الأربعاء، يونيو 24، 2009

فيلم " الي أبي " لعبد السلام شحادة يروي الحكاية .بقلم عز الدين شلح





عبد السلام شحادة


يروي الحكاية في فيلم " إلى أبي "


ويفوز بالصقر الذهبي في مهرجان الفيلم العربي


روتردام


كتب عز الدين شلح


بلغة سينمائية جميلة حاكى الواقع الفلسطيني، لمس تفاصيل المكان والزمان وببراءة شديدة جداً وبأمل وألم وأحاسيس دافئة وبشوق وعشق للماضي البعيد، يروي المخرج الفلسطيني عبد السلام شحادة الذي فاز بالجائزة الأولى ( الصقر الذهبي )، في مهرجان الفيلم العربي بروتردام في مدة ( 54:17 دقيقة ) حكاية فيلمه " إلى أبي " ليخبره بتفاصيل الحياة اليومية الفلسطينية، عذراً ليس فيلما بل واقعاً عشنا وتعايشنا معه ليبلغه بأن الصورة ليس كما كانت، بل أصبحت مؤلمة باكية.

المخرج شحادة روى عدد من المفاصل المهمة في حياته برمزية تعبر عن عمق المأساة الفلسطينية والتي لها علاقة بالصورة، فمنذ طفولته عشق الكاميرا وأصبحت بالنسبة له الحبيبة الجميلة ذو العيون الناعسة والقوام المنصوب، وهو ما قد أدى إلى أن يرى الحياة الفلسطينية من خلال الصور، نشعر وكأن عيناه كاميرا متحركة، يرى الأشخاص والأحداث في كوادر بأحجام مختلفة، وثقت على مدار سنوات بالصوت والصورة حكايته، بدأت قصته مع أستوديو للتصوير الفوتوغرافي، لنشاهد الصور القديمة ذات اللون الأسود والأبيض وجمالها، على إيقاع أغنية سيد مكاوي " ياحلاوة الدنيا "، تعبيراً عن الفرحة لتلك الصور، كيف كان المصور يمضي وقتاً طويلاً وهو يجمل في الصورة لتصبح أحلى، أحب الصورة منذ طفولته لأنها تجمعه مع أصدقائه ولأنها لا تكبر عندما يكبر فتذكره بالطفولة، كان يلمس عمق العلاقة ما بين الناس، شاهدنا الصور الثابتة وكأنها متحركة من خلال كاميرته التي خلقت حياة للصور الثابتة، وبصوته الدافئ وباختياره اللهجة العامية عزف على أحاسيس المُشاهد ليتتبع حكايته مع الصورة.

في الدقيقة الخامسة والعشرين ومن منظور عمر المخرج شحادة الذي تجاوز في نكسة عام 1967 السبع سنوات يصف النكسة " لما احتلونا اليهود، شعرت وكأنه زلزال، الكل يجري ما بعرف شو صار، صور جمال عبد الناصر وعبد السلام عارف بدأت تختفي بالخنادق وتنحرق، صارت الناس خايفة من الصور، أشياء كثيرة تغيرت بسرعة، جارنا بدأ يدور على أولاده، وجارنا أبو سمير اختفى، والضابط المصري اللي بيسكن قدامنا كمان اختفى، أختي لبست ثوب والدتي، وأخي اللي يدرس في مصر صار مش قادر يرجع، وأخي الثاني أعتقل، وجدتي كان لها ابن وحيد غاب وبقت وحدها حتى توفيت، حتى أم أشرف التي كانت تلون لنا البيض في موسم شم النسيم اختفت، ومحطة القطار صارت فاضيه وبطل حدا يستنا حدا، والمخيم لونه تغير وصار يخوف والصور كمان صارت تخوف".

وصف النكسة ومأساتها وانعكاساتها على طفولته من خلال الصور التي التقطتها عينيه، وكيف حول الاحتلال الصور الجميلة إلى خوف، إلى صور تكسر وتحرق وترمى في الخنادق، بل وأصبحت سلاحاً في يد الاحتلال لاعتقال الفلسطيني بناء على الصور، وبذلك سرق الاحتلال ابتسامة الأطفال وحولها إلى خوف ورعب، وترك لهم صورته البشعة.

تعرض إلى فصل الشتاء الجميل الذي له نكهة خاصة لدى كل شعوب الأرض بأنه يكره فصل الشتاء لأنه يرتبط بالاحتلال الذي يلاحق الأطفال في شوارع المخيم مما يؤدي إلى تعثرهم في الهروب وسقوطهم بسبب مياه الشتاء التي تملئ الشوارع.

مع بداية انتفاضة الحجارة عام 1987، حمل المخرج شحادة الكاميرا والتي شعر من خلالها بالقوة والجرأة ليرصد أطفال المخيم ومعركتهم مع الاحتلال، وأصبح يبحث عن حريته في الصورة " صرت أصور الأولاد اللي بيرموا حجار، تعرفت على الاحتلال أكثر، صاروا الجنود بيطخوا وكأنه في حفلة صيد، بس الناس ظلت ترمي حجار، وصورنا صارت على كل التلفزيونات، ولما صار السلام الكل صدق وصاروا الأولاد بيعطوا الجنود أغصان الزيتون الكل صدق بس الجنود الإسرائيليين اللي ما كانوا مصدقين وما بدهم يصدقوا، لأنه أخر دورية احتلال طلعت من غزة طخت ولد وهو راجع من المدرسة ".

وهنا يعبر المخرج عن بشاعة الاحتلال ورفض المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للسلام وعن الإرادة والصمود الفلسطيني.

الصورة أصبحت ملونة وبشعة والاحتلال زادها بشاعة، نشاهد صور لأطفال ونساء تبكي، وصور أسرى وشهداء، ونسمع صوت المخرج شحادة " أصبحت الصور في الشوارع والميادين وعند الرسامين، صار المصور يخاف من الصورة بطل يضويها ويعتني فيها، وأصبحت تبكينا، صار اللثام على وجوهنا صرنا مش عارفين أصحاب الصور، وصاروا هم مش عارفين حالهم، الصور انطبعت.. يا ريت تظل بدون أصل ( نجتف ) ولا أرشيف علشان أولادنا".

عبر بألم وحزن ورمزية عن ما آلت إليه الأمور في وضعنا الفلسطيني، عن الصور التي أصبحت يملئها الحزن، عن الوجوه التي اختفت ملامحها خلف اللثام وأصبحوا يلهون في الحياة الفلسطينية، تمنى أن لا يكون لهذه الصورة أصل ولا أرشيف من أجل مستقبل أطفالنا، ويروي بألم " زمان لما كنت أنظر في عدسة الكاميرا القديمة كنت أرى الناس مقلوبين لكن الواقع غير ذلك، لأنه الناس كان بينهم المحبة والمودة، لكن اليوم لما أنظر لعدسة الكاميرا الجديدة أرى الأشخاص أصحاء والواقع أن الصورة مقلوبة ومشوهة تحتاج إلى من يضويها ويعتني بها.

ويتمنى أخيراً ونحن نسمع صوت فيروز " طيري يا طياره طيري " ونشاهد أطفال وهم يلهون في الطيارات الورقية على شاطئ البحر بأن تجرب الناس حب بعضهم البعض، لتصبح الصورة جميلة، وهنا يدعو إلى الوحدة والتلاحم ما بين الشعب الواحد من أجل مستقبل مشرق.

ناقد سينمائي فلسطيني

Samed_tv@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: