الأحد، ديسمبر 22، 2019

مايقرب السماء من الأرض بقلم صلاح هاشم.فقرة من تقرير الى كازانتزاكيس "

فقرة من ( تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس )

ما يقرب السماء من الأرض



نيكوس كازانتزاكيس

لقطة من فيلم " زوربا اليوناني " بطولة أنطوني كوين المأخوذ عن رواية " زوربا اليوناني " لنيكوس كازانتزاكيس
بقلم
صلاح هاشم

سألني صديقي : حدثنا يامولانا عن الذكر ؟
وكان يحب أن يناديني بمولانا، ويطلب أن أحكي له عن طفولتي، في حينا العريق "قلعة الكبش " بالسيدةزينب.
فجأة ياكزانتزاكيس.طافت بذهني عدة صور من طفولتي،وتذكرت كيف كان جدي الحاج سيد محمد مرزبان، يصطحبني الى المسجد الكبير. مسجد أحمد بن طولون،.وكيف تحول المسجد الى طاسة دماغ الحي..




كان " جامع أحمد بن طولون "مرتعا لطفولتنا في حي " قلعة الكبش " ومنجم ذهب.فرض سطوته، بتلك الخيمة، التي جعلنا نعيش تحتها..
ونحن نتأمل في أشجارها الحسان ،.

فقد حكم المسجد، أو حكم الزمان، من خلال حضور الجامع، وهيمنته، أن يكون لكل واحد منا، نحن الأطفال الأشقياء في الحي طفولتين .
الطفولة الحقيقية ،ثم طفولة أخرى من إختراعه.
حتى أن القصص والحكايات المتداولة في الحي، تلك القصص والأساطير المشوقة ،،حول شخصية الوالي"احمد بن طولون"، وشخصيات تلك العائلة أو " الدولة " الطولونية، التي أسسها في القرن الثامن، أصبحت قطعة من ذاكرة الحي،
وكنت أريد أن أعرف عن تلك " الدولة " - القطائع -التي أسسها جدنا الأكبر أحمد بن طولون كل شييء

حدودها وقصورها وأبوابها وأنا سها وشعبها، وأردت لهذا الشعب أن يسكن رأسي ، يصبح طاسة فيها ،حين تقلبها ،تطلع منها، كل الحكايات..

وكنت على يقين، وأنا في تلك السن الصغيرة- وأنا إبن 3 سنوات- بأنني قد اؤتمنت على ذاكرتها، وأن حينا "صرة"السيدة زينب، و لكل شارع من شوارعه قصة، من ساعة ماجاء نابليون الى مصر، ثم هرب منها، بعد أن تكسرت أحلامه في خليج أبو قير.

فقد جاء وقت لهذه الضاحية التاريخية المنسية والمهجورة، كنت تستطيع أن ترى فيه،من فوق، من " منتزهات الكبش" كما كانت تسمى آنذاك، تلك القواب المحتشدة بالأفراح، وهي تشق صفحة النهر

" الذكر" هو ياكزانتزاكيس. ردا على سؤالك ياصديقي، نوع من" الإنشاد الصوفي " الذي يقرب السماء من الأرض، كما في قصائد الزن اليابانية ،التي تشبه كثيرا القصص الرمزية الموحية، التي تطمح ألى أن تكون ، أكثر من القشرة الخارجية الجوفاء، الملساء
أكثر التماسا للحقائق ، وأكثر ارتباطا بالأرض، وأن يظل سحرها مفتوحا ،لهؤلاء المشاءين الكبار، من أقطاب الصوفية ، وحكماء فلسفة الزن اليابانية، كمدرسة متفردة من المدارس البوذية في العالم.

ولو أنك قرأت بعض قصائد الزن، وقارنتها بقصص بعض المتصوفة، كما في قصص حكمة الطير للعطار، لوجدت أن هناك تطابقا ، يكاد يكون كاملا ،بين قصص الدرويش من المتصوفة وقصائد الزن،

على مستويات الرمز، وتفاصيل العمل والتجربة، ثم المحصلة النهائية، نتيجة اصطدام الروح بالعالم في نوع من " المجابهة"،ومحاولتها كشف الستار عن رموز و إشارات وأسرار" روحانية " أيضا، في بحر الحياة الكبير.
أليس القصد من تلك القصص، تقريب السماء من الأرض؟

ولما سأل أحدهم : مولانا جلال الدين الرومي، لماذا ترقص الملائكة في السماء، إذا أرادت أن تخاطب الله،أو المطلق ؟
قال مولانا جلال الدين، لأن الملائكة بلا لسان، ولم يجدوا أفضل من الرقص، لمخاطبة المطلق، وذلك النورالساجي، والروح التي تجاهد، وهي تقاوم ريح الفناء، وتمتحن من خلال النضال، كما تقول يا كزانتزاكيس في كتابك " تقرير الى الجريكو"، تمتحن قدرتها على التحليق
للحاق بالسحب المسافرة الراحلة..

سأل الصديق :
- الى بعيد يامولانا؟
قلت:
- أجل ، بعيدا جدا ياصديقي عن هنا.

( يتبع )
صلاح هاشم


ليست هناك تعليقات: