الأحد، يوليو 10، 2011

فلسفة الزن في قلب الثورة المصرية ؟ من وحي الشرق ترجمة وتقديم صلاح هاشم




فلسفة الزن في قلب الثورة المصرية ؟لقطات من الميدان بعدسة صلاح هاشم


من وحي الشرق

ترجمة صلاح هاشم

الاتجاه شرقا : مدخل لدراسة الأدب الياباني الحديث

قطع من الماس على الطريق الموحل الصاعد الى الجبل

أو رحلة الى منابع الإلهام الشرقي في اليابان

" الزن " تعاليم خاصة ، لكن لايحتويها كتاب مقدس

الانطلاق نحو الهدف بعزيمة لاتعرف الكلل

الانسان الذي يكتشف ذاته عبر "تجربة الزن" هو أكثر البشر جدارة بالاحترام والتقدير

من الخطأ الجسيم ان يعتقد المرء أن بإمكانه من خلال " التأمل"

العودة الى منابع" البراءة " الاولى

من دون اهتمام بـ " اللحظة" الراهنة وواقع " الأحداث"

مثل الثورة التي تغلي من حولنا


تقديم وترجمة صلاح هاشم


هل يمكن أن نتمثل فلسفة الزن اليابانية في قلب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ؟ والشعر- تساءلت- هل يمكن أن يلهينا عن الثورة ، أم انه من خلال تلك القصائد والحكايات المأخوذة عن تلك الفلسفة الشرقية ، وهي أشبه ماتكون حقا بقطع من الماس على ذلك الطريق الموحل الصاعد الى الجبل، يستطيع أن يكون رفيقا لنا في رحلتنا كما المغني الشاعر ( لعب دوره في الفيلم طوني كيرتس )الذي اصطحبه سبارتاكوس محرر العبيد ( في فيلم " سبارتاكوس " للامريكي ستانلي كوبريك )وهو يتجه معهم لشن حرب العبيد على روما و أسيادها؟ هناك في فيلم سبارتاكوس تأملات حول دور الشعر في الثورة ، لكن هذه قصة اخرى.في القرن السادس غرس أحد الهنود ويدعى " بودهيدهرما" بذرة فلسفة الزن في التربة الصينية، وفي القرن الثاني عشر انتقلت الى اليابان، ومنها الى العالم الغربي. وقد حاول كثيرون تعريف " الزن" فلسفة البساطة والحياة على الفطرة ففشلوا، لأنها فلسفة مفتوحة على كل إضافة جديدة، وعلى كل مؤمن بأن الانسان الذي يكتشف ذاته، هو أكثر البشر جدارة بالاحترام والتقدير، ويستطيع أن يضيف اليها من عنده ومن مكتسبات تجربته الذاتية، في علاقته بالطبيعة والكون والناس، وقد شاء أحدهم أن يصف فلسفة الزن فقال عنها انها: " تعاليم خاصة ،لكن لايحتويها كتاب مقدس.."..

كانت فلسفة الزن معروفة في الصين باسم " شان" وكان جل مايطمح اليه معلمو" الشان زن" أن يصيروا أصدقاء لبوذا، بدلا من أن يكونوا اتباعه فحسب، وأن يجربوا بأنفسهم تجربته في التوحد مع الكون، لذلك فالزن ليس تجمعا بقدر ماهو تجربة، وقد نجحت فلسفة الزن في كسب عطف وتأييد طبقة الحكام والنبلاء في الصين، بسبب ماتدعو اليه من معرفة الذات عن طريق التأمل، ورفضها للشكليات التي تكبل أصالة التجربة الفردية، فتجعلها أسيرة الانماط الكلاسيكية المتحجرة، والجدير بالذكر أن مسرحيات " النو" اليابانية هي في الأصل قصص مأخوذة عن تجربة الزن، التي تطورت عبر التاريخ فلم تعد تعني السلام الداخلي وفهم الذات فحسب، بل الاخلاص ايضا للفن والعمل باعتبارهما يرقيان الى مرتبة العبادة.

عن كتاب " شاسيكي سو " اي مجموعة " الحجر والرمال" اخترنا مقتطفات من أشعار وقصص الزن في تلك الرحلة القصيرة الى منابع الالهام الشرقي، وسيلمس فيها القاريء التشابه الكبير بينها وبين كتابات المتصوفة العرب مثل ابن عربي والبسطامي والحلاج وغيرهم، وكذلك عند شاعر الهند العظيم رابندرانات طاغور..

لكن من الخطأ الجسيم أن يعتقد المرء أن بامكانه العودة الى منابع البراءة الاولى عبر تجربة الزن دون اهتمام باللحظة الراهنة الآن، لأن البراءة كما يقول د.سوزوكي أحد أشهر الذين كتبوا عن فلسفة الزن في الغرب، لاينبغي أن تطغى على رغبة الانسان في المعرفة، بل لابد للمعرفتين أو الرغبتين أن يسيرا جنبا الى جنب، فقد ضاع بعض الباحثين لأنهم بحثوا عن البراءة لكنهم اغفلوا في ذات الوقت كل اتصال يشدهم الى واقع الأحداث التي تغلي من حولهم

ولذلك لم تكن البراءة التي عثروا عليها في نهاية المطاف الا وهما وسرابا خادعا، فالسلام الداخلي الذي ينشده الباحثون لايمكن أن يعني غير أمر واحد هو التحرر من كافة القيود والشكوك، والانطلاق نحو الهدف بعزيمة لاتعرف الكلل..

*

مقتطفات من كتاب " الحجر والرمال"

------------------------------



كيف للعشب أن ينمو وحده ؟

لاشيء يخفى عن العين، مهما كان هذا الشيء، لاشيء في الخفاء

فمنذ البداية.. كل الأشياء واضحة وضوح النهار

شجرة الصنوبر العجوز تنطق بالحكمة، والطير السر يصدح بالحقيقة الخالدة

لاتطلبه إن تعقل، فلا مكان له تحت الشمس

هو كل الأمكنة وكل الأوقات وكل الأزمنة.

في الأعالي أين لك من فخّار يحمي رأسك،

وعلى الأرض قدر بوصة للوقوف لن تجد.

هانحن نجلس في صمت لانفعل

فمن ذا الذي يأتي بالربيع

وكيف للعشب أن ينمو وحده ؟

في البداية كان الماء

وفي النهاية سيكون الطوفان

يتدفق الآن في اللحظة والى نهاية الزمن

الموجة تتبع أختها

سيف واحد فيه العدل للعالم بأجمعه

سيف واحد يصالح مابين السماء والأرض.

إن لم تأت بالحكمة من القلب ، هو قلبك ، فأين ياترى ستشقي النفس

جادا في البحث عنها ؟

إن كنت ترغب في معرفة الطريق الصاعد الى الجبل

فإسأل الرجل الذي هو على الطريق يروح جيئة وذهابا.

الضباب الساقط يحلق مع البط البري

ومياه الخريف تتحد مع السماء بلون واحد.

إن كان في قلبك شك

انظر الى سبتمبر أو اكتوبر

في الشتاء تسقط الأوراق الصفراء لتتوّج الجبل

وترسم النهر.

الوز البري لاتحدوه رغبة في أن يكون له إنعكاس لصورته

على صفحة النهر الخالد

بل ان النهر لايعقل تلقي الصور.

إدخل المياه، يكن القمر بين يديك يجيئك

والمس الورود والأزهار تتعطر بهما ثيابك.

الجبال والأنهار الكون بأسره يعكس جوهر الوجود

صوت خرير شلالات الجبل

ينطق بلسان عظيم

تطلع الى التلال

لتري في خطوطها جسد بوذا الطاهر.

في سكون الفراغ الواسع، لا أول هناك ولا آخر

ينعدم الشرق والغرب عندما تحلق الطيور في طريقها

درب واحد سلكه كل الواصلين.

يوما بعد يوم

تشرق الشمس من الشرق

ويوما بعد يوم

تغرب الشمس في الغرب

أبدا على الدرب صاعدين الى المياه حيث المنتهى

سكونا يكون الانتظار حتى تصعد السحب البيضاء

تهب مازالت الريح

والزهورتساقط ، والطير يسبّح ، وصمت الجبال

يزداد صمتا.

دمار الحياة لسلامتها

وعلى الاطلال يعرف المرء معنى السلام

ولأول مرة .

خذ نصلة عشب

وليكن لك فيها كل بركات بوذا الذهبية.

السخونة لاتنتظر الشمس لتصبح، والريح لاتترقب القمر لتبرد

إن لم تقتله قتلك.

مرض الزن العظيم ان تدرك كنه الوجود وأصالة الطبيعة

هذا إن كان للزن مرض.

كمثل سيف قاطع لايقدر أن يقطع نفسه

كمثل عين ترى ولا ترى نفسها.

إثقب النظر حتى تلمح الشمس في وسط المطر

إغرف من قلب النار ماء مطهرا

إمرح بجوادك على حافة السيف

وتعلم الاختفاء في قلب اللهب.

لاتحسب انك ستجد الحكمة بالتفكير يقينا تلقاها

ولاتحسب انك لواجد لها دون إعمال الذهن.

خذ من المياه تتراءى لك الجبال وهي تتحرك

شد القلوع تصبح الخلجان في متناول يدك.

التلال الزرقاء هي تلال زرقاء

في مهرجان الربيع تنعدم الألقاب

فلا وضيع ولا رفيع

تنمو الأغصان في حضن الطبيعة

فيكون بعضها طويلا ويقصر البعض الآخر.

على قيد الحياة

البهاء السماوي لست بملاقيه

انه يمسك بمقبض المحراث ومع ذلك فهي فارغة،

يركب جاموسة النبع

ومع ذلك فهو هلى الاقدام يسير

يهل بطلعته على الغابة

فلا يتحرك العشب

ويدخل المياه فلا تختلج.

عند اللقاء يكون هو الضحك فيضحكون

أما السّعد فانه لاشك يفترش البستان

والأوراق الكثيرة التي ترقد على الأرض.

هانحن ننام وقد مددنا الاقدام، وتحررنا من الصدق والزيف معا

هانحن بعد طول سنين في القفص

اليوم بعيدا عن قيود الحبس

نحلق في الاعالي مع السحب..

كأس الشاي

وقعت حوادث هذه القصة في فترة حكم الامبراطور ميجا.ذهب استاذ جامعي الى المعلم الياباني " نان ان " ليفهم طبيعة الزن ويقف على أسرارها. استقبله المعلم بترحاب بالغ. ثم أدخله الى غرفة الجلوس فلما قعد أخذ يصب الشاي في فنجانه حتى امتلأ وفاض لكنه لم يكف في حين راح الاستاذ الجامعي يراقب المشهد مأخوذا الى أن ضاقت نفسه ذرعا فصرخ ان ايه لقد فاض الفنجان بما فيه يامعلم فرد عليه نان قائلا

انت ايضا شبيه بذلك الفنجان، تكاد نفسك أن تطفح بما فيها من هواجس وأفكاروشكوك، كيف تريد أن أعلمك تجربة الزن من دون أن تفرغ مافي فنجانك أو كأسك أولا !

فراشة

قال معلم الزن تشوانج تسو: حلمت أنا تشوانج سو ذات مرة اني أصبحت فراشة فأخذت احلق هنا وهناك، فراشة تبصر كل الأشياء بعيون الفراشات وتتخيل كل شيء بعقل فراشة، وبمرور الوقت أخذت أنسحب بهدوء من ذاتيتي، وفقدت بالتدريج كياني كإنسان.

فجأة قمت من النوم وعادت الى نفسي. هأنذا أتطلع اليها وأتأمل في ما أصبحته وأسأل نفسي هل أنت إنسان يحلم بأنه فراشة ، أما انك فراشة تحلم بانها إنسان ؟


ليست هناك تعليقات: