لا نرى لها ضرورة درامية حيوية في سياق الفيلم مثل المشهد الذي نرى فيه حاتم سكرانا داخل مسكنه يردد كلمات أغنية أم كلثوم الشهيرة "الأطلال"، وهو مشهد ردئ وإيقاعه يصيب الفيلم بالترهل ويقطع التدفق، فضلا عن أننا لا نتوقع من "حاتم" أن يردد قصيدة من الغناء الرفيع، بل أغنية من الأغاني السوقية المنتشرة حتى يصبح أكثر اتساقا مع شخصيته
وبدت شخصية "سيينديا" خطيبة شريف، زائدة ويمكن استبعادها من الفيلم دون أن يتأثر بل ربما يعتدل ايقاعه وتتسق شخصياته، فهي نموذج للفتاة المستهترة التي تقيم علاقة جنسية مع خطيبها وتحمل منه، لكنها أيضا مدمنة مخدرات، تغشى المراقص، ترسم وشما على جسدها، وترقص باستهتار وخلاعة في النوادي الليلية مع شاب آخر، ثم تتخلص من الجنين بعد احتجاج شريف بخشونة على سلوكها، ولكنها تعود لتقول إنها لازالت رغم ذلك تحبه! . مثل هذه الشخصية تشكل عبئا ثقيلا على الفيلم وتبدو من خارجه تماما، فبنات الطبقة الجديدة لم يعدن على شاكلة الشخصية التي لعبتها نادية لطفي في فيلم "النظارة السوداء". ان البحث عن مبررات صارخة هو ما يفسد عادة الدراما ويجعلها تنحرف في اتجاه الميلودراما، فنجد كل أنواع المبالغات: المشاهد الجنسية المجانية، وتصاعد الخلاف فجأة بين شريف ووالدته وملامح علاقة أوديبية طويلة بينهما بعد وفاة الأب، ثم يعلن الابن تمرده عليها ولغادر البين ليقيم مع صديق له، وهو ما يشكل قفزة غير مبررة في سياق الفيلم ولا تخدم شيئا في سياقه: هل هو التأكيد على صراع الأجيال واختلافها! .يتحسر شاهين في فيلمه على انهيار التعليم (نور لا تعرف الانجليزية رغم تخرجها من الجامعة) وانهيار الوعي الثقافي (حاتم يمزق لوحة نادرة لأنه لا يستطيع نزعها من الإطار لبيعها لتاجر مراوغ)، وسيادة الخرافة والشعوذة، وينتقد سيطرة الحزب الوطني الحاكم على السلطة، ويشير إلى دور "لجنة السياسات"، ويجعل الجماهير الغاضبة في النهاية تقذف الأحجار وتهتف ضد الظلم و"البلطجة" ومخالفي القانون، ويتم وقف مأمور المركز وضابط المباحث عن العمل، وتكاد الجموع تفتك بحاتم لكنه يطلق النار على شريف (في مشهد آخر وتفصيلة أخرى لا ضرورة لها)، ثم يجعل حاتم ينتحر. هنا تصل الميلودراما إلى ذروتها ويفقد الفيلم الكثير من قوته وإقناعه بعد أن يتحول إلى "سيرك" تتداخل فيه عشرات المواقف والشخصيات والأصوات والموسيقى الزاعقة، وتصبح قدرة المتفرج على تحمل هذا كله أمرا صعبا


النظرة إلى المرأة

ثورة سكان الحي الشعبي نبوءة أم أمنية؟
نظرة شاهين الخاصة إلى النساء باعتبارهن الأكثر حساسية وقدرة على التعبير عن الغضب والاحتجاج تجعله يجعل الناظرة وداد، والأم بهية القوة الأكثر تحريضية، وهما تقودان المظاهرة الهائلة التي تخرج من الحارة الشعبية في النهاية وتقتحم مركز الشرطة بعد أن يعلم الجميع باغتصاب نور.هذه النظرة "الرومانسية" تجعل من شخصية "نور" هنا امتدادا لشخصية تفيدة (ماجدة الرومي) في "عودة الإبن الضال"، وحنان (حنان ترك) في "الآخر". لكن الملاحظ أن شاهين برع أكثر في تصوير الشخصيات المنكسرة منه في تصوير الشخصيات المتماسكة الإيجابية، فبطله المتمزق في فيلم "الاختيار" يظل نموذجا محفورا في الذاكرة، وكذلك "علي" في "عودة الإبن الضال"، و"يحيي" في "اسكندرية ليه"

التمثيل والممثلون

ولكن يبقى في الفيلم الأداء الممتاز لأبطاله. على رأسهم بالطبع خالد صالح الذي يحمل الفيلم على كتفيه، في دور حاتم
إنه يطوع الشخصية التي يؤديها لثقافته وحسه الخاص، يتحول إلى وحش كاسر في ثانية، ثم في اللحظة التالية، قد يتحول إلى قط وديع يكاد يقنعك بلطفه ورقته. هذا الانتقال البارع بين الوداعة والتوحش، وبين الرمز والواقع، وبين الأداء الدرامي الصاخب، والمناجاة الشخصية المؤلمة، تجعل خالد صالح أحد أكبر الممثلين في السينما الناطقة بالعربية
هناك إضافة إلى ذلك شئ "نبيل" في أداء خالد صالح، شئ ذز صلة بالثقافة التمثيلية، ثقافة التقمص المسرحي، والعيش داخل الشخصية، وفي الوقت نفسه، القدرة على منحها شيئا نبيلا . وهناك أيضا بعد "أنثوي" في تكوين الشخصية، لاشك أنه مقصود للكشف عن جانب من جوانب تمزقها وضعفها وترددها الذي تستره بالإفراط في القوة والجبروت
إلى جوار خالد صالح هناك بطلة الفيلم الممثلة الصاعدة بقوة منة شلبي، التي بلغت هنا ذروة جديدة في الأداء السلس البسيط الآثر، بقدرتها الهائلة على التعبير بالوجه والعينين، والتحكم في حركة اليدين والجسد، وقدرتها الفائقة على استخدام صوتها، والتلون من التعبير عن الحب إلى الكراهية والشفقة والحزن والغضب . ولاشك أيضا أنها تضفي على الفيلم جمالا خاصا بأدائها وحلاوة تعاملها مع الشخصية، إصرار مع رقة، واقتحام بدون فظاظة، وجرأة مع خجل فطري أنثوي جميل. ويتميز الممثل الصاعد يوسف الشريف أيضا في دور وكيل النيابة الشريف الذي يتصدى للقهر كنموذج لبطل فردي متمرد على نظام بأكمله أراد له شاهين ألا ينهزم حتى يمنح مشاهديه الأمل ولو على حساب الواقع. وعبر الفيلم، واتساقا مع ذلك "الأمل" المنتظر، يعلن شاهين موقفه السياسي بوضوح لا لبس فيه، فهو يرفع لافتات التأييد باللون الأحمر لمرشح اليسار الناصري حمدين صباحي، وخاصة في اللحظات التي يتكثف فيها الصراع، وكأن شاهين يقول لنا إن حمدين وأمثاله هم الأمل في مجتمع أفضل




عن البي بي سي العربي

ليست هناك تعليقات: