الأحد، يونيو 30، 2013

مختارات إيزيس : عبقرية شعب بقلم سمير فريد





عبقرية الشعب المصرى
 من توكيلات ١٩١٩ إلى استمارات «تمرد»

  بقلم   سمير فريد  
المصريون الذين يخرجون إلى الشوارع اليوم فى كل محافظات مصر تقودهم نخبة الأجيال الجديدة من الشباب الذين قاموا بثورة ٢٥ يناير، لهم دوافع ظاهرة لكل من له عينان وعقل يفكر، ولكن لهم أيضاً دوافع باطنة وعميقة بعمق الوطنية المصرية الحديثة التى تبلورت على أيدى أجدادهم وآبائهم من كل الأديان والأعراق منذ أكثر من مائتى سنة.
المصريون يخرجون اليوم بسبب طوابير السيارات أمام محطات الوقود، وفوضى الحياة اليومية وغياب القانون، وغلاء الأسعار، أو فى عبارة واحدة الفشل فى إدارة الدولة على كل المستويات من الفشل فى المحافظة على نظافة النيل وحصة مصر من المياه إلى الفشل فى الحيلولة دون تحول سيناء إلى وكر للإرهابيين.
ولكن المصريين لا يخرجون احتجاجاً على هذا الفشل فقط، وإنما أيضاً للدفاع عن الوطنية المصرية الحديثة وهويتهم الثقافية الخاصة، نحن شعب يوحد خالق السماوات والأرض قبل الأديان الثلاثة، ويرى الدين يسراً لا عسراً، ويحب الحياة فى عالمنا بقدر ما يذكر الحياة فى العالم الآخر، وكم كان جمال عبدالناصر مصرياً ليس لأنه من أبوين مصريين، فالمصرى من يخدم مصر، وإنما عندما أنشأ راديو لإذاعة القرآن الكريم وآخر لإذاعة أغانى أم كلثوم، وكلاهما على مدار الساعة.
وقد تبلورت الوطنية المصرية الحديثة فى بداية القرن العشرين، وأعلنت للعالم عن وجودها مع ثورة ١٩١٩ الشعبية الكبرى، ودستور ١٩٢٣ بعد انفصال مصر كلياً عن الإمبراطورية العثمانية، التى سميت خلافة إسلامية، ليس لأن القرآن يحدد نظاماً ما للحكم، وإنما لأن الإسلام جاء فى عصر الإمبراطوريات، وكان لابد أن تكون له إمبراطورية بدوره بمنطق ذلك العصر.
وتجلت عبقرية الشعب المصرى فى التوكيلات التى وقعها إلى زعيم ثورة ١٩١٩ سعد زغلول ليمثل الأمة المصرية، وليس للحاكم أو رئيس مجلس الوزراء أو وزير الخارجية، ومن المؤكد أن ثورة ٢٠١١ هى الثورة الشعبية الثانية فى تاريخ مصر بعد نحو قرن من ثورة ١٩١٩. وها هى عبقرية الشعب تتجلى مرة أخرى فى استمارات «تمرد» بعيداً عن كل الأحزاب الحاكمة والمعارضة.
مظاهرات اليوم ليست مجرد «تمرد» على نظام حكم الإخوان فقط، وإنما دفاع عن الوطنية المصرية الحديثة ضد من يريدون العودة بمصر إلى عصر «الخلافة» الذى ولّى، ومن يقولون إن ماليزياً مسلماً أقرب إليهم من قبطى مصرى: الماليزى المسلم أخ فى الإسلام، ولكن القبطى المصرى أخ فى الوطن، والدين لم يكن أبداً ضد الوطنية.

عن جريدة المصري اليوم 
بتاريخ 30 يونيو 2013

ليست هناك تعليقات: