السبت، مايو 17، 2014

فيلم " تمبوكتو " لسيساكو : الغزال الهارب وفاشية الغزاة الارهابيين الجدد بقلم صلاح هاشم




عن الحضور العربي والإفريقي في مهرجان " كان " 67




فيلم " تمبوكتو "للموريتاني عبد الرحمن سيساكو:
يعرض لفاشية الغزاة الارهابيين الجدد،وينبه لايديولوجيتهم، لكنه يفتقد الوحدة الترابطية العضوية التي تمنح الأعمال الفنية ضروريتها..


كان.فرنسا، من صلاح هاشم
 


كان. فرنسا. من صلاح هاشم
 
من أقوي الأفلام " السياسية " التي عرضها مهرجان " كان " داخل المسابقة الرسمية فيلم " تمبوكتو " للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو أحد اهم المخرجين الافارقة حاليا وصاحب فيلم " في انتظار السعادة " الأثير، وفيلم " باماكو " أيضا، إذ يناقش سيساكو في فيلمه " تمبوكتو"، الذي هو أشبه مايكون في جمالياته- وبخاصة التصوير الرائع في الفيلم- بقصيدة..أولوحة طبيعية لأحد الفنانين التأثيرين الفرنسيين مثل مانيه أو سيزان..

يناقش خطرالارهاب الذي تتعرض له قارةافريقيا، وبخاصة في الشمال،مع صعود وهيمنة الجماعات الاسلامية الفاشية المتشددة المتطرفة،ويشرح لنا الفيلم آلياته،ويبيبن لنا فكره،وايديولوجيته،من خلال هبوط الجماعات الارهابية السلفية قرية موريتانية في قلب الصحراء ،وفرضهم بإسم الاسلام، حكم السيف والقهر على أهلها..

                                      
 ويحدد ويرسم سيساكو منذ أول لقطة في فيلمه "الايديولوجية الفاشية" لتلك الجماعات من خلال مجموعة من التماثيل الخشبية مزروعة في الصحراء، وتنطلق رصاصات لكي تصيبها في الدماغ أو في القلب، فتميل وتسقط، ثم تنهمرالرصاصات القادمة من خارج الكادر على تلك التماثيل التي تعتبر طبعا من وجهة نظر الغزاة الجدد بمثابة " اصنام"، من صنع الفنانين الكفرة. فالثقافة هنا – ضمير الإنسانية –  من خلال الممارسات الابداعية الحرة،كما يكشف الفيلم، تكون من أوائل الركائز الحضارية المستهدفة في تلك المجتمعات " النامية "، ولابد من تقويضها، والتخلص من تلك التماثيل والمعابد والاثار الفنية العريقة ،وتخليص البشر"المتطهرين" من شرورها وإثمها..

وفي المشهد التالي تتعقب جماعة ارهابية  في سيارتين في قلب التلال الصحراوية غزالة هاربة ،ويطلب قائد الجماعة أن يقبض على الغزالة حية، فالمطلوب فقط مطاردتها حتى تسقط من الاعياء والتعب وتستسلم، وتمثل الغزالة هنا – كما تمثلتها في الفيلم - " روح افريقيا " الطبيعية المنطلقة الوثابة بجمالها وحيويتها وعزها، الروح المطاردة الهاربة من رصاص الغزاة الجدد.. نارهم وغدرهم ....
ويعرض سيساكو في فيلمه لمعسكرين : معسكر الغزاة الجدد من الارهابيين  الذين  يفرضون سياسات المنع على السكان، وكل شييء ممنوع تقريبا ،فالموسيقى ممنوعة ..

والتدخين ممنوع وتمشيط الشعر ..ممنوع أيضا، ومعسكر السكان الآمنين والمواجهات التي تحدث، كما يكشف عن جهل وتخلف فكر الجماعة الارهابية التي تحكم بالرشاش ، من خلال مواجهة تقع بينها وبين شبخ الجامع الكبير في تومبكتو ، فحين يتسللون بأحذيتهم الى داخل المسجد الكبير، يكشف لنا شيخ الجامع عن جهلهم وتخلفهم فهم لايعرفون ماهو الاسلام دين التسامح والتعاطف والمحبة والعدل، في حين يروجون هم بجهلهم لقيم العنف ويفسرون الاسلام  بطريقتهم للوصول الى الحكم وفرض هيمنتهم وسيطرتهم على البشر، ويقول امام الجامع لهم ، : " .. لو كنتم تحكمون لنشر كل القيم الرائعة التي ينادي بها الاسلام، قيم التضامن والتراحم والاعتدال والمحبة والتفاهم بين البشر لكنت أول من انضم الى جماعتكم..

ومن خلال القصة البسيطة التي يعرض لها سيساكو في فيلمه والتي تحكي عن أسرة تاجر او فلاح بسيط فقد احدي بقراته، بعد أن قتلها صياد سمك برمح ، فذهب التاجر لكي يعاتبه على فعلته، لكن تطور الامر بينهما الى خناقة،وتشابك بالايدي داخل بحيرة في قلب الصحراء..

 ثم تنطلق رصاصة من مسدس كان التاجر يحمله معه بهدف تهديد الصياد ، تنطلق بشكل عفوي، وغير مقصود، فتودي بحياة الصيّاد ويموت ، ويتم اعتقال التاجر وتقديمه للمحاكمة..كما يتم اعتقال مجموعة من الشباب ضبطت وهي تغني وتعزف الموسيقي في الليل، ومن ضمنهم فتاة راحت تصدح بصوتها العذب وتحكي عن تلك السعادة التي تلاشت واختفت هكذا الى الابد ،بعد ان حل هؤلاء البرابرة او الغزاة الجدد في المكان.اللعنة ..

 ونشاهد في الفيلم عملية رجم إمرأة ورجل بعد دفن جسميهما في التراب ثم قذف رأسيهما بالحجارة كما نشاهد أيضا في الفيلم عملية جلد فتاة ،ضبطت في صحبة رجل في الليل..!!..

  الوحدة الترابطية العضوية
 


عبد الرحمن سيساكو المخرج الافريقي الي جعل الريح تتكلم في افلامه

فيلم " تمبوكتو " للموريتاني عبد الرحمن سيساكو يسير على قطارين أو شريطين : قطار أو شريط الحكاية البسيطة التي يحكيها لنا الفيلم ويسرد علينا وقائعها ،وهى حكاية تبدو لنا ساذجة للغاية ومفبركة، أي مصنوعة، ARTIFICIALوتفتقد المصداقية ولاتقنعنا..وقطار " الخطاب  الايديولوجي " DISCOUR  السلفي المتشدد الذي تنتهجه الجماعات الارهابية في الفيلم ،ويظهر في افعالها وممارساتها، وهو خطاب بدا لنا أيضا  بدائيا جدا ومتخلفا ، وبخاصة من خلال تصرفات ذلك الحاكم العام الذي يهبط من داخل سيارته في أحد المشاهد،عندما ظهرت شجيرة في وسط التلال كما لوكانت الشعر الذي يغطي الجهاز التناسلي عند إمرأة، لكي يقصها ويخفيها ويزيلها من الوجود، فحتي الطبيعة- كما يكشف الفيلم بسذاجة-  نجد انها " تعاقب " هنا ايضا في الفيلم، مثلها في ذلك مثل البشر..
يضبط سيساكو ايقاع فيلمه عندما يسير على شريط الحكاية ، فيعجبنا ويأسرنا، فهو من وجهة نظرنا المخرج الافريقي الوحيد الذي يستطيع ان يجعل " الريح " تتكلم في أفلامه كما فعل في فيلمه الأثير "في انتظار السعادة " ! لرقته وحيائه وهدوئه، وتلك الانسيابية في الطريقة التي يصنع بها افلامه وتمنحها تدفقها وحيويتها – ياللروح الافريقية المتوثبة -  لكنه يتعثر للأسف عندما يسير على شريط تقديم الخطاب الايديولوجي الفاشي السلفي في الفيلم ويحتال من خلال القصة البسيطة التي يحكيها على تقديمه وبخاصة في مشاهد المحاكمة في الفيلم التي وجدناها بطيئة جدا وطويلة جدا ومملة جدا، وكانت النتيجة مرواحة الفيلم بين شريطين وايقاعيين ، فسقط الايقاع العام للفيلم وأسفاه، وافتقد " الوحدة الترابطية العضوية " التي تمنح الاعمال الفنية تألقها وزهوها ، وضروريتها أيضا ..

صلاح هاشم مصطفى

ليست هناك تعليقات: