الخميس، مارس 18، 2010

محمد ناجي في باريس


محمد ناجي في باريس




قلق الكتابة




الصديق الكاتب الروائي المصري المتميز محمد ناجي ، حط حديثا ضيفا على باريس . بعد حضوره إليها للعلاج، والتقت به " سينما إيزيس" أكثر من مرة، ورافقته في تجواله لتفقد معالم و أحياء عاصمة النور، و تعرض هنا لحوار معه ، يتحدث فيه عن الكتابة و مسيرته الفكرية و الروائية في المشهد الادبداعي العربي






"لحن الصباح" لمحمد ناجي


في طبعة عربية إسبانية





محمد الحمامصي من القاهرة: صدرت منذ أيام الطبعة الثالثة لرواية "لحن الصباح " للأديب محمد ناجى في طبعة مزدوجة عربية/ إسبانية عن "دار سنابل" بالقاهرة و"دار كوماريس" في غرناطة (إسبانيا) كنتيجة لبروتوكول التعاون الذي جرى الاتفاق عليه بين الناشرين بمدينة غرناطة الإسبانية في الصيف الماضي، وقد أنجز الترجمة الإسبانية للرواية المستشرق رفائيل أورتيجا.

وتدور أحداث الرواية في يوم واحد، وإن كان السرد الروائي يلامس تفاصيل العقود الأخيرة في تاريخ مصر بتعقيداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتمثل أحداثها صراعا بين عباس الذي فقد أطرافه في حرب أكتوبر ويعيش عيشة بائسة بعد أن حقق النصر لبلاده، وبين نوفل الخطاط الذي أصيبت يده بالرعشة وفقد قدرته على كتابة اللافتات والشعارات.

وأثارت الرواية عند صدور طبعتها الأولى عام 2004 اهتماما نقديا كبيرا، ورأى الأديب والناقد إدوار الخراط أنها ""أسطورة حديثة"" تجمع بين لغة شعرية ذات نبض كهربائي وبناء روائي متين، وقال الخراط "إن لحن الصباح بعالمها ذي الأبعاد الثلاثة: الشعبي والأسطوري والواقعي هي خير تعبير عن الواقعية الحقة التي تضم تحت جناحيها الحلم والفانتازيا والأسطورة وشطح الخيال ومراودات وذبذبات دخيلة النفوس وصبوات الأرواح".

أما الناقد الراحل د.على الراعي فكتب يقول إن الرواية "خير مثل على الفن المركب: الصورة فوق الصورة فوق الصورة، وهذا كله يمنحنا فنا جميلا حقا يجمع بين تركيز الشعر وعذوبته، وحلاوة الأساطير، وبلاغة الدرس المقصود والمقدم بلا فجاجة".

وقد قال د. صبري حافظ أستاذ الأدب بجامعة "لندن"، أن "لحن الصباح" رواية ذات لغة متميزة، وعالم قصصي فريد، وأسلوب سردي جديد، تتعدد فيها مستويات الدلالات لا نتيجة للافتعال التأملي، أو التفلسف الذي يتخلل السرد، أو الاستطرادات الفكرية التي تعترضه كما هو الحال في نصوص تجديدية عديدة، وإنما بسبب طريقة قصها الفريدة التي يمتزج فيها الواقعي بالحلمي، والأسطوري بالمتخيل، والقص الشعبي ذو الطبيعة الشفاهية بالسرد المكتوب الذي ينتمي إلى الأدبيات الروائية المألوفة.

وكانت قد صدرت الترجمة الأسبانية للرواية في طبعة أولى بمدريد عام 2005، كما ترجمها إلى الفرنسية عام 2007 المستشرق جين باتريك غويوم وهو نفس المترجم الذي نقل رواية نجيب محفوظ " أولاد حارتنا ".

وجدير بالذكر أنه صدرت لمحمد ناجى قبل أيام رواية جديدة بعنوان " ليلة سفر " في سلسلة روايات الهلال، والرواية الجديدة هي السابعة للمؤلف بعد "خافية قمر" و"لحن الصباح" و"مقامات عربية" و"العايقة بنت الزين" و"رجل أبله.. امرأة تافهة" و"الأفندي".

تدور أحداث الرواية في ليلة واحدة يحزم فيها الحفيد نصر حقائبه للسفر إلى المجهول، تاركا جده عبد القوى وحيدا في مواجهة شيخوخة مضجرة وبيت مهدد بالانهيار.

في الشقة المجاورة للجد تسكن كوكب " العانس العجوز تتنفس وحدتها ومخاوفها وهى تترنم بتسبيحة لعذراء الحمل المقدس "التي لم يفلحها فلاح، ووجد فيها عنقود الحياة".

تلامس الرواية قضية العلاقة بين المسلم والمسيحي من خلال ذكريات العجوزين اللذين حكمهما لفترة طويلة تاريخ من الجفاء، لكنهما يدركان في النهاية أنهما يواجهان نفس المصير فى البيت المهدد بالانهيار، وتتحول الشروخ التي تتسع بين الشقتين المتجاورتين إلى نوافذ تصل بين الجارين.

عن جريدة " إيلاف "

------------------------------








حوار مع محمد ناجي





قلق الكتابة





القاهرة ـ محمّد إبراهيم:

مجلة الوفاق العربى ـ تونس ـ أغسطس 2009

تتميّز أعمال الرّوائي المصري محمّد ناجي بالعديد من السّمات التي تميّزه عن غيره من أدباء جيله، فقد اهتمّ بما يشغل الإنسان في حاضره وربطه بتراثه وسيرته الشعبيّة. وهو يرى أنّ فعل الكتابة هي صنعة قلق، ويسعى إلى نقل قلقه إلى القارئ بهدف إعادة طرح الأسئلة الكونيّة الأولى والبحث عن إجاباتها في ضوء اللحظة الرّاهنة.. صدرت له ستّ روايات وهي:«خافية قمر»، «لحن الصباح»، «مقامات عربيّة»، «العايقة بنت الزين»، «رجل أبله وامرأة تافهة»، «الأفندي»، وتُرجمت معظم أعماله إلى اللّغات الأسبانيّة والفرنسيّة والرّوسيّة. وقد اختار النّاقد الرّاحل الدّكتور علي الرّاعي عمليْن له ضمن كتابه «الرّواية في نهاية قرن» كنماذجٍ لروايات القرن الماضي.. وكان لنا مع محمّد ناجي هذا الحوار:

* منذ أن صدرت روايتك الأولى «خافية قمر» عام 1994، وحتى عملك الأخير «الأفندي» كيف ترى مسيرتك الأدبيّة؟

ـ بدأتُ بكتابة الشعر في الستينيّات والسبعينيّات، وحصلت بعدها فترة انقطاع، ثمّ عدتُ لكتابة الرّواية بشكل مكثّف ولكتابة الشعر بشكل أقل. وقال النّقّاد وقتها إنّ رواياتي فيها نفس شعريّ، حتى أنّ بعضهم أطلق عليّ تعبير الشاعر المتنكّر فيّ زيّ الرّاوئيّ. وأنا أرى أنّ الكتابة هي الكتابة حتى لو كانت كتابة حكمة أو رسالة، ولقد صرفني الشعر عن الرّواية قليلا، وكلّنا يعلم أنّ شعرنا العربي غنائيٌّ في معظمه.. وبأنّنا نعيش في فترةٍ مليئة بالبلبلة والفوضى، فوضى أفكار، فوضى مشاعر وسقوط غايات كبرى، وفراغ في غاياتنا وضبابية في الإحساس بالمستقبل، فالحسّ الغنائي مفقود وهذا ما قلّل اندفاعة الشعر عندي، وجعل من النصوص الرّوائيّة الأقرب إليّ في التعبير، فالنص الروائي يتّسع لتعدّد الأصوات، ولرصد الموقف الواحد من أكثر من زاوية.. فالرّواية تسمح بالدّوران حول الفكرة وتقليبها وإعادة التفكير، كذلك الشعر والمسرح يسمحان بكلّ هذا.. وقد اخترت الرّواية وشعرتُ أنّها تناسبني.. والرّواية عمل فرديّ تكتبه في فضاء واسع، وهي شكلٌ فيه متّسعٌ لأسئلتي، أمّا المسرح فهو خشبةٌ وحالةُ حوار نشطة جدّا لمدّة ساعتين، إلاّ أنّ الجمهور لدينا لا يستطيع أن يحتضن هذه الحالة الحواريّة الطويلة، على عكس الرّواية التي يتابعك فيها جمهورك على مهل..

* إذن أنت تتّفق مع الرّأي القائل بأنّ الرّواية المصــريّة الآن تعيــش أزهــى عصورها..؟

ـ الشّعر كجنسٍ أدبي في حاجة لحالة إجماع عاطفي، والمسرح يحتاج الحوار، والأمريْن غير موجوديْن، وبالتالي تقلّصت مساحة الشعر وكذلك المسرح، وتصدّرت الرّواية المشهد الإبداعي..

* ما الأسس التي شكّلت فكرك ووجدانك معرفيّا؟

ـ بعد الحرب العالمية الثانية كان هناك استقرار معرفي وأيديولوجي وكانت ثمّة نماذج مستقرّة سواء في التجربة العربيّة أو في التجربة الغربيّة، وكان المثقّف يأخذ من هذا وذاك، ومع نهايات القرن الماضي وسقوط الكتلة الشرقيّة بما تحمله من أفكار وذائقة فنّيّة وأدبيّة، لم يعد العالم مستقرًّا معرفيّا، ولا مستقرّا على ذائقة، فلقد انهارت كلّ الثوابت وأصبح المعسكر الآخر يسوق شعاراته التّجاريّة، فهو يحدّثك عن حرّيّة ملفوفة في ورقة «سلوفان» ما تلبث أن تفتحها حتى تجد أمامك الدّماء تسيل في العراق أو في أفغانستان ومناطق أخرى في العالم، هو يحدّثك عن الحرّيّة وفي ذات الوقت يرعى الطائفيّة لتنفيذ أجندته السياسيّة.. نحن نعيش في لحظةٍ مضطربة وشديدة البلبلة تتشكّل فيها الرّؤى من جديد، فجميع المدارس السابقة أفرزت تجارب بالتأكيد تمّت الاستفادة منها، وعلينا نحن تأسيس تجربتنا في هذه اللحظة الفاصلة بسماتٍ إطــــــارها العامّ خصوصيّتــــــنا وهويّتنا..

* روح الأسطورة والتراث الشعبي تتواجـد في أغلب رواياتك خصوصــا في روايتك «مقـــامات عربية» لماذا؟

ـ لا يستطيع أحدٌ أن ينكر أنّ التراث الشعبي جزء مهمّ وأصيل من هذه الذاكرة، فهو الوجه الآخر للتّاريخ الرّسمي والتراث المدوّن، هو تاريخُ ما أهمل التاريخ من مشاعر الناس وأحلامهم ومواقفهم وأسئلتهم المعلقة، وفيه إيضاحات هائلة للتكوين النفسي للإنسان ولتصوّراته عن الكون والحكّام والغايات وأحكام الزّمان، لهذا أحرص على الإطّلاع على كلّ سطر مرويّ أو مدوّن من هذا التراث حتى أستكمل الذاكرة وأمتلك مفاتيح الوجدان الشعبي.. وأنا أدرك جيّدا أنّ هذه النصوص ابنة أزمنةٍ أخرى ونتاجُ معرفةٍ مختلفة مثلها في ذلك مثل التراث الرسمي المدوّن، وأنّ اجترارها وإعادة إنتاجها هو نوعٌ من السّفه الفكري والتّكريس للماضي على حساب المستقبل، لكنّي لا أنكر ولعي بتأمّل الأساليب والأشكال المطروحة في النصوص الشعبيّة باعتبارها بدائل جماليّة مُلهمة، وليس هذا تعاليًا على الإنجاز الرّوائي الغربي العظيم، ولكنّه التفاتٌ إلى عبقريّة خاصّة متراكمة في الإبداع الشعبي باعتباره رافدًا من الممكن أن يغذّي الإبداع الرّوائي العالمي بمذاقٍ جديد..

* أنت تنقل قلقك إلى القارئ وتترك لديه العديد من علامات الاستفهام؟

ـ كتاباتي ما هي إلاّ تعبيرٌ عن قلقي الدّائم، وفعلُ الكتابة بالنسبة لي هو نقل هذا القلق إلى القارئ بهدف مشاركته لي في إعادة طرح الأسئلة الإنسانيّة الأولى من جديد، ويستوجب ذلك بالطبع إعادة النّظر في فحص الإجابات في ضوء اللحظة الرّاهنة التي يعيشها القارئ..

* ما قدر العناية الذي تُوليه للغة روايتك؟

ـ اللغة إحدى إشكاليّات الكتابة عندي، وهي تتجدّد مثل كلّ كائن حيّ، لأنّها أداة تعبير الإنسان، سيّد الأحياء عن نفسه، ولابدّ أن تحمل نبض تغيّراته. فالإنسان نفسه يتجدّد وتتغيّر خلاياه باستمرار، بحيث أنّ خلاياه اليوم ليست نفسها التي كانت قبل عشرين عامًا، ورغم هذا التّغيّر إلاّ أنّ الشكل يظلّ هو هو تقريبًا، وهذا الشّكل أو الهيكل العامّ العظمي للإنسان هو ما يوازي لغة المعاجم. وأنا شخصيّا، أهتمّ برصد تطوّر لغة الحياة، وأعطي نفسي متعة تأمّل تغيّر الدّلالات والشّفرات المعرفيّة المختزنة في المفردات، وأستخدم بلا تردّد التراكيب التي أضافها «لسان الحياة»، مع حرصي الكامل على أجرومية اللغة، وفي «مقامات عربيّة» كان اهتمامي بهذا الأمر أكبر وأكثر إفصاحًا. وإنّ الحفاظ على صفاء اللغة لا يعني تصفية دمها ولا قصّ لسانها الحيّ، وإنّما يفرض على الكاتب أن ينهل من لغة الحياة ليُثري قاموس الكتابة..

* لماذا الاهتمام بقضايا الجسد؟

ـ عندما أكتب عن الجسد لا أعني الغرائز والجنس فقط، وإنّما أتناوله من خلال مفهومي الخاصّ، أي أنّ الرأس أو البطن أو غير ذلك هو جزء من أجزاء الجسد الواحد.. فالإنسان دائم البحث عن الفهم واللذة والبقاء في لحظة واحدة.. ولم أجد حتى الآن ما يحفّزني على الكتابة عن مناطق الشهوة فقط في الجسد..

* ما رؤيتك للأدب العربي الآن؟

ـ أتصوّر أنّ الكون لا يبقى فيه إلاّ الإنسان بأسئلته الطبيعيّة البكر الذي يمثّل الترس في آلة كبيرة، والأدب شيء أصيل يشكّل وجدانه، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بمعزل عن وجدانه. وأنا بطبعي متفائل بمستقبل البشريّة، فالإنسان هو صانع التاريخ، وهو القادر على التعامل مع الطبيعة، وهو الذي أنتج الإبداع الأدبي.. فإذا توقّفتَ أمام تاريخنا في مجال الإبداع سوف تجد نماذج رائعة سواء في إبداعات «نجيب محفوظ» في مصر أو «محمود المسعدي» في تونس أو “الطيّب صالح” في السودان... فالعرب قدّموا تجارب كثيرة عظيمة، والسابقون من المُبدعين قدّموا لنا الدرس، وعلينا أن نسعى إلى استكمال طريق الإبداع الذي مهّدوا له الطريق، وعلينا أن نمضي في حلّ إشكاليّاتنا بأدواتنا وبلغتنا ليظلّوا بالنسبة لنا مُعلّميننا الأوائل..

* تُرجمت أعمالك إلى عدّة لغات.. ماذا يعني لك ذلك؟

ـ لا أهتمّ كثيرًا بترجمة أعمالي ولا بالحصول على جوائز.. لا أسعى إليها وإنّما أسعد كثيرًا بالحصول عليها، فشيء جميل لكاتبٍ مُغرِق في المحلّيّة أن يرى عملاً له يُترجم إلى لغةٍ أخرى، ممّا يعني أنّه استطاع الوصول بأعماله إلى قيم إنسانيّة مشتركة تتجاوز المحلّيّة.

القاهرة ـ محمّد إبراهيم:

مجلة الوفاق العربى ـ تونس ـ أغسطس 2009

ليست هناك تعليقات: