الأحد، يونيو 09، 2013

مهرجان " كان " 66. إنتصار الحب بقلم صلاح هاشم


مهرجان كان 66 .إنتصار الحب

بقلم 

صلاح هاشم




لم نكن على خطأ حين أعلنت إدارة مهرجان " كان " السينمائي الدولي في منتصف إبريل عن قائمة الافلام المشاركة في مسابقة الدورة 66 ، فتوقعنا أنذاك أن تكون أفضل بكثيرمن سابقتها، من ناحية التنوع DIVERSTY أي التمثيل السينمائي العالمي – والجودة QUALITY  أي القيمة الفنية للأفلام التي تخلق لها أصالتها وتميزها. بالاضافة الى حضور عدد كبير من المخرجين المشاهير بأفلامهم في الدورة الجديدة وكان سبق لبعضهم المشاركة في المهرجان بل والفوز مثل المخرجين العمالقة سودبيرغ والشقيقين كوين ورومان بولانسكي بسعفة " كان " الذهبية من قبل.وقلنا وقتها للبعض بعد الاعلان عن قائمة الاختيار الرسمي في منتصف إبريل أن الدورة 66 سوف تكون وعن حق موعدا مع السعادة، بسحر وابتكارات السينما المدهشة في تلك الأعمال السينمائية المتميزة القادمة من أنحاء العالم وحتى قبل أن نحضر المهرجان في الفترة من 15 وحتى 26 مايو ونشاهد أفلامه.لكننا لم نكن نحسب آنذاك أن الدورة 66 ستكون أيضا انقلابا و " نقطة تحول " في تاريخ السينما الفرنسية ، وسنرى كيف بعد قليل
 لكن دعونا نتطرق الآن الى تلك الاعمال السينمائية الفذة التي عرضت، وكانت وحدها " نجوم  المهرجان " وعن جدارة..حسنا نجح مهرجان " كان " في دورته 66 أن يقدم مجموعة كبيرة متميزة من الأفلام في  القائمة الرسمية OFFICIAL SELECTION  التي تحنوي على أكثر من خمسين فيلما جديدا تعرض في المهرجان لأول مرة ، وهى مختارة من بين أكثر من  1200 فيلم وردت الى المهرجان ، شارك 20 فيلما منها في المسابقة الرسمية التي افتتحها فيلم " جاتسبي العظيم " GREAT GATSBY  للمخرج الاسترالي باز لورمان وضمت فيلما افريقيا من التشاد للمخرج محمد صالح هارون بعنوان " جريجري "GRIGRI وجدناه سيئا للغاية وعرض 19 فيلما جديدا من ضمن " القائمة الرسمية "على هامش المسابقة في تظاهرة " نظرة خاصة " UN CERTAIN REGARD  التي افتتحت بفيلم " زا رينج بلينج "BLING RING أي حلقة المظاهر البراقة  للمخرجة الامريكية صوفيا كوبولا وعرضت فيلم " عمر "OMAR للمخرج الفلسطيني المتميز هاني أبو أسعد، وفيلم " أرض الفلفل الحلوة بلادي " للمخرج العراقي الكردستاني هنر سليم ، كما عرض المهرجان عدة أفلام جديدة من القائمة المذكورة خارج المسابقة ، وقدم عددا منها في قسم " العروض الخاصة "SPECIAL SCREENNG الخ ولذلك كان حصاد هذا العام وفيرا وغنيا، بالافلام الجيدة التي اتخمتنا، ومن عند فيلم الافتتاح ، وجعلتنا نركض بين القاعات ، ولا نشبع ابدا من  ثرائها الفني وزخمها الفكري ..


                               "جاتسبي العظيم " يؤسس لمغامرة حياة كاملة


                                           
 وقد حضرة  "المرأة " بقوة في تلك الأفلام، وقد لا يجانبنا الصواب اذا قلنا انها كانت تمثل المحور الرئيسي في بعضها وبشكل طاغ ، كما في فيلم الافتتاح " جاتسبي العظيم " للاسترالي باز لورمان مثلا الذي يحكي عن الامريكي " اللغز " جاتسبي، ولانعرف ان كان جاسوسا يعمل لحساب الألمان أو إن كان وطنيا قتل القيصر وحلم  جاتسبي في استعادة حب قديم،  فقد توجه  للمشاركة في الحرب،  وتزوجت حبيبته من رجل ثري أثناء فترة غيابه، ويحاول جاتسبي " اللغز " في الفيلم أن يستعيد حبيبته ، ويسعي الى أن يتوسط له ابن عمها ليرتب لقاء جديدا بين العاشقين، وتتحقق لجاتسبي رغبته في مشهد رقيق عذب من أجمل مشاهد الحب في كل الأفلام التي عرضت في المهرجان داخل وخارج المسابقة، ويحكي الفيلم عن شرف تلك المحاولة ذاتها التي منحت جاتسبي عظمته ، حتى لو كانت الحبيببة كما تبين لنا من بعد خائنة ولاتهتم الا بنفسها، ولاتستحق من جاتسبي كل ذلك العناء من جانبه لاستردادها ، فليس المهم في الفيلم كما في أية رحلة أن تصل الى وجهتك، كما في رحلة البطل أوليس في ملحمة " الاوديسة " لكن المهم هو "المغامرة" التي تقطعها أثناء الرحلة لبلوغ ايثاكا . وقد استمتعنا بفيلم الافتتاح لأنه عرض وهو يحكي عن قصة ذلك العشق المحموم، عرض لفترة العشرينيات في أمريكا، وميلاد موسيقى الجاز وأوضاع وظروف الطبقة العاملة الامريكية في ذلك الوقت. ويمثل فيلم " جاتسبي العظيم " في رأينا أحد أفضل نماذج السينما الهولوودية التجارية وأفضل توظيف للامكانيات التكنولوجية المذهلة لصنع فيلم جماهيري يحقق اكبر ايرادات في شباك التذاكر، وقد نجح مخرجه الاسترالي باز لورمان في أن يقدم لنا فيلما شيقا ممتعا على خلفية تاريخية واجتماعية امريكية مهمة وهو يستحق المشاهدة عن جدارة ونعتبره من أنجح وأفضل وأنضج أفلام  بازمان على الاطلاق فترقبوه..


                                    " صغيرة وجميلة " سلعة للحب


كما كان موضوع " الحب والجنس " أو " الحرية الجنسية " أحد العوامل أوالقواسم المشتركة في تلك الأعمال التي تفجرت في المهرجان مثل قوس قزح وصدمتنا بعمقها وشفافيتها وجرأتها وقدرتها على التوغل عميقا في الداخل الباطن، في محاولة لاستكشاف هويتنا - كما في كل الاعمال العظيمة – في مرآة السينما. وبرز من بين تلك الأفلام المشاركة في المسابقة فيلم " صغيرة وجميلة "JEUNE ET JOLIE للفرنسي الذي عرض للحياة الجنسية لمراهقة فرنسية عمرها 17 سنة، ويكشف كيف استغلت صداقتها لشاب ألماني واستمالته لفض بكارتها، ثم كيف تحولت تدريجيا من تلميذة في الثانوية الى مومس محترفة، ليس لاحتياجها لمال لدفع مصروفات الدراسة مثلا، بل لاحتياجها لمعرفة وهى الطفلة المراهقة بعد، معرفة تلك المرأة التي ستكون عليها مستقبلا ، وعليها أن تمر بتلك التربية الجنسية هكذا ارتأت للتعرف على ذاتها ، وقد شمخت تلك الطفلة المراهقة التي تطرح تساؤلات في اطار المجتمع الفرنسي عن الحب وعن النضج،  شمخت في الفيلم بجمالها وتمثيلها، ويحتشد الفيلم بالمشاهد الجنسية الملتهبة، وفعل الجنس في جميع الأوضاع ، ويجعل من ذلك الفعل أساسيا وضروريا ، لاكتشاف انفسنا والحياة ذاتها، في إطار المجتمع الفرنسي الذي يتمتع بمناخات الحرية، ونعتبر الفيلم من أجمل وأنضج الافلام التي اتحفنا بها مهرجان كان في دورته 66 ولحين عرض فيلم " الماضي " للايراني أصغر فرهادي ثم فيلم  " حياة آدل " للمخرج الفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش من بعده، وهو الفيلم الذي تفجر في المهرجان مثل قنبلة..

                        فيلم " الماضي " يحيل من طرف الى " الثقافات الوافدة"


يعرض فيلم " الماضي " LE PSSEلأصغر فرهادي، وهو أول فيلم يقوم ذلك المخرج الايراني الكبير -  الحاصل بفيلمه " انفصال " على جائزة الاوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2012 -  باخراجه في فرنسا، يعرض لحياة سيدة فرنسية تعمل صيدلية وهي تعيش على حافة الانهيار العصبي اذ تستعد لاستقبال زوجها السابق القادم من ايران للانتهاء من عملية طلاق وتواجه عدة أزمات مع ثلاثة اطفال يعيشون معها في منزلها على أطراف ضواحي باريس ويجعلنا الفيلم ندلف الى عالمها ونعيش قلقها وأزماتها وعذابها فالطفلة الكبيرة بنتها لاتحب صاحب أمها الجديد وهو صاحب محل كواء انتحرت زوجته عندما علمت بعلاقة الحب الجديدة التي يعيشها مع تلك الصيدلية وهى ترقد الآن في المستشفي في غرفة العناية المركزية ويترك العاشق الجديد الذي يقوم بدوره في الفيلم الممثل الفرنسي من أصل عربي طاهر رحيمي يترط طفله في السابعة من عمره لكي يعيش مع تلك الصيدلية وبنتيها فيتجاوب بسرعة مع البنت الصغيرة ويحولان البيت الى ساحة لللعب والشقاوة ولاينسى ذلك الطفل ان أمه  قد انتحرت بسبب تلك الصيدلية التي يعيش الآن في بيتها، ويكشف الفيلم عن تأثير ذلك الماضي في حياة الصيدلية وحياة كل الشخصيات الكبيرة والصغيرة في الفيلم والموقف المتأزم للصيدلية بعد وصول زوجها من ايران والتنقيب في تفاصيل الحياة لمعرفة واكتشاف الحقيقة المراوغة  وهى مثل القطط بسبعة أرواح ، وينجح الفيلم رغم طوله في أن يحبس أنفاسنا بعنصر التشويق كما في نوع الافلام البوليسية ويجعلنا نشارك شخصيات الفيلم بحثهم عن الحقيقة – مهمة السينما ؟ - واكتشاف ان هناك وجوها متعددة للحقيقة و التوصل الى معرفة من الذي كشف لتلك السيدة المنتحرة تفاصيل علاقة الحب الجديدة بين زوجها وتلك الصيدلية ، ودفعها دفعا الى اللجوء الى الانتحار لكى تتخلص من حياتها.. ويتفتح الفيلم في كل مشهد من مشاهده على حقيقة وتدور هكذا عجلة ذلك الفيلم الانساني العذب الجميل الأثير الذي يذكرنا بأعمال وأجواء الكاتب الروائي الروسي العظيم انطون تشيكوف وبخاصة في قصصه القصيرة الانسانية الموجعة، فيستحوذ على كل كياننا وتتألق فيه الممثلة الفرنسية من أصل أرجنتيني بيرينيس بيجو، وتشمخ فيه بتمثيلها، وذلك " الاداء " الرائع الذي يجعلها بفضل ذلك الفيلم ربما أهم  وأقدر ممثلة فرنسية في الوقت الحاضر، وقد جعلنا ذلك الاداء المذهل بنرفزة وعصبية كهربائية صاعقة نرشحها للحصول على جائزة افضل ممثلة وحتى قبل الاعلان عن جوائز المهرجان ، وينتهى الفيلم  بمفاجأة مذهلة  يكتشفها زوج الصيدلية " الغريب " القادم من إيران وكأن أصغر فرهادي قد أراد بمثول ذلك الزوج الايراني في الفيلم وحضوره من إيران أن ينبه الى أمر تلك الثقافات الأصيلة الوافدة الى المجتمع الفرنسي من افريقيا أو من آسيا ، وقدراتها على اكتشاف وابتداع حلول لمشاكله ومشاكل أهله وتطبيب جراحهم النفسانية، وقد نجح أصغر فرهادي وعلى الرغم من أنه لايستطيع ولحد الآن أن يتحدث بالفرنسية أن يصل الى القمة في ادارته للمثلين في الفيلم وكان قبل تصوير مشاهد فيلم " الماضي " بقى وفيا لأسلوبه كمخرج مسرحي ، وقام بعقد جلسات تدريب وبروفات مع الممثلين  لمدة شهرين..
 ويقدم الفيلم في شموليته الفنية نموذجا رفيعا لفن ادارة الممثلين في السينما ولذلك يستحق المشاهدة عن جدارة أكثر من مرة. مرة للاستمتاع بالفيلم وحكايته،  ومرة ثانية لتعلم فن ادارة الممثل وبخاصة عند " لحظة التنوير" النهائية في الفيلم عندما يزور الرفيق الجديد للصيدلية زوجته المنتحرة الراقدة في غرفة العناية المركزية في المستشفى وهو يأمل أن تتعرف عليه من خلال ذلك العطر الذي سكبه على نفسه،  ويقف بجوارها بانتظار ان تضغط على أصابع يده لتظهر له أنها قد تعرفت عليه من عطره ، ونحبس معه أنفاسنا. وهذا المشهد  الانساني الرائع يرتفع بفيلم " الماضي " عاليا في سموات السينما الى القمة ويعتبرتتويجا للفيلم بأكمله، انه يضع ببساطة تاجا على رأس الفيلم ، وهو من أجمل المشاهد السينمائية التي أتحفنا بها في " جنة " كان السينمائي في دورته 66 وكنا رشحنا الفيلم أيضا للفوز بالسعفة الذهبية ضمن مجموعة متميزة  من أفلام المسابقة تضم " لمسة خطيئة " للصيني و " الجمال الكبير "GREAT BEAUTY للايطالي باولو سرانتينو وفيلم " نبراسكا " للامريكي الكسندر بين ، واعتبرنا ان لجنة تحكيم المهرجان برئاسة المخرج الامريكي العملاق ستيفن سبيلبيرغ ستواجه حقيقة مشكلة في اختيار لمن ستمنح جوائزها مع وجود هذا العدد الكبير من الافلام الرائعة في المهرجان وهى جميعها من نوع " سينما المؤلف " CINEMA D AUTEUR  التي يبدع فيها المخرج السينمائي بمزاجه وبراحته ومن دون التعرض لمشاكل او ضغوطات،  ليقدم " رؤية " VISION  تكرس للسينما كاختراع للنظرة وعن جدارة، ولذلك سطعت أعمالها السينمائية في الدورة 66 مثل  كوكب منير ..


                                     فيلم " لمسة خطيئة " نبؤة " من الصين


وقد برز ضمن الافلام  من نوع " سينما المؤلف" التي رشحناها  فورا للحصول على جائزة السعفة الذهبية فيلم " لمسة خطيئة " A TOUCH OF SIN  الذي نعتبره أهم فيلم سياسي عرضه المهرجان، وهو يعرض لاربع قصص من خلال أربع حوادث حقيقية وقعت بالفعل في اربع مقاطعات صينية  وجعلت الناس في الصين كلها يتحدثون عنها فقد انتهت  كل قصة بمأساة  مروعة .في القصة الاولي يكتشف مواطن صيني ان عمدة البلدة التي يعيش فيها قد اشتري منصبه فينطلق ليفضح الفساد في قمة السلطة وعندما يعد له رجال العمدة كمينا ويكادوا يقتلونه يقرر وحيث ان القانون لايعتد به في مثل تلك بلاد لاتوفر للمواطن الرعاية والحماية والأمن الضرورية ، يقرر أن ينتقم بنفسه لنفسه فيحمل بندقية ويقتل برصاصها العمدة ورجال العمدة ويستريح. وتبرز احدي قصص الفيلم التي تعمل فيها سيدة في استراحة أو عيادة سونا وعندما يرغب احد الرجال في مضاجعتها تقول له انها تعمل فقط كمشرفة وليست مومسا فيضربها بحفنة من الاوراق المالية ويظل يضربها لمدة ثلاث دقائق ويمعن في ضربه فتلتقط سكينا في غفلة منه وتروح تطعنه وتطعنه ويتفجر الدم في وجهها ويتناثر على ملابسها ويغرقها في مشهد من أبشع وأقوى المشاهد الدموية في مهرجان كان 66 ويكشف الفيلم من خلال تلك الحوادث التي وقعت بالفعل في الصين ان المسار الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي الحر الجديد الذي ارتضته الصين قد خلق هوة بين طبقة  جديدة من الاثرياء الجدد وبين طبقة من المعدمين  مكونة من الاغلبية الساحقة للشعب الصيني وحولت الصين كلها الى ورش للعمل الحر والبناء والاستغلال والفساد البشعين ودفعت باتجاه الهجرة من  أعماق الريف الى داخل تلك المدن الصناعية الجبارة وخلق طبقة من المجرمين الانتهازيين الذين استباحوا دماء الغلابة من المواطنين الصينيين ودفعهم دفعا في اطار غياب القوانين الى أخذ حقوقهم بايديهم والتمرد وعدم السكوت على الاهانات التي تمارس بحق المواطن الصيني واذلاله واستفزازه بل وتركيعه ولايمكن للمواطن مهما حقر شأنه ولا للانسانية جمعاء ان تسكت على تلك اهانات..
 فيلم لمسة خطيئة هو فيلم  " نبؤة " PROPHECY  لأنه يقول ان ذلك المسار الاقتصادي سيؤدي في امبراطورية الصين العملاقة الى مأساة بل والى الجحيم بعينه وسيدفع باتجاه إما الانتحاركما يفعل أحد أبطال الفيلم وهو شاب يبحث عن اي عمل لكى يوفر الضروريات لاسرته  فينتهي به المطاف الى العمل كخادم في بيت للدعارة وتصرخ أمه في التليفون نحن بانتظار ان ترسل لنا اي مبلغ ارجوك الحقنا ولا من منجد أو معين في تلك القرى الصغيرة في أعماق الريف الصيني البعيدة عن العمران فيستمع المسكين في نصف هدومه لتوسلاتها ويتأسي لحاله وحال أسرته والبشر في تلك الامبراطورية الشاسعة ولايجد مخرجا لمأساته سوى الانتحار، وقد يدفع ذلك المسار الاقتصادي الى التمرد والثورة، ونعتبرهذا الفيلم من أقوى الأفلام السياسية التي كشفت عن حالة الاغتراب أو الاستلاب الكاملة التي تعيشها الاغلبية الساحقة من الشعب الصيني، وكان يستحق الفوز بجائزة أفضل اخراج الا انه حصل على جائزة افضل سيناريو، بينما ذهبت جائزة افضل اخراج لفيلم مكسيكي  لم يكن يستحقها في المسابقة..


                                            "  حياة آديل "  نقطة تحول في المهرجان ؟


 بينما ذهبت جائزة السعفة الذهبية الى فيلم " حياة آديل "  للفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش الذي يعرض لقصة حب بين فتاة مراهقة عمرها 17 سنة وفتاة سحاقية ويتتبع الفيلم بشغف قصة غرامهما لفترة ثلاث سنوات تنتهي بالانفصال ويعرض لمشاهد جنس بين الفتاتين في الفراش وهى المرة الاولي التي يتناول فيها أحد الافلام الفرنسية قصة الحب المثلية هذه وباسلوب كشيش التلقائي الطبيعي الذي عهدناه في أفلامه السابقة حيث يقترب طول المشاهد من المشاهد الواقعية الحقيقية التي تحدث في الحياة ، ولذلك اعتبر النقاد الفرنسيون ان الفيلم يمثل انقلابا ونقطة تحول في السينما الفرنسية بأسلوبه وجرأته  وترافق عرضه مع قانون الزواج الجديد الذي استحدثته الحكومة الفرنسية الاشتراكية الجديدة وهو يبيح الزواج للجميع ولا يجعله قاصرا على زوج رجل من إمرأة بل زواج رجل من رجل آخر وإمرأة بإمرأة اخرى ولذلك صفق النقاد الفرنسيون للفيلم لأنه يدعو الى الحرية الجنسية بكافة اشكالها وقد قام مخرجه وهو يتسلم جائزته بإهداء الفيلم الى الثورة التونسية  والى نساء تونس فالثورة من وجهة نظره لا تكتمل الا عندما تشمل ايضا الثورة في  الجنس..
فيلم " حياة آديل " LA VIE D ADELEصحيح أنه يعتبر نقطة تحول في السينما الفرنسية ويمثل اضافة الى  سينما المذهب الطبيعي التي يمثلها في السينما الفرنسية المخرج الكبير موريس بيالا ويكرس لذلك الاسلوب الذي اتبعه بيالا لتكون السينما الفرنسية وثيقة الصلة بايقاع الحياة كما هي بحلوها ومرها ومن تكليف او تزويق او صنعة فاللطمة التي يتلقاها بطل الفيلم تكون لطمة حقيقية وليست تمثيلا وهو اسلوب ينزع من السينما الفرنسية الذهنية المحفلطة الكثير من التكلف والاصطناعية ويعيد اليها براءة الحياة وطبيعيتها وتلقائيتها ويظهر ذلك بالطبع في فيلم " حياة آديل " في العديد من المواقف في الفيلم  كما في مشهد الالتقاء بافراد اسرة الفتاة الساحقية التي تصبغ شعرها باللون الازرق لكن عبد اللطيف كشيش أنهكنا عند الكثير من المحطات الطويلة والطبيعية في الفيلم لكنها غير ضرورية بالمرة اذ ينشغل زوج أم الفتاة السحاقية في المشهد المذكور بالحديث لمدة دقائق طويلة عن المحار الذي يتناولونه وكيف يجب التأكد قبل تناوله من انه حي، ثم يتوقف عن أكل المعكرونة في محطة اخري ومرة ثالثة يجعل بطلة الفيلم تتكلم وهى تلتهم  ساندويتش شاورمة فلا نفهم ماذا تقول وماهو قصده كما انه يحيل في افبلامه الى روايات مثل رواية حياة ماريان الفرنسية التي يفتتح بها الفيم في قاعة للدرس في مدرسة لكي يقول لنا ان  الفيلم على شاكلة الرواية التي تناقش سوف يحكي عن حياة آديل، وهذا النوع من الافلام التي يصنعها كشيش تجعله يمارس نوعا من السادية SADISME( التلذذ من تعذيب الآخرين ) في تعامله مع الممثلين والفنيين واعادة تصوير المشاهد عشرات المرات حتى ان الفيلم استغرق تصويره فترة خمسة شهور انتجت أكثر من 750 ساعة تصوير تم استخلاص 3 ساعات منها فقط للفيلم ! ! وبسبب هذا المط والتقعر والتطويل لم يعجبني فيلم " حياة آديل " الذي وجدته طويلا جدا ومملا، وسوف يضطر عبد اللطيف كشيش الى اختصار مدة عرض الفيلم في رأيي ويقينا سيفعل لكي يجعله يعرض في الصالات ثلاث أو أربع مرات في اليوم كالمعتاد مع الافلام العادية، وكان بعض الفنيين الذين اشتغلوا في الفيلم ثم تركوا كشيش أثناء التصوير  بعد ان بالغ في تعذيبهم انتهزوا فرصة عرض ومشاركة الفيلم في مسابقة المهرجان للتظاهر ضد كشيش وفضح أسلوبه السادي الكريه ..

                                             

                                       بيرينيس بيجو أفضل ممثلة عن جدارة


وفي حفل ختام المهرجان الدورة 66 أعلن ستيفن سبيلبيرغ رئيس لجنة التحكيم عن جوائز المهرجان التي توزعت كالتالي: حصل فيلم " حياة آديل " على جائزة السعفة الذهبية ، وذهبت الجائزة الكبري الى فيلم " داخل لوين ديفيس " للاخوين كوين من أمريكا ، وذهبت جائزة الاخراج الى فيلم هيليHELI لآمات اسكالانت من المكسيك وفاز بجائزة السيناريو فيلم " لمسة خطيئة " لجيا زانج كي من الصين وفاز الممثل الامريكي القدير بروس ديرن بجائزة افضل ممثل عن دوره في فيلم " نبراسكا " للامريكي الكسندر بين، واستحقت الممثلة الفرنسية من اصل ارجنتيني بيرينيس بيجوBERNICE BEJO جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم " الماضي " للايراني أصغر فرهادي عن جدارة، وفاز فيلم " مثل الأب يكون الإبن " للمخرج الياباني هيروكازو كوريدا بجائزة لجنة التحكيم وحصل فيلم " ايلو ايلو " من السنغافورة للمخرج انطوني شين على جائزة الكاميرا الذهبية، كما حصل فيلم " عمر " للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد على جائزة لجنة تحكيم مسابقة تظاهرة " نظرة خاصة " على هامش المسابقة الرسمية ، ومرة اخرى كانت دورة مهرجان كان السينمائي 66 وبكل تلك الافلام المتميزة الرائعة التي عرضنا لها هنا او لم نعرض لها لضيق المساحة موعدا مع السعادة كما توقعنا وعن حق، حتى لقد تساءل البعض من النقاد في حفل الختام أنه اذا كان  المهرجان قد عرض كل تلك الافلام الرائعة واقتنصها لدورته 66 فماذا تبقى إذن من أفلام لعرضها في المهرجانات السينمائية القادمة في مهرجان فينيسيا مثلا في شهر سبتمبر وغيرها ؟ لاشييء، لاشييء بالمرة ..



عن جريدة " القاهرة " المصرية
بتاريخ الثلاثاء 3 يونيو 2013

ليست هناك تعليقات: