الجمعة، مارس 26، 2010

كتاب عن مصر يؤسس لنظرة جديدة بقلم صلاح هاشم

لقطة لنبيل بطرس من الكتاب
غلاف كتاب " إيجيبت " مصر ، لكريستوف عياد و نبيل بطرس

لقطة لحضارة مصر الفرعونية القديمة من الكتاب

لقطة لظهر الكتاب






كتاب " إيجيبت" مصر

لكريستوف عيّاد ونبيل بطرس

يؤسس لـ "نظرة" جديدة



بقلم : صلاح هاشم





باريس- سينما إيزيس



من أجمل الكتب التي صدرت حديثا في فرنسا عن دار نشر " شن" CHENE كتاب بالنصوص والصور ( نصوص الصحفي الفرنسي الكبير كريستوف عيّاد من جريدة" ليبراسيون" و صور المصورالمصري الفنان المتميز نبيل بطرس) بعنوان " إيجيبت " EGYPTE يحكي عن مصر أم الدنيا وهو يفرش بنصوصه وصوره سجادة ، تتمدد عليها روح مصر الحقيقة،وتحشرنا في زحام الناس في البيوتات و الشوارع والمزارع والمخابز والكنائس والحقول والمقاهي، وتقودنا الي الصحراء و الوادي و الواحات والجبل ، وتتوهج في كل صفحة اكثر من خمسمائة صفحة تقريبا من الكتاب ، حين تمسك بتلك الالفة والبساطة المحببة و " العشرة" وقيم الشهامة والجدعنة التي تظل ركائز وثوابت شامخة في الشخصية المصرية التي تسع ابتسامتها العريضة العالم كله، و من أرادها بسوء كما في كلام للمؤرخ الكبير ابن إياس – من أرادها بسوء قسمه الله..

كتاب يمسك بتلافيف و تفاصيل الحياة اليومية وبهجتها و عزتها وألوانها، ليكشف عن حيوية الحاضر المعاش المتدفقة ، وشعلة الحياة التي تدب في مصر على الارض ، وهي تتشعبط من اتوبيس الي اتوبيس ، وتخترق زحام الاسواق والميادين ، وتدخل وهي دوما متألقة في لحم الواقع ، من دون تردد او وجل..

تلك الروح التي تصارع كل صباح عواصف القهر والظلم و الفناء و العدم والفوضي الكبري المنظمة، وتريد ان تبتلع العالم كله ، وتلتهم الحياة التهاما ، وتتظاهر - تعمل روحها بالبلدي - كما لوكانت تريد فقط ان تعب منها

تلك الروح هي التي ورثناها، وهي المحرك الذي يدور في مصر كل صباح لدي الانسان المصري، لكي ينطلق - يعلم الله - ويريد ان يقرقش الحياة قرش ويمضغها باسنانه..

كتاب في " وصف مصر" لاعادة اكتشافها من ثاني ، يحتضن بنصوصه الجميلة العذبة لكريستوف عياد ، وصور نبيل بطرس المتألقة بتلقائيتها وبساطتها وانسانيتها ، يحتضن مصر كلها بيوتاتها و مساجدها و كنائسها ويرسم شارة حب على صدرها..

وقد بدا لي كما لوان تلك النصوص والصور هي شهادة اعتراف بجميل يدين به كلاهما للشعب المصري، فكريستوف عمل مراسلا لجريدة " ليبراسيون " الفرنسية اليومية في مصر في الفترة من1993 الى 2000 اي انه قضي 8 سنوات من حياته في " المحروسة " واختلط باهلها ، وحين عاد الى فرنسا وضع كتابا عن الجغرافية السياسية في مصر، وحصل به على جائزة البرت لوندر عام 2004..

أما المصور المصري الفنان المتميز نبيل بطرس المقيم في فرنسا ، فهو من مواليد القاهرة وهو سينيغراف اي مصمم ديكورات مسرحية الي جانب عمله بالتصوير الفوتوغرافي ، ويشتغل على موضوع " الظاهرة الدينية في واقع " الحداثة " في مصر " وقد اقام العديد من المعارض في فرنسا ودول العالم ، وله كتاب حكايات بعنوان " حكايات النيل " الصادر بالفرنسية عن دار نشر" اركانج مينوتور " عام 2007 ، و يعتبر نبيل بطرس ابن مصر البلاد حاليا من أنشط وأبرز المصورين الفوتوغرافيين المصريين الذين يعيشون في فرنسا حاليا.لذلك بدا لي الكتاب كما لو كان اعترافا منهما بجميل مصر عليهما ، و قصيدة عشق لمصر الوطن..

كتاب "إيجيبت لو رف " يؤسس ل " نظرة " جديدة ، نظرة تتطلع الي مصر من الداخل و لا تكتفي بصور الادلة السياحية البراقة اللامعة العابرة من شباك الاتوبيس ، نظرة تحشر نفسها مع الناس في طوابير العيش والقوارب في نزهات على النيل بل وحتي داخل المقابر لكي تمسك بحميمية الحياة في مصر غبطتها والفتها ، ولا تأنف من الجلوس مع الناس في المقاهي او الصعود معهم الي السطوح، لكي تطل علي كرنفال البهجة المدلوق في الشوارع والأزقة، و تحلم بان يكون الغد و بكل الوان قوس قزح ، اكثر انسانية وعدالة و تسامحا..

كتاب لايكتفي فيه كاتبه كريستوف عياد بالنصوص التي كتبها ، بل يضيف اليها فقرات من روايات وكتب لمؤلفين وكتاب مصريين شكلوا وجداننا من امثال نجيب محفوظ و يحيي حقي ويوسف ادريس وجمال الغيطاني وغيرهم يحكون فيها عن تلك البلاد مصر التي احبوا، وروحها العميقة ، ويبدو حرصه على التركيز على عنصر " الاستمرارية " في الحضارة المصرية من خلال إضافة بعص صور الكارت بوستال القديمة لمصر، الي صور الحاضر التي التقطتها عدسة بطرس، هكذا كانت مصر أيام زمان فانظر كيف هي الآن ، لتكتشف ان ثمة اسلوب حياة وفلسفة وجود واستمرارية ، فالمجتمع او المجتمعات المصرية التي يحكي عنها كتاب " إيجيبت " كما نعرف، شيدت أول حضارة إنسانية على وجه الدنيا ، وان هذه الحضارة كما يذكر د. سيد عويس في كتابه " قراءات في موسوعة المجتمع المصري " ومن دون شوفينية " كانت ولاتزال مصدرا للعديد من العناصر الثقافية الاجتماعية لحضارات الدنيا بأسرها، فقد اخترعت مصر المدنية الاولى ، ثم تفشت هذه المدنية في أنحاء العالم، وذلك لاننا حتى وقتنا هذا ، نستطيع ان نرجع بعادات العالم في نظم الحكومة و القضاء والزواج وتقاليد الموت و الدفن بل في قصص الاطفال الي المصريين القدماء "..

كتاب " مصر " لكريبستوف عياد و نبيل بطرس يبهرك بحيويته والوانه، تلك الالوان التي يحب المصريون ان يعيشوا وسطها، و يذكرها الكتاب ، الالوان : الازرق مثل النيل و البحر ، و الاخضر مثل الوادي و مثل الاسلام والاحمر مثل العيد والاصفر مثل الذهب..

كتاب هو بمثابة " دعوة متجددة " للسفر الي ام الدنيا ومصر البلاد، التي نعتبرها بمثابة " قارة " لم تكتشف بعد ، و تدعونا الي اكتشاف سرها وسحرها في كل لحظة

صلاح هاشم

ليست هناك تعليقات: