الاثنين، أبريل 09، 2007

سمير فريد يحكي عن عبد الحليم حافظ مطرب جيل

عبد الحليم مطرب جيل الستينيات في مصر


مختارات ايزيس


لم يكن فاعلا ومؤثرا في الحياة السياسية كما صورته الافلام



لن يبقي من عبد الحليم الا الاعمال التي صنعت من القلب وليس جلد الرأس




سمير فريد يكتب عن عبد الحليم حافظ





اكتشفت جمال فن أم كلثوم وعبدالوهاب متأخرا بعد سن الأربعين، أما في سن المراهقة وحتي عشرينيات العمر فقد كنت عاشقا لفن فريد الأطرش من خلال أفلامه القديمة، وفن عبدالحليم حافظ في العروض الاولي لأفلامه الجديدة، فعبدالحليم هو مطرب شبابي بكل معني الكلمة، بل هو مطرب جيلي كله، جيل الستينيات من القرن الميلادي الماضي.

كنا نردد أغانيه عن الحب، وكذلك أغنياته عن الثورة وعبدالناصر التي كانت تقدم في مناسبات الاحتفال بعيد الثورة في نادي الضباط بالزمالك، من تأليف صلاح جاهين وألحان كمال الطويل، وعندما بدأت الكتابة عن السينما عام 1965، وحتي وفاة عبدالحليم حافظ عام 1977 لم يمثل غير فيلمين في هذه الفترة (معبودة الجماهير اخراج حلمي رفلة 1967) وابي فوق الشجرة' اخراج حسين كمال .1969وطوال هذه الفترة (12 سنة) لم ألتق بالفنان الكبير أبدا.. فمن ناحية لم أكن أهتم باللقاء مع النجوم، وإنما مع المخرجين، ولم أرتبط بصداقة حقيقية الا مع سعاد حسني. ومن ناحية اخري كانت هزيمة 5 يونيو قد وقعت عام 1967، وأصبحت أشعر أن أغاني المناسبات السياسية التي قدمها عبدالحليم حافظ كانت جزءا من الخديعة الكبري التي تجسدت يوم الهزيمة.. ومثل أغلبية نقاد السينما الجدد في الستينيات كان المقياس الاساسي للأفلام المصرية الجديدة في فترة ما بين الحربين (1967 ­ 1973) ان تساهم في المعركة من أجل تحرير الأرض.

وعندما عرض 'أبي فوق الشجرة' عام 1969، وحقق ما حققه من نجاح واقبال جماهيري لم يكن له مثيل من قبل في كل تاريخ السينما المصرية، اعتبرته ذروة أفلام 'تغييب الوعي'، والهاء الناس عن فهم ما حدث يوم 5 يونيو، والاستعداد لما حدث بعد ذلك يوم 6 أكتوبر 1973، من انتصار عظيم، ويومها نشرت أن هذا الفيلم أقل من أن يكتب عنه اي نقد، ولايساوي ثمن الحبر الذي يكتب به مقال عنه.

وبدا 'أبي فوق الشجرة' من ناحية اخري نهاية مخرج كبير هو حسين كمال الذي كان قد أخرج افلامه الثلاثة الأولي بالأبيض والأسود (المستحيل والبوسطجي وشيء من الخوف) وبدأ مع 'أبي فوق الشجرة' اخراج اول أفلام بالالوان وأول أفلامه 'التجارية' في نفس الوقت. وكان حسين كمال من الاسماء التي يتطلع إليها الجميع كأحد المواهب الكبري القليلة التي يمكن ان تصنع 'ثورة' في عالم المسرح وعالم السينما معا.

يومها علق الصحفي الكبير مفيد فوزي في صباح الخير علي رأيي في 'أبي فوق الشجرة' وتساءل لماذا يحتقر ناقد شاب مثل سمير فريد الجماهير التي اقبلت علي مشاهدة الفيلم، وقال أليست هي ذاتها الجماهير التي تقف وراء الرئيس عبدالناصر، ورغم شعوري بالخوف مما نشر في 'صباح الخير' اذ كان من السهل انذاك اعتقال اي صحفي، او فصله، أو منعه من السفر، وغير ذلك من وسائل القهر، فقد أرسلت ردا نشره الأستاذ مفيد، وقلت فيه أن روايات المخبر السري ارسين لوبين تباع بالآلاف، بينما لاتبيع كتب طه حسين غير مئات النسخ، ومع ذلك فهذا لا يعني ان روايات ارسين أكثر قيمة من كتب طه حسين.

جرت أكثر من محاولة لعقد لقاء بيني وبين عبدالحليم حافظ، ولكني اصبحت أنفر منه، وازداد نفوري عندما علمت من شادي عبدالسلام واقعة معينة، فقد روي لي انه كان يعمل مساعدا للاخراج مع صلاح ابوسيف في فيلم 'الوسادة الخالية' عام 1959، وذات يوم طلب منه ابوسيف ان يذهب لايقاظ عبدالحليم حافظ من النوم ويأتي به الي مكان التصوير، فلما ذهب قذفه عبدالحليم حافظ بساعة منبه في وجهه. مما أدي إلي تحطيم نظارته الطبية، وكان من الممكن ان يتناثر زجاج النظارة في عيني شادي، ولكنه لم يصب بسوء والحمد لله، قال لي شادي ان عبدالحليم اعتذر بشدة بعد ذلك، ولكنه لم ينس هذا الموقف أبدا.

كان مطرب شبابي الذي غنيت معه للحب، وبكيت لما تعرض له من ظلم في أدواره السينمائية التي عرف بها، قد أصبح صديقا لملك المغرب الحسن الثاني يغني له 'جئت المغرب لأشاهد الماء والخضرة والوجه الحسن' ومغنيا في حفلات شيوخ الكويت وهو يرتدي الزي الكويتي، واصبح يتعالي حتي علي جمهوره وهو يغني في الحفلات. ومع ذلك حزنت عليه فقد حزنت عليه حزنا شديدا يوم وفاته، فهو جزء من حياتي مثلي مثل الملايين من المصريين والعرب. كنت في فندق كاليفورنيا في شارع المدارس بالحي اللاتيني في باريس، وكان لويس عوض يقيم في نفس الفندق، وكان فندقه المفضل، وهو الذي أرشدني إليه، وصباح يوم وفاة عبدالحليم حافظ دق استاذي العظيم باب غرفتي، وأبلغني بالخبر الفاجع قائلا انها خسارة كبيرة. كنت وقتها رئيسا لتحرير جريدة 'السينما والفنون' الاسبوعية التي كانت تصدر عن دار التحرير، وعدت الي القاهرة في نفس اليوم، واصدرت عددا خاصا عن عبدالحليم حافظ، وكانت الجريدة بحجم الجريدة اليومية العادية، وجعلت الصفحة الاولي كاملة صورة لنعش عبدالحليم حافظ يحيط به عشرات الالاف في ميدان التحرير.

ومن وقائع ذلك اليوم الحزين، يوم وفاة عبدالحليم حافظ، مقال الاستاذ الصحفي الكبير محسن محمد في جريدة الجمهورية التي كان يرأس تحريرها، وقوله أن المغني نجم عصره 'يمثل' انه مريض حتي يثير عطف الناس عليه، ولا أنسي اللقاء الاخير بيني وبين سعاد حسني قبل رحلتها الي باريس للعلاج، وهي الرحلة التي امتدت إلي لندن، ولم تعد منها، ففي تلك الليلة قدمت لي صورة من التقرير الطبي عن حالتها، وطلبت مني نشره اذا قال أحد أنها 'تمثل' دور المريضة كما قيل عن عبدالحليم حافظ.
وأكثر ما يلفت الانتباه عن عبدالحليم حافظ في السنوات الأخيرة والتي شهدت انتاج أعمال درامية في السينما والتليفزيون عن حياته، أنه يبدو من خلالها وكأنه كان شخصية سياسية او لاعبا مؤثرا في الحياة السياسية في مصر في عهدي الرئيس عبدالناصر والرئيس السادات، وهذه صورة كاذبة تماما، فأغنياته في المناسبات السياسية لاتعني اكثر مما تعنيه سواء كان فيها مؤمنا بصدق بما يردده، او كان يريد أن يحمي نفسه من بطش السلطة ليبدع كما قال لويس عوض عن نجيب محفوظ، وهو في ذلك لايختلف عن غيره من المغنين في أغنياتهم في المناسبات السياسية في العصر الملكي أو العصر الجمهوري.

وعلي أية حال أغنيات المناسبات تنتهي مع نهاية هذه المناسبات، مثل شعر المناسبات وأدب المناسبات، ولا يبقي من كل مبدع في كل مجال الا الأعمال التي صنعت من القلب، وليس من جلد الرأس، وقد غني عبدالحليم حافظ الكثير من الأغنيات من قلبه، وهي التي لا تزال تصل إلي كل القلوب، وسوف تظل تصل إلي كل القلوب.

عن " أخبار النجوم " في 24 مارس 2007

ليست هناك تعليقات: