الأحد، نوفمبر 25، 2007

نقد سينمائي : عماد النويري يكتب عن فيلم بيوولف والكمبيو سينما

عماد النويري








فى ( بيوولف ) زيميكس يضيع الاسطورة
وام غريندل

تفتن الملوك والابطال

عرض وتحليل عماد النويرى

كان لى ان اختار بين مشاهدة عدة أفلام ،من تلك التى تعرض على شاشات الكويت في الوقت الحالي للكتابة عنها لصفحة السينما هذا الأسبوع , وبمجرد متابعة سريعة لما يعرض ،كان من الطبيعي ان تميل كفة الاختيار لفيلم بيوولف . والسبب الأول لهذا الاختيار ان مخرج الفيلم الفيلم هو روبرت زيميكس الذى قدم للسينما العالمية كمنتج وكاتب وممثل ومخرج قدير مجموعة من الأفلام المهمة التى حازت على الكثير من التقدير النقدي والجماهيري إضافة الى حصولها على العديد من جوائز الأوسكار مثل فيلم فورست جامب، والسبب الثاني هو الاطلاع على فصل آخر من فصول تجربة تقنية سينمائية جديدة ، وهى تقديم أفلام رسوم متحركة بالبعد الثالث، تماثل الى حد مذهل تجربة تقديم ممثليين طبيعين . والسبب الثالث هو وجود اسماء كبيرة مرتبطة بالفيلم , حتى وان ولم يظهروا فيه مثل جون مالكوفيتش وانتونى هوبكنز وانجلينا جولى . و السبب الرابع هو وجود أسطورة البطل الشعبي ( بيوولف )في ترجمة مرئية ومسموعة ، وكان من المهم معرفة كيف تلعب السينما دورها في استحضار الأساطير، وتحويلها الى شى ساحر بقدرته ان يفتن المشاهد، ويجعله مبهورا ومسحورا بحكايات وخيالات الأولين . لكن هل يكفى كل ذلك ليصنع فيلما ناجحا . وكان لابد من المرور اولا على معنى الأسطورة مع إطلالة على بطل الأسطورة للتعرف على حكايته الأصلية
علاقات والهام
الأسطورة هي الجزء الكلامي المصاحب للطقوس البدائية حسب رأي كثير من الباحثين ، وبعضهم يؤكدون أن الطقس أسبق من الأسطورة ، وقد احتفظ التراث الشعبي بكثير من العناصر الأسطورية والطقوسية ، ، وتعتبر الأساطير أقدم مصدر لجميع المعارف الإنسانية
و الأساطير هي الأحاديث التي تفتقر إلى النظام ، وهي جمع الجمع للسطر الذي كتبه الأولون من الأباطيل والأحاديث العجيبة ، وسطر تسطيرا تعني أنه ألف وأتى بالأساطير . والأسطورة هي الأقوال المزخرفة المنمقة . وكانت الأسطورة عند القدماء تمثل علاقتهم بالكائنات ، وآراءهم في الحياة ، ومشاهداتهم ، وكانت مصدر أفكارهم ، ألهمتهم الشعر والأدب ، وكانت الدين والفلسفة معا
قاسم مشترك
وتشكّل الأسطورة الشعبية والتراثية التاريخية كما يرى الدكتور عبد المعطى شعرواى في كتابه (أساطير إغريقية ) , حيزاً زمانياً ومكانياً مهماً في تاريخ الحضارات الإنسانية المتعاقبة والمتزامنة, وبالتالي في تاريخ الفكر البشري منذ تشكلاته الأولى حتى الوقت الراهن، فما من شعب من الشعوب او امة من الامم الا ولها أساطيرها وخرافاتها الخاصة بها، ومن الملاحظ ان ثمة تداخلا واضحا بين هذه الأساطير، فالأسطورة الواحدة تنمو وتتشعب لتنتقل من حضارة الى اخرى ، فعلى سبيل المثال يلاحظ ان اسطورة «تموز وعشتروت» او ادونيس وعشتار هي بابلية ويونانية ورومانية وفينيقية وان اختلفت التسميات الأسطورية للشخصيتين الأسطوريتين «عشتار» وادونيس، فان قاسما مشتركا بين ملامحها وخصائصها وابعادها الأسطورية ومدلولات رموزها. وكذلك أسطورة «شهرزاد وشهريار» فان لها بعدا اجتماعيا وسياسيا وفكريا في التاريخ، هذا التاريخ الذي يمتد الى الحضارات الهندية والفارسية والعربية التي شكلت الف ليلة وليلة، فالأسطورة هي نتاج معرفي جماعي يجسد وضعا معرفيا انثروبولوجيا، بوساطته يمكننا دراسة المكونات الثقافية والفكرية لدى امة من الامم، او شعب من الشعوب، وهي بنية مركبة من تاريخ وفكر وفن وحضارة، وبالتالي فان لها قدرة على الامتداد ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ويمكن اعتبارها مرجعا ثقافيا متميزا تنهل منه الكثير من الدراسات الاجتماعية والفكرية والتاريخية والفلكلورية، انها مكوّن أساسي من مكوّنات الفكر الإنساني، وقد رافقت الانسان في كفاحه المتواصل مع الطبيعة وتبدلاتها وقسوة الحياة وشظفها، وهي المعادل لخيبات هذا الانسان، والبؤرة التي يرى منها النور والفرح واشراقات المستقبل. انها تجسد حلم الانسان في مستقبل اكثر نقاء، وفي علاقات اكثر تكافؤا وعدالة. ولم يقتصر تأثير الفكر الأسطوري على الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية فحسب، بل تعداها الى انواع الفنون كافة: الرسم والموسيقى والنحت والشعر والرقص، بالإضافة الى معظم الاجناس الأدبية التي استفادت منه - اي الفكر الأسطوري – فالاسطورة موجودة في القصة والرواية والمسرح، وقد اثرت حديثا في الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية ، وهي في بنيتها العميقة رؤية شعرية مركبة تجمع بين التاريخ والفكر والفن . وسنكتفى بذلك القدر من تعريف الأسطورة التى هى فى بنيتها العميقة مرة ثانية رؤية شعرية مركبة ، تجمع بين التاريخ والفكر والفن
اشارات ضمنية
واذا كان الادب الانكليزي القديم يعود بالدرجة الأولى إلى الثقافة العالمية للمملكة الإنجلوسكسونية، التي كانت موجودة في القرن الخامس الميلادي وانتهت على يد الغزو الروماني. ولعل المصطلح الأكثرُ دقة لوصف تلك الحقبة هو الأدب الإنجلوسكسوني" فان من اشهر ما كُتب في تلك الحقبة هو ملحمة بيوولف، التي تحلق بنا إلى عصر اشتهر بمحاربة الوحوش وقتلها في الدول الاسكندنافية , إلا أنها تتضمن في الوقت ذاته صراعاً بين الخير والشر، بين ما هو إنساني وما هو وحشي، إذ يظهر الوحش الرئيسي في الملحمة، غريندل، على انه عدوُ الإله، وكان يتطلب من قارىء هذه الملحمة أن يستشف ليس الإشارات التي تُنَوَّهُ إلى عالم الأسلاف فحسب، بل عليه أن يميّز الإشارات الضمنية للجانب البطولي في المجتمع المسيحي أيضاً. وإن الأفعال المسيحية والبعثات والاستشهاد لتخليص العالم مما هو عليه من آثام يمكن تفسيره حسب مفاهيم البطل المتعلقة بالكتاب المقدس في هذه الملحمة، بمعنى آخر أن البطل في هذه الملحمة، بيوولف، يوَّفِقُ ما بين مَن ينعمُ في مجتمع زراعي يسوده النظام والاستقرار، ومَن ينعَمُ في مجتمع لا يسوده الاستقرار بل يشهد تجوال بطله المحارب. فنلاحظ بطل الملحمة، بيوولف، يقفزُ من ثقافة دينية ينظر إليها كسرّ من أسرار الديانة النصرانية ولا يمكنه فكّ لغزها ببساطة وكأنها تُحجب نفسها عن الآخرين بحجاب، ويرى في الطبيعة علامات ومعاني لا يمكن فكّ طلاسمها، ورعبا وإعجازا يجسده الوحش الرئيسى في الملحمة، غريندل، وأعوانه وأقاربه وكذلك التنيين، وكل ذلك يدّل على تعدد الأغراض الدينية التي تحملها الملحمة، حيثُ أنه كلـَّما تمّ فهم معجزة الإله فهما صحيحا يمكن عندئذ استيعاب إرادته ومشيئته، وكذلك كلـّما تمّ فهم الصراع القائم بين الخير، المتمثل بالإنسان، والشر، المتمثل بالشيطان، فإنه يمكن وقتئذ فهم الغرض من وراء ذلك الصراع. وعندما تصل الملحمة إلى الحل ويوشك البطل بووليف أن يقضي على آخر تنيين، يظهر بووليف بمظهر الرجل المتعب الذي ما إنفك يفكر بمصيره المحتوم، وتأتي الخاتمة بموت البطل وأجواء الحزن والتشييع الفخم الذي يليق بمقامه، فموت بيوولف يترك فراغا سياسيا يحاول أمراء المقاطعات المتاخمة استغلاله
وكل هذه المقدمة الطويلة عن تعريف الأسطورة وعن حكاية ( بيوولف ) لنقترب اكثر من الفيلم الذى يعرض الان على شاشات العرض العالمية كما يعرض فى الكويت فى الوقت ذاته
خلل اساسى
ازعم ان الفيلم على مستوى السيناريو لم يحاول ان يتفهم بشكل عميق المغزى الأخلاقي لاسطورة ( بيوولف ) . ولم تكن العلاقات واضحة بما فيه الكفاية بين الملك هروثغار والوحش ( غريندل ) كما لم تكن العلاقة واضحة بين بيوولف وام غريندل ويمكن استنتاج العلاقات من تطور الاحداث فكما يبدو فان غريندل هو ابن الملك هروثغار كما ان التنين الذى اخذ يصارع ( بيوولف ) هو ابن ( بيوولف ) من ام (غريندل ) التى يبدو انها اغوته عندما ذهب لقتلها فى البحيرة المظلمة . وللآسف لم نتعرف اكثر على ام (غريندل ) الفاتنة الساحرة المتوحشة المغرمة بإغواء الملوك والأبطال حتى تلد منهم مخلوقات مشوهة ومتوحشة . ثم لم نتعرف كثيرا على تاريخ الوحش ( غريندل ) الذى اتانا كمسخ مقرف يقطع راس واحد من مهاجميه ثم يقوم امامنا بقرمشتها ثم مضغها بطريقة مقرفة ومقززة . وعندما يقطع بيوولف ) يده يذهب هذا ( الجرندل ) الى امه باكيا مثل طفل صغير . وهو فى الواقع لايثير شفقتنا ولايستحوز على تعاطفنا
وبالنسبة للملك هروثغار لم يقدم لنا السيناريو اى دلائل تشير لنا عن طبيعة هذه المملكة التى يحكمها هذا الملك كل ماشاهدناه عبارة عن مجموعة من علية القوم وبعض الحرس فى قاعة خاصة بالسكر والعربدة , ولم نجد ابدا مملكة لها تاريخ وشعب يستحق الحياة . ( يمكن هنا نتذكر فيلم ( قلب شجاع ) لميل غبسون وكيف تم التعاطف مع البطل الأسطوري لانه كان يحمل قضيةواضحة وكانت دوافع مبررة .) . هل نستطيع ان نقول ان بيولف بطل يستحق ان نتعاطف معه وقد رسمه السيناريو كبطل مغرور وزير نساء جاء من أعماق البحر ليدافع عن مملكة بلا شعب وملك فاقد للوعى من طول معاقرة الشراب . اذن وكما يبدو فان الخلل الأساسي الذى وقع فيه السيناريو انه فرغ الأسطورة من محتواها الأخلاقي وخلط بين المفاهيم والقيم , ومزج بين الخير والشر في توليفة شيطانية ثم قدم لنا تسلية قليلة الدسم بعيدة عن اى عمق فكرى من تلك الأعماق التى تهدف الاساطير لسبر اغوارها
فتوحات عظيمة
على مستوى الفيلم ( الفن ) يمكن الحديث عن فتوحات عظيمة فى عالم التقنية السينمائية، ويمكن الحديث على مقدرة كبيرة ومتفردة فى صناعة الصورة السينمائية بالطرق الحديثة . كما يمكن الإشارة الى عبقرية المخرج روبرت زيمكيس , واعتباره واحدا من اهم المخرجين المعاصرين، الذين يقومون بتسخير الكمبيوجرافيك لصناعة صورسينمائية بديلة تختصر الوقت , وتلغى الممثل وتمثل صفحة جديدة فى الوقت ذاته فى تاريخ التمثيل .وبلا شك ومع هذا الفيلم يمكن القول ان السينما قريبا ستتحول بالكثير من عناصرها الاساسية الى فعل كمبيوترى . طبعا هذا يحدث منذعقود ، لكن ماسوف يحدث قريبا هو اننا بحق على عتبات مايمكن تسميته ب ( الكمبيوسينما ) لكن فى زحمة كل ذلك يبدو ان زيميكس نسى او ربما تناسى اهمية ان يقدم لنا ماوراء الصور . وكل ماقدمه لنا عبارة عن اباطيل واحاديث عجيبة

ليست هناك تعليقات: