الأربعاء، ديسمبر 25، 2019

آلان ديلون تكريم " أسطورة " سينمائية حية بقلم صلاح هاشم


شخصيات ومذاهب سينمائية

 آلان ديلون : تكريم " أسطورة" سينمائية حيّة
 بقلم


من أهم وأبرز الأحداث التي شهدها مهرجان " كان " السينمائي الدولي الثاني والسبعين الذي عقد في مدينة " كان " الفرنسية في أقصى الجنوب الفرنسي في الفترة 14 الى 25 مايو..

 تكريم النجم الفرنسي الكبير آلان ديلون الأسطورة( 83 سنة ) الذي يعتبرأشهر من الرئيس الفرنسي شارل ديجول في العالم، ولايضارعه في شهرته، إلا برج إيفل، كرمز لفرنسا، معمارها وعزها وفنها، و " الباجيت " الفرنسي الشهير، والذي شاهد أفلامه- أكثر من 80 فيلما من بطولته،وإخراجه وإنتاجه- أكثر من 350 مليون متفرج في العالم، ومنذ أن ظهر ذلك الممثل الفرنسي العصامي، المتمرد، صاحب الوجه الارستقراطي الملائكي، الذي ولد في أسرة  فرنسية فقيرة- أم خادمة وأب جزار - وتربى في حضن الملاجيء، والذي لم يتعلم، ولم يدرس التمثيل، في مدرسة أو دورة تدريبية أو معهد..

ظهرفي أول أفلامه " في وضح الشمس " -  PLEIN SPLEIL- من اخراج رينيه كليمان، كي يصعد في قفزة فنية عملاقة، الى قمة سلالم الشهرة والمجد، ويصبح في التو- ليس فقط في فرنسا ،ولكن في مصر أيضا، في قارة افريقيا، وفي اليابان في قارة آسيا، وأينما وجدت قاعات السينما، مثل قاعة سينما إيزيس في مصر، التي شاهدت فيها في فترة الخمسينيات أفلام آلان ديلون " البوليسية" في صحبة عمالقة التمثيل في فرنسا آنذاك، من أمثال جان جابان وجان بول بلموندو ولينو فينتورا وغيرهم، كما في فيلم " العشيرة الصقلية" -  LE CLAN SICILIEN- من أروع أفلام " العصابات " التي ظهرت في تلك الفترة..

   ترويض .." الوحش "


 يصبح " نجما " يشار اليه بالبنان،كعلامة " فارقة"من علامات السينما الفرنسية الحديثة، في فترة الستينيات، وفي أعقاب ظهور " الموجة الجديدة" في فترة الخمسينيات في السينما الفرنسية، فقد كان يكفي، كما يقول عنه المخرج الايطالي الكبير أنطونيوني ، كان يكفي أن ترى آلان ديلون، وهو يمشي- ولايمثل ابدا - ويسير فقط في أي فيلم يضطلع ببطولته.. لكي تحبه في التو .

 ولذلك لم يكن غريبا ،أن تسارع أستوديوهات وصناعة السينما الأمريكية في هوليوود في تلك الفترة الى إستقطاب آلان ديلون، وبشتى الوسائل والمغريات، وتوظيفه في أفلامها، لكنها مثل كل الرجال والنساء اللواتي عرفهن ، مثل النجمة النمساوية رومي شنيدر، وأصحاب " السلطة "، أي سلطة من أي نوع، في فرنسا وفي أي مكان، لم تنجح في ترويض ذلك " الوحش " -  LE MONSTRE SACRE- الذي يسكنه، ويعز عليه أن يفرط في " حريته"، ولايقبل بتقييد..

لكن من هو هذا الـ " آلان ديلون" الدون جوان، وساحر النساء، وصاحب الأداء الساحر في أكثر من رائعة من روائع السينما، ليس فقط الفرنسية، بل العالمية أيضا، مثل دوره في فيلم " روكو وأخوته " أمام الممثلة الفرنسية العملاقة آني جيراردو، ودوره في فيلم  " الفهد " أمام الممثل الأمريكي العملاق بيرت لانكستر، وعروس السينما الإيطالية كلوديا كاردينالي، والفيلمان للمخرج الايطالي الكبير فيسكونتي..

 الذي قررت إدارة مهرجان " كان " السينمائي 72 ، ممثلة برئيس المهرجان بيير ليسكور والمندوب العام للمهرجان تيري فريمو، أن تمنحه " سعفة ذهبية" شرفية لمجمل أعماله، و فرد له  سيد المهرجانات السينمائية في العالم ،ومن دون جدال

فرد له سجادة المهرجان الحمراء الشهيرة، ليصعد درجات سلم قصرالمهرجان الكبير، ويروح يلوح ويصفق ،لعشاق حضوره الأثير، وفنه الجليل، بحضور أكثر من 6 آلاف صحفي ومصور في الدورة 72، وأن يكرس له " درس السينما "الكبير في المهرجان، و بحضور " المجلة العربية "، لكي يحكي فيه آلان ديلون، عن مسيرته السينمائية الطويلة ، وعلاقته بفن السينما ، وفلسفة حياة كاملة ؟..

آلان ديلون : سيد ولص

في كتاب " نجومنا و الى الأبد" – NOS STARS DE TOUJOURS -  تأليف المؤرخ السينمائي الفرنسي الكبير بيير تشرنيا، و الصادر عن دار نشر " لاروس " الشهيرة في باريس ، يكتب تشرنيا عن آلان ديلون في مقال بعنوان " آلان ديلون السيد واللص " و يصدر مقاله بكلمة كتبتها الممثلة النمساوية الجميلة رومي شنيدر عن ديلون تقول فيها :
"  آلان شخص أرستقراطي..طبيعي، يكمن في داخله  إنسان من عصر النهضة،، وعندما تقترب منه، ستكتشف كرما لاحد له، ورقة غير معهودة.."..
ولد آلان ديلون  في الثامن من شهر نوفمبر عام 1935 – برج العقرب – في ضاحية " سو " ا من ضواحي باريس الهامشية ، ولد في أسرة فقيرة متواضعة، وتنقل في طفولته بين الأسر الفرنسية الحاضنة لأولاد الشوارع، الذين لا تستطيع أسرهم، أن تتعهدهم بالتربية والرعاية الواجبين، ولذلك أصبح الطفل ديلون، وحيدا منفردا ومتمردا ، ولايمكن السيطرة عليه أبدا أو تدجينه..

 وفي سن السابعة عشرة، التحق آلان ديلون بالبحرية الفرنسية – يذكر آلان ديلون في " درس السينما " واللقاء الذي عقد معه في الدورة 72 لمهرجان " كان " السينمائي، أنه يدين بكل شيء في حياته لفترة خدمته العسكرية في البحرية الفرنسية التي صنعت منه رجلا، وسنعود الى ذلك الدرس لاحقا – حيث شارك في الحرب الهند صينية، ولما انتهي من خدمته العسكرية، وعاد الى باريس، صار يتردد على أوكار الدعارة واللصوص والمجرمين، والأحياء سيئة السمعة مثل حي " باربيس " وحي " سان جيرمان دو بريه" ..
وتعرف الى ممثلة فرنسية تدعى بريجيت أوبير، أحبته وتعلقت به ، وصارت تصرف عليه من مالها، وجعلته يسكن معها في غرفتها الصغيرة، ثم تعرف ديلون على الممثل الفرنسي الكبير جان كلود بريالي، وقام  وعمره 22 سنة بدور صغير في فيلم " عندما تتدخل النساء " للمخرج الفرنسي الكبير  إيف أليجريه، وبمجرد ظهوره فقط في الفيلم، شهد الوسط  السينمائي الفرنسي بأن ذلك الفتى " المهر " الممثل من عنصر أصيل طيب، وبسبب حضوره  " المغناطيسي "الطاغي الأثير،  سيكون له شأنا كبيرا كممثل، وعندما قامت الممثلة رومي شنيدر ببطولة فيلم " كريستين " أختارت آلان ديلون لكي يشاركها بطولة الفيلم، ووقعا الاثنان في الحب من أول نظرة ، وصارت قصة حبهما، الذي استمر لمدة ست سنوات، حديث الناس و الصحافة وأجهزة الإعلام..

  آلان ديلون من صنع النساء


وبسرعة صار آلان ديلون ممثلا معروفا، وكان لجماله ووسامته وشبابه، محط إعجاب النساء وتعلقهن به، وسنرى لاحقا ، كيف اعترف " الوحش " ديلون في اللقاء المذكور معه في الدورة72، إعترف بفضلهن عليه، وذكر انه من صنعهن، ولولا هذا العدد الكبير من النساء، اللواتي عشقنه، لما كان شيئا مذكورا، على الرغم من أنه كان يعاملهن أحيانا كما إعترف بقسوة، ولايتورع أحيانا عن لطمهن وضربهن..
وعلى يد المخرج الايطالي العملاق لوكينو فيسكونتي صعد ديلون الى خشبة المسرح وقام مع حبيبته رومي شنيدر ببطولة مسرحية " خسارة ان تكون غانية " في باريس، ولعب دورين كبيرين في فيلمين عظيمين لفيسكونتي، هما " روكو وأخوته " الذي ينتمي الى سينما " الواقعية الجديدة "- نيو ريالزم – في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية في إيطاليا..
وفيلم  " الفهد" الجبار الذي ينتمي الى نوع " الأفلام التاريخية" العظيمة ولكل العصور ويبهرك بجماله وسحره..
 تميزا بحضوره ديلون الأخاذ الساحر، ونظرته العميقة النافذة، وإبتسامته الساخرة، وجسد فيهما فورة الشباب وشجاعته، وأقصى طموحاته في التغيير، حين يكتب لطبقة ما في الحكم الأفول، وصعود طبقات جديدة، لحكم البلاد ، والسيطرة على مقاليدها..

 إلا أن هذان الفيلمان، لم يحققا لديلون نفس الشهرة التي حققها له فيلم " في وضح الشمس " من انتاج 1959 ومن اخراج الفرنسي رينيه كليمان، المأخوذ عن رواية بوليسية رائعة للكاتبة الانجليزية باتريشيا هاي سميث، والذي صنع من آلان ديلون " أيقونة " من أيقونات و " أسطورة " من  أساطير السينما العالمية،ونجوم السينما المفضلين، في العالم،ولكل العصور ..


   محتال في وضح الشمس

 ويلعب فيه ديلون دور شاب  فقير  ووسيم ،يلتحق بخدمة شاب ثري أرستقراطي صديقه، فيدبر مؤامرة في عرض البحر لقتله، والتخلص منه، ويحاول أن يحل محله، ويقلده في كل شيء، كي يوهم الجميع بأنه- صديقه - مازال على قيد الحياة..

 فهل ينجح  كمجرم محتال أثيم في محاولته، والسطو على يخت وممتلكات صديقه، ويفوز أيضا بحب وقلب صديقته ؟..

 ونري في الفيلم المشوق الرائع الفذ، وبايقاع لاهث، كيف يتحايل آلان ديلون وبشتى الطرق والوسائل، لكي يحل محل شخصية القتيل، وكيف يتدرب في الفيلم، على تقليد  صوته، وتقليد توقيع صديقه على دفتر شيكاته، لسحب نقود بإسمه، ونذهل لمصداقية التمثيل في الفيلم لآلان ديلون، ونترك لكم بالطبع متابعة أحداث هذا الفيلم البوليسي المشوق الممتع، الذي يستحق المشاهدةعن جدارة، ونعتبره تحفة سينمائية،مثل بعض أفلام هيتشكوك كما في " نفوس معقدة " أو " دوار "- فرتيجو -لايجود الزمان بمثلها..

وسوف نلاحظ هنا من خلال عرض المسيرة السينمائية الطويلة لآلان ( أكثر من 80 فيلما ) ، أنه مر بعدة مراحل سينمائية، وكان الفضل في تميزه فيها، وصعود نجمه مثل الصاروخ، هؤلاء المخرجين الكبار" المؤلفين " الذين عمل تحت إدارتهم، وتوجيهاتهم، من عند الايطالي لوكيني فيسكونتي " الفهد " إنتاج 1963، مرورا بالفرنسي رينيه كليمان " في وضح الشمس " 1959 ، و الايطالي أنطونيوني " الخسوف " 1962، و الفرنسي جان بيير ملفيل " الساموراي "1967، والفرنسي هنري فرنيو" العشيرة الصقلية " 1969، ولحد الأمريكي جوزيف لوزي " مستر كلاين " 1976 والفرنسي السويسري جان لوك جودار " " موجة جديدة" 1990، وحصول آلان ديلون على جائزة السيزار الفرنسية كأحسن ممثل عن دوره في فيلم " حكايتنا " للمخرج الفرنسي الكبير برتراند بلييه..ثم كانت " سعفة كان الذهبية " الشرفية في الدورة 72 لعام 2019 لمجمل أعماله..
  
          إعترافات آلان ديلون في " درس السينما " 

في اللقاء " درس السينما " الذي عقد مع آلان ديلون في الدورة 72  في قاعة " بونويل " في قصر المهرجان الكبير، يوم الأحد 19 مايو- أعقب اللقاء عرض فيلم " مستر كلاين " من انتاج وتمثيل  آلان ديلون وإخراج الأمريكي جوزيف لوزي- وأداراللقاء على شكل حوار مع ديلون الصحفي والناقد الفرنسي  صامويل بلومنفيلد من جريدة اللوموند، وتخلله بعض مشاهد من أفلامه كما في مشهد من فيلم " روكو وأخوته " لفيسكونتي، يمثل فيه ديلون أمام اني جيراردجو مشهدا مؤثرا ، مشهد انفصال الحبيبين جعل الدموع تفرط من عين ديلون ومن أعيننا أيضا في القاء المؤثر
ذكر ديلون أنه لشييء صعب للغاية أن يكون المرء بعد مرور خمسين أو ستين سنة مازال على قيد الحياة، ومازال يطلب حب الناس..
وأعترف بفضل كل المخرجين الكبار الذين عمل تحت إدارتهم، أو أخرجوا له أفلاما من إنتاجه ومثل أو لم يمثل فيها، وذكر أنه ينتهز فرصة تكريمه، ويهدي اليهم سعفته الذهبية الشرفية ويعتبر أن تكريمه في المهرجان، في الدورة 72 ، الذي أغضب بعضا من النساء اللواتي سارعن بالاعتراض على التكريم، والتظاهر ضد ديلون، سي السيد، الذي لا يتورع عن ضربهن أحيانا، ولم تنجح محاولتهن في إفشال التكريم أو حجبه..

هو أيضا تكريم لهؤلاء المخرجين الكبار من أمثال فيسكونتي وكليمان وفرنوي ولوزي، وملفيل وحكي أن ملفيل مات بالفعل من الضحك، حين حكى له صديق في التليفون نكتة ، فأخذ ملفيل يضحك ويضحك، حتى صعدت روحه الى بارئها..
و ذكر ديلون ( 83 )  أنه يمكن بسهولة على المستوى الشخصي، مثل مع أي إنسان، انتقاده، لكن من المستحيل ،على المستوى المهني الاحترافي، كممثل ومخرج ومنتج كبير ( أنتج أكثر من 25 فيلما في حياته)، توجيه أية انتقادات  له، أو.. لمسيرته السينمائية الطويلة، التي تكللت بنجاحات عديدة، ومشرفة وحققت إضافات لفن السينما، وبخاصة حين أقبل ديلون وصرف من جيبه على موضوعات " سياسية" وفكرية شائكة ، ناقشها وتناولها في بعض أفلامه، مثل تواطؤ الشرطة الفرنسية ومسئوليتها، في ترحيل الآلاف من الفرنسيين اليهود الى معسكرات الاعتقال، أثناء الإحتلال النازي لفرنسا، كما في فيلم " مستر كلاين " لجوزيف لوزي، من انتاج ديلون..
" إنني افتقد التمثيل بشدة، وسأعود الى التمثيل، بشرط أن يكون مخرج الفيلم في قامة المخرج الفرنسي الكبير الراحل  روبير بريسون . لكن هيهات . وأتمنى أن أمثل دور المسيح عيسى إبن المريم الذي تمنحنى أمه العذراء مريم بركاتها الآن، و في كل وقت. والآن أستطيع أن أودعكم في سلام ، وأرحل مطمئنا .. "
هكذا تكلم أسطورة السينما الفرنسية الحية آلان ديلون، مثل بحار، زرع حديقة على شاطيء البحر ، فلما أثمرت ، إنطلق في بحار الله ..

    مهرجان " كان " 72. صلاح هاشم



ليست هناك تعليقات: