الثلاثاء، أغسطس 21، 2007

اغتراب المثقف بقلم سعيد اللاوندي وتعقيبب

لقطة من فيلم " البنات دول " لتهاني راشد .احد اهم الافلام الوثائقية التي تعرض لأولاد الشوارع في مصر


مختارات ايزيس

اغتراب المثقف‏


‏بقلم : د‏.‏ سعيد اللاوندي


وصلتني من السفير محمود عزت سفير مصر في سيراليون‏(‏ الواقعة في غرب إفريقيا‏)‏ رسالة يطرح فيها قضية صعبة ومؤلمة في آن واحد، تتعلق بحالة اغتراب المثقف ، وذكرني هذا الدبلوماسي المثقف بأيام خوال من حياته، كان يجلس فيها مع نفر من المثقفين المصريين ، يجترون فيها ذكرياتهم مع القراءة‏.‏وأشار إلي الحوارات والمناقشات التي كانوا يقطعون فيها سحابات النهار، حتي وقت متآخر من الليل‏,‏ يعرض كل منهم للأفكار التي قرأها لهذا الكاتب أو ذاك‏,‏ وكانت تطوف شتي ألوان المعرفة، من فلسفة واجتماع وأدب وسياسة وعلم نفس‏,‏ وجمال‏..‏ إلي آخر هذه العلوم التي تعتبر ركنا‏(‏ ركينا‏)‏ في تكوين المثقفين في الجيل الماضي والأجيال السابقة‏.‏ ويقول في حزن‏:‏يبدو لي أنني عندما استدعي هذه الذكريات ، أشعر وكأني من أبناء عصر غابر‏!‏والحق أن هذه المعاناة التي يتحدث عنها السفير محمود عزت يحملها مثقفون كثر في صدورهم وبين حنايا ضلوعهم، بسبب حالة الاغتراب التي تدهمهم، وتجعلهم يشعرون بأنهم من جيل‏(‏ طويت صفحته‏!)‏ علي أقل تقدير، حتي لا نقول ذاب وانتهي وانقرض، وكأنه الديناصور‏!‏فشباب اليوم لا يقرأ‏,‏ وإن قرأ فلا يذهب بعيدا عن سيناريوهات هاري بوتر، التي لا تسمن ولا تغني من جوع‏,‏ ولذلك فمن الصعب أن تجد بين شباب اليوم من يعرف الأعلام والقامات الكبري التي أنشأت الأدب والفكر المصري والعربي الحديث‏..‏ فعباس العقاد الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس في زمانه‏,‏ ليس أكثر في عقول الشباب من اسم شارع في حي مدينة نصر‏,‏ وطه حسين ـ كما قال أحد طلبة جامعة الأزهر ذات مرة ـ هو ـ علي أقصي تقدير ـ مؤلف فيلم دعاء الكروان‏.‏ أما توفيق الحكيم فهو خواجه يعتمر البيريه، ويجلس علي مقاهي المعاشات مع العشرات بل المئات من البشر‏..‏ما يذكره السفير محمود عزت هو حق لا ريب فيه‏,‏ فمثقفو الأمس يعيشون في غربة قاتلة‏,‏ تكاد تزهق الأرواح‏(‏ يأسا وقنوطا‏)..‏ وإذا صادف أحدهم الآخر‏,‏ غمر الفرح قلبيهما ولو لبعض الوقت، لأن هذا معناه كسر واختراق الشعور بالانعزالية الذي فرضه مجتمع اليوم علي شيوخ المثقفين، الذين لم يعد أحد يتحدث لغتهم‏:‏ لغة المتن‏(‏ لا الحواشي‏)‏ والمعاني‏(‏ لا الألفاظ‏)‏ والأصيل‏(‏ لا الوافد‏)..‏ومن المفارقات أن جيل اليوم يعيش‏(‏ امتيازا‏)‏ لا يقدره‏,‏ ويجهل معناه‏,‏ فالكتاب بات يطرق الأبواب عبر مشاريع ضخمة مثل مشروع القراءة للجميع‏,‏ ومعلوم أن الأجيال السابقة كانت تذوق الأمرين بحثا عن الكتاب والمجلة والجريدة‏..‏ ناهيك عن رفاهية أخري‏..‏ رفاهية النت وشبكة المعلومات الدولية التي لا تكلف الشخص أكثر من‏(‏ لمسة حانية‏)‏ علي جهاز الكمبيوتر، فتتدفق سيول من المعارف‏..‏ ورغم ذلك فالأمية المقيتة تتفشي بين جيل الشباب‏.‏ ومن عجب أن السماء المفتوحة‏(‏ في الميديا والثقافة‏)‏ تعمق إحساس الشيوخ بالاغتراب ،وكأنهم ينتمون إلي عصر الحفريات‏,‏ كما تزيد من تسطيح شباب اليوم، الذي تأففوا عن السير في طريق الثقافة الجادة وارتاحوا إلي ثقاقة الطعام السريع‏..‏ فكانت النتيجة المؤلمة، أن خسرنا الشيوخ والشباب معا



تعقيب


علي المقال، والوضع الثقافي في مصر


هز وسطك ياوز، وتعال نرقص يابابا



بقلم صلاح هاشم



يكتب هنا د. سعيد اللاوندي رفيق رحلة باريس الحياة والثقافة، والعمل والكتابة حيث تزاملنا في مكتب الاهرام في باريس خلال فترة العشر سنوات التي قضيتها وانا اكتب ل " الاهرام الدولي " في السينما من العاصمة الفرنسية
وكنت بدأت احرر زاوية أسبوعية للسينما بعنوان " شاشة باريس 94 " في " الاهرام الدولي " منذ عام 1994 واكتب فيها كل يوم أربعاء ،عن الافلام والمهرجانات والحياة السينمائية في فرنسا وخارج فرنسا، بتكليف من الزميل شريف الشوباشي مدير المكتب آنذاك، وظلت تلك الزاوية قائمة من عام 94 الي مايو 2002 حتي حضورالصحافية ليلي حافظ من مصر، وتوليها لادارة المكتب، ثم اغلاق مكتب الاهرام في باريس في مابعد .يكتب د. اللاوندي عن جيله جيلنا، الذي تجاوز الخمسين او اكثر، يكتب عن غربته ،وغربتنا جميعا، وصدمته حيال الوضع الثقافي العام في بر مصر العامرة بالخلق، بعد ان عاش اكثر من عشرين عاما في باريس، ثم عاد الي مصر ليكتشف بنفسه كيف صار حالها الثقافي الي خراب مخزي. وكنت اود ان يضيف د. اللاوندي الي توصيفه للظاهرة في مقاله هذا ، تحليله لأسبابها، ومن ضمن ذلك تدهور التعليم العام في مصر، والمنع والحجر في فترة علي اراء وافكار المثقفين الوطنيين ( أبناء رفاعة ) وتهميش دورهم، فصارت الساحة مباحة للجماعات الدينية المتطرفة، وليس لاهل الفكر والتنوير. ومع انتشار البطالة ، وتردي الاوضاع الاقتصادية ، حتي صرنا نأكل ونشرب في مصر بالدين وبفضل المعونات الامريكية الخارجية،ومع تدهور مقومات الحياة الحرة الكريمة في مصر منذ بداية " الانفتاح الاقتصادي" في عهد السادات في بداية السبعينيات ولحد الآن ، مما دعا الي ظاهرة " الخروج الكبير " الذي نعرفه، والهجرة خارج البلاد. تلك االهجرة التي أدت الي تفكك الاسرة المصرية، وتشرد ابنائها في دول الخليج والسعودية( ماذا حدث للمصريين؟ ) ، ثم عودتهم الي الوطن بقيم غريبة علي المجتمع المصري ومستهجنة ، قيم المظهرية الفارغة، علي حساب قيم العلم والثقافة والتعليم، التي ربما تكون دخلت الآن في مصر متحف التاريخ ودار الآثار المصرية ، بعدما نشأ وتربي وكبر جيل من الشباب علي هذه القيم المادية المظهرية الجديدة ، ولم يعد يهم أحد في مصر البلد ماذا تعمل، بل كم تكسب ، ولايهم العمل الذي تعمله، وصار من الصعب الآن علي اي خريج في الجامعات المصرية الكثيرة التي انتشرت مثل انتشار النار في الهشيم الجاف، حتي صارهناك جامعات في القليوبية والمنوفية والغربية ،وحتي بلاد الواق الواق داخل واحات واقاليم ومحافظات مصر كلها، وعلي الرغم من كثرتها ، وتخرج الآلآف فيها، أصبح من الصعب علي اي خريج ان يجد عملا ، اذا لم يكن قد تخرج في احدي الجامعات الامريكية، او معاهد اللغه الخاصة ،و كانت النتيجة أن تكوم الآن في الاركان شباب مصر، المتخرج في جامعاتها الاهلية في كل ناحية. وبتدهور التعليم علي الرغم من كثرة الجامعات، وباختفاء جيل اساتذتنا الكبار داخل وخارج الجامعة ، وباختفاء "القدوة" علي كافة المستويات، وانتشار قيم الفساد والنهب وسرقة اموال الشعب وترك الهاربين الي الخارج بأمواله من دون مقاضاة او حساب ، لم يعد من المكن الآن لمشروعات " حكومية " مثل مشروع القراءة للجميع علي الرغم من اهميته وضروريته، ان تعيد الشباب الي حظيرة القراءة، وهو اصلا مفلس وعاطل ويعيش عالة علي أسرته، و بعد ان اصبحت شاشات التلفزيون العربية تستحوذ ايضاعلي عقول شبابنا، وتعمل علي استقطابهم بكليباتها المثيرة الرخيصة، والمحفزة للشهوات والغرائز، ومسلسلاتها المكررة المعادة الجديدة القديمة، التي ترفع يافطة " ممنوع التفكير. علام التفكيرياولد ؟ هز وسطك ياوز. تعال نرقص ونغني يابابا " وصارت افلامنا المصرية المعطوبة، لاهي افلام ولا هي مصرية وفي طريقها لأن تصبح " خليجية ".صارت في اغلب انتاجاته مسخا " زبالة " ، ويستحق اغلبها ان يلقي به الي سلال المهملات . كنت اتمني لو ان صديقي د. سعيد الاوندي كتب اكثر مماكتبه هنا، مكتفيا فقط بالتوصيف، لوضع ثقافي نعرفه جميعا
صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: