الأربعاء، أبريل 09، 2014

حوار مع صلاح هاشم : افتقدنا القدوة في شخص الحاكم.حوار بشار إبراهيم



يرى أن النقد ممارسة للحرية في أرقى وأعلى صورها
 
صلاح هاشم لـ24 : افتقدنا القدوة في شخص الحاكم

الأربعاء 9 أبريل 2014 / 00:23
 24 - خاص
  حوار بشار إبراهيم

في كتاباته الأدبية والنقدية كما في أفلامه الوثائقية، يأخذ الناقد الكبير صلاح هاشم مكانة متميزة في المشهد السينمائي العربي، هي حصيلة عقود من العمل الدؤوب، و"الصعلكة" المُنتجة، التي قادته على دروب الإبداع ليمثّل حالة خاصة أمكن لها أن تمتصّ رحيق تلاقي الثقافة العربية والغربية، دون أن تنخلع من جذورها، أو تنسى انتمائها.

في حواره مع 24، يكشف صلاح هاشم عن قمة جبل الجليد فقط، تاركاً الكثير لأحاديث وحوارات مقبلة، يمكن لها أن تغطي المزيد من تجاربه الأدبية الإبداعية، والسينمائية ناقداً ومخرجاً، والحياتية إنساناً رائقاً
 


تجمع بين صفتي "ناقد سينمائي"، و"صانع أفلام"، ما الذي دفعك إلى هذا الجمع بين طرفين يبدوان نقيضين؟
لم يدفعني أحد. انتقلت بشكل طبيعي في فترة الستينيات من كتابة القصة القصيرة ونشر الدراسات الأدبية والفنية والترجمة في الصحف والمجلات المصرية مثل "المساء" و"روز اليوسف" ومجلة "السينما"، التي كان يترأس تحريرها آنذاك سعد الدين وهبة، ومجلة "الكاتب"، التي كان يترأسها أحمد عباس صالح، وكنت حينها طالباً في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، ومن ثمّ انتقلت إلى العمل في الصحافة اليومية، التي دخلتها من باب الأدب، وبدأت ممارستها فعلياً بعد أن سافرت إلى باريس، مع ظهور مجلة "الوطن العربي". وكنتُ قبل ذلك درستُ السينما في فرنسا، في جامعة فانسان الشهيرة "باريس 8"، وكان يدرّس لي أبرز نقاد مجلة "كاييه دو سينما"، كراسات السينما الشهيرة، من أمثال جان ناربوني، وسيرج لو بيرون، ودومينيك لو بلان، وغيرهم، ولم أدرس السينما لأصبح ناقداً، بل أمارس عملية الإخراج وصنع الأفلام.

هل هناك كتّاب ونقاد جمعوا بين الكتابة الروائية مثلاً أو كتابة النقد، والإخراج السينمائي؟
 ..
نعم هناك نماذج لا تُعد ولا تُحصى في الجمع بين النقد وصناعة الأفلام، أو بين الجمع بين الكتابة وصناعة الأفلام أو كتابة سيناريو الأفلام، كما فعل نجيب محفوظ في مصر، وفي فرنسا تجد الكاتب المسرحي مارسيل بانيول الذي أخرج "زوجة الخباز"، والشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو، الذي أخرج "الحسناء والوحش"، والأدباء مارجريت دوراس، وأندريه مالرو، وآلان روب جرييه، والإسباني أرابال، فكونهم روائيين وكتاباً، لم يمنع أو يحول دون ولوجهم عالم الإخراج السينمائي، كما أن معظم مخرجي "الموجة الجديدة"، مثل جودار، وتروفو، وإيريك رومير، بدأوا أولاً كتابة النقد السينمائي تحت إدارة أندريه بازان في مجلة "كراسات السينما" – لي كاييه دو سيما – العريقة، قبل أن يشرعوا في خوض تجربة الإخراج.

في أفلامك يبدو ثمة حرص على فكرة التنوير والتأصيل والبحث، كأنما تسعى في أفلامك لرسالة فكرية محددة. هل يمكن القول إن تقصير المخرجين في هذا المجال دفعك لأخذ الأمر بيدك وصناعة الأفلام التي تريد؟
 
لا أحب أن أسمي ذلك تقاعساً، أو تقصيراً، لكنه اختلاف في القناعات والمنهج والهموم، فلست في وضع يسمح لي بأن أحاسب أحداً على تقصير أو تقاعس، لأن فعل الإبداع هو فعل حرية بالدرجة الأولى، وما يشغلني في الأساس هو قضية "التعليم" و"التربية"، على خطى رفاعة الطهطاوي، وقضية "البحث" والتفتيش والتنقيب ومبحث الهوية، وجميعها أشياء أفقدت مصر ريادتها ومكانتها في الطليعة للأسف، وأعتقد أن المسؤوليات والأعباء الملقاة على عاتقنا بخصوص كل تلك القضايا من أجل التغيير، تحتاج إلى مجهودات وتضحيات كثيرة وعمل طيلة عقود، لأن هناك من هو مستفيد من الوضع الحالي ولا يريد تغييراً، ولا يحزنون، إذ تعرّض الشعب المصري لأبشع عمليات النهب والاحتيال والتجهيل، خلال فترة الثلاثين سنة ماضية، وافتقدنا أهم رباط يمكن أن يتجمع الناس، خاصة الشباب، من حوله: افتقدنا القدوة في شخص الحاكم، وافتقدنا المشروع الوطني للنهوض بوطن. ونحن مشغولون ومهمومون حالياً بمصيبة جديدة بعد الثورة، مشغولون بمحاربة الإرهاب الأسود الفاشي، ونعيش في مرحلة انتقالية ضبابية، وأعتقد أنه لن يتغير أي شيء في مصر إلا إذا تغيرت المنظومة التعليمية والمنظومة الإعلامية.

بعد "البحث عن رفاعة الطهطاوي"، لديك فيلم جديد "وكأنهم كانوا سينمائيين". حدثنا عنه. ظروف إنتاجه
 

فيلم "وكأنهم كانوا سينمائيين. شهادات على سينما وعصر"، هو خامس تجربة لي في إخراج الفيلم الوثائقي، وهو يناقش ويطرح سؤالاً: ترى أين يكمن سحر السينما المصرية الخفي؟ وما هي الإضافات التي حققتها السينما المصرية للشعب المصري، وأردت من طرح السؤالين التذكير بأن السينما المصرية صنعت وجدان شعب وأمة تمتد بجذورها إلى تاريخ وطبيعة هذا البلد، وكان قدماء المصريين أجدادنا يرسمون ويوثقون برسوماتهم على جدران المعابد لكل مناحي الحياة في مصر القديمة، وكأنهم كانوا سينمائيين من دون كاميرا، كما أن مصر بسبب من طبيعتها هي بلد مليء بالصور والتصاوير والفن الفطري، وتعتبر جنة المصورين الفوتوغرافيين في العالم، وكنتُ شاهدت فيلماً وثائقياً للمخرج الأمريكي الكبير مارتين سكورسيزي يتحدث فيه عن السينما الإيطالية ويعرض أثناء حديثه للقطات ومشاهد من أفلامها، وأعجبتُ جداً بالفيلم وقررتُ أن أستلهم منه فكرة عمل فيلم عن "سحر السينما المصرية الخفي"، لكي أعرضه على الأجانب وأقول لهم من خلاله لماذا نحب السينما في مصر.

كتابك الجديد "الواقعية التسجيلية في السينما العربية الروائية" وجد صدى وانطباعات إيجابية قبل صدوره... ماذا عنه؟
 
أستطيع أن أقول إنني حاولت أن أثبت في كل كتاباتي وبقدر ما تيحت لي الفرصة: إن السينما جديرة، كما يقول الشاعر الفرنسي الكبير أبولونير، بكل الكتابات العظيمة، وبنفس القدر الذي تتمتع به "روائع" الأعمال الأدبية، مثل روايات الروسي ديستويفسكي والسويسري هرمن هسه والمصري نجيب محفوظ واليوناني نيكوس كازانتزاكيس، وجدّنا الحكواتي الأكبر اليوناني هوميروس، وأن هذه الكتابات العظيمة عن السينما من الطبيعي أن تنهل عندي من الموسيقى والشعر والفلسفة وفن الفوتوغرافيا والفنون التشكيلية، ومسيرتي الطويلة وقراءاتي وخبراتي على درب الفن، ومغامرة الحياة ذاتها. النقد ممارسة للحرية، في أرقى وأعلى صورها. هذه الحرية التي تجعلني أردد وأنا أستقبل كل صباح جديد: "الله صباح فاتن، وشمس واعدة، سأمرح على حافة السيف
".

حدثنا عن التكريم الذي تلقيته مؤخراً في "بينالي الثقافة والفنون" في مصر
 
أعتقد أن تكريمي في "بينالي الثقافة والفنون"، الذي سعدتُ به كثيراً، وكان تحت يافطة "وجه مصر المُشرق في الخارج"، جاء تقديراً لحضور إعلامي مصري مميز في المشهد الثقافي السينمائي الفرنسي، واختياري لتمثيل مصر في المحافل الثقافية، والمهرجانات السينمائية الدولية في فرنسا وتونس والمغرب وإيطاليا وتركيا وغيرها، وحضوري ككاتب وأديب وناقد سينمائي، في المشهد الإعلامي المصري والعربي، وربما جاء تقديراً، ومن حيث لا أعلم، لتلك "الحديقة" التي زرعتها على شاطئ البحر، فلما أثمرت انطلقت في بحار الله، ودلفت داخل المياه العميقة، من دون 
خوف أو وجل

ليست هناك تعليقات: