الأربعاء، مايو 07، 2014

فيلم " الخروج للنهار " لهالة لطفي حالة سينمائية شديدة الثراء بقلم د. فاروق ابراهيم


مختارات سينما إيزيس





 لقطة من فيلم الخروج للنهار


فيلم الخروج للنهار لهالة لطفي :

حالة سينمائية شديدة الثراء..
  وصراع درامي عالي القيمة

بقلم

 د. فاروق ابراهيم 


إنه خروج علي كل الأشكال والرؤي للسينما النمطية وضوء ساطع لنهار جديد ومتجدد.. وبمثابة روح وثابة لمتتاليات أيام وليالي حتي يبزع نهار الحقيقة وبلا رجعة. إنها لحظة انتظار الموت.. دون أن يتسرب لدينا الخوف أو الهروب من حقيقته.. انتظارا لقدومه.
ويتميز فيلم الخروج للنهار للمخرجة هالة لطفي بحميمية شديدة الثراء.. وحالة إنسانية لم نتعودها من قبل في أعمال سينمائية.. فرغم ما يكتنف الفيلم ويحيط به جو من الكآبة والحزن الدفين.. والأمل المؤقت.. نري ذلك جليا.. من خلال ذلك الأب.. الراقد علي سرير.. انتظارًا لنهاية.. وقد بلغ من العمر أرذله.. وأسرته المتواضعة.. وهم يعايشون نهاية هذا الإنسان.. وقدراته تتناقص يوما بعد يوم لمجابهة ظروفه الصحية والنفسية المتدهورة.. إنها حالة صراع درامي عالي القيمة.. من ابنة افنت زهرة عمرها الافتراضي في تمريض أبيها.. دون أن يعتريها الوهن أو الألم.
لقد فقدت تلك الابنة كل متعلقات وجودها كأنثي.. شعر أشعث أغبر.. أنوثة ضلت وجودها وبلا رجعة.. حتي مع من أحبته.. أو هكذا كان.. إنه زمن الكذب والهروب بلا سبب.. وأم ظل الحنين إلي الزمن الجميل.. يطاردها ويحاصر ذكرياتها مع أغاني أم كلثوم.. فتنسي ألم وجودها.. مع شريط أيامها مع شريك العمر.. ونهر حبها الذي كان.. ومازال.. فتبث حبها.. لعل أنغام الموسيقي.. تشارك هذا الجسد المسجي بلا حراك نشوة حب عميق.. وقدر محتوم.
إن الخروج للنهار.. حالة سينمائية خارج الصندوق المرئي الذي ألفناه في معظم أفلامنا التي تستدر عواطفنا فالفيلم ليس نطاقه.. ومرئياته عن المرض فقط ومعاناة من يصاب به.. انتظارا لمجهول قد تطول فترة انتظارنا له.. بل عن تلك اليوميات التي مازالت تستطر بإحكام.. بل يدور في محتواها حول كيفية التكيف مع تلك الحياة الموحشة.. والمكتوب علينا أن نعيش بها.. ومعها بل تتكيف مع كل تداعياتها حتي لو فقدت الابنة ربيع شبابها.. وفقدت كل متعلقات قلبها الذي ينبض.. ولكنه.. نبض ووجود ضل الطريق.. بل يجب علي الجميع الهرولة نحو ما هو آت رغم قسوة الحياة.. فالجميع في مرئيات الفيلم وأحداثه يهرولون نحو عملية التكيف.. الوجداني مع قسوة المرض. فالحياة ليست وردية.. كما كانت مع ذكريات الزوجة الصابرة المؤمنة بقضاء الله وقدره.
فالجو العام رغم رمادية الصورة أمامنا.. إلا أنه أعطي مفهوما للمرض.. عند تلك الأسرة الصغيرة.. التي أعطت مثالا للعناء انتظارا.. للنهاية. دون أن تتعجلها.. أو تدفع بها للنهاية بأي ثمن بل الصبر ومجابهة المحن هو شعار.. يرتفع يوما بعد يوم حتي حينما ذهب الأب إلي المستشفي انتظارا للنهاية.. إن هذا الانتظار المؤجل كالحب المؤجل.. والأحلام التي تلاشت علي ناصية حب يستحيل.
حتي جاءت النهاية المفتوحة وكأنها تجربة وحالة شخصية مكتوبة علي الشاشة بعناية شديدة.. أحداثها رصد الحالة النفسية لهذه الأسرة والأحداث الجانبية تدعم البناء الدرامي للفيلم- تتأمل الفتاة من حولها حبيبها غدر بها.. سائق الميكروباص.. وحياته ومعاناته اليومية- البنت التي مازالت تعيش في وهم الخرافات والحسد.. القريب الذي يقترب من الأسرة.. ولكنه بعيد كل البعد عن مشاعر الابنة التي دفنت مع حبيب مجهول ومريض أنساها كل شيء جميل حولها.. حتي وهي تتجمل لوهم قادم.. ولكنها عايشت كل ذلك.. بلا خوف أو توجس أو حتي ندم ما.
حاز الفيلم علي العديد من الجوائز لتميزه.. مثل ذهبية مهرجان وهران وبرونزية أيام قرطاج السينمائية وجائزة أفضل مخرج عربي.. إن الخروج للنهار تجاوز مفهوم الموت المؤجل. وتجاوز جو الخوف والتوتر.. حتي أنه تجاوز كآبة المشاعر.. ونقلنا إلي بزوغ نهار جديد.. والغد القادم.
تحية لكل من ساهم في طلوع شمس النهار..خاصة للمخرجة المتميزة هالة لطفي.. فقد شاهدنا فيلما يحتاج إلي مراجعات.. وقراءة بصرية.. في ضوء النهار.. من جديد. 

عن جريدة " الجمهورية " المصرية

                                                

ليست هناك تعليقات: