الخميس، سبتمبر 01، 2016

على مقعد في سينما إيزيس بقلم يسري حسين في مختارات سينما إيزيس

مختارات سينما إيزيس

على مقعد في سينما إيزيس

بقلم
يسري حسين

كاتب مصري مقيم في لندن

على مقعد في سينما ( إيزيس) بشارع قدري في  حي السيدة زينب ،تابعت فيلم الخيال العلمي ( آلة الزمن) عن قصة للكاتب هربرت جورج ويلز ،يعبر عن طموح العلم في قدرة اختراع آلة تبحر في امواج الزمن ،تعود للماضي ،وتقفز للمستقبل.
بطل الفيلم رود تايلور ،كان شغوفا بقراءة المستقبل ،وانتصار العلم ،وتحطيم الإرث القديم من تراكم عطل المسيرة البشرية.
العلم هنا مفتاح الفرج والفرح الإنساني ،ويحل عقدة الزمن لقراءة المستخبي والمجهول ،ومعرفة اسرار الكون ،والتحكم في مسار الزمن ،طبقا لرغبات الإنسان.
افكار تحلق في الخيال في عصر العلم الذي حطم الهيكل القديم ،وأطلق عقل البشر بلا حدود للخيال.
البطل يضع آلة الزمن في الحديقة ،ولم يعجبه الماضي بتخلف وبدائية ،لذلك يعود للحاضر مع مناقشات مع علماء ،لكن المستقبل يغري بالأكتشاف ،ورؤية العلم يتحكم في كل شيء.
الماضي بالنسبة لي هو السعادة لأن مدينتي مضيئة تسعى لعلم وفن وحياة إجتماعية تتألق فيها طبقة وسطى متحررة من قيود ،والدليل وجود فتيات في الحياة العامة ،فكرهن متحرر وينظرن للإمام.
يعبر عن تلك الحالة فيلم صلاح ابو سيف ( أنا حرة ) العنوان ذاته مثير ،لا تستطيع فتاة نطقه الآن ،لكن لبنى عبد العزيز صرخت به ،ضد مجتمع تقليدي وأصرت على التعليم وحرية الأختيار والعمل.
هذا زمن لبنى عبد العزيز ،بجمال هاديء وملامح فيها الثقة والعنفوان ،وكانت بطلة لعالم إحسان عبد القدوس ابن الكاتبة ولممثلة والنشرة ،فاطمة اليوسف الذي تزوجها الممثل محمد عبد القدوس ،وجاء إحسان معانقا الفن والصحافة وجرأة الكتابة.
إحسان صورة مصر القوية بصحافة حرة وكتابة قصصية عبرت عن نبض الطبقة الوسطى ،قبل هزيمتها وانهيارها وخضوعها ،لثقافة الصحراء القاحلة الغليظة ،المانعة للفن والجمال وحرية النساء
.إحسان أنجب نجله محمد تيمنا باسم ابيه الممثل الذي كتب الأبن عن تمرده وشغفه بالحياة والحرية في روايته ( لا شيء يهم ) لكن الحفيد سبح في مياه اخرى ،مع الحل السلفي المتزمت المعارض لأبيه للخروج من جلباب الأب بتلك الطريقة المستفزة لعجلة الزمن والتاريخ .
تلك كانت بلغة محمود السعدني الساخرة ( زمش) اي زي ماانت شايف ،لذلك نفضل لآلة الزمن العودة للماضي ،لأن فيه بعض النور، المختلف بالتأكيد عن حزب النور السلفي السابح في ظلام وعتمة مفزعة.
لو دخلنا عجلة الزمن ، وتوقفنا في محطة مصر سنرى تمثال ( رمسيس) يقف بشموخ وعزة يُستقبل زوار المدينة ،وتتدفق المياه من بين أقدامه .
المنظر له سحره ،وجماله ،خاصة في الليل عندما تتلون المياه المتدفقة من اقدام رمسيس بألوان خلابة.
هذا المشهد ،جعل يوسف شاهين يضيف اليه جمال هند رستم ،اذ جعلها في فيلمه ( باب الحديد) تلهو بتلك المياه وتعبث بها في دلال عجيب وأمامها شاهين نفسه يتعجب من قدرة النيل على تشكيل هذا البهاء الإنساني.
لو كان ( رمسيس ) يستطيع الحركة والكلام لعبر عن بهجته وهند رستم تلهو بمياه تتدفق من بين أقدامه.
اذا ذهبنا بآلة الزمن ،لميدان التحرير ،نرى فندق الهيلتون مقر سهرة الشاعر كامل الشناوي مع صحفيين وفنانين وموسيقيين وشعراء.
في الميدان قاعدة لتمثال لم يحضر ،أبدا ،ونافورة جميلة ،لا تكف عن التعبير الملون بلغة المياه في قلب الميدان ،مع مقهى ( أسترا) وبجواره ( علي بابا ،)مكان نجيب محفوظ المطل عَلى محمع التحرير ومسجد عمر مكرم.
لو تركنا التحرير ،وتجولنا في شوارع القاهرة نجد المقاهي وصالات ليلية للغناء ومحلات ( جروبي) في سليمان باشا وعدلي تضج ،بالبهجة وبشر اختفوا من شاشة الوجود الإجتماعي وحل بدلا منهم شعب آخر ،مختلف في الملبس والملامح وحتى اللغة.
وسط القاهرة كان شارع عماد الدين بمسارح ودور سينما ومقاهي وبارات وصالات ليلية للغناء والرقص ،وكانت سينما( الكورسال ) الصيفي في الشتاء تتحول لصالة للعبة ( التزلج) .
الذهاب لميدان الأوبرا اللقاء مع مصر المتحضرة ،ومقر الدار التي تستضيف فرق الغناء الإوبرالي والباليه من فرنسا وإيطاليا وروسيا.كنت امر بدار الأوبر ،ووجدت الأبواب مفتوحة ولدعوة المارة البسطاء الدخول لمشاهدة لعرض لفرقة باليه روسية.
بجوار دار الأوبرا كازينو صفية حلمي الذي يظهر في فيلم عبد الحليم حافظ ( أيام وليالي)، والكازينو استقبل ندوات نجيب محفوظ لفترة ،،والمقهى بالدور الأرضي مناسبة للجلوس في مكان راق يطل على مشهد جميل .
بجانب دار الأوبرا سينما تعرض افلام هندية وأمريكية ،شاهدت فيها فيلم ( نضال الأبطال) و( سنجام) الهندي وعشرات اخرى من افلام تعيش في الذاكرة.
يطل على الميدان المقهى الفرنسي الفسيح وزبائن ،منطقة حية وتجارية بها ممر تجاري مع فندق ،أقام فيه فريق البرازيل خلا ل زيارته للقهرة.
كل تلك الأماكن تم هدمها وإزالتها في زمن ضد الأوبرا والسينما والمقاهي ذات النكهة البارسية.
فيلم ( آلة الزمن ) لا يحب التوقف عند الماضي ،حيث الجهل والتخلف والهمجية ،اما نحن فالماضي جميل ،لأن اضواء الحضارة كانت تبرق في الشارع ،وكنا نريد المزيد ،لكن القدر لم يستجب فضاع هذا الماضي ،وظهر حاضر متجهم غاب فيه الضحك والفن ،وظهرت أشياء غريبة من ملابس وبشر ،لا علاقة لهم بالآخرين ،الذين كانوا يغنون ويفرحون ،ويذهبون لعماد الدين والمسرح القومي والريحاني وإسماعيل ياسين.
نحن غير شعوب الأرض ،هم يحلمون بالمستقبل ونحن نحن للماضي مع اننا لم نكن في حينه سعداء به ،اذ تمردنا على الملك فاروق ،فجاء عبد الناصر أحببناه ثم لعنه البعض منا ،فجاء السادات بقيم اخلاق القرية ليهزم المدينة فقتلناه بيد جماعة قربهم هو نفسه من نظامه ،وجاء من وضعنا جميعا في ( فريزر) فتجمدنا وخلعع بَعضُنَا البدل وارتضينا الجلباب الأفغاني ،وبعد ثلاثين سنة من جمود وفساد تمردنا فجاء إلى الحكم من لا يرحمون من جوف العصر الوسيط ،فثرنا ضدهم ايضا.
المسار كله يعبر عن قلق ، وتخبط تعمق بشرخ انفصال قاعدة عريضة عن مدنية هي التي أوجدت دار الأوبرا وكازينو صفية حلمي وشارع عماد الدين ونافورة التحرير ،ومقهى ( ايزافيتش) مقر عبد الرحمن الأبنودي واجيال تكتب ادبا جديدا في ذلك الوقت.
ركوب آلة الزمن المصرية تكشف سوء الحظ والأضطراب وتوتر يمنع التفكير الصائب المتزن ،اذ نحن في دوامة حتى سقطنا بأرادتنا في نفوذ سلفي لا يتفق لا مع العصر ولا تاريخ مصر التي أنجبت طه حسن وهند رستم ولبنى عبد العزيز.

ليست هناك تعليقات: