الاثنين، أبريل 21، 2014

رحلة البحث عن رفاعة الطهطاوي شهادة للسينما التسجيلية. إنتبهوا أحفاد رفاعة مازالوا رسلا للتنوير بقلم كمال القاضي


مختارات سينما إيزيس: رحلة البحث عن رفاهة الطهطاوي شهادة للسينما التسجيلية بقلم كمال القاضي
إنتبهوا : أحفاد رفاعة مازالوا رسلا للتنوير

لقطة من فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم

رفاعة رائد نهضة مصر الحديثة
 
 رحلة البحث عن رفاعة الطهطاوي"  تناقضات الحياة الثقافية 
بين التنوير و’التبوير’ 
شهادة للسينما التسجيلية
 إنتبهوا : أحفاد رفاعة مازالوا رسلا للتنوير

بقلم
كمال القاضي


القاهرة ـ ‘القدس العربي’ : ستون دقيقة هي زمن الرحلة الدرامية التي قطعها المخرج والسيناريست صلاح هاشم في البحث عن العالم الجليل والمثقف والإنسان رفاعة الطهطاوي بين تفاصيل زمان أخر غير الذي نعيش فيه إبان القرن الثامن عشر.
كان العنوان الذي اختاره المخرج المصري المقيم في باريس ‘رحلة البحث عن رفاعة الطهطاوي’ موحيا بما يدور في رأسه عن المتبقي من عصر هذا العلامة الكبير فقد بدأت الأحداث من داخل قطار الصعيد المتجه إلى مسقط رأس البطل، وفي ذلك توافق في الدلالة والمعنى بين السفر والرحلة المستهدفة إذ يقطع القطار المسافات ويطوي الطريق بينما ينظر صلاح هاشم المتمثل شخصية الرحالة من النافذة متأملا البيوت وصفحة النيل والمساحات الخضراء بدهشة العائد من سفر طويل للوطن المترامية أطرافه والذي كان يوما مأوى لأجداده.
حالة من الشجن تتواصل مع الرغبة العارمة في الوصول إلى عمق المشوار الطويل حيث توجد مدينة طهطا بمحافظة سوهاج جنوب مصر وبيت العائلة التي ينتمي إليها القطب التنويري رفاعة وبالوصول الفعلي بعد مشقة الطريق وعناء الأسئلة المتتالية عن العنوان والرمز تبدأ الأحداث ويروي الأحفاد ومن يمت لشجرة العائلة وجذورها ما يعرفونه عن جدهم الذي نبت من نفس الأرض وصار من أعلام الفكر فيقول أحد هؤلاء إن رفاعة الطهطاوي كما يتصوره همزة الوصل بين حضارتين، الحضارة المصرية بكل شموخها وعمقها التاريخي وتراثها الإيماني والإنساني والحضارة الغربية بحداثتها وتجددها وما تنطوي عليه من تطور في العلوم والتكنولوجيا ولكنه يأخذ على جده الأكبر دعوته إلى خروج المرأة للحياة العملية ومساواتها بالرجل وهو ما يتحفظ عليه الحفيد كونه يقتطع من حق الرجل في الحصول على فرص كافية للعمل والإنفراد بحقوقه كعائل ينبغي ان تكون له الأولوية في التمييز الوظيفي بوصفه كفيلا للمرأة وليس العكس.
يبروز المخرج صلاح هاشم هذه الشهادة ويضعها في مواجهة شهادة أخرى لحفيد أخر يعمل قاضيا بإحدى المحاكم يرد لينفي مزاعم جور رفاعة على الرجل بإعطائه حق المرأة في الخروج للعمل، مؤكدا أن صلب قضية التنوير عنده كانت عدم التمييز بين الرجل والمرأة بما يضر أحدهما على أن يمثل الجوهر العدل في التخصص وإسناد المسؤوليات بما يتفق مع الطبيعة البشرية لكلا الطرفين.
ويسوق القاضي بعض الدلائل على هذه النظرية من واقع ما كتب وسطر رفاعة نفسه.
وفي موضوع ذي مغزى يشير كذلك إلى مدنية وتنويرية فكرة التقدم السابق لعصره وزمانه من خلال كتابه الأشهر ‘تخليص الإبريز في تلخيص باريس′ كمرجع لما اشتملت عليه الدراسة الوافية عن المجتمع الفرنسي وما يمكن الاستفادة منه في التطبيق العملي على الواقع المصري أنذاك.
وما بين الشهادتين يضع هاشم شهادة ثالثة يشوبها نقصان في الرؤية وفقر في المعلومة يسوقها على لسان مدير مكتب صحيفة حكومية كبرى بأسيوط تصور أن لديه جديدا يقوله عن الشخصية المحورية لفيلمه لكن شيئا مما أراده لم يتحقق وبالتالي فقد استعاض عنه بذاكرة واهنة لشيخ طاعن في السن روى ما تناقله السابقون عن حكايات رفاعة الطهطاوي وما أثره وبرغم أن ما ورد كان مجرد كلام مرسل لكنه كان ذا طعم ومذاق ربما لأنه يسرد حكايات تستمد أهميتها من أسماء نسبت إليهم عاشوا مع رفاعة ورأوه رأي العين بل وأكلوا وشربوا معه ومشوا معه في دروب بلدته وقضوا أياما وليالي في قاعة بيته القديم الذي تم تجديده على نفس التراث القديم فبقيت أشياء من ملامحه تشي به إلى الآن.
في النصف الثاني من فيلم المخرج صلاح هاشم يخرج عن النسق الواقعي ولا يلتزم مطلقا بالسيرة الذاتية لبطله بل يعمل أدواته الفنية في شتى الاتجاهات ليس بقصد التشتيت ولا تغييب الرمز وإنما لعقد المقارنات اللامنطقية بين زمانين مختلفين، زمن تتسم ملامحه بالحضارة والثقافة والعلم والأخلاق والتنوير ويعير أبطاله ورموزه عنه وتعرض بالطبع زمن الطهطاوي وزمن أخر مفضوح بجهله وتفاهته وضحالته وانحلاله وليس به من أمارات التحضر غير إطلال تاريخ ونذر يسير من بعض القابضين على جمر الأخلاق وهو ما يمثل نقدا ذاتيا لحياتنا المعاصرة وفق رؤية يشوبها التشاؤم والتشويش في بعض المشاهد لا كلها.
وفق ما انتهجه السيناريست والمخرج المولود في قلعة الكبش في حي السيدة زينب والمقيم في باريس منذ أربعين عاما تأتي نبرة السخرية من مآل ثقافتنا الأخير زاعقة ومقلقة فهو يقطع بأن ليس ثمة أشياء تذكر بقيت من عصر رفاعة الطهطاوي وميراثه التنويري والثقافي وهو مؤسس مدرسة الألسن ورائد الترجمة الحديثة وقائد مدرسة الحربية في جيش محمد علي وهي المعلومة الفارقة الواردة في سياق الرؤية السينمائية التسجيلية والموثقة حسب ما قدم لنا عبر الصورة الفنية والصور الضوئية لمستندات ووثائق أتى بها صاحب الفيلم للدعم والإيضاح والتأكيد.
نأتي إلى ما كان فعليا حشوا زائدا لا محل له من الإعراب في رحلة البحث عن رفاعة الطهطاوي ألا وهي المشاهد المتكررة في حي الحسين والأفراح البلدي وعبارات النيل ووصلات الرقص الشعبي فاختفت الصلة تماما بموضوع الفيلم ووحدته الفنية حيث كلها لا تعني غير أنها زوائد كانت واجبة الاستئصال من الشريط المصور لا سيما أنها جاءت مشوهة للصورة الكلية وغير ذات معنى.

الناقد صلاح هاشم

وسواء كان الفيلم ملبيا لاحتياجات المشاهد الثقافية وكافيا لنقل الصورة المتخيلة عن رفاعة أم لا فإن التجربة في حد ذاتها تعد مغامرة شجاعة للمخرج والكاتب الذي أنفق من حر ماله على السيرة الذاتية للشخصية التي اختارها لتكون سفيرا دائما لدى مصر في مدينة الجن والملائكة باريس العاصمة الفرنسية التي قضى فيها رفاعة الطهطاوي ثلاث سنوات من حياته الدراسية وهي أيضا العاصمة التي شهدت أول عرض للفيلم قبل أن يعرض في القاهرة .
لقد تحدى صلاح هاشم العوائق الإنتاجية وأرسل رسالته إلى من يهمه الأمر انتبهوا نحن هنا أحفاد الطهطاوي ما زلنا رسل التنوير.

عن جريدة القدس العربي بتاريخ 16 ابريل 2014

ليست هناك تعليقات: