الجمعة، يونيو 08، 2007

أوراق من " كان " بقلم صلاح هاشم

صلاح هاشم

أوراق من كان


لقطة من الفيلم
الاخوين كوين




أوراق من " كان " الستين


موعظة فوق الجبل


بقلم صلاح هاشم

تميزت الدورة الستين لمهرجان" كان " ب" تنوع " فائق و " حيوية" مدهشة، لتكون مسيرة للفرح داخل قاعات العرض وفي قصر المهرجان والشارع العام الملاصق للبحر الذي اندلقت فيه الحشود البشرية يا لطيف، وهي تنادي علي النجوم وتصرخ وتصيح مع المصورين، فيخيل إليك أنك في حضرة مولد من موالد أولياء الله الصالحين، يحتفل به من شدة الزحام في الصين الشعبية، وقد كان المهرجان هذه المرة ، وهو يحتفل بعيد ميلاده الستين، احتفالا ب " مولد " فن ، ومسيرة مهرجان . فن السينما ، الذي صار وثيق الصلة بحياتنا، مثل الهواء الذي نستنشقه ، حيث تكمن القيمة الأساسية للسينما في قدرتها علي تشكيل أحلامنا الصغيرة، إضافة إلي الحلم " الجماعي "الكبير بمجتمعات إنسانية جديدة، بلا أزمات وحروب وتناقضات وتلوث ومشاكل، وأكثر عدالة وحبا وتسامحا. كما كان احتفالا ب " مسيرة " مهرجان، حافظ علي ذاكرة السينما العالمية وتراثها، عبر كل كلمة ولقطة في مشاهد هذا الحلم، الذي تصنعه شرائط الأفلام، ولا شيئي كما يقول الشاعر الفرنسي الكبير فاليري، يشبه حلم السينما. حيث لم نشهد زحاما وطوابير تسد عين الشمس علي كل شيء، كما حدث في كان هذه الدورة ، كما لم نلهث في أي دورة و قفزنا وركضنا ، كما في هذه الدورة الستين، التي تنعكس بحيويتها بداية في ملصق المهرجان، حيث ينط الحبل مثل الصغار ويقفز في ملصق المهرجان المعبر الجميل، بدرو المودوفار " عودة " ، والمخرج الافريقي سليمان سيسيه من مالي، والممثل الامريكي بروس ويليس من أمريكا،والممثلة الحسناء جولييت بينوش من فرنسا، والمخرجة جين كامبيون من نيوزيلندا، والمخرج وونج كار وي من الصين، وغيرهم..
وكان المصور أليكس ماجولي من وكالة ماجنوم التقط لهم صورهم هذه أثناء وجودهم في مهرجان كان الفائت 59 ، وطلب من كل شخصية سينمائية أن تقفز في الهواء ، ومن جماع الصور لكل فرد وهو يقفز علي حدة ، قام الفنان كريستوف ريناد بتصميم ملصق الدورة الستين علي طريقة الكولاج ، فأتي معبرا بدقة عن طموح كان الستيني، في أن يكون أحتفاله بعيد ميلاده ، احتفالا بصناع هذا الفن اولا من ممثلين ومخرجين، ووضعهم في المقدمة ، علي أن يشهد من خلال حركتهم وقفزاتهم في الملصق، يشهد علي قوة و " ديناميكية " السينما بنت القرن العشرين ، وانطلاقتها مع المهرجان الشاب الوليد الجديد باتجاه المستقبل ..
وتألقت دورة ألمهرجان هذه التي أحتفل فيها المهرجان الكبيرا بعيد ميلاده ، ولمعت مثل كوكب سادس منير علي شاطييء كان، بحضور نجوم هوليوود وفرنسا وأوروبا والعالم، كما حضرت السينما العربية في المهرجان من خلال بعض الأفلام اللبنانية المتميزة، مثل فيلم " سكر بنات " لنادين لبكي الذي حصد أعجاب الجمهور والنقاد ، ونال تصفيقا،وفيلم "الرجل التائه " لدانيال عربيد ، وعرض الفيلمان في تظاهرة " نصف شهر المخرجبن "..
كما أقيم يوم للبنان من خلال تظاهرة كل " سينمات العالم " عرض فيه فيلم " فلافل " لميشيل كمون ضمن مجموعة أخري من أفضل الانتاجات السينمائية اللبنانية في السنوات الخمس الأخيرة ، وكرم جيل جاكوب في المهرجان ناقدين عربيين واظبا ومنذ فترة الثمانينيات وربما قبلها علي حضور المهرجان ومتابعة أعماله والكتابة عنها ، هما الناقد المصري الكبير سمير فريد ، والناقد الجزائري الكبير عز الدين مبروكي ، وعرض المهرجان في احتفال خاص بالجزائر فيلم " خراطيش جلواز " الفيلم الجديد لمهدي شاريف المخرج الفرنسي من أصل جزائري، اما المشاركة العربية الرسمية في المهرجان، فقد تبلورت في فيلمين قصيرين ، فيلم لمخرجنا المصري الكبير يوسف شاهين وفيلم للمخرج الفلسطيني الشاب ايليا سليمان، انضما الي مجموعة من الافلام القصيرة ( 3 دقائق ) في فيلم " لكل سينماه "، الذي أشرف علي انتاجه جيل جاكوب رئيس المهرجان، وشارك في صنعه أكثر من 30 مخرجا من أعظم المخرجين في العالم وبعضهم حصل علي سعفة كان الذهبية مثل اليوناني أنجلو بولوس والفرنسي كلود ليلوش والامريكي جوس فان سانت ، وتقرر الاكتفاء بعرضه في يوم احتفال المهرجان بعيد ميلاده الستيني.. ولانستطيع في هذه العجالة بالطبع أن نكتب عن كل الافلام التي شاهدناها وأعجبتنا في " كان ، ودرس السينما الذي ألقاه مارتين سكورسيزي، بالاضافة الي أفلام تظاهرتي " نصف شهر المخرجين " ومجموعة افلام " أسبوع النقاد " ، ونعد بأن نكتب عن كل هذه الأفلام في " نظرة خاصة " لاحقا ..

كان "علي حافة السماء "


لكن تميزت هذه الدورة الستين للمهرجان كما توقعنا في " نظرة خاصة "بتكريم خاص للسينما الأمريكية ، باعتبارها أهم وأقوي سينما في العالم ، من خلال درس السينما لمارتين سكورسيزي وتكريم الممثل العملاق الراحل هنري فوندا، ومنح جائزة خاصة من المهرجان لابنته الممثلة جين فوندا ، وعرض فيلم تسجيلي طويل رائع عن مارلون براندو، بالاضافة الي عرض مجموعة من أبرز انتاجات سينما المؤلف في أمريكا في المسابقة الرسمية، للمخرجين جوس فان سانت ودافيد فنشر والاخوين كوين ، وطفل السينما الامريكية المرعب ترانتينو، و كذلك عرض فيلم " سيكو " لمايكل مور خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، التي تميزت بجرعة دسمة من الأفلام الجيدة من كوريا واليابان ورومانيا ،وبرزت من بينها عدة أفلام قوية ، نرشحها للحصول علي سعفة " كان " الذهبية، من ضمنها فيلم " لا بلد للعجائز " للاخوين كوين، وفيلم " علي حافة السماء " للمخرج الالماني التركي فاتح أكين، الذي أعتبره أحد أهم الافلام التي عرضها المهرجان، حيث يتناول " علي حافة السماء " العديد من القضايا المهمة من ضمنها قضية المهاجرين الأتراك في ألمانيا ، وانعدام التواصل بين الشرق المسلم ممثلا بتركيا، والغرب الاوروبي المسيحي ممثلا بألمانيا، وقد اعتبرنا " علي حافة السماء " تحية الي سينما المخرج التركي الكبير ايلماظ جوني، وبانوراما سينمائية واقعية سياسية، تؤكد علي أن السينما تستطيع أن تعقد مصالحة بين جيلين وثقافتين ، وهي تمد يدا الي الجار، وتطهرنا من نرجسيتنا وأنانيتنا، ونرشح " علي حافة السماء " للعرض في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للسينما المتوسطية ، فهو علاوة علي القضايا المهمة التي يطرحها،وعلي الرغم من تحفظاتنا علي طول الفيلم ، يقدم استكشافا سياسيا وفنيا باهرا لمتغيرات عصرنا ، وقضايا العولمة وحقوق الانسان والتعايش بين الثقافات والحضارات..


" لا بلد للعجائز " : مرثية للغرب الامريكي


ونرشحه بقوة مع فيلم " لابلد للعجائز " للأخوين كوين للحصول علي السعفة، اذ يحكي " لابلد للعجائز " عن نهاية الغرب الأمريكي ، وتصاعد الشر والعنف في أمريكا، إلي الحد الذي تقف امه السلطة ممثلة بشرطي عجوز مثل حكيم من الزمان القديم، عاجزة عن تطويقه ومحاصرته ، في عالم تضيع فيه قيم الشرف والتضامن لحساب عصابات المافيا والمخدرات الأشرار في أمريكا ، سادة هذا العصر علي ما يبدو ، والي نهاية الزمن..
وعلي الرغم من أن أحداث الفيلم تدور في الغرب الأمريكي، ويكاد يكون فيلما من أفلام رعاة البقر "الوسترن" إلا انه كما تمثلناه وتجرعناه، ودعك من تصنيفات " النوع "، يقترب من روح التراجيديات اليونانية، او حكاية دينية من حكايات الكتاب المقدس، تكتسب بموضوعها ومعالجتها مسحة رمزية، فتحيل الفيلم كله الي " موعظة " من مواعظ يسوع المسيح عيسي بن مريم فوق الجبل، وقد ذكرني بفيلم " إنجيل متي " للمخرج الايطالي بارزوليني ، وعرفت لما تصفحت ملف الفيلم، وليس من عادتي تصفح ملف أي فيلم قبل الكتابة عنه ، انه مأخوذ عن رواية للكاتب الأمريكي الكبير كورماك ماكارثي ، الذي يعتبره النقاد في أمريكا " شكسبير الغرب الأمريكي " ، واعتبر " لا بلد للعجائز "، مثل " مرثية " لكل ألأيام الجميلة التي عشناها في حياتنا، ونحن نراها ونتأملها تضيع مثل حبات الرمل وقد تقدم بنا العمر وهرمنا، وتتلاشي من بين أيدينا، وأعتقد أنه أنضج وأهم الأفلام التي صنعها الشقيقان كوين ولحد الآن، وعلي الرغم من فوزهما من قبل بفيلم " بارتون فينك " علي سعفة كان الذهبية في دورة سابقة ، إلا أني لو كنت رئيسا للجنة التحكيم في كان ، لمنحتهما سعفة " كان " الذهبية في الدورة الستين ، ومن دون تردد ..


ليست هناك تعليقات: