الابداع هو بروميثيوس طليقا
الدين والإبداع... هل يلتقيان؟
سلوى اللوباني من القاهرة: يقول فاروق جويدة في أحد مقالاته: "إن الربط بين الإبداع والدين جناية كبرى، لأن الإبداع ساحة خيال وشطط وتمرد، والدين ساحة عبادة وخضوع وسكينة. وللدين قواعد تحكمه ولكن الإبداع بلا قواعد إلا ما يقرره ضمير الإنسان نفسه". وذكر الكاتب السعودي "تركي الحمد" في أحد لقاءاته التلفزيونية أن الدين والإبداع لا يلتقيان فعنوان الإبداع هو الحرية وعنوان المؤسسة الدينية القيد. أما الداعية "يوسف القرضاوي" إعتبر أن الخطر يكمن في التوسع في عملية الرقابة من قبل المؤسسة الدينية –الازهر والكنيسة- اكثر من اللازم. فهناك بعض المتشددين من المشايخ والعلماء يمنعون ما لاينبغي ان يمنع. ولكنه أكد انه لا بد من قدر من الرقابة التي يوجد بها خطر على عقيدة الانسان وعلى فكره، وأضاف أن الازهر ليس سلطة كهنوتية، ولكن القانون أعطاه الحق. وهذا القانون قد صدر عام 1921 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي أعطى مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر حق الرقابة على الامور التي تمس العقيدة الدينية، بإعتبار العقيدة ثابتة من ثوابت الأمة التي يجب حمايتها. طرحت ايلاف موضوع "هل يلتقي الدين والابداع" على عدد من المثقفين العرب، وذلك في ظل تنامي دور المؤسسات الدينية في عملية الرقابة على الأعمال الفكرية والإبداعية. وكان من اللافت للنظر الحماس الشديد من قبل بعضهم للمشاركة بالاستطلاع، وغضب بعض من المشاركين لمجرد طرح الفكرة أو السؤال، وكأننا قد كفرنا بدين الاسلام، على الرغم من اننا لم نحدد دينًا معينًا! شارك في الاستطلاع من مصر المفكر محمود أمين العالم ، الكاتب جميل عطية ابراهيم ، الكاتب علاء الاسواني، ومديرة موقع منتدى الكتاب د.اماني امين، و صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس، ورئيس تحرير مجلة سينما ايزيس على الانترنت. ومن تونس الباحثة د. رجاء بن سلامة. ومن الجزائر الكاتبة فضيلة الفاروق، والاعلامي شبوب ابو طالب. والكاتبة خالدة السبيعي من الكويت. ومن السعودية الكاتبة مرام مكاوي ، والكاتب نور الدين الحارثي
مختارات ايزيس
الدين والإبداع... هل يلتقيان؟
الدين أن نجد الله في كل نصلة عشب أما الابداع فهو بروميثيوس طليقا
سلوى اللوباني من القاهرة: يقول فاروق جويدة في أحد مقالاته: "إن الربط بين الإبداع والدين جناية كبرى، لأن الإبداع ساحة خيال وشطط وتمرد، والدين ساحة عبادة وخضوع وسكينة. وللدين قواعد تحكمه ولكن الإبداع بلا قواعد إلا ما يقرره ضمير الإنسان نفسه". وذكر الكاتب السعودي "تركي الحمد" في أحد لقاءاته التلفزيونية أن الدين والإبداع لا يلتقيان فعنوان الإبداع هو الحرية وعنوان المؤسسة الدينية القيد. أما الداعية "يوسف القرضاوي" إعتبر أن الخطر يكمن في التوسع في عملية الرقابة من قبل المؤسسة الدينية –الازهر والكنيسة- اكثر من اللازم. فهناك بعض المتشددين من المشايخ والعلماء يمنعون ما لاينبغي ان يمنع. ولكنه أكد انه لا بد من قدر من الرقابة التي يوجد بها خطر على عقيدة الانسان وعلى فكره، وأضاف أن الازهر ليس سلطة كهنوتية، ولكن القانون أعطاه الحق. وهذا القانون قد صدر عام 1921 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي أعطى مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر حق الرقابة على الامور التي تمس العقيدة الدينية، بإعتبار العقيدة ثابتة من ثوابت الأمة التي يجب حمايتها. طرحت ايلاف موضوع "هل يلتقي الدين والابداع" على عدد من المثقفين العرب، وذلك في ظل تنامي دور المؤسسات الدينية في عملية الرقابة على الأعمال الفكرية والإبداعية. وكان من اللافت للنظر الحماس الشديد من قبل بعضهم للمشاركة بالاستطلاع، وغضب بعض من المشاركين لمجرد طرح الفكرة أو السؤال، وكأننا قد كفرنا بدين الاسلام، على الرغم من اننا لم نحدد دينًا معينًا! شارك في الاستطلاع من مصر المفكر محمود أمين العالم ، الكاتب جميل عطية ابراهيم ، الكاتب علاء الاسواني، ومديرة موقع منتدى الكتاب د.اماني امين، و صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس، ورئيس تحرير مجلة سينما ايزيس على الانترنت. ومن تونس الباحثة د. رجاء بن سلامة. ومن الجزائر الكاتبة فضيلة الفاروق، والاعلامي شبوب ابو طالب. والكاتبة خالدة السبيعي من الكويت. ومن السعودية الكاتبة مرام مكاوي ، والكاتب نور الدين الحارثي
محمود أمين العالم: ارضاع زميل العمل لا يساعد على التقدم .توقف إلتقاء الدين والإبداع على مفهوم الدين للشخص. فابن رشد أضاف إضافة حقيقية إلى الدين الاسلامي فكان مبدعًا. ألم يقل الرسول محمد "سيأتي على أمتي رجل يجدد في الدين". الفقه الاسلامي يختلف باختلاف المكان والزمان والاحوال وهذه هي حقيقة التقدم. الفكر الديني الصحيح هو الذي يخلق الابداع ويساعد على التقدم وليس ارضاع زميل العمل والتبرك ببول الرسول فهنا الدين يتحول الى عقيدة جامدة. الدين مرتبط بعصره ويتطور بتطور الزمان والمكان والاحوال. هل تعلمين.. في عام 1921 كان عدد كبير من اعضاء الحزب الشيوعي من رجالات الازهر؟؟ علاء الاسواني: الفهم المستنير للدين يلتقيان طبعًا حسب المفهوم للدين. فمصر والشام والعراق والمغرب كان لديهم فهم للدين مستنير جدًا وقد تكون هذا الفهم المستنير في القرن 19. لذلك كانت هذه الدول مبدعة وبالتالي لم يكن الفهم الديني في هذه الدول عبئًا على الابداع. اما الان الفهم الديني السلفي الوهابي هو اصبح عبئًا على الابداع فهو ضد كل شيء وأي شيء. اهم فنانة في القرن العشرين ام كلثوم كانت متدينة جدا ولكن مفهومها للدين كان منفتحًا. إذن الدين والابداع يلتقيان إذا كان هناك فهم مستنير منفتح للدين.
جميل عطية ابراهيم: الفن متعة والدين قداسةبالنسبة إلى موضوع الدين والإبداع، فهناك دائمًا علاقات ملتبسة نظرًا لأن الدين له مكانة مقدسة خاصة عندما نشير إلى الديانات المقدسة ــ اليهودية والمسيحية والإسلام ــ كما أن الفن له تاريخ طويل في ذاكرة البشرية وضميرها الجمعى قبل ظهور الأديان المقدسة. فعصور ما قبل التاريخ مثلاً كان فيها البشر يخلقون الآلهة بالنحت والرسم وفقًا لحاجاتهم الوقتية ويتعبدون لها ثم يتركونها. ومع تقدم البشرية والعلم وضعت قواعد للفنون نابعة من الفن وقيمه الجمالية فالفن في الأساس متعة جمالية وطالب الفنانون بدراسة الفنون والآداب بعيدًا عن القواعد الدينية، فالقواعد الفنية موقتة. اما الدينية فهي مطلقة لكل زمان ومكان غير أن هذه الأقوال لا تروق عادة رجال الدين، وهنا تبدأ مشاكل بسيطة أو معقدة قد تصل إلى المنع والمصادرة والتكفير والقتل والحرق وقد عرفت البشرية جرائم بشعة بزعم الدفاع عن القيم الدينية المقدسة في أوروبا في العصور الوسطى.
صلاح هاشم: الدين هو أن نجد الله في كل نصلة عشب. الدين هو مؤسسة عقائدية ايديولوجية، غير انه في الأصل يؤسس لعلاقة فردية ذاتية ،بين العبد والرب، تجعل العبد يتسامى بفرديته، وينزع عنه انانيته، لكي يتواصل مع كل الكائنات والموجودات، حتى يجد الله في كل نصلة عشب، ولنذكر هنا بأن المتصوفة العرب كانوا السبب في نشر الاسلام في شبه القارة الهندية بافعالهم، وليس عن طريق الاكراه. فكانوا أولاً مثالاً وقدوة دفعت الناس في شبه القارة الى الاحتذاء بهم ،والدخول في دين الاسلام ،دين التسامح والسلام، اذ ليس الهدف من الدين الوصول الى سدة الحكم والسيطرة على البشر، ودفعهم باسم الدين، للترويج لافكار المؤسسة العقائدية، التي تعمل لمصلحتها والمهيمنين على شؤونها. وثمة تيار ديني عقائدي سلفي متشدد ومتطرف ومتخلف، يتحكم الآن في الاعلام العربي على مستوى الصحافة والتلفزيون، ويقف ضد الابداع والمبدعين ويعمل على تكفيرهم، والظاهر ان كل الحكومات العربية تحت العديد من الضغوطات استسلمت له، فاصبحت له السيطرة، وهو الان من خلال المؤسسات الاعلامية الممولة من طرفه، يتحكم في تشكيل وتوجيه العقل العربي، باتجاه الخرافة والخرابة، والثأر والعنف والدم، والسؤال عما هو حلال وحرام، والدوران في حلقة جهنمية مفرغة، وذلك من خلال التلفزيون والبرامج الحوارية والمسلسلات، والترويج لما احب ان اطلق عليه الهراء العام، وهو المسؤول عن الغيبوبة التي نعيشها على كل المستويات في العالم العربي، وهنا يوظف الدين الابداع للترويج لافكاره، حيث ان اغلب فنون عصر النهضة مثلا، كانت كرست أصلا لتمجيد العقيدة المسيحية والكنيسة. في حين ان الابداع او الخلق الفني هو الحرية - حرية الاختيار والانطلاق والسفر علي جناح المخيلة - في اسمي اشكالها ومعانيها، وحرية الابتكار والخلق، وحرية التفكير والحلم بمجتمعات انسانية جديدة مثل اليوتوبيا المفقودة، مجتمعات اكثر محبة وعدالة وتسامحا. ولذلك يكون الابداع محرما من قبل المؤسسة الدينية، لأنه يستطيع ان يطعن من خلال اشكال التعبير والابداع الفنية -في قصيدة او مسرحية او رواية او فيلم- يطعن في اصنامها ومقدساتها، ويسارع كما فعل الازهر الى رجم وتحريم نشر رواية اولاد حارتنا لنجيب محفوظ. ولذلك فان الدين والابداع لايلتقيان ابدا. الدين هو مقدسات ومحرمات كما ترى المؤسسة، وبالتالي فهو تقييد وانغلاق على الذات، اما الابداع فهو حرية الخلق والتفكير والابتكار بلا حدود، ضد كل المقدسات والمحرمات، ولذلك فهو انفتاح على الآخر، من دون تمييز بسبب الدين او لون البشرة اوالجنسية. الابداع هو بروميثيوس طليقا، بعد ان سرق النار - الابداع - من الآلهة واهداها الى البشر، وكان له ان يعاقب على فعلته، فيصعد الجبل وهو يدفع صخرة امامه، وحين يصل الى القمة تتتدحرج الصخرة الى السفح، فيهبط ويصعد بها من جديد، وياله من عذاب. اما الابداع فهو وحده - اي عن طريق الخلق الفني - هو وحده الذي يستطيع ان يمنح الدين انسانيته، ويطور من روحانيتنا، حين يمنحنا "النظرة " التي ننظر بها الى العقيدة لكي نعتبرها ونتأملها ونفكر فيها من جديد، كما فعل المخرج الايطالي بازوليني، حين قدم رؤية أو " نظرة " جديدة للعقيدة المسيحية من خلال فيلم "انجيل متي"، في حين ما زال " الازهر " يحرم عرض فيلم الرسالة للمخرج السوري مصطفي العقاد. واود ان احيل هنا - للتذكير بأن الدين والابداع لا يلتقيان- الى تجربة الكاتب اليوناني العظيم المبدع نيكوس كازانتزاكيس، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، الذي رحل في شبابه الى جبل آتوس في اليونان، واقام في تلك الاديرة للنساك المتعبدين من الرهبان عدة سنوات، لكنه سرعان ما عاد الى الحياة العادية اليومية مع البشر، بعد أن تأكد بنفسه من ان حرية التنسك والزهد والتعبد لم تعد تصلح لعالمنا، وكشف في كتاباته عن تلك الموبقات التي ترتكب هناك بين الرهبان الشواذ الاوغاد باسم التعبد والدين، وعاد كازانتزاكيس لكي يكتب عن كل ذلك ويقول ان الحياة الحقيقية، ليست في ان تنقطع يا صاحبي للعبادة، بل هي ان تناضل وسط الناس ومع الناس، وان تشاركهم حياتهم، لا ان تتفرغ للعبادة داخل معبد او كنيسة او دير للرهبان. وعاد كازانتزاكيس الى الحياة الحقيقية لكي يبدع لنا فيها روائعه الروائية مثل "الاخوة الاعداء" و "المسيح يصلب من جديد" و "زوربا اليوناني" و " تقرير الى الجريكو " وهي اعمال تتسامى مثل الكتب المقدسة بانسانيتنا، وتحثنا اكثر على التفكير في مصلحة البشرية جمعاء ضد الدمار والخراب والحرب، وتتواصل مع روح الدين، في الدعوة الى التفاهم والمحبة والتسامح بين البشر.
شبوب أبو طالب: انا ضد ربكم لا ضد ربييبدو الدين والإبداع في الجزائر أسرى لفكرة أن لا رباط بينهما، فكل الأسماء الأدبية الكبرى بعيدة عن التدين الشخصي، و بعضها يستلذ الهجوم على الدين، باعتباره قيدًا شخصيًا وفكريًا، الملاحظة الثانية أن الأسماء التي تعادي الدين وتجاهر بإلحادها (الروائي رشيد بوجدرة نموذجا) تعرف الطبعة الجزائرية من الدين الإسلامي وقد تكون ثورتها ضد "الطبعة" التي إلتقت بها في المحيط الأقرب، لا ضد "الدين" كنموذج فكري وحياتي لم تتضح صورته بعد ولم تستقر على شكل واضح جزائريًا، النقطة الثالثة أن هناك مبدعين جنى عليهم تدينهم، وربما "الاتجاه السياسي" الذي عبروا به عن التدين، ومن هؤلاء الدكتور عيسى لحيلح الذي كان مفتيا لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" وهو أكبر الجماعات المسلحة في الجزائر، فالدكتور لحيلح مبدع كبير، وهو شاعر فحل وروائيق كبير لكن اتجاهه الديني السياسي رمى به في أعالي الجبال مع المسلحين ولو أنه عاد للحياة المدنية مؤخرا، ويمكن أن نضيف عليه كلا من الشعراء نور الدين درويش وسويعد صالح و زبير دردوخ (الحائز جائزة الباطين). توجد أيضا طبقة جديدة لا تعادي الدين وإن اشارت إلى الممارسات الخاطئة (الروائي الشاب الخير شوار، الشاعر عبد الرزاق بوكبة). رأيي الشخصي أن "الدين" كمسمى إجتماعي هو ضد الإبداع، لكنه كـ"واقع " و"نص" لا يعارض الإبداع بل يحفزه، بدليل أن عمالقة الأدب كانوا من كبار العارفين بالله من عمر الخيام، ابن عربي، ابن الفارض، ابن رشد، إلى القرن المنصرم مع مصطفى صادق الرافعي وعباس العقاد وحتى مع نزار قباني الذي كتب قصائد تنضح حبا للحرمين و للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. المعضلة برأيي هو أن الأداء ضد "الطبعة الرديئة من الدين" التي تمارسها مجتمعاتنا لا ضد الدين نفسه. وكما قال الشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة " أنا ضد ربكم... لا ضد ربي".
نور الدين الحارثي: الدين قمة الابداعكيف لا يلتقي الدين والابداع؟ الخوض في مواضيع ذات علاقة بكلمة “دين” لا يجني منه المغامر، في الغالب، سوى لا مبالاة بعضهم وعداوة الباقي… لكن بما أن المحصول نفسه يبدو محتمًا علينا أيًا كان الموضوع الذي نخوض فيه، قررت أن أدلي بمدلوي في المسألة آملاً أن لا أحـَـِرّمَ حلالاً إن أخطأت وألا أحلل حراماً إن أصبت، والعكس صحيح… أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال يكمن في سؤال آخر:كيف لا يلتقي الدين والإبداع علمًا أن الدين قمة الإبداع وأن الإبداع قمة الدين؟ ولإيصال فكرتي أكثر يا أخت سلوى شخصيًا أعتقد أن مبدع أي عصر يحمل في طياته نبيـّي ومتنبـّـيّـي العصور التي خلت من قبله… قد يتساءل بعضهم “ما دخل المتنبيين في الموضوع ما دمنا نتحدث عن الإبداع؟ أضن أنها مسألة تصنيف السماسرة للسلعة التي قرر سوقهم ترويجها: بمعنى أن كل من أتى بدين كان عرضة لمساومة القوى (أشخصا أو مؤسسات) المهيمنة في زمانه ومكانه حتى إذا ضعفت إرادة صاحب دين و خضع للمساومة، توّجوه بتاج “نبي” أما إذا استعصى عليهم أو أتى بسلعته بعدما فض القوم من التجارة أو أغلقت الأسواق، وصموه بعار “متنبي” ليكفوا مدمنيهم شر إغراء بضاعته!على الرغم من أن النبيين أبدعوا في هدم طابوهات (مقدسات) قومهم و بناء مجتمعات تحكمها معايير قد تتناقض مع المعايير التي كانت سائدة قبلهم وطقوس قد تتوافق مع الطقوس التي تربوا عليها هم أنفسهم حتى استحال عليهم الطعن فيها، يشهد الخبراء في شأن محمد أن إلهه كان يسرع في تلبية هواه وهوى بعض “أصحابه” … و يشهد العامة أن عيسى صلب حافي القدمين وملتوي البطن وبارز الأضلع بعكس ثراء رجال الكنيسة النتن… وقد يستحيل وجود ديانة تخلو من هذه المفارقة.
رجاء بن سلامة: التنافر بينهما مستمر الى اليومهناك تنافر جوهريّ بين الدّين والإبداع وإن التقيا وتقاطعا. لأنّ الدّين في حالته المؤسّسيّة تنتج الأوهام المطمئنة وتقدّم الأجوبة والحلول الجادّة، والإبداع شبيه بلعب الأطفال وبالأحلام، ينتج ما لا يدّعي أنّه الحقيقة. ولكنّه لعب جادّ لأنّه يعيد طرح الأسئلة، ويشكّك في الحلول التي قدّمتها الأديان عن الموت والحبّ والمجهول. والأديان تقسّم العالم إلى خير وشرّ، والإبداع يبيّن خروج الشّر من الخير أو العكس، ويبيّن وجود نوع من الخطإ الذي تحدّث عنه أرسطو في "الشّعريّة"، وهو خطأ يكون مقترفه غير آثم وغير بريء في الوقت نفسه، كأوديب الملك الذي تزوّج أمّه وهو لا يعرف أنّها أمّه، فساد الطّاعون المدينة، وهو في غفلة من كلّ ذلك.عندما يخترق التدّين الأدب على نحو ما يمكن أن ينتج نصوصا بديعة كزهديّات أبي العتاهية أو الكتابات الصّوفيّة، وعندما يهيمن الدّين المؤسّس فإنّه ينتج أدبًا ركيكًا سمجًا كالمواعظ وما يسمّونه اليوم بـ"الفنّ الإسلاميّ". التّنافر بين الإبداع والدّين الإسلاميّ قديم قدم اعتبار القرآن الشّعراء كاذبين وهائمين في كلّ الأودية. والتّنافر مستمرّ إلى اليوم، مع فارق يتمثّل في أنّ المبدعين القدامى كانوا أكثر حصانة من مبدعي اليوم. المؤسسات الدّينية اليوم تحاصر الشّعراء والمبدعين بقانون الحسبة وحكم الرّدّة لأنّ الدّولة لم تخلق فضاء علمانيًّا ومدنيًّا يحمي الإبداع والمبدعين، بل تركت المثقّفين والمبدعين عرضة لنهش أصحاب فتاوى البول والرضاع والغائط. العلمانيّة أيضًا هي حماية الإبداع من العبوس الدّينيّ، حماية لجنون الإبداع الجميل من جنون الهوس الدّينيّ المرضيّ. أماني أمين: ما هو الابداع ؟سوف افترض انه التعريف العام وأن المقصود بالمبدع هو الفنان والكاتب والشاعر والعالم والطبيب والفيلسوف الخ... ممن يأتون بالجديد كل في مجاله. هل نستطيع الفصل بين الشخص المبدع ومكوناته الثقافية والبيئية والنفسية والاجتماعية المختلفة والتي من بينها الدين او العقيدة؟ لا أظن. ولا يوجد في رأيي اي تناقض بين الدين والابداع. بل على العكس هناك ترابط كبير بين الاثنين على مر العصور . فلننظر مثلا الى الحضارة المصرية القديمة بكل ما بها من روائع وفنون ارتبطت كلها ارتباطًا وثيقًا بالمعتقدات الدينية السائدة في ذلك الوقت الشيء نفسه ينطبق على العصر الروماني فالقبطي فالاسلامي. واذا تكلمنا عن الدين الاسلامي تحديدا فأثر الثقافة الاسلامية على الحضارة الغربية خير دليل على أن الدين لا يمكن أن ينظر له كمعوق للتقدم والابداع وحين نرى تعارضا بين الدين والابداع كما حدث في العصور الوسطى من قبل الكنيسة او كما يحدث اليوم في بعض مجتمعاتنا الاسلامية فالدين برىء منها وسببها هؤلاء الأفراد الذين ينصبون انفسهم حماة للدين و يحاولوا فرض وصايتهم على المجتمع. والدين على عكس ما يروج له هؤلاء منح الانسان المساواة والحرية وشجع على حرية التفكير وإعلاء العقل.
خالدة السبيعي: الدين انطلاقة الابداعالدين هو الانطلاقة الاولى للابداع، الابداع الادبي في اللغة العربية مصدره مفردات القران، وفي الابداع العلمي، الدين يحثنا على مواصلة العلم.."اطلب العلم ولو بالصين... وما اكثر براءات الاختراع والانجازات العلمية، وفي المجال التطبيقى او العملي يقول الرسول الكريم " إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف "فعمارة الارض تكليف من الله اساسها ليس فقط بالعلم و العمل انما في الابداع بهما.
فضيلة الفاروق: الابداع الفالسوإن الله هو المبدع الأكبر. لقد أبدع في خلق الكون وخلق ملكوته وخلق الإنسان من هذا المنطلق. أنا أقول دائما أن الإنسان لم يصل لدرجة الخلق والابداع وانما هو يفكك ويعيد التركيب. فكل شيئ موجود من حولنا ونحن لا نخترع أي جديد سوى أننا نملك أدوات لنصنع اشياء جميلة مما أوجد الله وفي هذه الحالة الإبداع حسب المفهوم العام مرتبط إرتباطا وثيقا بالله. نحن نكتب لأننا نحمل رسالة في قلوبنا و ضمائرنا من أجل الخير وهذا يعني أننا نمشي في الصف النقي الذي يريده الله. لست أرى الفن بكل أنواعه سوى نوعًا من العبادة لنقول لله شكرًا على هذه النعم التي تحيط بنا أو التي حبانا بها. حين أكتب وأجد فكرة جميلة جدًا أحتار من اين لي بهذه الفكرة من اين قفزت إلى رأسي و كيف ترجمتها إلى لغة أتساءل دوما هل العقل هو الذي يوجد كل هذه الفنون ؟ ثم اقول لنفسي مادام العقل أيضا ينتهي و يموت إذن الأرجح أنها الروح و الروح من " أمر ربي" سبحانه تعالى في عظمته. يا سيدتي الإبداع الذي ينبع من قلوب متعجرفة تمشي على الأرض غرورا ليس إبداعا إنه قشرة فالسو.
مرام مكّاوي: الاصل ان يلتقيا
بل يلتقيان... والأصل هو أن يلتقيا... لأن الله خلق الإنسان وأعطاه كل هذه الملكات وأرشده إلى أن يستخدمها بأقصى ما يستطيع لمنفعته ولمنفعة الآخرين، فإذا كنا نتحدث عن الدين الإسلامي، فمنذ البداية كان من الواضح أن الهدف منه أمران: عبادة الله، وعمارة الأرض، وهذه الاخيرة تتحقق كنتيجة حتمية للإبداع الإنساني. ولو عدنا للعصور الإسلامية الزاهية لرأينا كيف أن الإبداع ظهر في كافة مناحي الحياة الأدبية والفكرية والفنية والعلمية والعمرانية وفي كل ما يخطر على بال. وعرف المسلمون ولا يزالون الكثير من المبدعين والفنانين والأدباء الذين سار إبداعهم جنبًا إلى جنب مع معتقداتهم الدينية. فلو أخذنا الأدب مثالاً، فإن كل قصة أو قصيدة أو رواية، تحمل معانيًا سامية، أو تهدف إلى خير واصلاح حتى لو من خلال إبراز العيوب، ولكن دون فحش القول، ودون فجاجة وإباحية، هي أدبٌ متوافق مع الدين، أو أدب إسلامي، حتى وإن لم تظهر هذه الاكليشة بوضوح عليه. وعلى هذا فإنني أستطيع ان اعتبر روايات عالمية رائعة كرواية (جين إير) لشارلوت برونتي، تقع في هذا الإطار. واللبس الذي حصل والذي أدى إلى ظهور مثل هذا السؤال، هو حين تولى زمام أمور الدين عصبة من الجهلة هنا أو هناك، ممن حصروا الدين على الغلاف الخارجي فقط، وخلطوا بين التدين الحقيقي ومظاهره. وهؤلاء القوم يتميزون بأن أفقهم ضيق، وثقافتهم محدودة، ومعارفهم شبه معدومة، وبالتالي فهموا بأن الأصل في الأمور التحريم، والمباح استثناء بينما العكس صحيح. فالمشكلة لم تكن يومًا في الدين، وأعني هنا الدين الاسلامي، وإنما في بعض من ظنوا أنهم وحدهم خلفاء الله في أرضه
جميل عطية ابراهيم: الفن متعة والدين قداسةبالنسبة إلى موضوع الدين والإبداع، فهناك دائمًا علاقات ملتبسة نظرًا لأن الدين له مكانة مقدسة خاصة عندما نشير إلى الديانات المقدسة ــ اليهودية والمسيحية والإسلام ــ كما أن الفن له تاريخ طويل في ذاكرة البشرية وضميرها الجمعى قبل ظهور الأديان المقدسة. فعصور ما قبل التاريخ مثلاً كان فيها البشر يخلقون الآلهة بالنحت والرسم وفقًا لحاجاتهم الوقتية ويتعبدون لها ثم يتركونها. ومع تقدم البشرية والعلم وضعت قواعد للفنون نابعة من الفن وقيمه الجمالية فالفن في الأساس متعة جمالية وطالب الفنانون بدراسة الفنون والآداب بعيدًا عن القواعد الدينية، فالقواعد الفنية موقتة. اما الدينية فهي مطلقة لكل زمان ومكان غير أن هذه الأقوال لا تروق عادة رجال الدين، وهنا تبدأ مشاكل بسيطة أو معقدة قد تصل إلى المنع والمصادرة والتكفير والقتل والحرق وقد عرفت البشرية جرائم بشعة بزعم الدفاع عن القيم الدينية المقدسة في أوروبا في العصور الوسطى.
صلاح هاشم: الدين هو أن نجد الله في كل نصلة عشب. الدين هو مؤسسة عقائدية ايديولوجية، غير انه في الأصل يؤسس لعلاقة فردية ذاتية ،بين العبد والرب، تجعل العبد يتسامى بفرديته، وينزع عنه انانيته، لكي يتواصل مع كل الكائنات والموجودات، حتى يجد الله في كل نصلة عشب، ولنذكر هنا بأن المتصوفة العرب كانوا السبب في نشر الاسلام في شبه القارة الهندية بافعالهم، وليس عن طريق الاكراه. فكانوا أولاً مثالاً وقدوة دفعت الناس في شبه القارة الى الاحتذاء بهم ،والدخول في دين الاسلام ،دين التسامح والسلام، اذ ليس الهدف من الدين الوصول الى سدة الحكم والسيطرة على البشر، ودفعهم باسم الدين، للترويج لافكار المؤسسة العقائدية، التي تعمل لمصلحتها والمهيمنين على شؤونها. وثمة تيار ديني عقائدي سلفي متشدد ومتطرف ومتخلف، يتحكم الآن في الاعلام العربي على مستوى الصحافة والتلفزيون، ويقف ضد الابداع والمبدعين ويعمل على تكفيرهم، والظاهر ان كل الحكومات العربية تحت العديد من الضغوطات استسلمت له، فاصبحت له السيطرة، وهو الان من خلال المؤسسات الاعلامية الممولة من طرفه، يتحكم في تشكيل وتوجيه العقل العربي، باتجاه الخرافة والخرابة، والثأر والعنف والدم، والسؤال عما هو حلال وحرام، والدوران في حلقة جهنمية مفرغة، وذلك من خلال التلفزيون والبرامج الحوارية والمسلسلات، والترويج لما احب ان اطلق عليه الهراء العام، وهو المسؤول عن الغيبوبة التي نعيشها على كل المستويات في العالم العربي، وهنا يوظف الدين الابداع للترويج لافكاره، حيث ان اغلب فنون عصر النهضة مثلا، كانت كرست أصلا لتمجيد العقيدة المسيحية والكنيسة. في حين ان الابداع او الخلق الفني هو الحرية - حرية الاختيار والانطلاق والسفر علي جناح المخيلة - في اسمي اشكالها ومعانيها، وحرية الابتكار والخلق، وحرية التفكير والحلم بمجتمعات انسانية جديدة مثل اليوتوبيا المفقودة، مجتمعات اكثر محبة وعدالة وتسامحا. ولذلك يكون الابداع محرما من قبل المؤسسة الدينية، لأنه يستطيع ان يطعن من خلال اشكال التعبير والابداع الفنية -في قصيدة او مسرحية او رواية او فيلم- يطعن في اصنامها ومقدساتها، ويسارع كما فعل الازهر الى رجم وتحريم نشر رواية اولاد حارتنا لنجيب محفوظ. ولذلك فان الدين والابداع لايلتقيان ابدا. الدين هو مقدسات ومحرمات كما ترى المؤسسة، وبالتالي فهو تقييد وانغلاق على الذات، اما الابداع فهو حرية الخلق والتفكير والابتكار بلا حدود، ضد كل المقدسات والمحرمات، ولذلك فهو انفتاح على الآخر، من دون تمييز بسبب الدين او لون البشرة اوالجنسية. الابداع هو بروميثيوس طليقا، بعد ان سرق النار - الابداع - من الآلهة واهداها الى البشر، وكان له ان يعاقب على فعلته، فيصعد الجبل وهو يدفع صخرة امامه، وحين يصل الى القمة تتتدحرج الصخرة الى السفح، فيهبط ويصعد بها من جديد، وياله من عذاب. اما الابداع فهو وحده - اي عن طريق الخلق الفني - هو وحده الذي يستطيع ان يمنح الدين انسانيته، ويطور من روحانيتنا، حين يمنحنا "النظرة " التي ننظر بها الى العقيدة لكي نعتبرها ونتأملها ونفكر فيها من جديد، كما فعل المخرج الايطالي بازوليني، حين قدم رؤية أو " نظرة " جديدة للعقيدة المسيحية من خلال فيلم "انجيل متي"، في حين ما زال " الازهر " يحرم عرض فيلم الرسالة للمخرج السوري مصطفي العقاد. واود ان احيل هنا - للتذكير بأن الدين والابداع لا يلتقيان- الى تجربة الكاتب اليوناني العظيم المبدع نيكوس كازانتزاكيس، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، الذي رحل في شبابه الى جبل آتوس في اليونان، واقام في تلك الاديرة للنساك المتعبدين من الرهبان عدة سنوات، لكنه سرعان ما عاد الى الحياة العادية اليومية مع البشر، بعد أن تأكد بنفسه من ان حرية التنسك والزهد والتعبد لم تعد تصلح لعالمنا، وكشف في كتاباته عن تلك الموبقات التي ترتكب هناك بين الرهبان الشواذ الاوغاد باسم التعبد والدين، وعاد كازانتزاكيس لكي يكتب عن كل ذلك ويقول ان الحياة الحقيقية، ليست في ان تنقطع يا صاحبي للعبادة، بل هي ان تناضل وسط الناس ومع الناس، وان تشاركهم حياتهم، لا ان تتفرغ للعبادة داخل معبد او كنيسة او دير للرهبان. وعاد كازانتزاكيس الى الحياة الحقيقية لكي يبدع لنا فيها روائعه الروائية مثل "الاخوة الاعداء" و "المسيح يصلب من جديد" و "زوربا اليوناني" و " تقرير الى الجريكو " وهي اعمال تتسامى مثل الكتب المقدسة بانسانيتنا، وتحثنا اكثر على التفكير في مصلحة البشرية جمعاء ضد الدمار والخراب والحرب، وتتواصل مع روح الدين، في الدعوة الى التفاهم والمحبة والتسامح بين البشر.
شبوب أبو طالب: انا ضد ربكم لا ضد ربييبدو الدين والإبداع في الجزائر أسرى لفكرة أن لا رباط بينهما، فكل الأسماء الأدبية الكبرى بعيدة عن التدين الشخصي، و بعضها يستلذ الهجوم على الدين، باعتباره قيدًا شخصيًا وفكريًا، الملاحظة الثانية أن الأسماء التي تعادي الدين وتجاهر بإلحادها (الروائي رشيد بوجدرة نموذجا) تعرف الطبعة الجزائرية من الدين الإسلامي وقد تكون ثورتها ضد "الطبعة" التي إلتقت بها في المحيط الأقرب، لا ضد "الدين" كنموذج فكري وحياتي لم تتضح صورته بعد ولم تستقر على شكل واضح جزائريًا، النقطة الثالثة أن هناك مبدعين جنى عليهم تدينهم، وربما "الاتجاه السياسي" الذي عبروا به عن التدين، ومن هؤلاء الدكتور عيسى لحيلح الذي كان مفتيا لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" وهو أكبر الجماعات المسلحة في الجزائر، فالدكتور لحيلح مبدع كبير، وهو شاعر فحل وروائيق كبير لكن اتجاهه الديني السياسي رمى به في أعالي الجبال مع المسلحين ولو أنه عاد للحياة المدنية مؤخرا، ويمكن أن نضيف عليه كلا من الشعراء نور الدين درويش وسويعد صالح و زبير دردوخ (الحائز جائزة الباطين). توجد أيضا طبقة جديدة لا تعادي الدين وإن اشارت إلى الممارسات الخاطئة (الروائي الشاب الخير شوار، الشاعر عبد الرزاق بوكبة). رأيي الشخصي أن "الدين" كمسمى إجتماعي هو ضد الإبداع، لكنه كـ"واقع " و"نص" لا يعارض الإبداع بل يحفزه، بدليل أن عمالقة الأدب كانوا من كبار العارفين بالله من عمر الخيام، ابن عربي، ابن الفارض، ابن رشد، إلى القرن المنصرم مع مصطفى صادق الرافعي وعباس العقاد وحتى مع نزار قباني الذي كتب قصائد تنضح حبا للحرمين و للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. المعضلة برأيي هو أن الأداء ضد "الطبعة الرديئة من الدين" التي تمارسها مجتمعاتنا لا ضد الدين نفسه. وكما قال الشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة " أنا ضد ربكم... لا ضد ربي".
نور الدين الحارثي: الدين قمة الابداعكيف لا يلتقي الدين والابداع؟ الخوض في مواضيع ذات علاقة بكلمة “دين” لا يجني منه المغامر، في الغالب، سوى لا مبالاة بعضهم وعداوة الباقي… لكن بما أن المحصول نفسه يبدو محتمًا علينا أيًا كان الموضوع الذي نخوض فيه، قررت أن أدلي بمدلوي في المسألة آملاً أن لا أحـَـِرّمَ حلالاً إن أخطأت وألا أحلل حراماً إن أصبت، والعكس صحيح… أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال يكمن في سؤال آخر:كيف لا يلتقي الدين والإبداع علمًا أن الدين قمة الإبداع وأن الإبداع قمة الدين؟ ولإيصال فكرتي أكثر يا أخت سلوى شخصيًا أعتقد أن مبدع أي عصر يحمل في طياته نبيـّي ومتنبـّـيّـي العصور التي خلت من قبله… قد يتساءل بعضهم “ما دخل المتنبيين في الموضوع ما دمنا نتحدث عن الإبداع؟ أضن أنها مسألة تصنيف السماسرة للسلعة التي قرر سوقهم ترويجها: بمعنى أن كل من أتى بدين كان عرضة لمساومة القوى (أشخصا أو مؤسسات) المهيمنة في زمانه ومكانه حتى إذا ضعفت إرادة صاحب دين و خضع للمساومة، توّجوه بتاج “نبي” أما إذا استعصى عليهم أو أتى بسلعته بعدما فض القوم من التجارة أو أغلقت الأسواق، وصموه بعار “متنبي” ليكفوا مدمنيهم شر إغراء بضاعته!على الرغم من أن النبيين أبدعوا في هدم طابوهات (مقدسات) قومهم و بناء مجتمعات تحكمها معايير قد تتناقض مع المعايير التي كانت سائدة قبلهم وطقوس قد تتوافق مع الطقوس التي تربوا عليها هم أنفسهم حتى استحال عليهم الطعن فيها، يشهد الخبراء في شأن محمد أن إلهه كان يسرع في تلبية هواه وهوى بعض “أصحابه” … و يشهد العامة أن عيسى صلب حافي القدمين وملتوي البطن وبارز الأضلع بعكس ثراء رجال الكنيسة النتن… وقد يستحيل وجود ديانة تخلو من هذه المفارقة.
رجاء بن سلامة: التنافر بينهما مستمر الى اليومهناك تنافر جوهريّ بين الدّين والإبداع وإن التقيا وتقاطعا. لأنّ الدّين في حالته المؤسّسيّة تنتج الأوهام المطمئنة وتقدّم الأجوبة والحلول الجادّة، والإبداع شبيه بلعب الأطفال وبالأحلام، ينتج ما لا يدّعي أنّه الحقيقة. ولكنّه لعب جادّ لأنّه يعيد طرح الأسئلة، ويشكّك في الحلول التي قدّمتها الأديان عن الموت والحبّ والمجهول. والأديان تقسّم العالم إلى خير وشرّ، والإبداع يبيّن خروج الشّر من الخير أو العكس، ويبيّن وجود نوع من الخطإ الذي تحدّث عنه أرسطو في "الشّعريّة"، وهو خطأ يكون مقترفه غير آثم وغير بريء في الوقت نفسه، كأوديب الملك الذي تزوّج أمّه وهو لا يعرف أنّها أمّه، فساد الطّاعون المدينة، وهو في غفلة من كلّ ذلك.عندما يخترق التدّين الأدب على نحو ما يمكن أن ينتج نصوصا بديعة كزهديّات أبي العتاهية أو الكتابات الصّوفيّة، وعندما يهيمن الدّين المؤسّس فإنّه ينتج أدبًا ركيكًا سمجًا كالمواعظ وما يسمّونه اليوم بـ"الفنّ الإسلاميّ". التّنافر بين الإبداع والدّين الإسلاميّ قديم قدم اعتبار القرآن الشّعراء كاذبين وهائمين في كلّ الأودية. والتّنافر مستمرّ إلى اليوم، مع فارق يتمثّل في أنّ المبدعين القدامى كانوا أكثر حصانة من مبدعي اليوم. المؤسسات الدّينية اليوم تحاصر الشّعراء والمبدعين بقانون الحسبة وحكم الرّدّة لأنّ الدّولة لم تخلق فضاء علمانيًّا ومدنيًّا يحمي الإبداع والمبدعين، بل تركت المثقّفين والمبدعين عرضة لنهش أصحاب فتاوى البول والرضاع والغائط. العلمانيّة أيضًا هي حماية الإبداع من العبوس الدّينيّ، حماية لجنون الإبداع الجميل من جنون الهوس الدّينيّ المرضيّ. أماني أمين: ما هو الابداع ؟سوف افترض انه التعريف العام وأن المقصود بالمبدع هو الفنان والكاتب والشاعر والعالم والطبيب والفيلسوف الخ... ممن يأتون بالجديد كل في مجاله. هل نستطيع الفصل بين الشخص المبدع ومكوناته الثقافية والبيئية والنفسية والاجتماعية المختلفة والتي من بينها الدين او العقيدة؟ لا أظن. ولا يوجد في رأيي اي تناقض بين الدين والابداع. بل على العكس هناك ترابط كبير بين الاثنين على مر العصور . فلننظر مثلا الى الحضارة المصرية القديمة بكل ما بها من روائع وفنون ارتبطت كلها ارتباطًا وثيقًا بالمعتقدات الدينية السائدة في ذلك الوقت الشيء نفسه ينطبق على العصر الروماني فالقبطي فالاسلامي. واذا تكلمنا عن الدين الاسلامي تحديدا فأثر الثقافة الاسلامية على الحضارة الغربية خير دليل على أن الدين لا يمكن أن ينظر له كمعوق للتقدم والابداع وحين نرى تعارضا بين الدين والابداع كما حدث في العصور الوسطى من قبل الكنيسة او كما يحدث اليوم في بعض مجتمعاتنا الاسلامية فالدين برىء منها وسببها هؤلاء الأفراد الذين ينصبون انفسهم حماة للدين و يحاولوا فرض وصايتهم على المجتمع. والدين على عكس ما يروج له هؤلاء منح الانسان المساواة والحرية وشجع على حرية التفكير وإعلاء العقل.
خالدة السبيعي: الدين انطلاقة الابداعالدين هو الانطلاقة الاولى للابداع، الابداع الادبي في اللغة العربية مصدره مفردات القران، وفي الابداع العلمي، الدين يحثنا على مواصلة العلم.."اطلب العلم ولو بالصين... وما اكثر براءات الاختراع والانجازات العلمية، وفي المجال التطبيقى او العملي يقول الرسول الكريم " إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف "فعمارة الارض تكليف من الله اساسها ليس فقط بالعلم و العمل انما في الابداع بهما.
فضيلة الفاروق: الابداع الفالسوإن الله هو المبدع الأكبر. لقد أبدع في خلق الكون وخلق ملكوته وخلق الإنسان من هذا المنطلق. أنا أقول دائما أن الإنسان لم يصل لدرجة الخلق والابداع وانما هو يفكك ويعيد التركيب. فكل شيئ موجود من حولنا ونحن لا نخترع أي جديد سوى أننا نملك أدوات لنصنع اشياء جميلة مما أوجد الله وفي هذه الحالة الإبداع حسب المفهوم العام مرتبط إرتباطا وثيقا بالله. نحن نكتب لأننا نحمل رسالة في قلوبنا و ضمائرنا من أجل الخير وهذا يعني أننا نمشي في الصف النقي الذي يريده الله. لست أرى الفن بكل أنواعه سوى نوعًا من العبادة لنقول لله شكرًا على هذه النعم التي تحيط بنا أو التي حبانا بها. حين أكتب وأجد فكرة جميلة جدًا أحتار من اين لي بهذه الفكرة من اين قفزت إلى رأسي و كيف ترجمتها إلى لغة أتساءل دوما هل العقل هو الذي يوجد كل هذه الفنون ؟ ثم اقول لنفسي مادام العقل أيضا ينتهي و يموت إذن الأرجح أنها الروح و الروح من " أمر ربي" سبحانه تعالى في عظمته. يا سيدتي الإبداع الذي ينبع من قلوب متعجرفة تمشي على الأرض غرورا ليس إبداعا إنه قشرة فالسو.
مرام مكّاوي: الاصل ان يلتقيا
بل يلتقيان... والأصل هو أن يلتقيا... لأن الله خلق الإنسان وأعطاه كل هذه الملكات وأرشده إلى أن يستخدمها بأقصى ما يستطيع لمنفعته ولمنفعة الآخرين، فإذا كنا نتحدث عن الدين الإسلامي، فمنذ البداية كان من الواضح أن الهدف منه أمران: عبادة الله، وعمارة الأرض، وهذه الاخيرة تتحقق كنتيجة حتمية للإبداع الإنساني. ولو عدنا للعصور الإسلامية الزاهية لرأينا كيف أن الإبداع ظهر في كافة مناحي الحياة الأدبية والفكرية والفنية والعلمية والعمرانية وفي كل ما يخطر على بال. وعرف المسلمون ولا يزالون الكثير من المبدعين والفنانين والأدباء الذين سار إبداعهم جنبًا إلى جنب مع معتقداتهم الدينية. فلو أخذنا الأدب مثالاً، فإن كل قصة أو قصيدة أو رواية، تحمل معانيًا سامية، أو تهدف إلى خير واصلاح حتى لو من خلال إبراز العيوب، ولكن دون فحش القول، ودون فجاجة وإباحية، هي أدبٌ متوافق مع الدين، أو أدب إسلامي، حتى وإن لم تظهر هذه الاكليشة بوضوح عليه. وعلى هذا فإنني أستطيع ان اعتبر روايات عالمية رائعة كرواية (جين إير) لشارلوت برونتي، تقع في هذا الإطار. واللبس الذي حصل والذي أدى إلى ظهور مثل هذا السؤال، هو حين تولى زمام أمور الدين عصبة من الجهلة هنا أو هناك، ممن حصروا الدين على الغلاف الخارجي فقط، وخلطوا بين التدين الحقيقي ومظاهره. وهؤلاء القوم يتميزون بأن أفقهم ضيق، وثقافتهم محدودة، ومعارفهم شبه معدومة، وبالتالي فهموا بأن الأصل في الأمور التحريم، والمباح استثناء بينما العكس صحيح. فالمشكلة لم تكن يومًا في الدين، وأعني هنا الدين الاسلامي، وإنما في بعض من ظنوا أنهم وحدهم خلفاء الله في أرضه
سلوي اللوباني
عن جريدة " ايلاف " بتاريخ 21 يونيو 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق