الأربعاء، أبريل 09، 2014

مختارات سينما إيزيس : 37 عاما من الغياب ومازال عبد الحليم يشجينا بقلم كمال القاضي



37عاما من الغياب وما زال عبد الحليم يشجينا!

احتفال خاص بذكرى ملك الرومانسية

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ ـ من كمال القاضي:

 اختلف الاحتفال بذكرى عبد الحليم حافظ هذه المرة، ففي ظل انشغال التلفزيون المصري الرسمي والفضائيات الخاصة بالأحداث الجارية وبرامج ‘التوك شو’ لم يغفل نشطاء ‘الفيس بوك’ وبدأوا مبكرا في وضع صور وفيديوهات لذكريات حليم وحياته وأغانيه العاطفية والوطنية.
هذا الاهتمام دفع ببعض القنوات إلى تخصيص فقرات من برامجها السياسية للحديث عن مرور 37 عاما على رحيل العندليب الأسمر أشهر المطربين المصريين والعرب على الإطلاق، وربما لأن بعض الفضائيات ذات طبيعة إخبارية فقد أكتفت بالتنويه عن الدور الوطني لمطرب ثورة يوليو ومشواره مع رموز الإبداع في الشعر والموسيقى والسينما والصحافة وهم كثر.
لقد رافق عبد الحليم في رحلته محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وحسين السيد ومحسن الخياط وجلال معوض وأمال فهمي وسامية صادق، فكل هؤلاء أحاطوا به وصنعوا مجده الغنائي، فضلا عن وجود صحافيين كبار مثل مفيد فوزي وجليل البنداري ونبيل عصمت ومصطفى أمين وعلي أمين وغيرهم من الأساتذة الكبار في بلاط صاحبة الجلالة.
ركز موقع التواصل الاجتماعي ‘فيسبوك’ ومعه النوافذ الإعلامية الأخرى وبالأخص المحطات الإذاعية على كنوز حليم الوطنية فقد وضع المهندس عبد الحكيم عبد الناصر نجل الزعيم جمال عبد الناصر على صفحته الشخصية اغنية ‘يا جمال يا حبيب الملايين’، التي غناها في احدى حفلات أعياد الثورة في إشارة ذكية للإعراب عن مكانة عبد الحليم حافظ المتميزة فنيا وسياسيا وتاريخيا، فهو ليس مجرد مطرب عادي انتهت مرحلته بانتهاء حياته، ولكنه احد رموز المرحلة الناصرية بتراثها الثقافي وزخمها الوطني.
عاش نجم الأغنية الأسمر ثمانية وأربعين عاما فقط ولكنه مثل كل المواهب الفذة التي رحلت مبكرا ترك رصيدا وفيرا من الأغنيات والأفلام حوالي 750 أغنية ما بين العاطفي والوطني وأثني عشر فيلما.
لم يتمتع المطرب الراحل الكبير بالشهرة داخل الوطن العربي فقط، بل تجاوز المحيط العربي إلى منطقة الشرق الأوسط مما ازعج القوى الاستعمارية المعادية لمصر وكان لموقف إسرائيل منه دلالة واضحة على ما يسببه من صداع مزمن فهو صوت ثورة يوليو وأحد مؤثراتها القوية والداعم لحكم جمال عبد الناصر عدوها اللدود. لقد أذاع راديو إسرائيل خبر وفاة عبد الحليم في 30 آذار/مارس عام 1977 طول اليوم كأنها البشرى يزفها لشعب الله المختار.
وقد منعت بعض الدول الأجنبية دخوله عواصمها في أعقاب نكسة يونيو 67 بحجة أن أغانيه معادية لها وتحرض على كراهية إسرائيل وحلفائها وكان حينئذ يغني أغانيه الوطنية الشهيرة ‘خلي السلاح صاحي – ابنك يقولك يا بطل – أحلف بسماها وبترابها – بالدم – راية العرب – الاستعمار – روح الأمة العربية – ناصر يا حرية – فدائي – البندقية ‘ وغيرها الكثير من أغانيه القتالية المهمة.
لقد أقام عبد الحليم في مبنى الإذاعة أياما وأسابيع يغني ما يكتبه جاهين الأبنودي ويلحن الموجي وبليغ حمدي والطويل ويذاع في نفس اليوم لتردده الجماهير العريضة من المحيط إلى الخليج.
سنوات 67 و 68 و 69 هي سنوات الثراء والعطاء الفني الوطني في حياة المطرب الاستثنائي الأهم بين أبناء جيله والأجيال السابقة واللاحقة فلم تشهد الساحة الفنية موهبة لها ذات الحضور والتألق سوى سيد درويش، الذي ارتبط أيضا بثورة 19 وغنى للزعيم والبطل الشعبي سعد زغلول ومات في سن صغيرة بعد تجاوزه الثلاثين بقليل.
الاحتفال السنوي بذكرى عبد الحليم على هذا النحو لم يأت من فراغ وإنما هو محض انعكاس لتفاعل حقيقي وعلاقة وطيدة وعميقة بينه وبين جمهوره المنتشر والمتزايد في كل أرجاء الأمة العربية قاطبة.
ويعد هذا الارتباط العاطفي والإنساني والنفسي بحليم ظاهرة خارقة للعادة فهو الوحيد الذي تنتظر ذكراه وتقام لها الطقوس الاحتفالية بهذه الكثافة متخطيا في ذلك القمم الكبرى عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد فوزي، فبرغم الحب الجارف الذي يتمتع به هؤلاء من الجمهور، إلا ان ذكراهم تمضي هادئة ويتم الاحتفال برحيلهم دون هذه الضجة، فيما يؤكد خصوصية فقيد الفن الغالي وتميزه عن السواد الأعظم من الناس كأنه رد الاعتبار للموهوب، الذي ولد يتيما وتربى يتيما وعاش عمره القصير مريضا ومتألما فاستحق أن يعيش في القلوب عمرا إضافيا ويبقى في الذاكرة شجنا ولحنا خالدا.

عن جريدة القدس العربي بتاريخ
 

April 4, 2014 القدس العربي

ليست هناك تعليقات: