السبت، يوليو 02، 2011

من وحي الشرق قصائد مختارة لطاغور. ترجمة صلاح هاشم


رابندرانات طاغور












من وحى الشرق

قصائد مختارة

لطاغور



مهداة الى محمد ناجي




مقدمة لديوان " من وحى الشرق.قصائد مختارة"


ألح علي الصديق الشاعر الروائي محمد ناجي( خافية قمر. مقامات عربية.العايقة بنت الزين الخ ) وكان يلح علي منذ زمن، ومنذ حضوره الى باريس للعلاج وزرع كبد جديدة، أن أعيد نشر كل القصائد التي ترجمتها لبعض الشعراء الذين احببتهم في العالم، ونشرتها في العديد من الصحف والمجلات والدوريات العربية، والتي كان يتابعها ناجي ومنذ حداثة صداقتنا التي توطدت وترسخت منذ زمن و "أيام الجامعة "في كلية الآداب في فترة الستينيات ، وكان الاستاذ عبد الفتاح الجمل ينشر قصصنا واشعارنا وترجماتنا آنذاك في جريدة " المساء "، وكان تحمس كثيرا لنشر " اجنحة الموت" القصائد الاخيرة التي كتبها شاعر الهند العظيم طاغور على صفحة كاملة (الصفحة الاخيرة )من الجريدة ، كما نشر لي ترجمات لهوشي منه وهيمنجواي وغيرهم، وهو صاحب الفضل الأول في ظهور جيل من الكتاب والادباء والمترجمين والمبدعين والنقاد السينمائيين في تلك الفترة، التي أعتبرها مع ناجي من أهم وأخصب الفترات الثقافية التي مرت بها مصر بعد نكسة67 وربما عبر طول تاريخها.
كما يعود الفضل في نشر القصائد الاخري في هذا الديوان " من وحي الشرق" للناقدالكبير الاستاذ د. غالي شكري الذي نشر لي في مجلة " الوطن العربي" التي كانت تصدر في باريس القصائد المترجمة لهرمن هسه وفلاديمير هولان ويانيس ريتسوس وغيرهم، على الرغم من ان عملي في المجلة التي كان يشرف فيها على القسم الادبي وكل الصفحات الثقافية كان ينحصر في تحرير زاوية " العرب في العالم " التي كانت تضم تحقيقاتي عن المهاجرين العرب في اوروبا وامريكا، الا ان غالي شكري الذي عرفني كقصاص في مصر بمجموعة " الحصان الابيض "، لم يرد ابدا ان يتركني وتلك الزاوية، بل كان يشجعني على الترجمة لمن أحب من الكتاب والشعراء ، ويحثني علىالكتابة في النقد السينمائي ايضا ، ويطلب مني مقالا كل اسبوع لينشره في صفحاته الثقافية بل لقد كتب خطابا لاحدي المجلات التي كانت تصدر من بلد عربي آنذاك ورشحني للكتابة فيها من باريس بمبادرة شخصية منه ، ولذلك فانا مدين لغالي شكري بالكثير، ولولا حدبه و رعايته وتشجيعه، ماكنت ترجمت لهؤلاء الشعراء الذين احببت شعرهم من وحى الشرق ، ونهلت من انسانيته وروحانيته ، وتمثلت بعضها كذلك في حيا
تي على سكة المشاءين الكبار..
تتضمن هذه القصائد " أجنحة الموت"، القصيدة التي كتبها طاغورشاعر الهند العظيم يوم العملية الجراحية التي أجريت له فأودت بحياته، ولم يكملها طاغور، وكذلك القصيدة التي أوصى بأن تغنى في الإحتفال بإحراق جثمانه بعد وفاته.

وهذه القصائد التي كتبها طاغور إبان فترة مرضه الأخيرة (1940-1941) لاتعالج في الحقيقة سوى موضوع واحد وهو أنه ليس هناك مانخشاه في الموت أو " المجهول العظيم " كما يحب طاغور أن يسميه، فالكون حياة يغلفها الحب، وهذا الحب لاسلطان للموت عليه ..

ويشبه البروفيسور جلبرت موراي هذه القصائد بـ " رباعيات بيتهوفن الوترية"، التي نجد صعوبة في إدراك المغزى الذي ترمى إليه، لكننا لانستطيع أن ننكر مدى ماتتصف به من شفافية روحية..

على شواطييء الإله روبانارايان

أفقت.. وأدركت أن العالم ليس حلما

وتطلعت في صورتي في حروف الدّم

وعرفت نفسي من خلال ألف جرح

وألف عذاب.

لقد أحببت الحقيقة الصلدة فهي لاتخدع أبدا

ليست هذه الحياة سوى محنة قاسية

تبقى حتى نهاية العالم

فإن شئت ياصاحبي أن تفوز بجائزة

الصدق العسيرة المنال

عليك أن تدفع بالموت كل الديون

إن الهدف الأسمى للحياة كما كان يرى طاغور أن يسعى الإنسان الى " المعرفة " و " تحقيق الذات" فيما تبرزرسالته في دعوته للسلام، ونشر المحبة بين الناس، وبخاصة الفقراء " أطفال الله الكبار " كما كان يحلو له أن يسميهم، وكان شعره - مؤلف النشيد الوطني للهند والحاصل على جائزة نوبل في الأدب بمجموعته الشعرية " جيتننجالي" - يبدو كما لو كان محصلة لما تدعو اليه الأديان الكبري من رقة وشفافية ، وعناصر ايجابية تهدف الى رقي الضمير الإنساني، وكان والده مصلحا دينيا يحلم بأن يجييء فيه اليوم الذي تنصهر فيه كل الأديان في دين واحد، ليحقق العدالة على الأرض بين الناس من دون تفرقة أو تمييز، وكانت فلسفة طاغور على سكة المتصوفة العرب مثل ابن عربي شيخنا الأكبرقائمة على " الحب "، قانون الذات العليا التي تعانق الوجود كله وتتواصل مع كل الكائنات والبشر، وقد تحققت في شعره وكتاباته لتتجاوز حدود الهند دولة وقارة وتصل الى مشارق الأرض ومغاربها ، وتتغنى كما في ديوانية " جينجالي " بروحانية الشرق ورقي حضارته الفريدة وعناقه الأبدي للحياة وكل ثقافات الإنسان

ولذلك فإن طاغور لايعد ملكا للهند وحدها بل ملكا لكل الثقافات الإنسانية ولكل العصور





أجنحة الموت.القصائد الأخيرة لرابندرانات طاغور


1

فلتبحر بنا إذن أيها الملاح الى البحر المكشوف

فأمامي يمتد محيط السلام

وسوف تكون رفيقي الخالد.

خذني..

آه خذني بين ذراعيك

فالنجم القطبي سيشرق

فينير الطريق الى الأبدية.

يارب الخلاص

عفوك ورحمتك هما زادي

في رحلتي الى شواطيء الأبدية.

فلتذب أغلال الأرض

وليأخذني الكون القوي بين ذراعيه

حتى تتسنى لي معرفتك أيها المجهول العظيم

بلا خوف.

- ( شاء طاغور أن يتغنى الناس بقصيدته هذه في الإحتفال بإحراق جثمانه.. وقد كان )

2

الموت لايقدر أن يبتلع الحياة

فالحياة خالدة.

إنه يلقي عليها بظله مثل " راهو ".

أعرف هذا على وجه اليقين.

ليس هناك سارق متعمد

يختفي في كهوف الكون السرية

يستطيع أن ينزع من الحب بالخداع قيمته.

أعرف هذا على وجه اليقين.

ترى ماذا كانت تعني الحقيقة المطلقة بالنسبة الي ؟

لم تكن سوى تنكر أخفى فيه الكذب المطلق نفسه.

عار الوجود هذا

لايمكن لقانون الطبيعة أن يتحمله أبدا.

أعرف هذا على وجه اليقين.

كل شييء تسوقه حركة التغير أمامها

ليس هذا سوى قانون الزمن..

فالموت لايعني التعبير المطلق عن اللامتغير

أعرف هذا على وجه اليقين.

النفس قالت : " العالم موجود"

هذه الحقيقة

أثبتت حقيقة الأنا السامية في داخلي صحتها

أعرف هذا على وجه اليقين.

3

أيها الطائر

لم تنس انشودتك أحيانا ؟

لم لاترسل صياحك ؟

الا تدرك أن الصباح لانفع فيه بدون أغانيك ؟

الا تدرك هذا ؟

شعاع الفجر المبكّر يلمس الأشجار

فتستيقظ أنغامك في رعشة الأغصان.

الا تدرك هذا ؟

إلهة الاستيقاظ تجلس في ثوب فضفاض الى جوار فراشي

لاتحرمها من أناشيدك

فعندما تنطلق تراتياك الصباحية

الى أحلام ليلة الحزن

سوف تجلب للحياة رسالة جديدة

الاتدرك هذا ؟

يتبع ..

------------------------------------- ------------------------------------------




وظيفة الكاتب - هكذا قال لي ذلك الصعلوك الكبير الذي ترك متجره للنهب وسار على الطريق - وظيفته مثلك هو ان يحيا اولا ثم ان يكتب ، وهو يحيا لكي يكتب ويحكي عن تجاربه، ويشجع على حب الحياة الآن فليس هناك تحت الشمس أجمل من أن تكون تحت الشمس ، والعب منها في التو اللحظة، والولوج الى داخل المياه من دون وجل (انها هناك حبيبتك على الشاطييء الآخر تنتظر وليس بعد يومين. من قصيدة فرعونية قديمة )، وعندما تصبح الحياة جميلة و نفيا للظلم وجديرة بان تعاش ، سوف تختفي الكتابة، ولن تكون هناك كتابة الا الكتابة التي تشجع على الحب، وتكشف لنا عن اساليب تطوير حياتنا الى الافضل، ومن خلال ممارسة الحب

حيت يتسع القلب كما يقول ابن عربي شيخنا الاكبر، يتسع لاحتواء الكون كله بحاره وأشجاره ومحيطاته

وسوف تكون يقيناكتابة قريبة من الشعر ، وروح القصائد الكبري لطاغور والحلاج ووالت ويتمان وفؤاد حداد وفلاديمير هولان وهرمان هسه وغيرهم ،واشبه ماتكون بمقطوعات موسيقية لرافي شنكار وسوني رولنز والموشحات الاندلسية العتيقة

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: