بعث الينا القاريء احمد مستجير من المغرب الرسالةالتالية ويقول فيها
هل سمة " الحوار المتمدن " السطو علي كتابات الغير ؟
السيد صلاح هاشم رئيس تحرير مجلة " سينما ايزيس" بعد التحية
كنت ابحث في محرك جوجل عما كتب عن فيلم " طرفاية " للمخرج المغربي داود اولاد سيد ، فوجدت مقالا لسيادتكم بعنوان " قراءة في افلام وأعمال تطوان السينمائي الثاني عشر .مريم المغرب رمانة من الجنة، وتحرير الذاكرة المعتقلة في عهد جديد " منشورة في قسم " خاص بسينماتيك " في موقع سينماتيك حسن حداد، بتاريخ 3 ابريل 2005 ، ثم أني وجدت اثناء بحثي ايضا مقالا آخر كتبه الناقد السوري محمد عبيدوبعنوان " السينما في المغرب 8 " نشر في موقع الحوار المتمدن العدد 1659 بتاريخ 31 اغسطس 2006 ،ونشر المقال علي أنه فصل من كتاب للناقد المذكور بعنوان " سينما المغرب العربي " ولا اعرف ان كان هذا الكتاب قد صدر بالفعل. وأريد هنا أن أنبه سيادتكم والجهة التي صدر عنها وتحت مسئوليتها هذا الكتاب، أن محمد عبيدو الذي يسمي نفسه ناقدا، قد سطا علي ما كتبته عن فيلم " طرفاية " ، ونسبه الي نفسه من دون الاشارة الي المصدر الذي أخذ عنه ، لذلك يبدو لي ان كتابه ذاك لابد ان يكون مجرد تجميع لكتاباتك وكتابات نقاد آخرين عن السينما المغربية وأفلامها، اي " قص ولزق" وسطوعلي حقوق الغير، وأنه لم يشاهد هذه الافلام التي كتب عنها في كتابه. والدليل علي ذلك ايضا انه سطا ايضا علي ماكتبته بشأن فيلم " ماروك " المغربي الذي عرض في مهرجان " كان " وكتبت عنه في معرض تغطتيك للمهرجان في موقع ايلاف الاليكتروني ، الذي كنا نتابع فيه باعجاب كتاباتك النقدية المبدعة. وقد اخذ محمد عبيدو ما كتبته عن " ماروك " من مقال لك ايضا بعنوان " بانوراما الحضور العربي الافريقي " منشور بتاريخ 29 مايو 2005 في " خاص بسينماتيك " في موقع سينماتيك حسن حداد، لتدرك ايضا ان ذلك المحمد عبيدو قد سطا ايضا علي مقالك عن الفيلم، ونقله حرفيا الي مقاله في موقع الحوار المتمدن، ثم كتابه المزعوم من بعد ، كما فعل مع فيلم " طرفاية " ، و من دون ان يشير الي المصدر الذي أخذ عنه .ومرفق المقال الذي كتبته سيادتكم في موقع سينماتيك مع الرابط ، والمقال الذي كتبه محمد عبيدو بعدها بسنة في موقع " الحوار المتمدن" مع الرابط ايضا، وقد لونت السرقة الكبيرة التي ارتكبها محمد عبيدو باللون الاخضر في مقاله، حتي يتبين لحضراتكم حجم هذه السرقة التي ارتكبها، و التي يبدو انها اصبحت مع عبيدو سمة " الحوار المتمدن " الجديد ، أي السطو علي، ونهب حقوق الغير. فليعلم الجميع من الآن فصاعدا أن ذلك المحمد عبيدو هو ناقد مزيف ولص جبان ، يسطو علي كتابات الغير ، وينسبها الي نفسه ، ويجب ان يفضح أمره في كل مكان
انا اعرف ان سينما ايزيس لاتريد ان تنشغل بمثل تلك أمور، وتنصب نفسها كلب حراسةعلي الانترنت، لكني أكره ان تصبح ممتلكاتكم ملكا مشاعا ومباحا لمن يشاء، يغرف منه وينسبه الي نفسه .حرام. وارجو ان لا اكون ازعجتكم.اردت فقط أن أنبه الي تلك سرقات، وفضح هؤلاء النقاد المزيفين
وتفضلوا بقيول فائق الاحترام
سينما ايزيس تنشر رسالة القارييء من دون تعليق
-----------------------------------------------------------------------------------------
قراءة في أفلام وأعمال تطوان السينمائي الثاني عشر 2 من 2
مريم المغرب رمانة من الجنة، وتحرير
مريم المغرب رمانة من الجنة، وتحرير
الذاكرة المعتقلة في عهد جديد
بقلم صلاح هاشم
اعتبر أن أهم وأحسن فيلمين عرضهما مهرجان تطوان السينمائي في دورته 12 هذه, هما فيلم "طرفاية" أو باب لبحر " للمغربي داود أولاد سيد, وفيلم " الذاكرة المعتقلة " للمغربي جيلالي فرحاتي, ودخل الفيلمان مسابقة المهرجان, بالإضافة إلي إعجابي بفيلمين مصريين متميزين, هما " بحب السيما " لأسامة فوزي, الذي دخل المسابقة, وفيلم " أحلي الأوقات " لهالة خليل, الذي عرض في تظاهرة " بانوراما عربية " علي هامش المهرجان. فيلم " باب لبحر " لداود أولاد سيد هو عبارة عن قصيدة سينمائية عذبة, تحكي بالسينما والصمت والتأمل أكثر مما تحكي بالكلام. تحكي عن " مريم ", الشابة المغربية التي تهبط إلي مدينة " طرفاية " الصحراوية الصغيرة, في جنوب المغرب, في مواجهة اسبانيا, وهي تبحث عن تريكي احد مهربي الأنفار, الذي يختلف عن غيره من المهربين الذين يعيشون في المدينة, إذ يتقاضي مبلغا من المال نظير نقل الشخص وتهريبه في قارب, فإذا فشلت محاولة تهريبه , فان التريكي يكرر المحاولة مع نفس الشخص, حتى ينجح أخيرا في الوصول إلي الضفة الأخرى, ولهذا السبب قصدته " مريم ". لكن احد لا يعرف من أين أتت مريم , ولا غرابة, إذ أنها تحب أن تخترع قصصا عن مدن خيالية, وتقول إنها أتت من مملكة مغربية اشترتها اسبانيا , ثم غيرت اسمها, وتحوم حول " مريم " الشبهات, حين تصل "لالا فاطمة" سيدتها إلى " طرفاية ", وتبلغ رئيس الشرطة, الذي قارب علي ترك عمله لبلوغه سن المعاش, ويقع رغم كبر سنه في غرام مريم , تبلغه إن " مريم " سرقت مبلغا من المال من بيتها , حيث كانت تعمل كخادمة, ولاذت بالفرار, ولاشك أنها ستدفع المبلغ الذي سرقته, نظير نقلها عبر البحر إلى اسبانيا
اعتبر أن أهم وأحسن فيلمين عرضهما مهرجان تطوان السينمائي في دورته 12 هذه, هما فيلم "طرفاية" أو باب لبحر " للمغربي داود أولاد سيد, وفيلم " الذاكرة المعتقلة " للمغربي جيلالي فرحاتي, ودخل الفيلمان مسابقة المهرجان, بالإضافة إلي إعجابي بفيلمين مصريين متميزين, هما " بحب السيما " لأسامة فوزي, الذي دخل المسابقة, وفيلم " أحلي الأوقات " لهالة خليل, الذي عرض في تظاهرة " بانوراما عربية " علي هامش المهرجان. فيلم " باب لبحر " لداود أولاد سيد هو عبارة عن قصيدة سينمائية عذبة, تحكي بالسينما والصمت والتأمل أكثر مما تحكي بالكلام. تحكي عن " مريم ", الشابة المغربية التي تهبط إلي مدينة " طرفاية " الصحراوية الصغيرة, في جنوب المغرب, في مواجهة اسبانيا, وهي تبحث عن تريكي احد مهربي الأنفار, الذي يختلف عن غيره من المهربين الذين يعيشون في المدينة, إذ يتقاضي مبلغا من المال نظير نقل الشخص وتهريبه في قارب, فإذا فشلت محاولة تهريبه , فان التريكي يكرر المحاولة مع نفس الشخص, حتى ينجح أخيرا في الوصول إلي الضفة الأخرى, ولهذا السبب قصدته " مريم ". لكن احد لا يعرف من أين أتت مريم , ولا غرابة, إذ أنها تحب أن تخترع قصصا عن مدن خيالية, وتقول إنها أتت من مملكة مغربية اشترتها اسبانيا , ثم غيرت اسمها, وتحوم حول " مريم " الشبهات, حين تصل "لالا فاطمة" سيدتها إلى " طرفاية ", وتبلغ رئيس الشرطة, الذي قارب علي ترك عمله لبلوغه سن المعاش, ويقع رغم كبر سنه في غرام مريم , تبلغه إن " مريم " سرقت مبلغا من المال من بيتها , حيث كانت تعمل كخادمة, ولاذت بالفرار, ولاشك أنها ستدفع المبلغ الذي سرقته, نظير نقلها عبر البحر إلى اسبانيا
فيلم " باب البحر " هو من دون جدال , أفضل أفلام داود أولاد سيد, الذي يناقش في كل أفلامه" وداعا سويرتي" و"حصان الريح " و" باب لبحر " فيلمه الثالث, يناقش قضية الهجرة, داخل وخارج المغرب, ويتساءل في كل فيلم: تري ما هي الأشياء التي تجعلنا في هذا البلد, مدفوعين هكذا إلى الترحال الدائم, خارج نفوسنا, وخارج أوطاننا, هل هذا هو قدر الإنسان في المغرب. يطرح داود دائما تساؤلات, ولا يقدم إجابة, بل يتركنا مع تساؤلاته وألغازه, يتركنا لنتأمل ونفكر, ونستمتع بجمال الفيلم..
مريم " المغرب: رمانة من الجنة ؟
ينحاز داود في كل أفلامه إلى الغجر الرحل, إلى الكادحين الهامشيين المعذبين المشردين, بلا ارض أو وطن, ويشرح لنا كيف يقع البعض من هؤلاء, الذين يحملون حلمهم إلى " طرفاية " ويقفون في طوابير انتظار طويلة, استعدادا للرحيل إلى اسبانيا, ومواجهة خطر الموت غرقا , يقعون في مصيدة المهربين اللصوص, الذين يسطون علي أرواحهم. تحط مريم في طرفاية, وتسكن عند الحاجة, التي تقوم بتأجير عدة غرف في بيتها بالمدينة, للفتيات المغربيات اللواتي يتقاطرن علي المكان, وتبدأ مريم في التعرف علي المكان وأهله: تتعرف علي حسن, الذي سرق كل أموالها في أول الفيلم وهرب, ثم اعتذر لها في ما بعد عن فعلته, واعتبر الأمر مزحة, وراح يتعقبها في ما بعد أينما ذهبت, وهو يتعذب لأنه يحبها , وهي لا تعيره اهتماما, إلى أن تقبل مريم يوما أن تدلف الى داخل كوخه الصغير, فإذا بها في حضرة عشرات الأقفاص, التي تحتوي علي طيور الزينة, التي يعيش معها في وحدته الموحشة, وضياعه الأبدي
مريم " المغرب: رمانة من الجنة ؟
ينحاز داود في كل أفلامه إلى الغجر الرحل, إلى الكادحين الهامشيين المعذبين المشردين, بلا ارض أو وطن, ويشرح لنا كيف يقع البعض من هؤلاء, الذين يحملون حلمهم إلى " طرفاية " ويقفون في طوابير انتظار طويلة, استعدادا للرحيل إلى اسبانيا, ومواجهة خطر الموت غرقا , يقعون في مصيدة المهربين اللصوص, الذين يسطون علي أرواحهم. تحط مريم في طرفاية, وتسكن عند الحاجة, التي تقوم بتأجير عدة غرف في بيتها بالمدينة, للفتيات المغربيات اللواتي يتقاطرن علي المكان, وتبدأ مريم في التعرف علي المكان وأهله: تتعرف علي حسن, الذي سرق كل أموالها في أول الفيلم وهرب, ثم اعتذر لها في ما بعد عن فعلته, واعتبر الأمر مزحة, وراح يتعقبها في ما بعد أينما ذهبت, وهو يتعذب لأنه يحبها , وهي لا تعيره اهتماما, إلى أن تقبل مريم يوما أن تدلف الى داخل كوخه الصغير, فإذا بها في حضرة عشرات الأقفاص, التي تحتوي علي طيور الزينة, التي يعيش معها في وحدته الموحشة, وضياعه الأبدي
يؤسس داود فيلمه علي علاقة مريم بالمكان وأهله, وفقط في هذه المنطقة, أو نقطة العبور, عند حافة البحر, في طرفاية, تصبح مريم اللاشيء العدم, مريم اللغز المحير, واحد لا يعرف من أين هبطت, تصبح كيانا إنسانيا حقيقيا, فالجميع يحبونها, ويريدون لها أن تحقق حلمها في ركوب البحر, ومن ضمنهم ذلك الغلام, الذي اصطحبها في أول الفيلم, ليبحث لها عن سكن, لكن حين أزف وقت الرحيل فجأة, إذا به يطالبها أن عثرت علي والده في اسبانيا , أن تبلغه إن أسرته تغفر له بعد أن هرب فعلته, وتسأله العودة إلى أهله. ولاحظ كيف أن مريم قبل أن تصل إلى طرفاية لم تعش في المغرب, طبعا كانت تعيش في المغرب, لكن من دون أن يشعر احد بوجودها, أو يهتم بأمرها. كانت مريم, مثل كل الفقراء المطحونين المعذبين, مادة فقط للاستغلال البشع والقهر, وكان عليها , في وطن يلفظها, أن تركب البحر إلى اسبانيا, لكنها فقط حين وصلت إلى طرفاية, إذا بها تتحول من شبح, إلى كيان إنساني من لحم ودم ومشاعر, وإذا بها تستشعر دفء القلوب الحانية من حولها, وهي تتأسي لحال مريم وحالها, ويقف الجميع في طابور الانتظار الطويل في انتظار المخلص. وفقط حين كان البحر يلفظ الجثث الغارقة , أكثر من 15 جثة كل يوم, كان الأطفال يركضون مع الكبار إلى الشاطئ , في صحبة رئيس الشرطة في طرفاية, ويتفرجون علي الآثار التي خلفتها تلك الجثث علي الشاطئ , قبل نقلها إلى المشرحة, ويصعب علي الجميع أن تغادرهم مريم وتتركهم
فجأة مع وصول مريم , تحيا المدينة من جديد, تنبض , تتنفس, فتصبح مريم هي المركز, تصبح الأم والأخت والصديقة والحبيبة, ويتحلق الجميع حولها, وكأنها أمهم الكبيرة المغرب, بأصالته وعراقته وطيبة أهله, وهم لا يريدون الآن أن تغادرهم, وتتركهم لبؤسهم. ومن أروع مشاهد الفيلم , مشهد مريم فوق سطح البيت في الليل, وهي تطل علي أنوار المدينة الاسبانية القريبة , في صحبة صديقتها, وتلخص مريم في كلمتين موضوع الفيلم, ومأساة الغربة, فتقول لصديقتها يبدو انه بقدر ما يحل الظلام في المغرب, بقدر ما يحل النور في الطرف الآخر في اسبانيا, وكلما خفتت الأنوار هنا وعشش الظلام, كلما تألقت الأنوار هناك أكثر وعم الحبور والفرح, واعتبر هذا المشهد من أعظم, إن لم يكن أعظم مشهد في كل الأفلام التي شاهدتها في تطوان السينمائي 12 وأعمقها تأثيرا, وبه, وبكل مشهد في ذلك الفيلم , الذي يكشف عن " نظرة " داود الفنية الإنسانية , التي تجعله ينحاز في كل أفلامه إلى هؤلاء الهامشيين البسطاء المعذبين, ومن دون أن يفقد سحر السينما, الذي يغمس فيه فرشاته مثل فنان رسام, ثم يروح يتحفنا بجماليات اللقطة, وتناغم وتناسق الألوان, وهرمونية الإيقاع, وفي صحبة شريط الصوت الرائع في الفيلم, يدلف " باب لبحر" بهذا المشهد في قفطان من حرير إلى كلاسيكيات السينما المغربية العظيمة مثل " شاطئ الأطفال الضائعين " لجيلالي فرحاتي, ويصبح " تحفة " سينمائية, تلغي ببساطتها وعذوبتها وفنها السينمائي الرفيع, كل الريبورتاجات التلفزيونية التي تناولت ذات الموضوع ,حتى صار اعتياديا وتافها و مبتذلا, في حين يشمخ " باب لبحر " بواقعيته ومصداقيته, مثل طقس روحاني, يقربنا من إنسانيتنا, ويجعلك تتعاطف مع شخصياته, ويسحبك إلى عالمهم, فإذا بك تعجب بهذا اللغز المحير في الفيلم, أي مريم, وتقع مثل الجميع في حبها, وتتمني لو كنت طيرا لتحملها إلى شاطئ الأمان, وتحافظ عليها مثل رمانة من الجنة
تحرير "الذاكرة المعتقلة" في عهد جديد
أما فيلم " الذاكرة المعتقلة " للمخرج المغربي الكبير جيلالي فرحاتي, الذي يحكي عن سجين سياسي فقد ذاكرته, ويحاول من خلال رحلة في أنحاء المغرب في صحبة شاب, أن يلملم أشلاء كيانه الممزق الضائع المحطم, فهو من انضج أفلام جيلالي فرحاتي, الذي يضطلع بدور البطولة في الفيلم, ويذكرك هنا بيوسف شاهين, الذي اضطلع بدور البطولة أيضا في فيلمه الأثير " باب الحديد ".عاش جيلالي في الدور, وذاب فيه , حتى نسينا انه مخرج الفيلم, واندمجنا معه في حكايته. يصور جيلالي في فيلمه مأساة جيل السبعينيات من المناضلين, الذين دافعوا عن حرية الإنسان في المغرب, ويحكي كيف اكتوي ذلك الجيل بنار السجون والمعتقلات, وصار حطاما, لكنه علي عكس الأفلام السياسية الميلودرامية من هذا النوع ,التي تحتشد بصور الدم والعنف والجلد والتعذيب, يطهر جيلالي فيلمه من العويل والصراخ والبكاء, ويحوله إلى قصيدة للتفكر والتأمل , من خلال العودة إلى المكان الذي انطلقنا منه, كما يقول الشاعر الانجليزي ت.اس.اليوت( الأرض الخراب ), لكي نعيد استكشافه من جديد, وللمرة الأولى.فيلم جيلالي هو إذن رحلة استكشافية في الذاكرة المغربية, ذاكرة الماضي وذاكرة الحاضر, وقد أراد به أن يكون تحية إلى كل المناضلين السياسيين الشرفاء في المغرب, من جيل السبعينيات, مثل هذا المعلم الذي يحكي عنه في الفيلم, ويستخدم حواسه لا عقله, لكي يتذكر من خلال ملمس قطعة الطباشير فقط, انه كان يكتب بها الدروس علي السبورة, ويتذكر انه كان معلما, ثم وقع له ويا للأسف ما وقع. وكان جيلالي, كما ذكر لي حين التقيته في مهرجان القاهرة 28 في العام الماضي, ونال فيلمه جائزة أحسن سيناريو, وأعجبت بالفيلم وكتبت عنه , كان يفكر في صنع هذا الفيلم منذ أكثر من عشرين عاما, لكي يرد الاعتبار إلى جيل كامل, كان يناضل آنذاك في المغرب, يقتل ويعذب, ويلقي به وبأفراد أسرته في السجون والمعتقلات, في حين كان جيلالي وقتذاك, يدرس السينما في باريس, ويستمتع بأجواء الحرية في مدينة النور. ويمثل جيلالي فرحاتي رمزا مهما في السينما المغربية بأفلامه الواقعية الفنية العميقة, التي تنحاز إلى الفقراء المسحوقين, وتغوص عميقا في الكيان الروحاني للمغرب, ويكفيه جيلالي انه اخرج عملين من ابرز واهم الأفلام في تاريخ السينما المغربية, ونعني بهما فيلم " شرخ في الجدار " و" شاطئ الأطفال الضائعين " , وقد أراد بفيلمه " الذاكرة المعتقلة " ذاك , أن يحرر تلك الذاكرة المغربية بنفسه من الحبس, ويطلقها في فضاء المغرب الحر من جديد, في العصر الجديد, ويثبتها وتدا للاعتبار والتفكر والتأمل والنظر, لكي يصبح الفيلم – من هذا المنظور- ومع اتساع هامش الحريات , بمثابة " هدية " إلى الضمير المغربي, والعهد الجديد, ضد آفة حارتنا: النسيان
حقق مهرجان تطوان, تحت إدارة احمد حسني وعبد اللطيف البازي وحميد عيدوني ونور الدين بندريس وادريس السكايكة ومحمد ضياء السوري ومحمد بويسف الركاب من جمعية أصدقاء السينما بتطوان,حقق الكثير هذه المرة, بتنوع وتعدد أفلامه , وثراء ندواته( السينما والمدرسة ) وتكريماته( للمغربي عبد القادر لقطع. للمصري محمد خان.للفرنسي المنتج الراحل أمبير بالزان ), وكانت هذه الدورة 12 بمثابة ميلاد جديد لمهرجان جديد, انتقل من طور الهواة إلى طور الاحترافية, وهو يؤهل في رأينا تطوان بالفعل, إذا حافظ علي هذا المستوي, لأن تكون " عروس سينما البحر الأبيض المتوسط" عن جدارة, كما انه بتدخل الدولة المغربية -وزارة الاتصال- ودعمها, قطف المهرجان ثمرة كفاحه منذ عشرين عاما, لخلق أرضية سينمائية واعية, وذائقة جديدة في الحاضرة الأندلسية تطوان, فكان أن تأسست هذا العام للمهرجان إدارة جديدة, تمهيدا لخلق " مؤسسة مهرجان تطوان السينمائي ", التي سوف تصبح "جمعية أصدقاء السينما في تطوان" طرفا فيها فقط , وتشرف مستقبلا علي إدارة المهرجان, وستقوم المؤسسة الجديدة, ببناء معهد إقليمي للمهن السينمائية, وقد حصل المجلس الإداري الجديد للمهرجان بالفعل علي قطعة ارض, لبناء ذلك المعهد المنتظر
تحرير "الذاكرة المعتقلة" في عهد جديد
أما فيلم " الذاكرة المعتقلة " للمخرج المغربي الكبير جيلالي فرحاتي, الذي يحكي عن سجين سياسي فقد ذاكرته, ويحاول من خلال رحلة في أنحاء المغرب في صحبة شاب, أن يلملم أشلاء كيانه الممزق الضائع المحطم, فهو من انضج أفلام جيلالي فرحاتي, الذي يضطلع بدور البطولة في الفيلم, ويذكرك هنا بيوسف شاهين, الذي اضطلع بدور البطولة أيضا في فيلمه الأثير " باب الحديد ".عاش جيلالي في الدور, وذاب فيه , حتى نسينا انه مخرج الفيلم, واندمجنا معه في حكايته. يصور جيلالي في فيلمه مأساة جيل السبعينيات من المناضلين, الذين دافعوا عن حرية الإنسان في المغرب, ويحكي كيف اكتوي ذلك الجيل بنار السجون والمعتقلات, وصار حطاما, لكنه علي عكس الأفلام السياسية الميلودرامية من هذا النوع ,التي تحتشد بصور الدم والعنف والجلد والتعذيب, يطهر جيلالي فيلمه من العويل والصراخ والبكاء, ويحوله إلى قصيدة للتفكر والتأمل , من خلال العودة إلى المكان الذي انطلقنا منه, كما يقول الشاعر الانجليزي ت.اس.اليوت( الأرض الخراب ), لكي نعيد استكشافه من جديد, وللمرة الأولى.فيلم جيلالي هو إذن رحلة استكشافية في الذاكرة المغربية, ذاكرة الماضي وذاكرة الحاضر, وقد أراد به أن يكون تحية إلى كل المناضلين السياسيين الشرفاء في المغرب, من جيل السبعينيات, مثل هذا المعلم الذي يحكي عنه في الفيلم, ويستخدم حواسه لا عقله, لكي يتذكر من خلال ملمس قطعة الطباشير فقط, انه كان يكتب بها الدروس علي السبورة, ويتذكر انه كان معلما, ثم وقع له ويا للأسف ما وقع. وكان جيلالي, كما ذكر لي حين التقيته في مهرجان القاهرة 28 في العام الماضي, ونال فيلمه جائزة أحسن سيناريو, وأعجبت بالفيلم وكتبت عنه , كان يفكر في صنع هذا الفيلم منذ أكثر من عشرين عاما, لكي يرد الاعتبار إلى جيل كامل, كان يناضل آنذاك في المغرب, يقتل ويعذب, ويلقي به وبأفراد أسرته في السجون والمعتقلات, في حين كان جيلالي وقتذاك, يدرس السينما في باريس, ويستمتع بأجواء الحرية في مدينة النور. ويمثل جيلالي فرحاتي رمزا مهما في السينما المغربية بأفلامه الواقعية الفنية العميقة, التي تنحاز إلى الفقراء المسحوقين, وتغوص عميقا في الكيان الروحاني للمغرب, ويكفيه جيلالي انه اخرج عملين من ابرز واهم الأفلام في تاريخ السينما المغربية, ونعني بهما فيلم " شرخ في الجدار " و" شاطئ الأطفال الضائعين " , وقد أراد بفيلمه " الذاكرة المعتقلة " ذاك , أن يحرر تلك الذاكرة المغربية بنفسه من الحبس, ويطلقها في فضاء المغرب الحر من جديد, في العصر الجديد, ويثبتها وتدا للاعتبار والتفكر والتأمل والنظر, لكي يصبح الفيلم – من هذا المنظور- ومع اتساع هامش الحريات , بمثابة " هدية " إلى الضمير المغربي, والعهد الجديد, ضد آفة حارتنا: النسيان
حقق مهرجان تطوان, تحت إدارة احمد حسني وعبد اللطيف البازي وحميد عيدوني ونور الدين بندريس وادريس السكايكة ومحمد ضياء السوري ومحمد بويسف الركاب من جمعية أصدقاء السينما بتطوان,حقق الكثير هذه المرة, بتنوع وتعدد أفلامه , وثراء ندواته( السينما والمدرسة ) وتكريماته( للمغربي عبد القادر لقطع. للمصري محمد خان.للفرنسي المنتج الراحل أمبير بالزان ), وكانت هذه الدورة 12 بمثابة ميلاد جديد لمهرجان جديد, انتقل من طور الهواة إلى طور الاحترافية, وهو يؤهل في رأينا تطوان بالفعل, إذا حافظ علي هذا المستوي, لأن تكون " عروس سينما البحر الأبيض المتوسط" عن جدارة, كما انه بتدخل الدولة المغربية -وزارة الاتصال- ودعمها, قطف المهرجان ثمرة كفاحه منذ عشرين عاما, لخلق أرضية سينمائية واعية, وذائقة جديدة في الحاضرة الأندلسية تطوان, فكان أن تأسست هذا العام للمهرجان إدارة جديدة, تمهيدا لخلق " مؤسسة مهرجان تطوان السينمائي ", التي سوف تصبح "جمعية أصدقاء السينما في تطوان" طرفا فيها فقط , وتشرف مستقبلا علي إدارة المهرجان, وستقوم المؤسسة الجديدة, ببناء معهد إقليمي للمهن السينمائية, وقد حصل المجلس الإداري الجديد للمهرجان بالفعل علي قطعة ارض, لبناء ذلك المعهد المنتظر
رابط مقال الاستاذ صلاح هاشم في قسم " خاص بسينماتيك " في موقع سينماتيك حسن حداد
http://64.233.183.104/search?q=cache:33tl1gf9Qf4J:www.cinematechhaddad.com/Cinematech/Cinematech_Special/Cinematech_Special_46.HTM+%D8%B7%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%A9+%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD+%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85&hl=fr&ct=clnk&cd=1&gl=fr&lr=lang_enlang_arlang_fr
----------------------------------------------------------------------------------------------
واليكم ماكتبه الناقد السوري المزعوم محمد عبيدو
السينما في المغرب -8
محمد عبيدو obado@scs-net.org الحوار المتمدن - العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31
يقدم لنا إسماعيل فرّوخي شريطه الروائي الأول «الرحلة الكبرى» لعام 2004 في إنتاج فرنسي - مغربي بعد أفلام قصيرة عدة.. يروي الفيلم قصة تناقض ثقافي بارز بين أب وابنه يرجع لاختلاف البيئة التي عاش كل منهما فيها، فتبتعد مسافات الالتقاء بينهما، فالابن "رضا" طالب في العشرين من عمره، يعيش في إقليم "بروفونس" بفرنسا مع عائلته، في حين ينحدر أبوه من المغرب التي قضى بها معظم حياته في أحد المجتمعات البدوية التي تعيش في الصحراء، ثم اضطرته قسوة الحياة وشظف العيش للسفر إلى فرنسا، وهناك عمل وأقام واستقر، لكنه كان حريصا على هويته الأصلية، فالتزم الحديث باللغة العربية وأداء الفرائض الدينية من الصلوات الخمس والصوم في رمضان وأداء الزكاة، وهو ما يثير عليه سخط ابنه رضا الذي لا يكف عن إبداء تعجبه من تصرفات أبيه الذي يدفع واجبه من الزكاة وهو في أشد الحاجة للمال، فالابن رضا كان شديد التأثر بالمجتمع الفرنسي في ثقافته وعاداته وسلوكه، ولم يكن يرى مانعا من أن يقضي حياته بين الخمور والفتيات. وعندما شاب الأب وبلغ به الكبر أراد أن يكمل واجباته الدينية بأداء فريضة الحج، فطلب من ابنه أن يتولى توصيله بالسيارة إلى مكة المكرمة.. كان الوقت قبيل امتحانات رضا المؤهلة للالتحاق بالجامعة مباشرة، فوقف رضا موقف الرفض من طلب أبيه، فالرحلة بالنسبة له تبدو شاقة جدا والوقت غير مناسب. ومن هنا نشب الصراع بين الأب وابنه الذي انتهى بموافقة الابن على طلب أبيه. شهدت الرحلة الطويلة التي بدأت من فرنسا وانتهت في مكة حوارا مثيرا ترتفع وتيرته وتنخفض بحسب طبيعة ومستوى علاقة الأب وابنه.. تقلبات كثيرة، بداية من حدة الحوار والثورة، حيث التناقض بين الاثنين، إلى أوقات السكون لعدم وجود لغة تفاهم بينهما، فيرفض كل منهما آراء وتصرفات الآخر، ويحاول كل منهما أن يقضي هذه الرحلة حسب طباعه وعاداته.. ولكن بعد مضي ليالٍ طويلة في السيارة سويا بدأ ينتقل الحوار من لغة الاحترام فقط إلى التفاهم والمودة، وتقبل كل منهما للآخر، فبدأت بذور الحب تنبت بينهما بعدما كانت الرابطة الأسرية مهددة ومفككة.. وتتطور العلاقة بينهما حتى تظهر شخصية أخرى للشاب رضا، فهو لم يعد يستجيب لمكالمة "صديقته" الهاتفية بعدما كان يحاول من قبل اقتناص اللحظات لإرسال الرسائل الهاتفية لها مستفيدا من زحام الشوارع وانشغال أبيه في الرحلة!. وقد نجح هنا الكاتب إسماعيل فروخي في إبراز أهداف الفيلم من خلال استخدام فكرة ، فاستطاع بها أن يوضح كيفية التعايش بين الأب وأبيه، فبالرغم من التناقضات بين شخصين أحدهما عربي والآخر فرنسي، فقد وصلا في النهاية إلى التفاهم. وكان اختيار الكاتب لرحلة مكة اختيارا موفقا، فهو المكان الوحيد الذي يجعل شخصين مهما كان درجة الاختلاف بينهما مجبرَين على قضاء هذه الرحلة معا، وبالتالي يدفعهما للحديث معا، ومن هنا يبدأ التعايش. ورغم أن الرحلة أعطتنا وأعطت للأب وولده الفرصة للمرور على العديد من الدول مثل: إيطاليا- سلوفانيا- كرواتيا- صربيا- بلغاريا- تركيا- سوريا والأردن.. فإنها ابتعدت تماما عن أن تكون مجرد رحلة سياحية، فانصرف التفكير فقط في الشخصيتين (الأب وولده)، وكيف نمت بذور العلاقة بينهما، ولم يهتم الكاتب بإبراز اختلاف النشأة بين الأب وابنه التي أدت إلى فجوة ثقافية بين الاثنين، بل ركز على التطور الداخلي، وكيف تحولت فيها مشاعر رضا الابن من مجرد مشاعر تنحصر في احترام الأب إلى مشاعر ينمو فيها الحب والمودة والتقدير تجاه الأب، وهو ما يظهر بقوة في لحظة عدم رد الشاب على مكالمة صديقته، فهي لحظة جاءت تعكس ما حدث من اقتراب من الابن تجاه أبيه. وساعد على إبراز ذلك براعة الممثل الفرنسي الذي أدى ببراعة دور الابن الشاب المتمرد، ولكن الذي يحترم أباه. تعود فكرة الفيلم لتجربة للكاتب نفسه، فقد ولد في يونيو 1962 في المغرب، ثم سافر إلى فرنسا مع عائلته وهو في الثالثة من عمره، وعندما كان طفلا قام والده برحلة سفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج بالسيارة، ولم يستطع إسماعيل أن يصدق قرار والده، فشعر أنه مجرد حلم خادع أو هلوسة، ولكنه فكر في أن على أبيه أن يروي له هذه المغامرة في يوم من الأيام. اختزن الكاتب الفكرة في وعيه إلى أن بلورها فعلياً من خلال هذا الفيلم، حاملا معانيَ عديدة، اجتماعية وتربوية ودينية. ولم يكن هذا الفيلم هو أول محطة نجاح لمؤلفه، فقد سبقه بأعمال أخرى، كان معظمها قصيرا، وحصل أول عمل له (عام 1992) على جائزة أحسن قصة قصيرة في "كان"، وكانت بعنوان "المعروض" L expose، وتروي قصة ولد مغربي الأصل يصف بلد نشأته. ثم كتب بعد ذلك "كثيرا من السعادة"، و"إجرام من عدم". وفى عام 1996 كتب قصة "المجهول" للممثلة كاترين دونوف، ثم كتب مسلسلين للتلفزيون الفرنسي: "صيف السنونو" عام 1997، و"بان الصغير" عام 1999، وفي عام 1998 اشترك مع سيديريك كتان في كتابة قصة "الطيارة"، ثم بدأ يكتب قصة فيلمه "رحلة سعيدة" الذي استمر العمل فيه مدة 5 سنوات. وتبدو مهارة الكاتب من خلال تقديم العديد من المشاهد السريعة الإشارات وفترات السكون التي يبرزها الفيلم، والتي لعبت دورا كبيرا في إثارة المشاعر مثل: نظرات الأب متصفحا ردود أفعال ابنه، الأب وهو ينظر إلى السماء لتحديد الاتجاهات، فهو معتاد على هذه الحياة من قبل، عندما يقرأ الأب القرآن ويتوجه إلى الله طالبا مساعدته في محنته حين غمر الجليد المكان وغطى السيارة، وأيضا لحظة تغيير الأب كاميرا التصوير مقابل شراء حمل للقيام بأضحية العيد. وفى نهاية الفيلم حين الوصول للكعبة، وعندما يرى رضا آلاف البشر يرتدون الأبيض، ويتوجهون إلى الكعبة لأداء مناسك الحج.. تغمره الدهشة والتأثر، خاصة عند سماع تلاوة القرآن، فيشعر أن الله هنا بجانبهم، وأنه لا وجود في هذا المكان للمتطرفين الذين يشوهون صورة الدين.. فأبوه كان متدينا سمحا يؤدي واجباته الدينية من صلاة وصوم، ولم يكن يوما متشددا أو متطرفا، بل كان يلتزم فقط بأداء واجباته. من هذا المنطلق تقف هذه القصة الإنسانية أمام الاتهامات الباطلة التي تشيعها كثير من وسائل الإعلام والصحافة العالمية، والتي تضع كل المجتمع الإسلامي المتسامح في قفص الاتهام بالتطرف والعنف، ويبدو أن إسماعيل الفروخي تأثر كثيرا بالاتهامات الظالمة للإسلام، فقرر أن يكون دفاعه من خلال هذا الفيلم. وتم تصوير مشاهد الفيلم كاملة في نفس الأماكن التي تمر بها الرحلة فعليا على الرغم من الصعوبات التي واجهت فريق العمل أثناء الرحلة من بلد إلى آخر، والتي اضطرتهم أحيانا إلى الالتزام بعدم التجول مثلما حدث في صربيا وقت اغتيال رئيس وزرائها، وكذلك أثناء الحرب على العراق، كما رفضت السلطات التركية السماح لهم بالتجول داخل المسجد الأزرق، ومن المثير أن جزءا من الفيلم تم تصويره داخل مكة المكرمة، فهناك مشاهد لبطلي الفيلم وهما يتجولان فيها، ومشاهد لهما أثناء الطواف حول الكعبة، وإن لم يستطع فريق التصوير تصوير مشاهده كاملة داخل مكة لأسباب تتعلق بالموافقات الرسمية. اختار المخرج معالجة قضيتين في وقت واحد: صراع جيلين وصراع ثقافتين. وهذا ليس بالأمر السهل ولاسيما في عمل أول قد يقع تحت تأثير محاولة قول كل شيء وحشو الفيلم بالقصص والتفاصيل. بيد أن المخرج نجح في إظهار التفاصيل الصغيرة ذات المدلولات الكبيرة من دون خطب وإلحاح. وجاءت الشخصيات محكمة البناء ومقنعة. .فيلم " الطفل النائم " او الراقد الفيلم الاول للمخرجة ياسمين قصاري,المنتج عام 2004 و الذي يقدم صورة لهيمنة الفكر الديني السلفي علي عقول اهل الريف في المغرب بالخرافات والخزعبلات , ويعرض لطقوس حياتهم وتخلفهم . ترتكز حكاية الفيلم على تقليد عربي شعبي سائد في المغرب الشرقي، ويتعلق بقيام النساء بتوقيف عملية نمو الجنين في بطن أمه لفترة وذلك عبر الالتجاء إلى الفقهاء المتخصصين في ذلك، وهذا ما قامت به بطلة الشريط زينب بنصيحة من حماتها إلى حين قدوم زوجها المهاجر للعمل السري في اسبانيا ؟يحدث الأمر في منطقة جرداء شحيحة فقيرة، وهذا الاختيار ليس اعتباطياً بحكم أنه يمنح المخرجة فرصة التصوير الفني والغني لجغرافية مثيرة وممتدة لما تحويه من فضاءات لا تستطيع مخرجة مقاومة تأثيرها بخاصة في فيلم أول تعول عليه لاختراق السينما، إذاً المرأة كحالة إنسانية واجتماعية وهاجس التسجيلية هما سمتا الشريط في الأساس، «الراقد» هو في حقيقة الأمر ذلك العنف وتلك القسوة يفرضان على نسوة بلا حول ولا قوة في مجتمع ينخره الفقر، و هو الوضع الراقد النائم الذي لم يوقظه أحد ويغيره كما قد يستشف، فالمخرجة امرأة وأصلها من المنطقة التي صور الفيلم فيها .. فيلم " باب لبحر " لداود أولاد سيد هو عبارة عن قصيدة سينمائية عذبة, تحكي بالسينما والصمت والتأمل أكثر مما تحكي بالكلام. تحكي عن " مريم ", الشابة المغربية التي تهبط إلي مدينة " طرفاية " الصحراوية الصغيرة, في جنوب المغرب, في مواجهة اسبانيا, وهي تبحث عن تريكي احد مهربي الأنفار, الذي يختلف عن غيره من المهربين الذين يعيشون في المدينة, إذ يتقاضي مبلغا من المال نظير نقل الشخص وتهريبه في قارب, فإذا فشلت محاولة تهريبه , فان التريكي يكرر المحاولة مع نفس الشخص, حتى ينجح أخيرا في الوصول إلي الضفة الأخرى, ولهذا السبب قصدته " مريم ". لكن احد لا يعرف من أين أتت مريم , ولا غرابة, إذ أنها تحب أن تخترع قصصا عن مدن خيالية, وتقول إنها أتت من مملكة مغربية اشترتها اسبانيا , ثم غيرت اسمها, وتحوم حول " مريم " الشبهات, حين تصل "لالا فاطمة" سيدتها إلى " طرفاية ", وتبلغ رئيس الشرطة, الذي قارب علي ترك عمله لبلوغه سن المعاش, ويقع رغم كبر سنه في غرام مريم , تبلغه إن " مريم " سرقت مبلغا من المال من بيتها , حيث كانت تعمل كخادمة, ولاذت بالفرار, ولاشك أنها ستدفع المبلغ الذي سرقته, نظير نقلها عبر البحر إلى اسبانيا..فيلم " باب البحر " 2005 هو من دون جدال , أفضل أفلام داود أولاد سيد, الذي يناقش في كل أفلامه" وداعا سويرتي" و"حصان الريح " و" باب لبحر " فيلمه الثالث, يناقش قضية الهجرة, داخل وخارج المغرب, ويتساءل في كل فيلم: تري ما هي الأشياء التي تجعلنا في هذا البلد, مدفوعين هكذا إلى الترحال الدائم, خارج نفوسنا, وخارج أوطاننا, هل هذا هو قدر الإنسان في المغرب. يطرح داود دائما تساؤلات, ولا يقدم إجابة, بل يتركنا مع تساؤلاته وألغازه, يتركنا لنتأمل ونفكر, ونستمتع بجمال الفيلم..ينحاز داود في كل أفلامه إلى الغجر الرحل, إلى الكادحين الهامشيين المعذبين المشردين, بلا ارض أو وطن, ويشرح لنا كيف يقع البعض من هؤلاء, الذين يحملون حلمهم إلى " طرفاية " ويقفون في طوابير انتظار طويلة, استعدادا للرحيل إلى اسبانيا, ومواجهة خطر الموت غرقا , يقعون في مصيدة المهربين اللصوص, الذين يسطون علي أرواحهم. تحط مريم في طرفاية, وتسكن عند الحاجة, التي تقوم بتأجير عدة غرف في بيتها بالمدينة, للفتيات المغربيات اللواتي يتقاطرن علي المكان, وتبدأ مريم في التعرف علي المكان وأهله: تتعرف علي حسن, الذي سرق كل أموالها في أول الفيلم وهرب, ثم اعتذر لها في ما بعد عن فعلته, واعتبر الأمر مزحة, وراح يتعقبها في ما بعد أينما ذهبت, وهو يتعذب لأنه يحبها , وهي لا تعيره اهتماما, إلى أن تقبل مريم يوما أن تدلف الى داخل كوخه الصغير, فإذا بها في حضرة عشرات الأقفاص, التي تحتوي علي طيور الزينة, التي يعيش معها في وحدته الموحشة, وضياعه الأبدي. يؤسس داود فيلمه علي علاقة مريم بالمكان وأهله, وفقط في هذه المنطقة, أو نقطة العبور, عند حافة البحر, في طرفاية, تصبح مريم اللاشيء العدم, مريم اللغز المحير, واحد لا يعرف من أين هبطت, تصبح كيانا إنسانيا حقيقيا, فالجميع يحبونها, ويريدون لها أن تحقق حلمها في ركوب البحر, ومن ضمنهم ذلك الغلام, الذي اصطحبها في أول الفيلم, ليبحث لها عن سكن, لكن حين أزف وقت الرحيل فجأة, إذا به يطالبها أن عثرت علي والده في اسبانيا , أن تبلغه إن أسرته تغفر له بعد أن هرب فعلته, وتسأله العودة إلى أهله. ولاحظ كيف أن مريم قبل أن تصل إلى طرفاية لم تعش في المغرب, طبعا كانت تعيش في المغرب, لكن من دون أن يشعر احد بوجودها, أو يهتم بأمرها. كانت مريم, مثل كل الفقراء المطحونين المعذبين, مادة فقط للاستغلال البشع والقهر, وكان عليها , في وطن يلفظها, أن تركب البحر إلى اسبانيا, لكنها فقط حين وصلت إلى طرفاية, إذا بها تتحول من شبح, إلى كيان إنساني من لحم ودم ومشاعر, وإذا بها تستشعر دفء القلوب الحانية من حولها, وهي تتأسي لحال مريم وحالها, ويقف الجميع في طابور الانتظار الطويل في انتظار المخلص. وفقط حين كان البحر يلفظ الجثث الغارقة , أكثر من 15 جثة كل يوم, كان الأطفال يركضون مع الكبار إلى الشاطئ , في صحبة رئيس الشرطة في طرفاية, ويتفرجون علي الآثار التي خلفتها تلك الجثث علي الشاطئ , قبل نقلها إلى المشرحة, ويصعب علي الجميع أن تغادرهم مريم وتتركهم. فجأة مع وصول مريم , تحيا المدينة من جديد, تنبض , تتنفس, فتصبح مريم هي المركز, تصبح الأم والأخت والصديقة والحبيبة, ويتحلق الجميع حولها, وكأنها أمهم الكبيرة المغرب, بأصالته وعراقته وطيبة أهله, وهم لا يريدون الآن أن تغادرهم, وتتركهم لبؤسهم. ومن أروع مشاهد الفيلم , مشهد مريم فوق سطح البيت في الليل, وهي تطل علي أنوار المدينة الاسبانية القريبة , في صحبة صديقتها, وتلخص مريم في كلمتين موضوع الفيلم, ومأساة الغربة, فتقول لصديقتها يبدو انه بقدر ما يحل الظلام في المغرب, بقدر ما يحل النور في الطرف الآخر في اسبانيا, وكلما خفتت الأنوار هنا وعشش الظلام, كلما تألقت الأنوار هناك أكثر وعم الحبور والفرح, واعتبر هذا المشهد من أعظم, إن لم يكن أعظم مشهد في كل الأفلام التي شاهدتها في تطوان السينمائي 12 وأعمقها تأثيرا, وبه, وبكل مشهد في ذلك الفيلم , الذي يكشف عن " نظرة " داود الفنية الإنسانية , التي تجعله ينحاز في كل أفلامه إلى هؤلاء الهامشيين البسطاء المعذبين, ومن دون أن يفقد سحر السينما, الذي يغمس فيه فرشاته مثل فنان رسام, ثم يروح يتحفنا بجماليات اللقطة, وتناغم وتناسق الألوان, وهرمونية الإيقاع, وفي صحبة شريط الصوت الرائع في الفيلم, يدلف " باب لبحر" بهذا المشهد في قفطان من حرير إلى كلاسيكيات السينما المغربية العظيمة
http://64.233.183.104/search?q=cache:33tl1gf9Qf4J:www.cinematechhaddad.com/Cinematech/Cinematech_Special/Cinematech_Special_46.HTM+%D8%B7%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%A9+%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD+%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85&hl=fr&ct=clnk&cd=1&gl=fr&lr=lang_enlang_arlang_fr
----------------------------------------------------------------------------------------------
واليكم ماكتبه الناقد السوري المزعوم محمد عبيدو
السينما في المغرب -8
محمد عبيدو obado@scs-net.org الحوار المتمدن - العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31
يقدم لنا إسماعيل فرّوخي شريطه الروائي الأول «الرحلة الكبرى» لعام 2004 في إنتاج فرنسي - مغربي بعد أفلام قصيرة عدة.. يروي الفيلم قصة تناقض ثقافي بارز بين أب وابنه يرجع لاختلاف البيئة التي عاش كل منهما فيها، فتبتعد مسافات الالتقاء بينهما، فالابن "رضا" طالب في العشرين من عمره، يعيش في إقليم "بروفونس" بفرنسا مع عائلته، في حين ينحدر أبوه من المغرب التي قضى بها معظم حياته في أحد المجتمعات البدوية التي تعيش في الصحراء، ثم اضطرته قسوة الحياة وشظف العيش للسفر إلى فرنسا، وهناك عمل وأقام واستقر، لكنه كان حريصا على هويته الأصلية، فالتزم الحديث باللغة العربية وأداء الفرائض الدينية من الصلوات الخمس والصوم في رمضان وأداء الزكاة، وهو ما يثير عليه سخط ابنه رضا الذي لا يكف عن إبداء تعجبه من تصرفات أبيه الذي يدفع واجبه من الزكاة وهو في أشد الحاجة للمال، فالابن رضا كان شديد التأثر بالمجتمع الفرنسي في ثقافته وعاداته وسلوكه، ولم يكن يرى مانعا من أن يقضي حياته بين الخمور والفتيات. وعندما شاب الأب وبلغ به الكبر أراد أن يكمل واجباته الدينية بأداء فريضة الحج، فطلب من ابنه أن يتولى توصيله بالسيارة إلى مكة المكرمة.. كان الوقت قبيل امتحانات رضا المؤهلة للالتحاق بالجامعة مباشرة، فوقف رضا موقف الرفض من طلب أبيه، فالرحلة بالنسبة له تبدو شاقة جدا والوقت غير مناسب. ومن هنا نشب الصراع بين الأب وابنه الذي انتهى بموافقة الابن على طلب أبيه. شهدت الرحلة الطويلة التي بدأت من فرنسا وانتهت في مكة حوارا مثيرا ترتفع وتيرته وتنخفض بحسب طبيعة ومستوى علاقة الأب وابنه.. تقلبات كثيرة، بداية من حدة الحوار والثورة، حيث التناقض بين الاثنين، إلى أوقات السكون لعدم وجود لغة تفاهم بينهما، فيرفض كل منهما آراء وتصرفات الآخر، ويحاول كل منهما أن يقضي هذه الرحلة حسب طباعه وعاداته.. ولكن بعد مضي ليالٍ طويلة في السيارة سويا بدأ ينتقل الحوار من لغة الاحترام فقط إلى التفاهم والمودة، وتقبل كل منهما للآخر، فبدأت بذور الحب تنبت بينهما بعدما كانت الرابطة الأسرية مهددة ومفككة.. وتتطور العلاقة بينهما حتى تظهر شخصية أخرى للشاب رضا، فهو لم يعد يستجيب لمكالمة "صديقته" الهاتفية بعدما كان يحاول من قبل اقتناص اللحظات لإرسال الرسائل الهاتفية لها مستفيدا من زحام الشوارع وانشغال أبيه في الرحلة!. وقد نجح هنا الكاتب إسماعيل فروخي في إبراز أهداف الفيلم من خلال استخدام فكرة ، فاستطاع بها أن يوضح كيفية التعايش بين الأب وأبيه، فبالرغم من التناقضات بين شخصين أحدهما عربي والآخر فرنسي، فقد وصلا في النهاية إلى التفاهم. وكان اختيار الكاتب لرحلة مكة اختيارا موفقا، فهو المكان الوحيد الذي يجعل شخصين مهما كان درجة الاختلاف بينهما مجبرَين على قضاء هذه الرحلة معا، وبالتالي يدفعهما للحديث معا، ومن هنا يبدأ التعايش. ورغم أن الرحلة أعطتنا وأعطت للأب وولده الفرصة للمرور على العديد من الدول مثل: إيطاليا- سلوفانيا- كرواتيا- صربيا- بلغاريا- تركيا- سوريا والأردن.. فإنها ابتعدت تماما عن أن تكون مجرد رحلة سياحية، فانصرف التفكير فقط في الشخصيتين (الأب وولده)، وكيف نمت بذور العلاقة بينهما، ولم يهتم الكاتب بإبراز اختلاف النشأة بين الأب وابنه التي أدت إلى فجوة ثقافية بين الاثنين، بل ركز على التطور الداخلي، وكيف تحولت فيها مشاعر رضا الابن من مجرد مشاعر تنحصر في احترام الأب إلى مشاعر ينمو فيها الحب والمودة والتقدير تجاه الأب، وهو ما يظهر بقوة في لحظة عدم رد الشاب على مكالمة صديقته، فهي لحظة جاءت تعكس ما حدث من اقتراب من الابن تجاه أبيه. وساعد على إبراز ذلك براعة الممثل الفرنسي الذي أدى ببراعة دور الابن الشاب المتمرد، ولكن الذي يحترم أباه. تعود فكرة الفيلم لتجربة للكاتب نفسه، فقد ولد في يونيو 1962 في المغرب، ثم سافر إلى فرنسا مع عائلته وهو في الثالثة من عمره، وعندما كان طفلا قام والده برحلة سفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج بالسيارة، ولم يستطع إسماعيل أن يصدق قرار والده، فشعر أنه مجرد حلم خادع أو هلوسة، ولكنه فكر في أن على أبيه أن يروي له هذه المغامرة في يوم من الأيام. اختزن الكاتب الفكرة في وعيه إلى أن بلورها فعلياً من خلال هذا الفيلم، حاملا معانيَ عديدة، اجتماعية وتربوية ودينية. ولم يكن هذا الفيلم هو أول محطة نجاح لمؤلفه، فقد سبقه بأعمال أخرى، كان معظمها قصيرا، وحصل أول عمل له (عام 1992) على جائزة أحسن قصة قصيرة في "كان"، وكانت بعنوان "المعروض" L expose، وتروي قصة ولد مغربي الأصل يصف بلد نشأته. ثم كتب بعد ذلك "كثيرا من السعادة"، و"إجرام من عدم". وفى عام 1996 كتب قصة "المجهول" للممثلة كاترين دونوف، ثم كتب مسلسلين للتلفزيون الفرنسي: "صيف السنونو" عام 1997، و"بان الصغير" عام 1999، وفي عام 1998 اشترك مع سيديريك كتان في كتابة قصة "الطيارة"، ثم بدأ يكتب قصة فيلمه "رحلة سعيدة" الذي استمر العمل فيه مدة 5 سنوات. وتبدو مهارة الكاتب من خلال تقديم العديد من المشاهد السريعة الإشارات وفترات السكون التي يبرزها الفيلم، والتي لعبت دورا كبيرا في إثارة المشاعر مثل: نظرات الأب متصفحا ردود أفعال ابنه، الأب وهو ينظر إلى السماء لتحديد الاتجاهات، فهو معتاد على هذه الحياة من قبل، عندما يقرأ الأب القرآن ويتوجه إلى الله طالبا مساعدته في محنته حين غمر الجليد المكان وغطى السيارة، وأيضا لحظة تغيير الأب كاميرا التصوير مقابل شراء حمل للقيام بأضحية العيد. وفى نهاية الفيلم حين الوصول للكعبة، وعندما يرى رضا آلاف البشر يرتدون الأبيض، ويتوجهون إلى الكعبة لأداء مناسك الحج.. تغمره الدهشة والتأثر، خاصة عند سماع تلاوة القرآن، فيشعر أن الله هنا بجانبهم، وأنه لا وجود في هذا المكان للمتطرفين الذين يشوهون صورة الدين.. فأبوه كان متدينا سمحا يؤدي واجباته الدينية من صلاة وصوم، ولم يكن يوما متشددا أو متطرفا، بل كان يلتزم فقط بأداء واجباته. من هذا المنطلق تقف هذه القصة الإنسانية أمام الاتهامات الباطلة التي تشيعها كثير من وسائل الإعلام والصحافة العالمية، والتي تضع كل المجتمع الإسلامي المتسامح في قفص الاتهام بالتطرف والعنف، ويبدو أن إسماعيل الفروخي تأثر كثيرا بالاتهامات الظالمة للإسلام، فقرر أن يكون دفاعه من خلال هذا الفيلم. وتم تصوير مشاهد الفيلم كاملة في نفس الأماكن التي تمر بها الرحلة فعليا على الرغم من الصعوبات التي واجهت فريق العمل أثناء الرحلة من بلد إلى آخر، والتي اضطرتهم أحيانا إلى الالتزام بعدم التجول مثلما حدث في صربيا وقت اغتيال رئيس وزرائها، وكذلك أثناء الحرب على العراق، كما رفضت السلطات التركية السماح لهم بالتجول داخل المسجد الأزرق، ومن المثير أن جزءا من الفيلم تم تصويره داخل مكة المكرمة، فهناك مشاهد لبطلي الفيلم وهما يتجولان فيها، ومشاهد لهما أثناء الطواف حول الكعبة، وإن لم يستطع فريق التصوير تصوير مشاهده كاملة داخل مكة لأسباب تتعلق بالموافقات الرسمية. اختار المخرج معالجة قضيتين في وقت واحد: صراع جيلين وصراع ثقافتين. وهذا ليس بالأمر السهل ولاسيما في عمل أول قد يقع تحت تأثير محاولة قول كل شيء وحشو الفيلم بالقصص والتفاصيل. بيد أن المخرج نجح في إظهار التفاصيل الصغيرة ذات المدلولات الكبيرة من دون خطب وإلحاح. وجاءت الشخصيات محكمة البناء ومقنعة. .فيلم " الطفل النائم " او الراقد الفيلم الاول للمخرجة ياسمين قصاري,المنتج عام 2004 و الذي يقدم صورة لهيمنة الفكر الديني السلفي علي عقول اهل الريف في المغرب بالخرافات والخزعبلات , ويعرض لطقوس حياتهم وتخلفهم . ترتكز حكاية الفيلم على تقليد عربي شعبي سائد في المغرب الشرقي، ويتعلق بقيام النساء بتوقيف عملية نمو الجنين في بطن أمه لفترة وذلك عبر الالتجاء إلى الفقهاء المتخصصين في ذلك، وهذا ما قامت به بطلة الشريط زينب بنصيحة من حماتها إلى حين قدوم زوجها المهاجر للعمل السري في اسبانيا ؟يحدث الأمر في منطقة جرداء شحيحة فقيرة، وهذا الاختيار ليس اعتباطياً بحكم أنه يمنح المخرجة فرصة التصوير الفني والغني لجغرافية مثيرة وممتدة لما تحويه من فضاءات لا تستطيع مخرجة مقاومة تأثيرها بخاصة في فيلم أول تعول عليه لاختراق السينما، إذاً المرأة كحالة إنسانية واجتماعية وهاجس التسجيلية هما سمتا الشريط في الأساس، «الراقد» هو في حقيقة الأمر ذلك العنف وتلك القسوة يفرضان على نسوة بلا حول ولا قوة في مجتمع ينخره الفقر، و هو الوضع الراقد النائم الذي لم يوقظه أحد ويغيره كما قد يستشف، فالمخرجة امرأة وأصلها من المنطقة التي صور الفيلم فيها .. فيلم " باب لبحر " لداود أولاد سيد هو عبارة عن قصيدة سينمائية عذبة, تحكي بالسينما والصمت والتأمل أكثر مما تحكي بالكلام. تحكي عن " مريم ", الشابة المغربية التي تهبط إلي مدينة " طرفاية " الصحراوية الصغيرة, في جنوب المغرب, في مواجهة اسبانيا, وهي تبحث عن تريكي احد مهربي الأنفار, الذي يختلف عن غيره من المهربين الذين يعيشون في المدينة, إذ يتقاضي مبلغا من المال نظير نقل الشخص وتهريبه في قارب, فإذا فشلت محاولة تهريبه , فان التريكي يكرر المحاولة مع نفس الشخص, حتى ينجح أخيرا في الوصول إلي الضفة الأخرى, ولهذا السبب قصدته " مريم ". لكن احد لا يعرف من أين أتت مريم , ولا غرابة, إذ أنها تحب أن تخترع قصصا عن مدن خيالية, وتقول إنها أتت من مملكة مغربية اشترتها اسبانيا , ثم غيرت اسمها, وتحوم حول " مريم " الشبهات, حين تصل "لالا فاطمة" سيدتها إلى " طرفاية ", وتبلغ رئيس الشرطة, الذي قارب علي ترك عمله لبلوغه سن المعاش, ويقع رغم كبر سنه في غرام مريم , تبلغه إن " مريم " سرقت مبلغا من المال من بيتها , حيث كانت تعمل كخادمة, ولاذت بالفرار, ولاشك أنها ستدفع المبلغ الذي سرقته, نظير نقلها عبر البحر إلى اسبانيا..فيلم " باب البحر " 2005 هو من دون جدال , أفضل أفلام داود أولاد سيد, الذي يناقش في كل أفلامه" وداعا سويرتي" و"حصان الريح " و" باب لبحر " فيلمه الثالث, يناقش قضية الهجرة, داخل وخارج المغرب, ويتساءل في كل فيلم: تري ما هي الأشياء التي تجعلنا في هذا البلد, مدفوعين هكذا إلى الترحال الدائم, خارج نفوسنا, وخارج أوطاننا, هل هذا هو قدر الإنسان في المغرب. يطرح داود دائما تساؤلات, ولا يقدم إجابة, بل يتركنا مع تساؤلاته وألغازه, يتركنا لنتأمل ونفكر, ونستمتع بجمال الفيلم..ينحاز داود في كل أفلامه إلى الغجر الرحل, إلى الكادحين الهامشيين المعذبين المشردين, بلا ارض أو وطن, ويشرح لنا كيف يقع البعض من هؤلاء, الذين يحملون حلمهم إلى " طرفاية " ويقفون في طوابير انتظار طويلة, استعدادا للرحيل إلى اسبانيا, ومواجهة خطر الموت غرقا , يقعون في مصيدة المهربين اللصوص, الذين يسطون علي أرواحهم. تحط مريم في طرفاية, وتسكن عند الحاجة, التي تقوم بتأجير عدة غرف في بيتها بالمدينة, للفتيات المغربيات اللواتي يتقاطرن علي المكان, وتبدأ مريم في التعرف علي المكان وأهله: تتعرف علي حسن, الذي سرق كل أموالها في أول الفيلم وهرب, ثم اعتذر لها في ما بعد عن فعلته, واعتبر الأمر مزحة, وراح يتعقبها في ما بعد أينما ذهبت, وهو يتعذب لأنه يحبها , وهي لا تعيره اهتماما, إلى أن تقبل مريم يوما أن تدلف الى داخل كوخه الصغير, فإذا بها في حضرة عشرات الأقفاص, التي تحتوي علي طيور الزينة, التي يعيش معها في وحدته الموحشة, وضياعه الأبدي. يؤسس داود فيلمه علي علاقة مريم بالمكان وأهله, وفقط في هذه المنطقة, أو نقطة العبور, عند حافة البحر, في طرفاية, تصبح مريم اللاشيء العدم, مريم اللغز المحير, واحد لا يعرف من أين هبطت, تصبح كيانا إنسانيا حقيقيا, فالجميع يحبونها, ويريدون لها أن تحقق حلمها في ركوب البحر, ومن ضمنهم ذلك الغلام, الذي اصطحبها في أول الفيلم, ليبحث لها عن سكن, لكن حين أزف وقت الرحيل فجأة, إذا به يطالبها أن عثرت علي والده في اسبانيا , أن تبلغه إن أسرته تغفر له بعد أن هرب فعلته, وتسأله العودة إلى أهله. ولاحظ كيف أن مريم قبل أن تصل إلى طرفاية لم تعش في المغرب, طبعا كانت تعيش في المغرب, لكن من دون أن يشعر احد بوجودها, أو يهتم بأمرها. كانت مريم, مثل كل الفقراء المطحونين المعذبين, مادة فقط للاستغلال البشع والقهر, وكان عليها , في وطن يلفظها, أن تركب البحر إلى اسبانيا, لكنها فقط حين وصلت إلى طرفاية, إذا بها تتحول من شبح, إلى كيان إنساني من لحم ودم ومشاعر, وإذا بها تستشعر دفء القلوب الحانية من حولها, وهي تتأسي لحال مريم وحالها, ويقف الجميع في طابور الانتظار الطويل في انتظار المخلص. وفقط حين كان البحر يلفظ الجثث الغارقة , أكثر من 15 جثة كل يوم, كان الأطفال يركضون مع الكبار إلى الشاطئ , في صحبة رئيس الشرطة في طرفاية, ويتفرجون علي الآثار التي خلفتها تلك الجثث علي الشاطئ , قبل نقلها إلى المشرحة, ويصعب علي الجميع أن تغادرهم مريم وتتركهم. فجأة مع وصول مريم , تحيا المدينة من جديد, تنبض , تتنفس, فتصبح مريم هي المركز, تصبح الأم والأخت والصديقة والحبيبة, ويتحلق الجميع حولها, وكأنها أمهم الكبيرة المغرب, بأصالته وعراقته وطيبة أهله, وهم لا يريدون الآن أن تغادرهم, وتتركهم لبؤسهم. ومن أروع مشاهد الفيلم , مشهد مريم فوق سطح البيت في الليل, وهي تطل علي أنوار المدينة الاسبانية القريبة , في صحبة صديقتها, وتلخص مريم في كلمتين موضوع الفيلم, ومأساة الغربة, فتقول لصديقتها يبدو انه بقدر ما يحل الظلام في المغرب, بقدر ما يحل النور في الطرف الآخر في اسبانيا, وكلما خفتت الأنوار هنا وعشش الظلام, كلما تألقت الأنوار هناك أكثر وعم الحبور والفرح, واعتبر هذا المشهد من أعظم, إن لم يكن أعظم مشهد في كل الأفلام التي شاهدتها في تطوان السينمائي 12 وأعمقها تأثيرا, وبه, وبكل مشهد في ذلك الفيلم , الذي يكشف عن " نظرة " داود الفنية الإنسانية , التي تجعله ينحاز في كل أفلامه إلى هؤلاء الهامشيين البسطاء المعذبين, ومن دون أن يفقد سحر السينما, الذي يغمس فيه فرشاته مثل فنان رسام, ثم يروح يتحفنا بجماليات اللقطة, وتناغم وتناسق الألوان, وهرمونية الإيقاع, وفي صحبة شريط الصوت الرائع في الفيلم, يدلف " باب لبحر" بهذا المشهد في قفطان من حرير إلى كلاسيكيات السينما المغربية العظيمة
شارك الفيلم المغربي " ماروك" للمخرجة ليلي مراكشي في تظاهرة " نظرة خاصة " بمهرجان كان 2005 وهي التظاهرة المرافقة للمسابقة الرسمية , وتعتبر ملحقا لها يستوعب الأفلام التي لاتدخل المسابقة, لكنها تحقق فنيا الحد الادني من شروطها, ويحكي عن فترة الثمانينيات في المغرب من خلال فتاة مراهقة تنتمي إلي أسرة ثرية, وتدرس في احدي المدارس الفرنسية الخاصة التي يتردد عليها أبناء الطبقات الحاكمة المرفهة من اصحاب المصانع وغيرهم, وتدور إحداث الفيلم في مدينة الدار البيضاء التي تفرض حضورها كشخصية أساسية في الفيلم, وتقع البنت المغربية المسلمة التي تعيش حياتها علي الطريقة الاوروبية, وتطالب بحريتها, وتكشف في الفيلم عن طبائع وتقاليد, زيف وادعاء ونفاق الطبقة التي تنتمي اليها, تقع في حب شاب يهودي مغربي يفكر في الفيلم مع اسرته , بسبب حرب الخليج كما يقول ان يهاجر من المغرب الي كندا, وينجح الفيلم في تصوير ذكريات مخرجتنا ليلي مراكشي التي عاشتها هي نفسها بالفعل, وتنتهي قصة الحب بين روميو اليهودي و جولييت المراهقة المغربية المسلمة, بحادث يقع له ويودي بحياته , وتقرر بطلة الفيلم ان تسافر لتكملة دراستها في باريس علي عادة ابناء هذه الطبقة, وينتهي الفيلم بحضور صديقاتها لتوديعها في المطار, ثم نشاهد في آخر لقطة طائرة تغادر الدار البيضاء وتحلق بعيدا عن اسطح بيوتات المدينة التي شهدت جلسات البنات في الهواء الطلق, جلساتهن على الاسطح والتحليق مع الطيور السابحات و الاحلام السعيدة والحنين الي ذكريات الماضي الجميل.وعام 2005 انتج فيلم " يقظة " لمحمد زين الدين: في الفيلم، من حيث المضمون لا يتعلق الأمر بمحاولة لرصد الواقع ، بل بمشروع أهم يروم التأمل في كنه وجوهر العملية الابداعية نفسها، سواء على المستوى الادبي او على مستوى عملية انتاج الصورة، إنه عمل يسائل شخصية المبدع بقوة وقسوة وعمق، ويزعزع الثوابت والبديهيات والافكار الجاهزة.تنطلق وقائع الفيلم مع وصول مخطوط مرسل من طرف كاتب مغربي ناشئ ينتمي لبلدة «وادزم» الصغيرة المهمشة، الى دار نشر باريسية قبل أن نشاهد استعادة طويلة، كاملة وعميقة لحياة هذا الكاتب التي بدأت في مغرب ما بعد الاستقلال في جزء منسي من المغرب، لتقوده الى مركز البلاد بالعاصمة الرباط والدار البيضاء، قبل أن يفقد أوهامه حول الثقافة والمثقفين ويعود ادراجه الى مدينته الأم جارًّا أذيال الخيبة والألم، انها حكاية الحياة الموضوعية والذاتية لكاتب ساخط على الأوضاع يرغب في كتابة عمل أنثروبولوجي، يقارن بين الفولكلور المغربي ووظيفة الكرنفال في الغرب، عمل يخرج من اطار الانبهار الى تحليل احتفال المغاربة بالمواسم الشعبية، باعتبارها آلية لنسيان البؤس وتعويض التوازن الاجتماعي المفتقد على أرض واقع «قروسطي» جامد منذ قرون طويلة. ولعله ليس من باب الصدفة ان يبدأ البطل ـ الكاتب ـ حياته عاملا في مقلع للأحجار، وفرن تقليدي مخصص لإحراقها قصد تحويلها الى جير. إن الشخصية الرئيسية تعمل منذ البداية اذاً على تحويل العناصر بعد صهرها بواسطة النار الحارقة، نار الابداع والتغيير أو التحليل على الأقل، من خلال المقارنة بين الهامش (واقع بلدة وادزم) والمركز الذي يختزله البطل في «مثقفي مقهى، باليما، الفاسدين»، الذين يتآمرون مع السلطة لمنع كتابه الأول واليتيم «هواء الماء»، ولسحبه من العرض في المكتبات، مما يدفع صاحبه لمحاولة انتحار فاشلة، وللعودة الى قريته الأم حيث يعتزل الناس ويدخل في متاهات حياة داخلية مغرقة في الذاتية. وفيلم «النظرة» لنور الدين لخماري: يعود للذاكــــرة، من خلال مصور فوتوغرافي فرنسي يحاول التسامح مع الماضي من خلال الاعتذار عن الفظاعات التي قام بها المستعمر الفرنسي في المغرب والتي كان هو شاهد اثباتها من خلال آلته الفوتوغرافية، وللصورة الفوتوغرافية حضور أيقـــــوني يحتمل أكثر من دلالــة، فهي الحامل للحدث الفيلمي، بل هي السارد الفيلمي والرقيب ولا تســــــتقيم هذه العودة لألبير المصور الفوتوغرافي الا من خلال محاكمة داخلية للصورة الــفوتوغرافية ذاكرته المتقــــــدة، وهي بحمولاتها المفتوحة أكثر انتاجا من فعله الثابت، وما عبر عنه السينمائي لخماري في هذا التوضيح الفني كان معقولا، اذ كنا أمام صور حاملة لمقولات السرد الفيلمي وتواليه، ولعل تقنية الفلاش باك المدمجة لحاضر وماضٍ استرجاعي، شكلت احدى مفارقات القوة للفيلم، اذ يحضر الفلاش باك كحاضر، من خلال توليف/ مونتاج حرفي، جعل فعل الآن متصلا بأفعال الأمس.الفيلم مفتوح على مجالين اثنين للقراءة، حقول الصور الفوتوغرافية، ومجال الصورة السينمائية، وبين البعدين نقرأ الاختيارات الجمالية والفنية التي تحكمـت في الرؤية الفنية عموما للفيلم، هذه النواة الجمالية التي جعلت مقولة الزمن مندغمة بين سيرة الاسترجاع وسيرة الحاضر.. لا كما نراه بل كما يحاكمه الماضي.وفيلم " تينجة" لحسن لكزولي: يحكي التحولات التي سيعرفها نور الدين، الابن المطيع لعامل مغربي مهاجر، شب في شمال فرنسا، ومن أجل احترام رغبة والده الأخيرة المتمثلة في دفنه بعد وفاته في مسقط رأسه بقرية في الأطلس الكبير، سيصاحبه في رحلته الأخيرة، وسيكتشف خلال هذه الرحلة، ولأول مرة، بلده الأصلي، وسيمكنه لقاؤه بنورا، المرأة الجميلة التي تبحث عن آفاق جديدة، من اكتشاف حقيقة هذا الأب التي لم يكن تقريبا يعرف شيئا عنها، والحقيقة المحسوسة لبلاد لم يكن يعرفها سوى عبر الحكايات العائلية النادرة.وبتقدمه باتجاه الجنوب عبر المناظر الجميلة، وهو إلى جوار جثمان والده في خلفية الشاحنة، كانت الوضعية تكشف عن عدد من المواقف الساخر.و يقدم الاخوان المغربيان سهيل وعماد نوري (ولدا المخرج المعروف حكيم نوري) فيلمهما الروائي الاول عام 2006 " ابواب الفردوس " ، وهو القسم الاول من ثلاثية يعتزمان إنجازها هو الجريمة والمافيات (القسم الثاني سيكون حول المافيا الكولومبية في اسبانيا!!). بكاميرا واقعية هنا يتابعان صراعا دمويا بين ثلاث شخصيات: ماكر مغربي (يؤديه الاب نوري) ومدرس اميركي في أربعينيات عمره، وثالثهما شاب من الاشقياء، يسعون كل من جانبه للانتقام.* * * واذا نظرنا إلى السينما المغربية عندما تتعامل مع الأدب, أول مَن بادر إلى طرق باب الأدب هو لطيف لحلو عندما استعان بالأستاذ عبدالكريم غلاب في فيلم (شمس الربيع) فكانت الحكاية متناسقة وسعى لطيف لحلو إلى توظيف ما تلقّنه وما تأثر به حيث كانت الموجة الجديدة الفرنسية في عز عطائها فرأيناها في شريط لطيف لحلو. ولطيف لحلو سيستعين في شريطه الثاني (غراميات) برشيد بوجدرة في السيناريو والطاهر بن جلون في الحوار. المرحوم محمد الركاب لجأ إلى يوسف فاضل في إنجازه لـ(حلاق درب الفقراء) والنتيجة أن الشريط لقي إقبالاً يليق به , وإدريس المريني نقل رواية بامو لأحمد زياد إلى الشاشة, لعل حظ الشريط العاثر يكمن في المرحلة التي أنتج فيها. , ثم استعان أخيراً داود أولاد السيد بيوسف فاضل في الحوار, وأحمد البوعناني في السيناريو, والنتيجة كانت شريط (باي باي السويرتي) الذي حاز على جوائز في داخل البلاد وخارجها. وعاد حميد بناني إلى السينما بكتابته التي تحمل بصماته بعمل الطاهر بن جلون (صلاة الغائب) فإذا بالشريط يعاني من اللغة الفرنسية التي كانت اللغة الأصل ونتجت عنها نسخة عربية لم تستطع أن تثير تآلف المتلقي. هل يمكن اعتبار عدم التواصل بين الكاتب المغربي والسينمائي المغربي عائقاً في تطوّر النص السينمائي المغربي? الواضح أن الزمن يلعب لعبته بحذق ومهارة, فالشريط الذي كان لا يتكلم في البدء أصبح مع مرور الزمن يتلكأ في الحديث, ثم ها هو التلكؤ يختفي تدريجياً, وهاهو الانفتاح على الأدب أيضاً آت ببطء شديد.ففي الفترة الأخيرة دخل الروائي أحمد التوفيق والسينمائي محمد عبدالرحمن التازي في عملية شراكة إبداعية حيث تم نقل رواية (جارات أبي موسى) 2003 إلى السينما وهي مغامرة نظراً لقوة الرواية ولغضاضة التجربة السينمائية المغربية في تعاملها مع الإبداع معظم الأفلام القديمة كان يصور فى مراكش . لكن تدريجيا بدأت تنمية منطقة أقرب منها للجبال هى ورزازات ، التى أصبحت تسمى الآن عاصمة السينما المغربية، وتقع بالضبط عند نقطة التقاء السفوح الخضراء بالصحراء الممتدة برمالها الصفراء مع سفوح جبال أطلس الشاهقة بقممها البيضاء . هذا التلاقى الفريد يتيح جماليات وفى نفس الوقت اقتصاديات مغرية جدا لصناع السينماعبر العالم . آخر أفلام ضخمة تم تصوير أجزاء كبيرة منها فى المغرب كانت ’ المصارع ‘ وجزأى ’ المومياء ‘ ، ثم’ الأسكندر الأكبر ‘من إخراج أوليفر ستون ومتوسط تصوير الأفلام الأجنبية فى ستوديوهات ورزازات هو 12 فيلما طويلا سنويا ، عدا العشرات من الأفلام القصيرة وأغانى الفيديو . و كان المسئولين المغاربة يتباهون بتحقيق ستوديوهات ورزازات دخلا قدره عشرين مليون دولار سنة 2001 رغم ما شهدته من أحداث سپتمبر . الآن هم يتحدثون عن صناعة حجمها 100 مليون دولار سنويا . ورغم أن ما يصدر عنهم من أرقام يحتمل أحيانا التمنيات ، أو يرتبط بمشروع استثنائى الضخامة مثل ’ الأسكندر الأكبر ‘ ، إلا أنه فى جميع الأحوال لا يمكن بلا شك إلا اعتبار للسينما المغربية أكبر صناعة للسينما فى الوطن العربى بلا منازع .البيزنس ليس منفصلا عن الحركة الثقافية المغربية. هناك تمازج يدعو للإعجاب بين الأنشطة الثقافية ومردودها السياحى الضخم . من هذا مثلا مهرجان الرباط ، وهو مهرجان سنوى غنائى ومسرحى وشعرى وأيضا سينمائى شامل يستقطب أشهر الأسماء من جميع الدول العربية . أما من حيث المهرجانات السينمائية ، فعدد المهرجانات الدولية فى المغرب يكاد يفوق أى نظير له فى أية دولة عربية أخرى باستثناء مصر ، وإن لم يكن حتى الفارق كبيرا . تطوان لسينما البحر المتوسط ، وخوربيكة للفيلم الأفريقى ، وسلا لأفلام المرأة ، وفاس لأفلام التحريك ، وأصيلة لأفلام الجنوب ، والناضور وهى أيام سينمائية تقدم پانوراما للسينما العالمية ، والرباط وهو مهرجان دولى عام وإن مع توجه خاص للسينما الشابة . و انضم لها فى عام 2001 مهرجان مراكش الذى كان مبيتا له سلفا أن يصبح المهرجان الدولى الرئيس والأضخم للمغرب ، بل ولكل أفريقيا والعالم العربى خلال فترة وجيزة . مهرجان عام بلا تخصص ، وتتولاه إدارة فرنسية ، ويلقى رعاية شخصية مباشرة من الملك محمد السادس . وعينه تقع بمنتهى القوة على البيزنس ، أى تنشيط صناعة السينما فى منطقة مراكش بما يحقق تلك الأرقام الموعودة المذهلة . المدير المقصود هو دانييل توسكان دو پلانتييه أحد الموزعين الفرنسيين الرئيس السابق لليونيفرانس ، ومدير مؤسسة لتنظيم مهرجانات الأفلام . ونائبته فى المهرجان هى نائبته فى المؤسسة لويزا مورين
فصل من كتاب "السينما في المغرب العربي
مرفق اسفل رابط المقال في موقع " الحوار المتمدن " والاجزاء الملونة باللون الاخضر في المقال أعلاه مأخوذة من كتابات الاستاذ صلاح هاشم عن فيلمي " طرفاية " و " ماروك " المغربيين في " خاص بسينماتيك " في موقع حسن حداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق