الجمعة، يناير 16، 2015

مختارات : مجزرة شارلي إبدو إعتداء على حرية التعبير بقلم نهلة النمر

مختارات
سينما إيزيس

مجزرة شارلي إبدو إعتداء على حرية التعبير
بقلم
نهلة النمر


عرودكي: مجزرة "شارلي إبدو" اعتداء علي حرية التعبير

    عرودكي: مجزرة "شارلي إبدو" اعتداء علي حرية التعبير
    يقلم نهلة النمر


    على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، جاء الهجوم الذي وقع على صحيفة «شارلي إبدو» الساخرة الفرنسية، ليمثل اعتداءً سافراً
    لحرية الفكر والتعبير.. لقد طالت يد الإرهاب الريشة والقلم بعدما هاجم مسلحون مقر الصحيفة في العاصمة الفرنسية باريس، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً بينهم شرطيان، وإصابة 10 آخرين، لقد أثار الحادث استياءً عالمياً على جميع المستويات الفكرية والدينية، لذلك كان لابد من سؤال المثقفين المقيمين فى فرنسا عن رؤيتهم لما حدث وتوقعاتهم لما سوف يحدث.
    الدكتور بدر الدين عرودكي، الكاتب والمترجم السورى المقيم فى فرنسا، يقول: قبل كل شيء ودفعاً لكل سوء فهم أو تفاهم، يجب توصيف ما حدث صباح السابع من يناير 2015 بباريس وفي مقر مجلة شارلي إبدو الأسبوعية، بأنه مجزرة تم خلالها قتل مجموعة من الصحفيين الفرنسيين يمثلون حرية التعبير في أبلغ معانيها بل كذلك في حدودها القصوى، قام بها مجرمان بالمعنى الجنائي والاجتماعي والثقافي لهذه الكلمة وهما يزعمان الانتقام للنبي بسبب الصور الكاريكاتيرية التي سبق لهذه المجلة أن نشرتها.. ولابد فوق ذلك من التوضيح أيضاً أن هذه المجلة لمن لا يعرفها مجلة ساخرة، وقد طالت سخريتها وبصورة سليطة وغير مسبوقة السياسيين جميعاً يميناً ووسطاً ويساراً، والمستبدين جميعاً، وكافة الرموز الدينية، على اختلاف مرجعياتهم، في استخداماتها المعاصرة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتجارة السياسية العاهرة والبعيدة كلّ البعد عن الإيمان الروحاني، قد نختلف معها في بعض أو كلِّ ما تقوله أو تبثه من رسائل أو نتفق تمام الاتفاق، لكن الأهم فيما وراء ذلك هو ما تمثله لنا بعد هذا الحادث: حرية القلم.
    ويضيف عرودكى: من المؤسف أن هذيْن المجرميْن وشريكهما قُتِلوا قبل القبض عليهم ومن ثم فقد يحول موتهم دون معرفة من كان وراءهم على وجه التدقيق، لكن ما عرف عنهم ولاسيما انتماءهم إلى حلقة عرفتها الأجهزة الأمنية الفرنسية كما يبدو منذ عام 2005 باعتبارها تقوم بتجنيد الشباب لإرسالهم إلى العراق ثم مؤخراً إلى سوريا، يسمح بالتفكير بأن محرِّكاً خارجيا يقف وراءهم، من هو هذا المحرّك؟.. يكفي أن نتساءل عن المستفيد من هذه الجريمة؟.. ربما سنعثر على الإجابات في ردود فعل أبواق بعض الأنظمة التي تستجدي بأي ثمن إعادة تأهيلها بما في ذلك اللجوء إلى الإرهاب الذي تزعم محاربته، كالعادة، كانت الشماعة التي علق عليها المجرمان جريمتهما هي «الثأر للنبي».
    ويواصل قائلاً: ومن سخرية الأقدار أن بين ضحاياهم مَنْ كان يحمل اسم أحمد وآخر يحمل اسم مصطفى!
    ويستكمل عرودكى حديثه قائلاً: يجب ألا يغيب عن بصرنا ولا عن بصيرتنا المعنى الأعمق لهذا الحدث، فقد سبق أن قتل فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، كما سبق وهشمت أصابع فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات، وها هما شخصان يؤلفان جزءاً من جماعة - قد تكون كما زعما القاعدة في اليمن - تنتمي إلى ضرب من الاستبداد، هو الاستبداد الديني في أشنع وأشدِّ تعبيراته جهلاً وتجهيلاً، يقومان بقتل مجموعة من كبار فناني الكاريكاتير في فرنسا.. هل هي صدفة؟.. نعلم تماماً أنه لا مكان للصدفة في عالمنا الذي بات اليوم أشبه بقرية، ومن ثم وعلى الرغم من زعمهما الانتقام للنبي بسبب الرسوم الكاريكاتيرية، وهو عذر أقبح من ذنب، فإني أميل إلى القول بأن الاستبداد لا يتجزأ، إذ بقدر ما كان ناجي العلي وعلي فرزات ينددان بالاستبداد وبالمستبدين، بقدر ما كان فنانو الكاريكاتير في فرنسا، يندِّدون - بواسطة رسومهم - بالاستبداد والمستبدين في كل مكان من العالم.. الجريمة أياً كان مكان اقترافها تستهدف القلم الحر بكل ما ينطوي عليه من رموز، أي حرية الرأي وحرية الصحافة التي دفع الشعب الفرنسي ثمناً غالياً طوال تاريخه كي ينالها.
    سيحملنا ذلك كله على التساؤل عن الكيفية التي ستردُّ بها فرنسا خصوصاً وبلدان أوروبا عموماً على مثل هذا الحدث لحماية شعوبها، مما لا شك فيه أن الردَّ الأول سيكون الرد الأمني الذي يقوم (وهذا هو الأهم!) على متابعة حلقات هؤلاء الشباب من مواطنيها الذين دُرِّبوا على القتال وعلى الاغتيال تحت ستار أو بحجة الدفاع عن الدين وعن رموزه وعلى ملاحقتهم أينما كانوا من أجل الحيلولة دونهم ودون ارتكاب مثل هذه الفظائع، وفي سبيل ذلك ستتعاون دول أوروبا من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وهو ردّ طبيعي بلا شك مع الأمل بأن تدرس في العمق الأسباب الحقيقية التي تدفع بشباب في عمر الورد ولدوا ونشأوا في بلد كفرنسا إلى اختيار طريق التضحية بأنفسهم في سبيل أهداف لا يعلمون عنها في أغلب الأحيان شيئاً وإلى أن يكونوا على غير وعي منهم أدوات صماء لتنفيذ أهداف تتجاوز حيواتهم وعقيدتهم والشعارات التي يظنون أنهم يضحون بأنفسهم في سبيلها.
    هناك ما يقارب من ستة ملايين مسلم فرنسي من أصول عربية وأفريقية، الذين استنفروا منذ عام 2005 كما يبدو كي يُرسلوا إلى العراق أولاً ثم، منذ ثلاث سنوات، إلى سوريا من أجل «الجهاد» هم من أبناء هذه الفئة من الشعب الفرنسي.
    ويتساءل عرودكى: ما الذي يحمل هؤلاء على الاستجابة إلى مثل هذا النفير؟.. ذلك هو السؤال الأهم الذي يبدو لي أنه يجب أن يُطرح اليوم على السياسيين في فرنسا: كيف يمكن الحيلولة دون هؤلاء الشباب ودون الإصغاء إلى صوت لا يمت إلى العقل بصلة؟.. كيف يمكن تأمين الشروط الاجتماعية والاقتصادية كي يدركوا أن بوسعهم أن يخدموا مثلهم العليا كلها في مجتمع يحترم هويتهم وخياراتهم وآرائهم حين يضمن لهم فيما وراء ما ضمنه لهم من مجانية التعليم وحرية الرأي والكرامة بالقانون وحرية الانتخاب فحسب، بل كذلك اختيار المهنة التي يريدون، وأن يعاملوا على قدم المساواة مع كافة المواطنين دون النظر إلى أسمائهم أو ودينهم أو أصولهم؟.. ذلك في نظري هو التحدي الأكبر الذي ينتظر أن تواجهه السلطات الفرنسية.. ولابدّ من مواجهته من أجل العثور على حلٍّ لابد منه على المدى المتوسط والبعيد كي لا تستحيل جموع الشباب إلى قنابل موقوتة تهدد لا المجتمع الفرنسي فحسب بل كل ما يمثله على صعيد الحرية والديمقراطية.


    الدكتور مصطفى نور الدين، الكاتب المصرى والمقيم أيضاً فى فرنسا، يرد على الحادث معلقاً: الجريمة الإرهابية التي وقعت ضد الجريدة الأسبوعية الفرنسية الساخرة «شارلي إبدو» مدانة ولا يمكن قبولها تحت أي حجة كانت، هذه الجريدة التي كانت الملاذ للعاطلين والفارين من حروب أهلية فتساعدهم على الحصول على اللجوء السياسي أو إيجاد مأوى أو عمل، جريدة تدافع بطريقتها اللاذعة عن القضايا العادلة وتوجيه النقد لكل مثالب المجتمع وسلطاته أياً كان توجهها، تجاوزاتها خصت جميع الأديان والشخصيات ولم تكن تهدف لهدم وإنما لإصلاح ما تراه تجاوزا للعنف أو انعدام العدالة.
    ويضيف نور الدين: تذكر تلك الجريمة بما سبقها من جرائم وقعت في الولايات المتحدة وإنجلترا وإسبانيا وهولاندا بقتل جماعي، غير أن الهجوم الذي تعرضت له دول غربية كان موجهاً ضد سياساتها الخارجية في أفغانستان والعراق وغيرهما وهو ما سيظل دوماً أحد الأسباب التي يجب تضمينها أي تحليلها، غير أن التناقض يتبدى في ضلوع الغرب في خلق وتسليح جماعات إرهابية لتنفيذ استراتيجيته في هذا البلد أو ذاك من العالم ثم ينقلب عليها بعد انتهاء دورها فيأتي رد الفعل الانتقامي بالاعتداء على مصالحه الخارجية أو في عقر داره.
    وكل تلك الجرائم التي هددت الأفراد والمجتمعات تستتر خلف قناع الدين وتستخرج منه ما ليس فيه لتحوله لأداة لإلغاء العقل تلخصها عبارة في فيلم فتنة على لسان داعية متشدد: «عليهم أن يكفروا بالأحزاب العلمانية والليبرالية والديمقراطية والاشتراكية ونحو ذلك من الأفكار البشرية»، أو «نحن لا نطالب بحق حرية التعبير لأننا نرفض الديمقراطية والإسلام هو البديل الذي نقدمه»، فالاغتيالات الفردية تتشابه في مغزاها أينما وقعت مثلما حدث في نوفمبر ٢٠٠٤ بقتل «ثيو فان جوخ» مخرج فيلم «الخضوع» على يد محمد بويري، هولاندي من أصل مغربي، ومحاولة قتل نجيب محفوظ وتكفير حامد أبوزيد وقتل فرج فودة.
    ويضيف بدر الدين: الجريمة وقعت ضد صحفيين باعتبارهم من فكر آخر لا يعترف الإرهابيون به وهو حرية التفكير والإبداع، وتتناول القضايا بأسلوب ساخر لاذع من أجل لفت النظر والدعوة للتفكر حول مآسي البشرية، فالجريدة لا تساند لا الحروب ولا الاستغلال ولا الفساد، جريدة تحمل هموم الإنسان تتناولها بلغة بالغة الخصوصية «بالتبكيت والتنكيت» وبعمق زلزل عروش قوى سياسية وشخصيات لا تمس لما لها من مهابة.
    ويؤكد بدر الدين، أن عواقب تلك الجريمة ستظهر رويداً وإن كان البعض من تجلياتها ظهرت في التهجم على مساجد ليس محدداً بعد فاعلها، غير أن الجريمة فتحت لليمين المتشدد الأبواب ليقتحم بقوة الساحة في ظل حالة التردي السياسية الراهنة للحزب الاشتراكي، وهذا الوضع يعمق من تشرذم القوى السياسية ويحصن كل منها في خندق بإبعاد اليمين المتطرف من دخوله، تجسيد ذلك يتجلى في «مسيرة الجمهورية» الموحدة التي دعت لها الحكومة يوم ١١ يناير الجاري ولم يدع للمشاركة فيها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف.. وقال بأسباب ذلك عضو الحزب الاشتراكي، «فرنسوا لامي»، المسئول عن تنظيم المسيرة: «إن حزب الجبهة الوطنية لم تتم دعوته لأنه أحد المنظمات التي تبث الانقسام في البلد وتهين مواطنينا المسلمين وتلعب على وتر الخوف».
    فالانقسام سياسياً سيتجسد في الانتخابات السياسية الرئاسية في 2017 التي قد تؤدي في آخر المطاف لوصول اليمين المتطرف للسلطة في تحالف مع اليمين، الذي مثله نيكولا ساركوزي، الرئيس السابق، في عملية انتقام سياسي قاسية، ولعل ما يثبت ذلك هو دعوة ساكوزي لعدم إبعاد الجبهة الوطنية عن «مسيرة الجمهورية».
    هذا الجو العام سوف تكون له انعكاسات لا شك فيها على حياة المواطنين المهاجرين الذين يمر الكثير منهم بوضع مزرٍ في البطالة وسوء التعليم ويجعل منهم أنصاف مواطنين أو مواطنين دون حماية فتسرقهم بسهولة أيد تتلاعب بعقولهم التي لم يتح لها الفرصة لتكوين عقل نقدي ولا العثور على مكانة لائقة بالمجتمع فتستشعر الشقاء لنفسها وربما استشعرت الأسى لآبائها، أيضاً الذين لم يكن حالهم أفضل، هذا الوضع هو أيضاً بذرة لنمو حالة من الخوف من حالة الشك التي تسود منذ سنوات وتتفاقم مع كل حادث يرتبط باسم فاعل من داخل الجالية المهاجرة دون أن يكون لها دخل فيها لا مادياً ولا فكرياً.. فسوف نرى تزايداً في الحوادث العنصرية من الجانبين.. ومن المؤسف أننا لن نعرف من الذي يقف حقيقة خلف جريمة «شارلي إبدو» بسبب قتل القوات للأخوين الإرهابيين سعيد وشريف كواشي.
    سلام الكواكبى، الكاتب والباحث السورى المقيم فى فرنسا، يقول: لهذه العملية دلالتها الرمزية في المجتمع الفرنسي القائم على قيم حرية التعبير، الرسامون المستهدفون، كما المعلقون الساخرون العاملون في الجريدة المعروفة، كانوا مهددين منذ إعادة نشر رسوم كاريكاترية اعتبرتها بعض الجهات المتطرفة مسيئة لرموز دينية مسلمة، ولكن تمسكهم بحرية الرأي والتعبير، وتعرضهم لكافة المقدسات والسياسات بالسخرية دون التجريح، جعلهم يتابعون عملهم دون كبير احتياط، يجب على القارئ أن يعلم بأن هذه الصحيفة الأسبوعية، التي توزع ما يقارب 45 ألف نسخة، لا تنشر الإعلانات، وبالتالي هي تعتمد على مردود المبيعات فقط لا غير لكي لا تكون تحت تأثير أية جهة ممولة، وبالتالي، فهي لم تترك سياسياً فرنسياً أو غيره دون أن ترسمه وبأكثر الطرق سخرية، كما أنها تعرضت لكل رجال الدين والمتعصبين من كل الأديان على نفس السوية من المعالجة، هي لم تتعرض للدين كرسالة روحية وكمفهوم إنساني، ولا هي شتمت في الذات الإلهية، ولكنها، كما مدرسة الثورة الفرنسية، اعتبرت بأن الأديان تُستغل سياسياً من قبل المستبدين على مختلف مشاربهم، وقراءة السخرية بدرجتها الأولى من قبل البعض، ينمّ عن مستوى عالٍ من الجهل، المشكلة لدى بعض الإعلاميين العرب ومن في حكمهم، أنهم يبحثون دائماً عن مؤامرة الآخر في أي حدث ولا ينظرون في بطانة أثوابهم، كما أننا افتقدنا في ثقافتنا العربية التراكم الهائل والثري من فن السخرية الذي عرفه أجدادنا وتعاملوا معه بكل انفتاح ورقي.. إنها جريمة قذرة تجد من يبررها مباشرة من خلال تحليلات «مشدودة من شعرها» كما يقول الفرنسيون.. إن التطرق إلى سياسات الهجرة والاندماج والعلمانية المتشددة، واعتبارها كمصدر من مصادر غضب يمكن أن يفضي إلى مثل هذه العمليات، هو شيء مؤسف للغاية ويصب مباشرة، ولو عن غير قصد، في وعاء التطرف اليميني المتشدد.. ردود الفعل ستبدأ بالظهور في وقت قريب، وقد أوضحت تعليقات مختلف الأحزاب والحكومات في الغرب إلى ضرورة تعزيز التلاحم المجتمعي بمختلف تكويناته وإلى ضرورة الحذر من الخلط بين المواطنين المسلمين والإرهابيين الذين يقتلون باسم الدين.. كما شدد المسئولون على مسألة التقيد بدولة القانون والتنبه إلى ما يمكن أن يحصل من تجاوزات بحجة مواجهة الرهاب والإرهاب. ليس المطلوب من المسلمين أن يعبّروا بشكل منفصل عن إدانتهم لهذه الجريمة، فهم جزء من مجتمع يقبل الاختلاف والتعددية.. ومساهمتهم مجتمعياً مع نظرائهم من الديانات الأخرى، في تجاوز هذه المحنة، هو أقوى رسالة يمكن أن يصدروها.
    ويواصل: ستخرج أصوات متطرفة كثيرة تدعو إلى إعادة النظر في القوانين وفي سياسات الهجرة ومواجهة الأجانب، ولكن دولة القانون والمجتمع المدني الواعي والأحزاب السياسية التقليدية القائمة، قادرة كلها على احتوائها. منذ عدة أيام، أطفأت كاتدرائية كولون في ألمانيا أنوارها احتجاجاً على دعوات عنصرية ومعادية للإسلام. كما أن صحيفة «شارلي إبدو» التي استهدفت بهذه المجزرة، كانت من أهم الصحف التي وقفت إلى جانب قضايا الشعوب في العالم الثالث، كما القضية الفلسطينية والثورات العربية، المجهض منها والناجح.. إن من يحصر اهتمامه ونظره في رسم كاريكاتري اعتبره المتطرفون مسيئاً، يترجم جهلاً إرادياً.. في يوم الجريمة، كان المحررون والرسامون مجتمعين للتحضير لعدد خاص عن العنصرية، وكان غلاف عددهم الأخير رسم ساخر من كاتب فرنسي يعاني من رهاب الإسلام «الإسلاموفوبيا».
    أما دينا مندور، الباحثة والمترجمة المصرية المقيمة أيضاً فى فرنسا، ترى أن شارل إبدو هي جريدة محسوبة على اليسار الفرنسي، فتقول عنها: هى الأقل تشدداً إزاء الأقليات من عرب ومسلمين وسود وغيرهم، والمنهج التحريري للجريدة هو الإلحاد ومحاربة العنصرية أى أنهم ضد التمييز على أساس الدين أو العرق.. حدث الهجوم على الصحفيين في غرفة التحرير أثناء اجتماعهم وكانت على جدران الغرفة ملصقات لأغلفة أعداد سابقة من المجلة أحدها سخرية من المسيح، والأخرى من بابا الفاتيكان، والثالثة من رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق وبجواره العلم الفرنسي ملطخ بالخراء، والرابع عدد صدر بتغيير في اسم الجريدة من «شارل إبدو» إلى «شريعة إبدو» للسخرية من كلمة شريعة وهي الكلمة ذات الخصوصية والصدى الإسلامي بالطبع.
    الجدير بالذكر أن أياً من الجهات والمؤسسات أو الأفراد والجماعات المعنية بسخرية الجريدة لم تعترض يوماً على ما ينشر أو تلتفت إليه، إلا عن طريق القضاء، باستثناء مرتين، المرة الأولى في عام 2011 بعد نشر عدد «الشريعة ابدو» وتم حرق المقر من قبل متشددين، والثانية هي ما وقعت منذ يومين في المقر الجديد للجريدة بعد تأمينه من قبل الشرطة.. مع الأسف يبقى رد الفعل المحسوب على المسلمين باعتبار أن الهجوم حدث كرد فعل على الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو الرد الأكثر همجية ووحشية وعداء للإنسانية.
    وينبغي الإشارة إلي أن هذا الحدث شديد التأثير على مستقبل حياة العرب المقيمين في المجتمع الفرنسي أو المتعاملين معه، كذلك على العلاقة مع باقي المجتمعات الغربية حيث يفضلون تلافي كل ما يمثل احتمالاً لوقوع مثل هذه الأحداث، فتلك المجتمعات هي مجتمعات هادئة ومستقرة منذ زمن طويل ولا تعاني مما نعاني منه في بلادنا، حيث ينتشر الإلحاد في بلدان أوروبا، خاصة فرنسا، وتتجانس المعتقدات العقائدية والفلسفية المختلفة والمتعددة سلمياً.
    «شارل إبدو» هي جريدة محسوبة على اليسار الفرنسي، والمنهج التحريري للجريدة هو الإلحاد ومحاربة العنصرية أى أنهم ضد التمييز على أساس الدين أو العرق.
    في ظل هذا الجو تغيب فكرة استئصال أى من مكونات المجتمع، وتعتبر فكرة مكلفة إنسانياً وحضارياً ولا تصب في مصلحة أى من الأطراف سواء المستَئصَلة أو المستئصِلة. فاستبدلوها بالمبارزات الفكرية والحوار الطويل الممتد دون تعصب.





    عن جريدة " الوفد " المصرية بتاريخ 13 يناير

    ليست هناك تعليقات: