الاثنين، مارس 02، 2015

حوار مع المخرج السوري الكبير اسامة محمد : منابع ماء الفضة بقلم صلاح هاشم



قبل أن نقرأ الحوار مع أسامة محمد ، كتب صلاح هاشم مباشرة بعد أن شاهد فيلم " ماء الفضة " في مهرجان كان 67 المقال التالي

فيلم " ماء الفضة " لأسامة محمد  : سمك يتظاهر
 تحت الماء، ويطالب بإسقاط نظام الأسد في سوريا
المخرج السوري الكبير أسامة محمد
بقلم
صلاح هاشم


     
 الف صورة وصورة لسوريا  في ما هو  أكثر من فيلم . في "صرخة".. و" نداء " الى ضمير العالم الحر، إن تحرك. من سينما القاتل وسينما القتيل،يجدل المخرج السوري الكبيرأسامة محمد شريطا مرعبا لـ " سينما الحقيقة " يقترب به من روح الشعر و القصائد الروحانية الكبرى. حتى السمك في فيلم " ماء الفضة " ، يتظاهر تحت الماء ضد نظام بشارالأسد ، ويطالب بإسقاطه !

--
 
من أقوي الأفلام "السياسية" المباشرة التي عرضها مهرجان " كان " السينمائي 67 ضمن قائمة الاختيار الرسمي وخارج المسابقة الرسمية ، فيلم " ماء الفضة"SILVERED WATER  ،أو صورة ذاتية لسوريا " من اخراج السوري أسامة محمد والسورية الكردية وئام سيماف بدرخان ، الذي عرض في " عرض خاص "  في المهرجان ، وأعتبره " تحفة " سينمائية بكل المقاييس وأكثر من فيلم ..

حيث يروح أسامة محمد ينسج من فيلمه، الذي ينتمي الى نوع سينما الحقيقة CINEMA VERITE في الفيلم التسجيلي كما في افلام الهولندي جوريس ايفانز والفرنسي جان روش والروسي ديجا فيرتوف ،ولايهم هنا ان كان ينتمي أو لاينتمي، فليست هذه القضية، المهم انه قد تحقق.. ليكون بمثابة  " صرخة" مروعة .. تخاطب ضمير العالم المعطوب.. وتدين لامبالاته ..

 فيلم حققه أسامة وصاحبته السورية الكردية "سيماف"- SIMAV   تعني الكلمة بالكردية "ماء الفضة "-  ومن هنا عنوان الفيلم الذي يحكي عن صداقة، نشأت علي شبكة الانترنت - بين مخرجنا السوري الهارب من جحيم الحرب ، ويقيم حاليا في باريس –  بعد أن فرضت عليه اقامة جبرية حين عرف انه هالك لامحالة لو عاد الى بلده..
 حققه مع صديقته إذن، ونجحا يقينا في ان يجعلا من فيلمهما "صورة" لما يحدث الآن في أنحاء البلاد، وصورة - من صنع سيماف المخرجة السورية الكردية – لذلك الحصار المرعب في مدينة حمص حيث تروح الكلاب، تنهش الجثث الملقاة داخل الأحياء المهدمة بأكملها ، وعلي رصيف الشوارع المهجورة التي تعبرها الريح..
ومن مخزون الصور التي التقطت للحرب أو الحروب المشتعلة في سوريا، والثورة على نظام بشار الأسد والمطالبة بإسقاطه– ومن أبرز مشاهد الفيلم  مشاهد تعذيب التلميذ السوري الذي يقوم جلادو النظام بتعذيبه بعد ان كتب في كراسته الشعب يريد اسقاط النظام ،  "أجمل " مشاهد الفيلم الذي لانعرف معه، إن كان من المناسب هنا استخدام لفظ "اجمل" أو" أبشع" ، حين تكون المشاهد الأبشع وليس الأجمل هي المشاهد الغالبة فيه، فلنقل أنه من "أطرف " مشاهد الفيلم التي تحضر ، وتبرز فجأة من بين مشاعد السحل والقتل والحبس والتشريد والتعذيب، وكل صور القتل من اختراع زبانية العصور الوسطي، تبرز لقطة لبعض السوريين الذين يتظاهرون تحت الماء ،وهم يرتدون ملابس وعوينات الغطس ، ويحملون لافتة مكتوب عليها " السمك يريد إسقاط النظام ..
وهي يقينا لقطة طريفة ترويحية، تجعلنا نبتسم، بعد أن يكون اسامة وصاحبته قد القوا بنا في جحيم الشارع السوري، ومدنه وأحيائه ، وقراه، لنرى صور القتل والدمار والتعذيب والرعب، وانتهوا من صنع فيلمهم، من الف صورة وصورةمن ضمن تلك الصور التي شاهدناها في الريبورتاجات التلفزيونية ، ومن الصور الملتقطة لضحايا الحرب من الاطفال والرجال والشيوخ والنساء والاطفال العزل ( صور القتيل.الضحية )ومن الصورالتي التقطها جنود النظام ( صور القاتل. )وهم يؤدون واجب القتل والتشريد والهدم والتعذيب ، وترويع شعب بأكمله..
شعب يأبى أن يترك او يغادر ويتشبث بوطنه، ويرفض التشريد، مثل السورية الكردية وئام سيماف بدرخان من حمص التي تتعرف على اسامة محمد بواسطة الانترنت،  وتكتب له عن رغبتها في صنع فيلم معه عن الحرب ويكون أول أفلامها ، وتطلب منه ماذا يريد أن تصور له بالضبط ، فيطلب منها ان تصور له كل شييء في حمص تحت الحصار والدمار
سطوة الحرف
ومن خلال الف صورة وصورة - ونحن نسمع صوت أسامة محمد يحكي ويعلق ، يكتب ويشطب ويمسح على " سبورة " الشاشة ، كما فعل جودار في بعض أفلامه كما في فيلم " الصينية " أو " ثلاثة أشياء أعرفها عنها " يكتب ويطلب أسامة من سيماف ان تكتب أيضا ، فالكتابة مثلها مثل الصورة هي " شهادة " ضرورية، بكل امتداداتها ودلالاتها الروحانية ، بل ويطلب أن لا تهجر سيماف الكتابة ويجادلنا ويتهم ذاته بأنه قد خان ،وتتتابع وتتراكم مشاهد الفيلم ، بالاضافة الى اللقطات التي صورها أسامة واللقطات التي صورتها سيماف لحصارحمص الدموي المدمر، بل لقد صورت سيماف نفسها أثناء اجراء عملية جراحية لها حيث نراها وطبيب يقوم بتخييط جرحها من دون بنج أو مخدر ن صورت كل شييء كما طلب أسامة لتجعل الكاميرا امتدادا للحواس ، وتلك العين التي تري المدينة وتتجول مع اطفالها ،وتضع الزهور على شواهد قبورالآباء والامهات الذين كانوا، وتتجول مع طفل وهو يحاول الهروب من بندقية قنّاص ، وتجعلنا نتعرف على اطفال حمص التي جمعتهم سيماف وانشات لهم مدرسة ، وتتراكم طبقات الصور مثل رف ، طبقة فوق طبقة، وتصبح هرما من طبقات من الصور المرعبة المخيفة التي تسكن ذاكرتك، مثل الكوابيس المرعبة المخيفة التي تجعلنا ومعها ، إما أن نغادر الصالة ، وقد فعلها البعض،  وخرجوا بالفعل – أعني بعض المشاهدين - في التو ،ولم يقدروا على تحملها بعد أن وضعنا أسامة بفيلمه في قلب الدمار والرعب، وإما أن نتجمد ولانستطيع أن نغادر ونشارك أسامة محمد صرخته وندائه

يقول المخرج السوري الكبير أسامة محمد عن فيلمه : في سوريا هناك اناس يصورون ويموتون كل يوم ، وهناك أيضا أناس يقتلون، ثم يصورون ضحاياهم وقتلاهم كل يوم أيضا ، وقد صنعت فيلمي من " سينما القتيل " و من "سينما القاتل " وحيث اني لم اكن قادرا في باريس على عمل اي شييء سوى تصوير السماء ، فاني اهتديت بحبي لبلدي سوريا في عمل مونتاج لكل الصور التي وصلتني وصنع " بورتريه " لسوريا الآن، ولذلك فالفيلم يحكي من خلال علاقة الصداقة التي نشأت وتطورت وتوطدت مع ويام سيماف قصة الدمار المرعب الذي لحق بهذا البلد، وقصة صنع هذا الفيلم الرائع المبهر الذي يمكن اعتباره وثيقة على هلاك شعب وأمة على يد الرئيس بشار الأسد.. ونظامه..
فيلم " ماء فضة " هو درس في السينما العظيمة بلغة الصورة ومن دون ان ننسى الموسيقى أو شريط الصوت الفاعل المؤثر الذي وجدناه أشبه مايكون بالمبرد الذي يقوم بسن سكاكين الصور في الفيلم فيعمق من أثرها ويزيد من تأثيراتها وحدتها. .
فيلم " ماء فضة " هو علامة من علامات السينما الوثائقية العربية الجديدة، وعلامة أيضا على دخولها عصر جديد ، عصر تقترب فيه  هذه السينما أكثر من الشعر، .. وروح القصائد الروحانية الكبري ..

عن جريدة " الوطن " المصرية

***
وهنا الحوار الذي أجراه صلاح هاشم مع أسامة محمد ونشرته مجلة " الدوحة العدد89 عدد شهر مارس 2015 


أسامة محمد .. منابع «ماء الفضة»

حوار: صلاح هاشم مصطفى

فيلم «ماء الفضة» للمخرج السوري، المنفي بباريس، أسامة محمد، تحفة سينمائية بامتياز، ولأنه كذلك فقد حجز مكانه السنة الفارطة ضمن فئة العروض الخاصة الرسمية في مهرجان «كان» السينمائي في دورته 67. مخرج الفيلم صاحب بصمة مُتميزة في السينما العربية، هو من مواليد اللاذقية عام 1954، درس الإخراج في جامعة موسكو، وتخرَّج فيها عام 1979. أخرج عدداً من الأفلام القصيرة :كـ«اليوم وكل يوم» و«خطوة خطوة». لمع اسمه في السينما السورية حين حَقّقَ لها أحد أفضل أفلامها الروائية الطويلة كتابةً وإخراجاً «نجوم النهار» الذي عُرِضَ على هامش مهرجان «كان» في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» عام 1988، فضلاً عن نيله السعفة الذهبية في مهرجان بلنسية الإسباني في نفس السنة. ويُعدّ فيلمه «صندوق الدنيا» (2002) أول فيلم سوري يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»...
في هذا الحوار يحكي أسامة محمد لـ«الدوحة» عن فيلمه التسجيلي الجديد «ماء الفضة»، الذي أخرجه بالتعاون مع المخرجة الكردية وئام بدرخان.



فيلم «ماء الفضة» للمخرج السوري، المنفي بباريس، أسامة محمد، تحفة سينمائية بامتياز، ولأنه كذلك فقد حجز مكانه السنة الفارطة ضمن فئة العروض الخاصة الرسمية في مهرجان «كان» السينمائي في دورته 67. مخرج الفيلم صاحب بصمة مُتميزة في السينما العربية، هو من مواليد اللاذقية عام 1954، درس الإخراج في جامعة موسكو، وتخرَّج فيها عام 1979. أخرج عدداً من الأفلام القصيرة :كـ«اليوم وكل يوم» و«خطوة خطوة». لمع اسمه في السينما السورية حين حَقّقَ لها أحد أفضل أفلامها الروائية الطويلة كتابةً وإخراجاً «نجوم النهار» الذي عُرِضَ على هامش مهرجان «كان» في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» عام 1988، فضلاً عن نيله السعفة الذهبية في مهرجان بلنسية الإسباني في نفس السنة. ويُعدّ فيلمه «صندوق الدنيا» (2002) أول فيلم سوري يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»...
في هذا الحوار يحكي أسامة محمد لـ«الدوحة» عن فيلمه التسجيلي الجديد «ماء الفضة»، الذي أخرجه بالتعاون مع المخرجة الكردية وئام بدرخان.
§ بداية، ما الذي دفعك إلى إخراج فيلم «ماء الفضة»؟
- كنت في غربتي في باريس «المنفى» على قناعة بأني يجب أن أُنجز هذا الفيلم بالذات، فعلى المستوى الشخصي أشعر الآن بأني في «حالة حصار»، فلم أكنْ أصدق حتى ذلك الوقت بأني غادرت وطني سورية.. وأنه مازال هناك بشر يُقتلون ويتساقطون كل يوم.. وأن أعدادهم أيضاً في تزايد، وأني مازلت أشاهد الشعب السوري الذي أنتمي إليه، وهو يُعبّر عن مشاعره، ويطالب بحريته، وحين أتحدّث عن «شعبي»، فأنا أعني «نافورة الجمال» من الشباب السوري الذي أشعل فتيل الثورة، وبدأ بالثورة. كنت أمرّ في ذلك الوقت بأسود أيام حياتي، كنت أمرّ بلحظات ألمٍ عارمٍ، وكنت آنذاك أتساءل كيف أخدم بلدي سورية وشعبي، وعند كل دورة كنت أسأل ماذا أستطيع أن أُقدّم لهما، فبدأت أكتب بعض المقالات حاولت فيها أن أصف ما يحدث هناك، لكن بلغة فنية خلّاقة، لكني كنت أقول لنفسي.. «حسناً، كل هذا جميل، لكن ماذا بعد؟ ما الذي تستطيع أن تفعله أكثر من هذا؟».
§ المخرجة الشابة وئام بدرخان في حمص وأنت في باريس، هي في الميدان وأنت تراقب من بعيد.. حدثنا عن هذه المسافة التي انتفت بتعاونكما في إنجاز هذا الفيلم.
- كانت لحظة البداية حين شاهدت على «اليوتيوب» منظر الطفل السوري الذي اُعتقل وعُذِّبَ في الحبس، روّعني منظره، وشعرت بالرعب وأنا أشاهده، وكان هذا «المنظر» هو المشهد المؤسس للفيلم. كنت في باريس حين وصلتني أول رسالة من وئام، المقيمة في مدينة حمص، وكانت الرسالة عبارة عن قصيدة تسألني فيها: «ماذا تفعل لو كنت مكاني هنا في مدينة حمص، تحت الحصار، وماذا تريدني أن أصوّر؟ ومن أين أبدأ؟..»
تابعت، كما كل الناس، الصور المرعبة الحاصلة في سورية، نُقصف بها في كل لحظة، ومن خلال هذه الصور والأحداث التي صوّرها شباب بدا لي كما لو أن تاريخاً جديداً للسينما السورية قد وُلِدَ بالفعل مع الثورة، وما ألهمني هو الأحساس بأن «اللغة السينمائية» في مُجملها وبكل مكوناتها من لقطات، اللقطات المقربة، أو اللقطات الطويلة العامة، موجودة ومُتحقّقة في تلك الأفلام، بل إنها تُخترَع أيضاً من جديد!.. كانت «لحظة صدق» أشرقت فجأة في حياتي، لحظة قريبة من الموت، لحظة تريد أن تُعبّر عن نفسها في اللحظة الآن، ولابد من الإمساك بها فوراً، والبدء في تصويرها، وهو الأمر الذي يجعلك ويمنحك الإحساس بأنك حين تصوّر أو تبدأ في تصوير فيلم ما، بأنك «تعيش» وتقاوم الموت!. بدأت في تصوير الفيلم حين أرسلت لي وئام بعد رسالتها المذكورة مجموعة من الأفلام التي صوّرتها بنفسها، وكتبت لها رسالة شكر على فضلها في إخراجي من الوضع المتأزم الذي كنت أعيشه في عزلتي الموحشة بالمنفى الباريسي..
§ حدثنا عن شكل الفيلم واختياراته الفنية، وعن موقعه ضمن خارطة السينما السورية الجديدة
- طوال تجربتي حاولت أن أُدافع عن السينما من منظور تصوّري للسينما كوسيط إعلامي، فالسينما كما أراها هي لغة خاصة، حيث تستطيع الصور مع شريط الصوت أن تعبّر عن موقف أو تبرز رؤية جديدة للحياة.. وأعتقد بأنه مع قيام الثورة السورية كانت هناك ثورة في السينما السورية تتشكّل عبر الصور اليومية. ومن خلالها تشكّلت لدي قناعة بأني أستطيع أن أبدأ الفيلم ببعض الصور التي أرسلتها لي وئام، لأنها كانت تحكي قصة، وكانت وئام حين ظهرت في حياتي تُمثّل تجسيداً لجيل جديد من السينمائيين من الشباب في سورية.
أحب أن تكون في أفلامي مستويات مُتعدّدة من السرد، حكاية فوق حكاية فوق حكاية، وسعيت منذ البداية إلى نقل أصوات عديدة، أصوات شعب بأكمله، وخاصة منهم الذين التقطوا الصور والمشاهد التي صارت مُتاحة على شبكة الإنترنت، ولا يُعرَف لها صاحب، ولا تُذكَر أسماء أصحابها خوفاً عليهم من العقاب والبطش، ولذلك ذكرت بأن أصحاب الفيلم أيضاً ليس أسامة محمد مخرجه فقط، بل هو من صنع الآلاف من السوريين، فقد عرفت من اللحظة التي شاهدت فيها أفلامهم بأنها تصلح لأن تكون حكاية من الحكايات الكثيرة التي أرويها في الفيلم، وشعرت بالارتياح، فقد عرفت أيضاً بأني أسير هكذا على الطريق الصحيح لإنجاز الفيلم ..
في البداية رفضت استخدام صوت الراوي في الفيلم، الدليل أو المرشد الذي نستمع إلى صوته قادماً من خارج الفيلم ليقودنا في رحلتنا مع مشاهد الفيلم، لكني حين انغمست كلية في الصور التي حصلت عليها شعرت بأني واحد من هؤلاء «الشعراء المنسيين» الذين التقطوا كل تلك المشاهد ويقفون خلفها وهم أصحابها، فارتأيت أن يكون في الفيلم «حكواتي» أو راوٍ يحكي القصص دون أن يكون هذا الدور مقتصراً فقط على شرح الصور، وإنما على التأمل فيها والإيحاء بدلالاتها وأسئلتها، وقد شعرت وقتها بأني أستطيع أن أصنع من مجموع الصور أكثر من فيلم واحد، أو فيلم طويل يستغرق عرضه أكثر من أربع ساعات.

عن مجلة " الدوحة " العدد 89 شهر مارس 2015



ليست هناك تعليقات: