الاثنين، يونيو 25، 2007

وداعا سمبان عثمان.رينوار السينما الافريقية ؟

لقطة من فيلم " الحوالة " لسمبان عثمان. رينوار السينما الافريقية ؟


بمناسبة وفاة سمبان عثمان، تعيد سينما ايزيس نشر المقال الذي كتبه صلاح هاشم لجريدة " ايلاف " علي الانترنت، بتاريخ الأول من مايو عام 2005 اثناء تكريم سمبان عثمان في تظاهرة "نصف شهر المخرجين " في مهرجان " كان " وذلك للتذكير بالموقع الذي يحتله سمبان علي خريطة السينما الافريقية، والتنويه بأفضاله، والاضافات التي حققها بأفلامه، لتطوير فن السينما ذاته






يترافق مع الاحتفال بذكري تحرير العبيد في فرنسا


نصف شهر المخرجين يكرم سمبان عثمان



بقلم


صلاح هاشم


تحتفل تظاهرة "نصف شهر المخرجين" التي أعلنت في مؤتمر صحفي عقد حديثا عن برنامجها، ويشتمل علي عرض واحد وعشرين فيلما جديدا، تحتفل بمنح جائزتها السينمائية "العربة الذهبية" لعميد المخرجين الأفارقة السنغالي سمبان عثمان، ضمن العديد من الاحتفالات الاخري بالسينما الأفريقية، رسمية وغير رسمية في المهرجان، حتى انك تتساءل، إن كان ثمة علاقة بين هذه الاحتفالات، وبين الاحتفال بذكري تحير العبيد في فرنسا، وان كانت "السينما الإفريقية" ستصبح، "درة" تاج المهرجان خلال هذه الدورة المقبلة 58 في الفترة من 11 الي 22 مايو، بمناسبة مرور خمسين عاما علي صنع وإخراج أول فيلم إفريقي اسود قصير. وكان الفيلم بعنوان "أفريقيا علي ضفاف نهر السين" وأخرجه عام 1955 مجموعة من الطلبة الأفارقة، الذين كانوا يدرسون في معهد "الايديك" الشهير، تحت إشراف الطالب السنغالي بولان سومانو فييرا. ثم أعقبه إخراج أول فيلم روائي افريقي قصير عام 1963 بعنوان "بوروم ساريت" صاحب العربة، علي يد المخرج السنغالي الكبير، عميد المخرجين الأفارقة، سمبان عثمان. وكان أول عمل سينمائي يخرجه ذلك الشاب العصامي، الذي علم نفسه بنفسه، ولم يعرف له تاريخ ميلاد، واشتهر أولا ككاتب في وطنه..

"رينوار" الأفريقي

وكان سمبان، من مواليد زيجينشور في جنوب السنغال دلف إلي عالم الكتابة، من باب التشرد والصعلكة،وعراك الحياة علي أرصفة المدن في القارة السوداء، واشتغل في فرنسا بجميع المهن، من حمّال في ميناء مارسيليا، الي مسئول نقابي، الي صياد،الي ميكانيكي سيارات، إلي سائق تاكسي، ثم سافر وهو في سن الاربعين، ليدرس السينما في روسيا الاتحاد السوفياتي، في " استوديو جوركي " الشهير علي يد مارك دونوسكوي وسيرجي جيراسوموف، ثم عاد الي وطنه، وبعدما أصبح كاتبا وروائيا معروفا، بدأ منذ عام 1962 في إخراج الأفلام القصيرة، إلي أن حقق فيلمه الروائي الطويل الأول " سوداء من " عام1966، الذي وضع النقّاد مخرجه علي الفور، في خانة المخرجين الملتزمين اجتماعيا وسياسيا في السينما العالمية. لذلك تشمخ سينما سمبان في القارة، بمصداقيتها وواقعيتها، وأبطالها الفقراء البسطاء المعدمين، الذين يتعلق مصيرهم أحيانا بحوالة، وأحيانا بورقة يانصيب، كما في رائعة المصري توفيق صالح و فيلمه الأثير" درب المهابيل"، وتضع سمبان في مصاف المخرجين الإنسانيين الواقعيين العمالقة، من أمثال المصري صلاح أبو سيف، والفرنسي جان رينوار، والإيطالي روسوليني، إذ يخيل إليك أن الكادر، طالع عند سمبان من رحم التراب في القارة، ومعجون بشقائها وهمها، ليطرح تساؤل حياتنا: كيف نحافظ علي إنسانيتنا، في عالم قائم علي الظلم، ولا نتمرد، ولا نصير وحوشا ؟، وكل أبطال أفلامه هم ضحايا مجتمعات افريقية ظالمة، وسلطات قمعية غاشمة متوحشة، والبديع في سينما سمبان أنها تفكر، أي انه لا يصنع أفلامه، لتكون بضاعة مثل أفلام السوق، بل لتكون عملا فنيا، يشدنا بمتعته، مثل الأعمال الروائية العظيمة، للهندي رابندرانات طاغور، أو اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، أو الإنجليزية فرجينيا وولف، فيروينا فكريا، ويجعلنا نتأمل في حياتنا، ومن دون أن نفقد متعة النظر والمشاهدة. ولأنه ليست وظيفة السينما، أن توسع من مداركنا بالعالم، وتكون بنكا للمعلومات، ومخزنا للمعارف، بل وظيفتها ان تقربنا من إنسانيتنا، وتسمو بها. أنها دعوة إلي "سلوك" أكثر تحضرا، والتحكم في ذلك الوحش، الذي يسكن داخلنا، واكتشاف لغز الحياة ذاتها كما كان يقول المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك..وكنت دائما تسأل، مع الكثيرين " لماذا نصنع أفلاما، علي شاكلة تلك الأفلام التي يصنعها سمبان في القارة، بتوهج الحياة هذه علي الأرصفة، في أفلام تشبهنا، برخص التراب؟. الم يقل عنه شيخ النقاد الفرنسيين جورج سادول، انه بفضل سمبان أصبح للقارة السوداء موقعا ومحلا علي خريطة السينما العالمية ؟.كان سمبان، الذي يعتبر أول مخرج إفريقي يتم تكريمه بشكل رسمي في مهرجان " كان " عام 1992، كان كثيرا ما يردد أن أفريقيا لها صحيح مشاكلها، لكن أفريقيا أيضا طاقة، وكرة نار متدحرجة، وأمل ممثل في شباب جديد، علامته انه لا يستسلم. و هذا النضال اليومي الذي تخوضه أفريقيا، هو ما يصنع لها حراكها وديناميكيتها، ويجعلها دوما مستبشرة، وينصح عثمان المهمومين من الغربيين والمستشرقين، بان يتركوها في حالها، سعيدة، وليست بحاجة الي وصاية. وهناك تاريخ ثالث مهم في عالم السينما الأفريقية ، إضافة إلي التاريخيين المذكورين، ونعني به تاريخ تأسيس مهرجان قرطاج السينمائي علي يد الناقد التونسي الكبير الطاهر شريعة عام 1966، والجدير بالذكر أن الجائزة ألكبري " التانيت الذهبي " لأول دورة من "أيام قرطاج السينمائية" المهرجان عام 1966 ذهبت إلي فيلم " سوداء من " LA NOIRE DE لسمبان عثمان..
الدرس الإفريقي

ويتوزع الاحتفال بالسينما الأفريقية في " كان " 58، الذي يترافق مع الاحتفال بذكري تحرير العبيد في فرنسا، وتفكير حكومة رافاران اليمينية جديا، في تخصيص يوم كل سنة للاحتفال بتلك المناسبة، يتوزع علي عدة محاور، إذ يتركز المحور الأول في " درس السينما " الذي يلقيه المخرج الإفريقي السنغالي الكبير سمبان عثمان، في إطار احتفالات المهرجان الرسمية، ويعتبر "حدثا" من أحداثه المهمة، حيث يلتقي سمبان، الذي عرض فيلمه " مولاديه " عن ختان البنات في إفريقيا، والتمرد والخروج علي التقاليد التي عفي عليها الزمن ( ومازالت عملية ختان البنات هذه، كما هو معروف، تمارس في 38 دولة من الدول الأعضاء ال 54 في الاتحاد الأفريقي)عرض ضمن عروض المهرجان الرسمية في العام الماضي، ونال سمبان عنه جائزة " نظرة خاصة ". يلتقي سمبان عثمان تحت خيمة ضخمة عملاقة، تقام إلي جوار شاطيء البحر، داخل " القرية العالمية "، بجمهور المهرجان والمدينة، في دعوة عامة مفتوحة، كي يتحدث عن تجربته، ومشواره السينمائي، ويجيب علي تساؤلات الجمهور. وكان القي "درس السينما" - في كان 51 - المصري يوسف شاهين" الأرض "، وكان قبلها بعام، حصل بفيلم "المصير" ومجمل أعماله، علي جائزة " كان " الخمسيني "، وهي جائزة استثنائية، استحدثت بمناسبة مرور خمسين عاما علي تأسيس المهرجان. كما القي درس السينما أيضا في دورات سابقة مجموعة من كبار المخرجين في العالم، من ضمنهم الأمريكي من اصل تشيكي ميلوش فورمان" وطار فوق عش الواقواق"، والأمريكي العملاق فرانسيس فورد كوبولا "القيامة الآن"، وغيرهم..
العربة الذهبية
ويتمثل المحور الثاني في تلك الاحتفالية التي تقيمها تظاهرة " نصف شهر المخرجين" من تنظيم جمعية المخرجين الفرنسيين وتسليم سمبان جائزتها "العربة الذهبية في الدورة 37 للتظاهرة. تلكم الجائزة التي تمنحها كل سنة لمخرج عالمي في احتفال بسيط، كنوع من التقدير لإنجازاته السينمائية المهمة، وإضافاته من اجل تطوير فن السينما في العالم.وتظهر هذه الاحتفالات السينمائية جليا، الفارق الشاسع الذي يفصل مابين الاحتفال بالنجوم من ممثلين ومخرجين وسينمائيين، الجاد والمفيد والبسيط هنا في "كان"، وبين الاحتفالات السينمائية التي تقام في بلادنا، وطريقة احتفالاتنا بالسينما التي أصبحت مسخرة، ونوعا من مسرحيات " الفارس" الهابطة التي تحط بالسينما الفن. بعدما تحولت بعض هذه الاحتفالات إلي أشبه ما يكون بمظاهرات "عسكرية" حربية، واستعراضات غنائية ساذجة مضحكة، لا تصب في صالح الثقافة والسينما، وتنوير الأذهان بهما، بل تصب في صالح البروباجندا.فرق شاسع يفصل مابين بين هذه الاحتفالات السينمائية البسيطة التي تعقد هنا في " كان "، فتعرض لبعض أفلام المخرج، وتتيح فرصة اللقاء والحوار والنقاش معه، وتكون تفتيحا لسمو الفن السابع، ابن قرننا وزمننا، واستكشافا لأعمال سمبان عثمان، وبين زفة الاحتفالات "الرسمية"، بتلك الاستعراضات العقيمة التافهة السخيفة في الوطن، وماهي إلا احتفالات ب "هزيمة" الثقافة، وانحدارها، وإقصائها أكثر وأبعد عن حياتنا، مع كل احتفال. وتكون النتيجة، لعلك لاحظت، أننا نركض أسرع باتجاه التخلف والتعصب والتقوقع، سينمائيا وفكريا، وننعزل عن العالم الذي يتقدم، ويتغير من حولنا، ونحن مازلنا محلك سر، وخلفا در. وثالثا : يشارك " أسبوع النقاد " الرابع والأربعون، كما سبق ان نوهنا، في الاحتفال في " كان " 58 بالسينما الأفريقية، إذ ينظم الاسبوع في الفترة من 12 إلي 20 مايو، احتفالية كبري للسينما الأفريقية، بعنوان " أفريقيا 50 سنة سينما " وذلك يوم السبت الموافق 14 مايو، ويعرض فيها فيلم " طبول " من جنوب أفريقيا لزولا ماسيكو، ثم تعقد ندوة مع بعض المخرجين الأفارقة المتواجدين في المهرجان، ومن ضمنهم العميد سمبان عثمان..

أفريقيا في "سينمات الجنوب"

ورابعا:يشمل الاحتفال بالسينما الأفريقية في "كان" 58، الاحتفاء بعيون التراث السينمائي المغربي وعرض أهم أفلامه، في تظاهرة جديدة استحدثت هذا العام للمرة الأولي بعنوان " كل سينمات العالم " تشمل تقديم نماذج من أعمال 7 دول في السينما، ويخصص اليوم الأول للسينما المغربية. في حين يقتصر الحضور المصري في " كان " علي مشاركة المخرج يسري نصر الله في لجنة تحكيم "السيني فونداسيون" ومسابقة الأفلام القصيرة، ولاشك ان اختياره عضوا في لجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير، وبعد أن عرض له المهرجان بنجاح فيلمه المتميز" باب الشمس " في العام الماضي، يعتبر تكريما لمصر والسينما العربية والأفريقية، واعترافا بمواهبها، حتى لو اقتصر الحضور السينمائي المصري هذه المرة، علي جناح صندوق التنمية الثقافية، وهو مغلق دائما، ولن تجد فيه أحدا، وعرض بعض الأفلام المصرية الجديدة في " سوق الفيلم "..كمل يدخل أكيد في بند الاحتفالات بالسينما الأفريقية في " كان " اختيار الروائية الزنجية الأمريكية طوني موريسون، الحاصلة علي جائزة نوبل في الأدب، والتي تعني في رواياتها بموضوع علاقة العبد الأمريكي الأسود، بالقارة السوداء أفريقيا ألام، وتنشغل بتفاصيل تلك العلاقة كما في روايتها " جاز" في لجنة التحكيم الرسمية التي يترأسها المخرج المسلم الصربي أمير كوستوريكا، وهو لوحده حكاية، سنحكيها لكم من بعد. ألا يعد اختيار هذه الروائية الامريكية السوداء العملاقة، وللاسباب التي ذكرناها، نوعا من التكريم لإفريقيا والسينما الأفريقية؟.. وخامسا تحتفل مؤسسة " سينمات الجنوب " الفرنسية الحكومية التي ترعي السينما الأفريقية وسينمات العالم الثالث، وترأستها لفترة المخرجة التونسية مفيدة تلا تلي " موسم الرجال " وكانت المؤسسة ساهمت في تمويل و إنتاج العديد من الأفلام العربية والأفريقية، مثل " المدينة " ليسري نصر الله و" الأبواب المغلقة " لعاطف حتاتة من مصر، و" حلفاوين " لفريد بو غدير، و" صمت القصور " لمفيدة تلاتلي من تونس وغيرها، وما تزال. تحتفل أيضا " سينمات الجنوب " بالسينما الأفريقية، فتكرس جناحها في " القرية العالمية " ليكون أرضية تعارف ولقاء بالمخرجين الأفارقة في المهرجان، وعرض مجموعة كبيرة من الأفلام الأفريقية الجديدة( تعرض في قاعة خاصة ب" سوق الفيلم " ) وإقامة العديد من الندوات المهمة، التي تناقش قضايا السينما الأفريقية، في الجناح المذكور، مثل ندوة " خمسين سنة سينما في أفريقيا " التي تناقش لغة وجماليات السينمات الأفريقية بعد مرور نصف قرن علي إنتاج أول فيلم إفريقي، ويدير الندوة الناقد السينمائي بجريدة "اللوموند" جان ميشيل فرودون رئيس تحرير مجلة " كراسات السينما"، وندوة " المحافظة علي تراث الجنوب السينمائي، باعتباره واجبا في إطار مفهوم " التنوع الثقافي "، كما تعقد ندوة مع المنتجين الأفارقة، للتعرف علي اقتصاديات السينما الأفريقية، والمشاكل والعقبات التي تصادفهم، علي سكة إنتاج سينما مغايرة، باتجاه الجنوب. ولاشك أن هذه الندوات مجتمعة، تقدم في إطار مهرجان " كان "، اكبر تجمع للسينمائيين في العالم، والحدث الإعلامي الثالث بعد الدورة الاوليمبية، وكأس العالم في كرة القدم، تقدم كشف حساب للسينما الأفريقية، خلال الخمسين سنة الماضية، وربما كانت تمهد أيضا، لانطلاقة سينمائية افريقية اقوي، واشد رسوخا، لصالح الأفلام التي تحاول الإمساك بنبض الواقع في القارة السوداء، وهي تسأل إن أفريقيا كيف حالك والألم


ليست هناك تعليقات: